أدب الاختلاف في الإسلام

يعتبر الحوار مبدءا مقدسا في تاريخ الحضارات والفلسفات وحتى في الديانات السماوية , والشعوب والأمم التي إحنرفت الحوار كمسلكية ثقافية وإجتماعية و حياتية إستطاعت أن تترك بصمتها في المسرح الحضاري والإنساني . والحوار البناء هو ذلك الحوار الذي يراكم العملية الحضارية والثقافية والتي بدونها يكون شكل الحياة باهتا حزينا أحاديا , فمثلما تقوم الطبيعة على التنوع الخلقي و النوعي والشكلي واللوني وهذا مما يزيد الحياة بهجة وتألقا , فكذلك المشهد الثقافي يكون راقيا ومتألقا كلما كان متنوعا ومتعددا ..ويصبح المثقف في هذه الحالة هو المدماك الذي يقوم عليه المشهد العام .. والثقافة هي التي تعطى للحياة البعد الجميل وهي التي تشعرنا بجمالية الإنسان في كل أبعادة وبجمالية الكون أيضا . والعلاقة بين الإنسان والثقافة علاقة قديمة للغاية بل هي ملازمة له منذ ميلاد الإنسان الأوّل , ومنذ اللحظة الأولى للإنسان تأسسّت معادلة مفادها أنّه لا إنسانية بدون ثقافة , ولا ثقافة بدون إنسان , ولا إزدهار ثقافي بدون الحوار بين كل الرؤى و الأفكار المتعددة . و الاختلاف سنة ربانية لا لا مفر منها , فالناس يختلفون في ألوانهم، وأشكالهم وقبائلهم، وميولهم وعقولهم، وفي كل شيء، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ الروم: 22

نص الحلقة

<p>المحور الأول:</p> <p>يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله، وبيّاكم، وجعل الجنة مثواكم.&nbsp;</p> <p>يعتبر الحوار مبدأً مقدّسًا في تاريخ الحضارات والفلسفات، وحتى في الديانات السماوية والشعوب والأمم التي احترفت الحوار كمسلكية ثقافية واجتماعية وحياتية استطاعت أن تترك بصمتها في المسرح الحضاري والإنساني. والحوار البنّاء هو ذلك الحوار الذي يراكم العملية الحضارية والثقافية، والتي من دونها يكون شكل الحياة باهتًا، حزينًا، أحاديًا. فمثلما تقوم الطبيعة على التنوّع الخلقي والنوعي والشكلي واللوني، وهذا ما يزيد الحياة بهجة وألقًا، فكذلك المشهد الثقافي يكون راقيًا ومتألّقًا كلّ ما كان متنوّعًا ومتعدّدًا. ويصبح الفقيه والمثقف ومنتج المعرفة في هذه الحال هو المدماك الذي يقوم عليه المشهد العام، فكيف يا ترى يكون شكل حياتنا من دون قصيدة جميلة؟ أو من دون كتاب مؤنس؟ أو من دون أفكار حية؟ ومن دون مسرح متألق؟ ومن دون رواية إنسانية مؤثرة؟ ومن دون حوار الثقافات وأدب الاختلاف؟ ومن دون التعدّدية الفكرية والأديولوجية؟ ستكون حياتنا عندها ومن دون الثقافة حياة جافة من دون معنى ولا مغزى. والثقافة هي التي تعطي للحياة البعد الجميل، وهي التي تشعرنا بجمالية الإنسانية في كل أبعادها وبجمالية الكون أيضًا. والعلاقة بين الإنسان والثقافة علاقة قديمة للغاية، بل هي ملازمة له منذ ميلاد الإنسان الأول. ومنذ اللحظة الأولى للإنسان تأسّست معادلة مفادها أنه لا إنسانية من دون ثقافة، ولا ثقافة من دون إنسان، ولا ازدهار ثقافي من دون الحوار. وأدب الاختلاف بين كل الرؤى والأفكار المتعدّدة. والاختلاف سنّة ربانية لا مفرّ منها، فالناس يختلفون في ألوانهم، وأشكالهم، وقبائلهم وميولهم وعقولهم وفي كل شيء. قال الله تعالى "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين" في سورة الروم.</p> <p>والاختلاف أمر فطري وطبيعي بين البشر، وجاء الإسلام لينظّم هذا الخلاف وليضع له آداب وقواعد. وهو محمود إذا كان سيساهم في إثراء الأفكار وبلورة المشاريع وتقويم الإعوجاج وتصحيح البناء وتمتينه، وهو مذموم إذا أدّى إلى الفرقة والتقاتل والكراهية والطائفية. إنّ محاولة جمع الناس على رأي واحد في أحكام العبادات والمعاملات ونحوها من فروع الدين محاولة لا يمكن وقوعها كما إنّ محاولة رفع الخلاف لا تثمر إلا إذا توسّعت دائرة الاختلاف. يمكن أن نختلف ونحترم الآخر، ونحسن الظن به ونقدّر ما لديه من مؤونة علمية ونميل إلى الدليل العقلي والنقلي الصحيح. وأن يكون الاختلاف لإحقاق الحق وتقديم الجديد، لا تصيّد أخطاء الآخرين وتسجيل نقاط ضد هذا وذاك.</p> <p>"أدب الاختلاف في الإسلام" عنوان برنامج أ ل م، ويشاركنا في النقاش الشيخ العلامة الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر الشريف، وهنا معي الشيخ الفاضل محمد الزعبي الباحث في الفكر الإسلامي وعضو تجمع العلماء المسلمين.</p> <p>مشاهدينا مرحبًا بكم جميعًا.