الفنان الفلسطيني رمزي ابو رضوان
نص الحلقة
زاهي وهبي: مساء الخير. فقط
في الحال الفلسطينية ينزاح كلّ شيءٍ عن معناه العادي ليكتسب معنىً جديداً أكثر
عُمقاً ونُبلاً. لا يظلّ الحجر مُجرّد حجر، ولا الوَتَرُ مُجرّد وَتَر، تغدو
الأشياء كلها جزءاً من الصراع الضاري مع المُحتلّ الإسرائيلي الساعي إلى طمس
الهوية الحقيقة لـ "فلسطين" بكلّ ما استطاع إليه سبيلاً من عسفٍ وجورٍ
وباطل. وضيفنا واحدٌ من حُرّاس الهوية، طفلٌ عزف لحن الحجر حتّى أمست صورته رمزاً
لانتفاضة الحجارة وحفرت مكانتها عميقاً في الذاكرة الجماعية، ورجلاً امتشق كمانه
وموسيقاه وراح يجول العواصمَ والمُدنَ ليروي باللغة الكونية حكاية النضال
الفلسطيني لأجل الحرية والاستقلال، ولم يكتفِ بالعزفِ والتأليف الموسيقي فكان
"الكمنجاتي" مشروعاً رائِداً لتعليم أطفال "فلسطين" وأطفال
المُخيّمات الفلسطينية أُصول الموسيقى يعزفونها نشيداً للوطن السليب وللحرية
المُرتَجاة. "بيت القصيد"، بيت المُبدعين العرب يُرحّب بالفنان
الفلسطيني الأُستاذ "رمزي أبو رضوان"، أهلاً وسهلاً بك في "بيت
القصيد"
رمزي
أبو رضوان: أهلاً أُستاذ "زاهي"
زاهي وهبي: شرّفت. أريدك أن تُعرّفني على الشباب
والموسيقيين الذين سيرافقوننا هذه الليلة
رمزي
أبو رضوان: أُستاذ "محمّد أبو عليّا"
سيشاركني على "الأوكارديون"، "محمّد خمايسة" على آلة الناي،
"نورَس إبراهيم" على آلة العود، و "ينال ستيتي" على الإيقاع
زاهي وهبي: أهلاً وسهلاً. الشباب من مُخيّمات
"لبنان" أم من "فلسطين"؟
رمزي
أبو رضوان: من "فلسطين"
زاهي وهبي: من "فلسطين"، آتوا برفقتك،
وشاركوك في أُمسيتك في "الجامعة الأميركية في بيروت"
رمزي
أبو رضوان: صحيح
زاهي وهبي: والتي كان ضيفاً عليها أيضا الفنان
"جهاد عقل"
رمزي
أبو رضوان: نعم
زاهي وهبي: نُحيّي الجميع ونُرحِّب بكم، وقبل أن
نطرح أسئِلة دعنا نُشاهدك في ربورتاج بعنوان "علامة فارقة"، نُشاهده
سوياً
علامة
فارقة
رمزي
أبو رضوان:
صورة، صحيح أنها وسام لي، لي ولكلّ الأطفال
الذين شاركوا في الانتفاضة الأُولى، وفي الوقت نفسه عبء لأنكِ تتحمّلين المسؤولية
وتريدين أن تعيشي لكي تبدئي في أن تكوني موجودة
طفولتي كان فيها شقّان، شقّ إيجابي وشقّ سلبي.
الشقّ الإيجابي أنني تعلّمتُ تجارب كثيرة في عمرٍ صغير، والشقّ الآخر أنني لم أحصل
على فرصة لأعيش طفولتي كبقية أطفال العالم
طبعاً الموسيقى أنقذتني وساعدتني والآن تُساهِم
في مُساعدة أيضاً أطفال كثيرين، تعطيهم فُسحة من الأمل ووسيلة في التعبير وتحميهم
من الاضطرابات والاحتلال القابع حولنا
الأيمان والطاقة الإيجابية اللتان أعطتهما لي
الموسيقى أنقلهما أيضاً لأطفال آخرين، وهذا يُحسسني بالفخر والاعتزاز بأنني لم
أتركهما لي فقط
"الكمنجاتي" جمعية خيرية مُحتاجة إلى
دعم لأن فكرتها أن تُقدّم الموسيقى إلى الأطفال المُحتاجين الذين لا إمكانيات
عندهم، و "الكمنجاتي" مؤسّسة غير حكومية وتعيش فقط على دعم الناس الذين
يؤمنون بفكرة "الكمنجاتي" وبأنّ الموسيقى والثقافة يُمكنهما أيضاً أن
تقوّيا هؤلاء الأطفال وأن تعطيهما وتصقلا لهم شخصيتهم
أنا أعزِف على "الفيولا" بالإضافة إلى
آلة "البزق" فقط. أوّل آلة مسكتها هي آلة "الكمان" وهي أيضاً
أكبر من "الفيولا"، وأول مرة مسكتها أعطتني مباشرةً إحساساً بالحرية
الحلو في الموسيقى أنها لغة عالمية، إذا أحدهم
يعرفني أو لا يعرِفني موسيقاي ستحاكي مقطوعات تعكس حياتي التي عشتها أنا وعاشها
جدي منذ عام 1948 إلى اليوم وتجربتي أنا كطفل وكشاب. هذه هي موسيقاي. جدّي علّمني
الثقة بالنفس وعلّمني القوة والعزيمة والتفكير دائماً بأنّ هناك أملاً
نجاحي كان له عنصران، عُنصر الصدفة وعُنصر أيضاً
المُثابرة والعزيمة لأنّ الصدفة وحدها لا تكفي. يجب أن تكوني أنتِ أيضاً مُتحمّسة
ومُتشجّعة لكي تصلي إلى أيّ شيء
"زاهي"، خفّف عليّ قليلاً في الكلام مع
القليل من الموسيقى وأعدك أنها ستكون حلقة حلوة
زاهي وهبي: بوجودكم أكيد الحلقة ستكون حلوة، ولن
نتحدّث فقط سنستمع إلى موسيقى أيضاً. لكن ربما أوّل سؤال يخطُر على البال اُستاذ
"رمزي" أنّه، ما الذي بقيَ فيك من الطفل الذي كان يرمي حجارة على دوريّات
الاحتلال الإسرائيلي، على جيش الاحتلال في مُخيّم "الأمعري"؟
رمزي أبو رضوان: أُفكّر كثيراً أحياناً
في هذا السؤال لكن أجد أحياناً أنني ما زلت أنا نفس الطفل، نفس الإحساس، نفس
العزيمة، نفس الشجاعة، لم يتغيّر شيء
زاهي وهبي: كم يحتاج الفنّ أو الفنان لأن يحتفِظ
بطفولته، كم يوجد في الفنّ طفولة؟
رمزي
أبو رضوان: الفنّ من دون طفولة ليس فناً لأنّ
شخصية البني آدم تنصقِل في بداية طفولته، مع كلّ التراكم الذي يقوم به في طفولته،
وهذا بالنسبة إليّ أهم لحظات الإنسان
زاهي وهبي: نعم. صورتك الشهيرة أثناء رميك لحجر على
جنود الاحتلال الإسرائيلي، التي تحوّلت إلى رمز للانتفاضة الفلسطينية الأُولى
والتي صارت مثل أيقونة. قلت أنها عبء عليك، لماذا عبئاً؟
رمزي
أبو رضوان: هي عبء، وأنا قلت عبئاً لأنها مسؤولية.
