الدكتور رولف هوسفيلد المتخصص في أبحاث الإبادة
الدور الغربي في الابادة الارمنية، ما هي العوامل التي صاحبت الابادة ومن المعني بها؟
نص الحلقة
<p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> مساء الخير.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">لا
تزال قضية الإبادة الأرمنية حيّة وتتفاعل على الرغم من مرور مئة عام عليها، وإلّا
لماذا كل هذه الحمّى الإنكارية التركية وهذه الملاحقة لكل مؤتمر أو ندوة عنها؟
بينما يتتالى كشف وثائقها وصوَرها وتذهب دول كانت على اطّلاع على ما يحدث للاعتراف
بها بعد صمت قبور استمر قرناً.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">الدكتور
رولف هوسفيلد، مدير مركز أبحاث لوسبيوس هاوس في بوتسدام في ألمانيا لأبحاث
الإبادة، هو كاتب ومؤرّخ كتب تاريخ المجزرة الأرمنية عام 2005. ولا يزال هذا
الكتاب مثار نقاشات حول العالم. وكان له كتاب من أربعة أجزاء عن تاريخ الألمان.
ونال جائزة الكتاب السياسي من مؤسسة فريدريك ... عن سيرة حياة كارل ماركس الفكرية.
وأنتج 50 فيلماً وثائقياً، أخرج بعضها بنفسه ومنها أربعة عن الفاشية في أوروبا.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">نحن
في "أجراس المشرق" سنحاوره حول الإبادة الأرمنية. أهلاً بك دكتور
هوسفيلد في "أجراس المشرق".<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">ألمانيا
اعترفت بالإبادة قبل نحو عام. لكن أتذكّر أن وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير
قال عام 2014 إنه يجب أن يُترك للمؤرّخين تقويم ما وقع بين عامي 1915 و1916. أنت
مؤرّخ، ما رأيك بهذا الكلام وبما حدث في هذين العامين 1915 و1916؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: بدايةً طاب
مساؤكم، وشكراً على استضافتي.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> أهلاً بك.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: في الواقع،
هو البرلمان الألماني الذي أقرّ هذا القرار هذا العام. والبرلمان هو مؤسسة مستقلة
وغير مرتبط بوزارة الخارجية. بالطبع وزير الخارجية عضو في البرلمان، لكنه لا يمثّل
البرلمان برمّته. ربما يجب أن نعرف كذلك أنه قبل اعتماد هذا القرار على مستوى
البرلمان فإن رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان تحدّثا بشكل واضح عن الإبادة في العام
الفائت. وكان ذلك نتيجة لعملية اتخاذ قرار مطوّل. لقد شهد البرلمان في العام 2005
نقاشاً مطوّلاً حول هذا الموضوع في مناسبة الذكرى التسعين للإبادة. وكل أهل
السياسة كانوا يتحدّثون عن الإبادة، إلّا أن الإبادة لم تُذكَر في قرار رسمي.
وبالتالي هي مسائل دبلوماسية واعتبارات دبلوماسية. لكن في هذه الحال تحدّثوا عن
الأمر بصورة واضحة. وبالنسبة لي كمؤرّخ، لا يأتي ذلك مفاجأة. فبالنسبة لي هذا واقع
من وقائع التاريخ، ولا بدّ للجميع من أن يتحدّث عمّا حصل كإبادة. وأنا يمكنني حتى
أن أقول إنه لو عدنا إلى مختلف سجلّات وزارة الخارجية الألمانية واطّلعنا على الوثائق
الموجودة منذ وقت الحرب العالمية الأولى، يمكننا أن نقول بكل بساطة إن ما حصل
معروف من الحكومة من مئة عام.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> ما لفت نظري
أنه قال إنه يجب أن يُترك للمؤرّخين تقويم ما وقع. هل المؤرّخون هم فقط مَن يجب أن
يقول إن هذه إبادة أو هذه مجزرة أو هذه حرب؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: لو أردنا
أن نقدّم صورة واضحة وموثوق بها عمّا حدث في التاريخ، يعني ذلك أن الأمر مرتبط
بعمل مطوّل وببحوث معمّقة وبتقصٍّ واسع النطاق عن الحقائق. وهذا ما يفعله المؤرّخون،
ولهذا نحتاجهم. يقول البعض إن إطلاق التوصيفات هو أمر صعب. فاتفاقية الإبادة تعود
إلى عام 1948، وانطلقت بصورة رسمية عام 1954. وبالتالي، يعتبر البعض أن الجرائم
