الاديبة والكاتبة الجزائرية الدكتورة انعام بيوض

نص الحلقة

زاهي وهبي: مساء الخير. مثقفةٌ عربيّة جزائرية، روائيّةٌ وشاعِرةٌ ورسّامة. أكاديميةٌ تحملُ شهادة دكتوراه في الترجمة وإداريّةٌ تشغلُ منصب مديرة المعهد العالي العربي للترجمة. في روايتها التي تحمل عنوان "السمك لا يُبالي" نقرأ رفضاً للإرهاب والعُنف والتسلّط الجهلِ والتعصّب، وانحيازاً لقِيَم الحريّة والتسامح والإبداع والعلم والحوار. في حوارنا مع ضيفتنا المشغولة بحال الأُمة وأحوال ناسها نُطلّ على عالمها الروائيّ المتوزِّع مثل واقعها الفعليّ بين "دمشق" و "الجزائِر" ونسأل عن راهن الترجمة في بلادنا العربيّة وأهميّة الترجمة في نقل الأُمم والشعوب من الظُلمات إلى النور مثلما نسأل عن لغة الضاد وغربتها بين أهلها. "بيت القصيد" بيت المبدعين العرب يُرحّب بالأديبة والكاتبة العربيّة الجزائرية المرموقة الدكتورة "إنعام بيّوض" أهلاً وسهلاً بحضرتكِ

إنعام بيّوض: شكراً جزيلاً، شكراً على الدعوة وأهلاً وسهلاً بكم في قناة "الميادين"

زاهي وهبي: نتشرّف، نتشرّف بوجودكِ ضيفة عزيزة في برنامج "بيت القصيد". سؤالي الأوّل هو، قبل أن نُشاهِد ربورتاجاً عن حضرتكِ، "دمشق" حيثُ ولِدتِ حضرتك، حضرتكِ مولودة في "دمشق"، هلّ من أثر للبيئة الدمشقية في تكوينك، تكوين وعيَكِ ووجدانك وميلكِ الثقافي والأدبي؟

إنعام بيّوض:  بالتأكيد. "دمشق" كان لها كبير الأثر على حياتي. أعتقد أنّ علاقتي باللغة وعلاقتي بالجمال وعلاقتي بنوع من الهناء، من رغد العيش ومن الهناء، كان في "دمشق" خاصّةً عندما كتبت هذه الرواية. كانت مُحاولة للاستذكار، لاستذكار تلك الأجواء الدافئة الهانئة. أنا أقول هناء لأنّني أعتقد أنها أفضل كلمة بالنسبة لي تُعبّر عن ذلك الواقع المُتسامِح مع نفسه والمُتصالِح مع نفسه الذي شهِدته في "دمشق". الناس يحبون بعضهم البعض

زاهي وهبي: تتحدّثين حضرتك عن كيفية وجود التنوّع من الناس، الأفكار والأديان والطوائِف والطبقات الاجتماعية

إنعام بيّوض: هذا هو الشيء الذي شدّني إلى هذا الهناء، هو كيفية تعايش الأديان. كان جيران لنا من اليهود وجيران مسيحيون، وكان الناس يعيشون من دون مشاكِل، وهو وكأنه الآن أصبح حلماً صعباً

زاهي وهبي: وكأنّ عندكِ رغبة في تثبيت أو تأبيد تلك اللحظات أو تلك الفترة بأسطُر وبحبر وكلمات

إنعام بيّوض: عندي رغبة في تأبيدها فعلاً، ولكن هناك رغبة في استعادة بعضٍ منها لأنه ربما في هذا الواقع المؤلِم من الصعب أن نجد كل هذه الأشياء. إضافةً إلى أن تلك الفترة كانت فترة طفولة، وفترة الطفولة فيها الكثير من التسامي لواقعٍ ربما لم يكن، بين قوسين، بتلك البهجة لكنه يبقى واقعاً رائِعاً يستحقّ الاستذكار والاستنساخ

زاهي وهبي: عالم الطفولة دائِماً عالم أكثر براءة من عالمنا نحن الكبار. كيف تعيشين أو كيف تتفاعلين مع ما تعيشه "دمشق" هذه الأيام؟

إنعام بيّوض: في حال ألم دائِم. "حلب" كيف تحوّلت "حلب"؟ كيف صارت؟ هذا الخراب وهذا الدمار الذي لا يستحق أن يكون، كلّ طلقة وكلّ حجر يُكسَّر في "دمشق" هو حجرٌ زائِد لا طائِل منه؟ نتمنّى أن يعود السلام ونستغرِب كيف حلَّ هذا! خاصةً في هذا المكان بالذات من الوطن العربي الذي لم نتوقّع أن يحدث

زاهي وهبي: على كلّ حال سنتحدّث عن حال العرب حال الثقافة العربية ودور المُثقف العربي وبالتأكيد سنتحدّث عن "الجزائِر" وعن أهلِك ودور الوالدين في توجيهك في دعمكِ ولكن بعد أن نُشاهدكِ في ربورتاج بعنوان "علامة فارِقة"

علامة فارِقة

إنعام بيّوض:

— أوّل ما يخطُر على بالي هو الترجمة الفورية. أنا مُترجمة فورية أساساً وثانياً أُستاذة لأنني أعشق التدريس

— الطفولة كانت في "دمشق" وكانت فترة حاسمة في تكويني أعتقد، والمراهقة والشباب والكهولة والعجز والكِبَر (تضحك) كانت في "الجزائِر"

— لا أظنّ أنه سيكون اعتزالاً في أيّ شكلٍ من الأشكال، لكن إذا تكلّمنا عن المكان فأنا في أيّ مكان أرتاح فيه وأشعر فيه بانتماء إلى مكان وإلى أشخاص يُمكن أن يكون مكاناً، ليس اعتزالاً ولكن مكان استمرار

— "الترجمة خيانة" هو تعبيرٌ شائِع ولكنه لا يُطابق بل يُجانب الحقيقة لأنّ الترجمة أصبحت عِلماً يُدرَّس وأصبحت لها قواعدها، والأمانة فيها هي الأساس