</p> <p>"مناهج الجدل في القرآن الكريم" زاهر عواض الألمعي</p> <p>للجدل مدارس ومناهج تتبع، ونتائج قوية تتحقق وقد اتخذ الحوار الجدلية مكانة مهمة بين العرب، بل وبين العقول البشرية كافة. وكما كان القرآن الكريم خاتم الرسالات والكتب السماوية فقد جاء شاملًا بليغًا لا غبار عليه، ولا اختلاف على إعجازه البديع. فيكفي أنّه كلام رب البرية عزّ وجلّ، فمن خلال هذا الكتاب سنتعرف إلى مواضع الجدل التي جاءت في القرآن الكريم، كما سنتعرف أيضًا إلى المنهج المتبع في القرآن الكريم للجدل والحديث بالحجّة والبراهين. الكتاب يحمل تفسيرًا لبعض آيات الذكر الحكيم، كما يحمل دراسة منهجية لموضع الجدل ومناهجها في القرآن الكريم.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور أحمد كريمة من مصر الحبيبة حيّاك الله، وبيّاك، وجعل الجنة مثواكم وسبحان من سوّاك. عندما نتأمل الوردة الحمراء والوردة الصفراء والوردة البنفسجية والوردة التي فيها ألوان متعددة ندرك أنّ الله تعالى أراد للبشر أن يكونوا كذلك متنوعين يقبل بعضهم بعضًا. ماذا عن قواعد وآداب الاختلاف في الإسلام هذا أولاً؟ ثانيًا هل كان السلف الصالح في هذه الأمّة عندما يناقش ذاك يقول له يا ملعون، يا سيّئ الخلق يا عديم الضمير يا نجس يا مجوسي يا رافضي، يا أشعري، يا ماتوريدي؟ أم كان الخلاف إعلام يدك الله تعالى أننا نميل إلى هذا الرأي بناءً على قوله تعالى بناءً على قول رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم؟</p> <p>أحمد كريمة: السلام عليكما ورحمة الله تعالى وبركاته.</p> <p>يحيى أبو زكريا: وعليكم السلام.</p> <p>أحمد كريمة: من مآذان الأزهر الشريف بالقاهرة بمصر إلى شجرة الأرز في لبنان الحبيبة صرف الله عن بلاد المسلمين كل خطر وضرّ وشرر.</p> <p>يحيى أبو زكريا: إلهي آمين يا رب.</p> <p>أحمد كريمة: وتحياتي إليكم إلى مقامكم السامي، وأنت من دون مجاملة أو مداهنة مرابط على ثغور الإسلام الفكرية أيّدك الله، وتقبّل الله منك.</p> <p>يحيى أبو زكريا: أعزّك ربي إن شاء الله.</p> <p>أحمد كريمة: سلامي للباحث العلامة الأخ الفاضل الأستاذ الشيخ محمد الزعبي، وتحياتي لتجمع علماء المسلمين في بيروت الحبيبة.</p> <p>يحيى أبو زكريا: حيّاك الله.</p> <p>أحمد كريمة: الحقيقة ما تفضّلتم بطرحه وعرضه هو حديث الساعة لأننا نجد ما بقي من الأمة في تناحر وتدابر وتحاسد وتباغض. والبوصلة العلمية أو الثقافية أين كانت في عِلم مقارنة الأديان؟ أو في عِلم الفقه المقارن؟ أو في ما سوى ذلك؟ للأسف مضت عليها سنوات وهي في أحادية الرأي لا سيّما بعد تلوث الفكر الإسلامي بالوهابية المتسلّفة من جانب، وبالإخباريين في غلاة الشيعة من جانب آخر، ولذلك هذا الأمر الذي يطرح ويعرض أمر لا يقدم عليه إلا الأفذاذ مثل العلامة يحيى أبو زكريا حفظه الله.</p> <p>بالنسبة للتنوّع الثقافي والتنوّع الفكري والحوار والمجادلة والمناظرة مدخل بسيط في عجالة. أولًا هناك فرق بين المجادلة، وهناك فرق بينها وبين المناظرة. المناظرة هي إبداء الآراء بموضوعية وواقعية وتوصل إلى الحق سواء كان الحق معي أو مع أخي، والنماذج الباهرة موجودة، لا سيّما من الإمام علي إبن أبي طالب عليه رضوان الله وعلى سائر آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.</p> <p>نحن نقرأ في الكتب وفي المصنّفات المناظرة الراقية السامية للإمام علي إبن أبي طالب حينما ناظر الخوارج بعدما قتلوا الصحابي عبد الله إبن خباب رضي الله عنه وأرضاه، ودارت المناظرة حول معركة الجمل وحوالسها وأحداثها. والطبري في تاريخه، والمبرد في الكامل وغيرهما أوفوا الموضوع حقه، ثمّ عند مناظرة الإمام علي إبن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه للخوارج بصفة عامة، وعلى هداه كانت المناظرة من سيدنا عبد الله إبن عباس رضي الله عنهما للأزارقة والنجديين من الخوارج، وهذا مذكور بتمامه في الاتقان في علوم القرآن للسيوطي. ثمّ أيضًا لإبن عباس رضي الله عنهما مناظرة للحرورية الخوارج، وأيضًا المبرّد في الكامل أوفاها حقّها، وابن الجوزي في تلبيس إبليس والعياذ بالله. وهناك في التراث السنّي على وجه الخصوص مناظرة في حكم تاركة الصلاة بين الإمام الشافعي رضي الله عنه، وبين الإمام أحمد إبن حنبل رضي الله عنه. وهناك أيضًا مناظرة بين الإمام الليث إبن سعد الفقهي المصري رحمه الله، وبين الإمام مالك ابن أنس رضي الله عنه. كذلك في حكم عمل أهل المدينة هل هو دليل شرعي؟ أو لا؟ دليل شرعي هنا ننسى الخلاف الراقي السامي بين الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وبين تلميذيه النجيبين محمد إبن الحسن وأبي يوسف.