الحداثة وسطوة التراث

الحداثة، توصيفها وقيمها وضرورتها... والمجتمع العربي بين الحداثة والتراث. هل هو قابل للحداثة ؟ هل ابتعد العرب عن الحداثة لأنها منتج غربي؟

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>المحور الأول:</p> <p>غسان الشامي: أحيّيكم، الحداثة ورغم أن هيغل هو أوّل مَن أوضحها مفهومياً ما تزال إشكاليةً في العالم العربي المشطور بينها وبين التراث وليس أيَ تراث، وأقصد هنا مَن يضعها في مواجهةٍ شرسةٍ مع التراث الديني الغارق عميقاً في بنى المجتمع والدولة والثقافة في المشرق والعالم العربي. الحداثة في المجتمع والثقافة طالت بلداناً وشعوباً كثيرة وربّما بعد مواجهاتٍ مع الموروث، وربّما صار بعض هذه المجتمعات في عصر ما بعد الحداثة بينما نرتع نحن تحت ما قبلها. الدكتورة نضال الأميوني دكاش تناولت هذا الموضوع، سنحاورها في تجلّياته، وهي أستاذة جامعية تحمل شهادة دكتوراه دولة في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية، ومن كتبها "ظاهرة الزمن في الشعر العربي القديم"، "ربيع المطلّقات" وهي رواية اجتماعية بالمشاركة مع الدكتور نزار دندش نحو ثقافة دولة مدنية، هذا أمرٌ هام، قبل البدء بالحوار تقريرٌ عن الحداثة.</p> <p>تقرير:&nbsp;</p> <p>يختلف المؤرّخون حيال تاريخ انطلاق الحداثة لعدم وجود خطٍّ واضحٍ يفصلها عمّا قبلها، لكن المصطلح يعني التغيّرات الكبيرة في الفنون والآداب والعلوم التي وقعت بين أواخر القرن التاسع عشر والحرب العالمية الثانية، ويرى كثيرون أن الفيلسوف هيغل المتوفّى عام 1881 هوأوّل مَن اهتمّ بالحداثة.</p> <p>عرّفها العالم الفرنسي رولان بارت بأنها جميع الرؤى العالمية المستمدّة من تطوّر الطبقات والتكنولوجيا ووسائل الاتصال الجديدة التي أدّت إلى إحداث قوة الدفع في منتصف القرن التاسع عشر، ووصفها بأنها ردّة فعلٍ تجاه واقعيّة العصر الفيكتوري.</p> <p>انبثقت من الحداثة حركات فنية وأدبية مثّلت عامل تقويضٍ للقوى الواقعية والرومانسية وقوّة دفعٍ نحو التجريد، ومنها الانطباعية في التصوير والموسيقى والأدب، والتعبيرية في الفن، والتكعيبية التي رأت أن التصوير بأسلوب عصر النهضة الساكن لا يواكب حركة العصر الحديث، والمستقبلية في الفن والموسيقى والأدب والتي نشأت في إيطاليا، والرمزية والتصويرية كمذهبٍ شعبي يدعو إلى التخلّص من الأوزان، والحركة الدوّامية التجريدية، والدادائية الداعية إلى إبعاد القيَم والأساليب الفنية المتعارف عليها الناجمة عن السخط تجاه الحضارة التي أثمرت كل تلك الفظائع والشرور.</p> <p>اتّسمت الحداثة في الموسيقى بالنزعة اللانغمية وفي الشعر بالنظم الحر وفي الرواية بتيار الوعي وفي العمارة بالوظيفية، وعبّرت عن حركةٍ فكرية ثقافية شاملة أثّرت وتأثّرت بالتغيّرات التكنولوجية والسياسية والإيديولوجية.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: تحيّةً لكم من أجراس المشرق، أحيّيكِ دكتورة نضال، شكراً على تلبية دعوة البرنامج، سيّدتي لأن الموضوع ربّما عويص ولكن في الحقيقة هو هام للغاية، أريد من حضرتكِ وأنتِ بحثتِ به أن نبدأ بتوصيف الحداثة.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: لتوصيف الحداثة نبدأ بتعريفها بأنها كل ما هو حديث، كل ما هو جديد، كل ما ابتكره الإنسان وأبدعه، كل جديد أوجده على أصعدة متنوّعة فكرية، ثقافية، تاريخية، دينية، إنسانية، لذلك هنا يستطيع الإنسان أن يدخل إلى الحداثة بما ابتكره أو بما أبدعه من جديد، ولكن هذه الحداثة كما قلت في البداية وتعريفاتها واسعة ومتشعّبة جداً ولكن إذا توقّفنا عندها قليلاً عند ماذا قدّمت الحداثة أو ماذا لعبت في بعض الدول أو في عالم الغرب وخاصة أوروبا نستطيع القول إنها أوصلتهم إلى قيم الإنسانية والدولة المدنية التي تحدّثنا عنها التي هي المساواة بين الناس، استعادة كرامة الإنسان، وضع الإنسان في المكان المناسب.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: إذا خرجنا من التوصيف إلى قيم الحداثة، بالمناسبة هل هناك فرق بين الحداثة والعصرنة أو الجِدّة مثلاً أم أنه تعبيرٌ واحد عن قيم معيّنة؟ &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: هي متّصلة مع بعضها البعض ولكن إذا أردنا أن نذهب إلى القيم ونضيء عليها كحداثة بسلبياتها وإيجابياتها، من إيجابياتها وقيمها هي الدولة المدنية، كرامة الإنسان، العدالة الإنسانية والاجتماعية. أما سلبياتها اليوم في الغرب فهي الرأسمالية في الاقصاد، الثورة الصناعية. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: الثورة الصناعية سلبية؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: كتفريع قبل أن ننتقل إلى سلبياتها وإيجابياتها. الحداثة اليوم هي العقلانية في الدين، الحداثة هي اليوم استعمال الطبيعة وبناء مؤسسات عليها وفقدان ثنائية القرية والمدينة، إذاً نحن نتحدّث عن تنوّعها ودورها والحداثة اليوم في عالمنا. &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أليس هناك قيم أخلاقية في منظومة الحداثة؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: كرامة الإنسان، استعادة إنسانية الفرد، دوره، وجوده، حضوره، ولكن السؤال الأهم هو الفرق بين الحداثة والمعاصرة والجِدّة، هل نحن كشعب عربي أو العالم العربي دخل أصلاً معاصرة؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لا أريد أن أدخل الآن في موضوع العالم العربي، أريد أن أفرد له جزءاً كاملاً لنفتّت بنية مجتمعنا ولكن حتى نقدّم قماشة للحداثة للسادة الذين يشاهدوننا، إضافة إلى القيم هل هناك أنواع مثلاً للحداثة؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: الحداثة لها جمعٌ وهو حداثات وحين تجمع كلمة حداثة إلى حداثات فإذاً لها تنوّعها ولها تفرّعاتها وقيمها، التحوّل اليوم من الجماعة إلى الفرد، إذاً هي متنوّعة ولكن المشكلة هي كيف نستعملها، كيف نعيشها، كيف تكون جزءاً لبناء هذا العالم المعاصر، ندخل الجدّة والحداثة في عالمنا وابتكاراتنا وفكرنا وتغيير ذهننا وعالمنا اليوم وثقافتنا. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: كيف عاش العالم الغربي الحداثة؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: الحداثة في الغرب وخاصة أوروبا التي ذهبت نحو العدالة الاجتماعية، نحو الفرد وإنسانيته، نحو الإنسان المناسب في المكان المناسب، ولكن اليوم أصبح هناك توحُّش في الحداثة، أصبح هناك استهلاك بالحداثة، الصناعة لعبت دوراً كبيراً والآلة، الإنسان اليوم يعبد الآلة بقدر ما تساعده وبقدر ما هي تنعكس عليه. &nbsp; &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: سيّدتي هذا كلام خطير، هل تستبطن الحداثة التي قلتِ أنّ هذه قيمها التي تُعلي قدر الإنسان، هل تستبطن توحّشاً أم أن إدارة ما سُمّي بالحداثة في الغرب أصدرت هذا التوحُّش؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: الحداثة بمعناها كما بدأنا هي لخدمة الإنسان ولكن مَن يدير هذه الحداثة يستعملها لاستغلال إنسانيته، يستعملها للاستهلاك اليومي، اليوم نحن كشعب إذا فكّرنا كيف ندخل في عالم الحداثة هذا، هل لنا دور في هذه الحداثة اليوم؟ هل نحن قادرون أن نبدع أو أن نبتكر شيئاً جديداً من هذه الحداثة؟ هل الحداثة اليوم تُعولب الإسان أم لا؟ الاستهلاك اليوم، الحياة التي نعيشها اليوم مع بعضنا البعض، نبذ الآخر، الأنا والفردية المسيطرة على الإنسان هل الحداثة ضمنها أم أن مَن يدير هذه الحداثة يستغلّ هذا الشيء أم لا؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنتِ ستجيبين عن هذا، أنا أريد أن أخفّف من وطأة الشأن الفكري، أنا أقول إننا شعوب ليس ما قبل الحداثة بل شعوب ما قبل التبولة، بمعنى أن التبولة أصبح لها طعم ولون ورائحة ونحن لا، ولكن دعيني أسألكِ عن خصائص الحداثة في محاولتنا الفكرية لتفتيت المصطلح.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: أولاً لندخل إلى هذه الخصائص أو المبادئ التي نتحدّث عنها، هناك أمرٌ مهم، هل نحن حاضرون أن ندخل إلى مبادئ هذه الحداثة وخصائصها قبل أن نعرّفها أو نشرّحها؟ هل الإنسان العربي اليوم أو أنا أو شبابنا قادرون على الدخول في الحداثة؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: قبل إنساننا العربي هل الإنسان الغربي دخل فعلاً في الحداثة أم دخل فيها شكلانياً ولكن جوّانياً عصر الآلة أكثر من الحداثة؟ &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: لذلك نبدأ من هنا، هذه نقطة هامة جداً إن كان في الغرب أو في الشرق، دخول الحداثة اليوم من حيث الشكل، إذا لاحظنا من حيث الشكل فالشعوب كلها دخلت الحداثة، المعاصرة، اللباس، الأزياء، الموضة، كل ما نعيشه اليوم من هذه الأحداث هو المعاصرة ولكن في المضمون...