أنا كنت أُفكِّر أيضاً فيها كثيراً عندما ظهرت الصورة، وكنت خائِفاً كثيراً من أن
تتحوّل إلى بوستر شهيد. فكنت كثيراً ودائِماً حَذِراً، بغضّ النظر عن أنني حين كنت
أضرب الحجارة على جيش الاحتلال كنتُ حَذِراً ألا يصيبني جيش الاحتلال وألا يقتلني.
كان عندي دائماً عنصر بأنني أريد أن أعيش وليس فقط أن أُقاوم
زاهي وهبي: وأنا أعتقد أنّ كلّ أطفال وشباب
"فلسطين" عندما ينزلون إلى الشارع في وجه الاحتلال ينزلون كي يعيشوا
وليس كي يموتون
رمزي
أبو رضوان: صحيح
زاهي وهبي: ولا أظنّ أن نزولهم هو حبٌ بالموت بقدر
ما هو حبٌ بالحياة
رمزي
أبو رضوان: صحيح
زاهي وهبي: الحياة الكريمة، الحياة الحرّة، الحياة
الطبيعية العادية
رمزي
أبو رضوان: صحيح، أنا الذي قصدته في هذه الجملة
أنّ هناك الكثير من الشباب والأطفال من "فلسطين" لا يتوقّعون أنّ الجندي
الإسرائيلي قادر على قتلهم لأنهم يفكّرون في الجانب الإنساني. أنا شاهدتُ أطفالاً
كثيرين كانوا يمشون في الشارع ولم يكونوا يتوقّعون أن جندياً يُطلق النار عليهم
ويُصيبهم، لكن أنا اكتشفت أنّ الجندي لا يوجد عنده أيّ
زاهي وهبي: وازع أو رادِع
رمزي
أبو رضوان: ولا أيّ رادِع، من أجل هذا كنتُ
دائِماً حَذِراً وكنت حتّى أُحذِّر الأطفال الآخرين بأنه عندما ينام القنّاص على
الأرض عليهم أن يختبئوا كلهم
زاهي وهبي: أن ينتبهوا من نيّة القتل. وحتّى إحدى
رفيقات طفولتك استشهدت برصاص قنّاص إسرائيلي، صحيح؟
رمزي
أبو رضوان: نعم. كنا نقف على الجهتين مُختبئين،
هي مسكينة لأنها لا تعلم أنّ الجندي قادر أو لا يوجد عنده أي رادِع، حين كانت تقطع
الشارِع وأدارت وجهها في اتجاه بوابة المُخيّم، في لحظة صغيرة قنّصها في رأسها
زاهي وهبي: أرْداها شهيدة
رمزي
أبو رضوان: نعم
زاهي وهبي: هل كتبت تحية موسيقية لتلك الشهيدة؟
رمزي
أبو رضوان: نعم، كتبت عبر موسيقاي، نعم
زاهي وهبي: حملت معك هذه الذكرى وهذا الموقف
رمزي
أبو رضوان: نعم
زاهي وهبي: لكن كيف انعكس عليك وأنت طفل آنذاك أن
ترى طفلة فلسطينية رفيقة لك تستشهِد؟
رمزي
أبو رضوان: صراحةً أنه طوّر عندي حقداً في تلك
الفترة وازدادت أيضاً مُشاركتي في انتفاضة الحجارة، كنت فقط أُشارِك في الحجارة
زاهي وهبي: حينها كان سلاحك هو الحجر مثل الكثير من
أطفال "فلسطين". لو صار لك أن تقول كلمة لهذا الطفل صاحب الجاكيت
الحمراء الذي كنتما يوماً ما رفيقين، ما يُمكن أن تقول له؟
رمزي
أبو رضوان: لكنت أقول له، " أنا أحبك كثيراً
وأُحبّ شجاعتك"
زاهي وهبي: أولادك اليوم كم أعمارهم ألله يخليهما؟
"حسين"؟
رمزي
أبو رضوان: "حسين" و"آدم"
زاهي وهبي: كم أعمارهما؟
رمزي
أبو رضوان: سبع سنوات وقريباً أربع سنوات"
آدم"
زاهي وهبي: لو أحبّا أن يرميا حجارة على جيش
الاحتلال، هلّ تُشجعهما أم تمنعهما؟
رمزي
أبو رضوان: أُعلِّمهما طرقاً جديدة لمقاومة
الاحتلال
زاهي وهبي: تكتيك مختلف
رمزي
أبو رضوان: تكتيكات مختلفة نعم
زاهي وهبي: هلّ من الممكن أن نبدأ مع الشباب وأن
نهدي أطفال "فلسطين" شيئاً من الموسيقى إذا سمحت؟ قبل أن نتوسّع ونتحدّث عن موسيقاك وعن شغلك في
"الكمنجاتي"
رمزي
أبو رضوان: نعم
زاهي وهبي: تفضل
رمزي
أبو رضوان: (يعزف مع الضيوف الموسيقيين)
زاهي وهبي: ألف شكر، ألف شكر، يُعطيكم ألف عافية،
من تأليفك طبعاً المقطوعة. كيف تولَد المقطوعة الموسيقية عندك؟ إلهامك، مصادرك،
مراجعك من أين؟
رمزي
أبو رضوان: المقطوعات الموسيقية التي لحّنتها،
خاصةً الآلاتية التي من غناء كانت تقريباً تفريغاً لمشاعري منذ طفولتي إلى شبابي
إلى كلّ المرحلة التي تعلّمت فيها موسيقى في "فرنسا"، فظلّت هذه
المقطوعات في داخلي إلى أن خرجت تلك المشاعر من خلال الصوت وكانت ألحاني
زاهي وهبي: يبدو أنّ "البزق" غلب "الكمان"
عندك؟
رمزي
أبو رضوان: لا، أنا قرّرت قبل 15 سنة أنني أريد
أن أعزِف على الكمان أو "الفيولا" موسيقى غربية وعلى "البزق"
موسيقى شرقية لأنني طماع قليلاً وكنت أُحب أن أدمج بين كلا المهارتين وأعرفهما
وأمارسهما
زاهي وهبي: وهذا الشيء يحدث؟
رمزي
أبو رضوان: نعم، يحدث
زاهي وهبي: خصوصاً أنك تتعاون مع موسيقيين أجانِب
أيضاً. سنتحدّث عن هذه التجارُب لكن، " رمزي" في طفولتك اشتغلت كبائِع
جرائِد، اشتغلت في حدائِق الأُناس الميسورين، وربما هذا الشغل هو الذي أوصلك بطريقة
أو بأُخرى إلى الموسيقى. لكن قبل أن نتحدّث عن كيف تعرّفت إلى الموسيقى، هذا العمل
وأنت طفل ما الذي تركه في نفسك؟ ما الذي تعلّمته من تجربة العمل وأنت في سنّ
صغيرة؟
رمزي