— أعتقد أنّه يجب أن نخاف على لُغتنا العربية وأن نخاف عليها من أنفسنا لأنه ربما من الإهمال ما أساء ومن الحبّ ما قتل

— الشيء الوحيد الذي يُمكن أن أخاف منه هو المرض لأنّنا لا نتحكّم فيه تمام التحكُّم، والأشياء الأُخرى كلّها أشياء ثانوية يُمكن أن تُحلّ إمّا بالتبصُّر أو بالروية وأخذ الحيطة وبالتعلّم من التجارب. لكن المرض هو شيءٌ يخطفنا والصحة هي أغلى ما في الوجود أعتقد

— أنا أحلمُ كالأطفال. إذا فقدنا الحُلُم فقدنا كلّ شيء، الحلم هو الذي يجعلنا نمشي ويجعلنا ننهض كلّ صباح على حلمٍ بغدٍ أفضل، على حلم تحقيق ما نريد، الحُلم بتحقيق الذات، الحُلُم بخدمة الآخرين، الحُلم بأن تكون لنا فائِدة في هذا الوجود وألاّ يكون مرورنا في هذه الحياة مُجرّد مرور الكِرام. أذكر في الفترة العصيبة التي مرّت بها "الجزائِر" أنّ ما ساعدنا هو الحُلُم

— في جملة واحدة من الصعب جداً أن نوصِلَ الكثير من الأشياء التي نودّ إيصالها إلى القارئ العربي. هناك الهموم الكثيرة وهناك المشاكل الكثيرة وهناك الأشياء التي نودّها ولكن ربّما الذي قد يكون مهماً هو الاهتمام بمنظومة القِيَم. هذا شيء أساسي

زاهي وهبي: سنتوسّع في الأفكار والعناوين التي حضرتكِ طرحتِها ولكن دعينا نبدأ من روايتك "السمك لا يُبالي" الصادرة في "بيروت" عن "دار الفارابي". هلّ ما قلته في البداية، في التقديم، صحيح؟ أنّ هذه الرواية فيها موقف ضدّ الإرهاب، ضدّ العنف، ضدّ التسُّلط؟ ولماذا حضرة جنابكِ مشغولة في هذه الأمور؟ ربما طبيعي كونكِ جزائرية "والجزائِر" عانت ما عانت، ولكن أُحبّ أن أسمع منكِ 

إنعام بيّوض: لا بالتأكيد، أن نرفض الإرهاب وأن نرفض العدوان وأن نرفض الكراهية وأن نرفض مقت الآخر، هي تعبير عن إنسانيتنا في نهاية المطاف، وهذا هو الشيء الأساسي. وهذا ما أردتُ التعبير عنه في هذه الرواية

زاهي وهبي: هلّ يستطيع الأدب، الكتابة، الكلمات، شيئاً في مواجهة هذا الخراب العربي، هذا الموت

إنعام بيّوض: بالتأكيد، هو لا يستطيع أن يحُلّ مشاكل الخراب ولكنّه يُعايِن ويُساعدنا على الفهم ويُساعدنا على عدم تكرار التجارب الخاطِئة وربّما يُساعدنا على كيفية النفاذ من هذه المآزق وهذه الأنفاق التي نمرّ بها. "دوستويفسكي" كان يقول، "الفن سيُنقذ العالم" وأنا متأكِّدة بأنّ الفنّ سوف يُنقذ العالم، الثقافة بشكلٍ عام سوف تُنقِذ العالم

زاهي وهبي: نُلاحِظ أنّ الشعوب التي تُعلي شأن الفنّ والأدب والفِكر أكثر ربما اطمئناناً أو أكثر استقراراً على الأقلّ

إنعام بيوض: بطبيعة الحال، بطبيعة الحال لأنّ رفع مُستوى إنسانيتنا لن يُضير طبعاً بطبيعة الحال ولن يقوم سوى بتسامينا ويجعلنا أُناساً أفضل ويجعلنا أُناساً قادرين على العيش مع الآخرين

زاهي وهبي: الحقيقة أنني أُشير إلى هذه النقطة مع أنها بمثابة مُسلّمة أو بديهية ولكن تواجهنا في عملنا خصوصاً الإعلامي أحياناً مقولات بأنه ماذا تحكون عن الرواية وعن الأدب وعن الفنّ والحروب قائِمة والدماء تسيل، بالكم فاضي كثيراً لتتحدّثوا عن هذه الأمور، لكنها ليست أموراً من الكماليات، ليس ترفاً الأدب أو الفكر 

إنعام بيوض: بطبيعة الحال ليس ترفاً، والأُمم كلّ الأُمم مرّت بحروب ومرّت بتجارب ولكن هلّ هذا منعها من الكتابة؟ من أن تُصبِح من أمم إنتاج الأدب الرائِع؟ "روسيا" مرّت في مجاعات ومرّت في حروب ولكنها أعطتنا أجمل أدب في العالم. هذا لا يمنع، الطبيعة البشرية من الصعب أن نلجمها وأن نستأصل ظاهرة العُنف هذه وظاهرة الجشع الذي يؤدّي إلى العُنف ويؤدّي إلى الاستحواذ على الآخر. ولكن الأدب هو مُخلِّصنا

زاهي وهبي: دكتورة "بيّوض"، الرواية أيضاً تُعلي شأن قِيَم التسامُح والحوار والحُريّة والعدالة. السؤال الذي يواجهنا دائِماً، لماذا تراجعت هذه القِيَم كثيراً في مُجتمعاتنا العربية؟ لماذا حلّ بنا ما يجري

إنعام بيّوض: هلّ تريدني أن أُجيب على هذا السؤال في هذه العُجالة؟ طبعاً هناك الكثير من الأسباب ولكن أعتقد أنّ تراجعنا هو تسلُّط أو هيمنة روح الاستهلاك لدى الإنسان، روح الاستهلاك السريع، وهيمنة نوع من الآنيّة في التعامل مع الأشياء ومع الوجود. نحن نريد كلّ شيء الآن