السابقة لهذه الاتفاقية لا يمكن توصيفها بالإبادة. أنا لا أوافق على ذلك. فإذا
عدنا إلى الأرشيف، لا سيما الأرشيف الألماني، يمكننا أن نجد هذه الخلاصات مدوّنة
ومصاغة بشكل واضح. مثلاً في السابع من تموز عام 1915، السفير الألماني في اسطنبول
القسطنطينية كتب لرئيسه المستشار الملكي الألماني قائلاً إن الحكومة التركية تنوي
القضاء على العرق الأرمني في الإمبراطورية العثمانية. بالتالي، هذه هي النيّة،
نيّة القضاء على العرق برمّته. وهذا ما نوصّفه في حاضرنا هذا بالإبادة. <br>
وعندما نتحدّث هنا عن دبلوماسي له خلفية في مجال القانون، فهو بالطبع لن يقول أمراً
كهذا انطلاقاً من أهوائه. فألمانيا كانت وقتها من حلفاء العثمانيين. وبالتالي، لما
كان ليُطلق هذه الأمور إن كان يشكّ بها. هذه جملة هامّة جداً في الأرشيف، وتكرّرت
مرّات عدّة.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> ألمانيا
كانت، كما قلت، حليفة لتركيا في الحرب العالمية الأولى، ويجب أن تعرف ماذا يفعل
حليفها. <br>
الوزير شتاينماير قال إن أمر الإبادة هو قبل كل شيء مسألة بين شعبين، أي بين الشعب
التركي والشعب الأرمني. ولكن تبعات هذه الإبادة أخذتها كل شعوب هذه المنطقة بما
فيها أوروبا. أنت ماذا تقول؟ هل يجب أن يقرّر الشعبان فقط أن هذه إبادة؟ <br>
أو الإنسانية كلها تقرّر أن هذه إبادة؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: بناءً على
ما فهمته من سؤالك، وهو ثنائي الأوجه، بدايةً بالنسبة إلى دور الألمان وقتها، وكيف
تعنينا المسألة اليوم. هل فهمت الأمر جيداً؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> أنا أقول
إنه يقول إن الإبادة يجب قبل كل شيء أن يكون معنيّاً بها فقط الأرمن والأتراك. هل
فقط الأرمن والأتراك هم المعنيون بالإبادة؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: لا، بالطبع
الإبادة مسألة تعنينا جميعاً. الإبادة هي جريمة، وعلى الأرجح قد تكون الجريمة
الأكثر خطورة التي يمكن لدولة أن ترتكبها بحق المواطنين. هي مسألة تعنينا جميعاً.
ولذلك، لا بدّ من أن نتعاطى معها ليس لأننا أرمن أو لأننا أتراك. المسألة تعنينا
لأنها ترتبط بإرثنا وتاريخنا البشري الجمعي. وبالتالي، هذه مسألة عامة مرتبطة
بحقوق الإنسان عموماً ومرتبطة بالتفكير بكيفية الوقاية من تكرار جرائم كهذه.
وبالطبع، نعرف أنه في القرن العشرين هذه الإبادة لم تكن الوحيدة. <br>
فقد شهدنا كذلك إبادة اليهود أو المحرقة التي ارتكبها الألمان النازيون. وهناك
بالطبع رابط بين الإبادتين. وبالتالي، عندما نقول إنها جريمة ضد الإنسانية فهي
تعني الإنسانية جمعاء.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> سنأتي إلى
الإبادات الأخرى. ولكن أريد أن أسأل، وأنت بحثت في أرشيف هذه الإبادة ووقائعها في
أوراق الدبلوماسيين الألمان كما قلت وذكرت عن السفير الألماني في اسطنبول في
القسطنطينية. هذه الوقائع ماذا تقول؟ مَن تتّهم؟ <br>
ولمن توجّه أصابع أن تقول إنكم مجرمو حرب؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: كان ذلك
نتيجة لمشروع أطلقه الحزب الحاكم وقتها في تركيا. ويجب أن نُبقي في الحسبان أن
المؤرّخين الأتراك عملوا على هذا الموضوع وتحدّثوا عن دولة برئاسة حزب واحد تولّت
الحكم عام 1913 نتيجة انقلاب. وكان المشروع الواضح لهذا الحزب هو تتريك
الإمبراطورية العثمانية ولا سيما المناطق الأخرى المنضمّة إلى الحكومة أو
الإمبراطورية العثمانية وما ينضوي تحت لواء الأناضول اليوم. هكذا انطلقت هذه
الفكرة بدايةً. ولا يمكن أن نفهم ما حصل من دون فهم نظام الحكم وهو حكم الحزب
الواحد ومؤسساته والمؤسسات الموجودة فيه، المجالات غير الواضحة أي المؤسسات كانت
تعمل بشكل شبه رسمي، كانت تطبّق الإبادة إمّا من خلال الترحيل أو من خلال نشر
عمليات القتل. وكل ذلك في إطار المسعى لتوسيع نطاق التتريك.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> هل من دور
