الإصلاح الديني في بلاد المغرب العربي

29 كانون الأول 2016 20:00

لعبت الزوايا والكتاتيب والمعاهد الدينية دورا كبيرا في طرد الإستعمار الإسباني والإيطالي والفرنسي من المغرب العربي . وساهم التعليم الديني في المغرب العربي في الحفاظ على اللغة العربية التي لجأ الإستعمار الفرنسي إلى كل الأساليب والإجراءات لوأدها .

نص الحلقة

يحيى أبو زكريا: من العاصمة التونسيّة، حيّاكم الله وبيّاكم وجعل الجنّة مثواكُم.<o:p></o:p>لعبت الحركات الإصلاحية والدينية في المغرب العربي أكبر الأدوار على صعيد تكريس الهوية العربية والإسلامية من جهة، وعلى صعيد طرد المستعمر الأجنبي من جغرافيا المغرب العربي. وقد شكلت أسماء كبيرة من قبيل الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشيخ البشير الإبراهيمي، الشيخ الثعالبي، الشيخ علال الفاسي، وغير ذلك من الدُعاة وشيوخ الكتاتيب والزوايا، لعبوا أدواراً كبيرةً في تكريس الهوية الإسلامية للشمال الإفريقي للمغرب العربي بشكل عام.<o:p></o:p>لا شكّ أنّ الحركة الإصلاحية الدينية تحتاج إلى ساعاتٍ طويلة للغوص في كلّ مفرداتها، ولا شكّ أيضاً أنّ الأصلاح الديني الذي أعقب فترة الاستقلال في المغرب العربي، وأقصد على وجه التحديد الجزائر والمغرب وليبيا وتونس وموريتانيا، قد كان له أكبر الأدوار في إحقاق الامتداد بين الجيل الذي قاوم الاستعمار والجيل الذي حافظ على هويّة المغاربة بشكلٍ عام.<o:p></o:p>الإصلاح في المغرب العربي، تلكُمُ هي الموضوع الذي سوف نناقشه الليلة مع أستاذين باحثين عزيزين، الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والدكتور الفاضل عبد السلام طويل الكاتب والباحث المغربي.<o:p></o:p>مبدئياً أرحّب بكم جميعاً. <o:p></o:p>دكتور عبد الرزاق قسوم، لا شك أنّ الذين قادوا الإصلاح الديني وخريجي الكتاتيب والزوايا كانت لهم أدوار بطولية جداً في أمرين، مقاومة الاستعمار وأيضاً الحفاظ على هوية الشعوب المغاربيّة. كيف ذلك؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.<o:p></o:p>حقيقةً عندما نعود إلى إخضاع عملية الإصلاح والتجديد في المغرب العربي على العموم، نجد أنّ هناك خصوصيّة تتميّز بها هذه المنطقة. من هذه الخصوصيات أنّ كلّ المؤسسات الدينية على اختلاف مستوياتها كان هدفها إثبات الوجود، ثمّ جاءت الحركة الإصلاحية لفلسفة هذا الوجود وإعطائه البعد الإصلاحي المفقود، لأنه كان هناك تعليم تقليدي، كانت هناك كتاتيب، كانت هناك زوايا، ولكن كلها كان هدفها تحصين الذات ضد الذوبان. بماذا تحصين الذات؟ تحصين الذات بحفظ كتاب الله، بالإطلاع على الفقه، على السنّة، على كل ما من شأنه أن يحدّد معالم الشخصية. لكن كان هذا يحتاج إلى فقه وإلى فقه الفقه، ففقه الفقه هو الذي قامت به العمليات الإصلاحيّة بتوعية الناس بأنّ لا يكفي أن نحفظ القرآن فقط، لا يكفي أن ألمّ بالسنّة فقط، ولكن المهم كيف نتعمّق في مقاصد هذه الآيات وهذه الأحاديث، وكيف نجعلها نموذجاً وقدوةً في سلوكي ومعاملتي بإثبات ذاتي المتميّزة التي كانت يجب أن تكون متميّزة عن الاحتلال الذي فتحنا عينينا فوجدنا أنفسنا مكبّلين مقيّدين محتّلين مستعمَرين.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وهكذا حمل علماء المنطقة البندقيّة ضدّ الاستعمار والقلم لتقويم الإعوجاج في الداخل.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: لئن كان الفيلسوف زكي نجيب محمود يقول لا يمكن الجمع بين القلم والسيف بآفة العلم، نحن نقول بالعكس، نحن نقول من مميزات ومن خصائص الإصلاح عندنا أنه جمع بين القلم وجمع بين المدفع أو السيف، لأن القلم وحده لا يكفي، والسيف وحده من دون وعي لا يكفي. وبالتالي، وجدنا أنّ كلّ من قادوا المقاومة كانوا زعماء ومجاهدين وشيوخ زوايا، المقراني مثلاً، بو عمامة، لافات منصومر، الشيخ المغيلي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: هنا أذكر أن الشيخ بو عمامة لم يكُ يتلفّظ إلا بالقرآن الكريم. سأستكمل معك كل النقاط دكتور عبد الرزاق إذا سمحت.<o:p></o:p>دكتور عبد السلام، يبدو أنّ الاستعمار الفرنسي أو الإسباني الذين توالوا على حكم منطقة المغرب العربي كانوا يدركون أنّ الإسلام هو السياج الذي تلوذ به الأمة للحفاظ على هويتها، والجنرال لاكوست وهو يغادر الجزائر قيل له لمَ انهزمت فرنسا في الجزائر، قال وماذا أفعل إذا كان القرآن أقوى من فرنسا. وبالتالي هذا الاستعمار جاء يحمل مشروعاً لتفكيك الهوية الوطنية ذات البعدين أو الثلاث أبعاد الأمازيغي العربي والإسلامي.<o:p></o:p>كيف بدأ، وما هي مصاديق تفكيك الهوية في بلاد المغرب العربي؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: أولاً، لقد شكّلت الحركة الإصلاحية إطاراً يمكن أن نقول أيديولوجياً بالمعنى الإيجابي للأيديولوجيا، إطاراً جامعاً للحركة الوطنية بكل روافدها، حتى التيارات التي كانت متشبّعة بقيم ليبرالية أو قيم تقدمية حداثية، فعلى سبيل المثال لدينا الزعيم التقدمي المعروف بن بركة، بن بركة يتحدّث عن الإصلاحية الوطنية أو السلفية الوطنية في المغرب ويقول بأنّ لولا السلفية الوطنية من خلال أبي شعيب التكالي ومحمّد بن العربي العلوي وعلال الفاسي وغيرهم من العلماء لضاع الطلبة المغاربة وألحدوا، الذين ذهبوا إلى أوروبا.