زاهي وهبي: ولا نُخطّط

إنعام بيوض: لا نُخطّط للمستقبل ولا نعيش اللحظة بكلّ أبعادها، وفقدنا التعامل مع الأُمور ومع القِيَم تعاملاً حسياً وتعاملاً تفاعلياً. تصوّر أنّه حتّى الديانة أصبحت منظومة طقوس ولم تعُد روحية، أصبحت كيف تُصلّي

زاهي وهبي: الطقوسية غلبت على الروحانية

إنعام بيّوض: الطقوسية غلبت على الروحانية

زاهي وهبي: والتديّن غلب الإيمان، التديّن المظهري الشكلي

إنعام بيّوض: غلب الإيمان والأساس هو الإيمان. كلّ هذا أساسه الإيمان وأن نصل إلى حال التسامي القصوى

زاهي وهبي: هلّ يوجد فرق بين التديُّن والإيمان؟

إنعام بيوض: طبعاً. التديُّن قد يكون طريقاً للإيمان ولكن الإيمان هو الأساس وهو سُدرة المُنتهى

زاهي وهبي: صحيح. من أجل هذا نجد في القرآن الكريم أنّ الأعراب في إحدى الآيات الكريمة، عندما جاؤوا إلى الرسول وقالوا له " إنّا آمنّا" قال لهم لا تقولوا آمنّا بل قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان قلوبكم بعد.  " قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الحجرات: 13)

إنعام بيوض: فعلاً، هناك الكثير من الأُمور التي، نحن مثلاً أُمة " وقلّ اعملوا" ولا نعمل، وأمة "قل النظافة من الإيمان" ونحن أبعد الناس عن هذا، أمّة اقرأ ولا نقرأ

زاهي وهبي: لكن لماذا؟ إن كان الموروث الديني والموروث الثقافي يحُضّ على عكس ما نحن فيه

إنعام بيّوض: على عكسه ولكن هناك جمود في هذا الموروث الديني، يجب نفض الغبار عن هذا الموروث الديني وإعادة قراءة هذا الموروث قراءة عصرية. الآن لدينا كلّ الأدوات العلمية التي تسمح لنا بأنّ نستكشف وأن نستخبر وأن نتمحّص في كلّ شيء بشكلٍ دقيق ونكتفي بأن نقرأ الكُتب الصفراء التي كتبها أُناسٌ ربما أجادوا أو أخطأوا. لكن علينا أن نأخُذ بزمام تُراثنا الآن وننفُض عنه كلّ ما علق به من ترّهات

زاهي وهبي: حضرتكِ من دُعاة التجديد في الفِكر والفقه الإسلاميين

إنعام بيّوض: نعم، بالتأكيد، وأقول بأننا في حاجة إلى هذا الخطاب المُتجدّد، بحاجة إلى أن نقرأ. هو ليس تجديداً في الواقع

زاهي وهبي: بل استخراج

إنعام بيّوض: هو مُجرّد استخراج ما هو موجود وإزالة كلّ الشوائِب وكلّ الغلالات التي وُضِعت فوقه لدواعٍ نحن طبعاً نعرِف تاريخنا المليء بالأمور

زاهي وهبي: هلّ هذا ما دفعكِ لإنتاج وإعداد وإصدار هذا العمل القيِّم، " نورٌ على نور- القِيَم الإنسانية في القرآن الكريم"؟

إنعام بيّوض: بالفعل

زاهي وهبي: تُرجِم هذا العمل إلى خمس لغات غير اللغة العربية طبعاً وصدر عن المعهد الذي حضرتكِ تُديريه، "المعرض العالي العربي للترجمة". ما الغاية من هذا العمل، القِيَم الإسلامية والقِيَم الإنسانية في القرآن الكريم؟

إنعام بيوض: طبعاً في الفترة الحالية، الإسلام والثقافة والحضارة الإسلامية، نقول ليس الإسلام فقط ولكن كلّ حضارة تتعرّض لهجمات شرِسة من طرفِ أُناس قد يجهلونها، ولكن أيضاً هجمات شرِسة من أصحابها. نحن في حاجة لأن نرى بأنّ هذا الكتاب ليس كتابَ تهديد وليس كتابَ قتل ولكنه كتابٌ فيه محبة وفيه عمل وفيه كرم وفيه كلّ القِيَم الإنسانية التي يتشاطرها بنو البشر. فالفِكرة جاءت من هنا، أولاً أننا نحن أصحاب كلمة حقّ ونحن أصحاب فنّ وحضارة. الكتاب ليس فقط عبارة

زاهي وهبي: دعيني أعطي فكرة مثلاً. نبدأ بسورة الفاتحة

إنعام بيّوض: أصحاب فنّ وحضارة، فنّ المنمنمات، فنّ النقش العربي، فنّ الخطّ. نحن أسهمنا إسهاماً كبيراً في الحضارات العالمية ويجب أن نُشير إلى هذا بدل أن نحرِق عَلَماً أو نحرِق سفارة. هذه هي الطريقة التي يُمكِن أن نُعرِّف بها أنفسنا للآخر وأن نرُدَّ بردٍّ حضاري

زاهي وهبي: العملُ قيِّم مضموناً وقيَّم شكلاً. عملٌ مُجلّد أنيق وفاخِر، هلّ يُمكِن أن يصدُر في كتاب يكون مُتاحاً لجميع الناس؟

إنعام بيوض: هذه هي فعلاً الفكرة لأننا حين قمنا بهذا العمل كان على شكلِ مُجلّدٍ فخم يُهدى، ولكن نحن نريد له انتشاراً أوسع لدى العامّ والخاصّ، حتّى في الخارِج. لذلك هناك تفكير مع مؤسسة الفِكر العربي لأن تتمّ طباعة هذا الكتاب على شكلِ كُتيِّب يكون مُتاحاً وفي متناول الجميع ويكون هدية تُهدى للآخرين عندما نودّ أن نُعرِّف بأنفسنا

زاهي وهبي: أبرز القِيَم التي اخترتِها من القرآن الكريم أو التي تمّ اختيارها هي المساواة و