أبو رضوان: نعم. أنا صراحةً حين كنت طفلاً كنتُ
أعتقد أنّ هذا طبيعي
زاهي وهبي: نعم. أنّ كلّ الأطفال
رمزي
أبو رضوان: يشتغلون ومن اللازم أن يشتغلوا. أنا
أصلاً كنت أُحبّ كثيراً أن أعمل لأن ذلك كان يُحسسني، كلّ طفل يرغب في أن يقوم
بأشياء يقوم بها الكبير، فأنا كنت أُراقب جدي لأنه كان يخرج في كلّ يوم إلى الشغل.
ففي يوم من الأيام كنا في عطلة الصيف ولم يكن يوجد مدرسة فاستيقظ جدي صباحاً ولحقته،
في الساعة الخامسة صباحاً، لحقته وكان المشوار بعيداً وخطِراً، كان يوجد شارِع
رئيسي، وفي لحظة من اللحظات، عندما وصل إلى عمله استدار ووجدني أمامه. فتفاجأ وصار
يشتمني وسألني، " ماذا تفعل هنا؟" فقلت له، " الآن من الأحسن أن
أبقى هنا لأنني إن ذهبت لوحدي، ربما يكون ذلك خطِر عليّ، قد أُدهس أو يحدث لي شيء.
إن ساعدتك أحسن"، فأجبرته على أن أعمل معه. شعور جميل في أنك تبدأ بفهم
الدنيا في سن مُبكرة جداً
زاهي وهبي: أن يُدعَك الإنسان. على كلّ حال، كلّنا
في مكانٍ من الأمكنة نشبه بعضنا البعض في هذا المجال
رمزي
أبو رضوان: صحيح
زاهي وهبي: اشتغلنا في طفولتنا وعندما أصبحنا
مُراهقين، وربما هذا ما يجعل المرء يُصبِح في المكان الذي هو فيه. سنتحدّث أكثر عن
تجربتك، عن موسيقاك، عن "الكمنجاتي" أيضاً ولكن اسمح لنا أن نُشاهِد
مقاطِع من عرضك الموسيقي في "الجامعة الأميركية في بيروت" ونستمع إلى
موجز إخباري سريع ثمّ نُتابع "بيت القصيد"
{يُعرض
فيديو من حفل "الكمنجاتي" في الجامعة الأميركية في بيروت}
المحور
الثاني:
لانا
أحمد ظاهر- من مُخيّم برج البراجنة: أنا أعزُف
على الدربكّة. عائلتي تحب أن تعزِف على الدربكّة، خاصّةً أنّ ابن عمّتي يُحيي
أعراساً ويأتيه دائِماً ضيوف. هو دائِماً يعزِف على الدربكّة وهو من جعلني أعزِف
على الدربكّة. في "الكمنجاتي" صرت أتدرّب أكثر وأعرِف معلومات لم
يُعلّمها لي ابن عمّتي، عندما أتيت إلى " كمنجاتي – أطفال بيت الصمود"
تعلّمتها. أكيد أحيي حفلات وسمعت أن هناك أكثر من طريقة عزف على الدربكّة، وأنا
أحبّ أن أقوم بهذا. الموسيقى جعلتني محبوبة أكثر. مثلاً، إذا رفيقاتي ورفاقي يحبون
أن يتعلمون الدربكّة، يصعدون إلى عندي في البيت ليتعلموها معي، وأنا أيضاً الآن عندما
أتعلّم شيئاً في الحصص أذهب وأُعلِّم أُختي. أرغب في رؤيتك في السنة القادمة يا
أُستاذ "زاهي"
زاهي وهبي: "لانا أحمد ضاهر" من مُخيّم
"برج البراجنة"، نُمسيها هي وأهلها بالخير. هذا الشُغل مع الأطفال ماذا
يمنحك؟ ماذا يُعطيك؟
رمزي
أبو رضوان: أحلم كثيراً دائِما بنقل الأشياء التي
حصلت عليها والحرية التي حصلت عليها، التي هي الموسيقى، لأُناس، لأطفال، لشباب
آخرين. فأستمدّ كلّ طاقتي منهم
زاهي وهبي: تعود لتعيش ربما أو لتستعيد طفولتك التي
لم تعشها كما يجب
رمزي
أبو رضوان: صحيح
زاهي وهبي: مثل للأسف مُعظم أطفال
"فلسطين". بسبب الاحتلال يفقدون طفولتهم باكراً
رمزي
أبو رضوان: صحيح
زاهي وهبي: أُستاذ "رمزي" نحن التقينا
قبل ثماني سنوات وحاورتك وسألتك عن بداياتك وما شابه، فقط أُريد أن أتذكّر
باختصار، طبعاً لأنّ هناك أجيالاً جديدة من المُشاهدين وأُناساً كبروا في هذا
الوقت. كيف تعرّفت على الموسيقى؟ منذ أن كنت طفلاً يشتغِل في بيع الجرائِد، ومن
حدائق الآخرين يرشُق جنود الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة، إلى موسيقي معروف ومشهور
وعندك منتوجٌ تُشكر عليه مع الأطفال. المدخل إلى الموسيقى كيف حصل؟
رمزي
أبو رضوان: المدخل صار من خلال صديقة لي اسمها
" ثريدا حسين" وهي كانت من الأشخاص المُعجبات جداً بالطفل "
رمزي"
زاهي وهبي: نُمسيها بالخير
رمزي
أبو رضوان: مساء الخير لـ "ثريدا"،
نعم. في إحدى المرات كانت تتحاور مع الأُستاذ "محمد فضل" الذي كان آتياً
من الأُردن بعد اتفاق "أوسلوا" وما تمكن مجموعة من الفلسطينيين من
العودة به، وكانت تسأله عما سيكون مشروعه في البلد؟ قال لها، "سأنشئ ورشة
موسيقية في مركز الفنّ الشعبي في مدينة البيرة"، فقالت له، " أنا متأكدة
أنكم ستعلّمون فقط الأطفال الميسورين في المدينة ولن تُعلّموا الأطفال الفُقراء؟
فقال لها، " لا أعرِف ولداً فقيراً" قالت له أنا أعرِف "
رمزي"، وهكذا كان التواصل الأول
زاهي وهبي: لماذا هي راهنت عليك؟ في أنك من الممكن
أن تقبل أن تتعلّم موسيقى؟
رمزي
أبو رضوان: لأنني كنت أقبل بكلّ شيء فيه حماس، أي
شيء. إن كانت تطلب مني أيّ شيء أقوم به ولا أقول لا، وطبعاً كانت هي تتوقّع أنني
أيضاً كشاب أو كطفل أنه ليس عندي فُرَص كثيرة في هذا المجال