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: جميل.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: هذا بن بركة التقدمي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: رحمة الله عليه.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: رحمة الله عليه، كذلك محّمد بلحسن الوزاني الأدبيات الفكرية تعتبره ممثل أو مؤسس الفكرة الليبرالية في المغرب، يصدر عن مرجعية إسلامية صريحة ويندرج وينخرط ضمن المظلّة الإصلاحية الوطنية، فالإصلاحية الوطنية أو السلفية الوطنية شكّلت الإطار الأيديولوجي الناظم للحركة الوطنية بكل روافدها.<o:p></o:p>طبعا، الحركة الوطنية من خلال تمثّلها للإسلام كإطار مرجعي، وبلورتها لمدرسة سمّيت بالإصلاحية الوطنية أو السلفية الوطنية أو السلفية الجديدة تمييزاً لها عن السلفية النهضوية أو السلفية الوهّابية، معلومٌ أنّ السلفية الوطنية سواء في المغرب أو في الجزائر كانت متقدّمةً عن السلفية الوهّابية أو السلفية النهضوية، لماذا؟ لأنها استفادت من كل التناقضات التي وقعت فيها السلفية النهضوية أو الوهّابية في المشرق، فكانت هذه السلفيّات لا تصل إلى ضفاف المغرب والجزائر إلا بعد أن تتمّ مراجعتها أو استيعابها واستبطان مختلف تناقضاتها. وبالتالي، فإذا كانت السلفية النهضوية والسلفية الوهّابية متحفّظة ومحكومة بنوع من الانقسام في علاقتها بالتيارات الأخرى، فإنّ السلفية الوطنية في المغرب كانت إطاراً جامعاً لكل التيارات كما أشرت، ولذلك فإنها وهي تتفاعل مع السلفية النهضوية في المشرق كانت تتمثّل الحركة الفكرية بمختلف روافدها وتستفيد منها بكلّ روافدها.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: هنا فقط توضيحاً للمُشاهِد الذي ربما يرتبك بين مفهوم السلفية المعاصر والسلفية التي تذكرها الآن، أذكّر فقط أنّ السلفية التي تعني بها الاعتماد على المرجعية الإسلامية، لأنّ مفهوم السلفية تلاشى واضمحلّ وأصابه الكثير من الارتباك، أليس كذلك؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: تماماً لكن هذا المفهوم، مفهوم السلفية الوطنية أو السلفية الجديدة أو السلفية حتى المنهجية بعد ذلك، هذا المفهوم تمّ الاصطلاح عليه في الأدبيات العلمية، نجده لدى الجابري، نجده لدى كل المفكّرين، بتشخيص لدى الفاسي، الفاسي في الحركات الاستقلالية يتحدّث عن السلفية الجديدة.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: محمّد أركون أيضاً.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: تمييزاً لها عن السلفية النهضوية المشرقية. إذًا فهذه السلفية استناداً إلى الإسلام كمرجعية شكّلت صمام الأمان في مواجهة المؤامرات ومختلف محاولات التغريب التي أتت بها الوفود الغربيّة من خلال سواء الاستعمار الفرنسي أو الاستعمار الإسباني.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: دكتور عبد الرزاق، لنغُص قليلاً في المصاديق. الفرنسيون أول ما وصلوا إلى الجزائر حوّلوا المساجد إلى اسطبلات وإلى كنائس أحياناً، قاوموا اللغة العربية وسعوا إلى تجفيف منابع الهوية الإسلامية.<o:p></o:p>ما الذي تذكره في هذا السياق من فضلك؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: الحقيقة مجموعة من القضايا ينبغي أن نسلّط الضوء عليها حتى يفهم المشاهد أيّ عملٍ قام به علماء المغرب العربي بصفة عامة والجزائر على سبيل المثال. فأولاً عندما جاء الاستعمار، أول شيء حطّم المقوّم الأساسي لوجود الإنسان، المواطن المسلم، حطّمه بإلغاء الأوقاف، والأوقاف هي عنوان استقلالية المسلم عن أيّة سلطة، لأنّ الأوقاف أو الأحباس كما يسمّونها عندنا، هذه الأوقاف هي أملاك تجعل المسلم مستقلاً عن أية سلطة، فجاءت السلطات الاستعمارية وألغت، أمّمت هذه الأوقاف وأتبعتها بما يُسمّى بالأملاك العامة ولم يعد هنالك، هذه الخطوة الأولى. <o:p></o:p>الخطوة الثانية أنها جعلت اللغة العربية لغة أجنبية، وهو كذلك عنوان إثبات الذات، لأن الإنسان بلسانه فمن فقد لسانه فقد إنسانه.<o:p></o:p>النقطة الثالثة، حوّلت المساجد كما تفضلت إلى كنائس وإلى اسطبلات. على سبيل المثال، المسجد الذي يُسمّى مسجد كتشاوة، هذا مسجد في العاصمة يطلّ على ساحة الشهداء وهو من أعظم المساجد، حلقة وصل بين القصبة وبين البحر في الشاطئ الجزائري، فأول أمر عندما حوّلوه إلى كنيسة اعتصم المسلمون داخله، وقالوا لن نغادره إلا أن نموت فيه أو يبقى مسلماً، هذه النقطة الأولى.<o:p></o:p>فماذا فعلوا؟ أتوا بالمفتي في ذلك الوقت، المفتي المالكي، اسمه الشيخ محمّد بن الكبابطي، ومات منفياً لأنه نفي بعد ذلك وكل شيء، هذا الشيخ محمّد بن الكبابطي جاؤوا به لإقناع المسلمين بترك المسجد يتحوّل إلى كنيسة. لم يكن من السهل على مفتٍ، عالِم دين، مفتٍ مالكي في ذلك الوقت أن يقنع شعبه بأن يتخلّوا عن هذه المبادئ. ماذا قال لهم؟ قال لهم كلمة واحدة، قال لهم اعلموا يا إخوتي، والدموع تسيل من عينيه، قال لهم اعلموا يا إخوتي لئن تحوّلت القبلة في مسجدنا هذا فإن إله القبلة لن يتحوّل من قلوبنا أبداً.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: جميل.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: وهذا ما دفع الناس لأن تستيقظ، القضية ليست قضية قبلة، قضية الإله في القبلة هو الذي ينبغي أن يبقى وأن يثبت، وكان ذلك أنّ أول جمعة أقيمت بعد الاستقلال في مسجد كتشاوة، ومن الذي أمّها؟ الشيخ محمّد البشير الإبراهيمي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: رحمة الله عليه.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: العلماء بين الخلف والسلف، هذا قال لهم إله القبلة لن يتحوّل وهذا جاء وقال لهم إياكم فإن الاستعمار قد رحل من ثكناتكم وحقولكم ولكنني أخشى أن يبقى في بيوتكم وعقولكم.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: أذكر هنا أنّ طه حسين عندما كان يستمع للشيخ البشير الإبراهيمي كان يقول، كأنّ اللغة العربية تنطلق مجدّداً من قريش ومن ربيعة ومضر نظراً لأنّ الشيخ البشير الإبراهيمي كان حقيقةً أيقونةً علميةً في الجزائر لله ذرّه.<o:p></o:p>دكتور عبد السلام، هل من مصاديق أخرى في هذا السياق التي تبرز لنا دور العلماء في المغرب أو في موريتانيا أو ليبيا وتونس، لا ننسى هنا دور الزيتونة ودور القرويين في المغرب أيضاً في الذود عن هويّة هذه الأمة؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: كما قلت لكم، فإنّ الإطار أولاً الفكري والخزان النفسي والعقدي المحرك للحركة الوطنية بكل روافدها هو الإسلام متمثّلاً في الحركة الإصلاحية الوطنية أو السلفية الوطنية. هناك فارق كما تعلمون تاريخي بين طبيعة الاستعمار في الجزائر وفي المغرب، في المغرب هناك نظام حماية والسلطان ظلّ رمزياً حاضراً رغم أن سلطاته كانت محدودة جداً. في الجزائر كان هناك استيطان وكان هناك اقتلاع للهوية الجزائرية، وكان هناك إرادة لمحو الأمّة الجزائرية، وبالتالي حتى كان البرلمان الفرنسي، الجزائر تمثل بالبرلمان الفرنسي، فبالنسبة للأوقاف وجود السلطان من خلال الوجود الرمزي للسلطان منع الفرنسيين من أن يضعوا أيديهم على الأوقاف، لكنهم حاولوا محاولة خبيثة لضرب المسلمين في عقيدتهم من خلال اللغة العربية، من خلال الظهير البربري، هذا الظهير الذي أتى ليعطي أولوية للغة الأمازيغية على اللغة العربية، ويعطي أولويةً للمحاكم العرفيّة، للمناطق الأمازيغية على حساب المحاكم الشرعية وكان هذا الظهير لو طُبّق هذا الظهير البربري، لو طبّق لشكل عنصر انقسام خطير جداً.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: لكن دكتور عبد السلام، فقط من باب الإنصاف هم حاولوا التأسيس للظهير البربري لكن كان الإخوة الأمازيغ مثل يوغرطة وماسينيسا، لقّنوا هذا الاستعمار الفرنسي درساً كبيراً، ولولا الأمازيغ الأحرار الذين تصدّوا للاستعمار الفرنسي ممكن الوسادة قد تكون طويت لفرنسا أو إسبانيا؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: تماماً، لأنّ ما يميّز المغرب العربي عموماً، نحن نتحدّث عن الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، هو خلافاً لإخوتنا في المشرق، هو أن هناك وحدة المذهب.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: إذاً وحدة المذهب، الوحدة المذهبية.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وهذا فضل من الله تعالى.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: هذا فضل من الله تعالى، ولهذا فإن الأمازيغ حينما واجهوا الظهير البربري، واجههم باعتبارهم مسلمين أولاً، فكان الجامع العقدي المتمثل في الإسلام هو الذي واجه الظهير وليس الأمازيغ كعرق والعرب كعرق.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: فكان الجامع الذي ظل يجمع المغاربة في المغرب والجزائر وتونس في العمق هو الإسلام قبل أي شيء، قبل أي شيء.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح. دكتور عبد الرزاق، أشار الدكتور عبد السلام إلى محورية الجزائر وهذه كان يقولها ديغول، الجزائر قلب إفريقيا، ونابوليون بونابرت كان يعتبرها بوابة إفريقيا، وبالتالي العمل على تفكيك الهوية كان كبيراً وعملاقاً إلى أقصى درجة، حتى وجدت في بعض المصادر الفرنسية أنّ الفرنسيين كانوا يتدخلون في تسمية الجزائريين، كانت أسماء الجزائريين عروبية فكانوا يزيلون الإسم العربي ويُدخِلون أسماء جديدة هي غريبة عن النسيج الثقافي الجزائري.