إنعام بيّوض: المُساواة والعدل والعمل، قيمة العمل، الكَرَم، الإحسان، الوفاء بالعهد، المحبّة. هذه أُمور ننساها، انما ديننا هو دين محبة

زاهي وهبي: للأسف لأن اليوم تطغى صُوَر أُخرى، صوَر قتل وذبح وإرهاب وأشياء من هذا النوع تُلصق بالدين ويحملون الدين كذريعة لها. سأعود إلى الرواية والشِعر ولكن بما أننا دخلنا مجال الترجمة، طبعاً أوّل ما نقول ترجمة يخطُر على بالنا، خصوصاً معشر الشُعراء والأُدباء، أنّ الترجمة خيانة. بمعنى كلّ ترجمة هي خيانة للنصّ الأصلي بشكلٍ أو بآخر. يبدو أنّ هذه المقولة لها أصلٌ مُختلِف تماماً عمّا نقصده في استعمالنا لها، صحيح؟

إنعام بيّوض: صحيح ولن أعود إليها لأنّ أصلاً المقولة أنا لا أؤمِن بها كمقولة، مهما كانت وكيفما يردّدونها. قد يكون لها أصول تتفاوت فيها الروايات ولكن الترجمة الآن لم تكُن خيانة منذ الأزل. الترجمة تعتمد على مدى تمكّن المُترجِم من اللغتين، وهذه قالها "الجاحظ" في بداياته، في "الحيوان" قالها "الجاحِظ"، أن يكون متمكّناً من نفسه والآن أصبحت علماً يُدرَّس

زاهي وهبي: طبعاً المقصود في الخيانة هي أنها غير قادرة على نقل روح النصّ من لغة إلى لغة. حين يُكتَب بلغته الأساسية

إنعام بيّوض: ما الذي نعنيه بروح النصّ؟ هذه تعابير أيضاً نُطلقها هكذا، على ما هي. روح النصّ ما هي؟ ما هي روح هذا النصّ هلّ هي رائحته؟ هلّ هي رنينه؟ هلّ هي طريقة كتابته؟

زاهي وهبي: قد تكون دلالات المُفردات، دلالات المُصطلحات

إنعام بيوض: كلّ الدلالات، كلّ ما يُقال في لغة يُمكن أن يُقال في لغة أُخرى لأنّ بني الإنسان جُبلوا على

زاهي وهبي: كما تعرفين، الثوري، المجاز، الاستعارة، التشبيه وكلٌ لها أسرارها

إنعام بيّوض: ولكن اللغات لها حيلُها، قد تكون نسبة الخسارة، وأنا أُقدِّر الترجمة بالخسارة والربح. الربح هو شيء غير مُحبّب في الترجمة لأنك لا يجب أن تُنتج ترجمة أفضل من الأصل. ولكن الخسارة، وهذا مُصطلح أُقرّ به ويُمكن أن نُحدِّد هامش الخسارة الآن، أصبح بالإمكان من خلال الدراسات المُقارِنة

زاهي وهبي: قد تكون أقلّ الخسائِر المُمكنة إذا

إنعام بيّوض: أقلّ الخسائِر المُمكنة فعلاً

زاهي وهبي: "المعهد العالي العربي للترجمة" الذي حضرتكِ مديرته ومقرّه "الجزائِر" هو أحد مؤسسات "جامعة الدول العربية". عندما نقول "جامعة الدول العربية"، تعلمين أن الانطباع عندنا نحن كمواطنين عرب سلبياً وليس إيجابياً لأنّ مُعظم مؤسسات الجامعة بيروقراطية وروتينية وعاجزة عن إنجاز شيئ فعلياً. بدقيقة لو سمحتِ، ما هو "المعهد العالي العربي للترجمة"؟

إنعام بيّوض: "المعهد العالي العربي للترجمة" هو مؤسسة أكاديمية تعليمية تابعة لجامعة الدول العربية وتُدرِّس وتُخرِّج وتقوم على ثلاثة محاور، تدريب، تكوين، تدريب مُترجمين في الماستر يعطونها لحاملي الليسانس، وهناك الدكتوراه الآن، وإنتاج الترجمة والبحث في الترجمة. هذه هي المحاور الثلاثة التي يُبنى عليها المعهد

زاهي وهبي: ويقوم المعهد بهذا الدور

إنعام بيّوض: يقوم بهذا الدور إلى حدّ الآن

زاهي وهبي: عندكِ شعور بالرضى

إنعام بيّوض: بالرضى صعب أن تشعُر بالرضى ولكن يُمكن أن نشعُر بالرضى قياساً بالإمكانيات التي كانت مُتاحة. أن تُدير وتُسيِّر معهداً بهذا الحجم بـ 30 في المئة على أكثر تقدير من موازنته فهذا تحقيق إنجاز

زاهي وهبي: لا تحصلون على الموازنة المُقرّرة

إنعام بيّوض: كاملةً لا نحصل، بعض الدول تدفع والأُخرى تغُضّ الطّرف

زاهي وهبي: هلّ هناك إدراك عربي رسمي لأهمية الترجمة؟

إنعام بيّوض: لا، لا يوجد. لا أعتقد أنّ هناك إدراكاً فعلياً لأهمية الترجمة. نحن لم نفهم بعد أنّ الترجمة هي مسألة مصير، مسألة بقاء، أن تُترجِم معناها أن تبقى. إذا كنت غير صانِع للمعرِفة وغير مُنتِج لها، فأن تُترجِم معناها أن تسمح لنفسك وأن تُعطي لنفسك فرصة البقاء وفُرصة تمثُّل المعرِفة لإنتاجها في ما بعد بشكلٍ شخصي. أن تقوم أنت بإنتاجها على حسب احتياجاتك. كيف يُمكن أن نتكلّم عن التنمية المُستدامة ونحن لا نعرِفُ شيئاً. ليست لدينا حتّى أدوات فكيف يُمكن أن نتكلّم عن التعليم العالي، عن اللغة، عن المواطِنة ونحن لا نعرِف أنفُسنا؟ أن تُترجِم معناها أن تتعرّف على نفسِك لأنّك من خلال الآخر، الآخر هو مرآة