&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنتِ تقصدين أنها دخلت الحداثة البرّانية الشكلانية.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: صحيح لكن نحن فارغون من المضمون، لماذا؟ نحن نشاهد الإعلام، نحن نتلقّن، ننقل الخبر كما هو دون أن ندخل إلى عمقه وكنهه، لماذا؟ بُعدنا عن الثقافة، كلمة الثقافة هيّنة، حين تتحدّث عن شخص مثقف فأنت تتحدّث عن علوم وتكنولوجيا وبحر من الثقافات التي لا تنتهي ولكن أنا أقصد بالثقافة الثقافة الإنسانية التي توحي للإنسان، كيف تمدّ يدك للآخر، كيف تكون إنساناً بإنسانيّتك وثقافتك، كيف يكون لك موقف من أخيك الإنسان وتدافع عنه في العمق.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل الحداثة تساوي الثقافة؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: طبعاً لأنني حين أكون إنساناً مثقفاً عليّ أن أكون مرناً متنقّلاً قارئاً لثقافة الآخر، دينه، تاريخه، عالمه كي أكون جزءاً من الآخر، إذاً يجب أن أنتقل من الأنا الفردية إلى الجماعة، إلى الآخر.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل الحداثة ضدّ الدين مثلاً؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: الحداثة يجب أن تحمل من تراثنا ومن ديننا ومن قيمنا ولكن يجب غربلة التراث للوصول إلى حداثةٍ تبني إنساناً جديداً ذو قيمة وذو روحانية وذو أخلاقية تواكب عصره لبناء إنسانيّته أولاً.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لنذهب إلى الغرب، هل وقفت الكنيسة في الغرب ضدّ الحداثة؟ &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: الكنيسة فصلتها ولم تقف ضدها، أصبح هناك علمنة في الدين، فصل الدين عن الدولة فلذلك تركت الممارسة الدينية كشأنٍ خاص، هي حرية شخصية، ولكن نستطيع القول إن الكنيسة في بدايتها لعبت دوراً ووقفت ضدّ الحداثة وحاولت قدر الإمكان أن تثبت حضورها ولكن الثورة الفرنسية فصلت الدين عن الدولة ولكنها خلقت الإنسان وكرامة الإنسان وخلقت العدالة والمساواة بين الشعوب. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ولكن ألا ترين أن الكنيسة ما تزال على قدرٍ من الارتياب من قيم الحداثة؟ أنها تريد أن تكون القيم أكثر دينية؟ &nbsp;&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: طبعاً، هذا يلعب دوراً لبقائها أكثر وتجذّرها لأن المشكلة اليوم أننا بحاجة إلى غربلة هذه الجذور الدينية. ما هي مشكلتنا اليوم مع التراث؟ تراثنا ديني وإذا أردنا أن نغربله فعلينا غربلة الأمور التي تعيق بناء الحداثة، يجب ألا نرفض كل التراث ولا أن نقبل كل التراث.</p> <p>غسان الشامي: لا يجوز علمياً أن يُرفض كل تاريخ البشرية حتى نقول إننا جئنا بقيمة أو بثيمة جديدة نُكمل عليها. &nbsp;&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: صحيح فلذلك يجب الوقوف بموازاة التراث، قراءته، نقده دينياً والقطيعة الدينية التي هي أمر مهم جداً في تراثنا وهذه القطيعة علينا أن نعمل عليها كي نرى تراثنا وننقل قيمنا وروحانيّتنا وما يخدم عصرنا اليوم لندخل إلى الحداثة. &nbsp;&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دعينا نعود إلى الأصل، أولاً إيجابيات الحداثة وأقصد بالمجتمعات الغربية وسلبياتها كي نعطي هذا المصطلح حقّه فكرياً، ما هي إيجابياته؟ &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: إيجابيات الحداثة هي كرامة الإنسان، إنسانيته، الفرد كوجود، المساواة، الإنسان المناسب في المكان المناسب. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: إيجابياتها في الثقافة.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: هي تنويرية، تلعب دوراً في قراءة الآخر والانفتاح على ثقافته، وبناء إنسانٍ جديد يواكب عصره ويكون له حضوره الثقافي ولغته وهويّته ودوره ووصوله إلى العالم ككل، العولمة. هل تستطيع أن تنكر أننا وصلنا إلى العالم من خلال التلفاز؟ هذه أيضاً من إيجابيات الحداثة. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ولكن التلفاز هو أصلاً منتج علمي من بداية العصر الصناعي، ولكن إذا ذهبنا إلى القيمة التي ذكرتِها وهي رفع الإنسان وقيمته، هذه القيمة الكبرى للحداثة.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: الجوهر الأساس هو الإنسان.