<o:p></o:p>لكن هل نجحوا في التصدّي للزوايا،  للكتاتيب، للتعليم الديني، أم أن هذه المسألة ازدادت قوةً وصلابةً كردة فعل على محاولات الاستعمار لمحو الشخصانية الجزائرية؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: أولاً من الناحية الدينية كما تفضّل الشيخ عبد السلام، كان هناك صمّام الأمان، لأنّ عندما احتفلت فرنسا بالمئوية، مئوية سنة على احتلالها، خصّصت سنة كاملة للاحتفالات الاستفزازية، قامت باستفزاز لعواطف ومشاعر المواطنين سنة كاملة وهي تعمل.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: هذا كان سنة 1930.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: 1930، ولذلك أيقظت بهذا، أيقظت شعور الوطنية عند كل المواطنين، وبالتالي نشأت جمعية العلماء عام 1931، على أنقاض المئوية، نشأت وقالت، لأنّ قائدهم العسكري عندما احتفل قال كلمة خبيثة جداً، قال لهم لا نحتفل نحن فقط باحتلالنا للجزائر لمئة سنة لكن نحتفل بتشييع جنازة الإسلام من هذا البلد وتشييع جنازة لغة الإسلام من هذا البلد وتشييع جنازة شيء اسمه الجزائر من هذا البلد.<o:p></o:p>فقامت جمعية العلماء على ثلاث مباني، ثوابت، سمّيناها ثوابت، الإسلام ديننا وكذب الذي قال سنشيّع جنازة الإسلام، والعربية لغتنا وكذب من قال بأننا نشيّع جنازتها، والجزائر وطننا وكذب من قال هذا، فعلى أنقاض هذه المبادئ الخبيثة جاءت هذه المبادئ الإصلاحية لتهتم باللسان، بالدين، بالوحدة الوطنية، وجمعية العلماء ضمّت شيوخ الزوايا، ضمّت الأئمة، ضمّت العلماء، ضمّت كل أصناف المجتمع، وبالتالي وجد الجميع أنفسهم في خندق واحد، في بوتقة واحدة، يكافحون جميعاً ويجاهدون من أجل إثبات الوجود أولاً ثم الانطلاقة ثانياً، وهذا الذي تم عندما نشأت الحركة الإصلاحية، أولاً وبين قوسين أنا ضد الكلام الذي يقول بأن تقسم الوطنية إلى حركة وطنية وحركة إسلامية، أنا ضد هذا التقسيم لأنني اعتقد أنّ كل إسلامي يجب أن يكون وطنياً، وكل وطني يجب أن يكون إسلامياً، فلا يمكن الفصل بينهم، لكن الإعلام أحياناً يلعب ويقول هناك الوطنيون وهناك الإسلاميون، وكأن الوطنيين ليسوا إسلاميين وكأن الإسلاميين ليسوا وطنيين، هذا أمر آخر.<o:p></o:p>لكن قلت لك بأن التعليم لم يعد التعليم الساذج الذي كان يتعلّمه الناس في الكتاتيب والزوايا وإنما أصبح تعليماً يوظَّف لتوظيف الوطني، على سبيل المثال مثلاً تفسير الآيات، تُضَخّ بمعانٍ وطنية، الشيخ عبد الحميد بن باديس عندما يأتي لقوله سبحانه وتعالى إلى قوله سبحانه وتعالى، "قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" هذه الآية من سورة النمل، قصة النملة نملة مع قصة سليمان قالت نملة، لكن الشيخ عبد الحميد بن باديس عندما جاء لهذه الآية، أتى بأسباب النزول وكيف اشقتت سليمان وكذا وكذا، لكن لما جاء قالت نملة يا أيها النمل قال، النتيجة يا ليت قومي يملكون نفس الوعي الذي تملكه النملة بقومها حتى يحافظوا على قومهم ويعوا ضعف قومهم، فينبغي على شعبنا كذلك أن يتعلّم من النملة كيف يحمي شعبه وكيف يدافع عن شعبه.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وسبحان الله الجزائريون كانوا أوفياء لدينهم، وبُعَيد الاستقلال مباشرة أهدوا استقلالهم لمحمّد ابن عبد الله. يا محمّد مبروك عليك الجزائر عادت إليك.<o:p></o:p>أعود إليكما بعيد فاصل قصير من فضلكما.<o:p></o:p>مشاهدينا فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.<o:p></o:p><o:p> </o:p><o:p> </o:p>المحور الثاني<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديد. من العاصمة التونسية نحيّيكم ومن أدرك حلقتنا الآن نحن نعالج موضوع الإصلاح الديني في بلاد المغرب العربي مع الأستاذين العالمين الجليلين الدكتور عبد الرزاق قسوم من الجزائر رئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، والدكتور عبد السلام طويل الباحث والكاتب والأكاديمي، ورئيس تحرير مجلة الإحياء في المغرب الحبيب.<o:p></o:p>دكتور عبد السلام، كنّا نتحدّث عن عيّنات من النضال القحّ، كنا نتحدّث عن الطهر الثوري، كنا نتحدّث عن حب الأوطان وكيف يكون حب الأوطان. هلا زدتنا من نماذج مغربية نعتزّ بها ونفتخر عندما نقرأ عنها؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: نعم، لعلّ من النماذج الأجلى والأوضح والذي ألهم العالم في التلازم بين المرجعية الدينية باعتباره مصلحاً خرّيجاً للقرويين وبين كونه مجاهداً هو الأمير عبد الكريم الخطابي. الأمير عبد الكريم الخطابي في ثورته في الريف ضدّ المستعمر الإسباني كان مجاهداً، وقد قاد ثورة تُدرَّس الآن، إلى الآن تُدرَّس، وهو خريّج القرويين، فالعلماء كما أشار الأستاذ قسوم بحكم الضرورة التاريخية جمعوا بين الإصلاح الديني وبين الدعوة وبين حمل السلاح والجهاد المباشر مع المستعمر. كذلك سلطان المغرب محمّد الخامس تحديداً، هذا السلطان هو عالِم في الأصل، هو عالِم، وحينما أملت عليه السلطة الفرنسية أن يأخذ استقلالاً يفرّط فيه في السيادة مقابل كل الامتيازات لأسرته فقد فضّل المنفى وتمّ نفيه إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر مدة طويلة جداً.