زاهي وهبي: صحيح

إنعام بيّوض: مرآة يُعرِّفك بنفسِك. فأن تُترجِم معناها أن تتعلَّم، أن تُترجِم معناها أن تتعرَّف على نفسِك، أن تُترجِم معناها أن تُعرِّف الآخر بنفسك والاّ تبقى حبيس التعابير وحبيس أحكام مُسبّقة

زاهي وهبي: والغريب سيّدتي أنّ العرب كانوا سبّاقين في نقل العلوم من اللغات الأُخرى في ما بعد

إنعام بيوض: طبعاً كانوا سباقين ولكن لم يكُن القرار سياسياً فقط في الماضي. عندما تدرُس حركة الترجمة في القرن الرابع كانت حركةً انضمّ إليها المُجتمع المدني وليست حركة سلاطين فقط

زاهي وهبي: على كلّ حال سنتوسّع أكثر ولكن اسمحي لنا أن نتوقّف مع موجز إخباري سريع ثمّ نُتابِع "بيت القصيد"

المحور الثاني:                    

زاهي وهبي: سيّدتي، قبل أن نبدأ في الاستماع إلى شهادات في تجربتك، هناك سؤال حول الترجمة الآلية اليوم. تعرفين حضرتك الـ Google أو أخواته وبأنه توجد الترجمة الآلية الفورية. هلّ هذا النوع من الترجمة هو خطوة إلى الأمام في رأيِك، وهلّ يُسهِل عمل المُترجمين التقليدي أم يُعطِّل هذا العمل أو يُلغيه؟ بمعنى تحلّ مع الوقت هذه الترجمة نهائياً مكان الترجمة الإنسانية البشرية المُباشرة

إنعام بيّوض: أنت تطرح سؤالاً آخر مثلاً، هلّ سهّل الصعود إلى القمر دراسات الفضاء؟ بطبيعة الحال، أوّل خطوة في القمر سهّلت ووصلنا إلى اكتشاف مجرّات كبيرة وبالتالي، أنا أؤمِن بأنّ الدخول إلى القرن الحادي والعشرين والقرون الأُخرى لنّ يتِم عن طريق الورقة والقلم وعن طريق المُترجِم لوحده. هناك مثال جاء به زميل يشتغِل في مجلّة "الترجمة الآلية" قال، "إذا أوقفت Google، كلّ مُحتوى Google لدقيقة، لبرهة، وترجمت كلّ هذا المُحتوى الموجود فأنتَ بحاجة إلى 6 سنوات عمل وبحاجة إلى 250 ألف مُترجِم يعملون ثماني ساعات يومياً. فكيف يُمكن أن تُحلّ هذه المُعضِلة مع هذا الكمّ الهائِل من المعلومات الذي يرِدُ كلّ يوم؟ صناعة المحتوى الآن أصبحت صناعة اقتصادية

زاهي وهبي: مُستقبل هذا النوع من الترجمة؟

إنعام بيّوض: في المُستقبل، يجب أن نثِق، أن نكون واثقين من هذا طالما نعمل معه بتردّد وبنوع من عدم الاهتمام ولا نُكرِّسُ أبحاثاً، بمعنى "اليابان" لها برمجيات للترجمة، " المجر"، البلد الوحيد الذي لا يتكلّمون فيه المجرية إلاّ في "المجر"، لديهم أفضل أدوات الترجمة الآلية ويُترجمون. ونحن عندما نتكلّم عن الترجمة الآلية، دائِماً تأتي إلى ذهننا شطحات البديع والبيان. أنت تتكلّم عن جانِب عملي من الترجمة. الكتاب العلمي الذي تترجمه يُمكن لأيّة آلة أن تُترجمه الآن، وفي الكتاب العلمي هناك دكتور "نشأت الحمادنة" الذي أشرف ترجمة كتاب في علم العيون، طبّ العيون، الذي صدر في العام 2002 والكتاب من 900 صفحة. قال لي في تصريح أنّ المُحتوى المُصطلحي الدقيق يُشكّل 4 في المئة فقط من أصل كلّ الكتاب، من 1200 أو 1500 صفحة. فمسألة صعوبة المُصطلح وهذا النوع من النصوص يُمكن لأيّة آلة أن تترجمه والآن البرمجيات الموجودة في السوق قادرة على أن تحلّ مكان الترجمة. أنا زرت في "لندن" الدكتور "عدنان والي عيدان" وهو يشتغِل منذ 30 سنة على هذا النوع من البرمجيات، وعندما قام بالتجربة أمامي، أدخل نصاً من الـ Guardians في البرنامج

زاهي وهبي: من الصحيفة

إنعام بيّوض: من الصحيفة ولم يكُن هناك شيء مُفبرَك، وكانت النتيجة نص صحيح بنسبة 70 في المئة

زاهي وهبي: 70 في المئة!

إنعام بيّوض: إذا كانت الآلة تُعطيكَ نصاً صحيحاً

زاهي وهبي: إذاً علينا ألاّ نخشى، ألاّ نهاب، ألاّ نتردَّد حتّى لو وقعت أخطاء

إنعام بيّوض: بالفعل، حتّى لو وقعت أخطاء هكذا تتطوّر الأمور. أنت انظر إلى كلّ التبعات وكلّ المُشتقّات التي يُمكن أن تحصل جرّاء عملية كهذه. سوف تكون هناك مُصطلحية جاهزة ومُبرمجَة، عندك مكانِز لغوية يُمكن أن تكون. يُمكن أن تختصر زمن التدريب، بدل أن تُدرِّب شخصاً لخمس سنوات تُدرِّبه على الـ 20 أو 30 في المئة الباقية

زاهي وهبي: كيف تجدين مسألة الرموز اليوم؟ الـ E-mogi والوجوه التي نستعملها في وسائِل التواصل في مكان جُملة كاملة أو مكان كلِمة؟ كيف تجدين هذا الأمر؟

إنعام بيّوض: هذا لا يُضير، كلّ ما يُضيف إلى التعبير فهو جميل إذا كان يُنقِص من التعبير فهذا غير جميل ولكن الآن الوقت هو لاختصار اللغات دائماً، وفي اللغات دائِماً المنحى الفطري هو الاختصار والاختزال