لألمانيا في هذه المذابح؟ أو أنها كانت مجرّد شاهد صامت عليها؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: كانت
ألمانيا ملتزمة الصمت في الواقع. فأهل السياسة دوماً هكذا، يحتاجون مثلاً البلد
الآخر لأسباب سياسية وجيوسياسية. وهكذا كانت ألمانيا تحتاج تركيا. حصل الأمر عام
1915 حين كانت هناك بعثة ألمانية واسعة النطاق فيها 40 مسؤولاً حكومياً في اسطنبول
ثم تزايد عددها. ولكن حتى العام 1915 كان لدينا الكثير من المكاتب الألمانية لا
سيما في منطقة الدردنيل والجبهة الشرقية ولكن بنسبة أقل. وهذه المكاتب التمثيلية
كانت في المناطق البعيدة عن الإبادات الحاصلة وعمليات القتل. وحتى عام 1915 كانت
هناك بعثة ألمانية عسكرية تقود كذلك جزءاً من القوات التركية في بغداد. وفي حال ليمن
تم العمل على منع ترحيل الأرمن في إزمير وفي الموصل. وبالتالي، هكذا كان التدخل
الألماني المحدود في هاتين المنطقتين. هكذا تحرّكت وتصرّفت ألمانيا في حال ارتكاب
الحليف جريمة. لم يكن هناك مخطط ألماني خلف ذلك، بل على العكس كانت ألمانيا غير
مرحّبة بما يحصل، وكان الأمر غير منتج بالنسبة للخطط الألمانية بالنسبة للحرب في
أوروبا. وبالتالي، تذمّروا حيال هذا الأمر في تقاريرهم، لكنهم لم يحصلوا على
إجابات من الأتراك. والرد الأول والوحيد الذي وصلهم كان في كانون الأول عام 1915
وقت انسحاب البريطانيين من الدردنيل، ردّوا على الحكومة الألمانية قائلين: لا نريد
لأحد أن يتدخل في شؤوننا.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> ولكن
كالعادة، الدبلوماسيون رجال الاستخبارات مثل كتّاب أحيانًا، يكتبون تقاريرهم،
وتقاريرهم تصف ما يحصل. بعد ما قمت به في الكتاب عام 2005، هل من 2005 حتى اللحظة
هناك وثائق جديدة تصف لنا هذه المجازر؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: في الواقع،
لقد تم العثور على الكثير من الوثائق خلال هذه الفترة على مرّ السنوات العشر
الماضية، لكن ليس بشكل أساسي في الأرشيف الألماني. فالأرشيف الألماني مفتوح ومتوأفر
لكل مؤرّخ منذ وقت طويل. لكن تم العثور على مزيد من الوثائق من جانب المؤرّخين
الأتراك وآخرين يقومون بالبحث في الأرشيفات العثمانية التي تم الكشف عنها وفضحت
جوانب جديدة مثيرة للاهتمام، إلى جانب أشخاص عملوا على التعّمق في الأرشيف
الأرمني، مثلاً في أرشيف جامعة باريس وكذلك القدس. بالتالي، لدينا صورة واضحة
وموثّقة بشكل جيّد عمّا حصل. ويمكننا أن نستذكر وقائع كل يوم تقريباً من تلك
الفترة الممتدة بين ربيع العام 1915 حتى نهاية الحرب.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> يحضرني
سؤال: لماذا احتاجت إذاً ألمانيا إلى قرن كامل كي تعترف بالإبادة على الرغم من كل
هذه الوثائق؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: هذا سؤال
ممتاز، في الواقع. والأمر لا يقتصر على ألمانيا. لم تكن ألمانيا الوحيدة التي
تطلّبها الأمر هذا الوقت الطويل، وذلك لأسباب متعدّدة، منها: في ذاكرتنا، الحرب
العالمية الثانية كانت مسيطرة على التفكير، أقلّه في زمني أنا. <br>
فكانت حرباً مدمّرة بالنسبة للأجيال السابقة، جيل أهلي مثلاً. وقد ترافقت والجريمة
الكبرى المرتبطة بالقضاء على اليهود. وبالمقارنة بفرنسا وبريطانيا، لم تكن هناك
أية فكرة للحرب العالمية الأولى، وبالتالي لم تكن هناك ذكرى حقيقية للإبادة
الأرمنية. وبدءاً من تسعينات القرن الماضي والنزاع الحاصل في يوغسلافيا وجرائم
الإبادة التي ارتُكبت في "سربينيتسكا" والبدء بمسار العدل الدولي حيال
ذلك، بدأ المزيد من الأشخاص يتيقّنون أهمية هذه الأمور. وبالطبع، نتيجة لذلك بدأنا
نسترجع درب التاريخ لنعود إلى ما حصل في الحرب العالمية الأولى كذلك. ونحن لا ننظر
إلى هذه المسألة كمسألة حصلت على الساحة الأوروبية فحسب، بل على المستوى العالمي.