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: لكنه عاد وقاد الاستقلال الوطني.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: قاد الاستقلال، قاد الاستقلال الوطني. أبرز الأدوار التي قامت بها الحركة الوطنية كذلك التي تقودها السلفية الوطنية أو الإصلاحية الوطنية بمرجعية الإسلام هو أنّ الاستعمار حينما أراد تجهيل الشعب وفرض الفرنسيّة وحاول تقسيمه من خلال تدريس اللغة الأمازيغية وفصلها هي عن اللغة العربية، فقد قامت الإصلاحية الإسلامية في المغرب بتنظيم المدارس الحُرّة على مختلف ربوع المغرب، وأغلب الخرّيجين الذين زوّدوا الدولة الحديثة في المغرب كانوا خرّيجي هذه المدارس الحرّة التي قادها وأطّرها بطريقةٍ تطوّعيةٍ أهليةٍ من خلال الوقف الذي لم يمت لحُسن الحظ، فكانت مدارس التعليم الحر الذي أطّرته رموز الحركة الوطنية السلفية وهو الذي غذّى بشكل كبير الدولة الوطنية بعد الاستقلال.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: دكتور عبد الرزاق، لا يمكننا أن نعبر إلى شاطئ الاستقلال من دون أن نتحدّث عن رمزين في الجزائر، والجزائر مُنجبة للرموز واقعاً، بحمد الله تعالى تاريخ كبير، من يقرأ أعلام الجزائر أو علماء بيجايا أو الكتب التي أرّخت لعلماء الجزائر يكتشف أنّ كلّ زاوية في الجزائر، كلّ جغرافيا فيها كم من العلماء، لكن رجلان لعبا أكبر الأدوار في تاريخ الجزائر، الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح والشيخ البشير الإبراهيمي. ماذا عنهما باقتضاب قبل الذهاب إلى المرحلة المتقدّمة؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: أيضاً يطول الحديث عنهما لأنّ كلاً منهما له كتب، يملأ كتباً.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: بمواقفه وليس فقط بكتاباته، بمواقفه، لكن أعطيك مثلاً عن كل واحد. عندما اندلعت الحرب العالمية وهزمت فرنسا من الألمان، جاء من يقول للشيخ عبد الحميد بن باديس ابعث ببرقية مؤاساة للفرنسيين لعلها تشفع لنا في يوم من الأيام. ماذا كان جوابه؟ قال أنا لو استطعت أن أضيف ألمان ثانية عليها لأضفت ألمان، فكيف أؤاسيها في هذا، أنا بالعكس، ولذلك قال كلمته الخالدة لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله ما قلتها.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: ما قلتها.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: هذه النقطة الأولى. النقطة الثانية، نشيده فيه الآفاق المستقبلية للدولة المستقلّة، شعب الجزائر مسلمٌ وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب أو رمى إدماجاً له رمى المحال من الطلب، ويضيف اهزز نفوس الجامدين، الناس المشعوذة وكذا وكذا، هؤلاء اهززهم، اقلع جذوع الخائنين اذق نفوس الظالمين.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: أنا أشكرك جازلاً وجزيلاً في نفس الوقت أنّك ذكّرتني بالابتدائية في الجزائر، عندما كنا نذهب إلى المدرسة الابتدائية، كنا نبدأ صباحنا شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: هذا يعني إيذاناً باستقلال الجزائر المحتلة، هذه قالها سنة 1937.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: إذاً الشيخ عبد الحميد بن باديس هذا نموذج للوطنية الإصلاحية الملتزمة، الدين الملتزم بقضايا الوطن وقضايا الإسلام. الشيخ البشير الإبراهيمي أيضاً على نفس المثال، نفس المنوال، يوظف بعض الأشياء توظيفاً دينياً. يقول لهم أيها الإخوة إن الاستعمار شيطان وإن الشيطان لكم عدو فاتّخذوه عدواً، يصبّ الآية في نفس السياق، اتّخذوه عدوًا. أبلغ حاجة توعية المواطن باتّخذوه عدواً. لديه عدة أمثلة لو أحببنا، ولكن يقول هو، لأنّ خصوم جمعية العلماء وعملاء الاستعمار بالخصوص كانوا يتّهموننا بالوهّابية والعبدوية والسلفية، فيقول لهم نحن سلفيون رغم أنفكم وعبدويون رغم أنفكم ولكن نحن والوهّابيون، هم يستخدمون في الإصلاح الفؤوس والأقدام ونحن نستخدم في الإصلاح الفهوم والأقلام، نحن نصلح بالقلم ونصلح بالفهم.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح، وكان ذلك فصل الخطاب، لعلّ هذه المقولة وغيرها من المقولات جنّبت بلاد المغرب العربي العنف الأعمى المستشرس كالذي عرفه المشرق العربي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: تماماً.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: دكتور عبد السلام، هذا الإرث الديني هو وقود حيوي لأية حضارة، لأية نهضة. بعد الاستقلال وقع التراخي في إعادة إحياء هذا الإرث الذي أفضى بنا إلى الاستقلال. الشيخ عبد الحميد بن باديس كان يقول يا نشء أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب، وسبحان الله هذا النشء هو الذي شارك في الثورة الجزائرية، الكثير من صناع الثورة الجزائرية كانوا من تلاميذ الشيخ عبد الحميد بن باديس.