زاهي وهبي: وبالتالي هذه فُرصة كانت أمامك. دعنا
نسمع لو سمحت، سنستمع إلى بعض الآراء في تجربتك، نسمع رأي الأُستاذ "محمود
أبو هشهش" من "فلسطين – رام الله"، مدير الدائِرة الفنية في مؤسّسة
"قطّان" وما يقوله عن حضرتك. نسمعه سوياً
كلام
يوصل
محمود
أبو هشهش – مدير الدائرة الفنية في مؤسسة قطّان:
صديقي العزيز "رمزي أبو رضوان"، أحب أن أقول لك أنك مِثال حيّ وقوي على
قدرة الفرد، قدرة الفرد الفلسطيني بشكلٍ خاص على تغيير شروط حياته والانطلاق نحو
تغيير شروط حياة الآخرين أيضاً. أنت مثال مُلهِم بالنسبة لي كشخصٍ مُنشغِل في
الهمّ الثقافي، وأعتقد لكل المشتغلين في الأمر الثقافي الذين يُسألون دوماً عن
جدوى ما يفعلونه، لاسيما في عالم مُتهالِك وشديد العُنف ويفتقر إلى كثير من
العقلانية. ما تفعله يمثّل لنا إجابة هامة عن أثر الثقافة، عن دليل حياة الأفراد
وقُدرة الفرد على تغيير حياة الكثيرين. أهنّئك كثيراً على هذا الإنجاز الهائِل في
حياتِك التي أتمنّى أن تكون مديدة كي تؤثِّر على أكثر وأكثر في حياة الآخرين كما
تفعل. سؤالي البديهي، كيف ترى حياتك من غير تلك المُصادفة السعيدة، من غير
الموسيقى؟ شكراً
زاهي وهبي: شكراً للأُستاذ "محمود" على
شهادته وعلى سؤاله. تفضّل، كيف يُمكن أن ترى حياتك من دون موسيقى؟
رمزي
أبو رضوان: من الصعب أن أتخايلها من دون موسيقى.
ربما كلياً في عُمري لم تخطر الفكرة في بالي لكي أتخايل حياتي من دون موسيقى
زاهي وهبي: أشار الأُستاذ "محمود" إلى
نُقطة مُهمة، أنه ربما اليوم في وطننا العربي المليء بالحروب وبالدماء والخراب
والموت، كنّا في نكبة "فلسطين" وصرنا في نكبةِ أُمّة من مُحيطها إلى
خليجها. ربما هناك أُناس يقولون لك، "يا أخي تتحدّثون لنا عن موسيقى وتتحدّثون
لنا عن الفنّ وتتحدّثون لنا
عن هكذا قضايا، كم هو" بالَكم فاضي". كم هي مُهمّة هذه المسائِل
في مواجهة الموت والخراب والحروب والاحتلال نفسه
رمزي
أبو رضوان: نعم. أولاً أنا أرغب في شكر صديقي
"محمود" على هذه الشهادة، وأُمسّي عليه وأُرسل له تحية من هنا. أعتقد أنّ
الحروب والاضطرابات هذه كلها من أجل أن تُفرِّغ الشعوب من ثقافات وتُرجِعها إلى
نُقطة الصفر، وهي نقطة الجهل، وذلك كي تتبع هذه الشعوب هذه الجماعات المتخلّفة
التي أصلاً لا أستطيع أن أجد لها وصفاً. حتّى يقولوا إرهابيين، هؤلاء أشخاص لا أتمكّن
من أجد لهم وصفاً لكي تجعل هذه الشعوب تتبعهم ليعيدوا إحياءنا في عالم الجهل
والحروب الدموية
زاهي وهبي: يدمّرون حياتنا بكلّ معنى الكلمة
رمزي
أبو رضوان: نعم، والفنّ معروف في كم هو دوره مُهم
في مُجتمعاتنا، وعلى العكس، أيضاً الفنّ هو جزء لا يتجزّأ من بناء المُجتمعات
وبناء الشخصية وصقل الأشخاص والأفراد في المُجتمع
زاهي وهبي: بالتأكيد، ولكن للأسف صرنا في مرحلة أصبحنا
فيها مضطرين على تأكيد البديهيات وعلى المُسلّمات أيضاً. من أجل هذا، نعود لنذكّر
بأهمية هذه الأمور في مواجهة هذا الجهل، ليس فقط كلاماً إنما عزفاً أيضاً إذا
سمحتُم. تفضلوا كي لا يغيب الشباب عنا كثيراً
رمزي
أبو رضوان: سنُقدِّم مقطوعة اسمها "بدون
عنوان". هذه المقطوعة، أنا ذهبت إلى الدراسة في "فرنسا" وسألني
أصدقائي في حال أرادوا إرسال "كارت بوستال" لي
زاهي وهبي: أصدقاؤك الفرنسيون أو الأجانب
رمزي
أبو رضوان: الفرنسيون نعم، يريدون عنواني لكي
يرسلوا لي الكارت، فانتبهت أن لا عنوان لنا، في المُخيّمات لا يوجد عندنا عنوان،
عندنا محلّ في المُخيّم
زاهي وهبي: دكانة فلان
رمزي
أبو رضوان: نعم، فكان من الصعب أن أعطيهم
العنوان، من هنا كانت الفكرة، وهذه طبعاً أيضاً مقطوعة أُهديها لجدّي لأنّه للأسف
تنقّل من مكان إلى مكان ولم يكن عنده عنوان ثابت
زاهي وهبي: وهو طُرِدَ وهُجِّر من قريته الأساسية
داخل "فلسطين"
رمزي
أبو رضوان: نعم
زاهي وهبي: من قرية "عاني"
رمزي
أبو رضوان: "عاني" نعم
زاهي وهبي: تفضل
رمزي
أبو رضوان: على المقطوعة أردت إضافة شيء. في
داخلها إيقاع فيه عدم استقرار، أي لا يوجد فيها إيقاع مُستمرّ، مرة يكون أيقاعاً
معيناً ثم يتغير
زاهي وهبي: تشبه حياة الفلسطيني
رمزي
أبو رضوان: تشبه بالضبط حياة اللاجئ
زاهي وهبي: تفضّل
رمزي
أبو رضوان: (يعزف مع الضيوف الموسيقيين مقطوعة
" بلا عنوان")
زاهي وهبي: يعطيكم ألف عافية. لا أُبالغ إن قلت أنّ
موسيقاك فيها شيء علاجي، تصلح للعلاج. فيها شيء روحي
رمزي
أبو رضوان: صحيح، كثير من الناس قالوا لي نفس
الكلام. قالوا لي، " الموسيقى تسحبك وتأخذك..