فيتضمن الأمر ما حصل في الإمبراطورية العثمانية لكي ننظر في الروابط وكيف أن هذا
الأمر جزء من التاريخ المشترك بين أوروبا والشرق الأوسط. وبهذه الطريقة، الروابط
والتداخل قائمان بين الإبادتين الكبيرتين في القرن العشرين. وهذا بدأنا نتيقّنه
خلال السنوات العشر الماضية، ليس قبل ذلك.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> ولكن أيضاً
هناك إبادة في القرن العشرين، طريقة من الإبادة، عبر الترحيل للفلسطينيين لم يأتِ
الكثيرون على ذكرها.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: نعم، أعرف
ذلك. وحصل خلال هذا القرن الكثير من عمليات الترحيل. 12 مليون ألماني جرى ترحيلهم
مثلاً من المناطق الشرقية بعد عام 1941، وقضى مليونان منهم تقريباً. وقعت الكثير
من الإصابات، نحو مليوني ضحية، نتيجة لتقسيم الأراضي مثلا بين باكستان والهند خلال
هذا القرن. كثيرة هي القضايا إذاً. بالتالي، عندما بدأنا نتعمق في تاريخ منطقتنا
وكل هذه الأحداث الاستثنائية التي حصلت في الشرق الأوسط وفي الهند وباكستان وفي
أوروبا، بدأنا نضع الصورة الواضحة. وكل ذلك يندرج في إطار نظرتنا العالمية أكثر
حيال هذه الأمور. في كل المنطقة الذكرى حاضرة. لكن لم تكن الذكرى حاضرة على مستوى
كل القضايا مجتمعةً.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> برأيك،
لماذا يتشبّث الأتراك ويتمسّكون برفض أية إشارة إلى أن ما حصل هو إبادة؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: أعتقد أن
ذلك مرتبط بتأسيس الجمهورية التركية عام 1923 مع الحركة القومية لمصطفى كمال وشأن
ما سُمّي بحرب الاستقلال كذلك في مواجهة الأرمن إذ كانوا يجتاحون وقتها المناطق
الشمالية للأناضول التي كان يقطنها الأرمن منذ 1678، وصولاً إلى منطقة أوبلاس في
روسيا ومنطقة هاتاي بعد تدخّل الفرنسيين وعودة الفرنسيين والأرمن، إلى آخره. <br>
كل ذلك كان في إطار النضال القومي للحركة القومية التركية. وبشكل عام، أرادوا
تحويل الأناضول إلى جمهورية تركية. <br>
وكان ذلك ممكناً فقط لأنه في عام 1923 منطقة الأناضول كان يقطنها أشخاص كان
بإمكانهم أن يوسموهم أتراكاً في ظل غياب الأرمن وكذلك غياب اليونان بعد العمليات
المختلفة لتبادل السكان بين الأتراك واليونانيين في بداية القرن العشرين.
وبالتالي، هذا يعود بنا إلى اللحظات الأولى لتأسيس الجمهورية. وبالطبع، هذه
الإبادة تقول إن المؤسسين كانوا أيضاً مجرمين، وهذا لا يمكن تقبّله بسهولة.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> سنتابع
قراءة هذا الأمر معك في القسم الثاني من هذا الحوار. الآن اسمح لنا بأن نتوقّف مع
فاصل.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">أعزائي،
فاصل ثم نعود لمتابعة الحوار حول الإبادة الأرمنية مع الدكتور رولف هوسفيلد.