<o:p></o:p>هل استفدنا كدول مستقلة سواء في الجزائر، في المغرب، في تونس، في ليبيا، في موريتانيا، من هذا الإرث وواجهنا به التغريب، واجهنا به الكوكبية التي جاءت في ما بعد والعولمة الزاحفة؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: هذا سؤالٌ وجيه جداً، لماذا؟ لأنّ وحدة المرجعية الإسلامية قبل الاستعمار جعلت من الفضاء المغاربي فضاءً واحداً، ولهذا فكانت العلاقة بين الأمير عبد القادر وعلماء القرويين، وبين البشير الإبراهيمي وبن باديس ورموز الحركة الوطنية، كانت علاقةً مفتوحة، وكان التنسيق على مستوى المواجهة المسلّحة بين الجزائر وتونس والمغرب، لأنّ موريتانيا آنذاك كانت جزءاً لا يتجزأ من المغرب، فهذه الوحدة المرجعية والتي كان يمثل الإسلام وتجسدت في رموز الحركة الوطنية، للأسف الشديد الاستعمار استطاع أن يخلق متاريس، وأن يخلق حواجز، وأن يخلق بؤر توتر لا زالت للأسف الشديد ولم نتخلّص منها، لم نتخلّص منها، ولهذا فإن استثمار هذا الرأس مال الديني، الدين يشكل رأسمالاً بالغ النفاسة يجب استثماره في إعادة اللحمة إلى الجناح الغربي من الأمة.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: هنا دكتور عبد السلام، الاستعمار بشكله المباشر لم ينجز أياً من الأهداف التي رسمها، لكنّ الاستعمار غير المباشر عبر وكلائه استطاع أن يحقّق الكثير، اللغة العربية التي تراجعت كثيراً في المغرب العربي لحساب الفرنكوفونية والآن لحساب الأنكلوسكسونية للأسف الشديد. لماذا؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: طبعاً القوى العظمى تدافع عن مصالحها، واللغة أحد الأدوات الأساسية للدفاع عن المصالح الاقتصادية والثقافية إلى غير ذلك، وبالتالي فإنّ هذا الرأسمال الذي عبّرتم عنه بالرأسمال، هو فعلاً رأسمال حقيقي لم يستثمر للأسف الشديد، هو مشاع في الأمة لكنه غير مستثمر، والأخطر من هذا هو أنه عوض عن أن يشكّل عنصر لحمة ووحدة وتواصل أصبح يشكّل عنصر اقتتال داخل القطر الواحد، وهذا أمر خطير، الحركة الإصلاحية في مهدها ما كانت لتقع في حباله، ما كانت لتقع في حباله لولا التراجعات التي حصلت من خلال سياسات التغريب المتتالية في أوطاننا. ولذلك فإنّ أيّ مستقبل لخلق وحدة مغاربية وعربية، أعتقد بأنّ استحضار الإسلام في معادلة هذه الوحدة أساسي وحيوي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: عندما اندلعت الأزمات الكبرى، دكتور عبد الرزاق، في العالم العربي، وزرت بعض صُنّاع القرار هنا وهناك، فكنت أقول لهم استحضروا الإرث الوطني فيكم لعلّ النخوة تعود إلى مجراها الطبيعي، أنت عندما تذكر الناس أيها الجزائريون هكذا كنتم فعلام تتقاتلون، أيها المغاربة هكذا كنتم فعلام تتصارعون، فالإرث الوطني منقذ في الماضي ومنقذ الآن. ومن هنا أنطلق دكتور عبد الرزاق إلى السؤال، لماذا معاهد التعليم الديني في الجزائر تقلّصت بعد استقلال الجزائر؟ هل لأن المسار الجديد والذي بدأه الرئيس أحمد بن بلّة رحمة الله عليه كان معجباً باليسار، بالاشتراكية، وبالتالي همّش الإسلام، حتى رجل مثل الشيخ البشير الإبراهيمي يوضع تحت الإقامة الجبرية رحمة الله عليه، وتعرف بيانه الشهير الذي أصدره في 65؟ لماذا لم يُستفَد من هذا الارث وبالتالي يُسمَح له بأن يفعّل الحياة الثقافية والفكرية وحتى الإسلامية؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: هذا أعود به إلى سؤال الأستاذ عبد السلام، عندما سألتموه لماذا اللغة العربية في بلداننا كلّها تراجعت لصالح الفرنكوفونية أو لصالح الأنكلوسكسونية، هذه لم تكن، يا ليت كانت اللغة الأنكلوسكسونية لأنه على الأقل لغة العلم والعالم، لكن نحن اللغة الفرنكفونية هي السائدة، هذا نتيجة ماذا؟ نتيجة أولاً تغييب، لا أقول غياب، تغييب المنهج الإصلاحي الوطني في الاستقلال، لأنه عندما وقع الاستقلال الرئيس أحمد بن بلّة رحمة الله عليه على كل حال.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: رحمه الله.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: كان عنده هاجس، وهو الميل نحو اليسار بدل، فمنع جمعية العلماء من العودة.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: وعاملها معاملة الأحزاب السياسية، وهي لم تكن حزباً سياسياً.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: نهائياً، صحيح.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: وبتغييبها غاب المشروع الإسلامي العربي الحقيقي. لذلك، نجد الآن امتداداً لهذا، المنظومة التربوية كذلك لا تعطي للغة العربية القيمة المطلوبة ولا للقيمة الإسلامية القيمة المطلوبة، وهذا هو الذي جعل، لكن بالمقابل الإصلاح في وقت الاحتلال، في وقت الاستعمار الأجنبي، كان الإصلاح يهتمّ بالبلدان الشقيقة بمشاكلها، مثلاً الشيخ البشير الإبراهيمي في مقالاته، عندما مات المنصف باي الذي كان باي تونس كتب دمعة على المنصف باي، وقال لو أنّ المنصف مات في الأغواط لطفنا به سبع أشواط، ولكنه يموت غريباً في بو وكذا وكذا وكذا. أيضاً في المغرب الشقيق عبد الحي الكتاني نعرف موقفه من الملك محمّد الخامس رحمة الله عليه، على الجميع على كل حال، يقول أفي كل حي عبد الحي، ويأتي كيف يقف عبد الحي ضد الحكم الوطني وضد كذا وضد كذا، بمعنى أن الحركة الإصلاحية لم تكن إقليمية محلية، بل كانت ممتدّة إلى كل أنحاء الأمة، حتى أنها تهتم بقضية فلسطين، قضية كذا، إنّ غرس صهيون لا يمكن أن ينبت وإذا نبت فإنه لن يثبت، هذا كلام الشيخ بشير الإبراهيمي، الصهيونية غرس خبيث لا ينبت وإذا نبت فإنه لن يثبت.