</p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخ أحمد حبّذا لو نتوقف عند هذا الإرث لننطلق منه، ونراكم عملية التنظير والتأسيس والتأصيل في مسألة الاختلاف وكيف كانت قواعده.</p> <p>أمهلني دقائق، ثمّ سأعود إليك مستأنفًا الحديث.</p> <p>شيخ محمّد ذكر العلامة أحمد كريمة حفظه الله تعالى أن الاختلاف كان سنّة حميدة والمناظرات كانت قائمة في الموروث الإسلامي. طبعًا عندما تدقّق وتقرأ هذه المناظرات الراقية تجد أنها تتمتّع بأسلوب أدبي رفيع بفصاحة بليغة، وهي لم تخرج من أدبيات القرآن والجدل القرآني القائم على الحجّة والبرهان والمنطق. كيف خرجنا إذًا من هذا الإرث الأخلاقي في التحاور والتناظر بغية إحقاق الحق إلى التسابُب، إلى التلاعُن، إلى التشاتُم؟</p> <p>محمد الزعبي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة، والسلام على أكرم الأولين والآخرين سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان وعلى سائر من سار على صراط الله إلى يوم الدين.</p> <p>طبعًا أحيّيكم أستاذ يحيى، وأوّجه تحياتي لسماحة العلامة الأزهري الباحث الكبير الأستاذ أحمد كريمة، وأحيّي كل المشاهدين. نعم كما تفضل سماحته، وكما تفضلتم التراث غني بالمناظرات العلمية والأدبية من الصحابة. والقرآن الكريم مليء بكيفية محاورة الأنبياء لأقوامها، لكن بالمقابل أيضًا كان هناك طرف آخر ضد الأنبياء ضد النبي يحاور بطريقة مختلفة.</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح.</p> <p>محمد الزعبي: للأسف اليوم ما تذكرونه لم يتأسّوا بسلفهم، بل تأسّوا بالسلف القرشي الجاهلي. محمد عليه وآله الصلاة والسلام يقول قُل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. هل عندكم من علم فنخرجه كل هذا سطّره القرآن الكريم.</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح.</p> <p>محمد الزعبي: إنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. الطرف المقابل لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون ساحر مجنون رافضي مجوسي الخ.</p> <p>إذًا هؤلاء لم يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إنّما تأسّوا بأبي جهل. هذه طريقة أبي جهل في النقاش والخلاف، طريقة أبي جهل. أولًا أحذّرك، انتبه من فلان، انتبه من هذا الكتاب، لا. النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو إلى معرفة مفتوحة وفتح الساحة للمعرفة التي كانت جزءاً من دعوة الأنبياء. إغلاق الساحة ومنع التفكير كانت دعوة الآخرين هي دعوة قريش ودعوة الجاهلية ودعوة كل أعداء الأنبياء عبر التاريخ نرجمنكم اسحلوهم في الشوارع، أي أحد يختلف مع أحد يسحلوه في الشارع.</p> <p>يحيى أبو زكريا: لنقطعنّكم لنصلبنّكم.</p> <p>محمد الزعبي: وحرقوه، هذا أسلوب الجاهلية. إذًا هؤلاء لم يتأسّوا بالأنبياء، ولا برسول الله صلى اله عليه وآله.</p> <p>يحيى أبو زكريا: قبل الأنبياء سماحة الشيخ فضيلة الشيخ الموقّر كان الله مؤدّبًا مع الإنسان، الله تعالى هو علّة الوجود وموجد الوجود وواجب الوجود بتعبير كل الفلاسفة، وهو قادر على الإيجاد والإعدام في نفس الوقت يقول للذي كفر به ما غرّك بربك؟ الكاف هنا قاتلة مولانا الكريم، نسب هذا الإنسان إليه وهو كافر به ومع ذلك ما غرّك بربك؟</p> <p>محمد الزعبي: يا حسرة على العباد.</p> <p>يحيى أبو زكريا: كأنّ الله يتحنّن إلى من خلق، ويتقرّب إلى من خلق، وقد عصوا وكفروا. قبل الأنبياء آداب الله في القرآن حتى مع إبليس، ما منعك أن لا تسجد؟ ما قال له اسجد. لم يقل له يا صعلوك يا كذا، وهو قد عصى ربّه. ما منعك أن تسجد؟ أجب. وعلمًا أنّ العلم لديه، والسؤال هنا ليس استنكاريًا، ولا استفهاميًا. الله عالم بهذا الأمر بشكل كامل. فالله قبل الأنبياء كان مؤدّبًا مع الإنسان ومع رسله والأنبياء.</p> <p>محمد الزعبي: نعم كما تفضلتم. تخلّقوا بأخلاق كما ورد عند الغزالي في الإحياء، لكنّهم لم يتخلّقوا بأخلاق الأنبياء والصحابة وآل البيت. لم يتخلّقوا بأخلاق التابعين، إنّما قفزوا فورًا إلى أعداء الأنبياء. يعني حينما تجد هذا التحذير، لا تسمع لفلان، ولا تقرأ الكتاب الفلاني. إذًا الخوف من فتح الساحة، فمثلًا اليوم هناك علماء ربما أنا أرى أنّهم شذّوا، أو ابتعدوا كثيرًا عن الدلالات القرآنية، لكن قدّموا أشياء ليس من حقي أن أغلق الساحة في وجههم. لماذا ليس من حقّي؟ لأنّ محمدًا صلّى عليه وآله وسلّم كان يدعو إلى ساحة معرفية مفتوحة. هل عندكم من علم؟ هو لا يخاطب الأستاذ محمّد شحرور رحمه الله أو غيره، هو يخاطب من يعبدون الأوثان. هل عندكم من علم فتخرجوه لنا، قدّموا نظريتكم بالكامل، طيب هذا في مكة. هل في المدينة المنورة كان النبي (ص) يحتال على الناس؟ وهل أصبح يتصرّف مثل قريش عندما وصلت إليه السلطة؟ حشاه.</p> <p>إذًا، كانت دعوة النبي في كل حياته موجهة نحو المعرفة المفتوحة. قدّم كلّ ما عندك، لذلك كنّا نجد أن القرآن يذكر للمنافقين أقولًا خطيرة جدًا تمسّ بأمن الدولة. لا تنفقوا من عند رسول الله في أعظم الحالات وأسوأ الظروف &nbsp;ما وعدنا الله إلا غرورًا. ومع ذلك سطّر القرآن مقالتهم، لم يسحلهم النبي (ص) في الطرقات.</p> <p>يحي أبو زكريا: لم يسحلهم، ولم يذكر أسماءهم. وعندما قيل لرسول الله (ص) أنت تعرف المنافقين، لمَ لا تذكرهم؟ قال لا أريد أن يقال أنّ محمدًا تعرّض لبعض أصحابه.</p> <p>فضيلة الشيخ أحمد هناك خلافٌ محمود وهو الذي يطوّر النظرية العلمية، ويقينًا هنالك خلاف مذموم وهو الذي يزيد الفرقة ويكرّسها. ماذا عن هذا الأمر في النصوص القرآنية والنبوية؟</p> <p>أحمد كريمة: أحسنتم، وقد حصلنا على الفائدة حفظكما الله، وأيضًا المتابعين والمشاهدين الكرام في قناة الفكر الحرّ الميادين.</p> <p>يحيى أبو زكريا: أعزّك الله.</p> <p>أحمد كريمة: وهي ميادين الثقافة الحرّة والواعدة. بالنسبة للنصوص القرآنية في الحوار البنّاء أولًا. أول إطلالة فيما بدأت به الدنيا توجد في سورة البقرة، وهو حوار ديني بين الله عزّ وجلّ وملائكته، الله بجلاله حوار ملائكته، "وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك، قال إنّي أعلم ما لا تعلمون، وعلّم آدم الأسماء كلّها ثمّ عرضهم على الملائكة قال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا". أول حوار ديني مع بدء الخليقة &nbsp;والإنسانية والبشرية كانت مع الله عزّ وجلّ مع ملائكته.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور أحمد لأنّ حديثك زلال، وكلّنا نتلذّذ به فكريًا. لديّ فاصلٌ قصير، وأعود إليك بُعيده مباشرةً.</p> <p>مشاهدينا فاصلٌ قصير، ثمّ نعود إليكم، فابقوا معنا.</p> <p>"كتاب أدب الاختلاف في الإسلام" طه جابر العلواني&nbsp;</p> <p>تعدّدت وتشعّبت أمراض الأمّة الإسلامية حتى شملت جوانب متعدّدة من شؤون الدين والدنيا، وممّا يثير العجب والاستغراب أنّ الأمّة لا تزال على قيد الحياة، لم تصب منها تلك الأدواء والعلل مقتلًا على كثرتها وخطورتها، وبعضها كان كفيلًا بإبادة أمم وشعوب لم تغن عنها كثرتها ولا وفرة مواردها. ولعلّ مردّ نجاة &nbsp;هذه الأمة إلى هذا اليوم &ndash; رغم ضعفها وهرمها &ndash; هو وجود كتاب ربّها وسنّة رسولها صلّى الله عليه وسلّم واستغفار الصالحين من أبنائها. ولعلّ داء "الاختلاف" أو "المخالفة" من أخطر ما أصيبت به الأمّة الإسلامية من أمراض، ذاك الداء المستفحل المتفشي الذي شمل كلّ حقل وكلّ مصر وكلّ مجتمع، وضمّ في دائرته البغيضة النكدة الفكر والعقيدة والتصوّر والرأي والذوق والتصرّف والسلوك والخلق والنمط الحياتي وطرائق التعامل وأساليب الكلام والآمال والأهداف والغايات البعيدة والقريبة، حتى خيّم شبحه الأسود على نفوس الناس فتلبّد الجو بغيوم أوهام أمطرت وابلها على القلوب المجدبة، فأنبتت لفيفًا من الأقوام المتصارعة المتدابرة وكأنّ كل ما لدى هذه الأمة من أوامر ونواهٍ وتعاليم &nbsp;يحثّها على الاختلاف ويرغّب في التدابر والتناحر!!</p> <p>المحور الثاني:</p> <p>"الحوار منهج حياة، تأمّلات في الحوار في القرآن الكريم" الحسين زروق</p> <p>تأمّل الحوار في القرآن الكريم، تجد أنّ دافعه الخوف من أن نكون السبب في امتناع الآخرين عن قبول ما نعرضه عليهم من أفكار ومبادئ بسبب جفاف خطابنا أو خشونته، أو مخالفة أقوالنا لأفعالنا، أو عدم وجود الإيمان الكافي، ما يجعلنا فتنة لهم، وهدفه الانتقال &ndash; على مستوى المعتقدات والأفكار والتصورات &ndash; من فكر القوة إلى قوة الفكر. أمّا لماذا الحوار؟ فلأنّ لغة العضلات قد اقتحمت عالم الأفكار والمعتقدات. وأما لماذا القرآن الكريم؟ فلأنّه نص النصوص وكتاب الحوار الأول يقدّم إلينا في ما يقارب 3 في المئة من مادته اللغوية من خلال مجموعة من التوجيهات والنماذج دعوة إلى أن يكون الحوار منهجًا في حياتنا.