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ما حصل ويحصل الآن حتى في ظل جائحة كورونا هو عدم احترام كامل للإنسان الذي بات كائناً مختبرياً، كيف يمكننا القول إن شعوباً وحضارات منذ 250 عاماً تسير في ركاب الحداثة ثم فجأةً يصبح الإنسان بلا مأوى فكري؟</p> <p>نضال الأميوني دكاش: لأن الإنسان أصبح مسيّراً كالآلة، مستهلكاً حتى في ثقافته، في فكره، في تعليبه، حتى في مناهجنا التربوية والتعليمية، حتى في الغرب والشرق، نحن اليوم أصبحنا صورة كونية واحدة في ظل هذه العولمة، هل نحن نعمل على بناء إنسانية الإنسان أصلاً؟ عبر التاريخ في أيّة حضارة، كل حضارة وصلت أوجها لأن جوهرها كان الإنسان وحين لا يعود الإنسان هو الجوهر والأساس فالحداثة تنهار، أين الإنسان اليوم من جوهر هذه الحداثة والاستهلاك والمال والاستغلال إن كان في الفيروس أو في الطب أو في أي شيء، هل الطب اليوم هو إنساني بما نعيشه؟ &nbsp;&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: في بعض أنحاء العالم نعم إنساني. &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: ولكن هل هو الأكثر المسيطر اليوم في العالم؟</p> <p>غسان الشامي: كلا هو نوع من ال"البزنس".</p> <p>نضال الأميوني دكاش: نوع من الاستغلال المادي.</p> <p>غسان الشامي: ولكن سيّدتي ألا تلاحظين أنكِ تسألين أسئلة كثيرة وهذا دوري أنا وليس دوركِ، هل هي أسئلة استفهام استنكاري أم أسئلة استفهامية لأجيب عليها؟ هذا ليس دوري.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: للحوار الرائع بيني وبينك.</p> <p>غسان الشامي: ولكن في منحىً ما ذكرتِ ارتباط الحداثة بالتنوير، جميعنا نعلم سيّدتي أن عصر الأنوار أو التنوير هو الذي رفع أولاً من شأن الفلسفة، الشعوب بلا فلسفة لا شيء، هو رفع من شأن الثقافة، رفع من شأن العلاقات البشرية على السويّة الإنسانية، هذا التنوير أين هو الآن في مجتمعات الغرب بعيدأ عن موضوع سيطرة الصناعة، في التعليم على سبيل المثال؟ &nbsp;&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: في الغرب تحديداً أم في الشرق؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: سنأتي على الشرق لأن فيه ويلات لذلك تركته للجزء الثاني من الحوار.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: لأن ما يصدّره الغرب إلى الشرق اليوم في إرسالياتنا وجامعاتنا، سنتكلّم عن الغرب، ولكن الغرب اليوم أين هي المواد التي تحدّد وتعلّم الإنسان الفلسفة؟ في المناهج التربوية، في المدارس، في الجامعات، هل الإنسان في الغرب اليوم هو الهدف في المدارس والجامعات والمناهج التربوية؟ هل هو الأساس اليوم في أيّ اختصاص؟ اليوم يتخرّج الطبيب والمهندس ولكن لا ثقافة لديه، لا شعور إنساني لديه، هدفه الأساس هو النجاح والمال والوصول إلى المراتب على حساب الآخر دون المحافظة على كرامة الآخر الإنسانية والوصول لخدمة البشرية. &nbsp;&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل تحتاج هذه الحداثة إلى مقوّمات اجتماعية لتقف منتصبةً في بنى الاجتماع؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: طبعاً، مقوّماتها هي الفكر والعقل والعاطفة والوجدان والإنسان.</p> <p>غسان الشامي: هل كل المجتمعات قابلة للحداثة؟</p> <p>نضال الأميوني دكاش: كلا ولكن كان هناك الكثير من المجتمعات التي فشلت في الغرب ومنها اليابان، كوريا الجنوبية، الصين ولكنها استعادت عالمها وحداثتها، أين هي اليوم في العولمة، في الفكر، في التصدير، هي تساهم، الصين اليوم حتى في ثقافة غيرها وفي استيرادها وتصنيعها.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: في الإنتاج المعرفي.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: تلفزيونياً هي ناطقة صوتاً وصورةً حتى باللغة العربية لإيصال ثقافتها وفكرها لكل العالم. هم حافظوا على هويّتهم، على روحانياتهم، على أخلاقهم وفي الوقت نفسه دخلوا الحداثة والعولمة وصدّروا إلى العالم الماديات والتكنولوجيا.</p> <p>غسان الشامي: اسمحي لنا أن ندخل إلى الجزء الثاني بعالمنا العربي، أعزائي فاصل ثم نعود إلى الحوار، موضوعنا الحداثة مع الدكتورة نضال الأميوني دكاش، انتظرونا إذا أحببتم.</p> <p>المحور الثاني: &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: &nbsp;أحيّيكم مجدداً من أجراس المشرق، دكتورة نضال الأميوني دكاش إلى الملعب الذي تحبّين، كيف بدأت الحداثة في هذا العالم العربي؟ نُذُر الحداثة؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: هل بالأساس نحن كشعب، هل شبابنا معاصر؟ كل شخص وكل شاب اليوم يعتبر نفسه ابن عصره، هل صحيح أنه ابن عصره؟ هنالك أنماط في حياتنا، نمط أوّل يعتبر نفسه ضمن العولمة والتكنولوجيا والكومبيوتر وهو لم يساهم فيها بل يعيش على هامشها، باستعمالها يعتبر نفسه ابن عصره. هنالك نمط ثانٍ آخر هو "متشلّط" وبعيد كل البعد عن التراث وهو يعيش الحداثة بكل استهلاكها من الخارج يعتبر نفسه معاصراً أيضاً، والنمط الثالث هو الذي يعيش في التراث والقديم والدين والتعصّب والتقوقع ويعتبر نفسه ابن هذا العصر. حتى الآن لم ندخل هذا العصر لكي ننتقل إلى بناء حداثة، نحن من الخارج كلّنا معاصرون ولكن من الداخل لا توجد معاصرة.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: &nbsp;هل نستطيع القول إن ما نرتديه معاصر أما أدمغتنا فهي في القرن السابع عشر؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: يمكنك قول ذلك بكل أريحيّة.</p> <p>غسان الشامي: ألهذه الدرجة نحن تلفيقيّون؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: كثيراً وخاصةً &nbsp;أننا نساير، نهادن، نلغوا لغواً، نقلّد، لا نبدع، لا ثقافة لدينا، شبابنا اليوم لا يقرأون لكي يقفزوا قفزة نوعية، اليوم مَن يحكم العالم؟ الكلمة، الإعلام، الكلمة تتحكّم اليوم ب90% من العالم، في الإنجيل كانت الكلمة في البدء، في القرآن الكريم "إقرأ وربّك الأكرم". &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: الكلمة في الإنجيل تعني السيّد المسيح.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: الكلمة تجسّدت.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ليس بمعنى الكلام.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: ليس بمعنى الكلام ولكن لاهوتياً كانت في البدء الكلمة التي تجسّدت وأصبحت فعلاً على الأرض.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ماذا نقول عن مرحلة التنوير في العالم العربي، عن النهضة العربية، أليست نُذُر حداثة مثلاً طلب تحرُّر المرأة، طلب أن نكون على اطّلاع على منجزات العلم، طلب الدولة المدنية قبل قرنٍ ونيّف، أليست هذه نُذُر حداثة؟</p> <p>نضال الأميوني دكاش: قد يفاجئك جوابي، أتصوّر أن كل ما نسمعه اليوم من هتافات بالمساواة والتحرُّر وحريّة الجنس وإلى آخره، الإنسان اليوم لا يستطيع أن يطالب بحقوقه ومساواته قبل أن يعرف واجباته، هل نقوم بواجباتنا كما يجب لنصل إلى حقوقنا اليوم في عالمنا؟ دولتنا أصلاً مدنية، دستورنا مدني، قانوننا مدني، هل استطعنا أن نطبّق قوانيننا أو أي دستور من دساتيرنا المدنية حتى اليوم؟ ما السبب؟ أليست المناهج التربوية اليوم بحاجة إلى "نفضة" لبناء مواطنة وإنسان؟ ليعرف واجباته تجاه وطنه لكي يعرف كيف يطالب بحقوقه؟ ألسنا بعيدون كل البعد عن ذلك؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: بأسئلتكِ هذه سأتوه عن الحلقة، أنا أريد جواباً واضحاً، لا بدايات للحداثة في العالم العربي؟ &nbsp;&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: تجريبية وليست بدايات، جرّبت وانصدمت بالتراث الديني، بالفكر والذهن العربي، الإنسان لا يعمل على ذاتيّته وبنائه، كل عمله من الخارج، لا توجد قراءة ولا ثقافة ولا توعية ولا مناهج. الإنسان العربي اليوم هوإنسان ضائع، لا يعرف تراثه ولم يشارك فيه ولم يقرأه، هذه الحداثة هي قطار ركب فيه، لا يعرف أن يرفض ولا أن يقبل ولا أن يقاوم ولا في أيّة محطة عليه أن ينزل، لذلك تحدّثت عن الثقافة الذاتية، كيف تعرف أن تقبل وترفض، هل نعرف اليوم كيف نقبل ونرفض؟ &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هنا أريد أن تفصّلي لنا معيقات الحداثة. &nbsp; &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: أولاً ارتباطنا بتراثنا الديني.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل يجب ألا نرتبط به؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: يجب أن نقرأه، أن نقيم قطيعة معه، أن نغربله، أن نستمدّ ونحمل ما يفيد عصرنا اليوم.</p> <p>غسان الشامي: هناك كتب كثيرة في نقد الفكر الديني سيّدتي بدأ فيها صادق جلال العظم، صحيح أنه أصبح دينياً.