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وأنا هنا دكتور عبد الرزاق، من فيك الطيب وكلامك الجميل، أدعو الدول المغاربية، الرؤساء على وجه التحديد، نداء إلى الرؤساء أن يعودوا إلى فكرة الاتحاد المغاربي، اتحاد المغرب العربي الكبير، على الأقلّ نكرّس هذا المفهوم الجميل الذي وضعه علماؤنا.<o:p></o:p>طبعاً يشار في هذا السياق أيضاً دكتور عبد الرزاق أن غياب الإسلام المحلي بين قوسين جعل شبابنا يذهبون إلى إسلام التكفير وإلى أفغانستان وإلى الإسلام المتشدّد وما إلى ذلك. ربما لو كان الإرث الديني قائماً كما هو لشكّل عِصمةً للشباب من الارتماء في إسلام يدعو إلى الذبح والسلخ.<o:p></o:p>هل كانت المسألة مشابهة في المغرب لما حدث في الجزائر بعد الاستقلال دكتور عبد السلام؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: في المغرب كما أشرت لكم كان هناك السلطة الرمزية للسلطان أمير المؤمنين، ظلّت قائمة، لأن إمارة المؤمنين في المغرب ليست مجرّد لقب، هي مؤسسة دستورية.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وهذا في الدستور المغربي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: في الدستور، فهي مؤسسة دستورية.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: أنّ الملك في المغرب هو أمير المؤمنين.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: أمير المؤمنين، فهذه المؤسسة، القرويين ووزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية ومندوبيات وزارة الأوقاف والرابطة المحمّدية العلماء التي أتشرف بالانتماء إليها، كلّ هذا الجسم ينتمي إلى وتحت مظلّة إمارة المؤمنين، ولذلك فإن الكتاتيب القرآنية والتعليم التقليدي ظل بخير في المغرب.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: تريد أن تقول أنّ الملوك في المغرب لم يهمّشوا الدين، كان الدين جزءاً من مسلكيتهم السياسية؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: جزء مكوّن، مكوّن أصيل من مكوّنات الأمة ومكوّن أصيل في مشروعية النظام السياسي، فالملكيّة في المغرب قائمةٌ على إمارة المؤمنين، قائمة على البيعة باعتبارها تعاقداً دستورياً، عقد شرعي مكتمل الأركان وبالتالي فإن الوثيقة الدستورية في المغرب، الدستور العصري يعتبره المغاربة ويعتبره الإصلاحيون أصالةً امتداداً عصرياً لتعاقد أصلي الذي هو البيعة، ولهذا عنصر الاستمرارية هو الذي جعل وحفظ هذه الاستمرارية على مستوى هوية المغاربة عموماً، رغم أنّ التحديات أصبحت كبيرة من خلال الفضاء المعلوماتي المفتوح والمكشوف.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وبالمناسبة أنا اطّلعت على الكثير من النتاج المعرفي الديني في المغرب، هو متقدّم، ويبدو هذه الضخامة لا بدّ من ن يكون وراءها دعم معيّن، أليس كذلك؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: نعم، لأنّ المغرب في العشر سنوات الأخيرة، طبعاً تدبير الحقل الديني إلى أواسط السبعينات كان متروكاً للجماعة، تدبّره تلقائياً، متروك للأمة وهو لا زال متروكاً للأمة، لكن بحكم التأثيرات الوافدة من كل صوب وبحكم التأثيرات المرتبطة بالعالم السبرتيقي الفضائي المرتبط بالإعلام والفضائيات فقد بات لزاماً على الأمة أن تحمي نفسها من خلال حماية اختياراتها المذهبية التي شكلتها عبر التاريخ واختياراتها العقائدية التي شكلتها عبر التاريخ من شتى الاختراقات. وفي هذا الإطار جرت سياسة لتدبير الحقل الديني، وهذه السياسة لتدبير الحقل الديني قامت على ثلاثة أركان أساسية، أولاً تعزيز وظيفة وزارة الأوقاف في الجانب التدبيري والإداري والوظيفي، ثمّ المجالس العلمية والمجلس العلمي الأعلى في الإرشاد والتوعية والوعظ وتأطير المساجد، ثمّ المجلس العلمي الأعلى لضبط كل هذه الأمور ولتدبير مسألة الفتوى، الفتوى في المغرب ليست مُتاحة للجميع، الفتوى الرسمية، فهو ليس مجالاً مستباحاً إنما مرتبط بممثلي علماء الأمة من خلال المجلس العلمي الأعلى ومن خلال هيئة للإفتاء، وثم هناك الرابطة المحمّدية للعلماء التي تعتبر بمقتضى الظهير المنشأ لها، بمثابة أكاديمية للفكر الإسلامي والعلوم الشرعية وظيفتها تأطير اختيار المغاربة من الناحية الفكرية والشرعية.