</p> <p>يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلًا بكم من جديد. من أدرك حلقتنا الآن نحن نعالج موضوع أدب الاختلاف في الإسلام، وما أحوج خط طنجة جاكرتا إلى الأدب والأخلاق والرقي العرفاني والرباني. وهنالك كتب كثيرة واقعًا وضعت سابقًا ولاحقًا في خط طنجة جاكرتا. من هذه الكتب القواعد الذهبية في أدب الخلاف، أدب الاختلاف في الإسلام للدكتور طه العلواني مدير المركز الإسلامي السابق في أميركا طبعًا توفّى رحمة الله عليه، مناهج الجدل في القرآن الكريم، والحوار منهج حياة والكتب كثيرة لمن رغب في أن يستزيد من العلم.</p> <p>شيخ أحمد كنت تتحدّث عن الله وهو يحاور الملائكة، فأوقفناك، فهلّا تفضلّت وأكملت.</p> <p>أحمد كريمة: بارك الله فيك. هذا كان أول حوار في بدء الخليقة بين الله عز وجل وبين الملائكة، والملائكة عبيد لله، لكن لم يمنع هذا &nbsp;أنهم استفهموا من الله، أتجعل فيها من يفسد فيها إلى آخر الآيات في بدايات سورة البقرة. وأيضًا حينما نسترسل مع القرآن الكريم، فمثلًا &nbsp;مع أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام مع النمرود حينما حكى القرآن الكريم هذه المحاورة، "ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربّي الذي يُحيي ويميت"، رد نمرود بقياس ليس في محله قال: "أنا أحيي وأميت"، فجاء بشخص محكوم عليه بالإعدام من السجن، فعفا عنه، وجاء بإنسان بريء محبوس احتياطيًا فأمر بإعدامه. فعرّفنا سيّدنا إبراهيم عليه السلام أنّ الرجل لا يفهم هذه الجزئية، فانتقل إلى جزئية أخرى والمعروفة بالجدل الراقي قال له "إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر". ولكن سيّدنا إبراهيم كما تفضلت أخي العلامة الإعلامي الواعد المعدود من القلة القليلة أستاذ يحيى أبو زكريا، لم يتحدث سيدنا إبراهيم ببنت شفة أو بكلمة مسيئة إلى هذا النمرود.</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح.</p> <p>أحمد كريمة: إلى أن نأتي إلى الإسلام، فنجد إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كما الله أمره في سورة سبأ، وهذه الآية ذكرها أخي وزميلي العلامة الفاضل من بيت العلم الشيخ محمد الزعبي، وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين، هذه تساوي عدم احتكار الحق لأحادية التفكير. فالإسلام يقول للرسول قل إنّا يعني نحن جماعة المسلمين، أو إيّاكم وهم غير المسلمين لعلى هدى أو في ضلال مبين، لا يوجد تجرد في الفكر الإنساني، وهل تجد أرقى من هذا الخطاب.&nbsp;</p> <p>ثم نأتي إلى سورة النحل للدعاء وعلى رأسهم طبعًا سيّدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسادتنا آل بيت رسول الله رضي الله عنهم، وسادتنا الصحابة رضي الله عنهم إلى أن دبّت الخلافات السياسية المعروفة. المهم في سورة النحل وادعُ إلى سبيل ربك، ليس لنصرة جماعة، وليس حميّة لفرقة، وليس إعلاءً لمذهب. وهذه هي إشكالية الفكر الإسلامي المعاصر المسلمون، يتعبّدون بمذاهب، ويتعبّدون بعصبيات. لم يفرّق الإسلام &nbsp;بين إسلام الدين وما بين مذهب في الدين، الآية واضحة جدًا في سورة النحل، ادعُ إلى سبيل ربك. والله هذه الأمة لو اجتمعت على هذه الجزئية وهي إعلاء الإسلام الدين، وليس أنّنا ندعو إلى مذاهب، ومعظمها تراثية. وننكب ونبدّد في أمور جدلية تبدّد فيها طاقات الأمة، أو ما بقي من الأمة. ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة، هكذا بدأ ربنا. قد يملك إنسان زخرف القول، وقد تملك جماعة لغة أو فصاحة، لكن الله بدأ بالرقي ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة، والآية 108 ستزيد الأمر وضوحًا في سورة يوسف قُل هذه سبيلي للمنهج الحق، أدعُ إلى الله على ماذا؟ على بصيرة أنا ومن اتبعني.</p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخنا الدكتور لعمرِ لقد أشرت إلى صلب الإشكالية، جل جلاله قال: "هو سمّاكم المسلمين"، هو أرادنا كتلة واحدة. والمسلم يريد أن يعرض على ربّه يوم القيامة، يقول له لا يا ربّي أنا شافعي، أنا حنفي، أنا شيعي، أنا زيدي، أنا إباضي، وأنا أشعري يا ربّي، أنا ماتوريدي يا رب، أنا صوفي يا رب. هو يقول سمّاكم المسلمين، ونحن نقول له لا يا رب نحن مذهبيون، وهنا قسم ظهر المسلمين، ولن تقوم للإسلام ولا للمسلمين قائمة إلا إذا عادوا إلى هذا المبدأ الذي يوحدّهم جميعًا.