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: ولكنّه بدأ نقدياً وأصبح محض ديني في النهاية. الكتب تبدأ صحيحة ولكن تفعيلها على الأرض كيف نعيشها ونصل إليها؟ كيف نفصل إذا لم نتمكّن من بناء دولة مدنية، علينا أن نعود إلى الدولة المدنية، إلى الإنسان، إلى المساواة، إلى الفرد، إلى الأخلاق، كف نبني هذه جميعها؟ علينا أن نعيد القطيعة مع التراث ونقف بموازاته، نقرأه، نغربله، نأخذ ما يفيد هذه المعاصرة وننطلق ببناء معاصرة وحداثة جديدة.</p> <p>غسان الشامي: يعني أنتِ ضدّ العودة إلى السلف.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: بالتأكيد.</p> <p>غسان الشامي: لماذا هذا التوَهان العربي بين قطبين: جذب الحداثة وجذب التراث؟ هل ينخلع الإنسان العربي أو يتخلّع بين هذا الجذب؟</p> <p>نضال الأميوني دكاش: المشكلة أن خطاب الإنسان العربي دوماً براغماتيكي، دوغماتي، عاطفي، لا عقل فيه، لا نقد فيه، فهو إنسان خطابي دائماً، إقصائي للآخر، دائماً هناك أنت وأنا، أنت تخلق التعصّب، المشاكل، التقوقع، كل ما نعيشه اليوم حين تقول أنت وأنا في الوطن الواحد هذا هو الفساد بعينه، هذا هو الانقسام بعينه، هذه هي الطائفية بعينها. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ولكن ما علاقة التراث بهذا؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: التراث وربطه، من أين حملنا هذا الخطاب؟ هو تلقيني، في تربيتنا، في كتبنا، في ديننا، في بيئتنا، في عائلتنا، هذه التربية التي نحملها اليوم في خطابنا أليست نتيجة البيئة الني نعيشها؟ رفض الآخر أليس نتيجة البيئة التي نعيشها؟ إقصاء الآخر أليس نتيجة التربية؟ هذا تراثنا وجذورنا مثل النبتة التي تعيش على سطح المياه، حين تأتي تيارات هوائية باردة وساخنة، إذا كانت جذورها داخل الماء فلا يمكنها قلعها، لا تستطيع أن تأخذها لا شرقاً ولا غرباً ولكن حين تقتلع جذورها ستضيع في تيارات شرقية وغربية، لن يكون لها هوية.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: المشكلة مشكلة هوية؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: طبعاً، هل نحن تربّينا على هوية، أنا لا أقول هوية واحدة، أنا لست مع الهوية، مع حداثة، مع حداثات، مع هوية، مع هويات، ولكن الهوية هي التي تعطيني الجذور التي أتمسّك بها.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: الهوية برأيكِ هي جذور فقط؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: هي الجذور التي تجعلني أتمسّك بها كي لا أضيع في هذا العالم.</p> <p>غسان الشامي: برأيكِ هل التراث العربي محمولٌ ثقيلٌ غير قابلٍ للحداثة؟ هذا السؤال ليس فخاً.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: لا أستطيع أن أقول لا أو نعم لأنه طالما أن الإنسان مرنٌ، متنقّل، حي، بإمكانك أن تعمل على هويّتك وذاتيّتك، قادر على التغيير، طالما الثورة في ذهنك، هذه الثورة التي هي الكلمة، هي المقاومة. كثيرون يقاومون اليوم بالحب، بالأمل، بالسلاح، بهروبها من نهارها إلى ليلها، ولكن علينا أن نخلق في هذا الإنسان العربي المقاومة بمعنى الثورة بالكلمة، ثورة على الذات، ثورة للبناء، أن تقبل وترفض كي نبدأ من هذه المعاصرة إلى بناء حداثة جديدة واتّكالي هنا على الشباب الجدد. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: آمل. سؤال أيضاً في المنحى ذاته، هل نحن غارقون في عبادة الأجداد؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: غارقون في عبادة الأجداد، كلمة عبادة بحدّ ذاتها هي المحور، صحيح، مشكلة لأننا لا نعرف كيف ننفصل عنهم ونقف في وجههم ونحمل ما يواكب زماننا لأن لغتك تغيّرت، منطقك تغيّر، زمنك تغيّر، السرعة تغيّرت، لا يجب أن نبقى هناك ولا يمكننا أن نبقى هناك، علينا أن نحمل من أجدادنا إلى عصرنا ما يفيد بطريقة جديدة ولغة جديدة وزمن جديد وعالم جديد لنبني منه إنساناً جديداً. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أريد أن أقول أن الحداثة نجحت في مكانٍ ما، وأقصد تحديداً الحداثة الشعرية، مَن يقرأ "الثابت والمتحوّل" لأدونيس أو كتاب الشعر العربي أو كتاب النثر العربي، ما استلّه من لُمَع في تراثنا يعي تماماً أنه كان هناك حداثة في فترةٍ ما، وهو رآها، أولاً هل توافقين على نجاح الحداثة، ليس أدونيس فقط، يمكننا أن نذكر أسماء كثيرة.