انتظرونا إذا سمحتم.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB"> </span></p><h2 align="center" dir="RTL" style="text-align:center"><span lang="AR-LB" style="font-family: "Times New Roman", serif;">المحور
الثاني<o:p></o:p></span></h2><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB"> </span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> تحية لكم من
"أجراس المشرق".<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">نذهب
إلى تقرير عن الإبادة ورأي عيّنة من الناس بها، ثم نعود إلى الحوار مع الدكتور
رولف هوسفيلد لنتابع معه موضوع الإبادة بكل تفاصيلها.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB"> </span></p><h3 align="center" dir="RTL" style="text-align:center"><span lang="AR-LB" style="font-family:"Times New Roman","serif";mso-ascii-font-family:Cambria;
mso-hansi-font-family:Cambria;mso-bidi-language:AR-LB">التقرير<o:p></o:p></span></h3><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB"> </span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">بعد
مئة عام وأكثر، ما زال الأرمن يتذكرون الإبادة ويطرقون أبواب العالم ودوله
وبرلماناته كي يعترف الأتراك بما اقترفته أيديهم.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">"الأتراك
ذبحوهم وتركوا أرمينيا وتوزّعوا في العالم."<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">"لم
يعترفوا لأنهم لا يريدون أن يعترفوا. لكن يجب أن يعترفوا."<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">ربما
اختلف الكثيرون على عدد ضحايا الإبادة الأرمنية، لكنها تجاوزت المليون أرمني في
أغلب الإحصاءات والدراسات.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">"اسمها
إبادة. ملايين، مثلاً ثلاثة أو أربعة ملايين."<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">مؤخراً،
زار البابا فرانسيس أرمينيا، واستاء الأتراك. كما اعترف البرلمان الألماني
بالإبادة، ودول أخرى.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">"بالنسبة
للأحجام الاقتصادية والتقاطعات السياسية، تركيا تشكّل لهم حجماً وازناً عن
أرمينيا. وبالتالي، هم يذهبون مع مصالحهم. كل الدول الغربية هكذا، تذهب مع
مصالحها."<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">يقول
المثل العربي: لا يضيع حق وراءه مطالب. متى يحقّ حق الأرمن؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">"مهما
يكن، أرمن أو مسلمين، يجب على الإنسان أن يعيش بمحبة لأن المحبة تعطيك الأمل
بالحياة. والمحبة أحلى شيء."<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB"> </span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> أهلاّ بكم.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">دكتور
هوسفيلد، كان هناك مؤتمر عن الإبادة أنتم حضرتموه هنا في بيروت، أقامته الجمعية
الأرمنية الدولية، وهي جمعية كبيرة وهامة. هل هذه المؤتمرات تقدّم شيئاً هامّاً
وصلباً لقضايا الشعوب؟ للقضية الأرمنية؟ أو أنه دائماً المؤتمرات يلتقي فيها خبراء
ويتكلّمون ولا يعرف بقية الناس ما هو فحوى ومضمون هذه المؤتمرات؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: لقد وجدت
هذا المؤتمر حسن التنظيم وذا محتوى معمّق بالنسبة لمناقشة هذا الموضوع. وبالتالي،
لم يكن يتطرّق فقط إلى الإبادة الأرمنية. فقد طال كذلك موضوعات أخرى بوجود الكثير
من الناشطين في مجال حقوق الإنسان وأهل الاختصاص في عالم القانون وأشخاص عالمين
يتعاطون بالقانون الدولي. تحدّثنا كذلك عن النزاع الذي وقع بعد الحرب العالمية
الأولى وقبل الحرب العالمية الثانية وخلال عصرنا هذا. وقد ركّز المؤتمر على كيفية
التعاطي مع هذه الأمور، وماذا عن نظامنا القانوني العالمي، إلى أي حد هو جيّد أو هو
قاصر، وماذا يمكن أن نفعل لنحسّنه لكي نرتقي إلى مصاف هذه التحديات، وماذا يمكن
لبلدان مثل لبنان في إطار النزاع الحاصل في المنطقة مع ما يدور من أحداث في سوريا
والعراق. لقد اعتبرت المؤتمر ملهماً للغاية وهامّاً جداً. والأمر لا يقتصر على
الخبراء والاختصاصيين. هو يطال الجميع.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> بالعودة إلى
وقائع الإبادة، في المنطقة التي كان يعيش فيها الأرمن في جنوب شرق تركيا الحالية،
وهي منطقة كانت تابعة لسوريا قبل ذلك، كان هناك أكراد. وتشير حتى بعض الوثائق
الغربية، ومنها ما كتبه بعض الدبلوماسيين الألمان إلى دور الآغاوات الأكراد أو
العسكر الكردي في الجيش التركي في عملية الإبادة. في الوثائق، أنت ماذا اكتشفت؟ هل
من دور كردي حقيقي في إبادة الأرمن؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: بالطبع من
الصعب أن نتحدّث عن الأكراد بصورة عمومية. الأكراد في ظل الإمبراطورية التركية أو
العثمانية كان البعض منهم من المسلمين والبعض الآخر من "الهلفيتيين"
بالمفهوم اليوناني من النظرة التركية. وبالتالي، لم يكونوا يشكّلون نسيجاً متماسكاً،
نسيجاً عرقيا ًواحداً، بل كانوا على شكل طوائف برئاسة مجموعات متعدّدة، منها لجنة
الوحدة والتقدّم القومية ومجموعات تابعة لمجموعات أخرى. بعض الملل الكردية شاركت
في الواقع في القضاء على الأرمن، لا سيما من خلال عمليات السرقة، وملل أخرى لم
تشارك، وملل ثالثة ساعدت الأرمن في تسهيل الطريق لهم للهروب نحو روسيا إذ إن بعض
الأكراد عاشوا في مناطق سهّلوا فيها مرور الأرمن. ويجدر بنا ألّا ننسى ذلك. المسار
برمّته كان مسار تتريك، بدأ مع الأرمن، وقبل الحرب العالمية الأولى مع الإغريق أو
اليونانيين وكذلك مع الأكراد من خلال عمليات ترحيل الأكراد عام 1916. <br>
وهذا نزاع يستمر حتى اليوم من خلال تهجير نصف مليون شخص في جنوب شرق تركيا.