</p> <p>فضيلة الشيخ محمد أتصوّر أنّ العلامة الشيخ أحمد وضع يده على كثير من الآيات الجميلة الرقراقة. طبعًا القرآن مهجور اليوم في حياة المسلمين، وقلّما نعود إليه في تأسيس ابستمولوجية معرفة وما إلى ذلك. لكن مزيد من المصاديق التي كانت في يوم من الأيام قناديل لهذه الأمّة، هذه الأمّة في يوم من الأيام كان لها دور حضاري لا شك في ذلك، كان لديها الدور الحضاري عندما كان الإمام الصادق أستاذ ابي حنيفة، وعندما كان مالك ابن أنس يستمع إلى بقية العلماء. وعندما كان الفقه يشكّل في منظوره وحدة متكاملة بين الجميع. لم يكُ هنالك تكفير مذهبي، ولا لعن مذهبي ولا تشاتم مذهبي.</p> <p>محمد الزعبي: نعم، كما صوّرتم ووصفتم وكما تفضل سماحة الشيخ الأمة كانت في مستوى راقٍ. القرآن أسّس لمناهج معرفة منهج معرفي تاريخي، ومنهج معرفي فكري، ومنهج معرفي ثقافي، ومنهج معرفي فقهي. وهذا أسّس لمناهج معرفة، هذه المناهج دائمًا هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رائع جدًا في صحيح مسلم، "مثل ما بعثني الله به كمثل غيث أصاب أرضًا فكان منها أرض كذا أخرجت النبات، وكان منها أرض قيعان حفظت الماء لكنها لم تنبت، وكان منها أرض لا حفظت ماء ولا أنبتت". هذا المثل الجميل جدًا وهو الحال الأرقى حتى الحال الوسطى، دعني أبدأ بها التي أمثّلها أحيانًا الحال السلفية لولا الشذوذ والتطرّف والفقه المتطرف والقتل واللعن والشتم، حفظوا النص لكن ما فعلوه إذا قصصنا منهم الشذوذ فهذه حال وسط إيجابية، لكن الحال المثلى أرض أنبتت الدين ليس هو فقط الوحي الدين هو تفاعل العقل مع الوحي.</p> <p>يحيى أبو زكريا: والوحي مع الواقع.</p> <p>محمد الزعبي: الأرض أنبتت، إذًا النبات هو الدين.</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح.</p> <p>محمد الزعبي: الوحي لوحده ليس دينًا. هذا التفاعل للعقل مع الوحي هو الذي أسّس لمعارف كانت ترقى شيئا فشيئًا، لكن حين صار النص مقدّم ويريد أن يلزم العقل بفهم ضيق. اللغة ليست اللفظة المقطوعة من سياقها، بل جاء الفهم المتطرف قطع الألفاظ من سياقها، أنا لا أقول بالتخلي عن النص بالعكس أنا أقول بتفعيل النص تفعيلًا حقيقيًا كما هو سياق النص، لكن قطع اللفظة من سياقها هذا منهج التطرف الذي أسّس له الكثير من فقهاء التراث المتطرفين إلى الفقهاء المعاصرين في التطرف.</p> <p>يحيى أبو زكريا: هنالك مسألة شيخ محمد، أنا أكثر من قراءة كتب الرقائق والآثار والمواعظ وتئزّني أزًا، وتهزني هزًا، وتركزني ركزًا. واقعًا تجد الكثير من الروايات قد يكون بعضها ضعيفًا، لكن المناط استنباط الحكمة الأخلاقية من الموعظة، إنّ بعض الأنبياء التقوا إبليس فسألوه يا غبليس كيف تضل عباد ربك، يا إبليس ما هي الأحابيل التي تستخدمها في توجيه هذا للكفر أو إلى الضلال، النص المتين لا يوجد، يا إبليس لعنك الله قتلك الله يا حقير يا من لم يعبد الله الأنبياء تأدبوا حتى مع ابليس الذي خرج من رحمة الله تعالى.</p> <p>وكذلك المسلم عندما ينتمي إلى ربه ويفترض أنّ كل مسلم ينتمي إلى ربه أن يتأدب بأسمائه الحسنى من أسمائه الحسنى الرحيم، الرحمن، حتى الجبار نحن فهمنا الجبار إنّها الطاغية المتغطرس، لا الجبار جابر عثرات الكرام الذي يجبر الفقراء والمساكين.</p> <p>محمد الزعبي: يكمل نقصهم.</p> <p>يحيى أبو زكريا: يفترض نحن نتأدب بآداب الله لدى مناظراتنا الفكرية والثقافية، وفي المحجاجة الفكرية والفقهية والأصولية والتفسيرية والفلسفية، وما إلى ذلك.</p> <p>محمد الزعبي: هنا ذكّرتني بما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام حين جاءه شخص يقرأ القرآن، نزال إبن سبرا رضي الله عنه يقول كنت أسمع شخصًا يقرأ القرآن بطريقة لم أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن فأتى به النبي، فقال له كلاكما محسن. هذا بالصحيح أعتقد بصحيح مسلم أو البخاري، وفي صحيح البخاري حين قال من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليصلِّ بنا العصر إلا في بني قريظة فمنهم من صلى، ومنهم من لم يصلِّ طبعًا اقترب وقت المغرب، ماذا نفعل؟ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا، لا هنا استثناء النبي قال فليصلِ بنا العصر بالتأكيد والنأي فالبعض رأى أنّه لا يصلي وصلّوا بعد العشاء كما تقول بعض الروايات.</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح.</p> <p>محمد الزعبي: هذا في صحيح البخاري، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يعنّف أحدًا منهم، إذًا هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤسّس لفهم متعدّد للنص، هذا الفهم المتعدّد طالما هو يقصد الحق فهذا أجر أصاب الحق، وإن لم يصب الصواب أو يخطأ ليست مشكلة أصاب أم أخطأ، لكن أصاب الحق الصواب.