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: كمثال ونموذج رائع هو أدونيس خاصةً أنه دعا إلى القطيعة الدينية مع التراث في "الثابت والمتحوّل" وأنا معه، لا شيء ثابت إلا متحوّل، قطرة الماء التي تنزل من السماء تكون هواءً وتنزل ماءً إلى الأرض ثم تصبح ثلجاً ثم تذوب وتتبخّر وتصعد، وكل شيء هو ثابت ومتحوّل ولكن هل نحن اليوم نعيش فكر أدونيس وحداثته؟ هل دخلنا في هذا الفكر وهذه الحداثة؟ &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: نحن نحيّي أدونيس في تسعينه، وما زال في التسعين يُنتج في العقل، أعتقد لأنكِ تدرّسين هذه المادة هناك فصل في "الثابت والمتحوّل" اسمه "صدمة الحداثة"، برأيكِ هل كان هناك صدمة أم أن أدونيس لم يُوفَّق في هذا الموضوع؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: أدونيس وُفّق في كتابته، هو رائع ولكن هل أحدث صدمةً في العالم العربي؟ هل العالم العربي اليوم تأثّر بكتابته؟ أليس هنك إقصاء اليوم لفكر أدونيس في عالمنا العربي؟ هل هناك تكفير لأدونيس أم لا بكلامه وفكره وخروجه على المألوف وعلى الفكر الديني وقوله عن التراث وغربلته وكتابته؟ اليوم إذا خرجنا من هذا التراث وأقمنا قطيعة معه وعدنا إلى بناء حضارة وفكر جديد، هل أدونيس اليوم محبوب في العالم العربي بفكره؟ &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنا أعلم أن الكثيرين يحبّونه. &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: وعلى الأرض فعلياً مَن يعيشه؟</p> <p>غسان الشامي: ربّما الأنظمة لا تحبّه، ربّما البنى السياسية.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: المشكلة هنا.</p> <p>غسان الشامي: ما شاء الله له دعاة كُثُر.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: وحين يقول أدونيس نحن لم نخطّ حرفاً جديداً اليوم في عالمنا وأبجديّتنا.</p> <p>غسان الشامي: أنا أعتقد أن أسماءً كثيرة أيضاً في مجلّة شعر وكثير من الشعراء والكتّاب نحوا بهذا المنحى الحداثي ولم يكونوا على قطيعة لأنه كما قلتِ حضرتكِ أن أدونيس أيضاً اتّكأ على التراث ولكن اتَكأ على اللامع من التراث. دعيني أسأل أكثر، هل لأن الحداثة منتجٌ بقيَم غربية ازورّ عنها العرب؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: فيها بعض الشيء، دائماً لدينا مشكلة لأنه كما تحدّثتُ هناك أنماط والنمط الذي لا زال يعيش في التراث سوف يحيد بالتأكيد عن الحداثة لأنها مستوردة من الغرب، ولكن نحن لا نريد كل حداثة الغرب ولا نريد أن نترك تراثنا، ولا نريد أن نعيش على الهامش وعلى التكنولوجيا والآلة، نحن نريد أن ندخل إلى الكنه والعمق، أن نقرأ تراثنا لأنه مهم وجميل، فيه هوية، فيه روحانية وتقاليد، فيه أخلاقيات، فيه بناء، لذلك يجب ألا أقف بوجه الحداثة لأنها من الغرب ولا أن أقبل كل الحداثة لأن "كل ما هو فرنجي برنجي". اليوم عليّ أن أستفيد من حداثة الغرب بما يفيد هويتي لأن هناك حداثة وحداثات، ما يفيد هويّتي وبنائي لأنني لا أستطيع اليوم الاستغناء عن السيارة والطائرة والعولمة والتكنولوجيا والحداثة والفكر وفصل الدين عن الدولة، لا يمكنني ألا أستفيد منهم ولكن على طريقتي، على هويّتي، على أخلاقياتي، على بناء مجتمع بين تراثه، روحانيّته، أخلاقياته، عواطفه لأننا شعب شرقي عاطفي إلى جانب الفكر والعلم والنقد البنّاء.</p> <p>غسان الشامي: هل هذه المجتمعات العربية من ضمن محمولها الديني الثقيل قابلة للحداثة؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: سأكون صريحة جداً، حين تذهب إلى كلمة علمنة وعلمانية سيكون هناك حائط مسدود بينهما.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لماذا هذا الحُكاك؟ &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: لأنه لم يقرأ دينه ويفهمه كما يجب، التاريخ مرن متغيّر، أعطيك مثالاً ونموذجاً رائعاً بين شباب غربيين وشباب شرقيين، حين تدخل مجموعة من الشبان الشرقيين والغربيين إلى أي مزار أو معبد، الغربي ينظر إلى جماليّة هذا المكان، إلى الهندسة، يحمل ماضيه إلى حاضره، يرى الجمال والإنارة والأرض والزوايا، يحمل هذا الحاضر ويبني منه حداثة، بينما ابن الشرق يقول كان كنيسةً وأصبح جامعاً أو العكس، يحمل حاضره ويتقتّل على تاريخه، لم يتعلّم من تاريخه، والمشكلة أن التاريخ يعيد نفسه، ليس التاريخ مَن يعيد نفسه وإنما الإنسان الجاهل هو مَن يعيد نفسه، وأكبر وأوّل وآخر جهل للإنسان هو جهله لنفسه. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هنا نعود إلى تعبير غربي، أن نعرف أنفسنا هو أمر في حالة الجهل على درجة من الصعوبة ولكن دعيني أحاول معكِ أن أفتح ثغرة أو ملامح ضوء، هل هناك مجتمعات عربية قابلة للحداثة أكثر من مجتمعات أخرى؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: بالطبع.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: مثل؟ لماذا أولاً؟ &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: لأنها تكون متنوّعة، لبنان بتعدُّد طوائفه وجماليّته بهذا التعدد، المشكلة ليست في الطوائف وإنما هي الطائفية البغيضة. &nbsp; &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ولكن في لبنان هناك جهلٌ عميم أيضاً. &nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: صحيح لأنهم حوّلوا الطوائف، قالوا "الطوائف ترهقه قلتُ المفاخر في تعداد أدياني". علينا أن نسعد بهذا الاختلاف ولكننا حوّلناه إلى خلافٍ وطائفية، حوّلناه إلى نبذ الآخر. المشكلة اليوم أن الطوائف وتعدّدها وانفتاحها وجمالها قابلة جداً للدخول إلى الحداثة أسرع من غيرها، ربّما تقول لا.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لا أظن.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: ربمّا في العالم العربي الواحد والطائفة الواحدة أسهل من دخولنا نحن.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنا أريد أن أقول لكِ إنه إذا وُجد مفهوم الدولة، الدولتيّة كما حصل في تونس، في فترة من الفترات ذهبت تونس إلى الحداثة.</p> <p>نضال الأميوني دكاش: ولكن الدولة المدنية موجودة عندنا في قانوننا ودستورنا.</p> <p>غسان الشامي: هذه الدولة المدنية هي دولة شكلانية، هي في عمقها أمراء الطوائف.&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: صحيح ولكن هم حوّلوها إلى ذلك، لم ننفّذ منها دستوراً وورقة واحدة من دستورنا المدني.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: العالم في ما بعد الحداثة كما تعلمين سيّدتي، نحن أين؟ وكيف نلحق بهذا القطار؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: أولاً يجب الوقوف بموازاة كل ما نعيشه اليوم من التراث الذي نستعلمه اليوم للبغض، للكراهية، للإقصاء، علينا أن نقف وأن نغربل وأن نستعمل العقل البنّاء، العقل النقدي، العلمي للدخول إلى هذه الحداثة لبناء إنسانٍ جديد، ولن نستطيع أن نبني إنساناً جديداً بالمضمون إلا بالبدء بالهدم، يجب أن نهدم كل شيء ونبني إنساناً جديداً.</p> <p>غسان الشامي: أكثر ممّا نحن مهدّمون؟</p> <p>نضال الأميوني دكاش: صحيح، نحن وصلنا اليوم إلى بناء إنسان جديد، وأنا مؤمنة ومتفاءلة أن ما وصلنا إليه هو الأساس لبناء إنسان جديد اليوم في العمق والمضمون وفي إنسانيّته لنعيد بناء فكر جديد ومنطق جديد ونكون جزءاً من هذه الحداثة، ولكن مع المحافظة على هويّتنا مع دخولنا إلى الحداثة كي نعرف كيف نقبل ونرفض.</p> <p>غسان الشامي: عملياً سيّدتي بتجربتكِ بالتدريس في الجامعة هل هناك قابلية لما تقولين؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: جداً مع الشباب، مع الجيل الجديد، فهو متعاون، صاحب فكر، يحبّ النهضة، الثورة، بحاجة دائماً إلى مَن يوجّهه، المشكلة ليست فيه وإنما في مناهجنا، في تربيتنا، يأتي شباب من كل لبنان يجتمعون حول الطاولة في الجامعة ويتعّرفون إلى بعضهم البعض، ويقولون صحيح أن هناك شخص آخر في هذا الوطن يعيش معي من طائفة أخرى ومن دين آخر ومن مبدأ وفكر آخر، لا يصدّق، يعتقد أنه يعيش لوحده في منطقته.</p> <p>غسان الشامي: وهؤلاء الذئاب المنفردة من أين أتوا؟&nbsp;</p> <p>نضال الأميوني دكاش: هذا النظام هناك مَن وضعه في الخارج قبل الداخل ولكن سيسقط حتماً ولن يبقى.</p> <p>غسان الشامي: شكراً. لا أظن أن الحضارات قد تطوّرت من دون حداثات فلكلّ عصرٍ حداثته، وهي ضرورية لتنكٌّب عصر جديد وإلا لكانت البشرية توقّفت عند الشهقة الأولى من نُذُر الحضارات القديمة. شكراً جمّاً للدكتورة نضال الأميوني دكاش على حضورها في أجراس المشرق، الشكر لكم زملائي في البرنامج والميادين، أيامكم حداثة ومعرفة وتنوير، سلامٌ عليكم وسلامٌ لكم. &nbsp; &nbsp;</p>