المشروع نفسه يبقى وهو تتريك الأرض، مشروع مستمر يؤدّي إلى أعمال العنف. ومن
مسبّبات هذا العنف العقيدة الرسمية التي تنفي الإبادة وتنفي أعمال العنف وتنظر إلى
ما يحصل على أنه في إطار حق تركيا بالدفاع عن نفسها ضدّ الأعداء الداخليين.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> هل تم
التوصّل إلى رقم واضح معيّن عن ضحايا الإبادة؟ الأمر يختلف: البعض يقول مليوناً،
البعض الآخر يقول مليوناً ونصف المليون. هناك فرق في الأرقام. ولكن عبر الوثائق،
هل تم التوصّل إلى رقم صلب يعطينا صورة واضحة عن العدد؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: لا يمكننا
بالطبع أن نتحدّث عن رقم حاسم، ويرتبط الأمر بأية حقبة نعود إليها. ففي أواخر
العقد 1890 بدأت عمليات قتل الأرمن، قرابة آلاف قضوا بفعل المجازر، وبعد ذلك بفعل
عمليات التجويع. وبعد سنوات عام 1909 في منطقة أضنا حصلت مجازر وعمليات ترحيل. بعد
ذلك خلال الحرب العالمية الأولى. ووقع ضحايا بعد الحرب كذلك في إطار تأسيس
الجمهورية التركية من جانب الأحزاب الساعية إلى ما سُمّي بالتحرّر القومي.
وبالتالي، إذا عدنا إلى المسائل الأساسية وما حصل في العامين 1915 و1916، ربما
نتحدّث عن تقدير هو 1.1 مليون أرمني قضوا. ولكن بالنسبة للمرحلة أو المدة برمّتها،
فالعدد يصل إلى 1.5 مليون أو 1.6 مليون. يرتبط الأمر بكيفية نظرنا إلى الموضوع.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> هذا رقم،
إذا كان 1.1، يعادل ما مجموعه 70 بالمئة من نسبة الأرمن في ذلك الوقت، من نسبة عدد
الشعب الأرمني؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: نعم،
يمكننا أن نقدّر الأمر على هذا النحو. ربما نحو مئتي ألف أو 300 ألف قد فرّوا عبر
الحدود مع روسيا. والكثير من الأرمن ولا سيما النساء والأولاد قد أُجبروا على
اعتناق الإسلام وأُجبروا على التتريك من خلال تسبيجهم عنوةً لأفراد أتراك.
وبالتالي، هذا التقرير هو تقرير واضح.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> كيف تحدّد
بشكل دقيق الأسباب التي اعتمد عليها الأتراك للقضاء على الأرمن. هل يمكن أن نوجز
هذه الأسباب؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: في ألمانيا
دار نقاش مطوّل حول إبادة اليهود: هل انطلقت العملية كعملية متعمّدة بناءً على
نيّة مبيّتة؟ أو في إطار مسعى متنامٍ للأصولية؟ السواد الأعظم من المؤرّخين يقول
إن الحقيقة هي بين هذا وذاك. والأمر نفسه ينطبق على الإبادة الأرمنية. بالطبع كانت
هناك خطة لتتريك الأراضي قبل الحرب العالمية الأولى. لكن لا أعتقد أنه كانت لديهم
خطط واضحة لكيفية تطبيق هذا المسعى. وضعوا ربما خططاً لإقصاء الأرمن ودفعهم نحو
الحدود الروسية. وكانت ثمة وثائق تعود إلى عام 1915، شهر أيار منه تحديداً، حول
هذا الأمر. خلال هذا المسعى، في النصف الثاني من شهر أيار عام 1915، بدأت العملية
الراديكالية، التطبيق الفعلي لهذه الخطة وإبعاد الأرمن إلى مناطق لا يمكن لهم أن
يعيشوا فيها. وارتبط ذلك بعمليات تنفيذ المجازر على نطاق واسع من جانب منظمات
ومجموعات شبه عسكرية جرى تشكيلها لهذا الغرض تحديداً. بالتالي، في آب من العام
1914 لم يكن أحد يعرف كم ستطول الحرب. وعندما شارك العثمانيون في الحرب اعتبروا
أنها ستنتهي في ربيع العام 1915. وذاك كان الاعتقاد الألماني أيضاً. ولو حصل الأمر
لكانوا استولوا على بعض الأراضي الروسية. كانت لديهم خطط أخرى، وربما اختلف وجه
الإبادة. إلّا أن الطابع الراديكالي تحوّل إلى طابع راديكالي على مستوى الحرب.