</p> <p>يحيى أبو زكريا: ومن المصاديق النبوية أيضًا التي استنبطت مع سماحة الشيخ العلامة أحمد كريمة. شيخنا أحمد اليوم عندما تتأمل كيف يقتل الداعشيون أو جبهة النصرة أو القاعدة أو الإرهابيون الناس. بمجرد أن يأتي شخص يعرف هذا من النظام رأسًا رصاصة في الرأس، أو سكين تجزّ به رقبة فلان وفلان ورأينا مهرجانات القتل. لماذا؟ لأنّ فلاناً قال كلمة أو اشتبه بكلمة وحكموا عليه بالكفر، وقتلوه بينما كان يأتي الإنسان إلى رسول الله، يقول له يا رسول الله زنيت يقول له لعلك قبلت، لعلك لامست، فإذا الرسول كان مصداقًا مختلفًا، عن كل ما نراه في دنيا اليوم من الإسلام التكفيري للأسف الشديد.</p> <p>أحمد كريمة: بسم الله الرحمن الرحيم على هداكما أذكر في عجالة بحديث للنبي محمد صلى الله عليه وآله، ليس منا من دعا إلى عصبية. دعوا إلى عصبية فإنّها منتنة حديثان في الشيخان البخاري ومسلم. أضيف إلى ما تفضّلت به من نماذج في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثمّ أعرّج على ما نعانيه نحن هنا في الحياة التطبيقية المعاصرة. لمّا جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله آذن لي بالزينة، قال ادنُ مني فجيء به بين يديه صلى الله عليه وآله، فقال له أتحب الزينة لأمك؟ قال لا، لابنتك قال لا لاختك قال لا إلى أن وصل عمتك وخالتك، فقال إنّ الناس لا يحبونه لبناتهم ولا لأمهاتهم ولا لأخواتهم، ولا لعماتهم ولا لخالتهم حوار بنّاء والرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته أخذ بيديه.</p> <p>أنا حينما أقول وأنعى على أن أدب الخلاف، أفضّل الذي أوله الفقهاء التراثيون والمعاصرون شرح والتأصيل والتنظير، ونسف على يد عالمين من في تاريخ المسلمين. للأسف أو إبن تيمية الحراني حينما أدخل في الإسلام أشياءً التي أدّت إلى التكفير ويكفي فتاوى ماردين عند إبن تيمية دستور الإرهاب في كل زمان ومكان ثم أتى محمد إبن عبد الوهاب.</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح.</p> <p>أحمد كريمة: الذي قتل رجلاً مؤذنًا كان يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان فقط كانت جريمة المؤذن في عهد محمد إبن عبد الوهاب، ثمّ بعد المؤامرة البريطانية على المنطقة تأسيسها محمد بن عبد الوهاب، كان التشدّد والتنطح. وأقف هنا في الحياة التطبيقات المعاصرة نحن في الأزهر، هنا في مصر في معركة فكرية مع الإرهاب والإرعاب والتطرف والغلوّ والتنطّح والتشدّد سواء كان في مصر كما في سيناء أو في مناطق من الدول الإسلامية والعربية كالعراق، وسوريا الحبيبة والعراق الشقيق واليمن وليبيا ونيجيريا والصومال الخ.</p> <p>حينما ندخل إلى مسجد أو نظهر في إعلام أو نصدر كتابًا نجد غرًا من أغرار المُتسلّفة الوهابية يتهمون الأزهر في محافلهم وأجهزة إعلامهم المدعّمة للأسف من الخليج العربي بأموال النفط، ماذا يقول المُتسلّفة عنا؟ عن هذه العمائم؟ عن 1080 سنة في خدمة الإسلام بواسطة الأزهر الشريف مع سائر المؤسّسات الإسلامية؟ يقولون إننا أشاعرة عندنا زيغ في العقيدة فتنسف الجهود سواء لتجديد الخطاب الديني أو في توعية المُغرَّر بهم سواء كانوا في العنف الفكري التكفير، التفسيق، التبديع، أنا سآتي بنموذج واحد، وأرجو من القيادات الحكيمة العاقلة في الخليج العربي أن تنتبه إليها فتاوى علماء البلد الحرام طبعة الجريسي في الرياض قنابل موقوتة لأنهم استندوا لهذه الفتاوى إلى اللجنة العلمية الدائمة في المملكة العربية السعودية عن التقتيل، والتكفير والحكم بغير ما أنزل الله وعلى أن الصوفية كفّار، وعلى أن الشيعة كفّار، وعلى أن الأزهر كفّار. ما هذا؟ ما الذي يحدث؟ ثم الآن بعد تعليمات أميركا وترامب انقلب السحر على الساحر فانقلبوا من التشدّد المدعوم بريطانياً من 300 سنة إلى الانحلال وإلى الديسكو الحلال والرقص الزلال.</p> <p>أنا لا أعرف المُتسلّفة يأخذون الأمّة إلى أين ويتكلّمون عن زيارة مراقد الصالحين، يا أخي تحدّث عن المسجد الأقصى، تحدّث عن أَسْر المسجد الأقصى الذي قارب أن يدخل في ثلاثة أرباع قرن، ولا يتحدّث عنه أحد. ولكن في رجب ذكرى الإسراء والمعراج بعض الندوات وكلام لتطييب الخاطر ويجري تصفية القضية الفلسطينية علنًا من دون حمرة خجل، وتراهم مشغولين بالقبوريين الذين يزورون سيدنا الحسين، ومَن يزورون سيدتنا زينب. هذا هو الهم حضرتكم حتى نضع الإصبع على الجرح. أدب الاختلاف ضاع تحت سنابك السلفية الوهابية والإخباريين قديمًا عند الشيعة، لكن الإخباريين كانت حقبة وانتهت لكن الخطورة أن الفكر المُتسلّف الوهابي مازال قائمًا، أضرب مثلين حتى لا آخذ وقتاً من أخي العلامة. عندنا في مصر بلد مفتوح مسلمون ومسيحيون ولبراليون وعلمانيون لا دينيون، مصر بلد مفتوح مثل لبنان عندما يأتي 7 يناير تحتفل الكنيسة الأورثوذوكسية بمولد السيّد المسيح عليه السلام يظهر أشياخ المُتسلّفة تهنئة المسيحيين حرام لا حول ولا قوّة إلا بالله. أنت أطحت بالآية القرآنية أن لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. ولكن هنا سؤال ما المسلم في عُرف الوهابية المُتسلّفة؟ أعيد وأكرّر .الأزهر لديهم زيغ في العقيدة، الصوفية قبوريون مشركون، الشيعة خارجون عن الملّة، الإباضية لديهم فساد في العقيدة لا حول ولا قوّة إلا بالله، إذًا أين المسلمون. أين المسلمون وأين المؤمنون؟</p> <p>يحيى أبو زكريا: تساؤلات برسم العُقلاء برسم الشُرفاء، تساؤلات برسم هذه الأمّة التي تبحث عن الخلاص، تساؤلات كلها مشروعة وللأسف الشديد هؤلاء الذين يكفّرون أبناء الوطن من مسيحيين وأقباط ومتصوّفة وغيرهم يمنحون ظاهر الأرض وبطنها للدونالد ترامب الأميركي. لا أعرف هل صار دونالد ترامب من التابعين مثلًا؟</p> <p>سماحة الشيخ محمّد إذاً هنالك مَن يعيق عملية الاختلاف والحوار في الأمّة الإسلامية، هنالك توجّه فكري يقول لا بأس بالنقاش لا بأس بالحوار، ويظل هذا الحوار مُتعدّدًا، تظل الرؤى مُتعدّدة تحت السقف الإسلامي على قاعدة توحيد المولى عزّ وجلّ وهن الطائفة لا تقبل الحوار أنت كافر. والله عندما تتأمّل المشاهد الصُوَرية وتسمع شيوخ يلعنون ويسبّون ويضحكون على الآخرين أبناء المتعة وأبناء كذا وأبناء النجاسة والله عيب والله عيب والله عيب.</p> <p>محمد الزعبي: هذا أبو جهل بعث حيًا.</p> <p>يحيى أبو زكريا: والله أبو جهل أكثر تأدّبًا.</p> <p>محمد الزعبي: ربما نعم ما سمعته.</p> <p>يحيى أبو زكريا: نعم أكثر تأدّبًا منهم.</p> <p>محمد الزعبي: ما سمعنا إلى هذا المستوى من اللفظ سمعنا ساحراً، مجنوناً، لكن إلى هذا المستوى أعراض وكذا نعم كما تفضلتم للأسف مشكلة هؤلاء طبعًا أنا لا استطيع فصل السياسي عن الثقافي.</p> <p>يحيى أبو زكريا: مثلاً خذ على سبيل المثال أنتم عندكم خلاف سياسي مع إيران، ونحن لسنا مع إيران ولا مع السعودية ولا مع أية دولة. نحن مع الإسلام ككل لماذا أنت تخرج الإيرانيين من إسلامهم؟ لِمَ تجعلهم مجوساً زاردشتيين يا أخي؟ هم يقولون نحن موحّدون نحن نقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. والبخاري فارسي والخوارزمي فارسي ومسلم النيسبوري فارسي والزمخشري فارسي والنسائي وإبن أبي داود فارسي وكل علماء الإسلام فرس.</p> <p>محمد الزعبي: علماء اللغة العربية فرس سيبويه. مشكلة الجمهورية الإسلامية أنها أسّست لثورة ونهضة وأنشأت وعيًا فكريًا وثقافيًا وعلميًا. اليوم الجمهورية الإسلامية تكنولوجيًا متقدّمة جدًا، لذلك حين تدبّ الحيوية في مكان ما في جسم الأمّة، الحيوية في علم الاجتماع كالمرض في البيولوجيا تنتشر كان يجب أنّ هذه الحيوية وليس بقيادة الجمهورية الإسلامية، لكن وجدت عوامل صحة في مكان ما في الجسد الاسلامي، كان يجب أن تنتشر في كل الجسد الإسلامي أرادت أميركا عبر أنظمة عربية أن تحاصر هذه النهضة حتى لا نستفيد. نحن السنّة نساوي حجم الشيعة بعشر مرات كان عليهم أن يستفيدوا من النهضة فقط لا أن يسيروا خلف فلان أو علاّن، كان بإمكانكم أن تستفيدوا جدًا لأن هناك حيوية دبّت. اليوم إيران تكنولجيًا علميًا طبيًا عسكريًا متقدّمة جدًا من أجل أن لا تسري هذه الحال الصحية وجد الإعلام المتموّل الذي يثير الأحقاد والضغائن، وجدت المنابر المتموّلة التي تثير الأحقاد والضغائن.</p> <p>يحيى أبو زكريا: هذا كله موجود، الغريب شيخ محمد والوقت انتهى الغريب أنّ هنالك غباء إسلامياً متأصّلاً يردّد مقولات الكراهية، ويدعو إلى تدمير العالم الإسلامي.</p> <p>نريد عالمًا إسلاميًا قويًا فيه السعودية، وفيه إيران، وفيه تركيا، وفيه سوريا، وفيه العراق، لكن من دون موالاة الكفّار والاستكبار العالمي، نريد دولاً إسلامية تذوب في الله وليس في أميركا.</p> <p>فضيلة الشيخ محمد الزعبي شكرًا جزيلًا لك، فضيلة العلامة الشيخ الدكتور أحمد كريمة من مصر الحبيبة شكرًا جزيلًا لك.</p> <p>مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها إلى أن ألقاكم، هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبدًا ودائعه.</p> <p>&nbsp;</p>

برامج أخرى

10 حزيران 2012

تصفح المزيد