زاهي وهبي: هلّ توجد توقّعات؟ الخبراء يتوقّعون أنّه في خلال العشر سنوات المُقبلة حاجز اللغة سوف يسقُط نهائياً بين البشر. هلّ توافقين على هذه المقولة؟

إنعام بيّوض: لا أعتقد أنّ حاجر اللغة سوف يسقُط، هناك لغات سوف تُعمّم كالإنكليزية والماندارينية مثلاً وسوف يكون لها حظّ في الانتشار، ولكن أن يسقُط حاجز اللغة، أُقرّ بجهلي في هذه الأمور المستقبلية

زاهي وهبي: دعينا نستمِع لو سمحتِ إلى رأي مديرة المتحف الوطني للفنون الجميلة في "الجزائِر" السيّدة "دليلة أورفلي" وما تقوله عن حضرة جنابِك

 

كلام يوصل

دليلة أورفلي – مديرة المتحف الوطني للفنون الجميلة في الجزائِر: لدي الكثير من التقدير لـ "إنعام بيّوض" لأنني أعتبرها من كِبار اللغويين أولاً، وهي من الأساتذة القلائِل في "الجزائِر" التي تتكلّم ثلاث لغات بشكلٍ مُتقَن، العربية، الفرنسية، والإنكليزية. حصل أن عملتُ معها في مجال ترجمة الكتابات حول الأعمال الفنية وأيضاً حول علاقتها بالفنون عامّةً وهي شخصٌ لديها علاقة عاطفية تجاه الفنانين، خصوصاً النساء، في هذا المجال. لديها الكثير من الذوق والموهبة خاصّةً وأنها فنانة تشكيلية أيضاً. إذاً هي تعرِف عن كثَب عدداً منهنّ مثل " بيتينا عياش" و"داليا أبو هنطش" و "سهيلة بلبحّار"، وقد كتبت الكثير عن أعمالهنّ. إذاً في هذا الإطار تعرّفتُ على "إنعام بيّوض" وهو إطار ثقافي وفي الوقت عينه عاطفي. عاطفي لأنها إنسان مُفعَم بالأحاسيس. إذاً، عملنا على مشاريع فنية مُشتركة وكان لديها عمل جميل حول " القِيَم الإنسانية في النصّ القرآني" الذي عرضَته منذ عام تقريباً في المتحف الوطني للفنون الجميلة، وكتبنا سوياً حول فنّ الرسم المُعاصِر في "الجزائِر" وحول الكثير من الشخصيات الفاعِلة في المجال الفني الجزائِري، وهذا موضوع تعرِفه "إنعام بيّوض" جيداً وتنقُل عبره رؤيتها الخاصّة. "أنعام" متمكّنة بشكلٍ كامل من اللغة العربية، وهي شاعِرة كبيرة وتملك لغة عربية جميلة وأنا من المُعجبات بهذا الجانب لأنني مُعجبة بالأشخاص الذين يتوصلّون إلى التمكّن من اللغة بشكلٍ مُعمّق من دون أفكار مُسبقة أو حواجز من أيّ نوع. هذه هي الثقافة الحقيقية. "إنعام"، نحن طرحنا مراراً وأنتِ تتذكَّرين بالطبع، مشروعاً لكتابٍ جميل حول الطبخ في العصور الوُسطى العربية. وهذا المشروع أنتِ مُتحمِّسة له كما أعلم. إذاً، إلى متى هذا المشروع الجميل؟

زاهي وهبي: شهادة جميلة بحضرتكِ وسؤال أخذنا إلى مكانٍ آخر. على كلّ حال، المائِدة جزء من ثقافة في النهاية

إنعام بيّوض: أنا أُحبّ الطبخ كثيراً وأستمتِع بالطبخ، أستمتع بتلوّن المقادير وأراها

زاهي وهبي: في نفس الوقت شاهدنا بين يديها الكتاب الذي تحدّثنا عنه وهو "القِيَم الإنسانية في النصّ القرآني". المشروع الذي سألتكِ عنه وارِد؟

إنعام بيوض: والله وارِد ولكنه يحتاج إلى بحث. أن ندرس كيفية الطبخ في العصور الوُسطى يحتاج إلى وقت وتفرُّغ

زاهي وهبي: نعم. أشارت إلى اهتماماتك بخلاف مسألة العاطفة والإحساس، اهتمامكِ بالإبداع النسوي. عندكِ ميل نسوي إذا صح التعبير؟

إنعام بيّوض: أنا أيضاً من اولئِك الذين لا يؤمنون بأنّ هناك شيئاً نسوياً

زاهي وهبي: لست مع التمييز الجندري(Gender)  في الأدب والفنّ

إنعام بيّوض: هناك شيء إنساني

زاهي وهبي: نعم. حضرتكِ وسّعت البيكار قليلاً بمعنى روائية وشاعرة ورسَّامة أو فنانة تشكيلية وإدارية. ألا تخافين أن يُشتِّت هذا الأمر

إنعام بيّوض: لا، لكنّي لا آخذ هذه الأمور على محمل الجدّ

زاهي وهبي: على أيّ محمل؟

إنعام بيّوض: آخذها على محمل الهواية. أنا لا أقول عن نفسي بأنني روائية ولا أقول بأنني شاعِرة ولا أصف نفسي بأنني كاتبة ولا رسّامة. هذا نتركه للزمن، لكنّي أُحبّ المُتعة والانشراح والتماهي الذي أشعر به في كلّ لحظة أقوم بها بهذه الأعمال، حتّى مع اختلافها. لكنها كلّها تشترِك في شيء واحِد، أواني مُستطرقة يدخلُ بعضها البعض

زاهي وهبي: ما زال عندي سؤالان أو ثلاثة حول الترجمة، ولكن هلّ ممكن أن نسمع شيئاً من الِشعر قبلاً كيّ نُرطِّب حوارنا بقصيدة؟  من "رسائِل لم تصِل"؟