واقترن ذلك بخطة تتريك الأراضي وتأمين الحدود التركية فقط خدمةً للأتراك. كان لا
بدّ من فعل ذلك والقضاء على الأرمن خدمةً لهذه الخطة.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> هل توصّلت
إلى عامل ديني لإبادة الأرمن؟ أنهم من دين مغاير مثلاّ؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: لا أملك أي
دليل على ذلك. بالطبع على مستوى العقل الشعبي كان لذلك دور ما. فبدءاً من تشرين
الثاني عام 1914، تركيا كانت برمّتها في حال من الجهاد. وبالتالي، على مستوى
العقلية الشعبية، يمكن لذلك أن يكون قد اضطلع بدور ما. لكن على المستوى السياسي لا
أعتقد أن الجانب الديني كان له أي ... كان الأمر يرتبط بالقومية التركية فقط، ولا
علاقة للدين بذلك. أتحدّث عن النُخبة الحاكمة في الإمبراطورية العثمانية. وكانت
هذه النُخبة بمعظمها مؤلفة من الملحدين أو الأشخاص الذين لا يعتنقون أي دين. كان
هناك بالطبع بعض الممانعة من جانب رجال الدين المسلمين ضد هؤلاء الأتراك غير
المؤمنين أو الملحدين. ولكن لا دافع دينياً غير ذلك.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> والعامل
الاقتصادي؟ هل هناك عامل اقتصادي في الإبادة؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: يجدر بنا
ألّا نقلّل من أهمية العامل الاقتصادي، في الواقع. في إطار تحديث الدولة كان
الاقتصاد التركي سيخضع أكثر لهيمنة المسيحيين أي الأرمن واليونانيين. وهذه كانت
خشية حقيقية، اعتبرها البعض تهديدا واقعا بالنسبة لقدرة العرق التركي على الحفاظ
على هيمنته في إطار الإمبراطورية العثمانية الماضية. وكان لا بدّ من تفادي ذلك
بالنسبة لحركة الأتراك. وقد تحدّث الكثير من الأتراك عن ذلك، وتحدّثوا عن الحاجة
إلى بورجوازية تركية قومية. ولكن هذه البورجوازية لن تنشأ إلّا من خلال القضاء على
البورجوازية المسيحية. لا بدّ من استبدال هذه البورجوازية بتلك. كذلك على مستوى
المشاعر الشعبية، لم يكن من السهل اكتساب الثروات. فكان للعامل الاقتصادي دور
كذلك.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> إذا التفتنا
إلى بقية الأقليات.. نحن أخذنا الأرمن وقلنا لماذا تمت بحقهم عملية الإبادة. بقية
الأقليات، لنتكلّم على إبادة السريان، الأشوريين، اليونان، السوريين المسيحيين في
أنطاكية وفي المنطقة الكيليكية، هؤلاء لماذا؟ للأسباب نفسها؟ <br>
هل فقط هي القومية التركية الناشئة؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: أعتقد أن
الأساس المنطقي الكامن خلف كل ذلك كان نفسه. بالنسبة لليونان، بدأت المسألة في
ربيع عام 1914 من خلال اتّباع تدابير عنيفة ضدّ اليونان على الساحل المتوسّطي. أدى
ذلك إلى افتعال كثير من أعمال العنف وإلى تهجير ما يقارب 150 ألف يوناني. ثم بدأت
الحرب، وبعد الحرب حصل ما سُمّي بالحرب اليونانية التركية، وجرى استبدال السكان،
وحصلت عمليات تشبه إبادة اليونانيين المتبقين. وانطلقت كذلك تدابير عنيفة ضد كل
المجموعات المسيحية في منطقة الأناضول كما نعرفها اليوم. وترافق ذلك وتدابير ضدّ
الأشخاص الذين يعيشون عند الحدود مع بلاد الفرس عامي 1914 و1915، وفي المناطق
المحيطة كذلك. الاختلاف مع الأرمن هو أن هؤلاء لم يتم ترحيلهم بل قُتلوا في أماكن
وجودهم. لم يتم ترحيلهم مثلاّ إلى الصحراء أو إلى أماكن أخرى، بل كان يتم القضاء
عليهم في أماكن وجودهم، واعتُبروا تهديداً أمام تتريك المنطقة. ولكن المنطق هو
نفسي في حالات الإبادة الكبرى كما حصل مثلاً في الإبادة اليهودية؛ توجد دوماً
حالات إبادة مصغّرة، تماماً كما حصل في ألمانيا. كانت هناك حالات إبادة مصغّرة ضدّ
طوائف ومِلل أصغر.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> بمعنى من
المعاني، مثلاً السريان يقولون إن هناك 600 ألف شهيد في الإبادة. هؤلاء لا يذكرهم
أحد. بقية الناس الذين قُتلوا لا توجد حملات عالمية للإشارة إليهم.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: برأيي هذا
ليس صحيحاً إلى هذا الحد. على مستوى المؤرّخين يتم الحديث عن ذلك. ربما المسائل
غير مثارة إلى هذا الحد على مستوى النقاشات العامة ولا يتم تسليط الضوء على ذلك.