زاهي وهبي: إلى عالم آخر
رمزي أبو رضوان:
إلى عالمٍ ثانٍ، نعم
زاهي وهبي: كم حرّرتك الموسيقى من
آلام ومن أوجاع ومن أثقال ربما؟
رمزي أبو رضوان:
كثيراً. هذه الأصوات التي أصبحت مؤلّفات هي هذه الآلام التي كانت داخل جسمي وخرجت،
وأنا مسرور جداً لأنها خرجت في موسيقى وعبّرَت عن هذه الآلام
زاهي وهبي: سنُكمل وسنسمع موسيقى
أكثر ولكن مُشاهدينا الكرام سنتوقّف مع استراحة سريعة ثمّ نُتابع "بيت
القصيد"
المحور الثالث:
حمزة أبو صالِح- مُخيّم "شاتيلا:
أنا اسمي "حمزة أبو صالِح"، أنا من مُخيّم "شاتيلا" وفي
" أطفال بيت الصمود - الكمنجاتي". أنا منذ سنة نصف السنة أعزِف على آلة
الكمنجة وأنا اخترتها لأنني من زمان اُحبّ أن أسمع أغانٍ، خصوصاً، عندما أسمع صوت
الكمنجات، أحبها أن تكون سولو. كنت قبلاً في قسم "الناي" لكنني دخلت إلى
الكمنجة لأنّ "الناي" لم اُحبّ صوتها. مع أنهم يقولون أن صوتها حلو
لكنني لم أُحبّها في أية حال. أنا أشكُر أُستاذ "رمزي" لأنّه هو الذي
ألّف عائلة "الكمنجاتي" بمساعدة مع بلدان خارجية، وهم جعلوا أولاد الفرنسيين
يحققون رغبتهم، في أنهم لو لم يقدروا في شيء يقدرون في الموسيقى من وراء الأستاذ
"رمزي"
زاهي وهبي: "حمزة أبو صالِح" من مُخيّم
"شاتيلا". هذه الموسيقى تكون كالدواء لهؤلاء الأطفال الذين يستأهلون أن
تكون حياتهم أفضل سواء كانوا داخل "فلسطين" أم خارجها.
"الكمنجاتي" باختصار أُستاذ "رمزي" ما هي؟ هلّ هي جمعية
خيرية؟ هلّ هي معهد موسيقي؟ ما هي "الكمنجاتي"؟
رمزي أبو رضوان:
"الكمنجاتي" هي جمعية خيرية مُسجلة بحسب القانون الفلسطيني، وأيضاً
مُسجلة في "فرنسا" حسب القانون الفرنسي
زاهي وهبي: نعم، تأسّست في
"فرنسا" عندما كنت حضرتك تدرس موسيقى
رمزي أبو رضوان:
نعم، وفكرة الجمعية أن تُغني الحياة الموسيقية في "فلسطين" عند الأطفال
والمُواطن الفلسطيني أينما وُجِد. فـ "الكمنجاتي" جمعية قامت على فتح
عدّة معاهِد ومدارِس موسيقى في مناطق مُختلِفة في "فلسطين" وفي المُخيّمات
في "لبنان"، وتُنظِم أيضاً مهرجانات موسيقية خلال العام، وأيضاً توفِد
طلاّباً لدراسة الموسيقى خارج البلاد، في "فرنسا". مثل
"نورَس" الآن يدرُس في مدينة "بوردو" في كونسرفاتوار
"بوردو"، و"ينال" أيضاً في "بوردو". "محمّد"
الآن يدرس موسيقى عربية في "فلسطين" لكن الذين يتخصّصون في الموسيقى
الغربية يدرسونها في "أوروبا"
زاهي وهبي: هل تقبلون بالكهول مثلي
أنا؟
رمزي أبو رضوان:
أهلاً وسهلاً بك. نُغيِّر من قانون "الكمنجاتي" ونقبلك
زاهي وهبي: تسلم. من يُموِّل
الكمنجاتي؟ مصادر تمويلكم حتّى تتمكّنوا من التدريس، ما هي؟
رمزي أبو رضوان:
مصادر التمويل هي عبارة عن مشاريع نقوم نحن بالبحث عنها لمؤسّسات تختصّ بتمويل
المشاريع الثقافية والتربوية للأطفال، مثل مؤسّسة "التعاون" مشكورين
ومثل مؤسّسة "القطّان". الاتحاد الأوروبي ينزّلون الكثير من المشاريع
التي لها دخل بالثقافة وبحرية التعبير. أيضاً يُقدِّم لها متبرّعون كثيرون، أُناس
حول العالم يتبرّعون بمبالغ صغيرة لكنهم يُساهمون دائِماً في هذه العملية التي من
اللازم أن نشتغل عليها سنوياً من أجل أن نوجِد الميزانيات ومن أجل أن نتمكّن من
القيام بواجبنا في هذه المراكز
زاهي وهبي: ندعو المقتدرين من
أبناء "فلسطين" وغير "فلسطين" للمُساهمة. أمسيتكم في
"الجامعة الأميركية" في بيروت" أيضاً كان ريعها لمصلحة تعليم
الأطفال، وكانت بالتعاون مع "بيت أطفال الصمود" الذين نحييهم في عيدهم
الأربعين. صار لهذه المؤسسة الكريمة أربعون سنة، فنوجّه لهم تحية. دعنا نسمع أيضاً
رأياً بتجربتك أُستاذي من "خالد صدّوق"، العازف وأُستاذ العود والعضو في
" الكمنجاتي"
كلام يوصل
خالد صدّوق – عازف وأُستاذ عود: أنا
"خالد صدّوق، من مواليد "طول كرم" ومن سكان "نابلس"
حالياً. أعملُ مدرساً للموسيقى في كلّية الفنون في "جامعة النجاح" - قسم
الموسيقى منذ 24 عاماً، والآن أعمل في "الكمنجاتي" أيضاً كمُدرِّس منذ
سبع سنوات. كلّ الطاقم الموجود في "الكمنجاتي" أنا أفتخر به جداً لأنهم