إنعام بيوض: "رسائِل لم تُرسَل" وهذا أول ديوان كتبته. هناك رسّامة أُحبها كثيراً وكانت صديقتي لمدة 20 سنة وتوفيت، وهي من أكبر الفنانات ولوحاتها موجودة في القواميس مثل "لاروس" و"بانتير" ولوحاتها الآن أخذت قيمة كبيرة، واسمها "بايا"  

زاهي وهبي: ما جنسيتها؟

إنعام بيّوض: جزائرية، وهي من الفنانات اللواتي التقين "بيكاسو" وعمِلَت معه في "سانبو ديرانس" وكتب عنها " ألبير كامو" وكتب عنها " أندريه بروتون". كان لها دور كبير في الفنّ. فنّ فطري طفولي فيه الطفولة العاطفية. فهذه كتَبَتُها بعد أن توفّت وأقمنا لها حفل تأبين

زاهي وهبي: تفضّلي

إنعام بيّوض:

"بايا" كلَّ أصيلٍ تجلِس في صمتٍ

تتراءى بين رموش عين "مهى"  

أسرار الكون المُبهَمة وخبايا الأشياء

وتعود الذاكرة ُ وراءً ووراء

لا شيء سوى نورٌ يتلألأ

وكيانُ يتوضّأ فيه رحيق الأنداء

كلّ أصيبٍ ترسِمُ في صمتٍ، أحلام عصافير الجنة   

ترويها بين أناملها قصصاً تلثم أحلام الغُرباء

كلّ أصيلٍ تجبلُ في صمتٍ

صلصال التكوين الأول لأساطير طفولتها

وتُلملم بين رؤوس أصابعها

أحقاد البشرية الجمعاء

يا عالم "بايا"، كلّ طريقٍ منسياً يُصبِحُ غاية

"بايا"، قلبٌ يخفِقُ أبداً في جسمٍ بلّوريٍّ لا يعكس

إلاّ أطيافاً تجعلنا أفضل مما نحن عليه

وأجمل مما كنّا وأشدُّ صفاءً

زاهي وهبي: شكراً على القراءة وتحية لروح صديقتكِ الرسّامة. عندكِ ميل روحي، عندكِ صلة ما بالتصوّف مثلاً؟ بالفنّ الصوفي؟ بالشعر الصوفي؟ بالفِكر الصوفي؟

إنعام بيّوض: أعتقد أنّ التصوُّف هو حال نطمح لأن نصلها جميعاً. أن نصل إلى حال ذلك الذوبان مع الذات الإلهية، فكيف لا؟ هو مُحاولة وأنا أُحبّ أشعار "ابن عربي" وأقرأ له كثيراً. بدأت رحلتي مع "جبران"، "جبران خليل جبران" كان هو المدخل والبوابة، المدخل الذي يجعلُكَ تقترِبُ أكثر من إنسانيتك

زاهي وهبي: حلو كثيراً

إنعام بيّوض: هذا هو "جبران" الذي يُقرِّبنا من الأشياء ويقولها بعباراتٍ بسيطة، وعندما قرأتُ "جبران" قرأتُ أولاً ترجمة "يوسف الخال"، وكنتُ أظنّ أنّه كتابٌ غيرُ مُترجم. في ما بعد، اهتمامي بهذا الكتاب جعلني أقوم بدراسة حول "جبران خليل جبران" وترجمات "جبران خليل جبران" لـ "ثروت عُكاشة" و"يوسف الخال" و"ميخائيل نُعيمة" وأيضاً " أنطونيوس بشير"

زاهي وهبي: اليوم، مَن شُعرائكِ؟

إنعام بيّوض: شاعري المُفضّل هو "فرناندو بريسو"

زاهي وهبي: لماذا؟

إنعام بيّوض: أعتبره قمة الشِعر، قمة الوصول إلى ذلك البلّور الموجود فينا والموجود في مكانٍ ما بشُحار. هذا هو "فيرناندو بريسو"، يستطيع أن يُعبِّر عن أشياء تهزّني. هذا هو الشاعِر الجميل، الشاعر الذي يُحرِكُ فيك شيئاً ويهُزّكَ من الداخل

زاهي وهبي: تتحدّثين عن أحد كبار المُبدعين في العالم. بما أننا نتحدّث عن الأدب، وتحدّثنا قبل قليل عن الترجمة، هلّ يوجد عند العرب، وأتحدّث رسمياً بما أنّ حضرتكِ في مؤسسة تابعة لـ "جامعة الدول العربية"، هلّ فهم ما الذي نُريد أن نُترجمه، الأولوية لماذا؟ هلّ نحتاج إلى ترجمة أدب، ترجمة فلسفة، ترجمة علوم، ماذا نحتاج لكي نُترجِم من العالم؟

إنعام بيّوض: هذه أسئِلة طُرِحت في ملتقيات ومؤتمرات عدّة، ماذا نُترجِم ولمن نُترجِم وما هي الأولويات. أنا أعتقد أنّ الأولويات تطرح نفسها لأنّ الترجمة هي حاجة. إذا كنت بحاجة إلى العِلم ستُترجِم. إذا لم تكن بحاجة ومُكتفٍ وتعيشُ في رغدٍ أدبيّ فأنت لست بحاجة إلى هذا ونَم قرير العين. إذاً، إذا لم تستيقظ فينا هذه الرغبة وذلك الجشع والجوع والنهم للمعرِفة وللعِلم ولأنّ نكون شيئاً في هذا العالم وأن نُحدث نوعاً من الفرق، إذاً إذا لم نستيقظ فالترجمة لن تُفيد، يجب أن نبدأ. الترجمة حاجة، مثلما يقولون الترجمة مشكلة مُصطلحات.  يا عمّي ليست مُشكلة مُصطلحات، المُصطلح يخلِقه العمل وتخلقه الحاجة

زاهي وهبي: ماذا يمنع أن نخترِع مُصطلحاً؟

إنعام بيوض: ولماذا حتّى نقترِض مُصطلحات. الآن لسنا في وضعٍ لنتدلّل فيه، الآن نحن في وضعٍ فعلاً، عندما أُفكِّر أقول، ماذا دهى العرب، ما الذي دهاهم؟ كيف لا يستطيعون أن يُقدّروا