أمّا بالنسبة للأرقام، لا يمكنني أن أتحدث فعلاّ عن رقم محدّد بالنسبة للأشخاص
الذين قضوا خلال تلك الفترة. يمكننا أن نقدّر العدد، لكنه عدد كبير.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> بمعنى أو
بآخر، قلت إن هناك نحو خمسة ملايين ضحية بين 1914 و1915، أو بما قام به الأتراك
هناك خمسة ملايين ضحية. ألا يلفت النظر أن كل هؤلاء أو أغلبهم مسيحيون؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: تحدّثت عن
عدد هو 1.1 مليون من الضحايا الأرمن خلال عامي 1915 و1916، وليس خمسة ملايين.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> ولكن البقية؟
اليونان والسريان والأشوريون والكلدان والسوريون؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: نعم، أعرف
ذلك. لكن يجدر بنا ألّا نجازف بالأرقام. إذا كنا نريد أن نتحدّث عن الأرمن خلال
هاتين السنتين فهو 1.1 مليون. وبالنسبة للأقليات الأخرى يرتفع العدد إلى 1.5
مليون. وكانوا بمعظمهم بالطبع من المسيحيين لأنهم اعتبروا أنه لا يمكن تتريك
المسيحيين. فالتتريك يعني كذلك اعتناق الإسلام بالنظرة الساميّة للإسلام. ولذلك،
اعتبروا أنه بإمكانهم تتريك الأكراد. فالأكراد كانوا بمعظمهم من الساميين. عرفوا
بعد ذلك أن الأمر مستحيل، لكنهم لم يعرفوا ذلك خلال الحرب العالمية الأولى. لكن بالنسبة
للمسيحيين، عرفوا أنه لا يمكنهم تحويلهم إلى أتراك. يبدو أن في الأمر مفارقة، لكن
لم يكن الهدف الأساسي تحويل المسيحيين إلى مسلمين، بل كان في الواقع تحويل
المسيحيين إلى أتراك. هنا كان الاختلاف.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> سؤالي
الأخير، وبدقيقتين إذا سمحت: نحن الآن أمام منطقة في جنوب شرق تركيا الحالية فرغت
من سكانها. الآن أيضاً يفرغ المسيحيون أيضاً من الجزيرة السورية، أي في الحسكة
والقامشلي وحتى في حلب. هذه المناطق التي كانت مهداً للأرمن والسريان والأشوريين،
هؤلاء مَن يعوّض عليهم في القانون الدولي؟ مَن يعوّض عليهم من الأمم؟ على الأقل في
الجغرافيا، كيف يعوَّض عليهم؟<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">رولف
هوسفيلد</span></b><span lang="AR-LB">: الإجابة
الصريحة والصادقة هي: لا أدري. لقد جرى اقتراف الكثير من الأخطاء من جانب القوى
الغربية خلال السنوات الماضية على ضوء ما حصل في العراق وما حصل في سوريا. والأمر
استند إلى نقص في المعرفة بظروف الميدان وجذور النزاعات الحقيقية. لا أدري ما الذي
سيحصل. هذا أمر مؤسف للغاية. أتحدّث هنا عن منطقة قديمة العهد حيث تأسست الديانة
المسيحية. فالمنطقة هي مهد الديانة المسيحية. الأمر مؤسف، وأعتذر لقول ذلك. لكن لا
أملك حلّا لهذه المشكلة.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><b><span lang="AR-LB">غسان
الشامي:</span></b><span lang="AR-LB"> أنا أشكرك
جداً على الوقت الذي أعطيتنا إياه.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">أعزائي،
إذا نام شعب عن حقوقه وغفل عمّا حلّ به فإن الشعوب الأخرى لن تلتفت إلى هذه
الحقوق. لذلك قالوا: لن يضيع حق وراءه مطالب.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">شكراً
للدكتور رولف هوسفيلد على حضوره في "أجراس المشرق".<br>
الشكر للزملاء في البرنامج وقناة الميادين الذين يقرعون معي هذه الأجراس.<br>
شكر خاص للسيّدة ميراي خاناميريان على جهدها ومساعدتها دائماً.<br>
والشكر موصول لكم على المتابعة.<o:p></o:p></span></p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span lang="AR-LB">وسلام
عليكم وسلام لكم.<o:p></o:p></span></p><p>
</p><p class="MsoNormal" dir="RTL"><span dir="LTR"><o:p> </o:p></span></p>