حقيقةً يُقدّمون رسالة سامية جداً على مُستوى "فلسطين" لخدمة شعبنا
الفلسطيني خصوصاً الشريحة الأكثر حاجةً. " رمزي أبو رضوان" ليس فقط
صديقاً، "رمزي أبو رضوان" فنّان بادر في شيء لم يُبادر إليه أحد من
قبله. "الكمنجاتي" هي فكرة من أفكاره، فلهذا السبب أنا اُقدِّر وأُبجِّل
أعماله واشدّ على يده لكي يستمر. السؤال الذي أسأله له هو سؤال بسيط، إلى أيّ حدّ
أنت راضٍ عن منجزات "الكمنجاتي"؟ إلى أين وصل " الكمنجاتي"؟
هلّ أنت راضٍ عما وصل إليه "الكمنجاتي"؟
زاهي وهبي: شكراً للأُستاذ
"خالِد صدّوق". إذاً كم أنت راضٍ عمّا أنجزه "الكمنجاتي"؟
رمزي أبو رضوان:
صراحةً، أنا راضٍ كثيراً وفخور لأنني اليوم موجود معكم في حلقة وموجودٌ مع الشباب
زاهي وهبي: الشباب الطيبة
رمزي أبو رضوان:
"ينال" من "جنين"، درس معي قبل تسع سنوات
زاهي وهبي: تسع سنوات، ليس بالوقت
القليل
رمزي أبو رضوان:
نعم. والآن أصبح أُستاذاً، "نورس" الشيء نفسه. لم تحصل لي الصدفة ولا
الشرف لأنّ أُدرِّس " محمّد خمايسة" لكنه درس لاحقاً. " محمّد أبو
عليّا" أيضاً درس، والآن عندما أراهم شباباً موسيقيين ينعشون حتّى المشهد
الموسيقي في "فلسطين" أقول بأنني جدياً راضٍ، لكن أنا أيضاً طمّاع. في
رأسي ألف فكرة أيضاً أرغب في تطبيقها، فأنفعل قليلاً لأنني لا أستطيع أن أقوم بكلّ
شيء لأنّ عندي أيضاً اهتمامي بنفسي وفي عائلتي وأولادي
زاهي وهبي: ألله يخلّي لك عائلتك
وأولادك. إن شاء الله تُحقِّق كلّ أحلامك. من أجل هذا أسّست فرقة أُخرى التي هي
" فرقة دلعونا". هلّ شعرت حضرتك بأنّ الموسيقى لا تكفي؟ واهتممت أيضاً
بالغناء الفولكلوري أو الموروث الغنائي الفلسطيني؟
رمزي أبو رضوان:
نعم. فرقة "دلعونا" تأسّست قبل " الكمنجاتي". بدأنا قبل ثلاث
سنوات قبل "الكمنجاتي"، و "الكمنجاتي" غطّت على فرقة "
دلعونا" وصار "الكمنجاتي" أكبر بكثير، وأنا مسرور لذلك، لكن
"فرقة دلعونا" كانت هي الوسيلة للتعريف عن الكمنجاتي عبر المسارِح التي
كنّا نعزِف عليها في " أوروبا" وكانت وسيلة أيضاً لأن أُحاكي الجمهور
الأوروبي الذي في الأخصّ كان يتبرّع
بالآلات الموسيقية ويرسلها إلينا في " أنجيه" حيث نجمعها ومن ثم نرسلها
إلى "فلسطين" ففي "دلعونا" نشتغل أكثر في ألحان مثل ألحاني
ونُعيد توزيع بعض المقاطع الفولكلورية الفلسطينية، المقطوعات الفولكلورية ونُغيِّر
دائِماً
زاهي وهبي: نعم. كم في هذه الحال
الحفاظ على الهوية الفنية الفلسطينية هو جزء من الحفاظ على الهوية الوطنية
الفلسطينية. بمعنى أنّ الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بأنه صادر الأرض وزوّر
التاريخ بل حاول نسب الموسيقى الفلسطينية وتقديمها في العالم على أنها موسيقى
إسرائيلية. الزيّ الفلسطيني يحاول تقديمه في العالم على أنه زيّ إسرائيلي وهكذا،
ووصلوا حتّى إلى قرص الفلافل وصحن الحُمّص وهذه المسائِل. كم الحفاظ على الموروث
الفني مُهِمّ في هذه الحال؟
رمزي أبو رضوان:
نحن في "الكمنجاتي" هذا أيضاً أحد أهدافنا، الحفاظ على الموروث الفني،
نُشارِك كثيراً في مهرجانات. وجودنا نحن في المشهد الموسيقي العالمي يُكذِّب
القصّة الأُخرى لأنّ هذه موسيقانا ونعرِف كيف نُقدّمها. هو يسرق منّا كفلسطينيين
ويسرق أيضاً الموسيقى العربية
زاهي وهبي: نعم، العراقي والمغربي
رمزي أبو رضوان:
والمصري. فبوجود مختصّين وعازفي موسيقى في النتيجة سيدافعون عن الهوية الموسيقية
الفلسطينية. مع القدرات الموسيقية الموجودة الآن في "فلسطين" من الصعب
أن تُسرق، هناك أُناس تُحافِظ عليها لأنّ هناك أُناساً تعلّموا الموسيقى ويفهمونها
تقنياً ويُشاركون في المحافل الدولية، فعملياً نحن أقمنا حاجزاً وحكينا الموسيقى
التي هي جزء من هويتنا
زاهي وهبي: نعم، من أن يسرقها هذا
المُحتلّ، وسرقته ليست عن عبث. عندما يسرق هذا الموروث يكون يُحاول أن يؤكّد
مقولته الباطلة بأنه هو صاحب الأرض
رمزي أبو رضوان:
صحيح
زاهي وهبي: فبالتالي الحفاظ على
هذا الموروث فعلاً يرتقي إلى مصاف المهام الوطنية والنضالية من دون شك. هلّ نسمع