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: طبعاً ونحن في الجزائر أيضاً نحمد المولى عزّ وجل أنّ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ما زالت موجودة ويرأسها فضيلة العالِم الجليل الدكتور عبد الرزاق قسوم، أنا أدعو لك بالتوفيق إن شاء الله في مهامك النهضوية الإصلاحية.<o:p></o:p>لكن الجزائر تداركت التقصير الذي كان في بداية الاستقلال، جاء مشروع جامعة الأمير عبد القادر وهذا مشروع كبير جداً وعلمي على يد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد رحمة الله عليه، وبدأت في ما بعد دوائر القرار تسعى للاستفادة من الإرث السابق، ويبدو أنه اليوم توجد صحوة باتجاه العودة إلى الموروث الباديسي، الموروث الإبراهيمي، موروث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: الحمد لله رغم أن النكبات التي أصبنا بها في هذا الميدان بالذات من إلغاء التعليم الأصلي، لأن التعليم الأصلي كان كذلك سيكون بديلاً للتعليم المغزو والمنسلب، لكن أيضاً وقعت مكيدة بإلغاء التعليم الأصلي، وعندما ألغي التعليم الأصلي تشجّعت الفرنكوفونية على أيضاً المدّ، لكن الحمد لله جاء الرئيس الشاذلي بن جديد كما تفضّلت وهو من الذين ندعو لهم إن شاء الله بالمغفرة، هو الذي مكّن للتعليم الإسلامي من أن يكون بإحداث جامعة الأمير عبد القادر، ودعوة علماء أجلاء كالشيخ محمّد الغزالي رحمة الله عليه الذي كان مسؤولاً عن هذه الجامعة، فهذا العمل أعاد الوعي بالذات عند المواطنين، فالمُواطِن الآن، الحمد لله، جمعية العلماء كما طابع البريد في البوسطة، أي واحد تقول له جمعية العلماء يقول لك الحمد لله، وهي موجودة الآن في كل ولايات الوطن ولا ننتهي، ومنذ يومين كنت في اصطيف وبعد أيام سنتوجه لمعسكر وهكذا، كل الناس تدعونا إلى أن نعقد اجتماعات عندهم.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وأدعو أيضاً مشاهدينا في المشرق العربي والمغربي العربي أن يتابعوا نشاطكم عبر الموقع الإلكتروني وجريدة البصائر أيضاً، وهي نفس الجريدة التي كانت تصدر.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: كانت قديمة ولدينا كذلك الشاب المسلم باللغة الفرنسية ولدينا كذلك مجلة التبيان هذه شهرية، نحاول أن نغطي هذا الفراغ الموجود في العقول حتى نتكفل بأولادنا لكي لا يأخذوا الفتوى والتعاليم الوهّابية.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: من تورا بورا وقندهار، أحسنت.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: إن شئت ذلك، نملك والحمد لله علماءنا، نملك والحمد لله فقهاءنا، نملك والحمد لله مصلحينا، فنحب أن يأخذ شبابنا من هذه المرجعية الدينية.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: سبحان الله أنتم في الجزائر عندكم أكبر ضمانة لحماية الجزائر، دماء الشهداء، كلما تتعرّض الجزائر إلى نكبة، زلزال أمني، حماها الله تعالى من كل سوء، تتدخل الألطاف الربانية لتحميها، أليس كذلك؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: نعم تماماً، ولذلك حتى العلماء الذين جاؤوا من جمعية العلماء الشيخ عبد اللطيف سلطاني، الشيخ أحمد سحنون، الشيخ كذا. الشيخ أحمد سحنون عام 51 أو 52 كتب الشيخ عبد الوهاب بن منصور، تعرفه مؤرّخ المملكة، هذا عالم من العلماء الفتاوى، أصله جزائري كان بدار الحديث.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد السلام طويل: بن غرنيط كذلك قبله، هذا يؤكّد.<o:p></o:p><o:p> </o:p>عبد الرزاق قسوم: كان في دار الحديث في تلمسان، كان معلماً هناك ثم انتقل إلى المغرب وتحوّل إلى أن مات مؤرّخاً للمملكة، هذا كتب مقالاً في 51 ما لهم لا ينطقون، الأدباء والكتاب ما لهم لا ينطقون، فكل واحد أجاب بكيفية، ولكن الشيخ سحنون أجاب بقصيدة ممتازة لا تطل لومي ولا تطلب نشيدي أنا في شغلٍ بتحطيم قيودي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: يا سلام، أحسنت، أحسنت. ذكر تلمسان، زرت تلمسان ذات يوم قلت كم شربنا في مقاهيك شاياً نعما الشاي ونعماكي تلمسانو.<o:p></o:p>الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين شكراً جزيلاً لك أمتعتنا، الدكتور عبد السلام طويل شكراً جزيلاً لك، من المغرب الحبيب الذي نحب أمّنه الله شكراً جزيلاً لك.<o:p></o:p>مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها، وقبل أن أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه أودّ أن أقدّم شكري الخاص لمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت والمعهد السويدي في الاسكندرية، وقد نجح الطرفان في جمع ثلّة من مفكّري العرب والمسلمين لرسم مسارات للنهضة المُرتقبة، وهي بالتأكيد بجهود الغيارى ستكون وشيكة، لأنّ التخلّف ليس قضاءً وقدراً ولا سرمداً، والشكر موصول لمكتب قناة الميادين في تونس وكل الإخوة، وأيضاً لا أنسى الزميلة المُنتجة نيكول كاماتو.<o:p></o:p> هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبداً ودائعه، ونتمنّى لكم كلّ خير. شكراً جزيلاً لكم، بوركتم، أدامكم الله إن شاء الله.<o:p></o:p>