شيئاً من الموروث الفلسطيني؟
رمزي أبو رضوان:
(يعزف مع الضيوف الموسيقيين مقطوعة من الموروث الفلسطيني "يُمّا وين
الهوى" مع غناء الضيف المرافق "محمّد الخمايسة")
زاهي وهبي: يعطيكم ألف عافية. هلّ
هناك أجمل من هذا الموروث؟ جدياً، في مضمونه وفي اُسلوبه وموسيقاه وإيقاعاته. ألف
شُكر، يعطيكم ألف عافية. وقفة أخيرة مع آخر استراحة ثمّ نأتي إلى مسك ختام "
بيت القصيد"
"يُعرض مقتطف من فيلم " هذا ليس
بسلاح"
المحور الرابع:
رمزي أبو رضوان:
(يعزف مع الضيوف و" حنّة الحج حسن" من "الكمنجاتي" تغني)
زاهي وهبي: يعطيكم ألف عافية وألف
شكر، وشكر لـ " حنّة الحج حسن" القادمة من "جنين" من
"فلسطين"، تحية لـ "فلسطين"، كلّ "فلسطين" ولـ
"جنين" بشكلٍ خاصّ، هذا الاسم الذي أيضاً حُفِرَ في ذاكرتنا نتيجة
نضالات أهل "جنين" أُسوةً بأهل "فلسطين كلّهم. لاحظت في أُمسية
"الجامعة الأميركية " أن عندك تركيز على الغناء النسائي الفلسطيني سواء
الناصري أو الغزّاوي أو غيره
رمزي أبو رضوان:
صراحةً اكتشفت مُجدّداً هذا الغناء، خاصةً أنّ الفنانة "سناء موسى" قامت
بتسجيل عمل عن الأعمال النسائية، وأنا أصلاً معني كثيراً بالفولكلور الفلسطيني
زاهي وهبي: بشكلٍ عام
رمزي أبو رضوان:
بشكلٍ عام، فكنت معنياً جداً في تقديم ومشاركة الناس في هذه المقطوعات. طبعاً نشكر
كلّ شخص يُشارِك ويطرح هذا الفولكلور للعالم
زاهي وهبي: خصوصاً أنّ التهاليل
الفلسطينية أو الأُغنيات التي تقولها الأمهات لأطفالهنّ مميزة حقيقة. آخر أُسطوانة
أو سي دي لحضرتك بعنوان "المنارة"
رمزي أبو رضوان:
نعم
زاهي وهبي: صارت خمسة أعمال
متوفرة في المكتبات الموسيقية إذا أحد مُشاهدينا يرغب في اقتناء أعمالك الموسيقية.
"المنارة" هي حول أشعار وقصائِد "محمود درويش" بالتعاون مع
فنان بلجيكي. طبعاً الموسيقى لغة كونية اُستاذ "رمزي" مثلما تفضّلت
حضرتك خلال الحوار، لكن لكلّ موسيقى خصوصية، لكلّ بلد، لكلّ ثقافة خصوصية. هؤلاء
الموسيقيون الأجانب الذين تتعامل معهم كيف يتفاعلون وكيف يفهمون؟ الإحساس
بالموسيقى العربية الشرقية الفلسطينية كيف يتم؟
رمزي أبو رضوان:
"المنارة" كانت عملاً طُلِبَ مني أنا والفنان الموسيقي "إلوا دي
موند" وكان ملحناً بلجيكياً، طُلِبَ منّا في مهرجان أن نقوم بعمل مُشترك
فلسطيني بلجيكي من أجل أن يكون افتتاحاً لمهرجان "لقاءات غير متوقّعة"
وهو مهرجان موسيقى وفلسفة معاً. فأنا اخترت ستة موسيقيين فلسطينيين و
"إلوا" اختار ستة موسيقيين بلجيكيين وأجرينا تمرينات لمدة سنة. ذهبنا
إلى "بلجيكا" لمدة أُسبوع وهم جاؤوا إلى "فلسطين" لمدة
أُسبوع، بعد ذلك التقينا في أرض مُحايدة وكانت على أرض مهرجان "حمامات"
في "تونس" وأحيينا ختام مهرجان "حمامات" وقدّمنا هذا العرض
الذي كان عبارة عن مزيد كامل مُتكامل من الأصوات والثقافات. طبعاً الموسيقى لم تكن
موسيقى فلسطينية بقدر ما كانت عربية فلسطينية، والموسيقى البلجيكية كانت أيضاً
بلجيكية أوروبية. طبعاً المهرجان كان يُركِّز كثيراً على الجانب الفلسفي، خاصّةً
على التعاون واللقاء مع بعضنا البعض، فساعدت أشعار "محمود درويش" كثيراً
أيضاً في تقديم هذا الجانب الجميل وإعطاء صورة للمُشاهِد
زاهي وهبي: وهذا الشهر هو شهر آب،
وهو ذكرى رحيل "محمود درويش"، الشاعر الكبير. لكن بشكلٍ عام أُستاذ
"رمزي". تفاعل المتلقّي الغربي مع ما تقدمونه، الموسيقى التي تكتبها
حضرتك، المعزوفات التي تؤدّونها أمام جمهور غير عربي، كيف يكون تفاعل الأوروبيين
بشكلٍ خاصّ؟
رمزي أبو رضوان:
تفاعُل إيجابي جداً. الأوروبيون يحبون كثيراً أن يتعرّفوا على أنواع جديدة من
الموسيقى
زاهي وهبي: يبذلون جهداً أثناء
سماعهم، يبذلون جهداً بمعنى لا يذهبون ويتحدّثون ويدردشون في الوقت نفسه
رمزي أبو رضوان:
هم لا، عند الأوروبيين صراحةً أشياء حلوة كثيراً، حتّى في الولايات المتحدة، أنه
عندما يأتي المستمع أو الجمهور يستمع من أوّل العرض إلى آخره من دون أيّة ضوضاء أو
أن يستخدم التلفون أو أن يُصوّر حتى في الحفل. يسمع ويستمتع ويأتي ليتحدّث معي في
تفاصيل مملة في داخل العمل
زاهي وهبي: أنا لماذا قلت هذه
المُلاحظة؟ لأننا نُعاني أحياناً، نكون ذاهبين لنستمع إلى موسيقى أو لنُشاهِد
مسرحية أو أحياناً حتّى في السينما، نجد أُناساً آتين ليتحدّثوا مع بعضهم البعض،
لكي يدردشوا
رمزي أبو رضوان:
صحيح
زاهي وهبي: اذهب إلى مقهى إذاً،
لماذا تأتي إلى مسرح أو إلى اُمسية موسيقية؟
رمزي أبو رضوان:
صحيح. هذه نحن نعاني كثيراً منها. أنا أُعاني كثيراً منها في العالم العربي
زاهي وهبي: أجل قل الأشياء
بصراحة، للأسف
رمزي أبو رضوان:
في العالم العربي وأنا أستمتع كثيراً بالموسيقى الآلاتية. أحياناً أُحاول أن أمزج
برنامجي الذي أُقدّمه بحيث يكون جزء منه آلاتي وجزء آخر غنائي، وإذا استطعت أن
اُقدّم فقط آلاتي أحياناً أُسرّ أكثر. لكن الجمهور الأوروبي مُعتاد أكثر على
الموسيقى الآلاتية لأنهم يسمعون الكثير من الموسيقى الكلاسيكية من دون غناء
زاهي وهبي: وهناك تراكُم في
علاقته مع الموسيقى، تراكُم تاريخي. رويت تجربتك مع الحجارة ومع الموسيقى، هذه
الرحلة، الجُلجُلة الفلسطينية التي يعيشها كلّ شاب وكلّ إنسان فلسطيني، في كتاب
صدر في "أميركا" أعتقد؟
رمزي أبو رضوان:
نعم
زاهي وهبي: لكاتب أميركي، هلّ
تُذكّرنا باسمه؟
رمزي أبو رضوان:
"ساندي تولاند"
زاهي وهبي: الكتاب بعنوان
"أطفال الحجارة" وصدر باللغة الإنكليزية. هلّ من المُمكن أن يصدُر
باللغة العربية؟ ولماذا اخترت أن تروي حكايتك لكاتب أجنبي؟
رمزي أبو رضوان:
صراحة لستُ أنا من اخترت أن أروي، هو الذي توجّه لي واختار أن يروي القصّة وكان
يُركِّز كثيراً على الجانب الإنساني في القصّة مع أنّه من خلال الكتاب نأخذ كلّ
تسلسل الأحداث بشكلٍ واضح جداً وصريح وصادق، ولم يكن يرغب في أن يُعطي توازناً
خاصةً أنّ في "أميركا" وفي الولايات المتحدة، من الصعب كثيراً أن تنشُر
القصة الحقيقة وأن تُعطي أيضاً الجانب الإنساني
زاهي وهبي: خصوصاً في ظلّ سيطرة
اللوبي الإسرائيلي. حتّى حاولوا معك أن يكون الكتاب ليس لك وحدك، أن يُدخلوا حكاية
إسرائيلية ضمن الكتاب
رمزي أبو رضوان:
صحيح
زاهي وهبي: ولكنك رفضت
رمزي أبو رضوان:
رفضت نعم. رفضت وأصرّيت على أن يأخذوا قصّتنا منّا نحن كما نحن نراها ونُقدّمها،
وقصّتي كانت كافية لأن تكون مضموناً لكتاب. لسنا بحاجة لأن نجلِب القصص من أجل أن
نرضي الجانب الآخر والجانب الإعلامي أيضاً المُسيطِر في الولايات المتحدة
زاهي وهبي: قبل أن نختُم مع
الموسيقى، زياراتك إلى "بيروت" تتكرّر والأنشطة التي تقوم بها سواء
حضرتك أو تحت اسم "الكمنجاتي"، وكأنك تنشئ علاقة حميمة بينك وبين
"بيروت"، ومن خلال "بيروت" "لبنان" كلّه طبعاً،
صحيح؟
رمزي أبو رضوان:
صحيح نعم. أول مرة دخلت فيها إلى "لبنان" كانت في عام 2008. كان أصدقائي
يأتون إلى هنا ليقوموا بالورشات الموسيقية وأنا لا أتمكّن من دخولها فكنت أتواصل
معهم عبر التلفون. طبعاً وقعت في حبّ "لبنان" و"بيروت" وأهل
"لبنان"، وبالمناسبة أصلاُ أنسبائي لبنانيون، زوجتي من
"لبنان"، فعندي علاقة
زاهي وهبي: زوجتك لبنانية ولكنها
مقيمة معك في "فلسطين"
رمزي أبو رضوان:
في "فلسطين" نعم
زاهي وهبي: نمسّيها بالخير
رمزي أبو رضوان:
وأنا أيضاً أُمسّيها هي والأولاد أيضاً، هم موجودون الآن في "فرنسا"
زاهي وهبي: حين كان لنا حظّ
استضافتك في برنامج "خليك بالبيت" في حوار حينها في عام 2008، قبل ثماني
سنوات، الأيام تركض ركضاً
رمزي أبو رضوان:
هذه كانت المرّة الأولى التي دخلت فيها إلى "لبنان"
زاهي وهبي: حسناً، أنا أشكُرك
وأشكُر الشباب كلّهم وأشكُر "حنّة" بشكلٍ خاص، أوقفناها طويلاً على رجليها
مع أنه من اللازم أن يجلسن الصبايا ونحن نقف. أشكُر فريق العمل ومُخرِج البرنامج
"علي حيدر" والمنتجة "غادة صالِح" ومٌشاهدينا في كلّ أنحاء العالم،
وأُريد أن نختم الحلقة موسيقياً ولا أُريد أن أعود واحكي وأُشوِّه الموضوع بصوتي،
من أجل هذا أشكُر سلفاً. سأدع مسك الختام مع حضرتكم. شرّفتم "بيت
القصيد"، أهلاً وسهلاً
رمزي أبو رضوان:
(يعزف مع الضيوف من "الكمنجاتي")