زاهي وهبي: الوسائِل الحديثة أو الوسائِط تفرِض مُصطلحاتها. اليوم نحن نقول كلمة Re-Tweet مثلاً بـ "تويتر" وصارت بالعربي

إنعام بيّوض: حسناً، اللغة العربية قد أُدخِلَ فيها الكثير والكثير من الاقتراضات والقرآن الكريم مليء بالاقتراضات، إذاً ما الضير بأن نقترِض؟ لماذا نجعلُ هذا عقدة؟ الفِكرة هي عدم الإيمان بإمكانية هذه اللغة على أن تستوعب ولكن هذا ناتج عن قصور. عن جهلٍ بهذه اللغة لأنّ المُنادين بهذا الأمر هم أولاً غالِباً ما يعرِفون تلطيشاتٍ بلغاتٍ أجنبية ولا يفهمون شيئاً من اللغة العربية. كلّ اللغات هي وعاء، اللغة هي وعاء وأنت تُحملها ما تشاء وفيها آليات. وهذه اللغة عاشت عشرين قرناً وبقيت على قيد الحياة، ومع هذا الشعب لا يُعيرها اهتماماً وبقيت حيّة. إذاً هذه فيها إمكانيات، فيها إمكانيات التطوّر، ويجب أن ننظُر في الحاجة وماذا نُترجِم. الترجمة يجب أن تدخل في مُخطّطات التنمية العربية. لا نقول أنها مهمة وزارة الثقافة مثلاً، هي مهمة وزارة التعليم العالي، مهمة وزارة التربية، مهمة وزارة النقل، مهمة وزارة المرأة

زاهي وهبي: مهمة الجميع

إنعام بيّوض: مهمة الجميع. في كلّ مؤسسة يجب أن يكون هناك قسم للترجمة ليُترجِم ما تحتاج إليه

زاهي وهبي: سأُتابع مع حضرتك، وإذا تسمحين لنا سنتوقّف مع استراحة سريعة ثمّ نُتابِع "بيت القصيد"

 

المحور الثالث:

زاهي وهبي: سيّدتي، قبل أن نستمِع إلى شهادة أُخرى بتجربة حضرتكِ، سؤال حول ما نسمعه من ترجمة فورية في وسائِل الإعلام. عندما يكون هناك مؤتمر صحافي لرئيس دولة كُبرى أو جلسات لمجلِس الأمن الدولي إلى آخره، هذه الترجمة الفورية حضرتكِ أعتقد أيضاً عندكِ خبرة فيها. ما نسمعه أحياناً هلّ فيه الكثير من الإرباك؟ هذا النوع من الترجمة، وما هو رأيكِ بما يصِلنا منه؟

إنعام بيّوض: هي بالفعل ليست مهنة سهلة لأنها تتطلّب أولاً استعداداً فطرياً ربما وحتّى تمريناً مستمراً وتتطلّبُ تمكّناً تاماً من ناحية لغتين على الأقل إن لم نقل ثلاث لغات، لأنك أحياناً تُترجِم لغةَ وصلٍ أُخرى

زاهي وهبي: صحيح

إنعام بيّوض: فهذه تتطلّبُ استنفاراً لكلّ الحواس، استنفاراً لمدة نصف ساعة أو 45 دقيقة ولكن أحياناً حسب طول المدة التي تقوم بها

زاهي وهبي: في المؤتمرات أيضاً جلسات طويلة تكون

إنعام بيّوض: جلسات طويلة ولكن تقسيم العمل مهنة صعبة وبعد 45 دقيقة لا تستطيع أن تُفرِّق بين الألف والعصا، فمن المفروض ألاّ تتجاوز مدة وجودك في المقصورة أو في الحُجرة نصف ساعة أو أن يعمل كلّ شخص لمدة نصف ساعة، ولكنه عملٌ مُثير جداً

زاهي وهبي: بعد نصف ساعة يكون قد استهلك ربما طاقته

إنعام بيّوض: نعم، يكون قد تعِب، فهناك دائِماً في كلّ حجرة ومقصورة اثنان ويأخذ عنك زميلك أو زميلتك

زاهي وهبي: اسمحي لنا أن نستمع أيضاً إلى شهادة في تجربتك مثلما قلنا، هذه المرةّ من الكاتب والباحث والخبير في الإعلام والترجمة الدولية الأُستاذ "محمّد الخولي" من "مصر"

 

 

كلام يوصل

محمّد الخولي – باحث ومُترجِم: الدكتورة إنعام بيّوض" يعتزّ الإنسان كثيراً بأنه عرفها لأنّها شخصية ذات أبعادٍ ثرية، والثراء هنا هو الثراء الفِكري والثراء المعرِفي وليس الثراء طبعاً المادّي، لكنها الحقيقة. هذا التعدّد جعل منها أكاديمية بارِزة في الجامعات الجزائِرية الشقيقة، وهي أيضاً روائية مُبدِعة ولها عدد من الأعمال الأدبية التي لها قيمة في عامود الثقافة العربية المُعاصرة. ثالثاً هي إدارية للحقيقة مُقتدِرة وأنا لمستُ ذلك عندما تعاملتُ معها وهي عميدة المعهد العربي العالي للترجمة، وهذا المعهد للحقيقة مؤسسة ثقافية يعتزّ الإنسان كثيراً بأنه عمِل فيها ويعتزّ أيضاً بأنها من مؤسسات الجامعة العربية لأنّ الجامعة العربية في ميدان السياسة لديها مشاكِل كثيرة، إنما الشيء الوحيد الذي يبقى كثيراً على الزمن هو الصرح الثقافي الذي تُنشئه الجامعة ويمتدّ، خصوصاً أنّ المعهد تجربة قومية، وأنا كإنسان قومي عروبي دائِماً كنتُ أعتزّ عبر السنوات العشر التي عمِلتُ فيها في المعهد أُستاذاً للترجمة الدولية لأن الطلبة والطالبات من كلّ البلاد العربية. الدكتورة "إنعام" للحقيقة عندما يتعامل الإنسان معها يشعُر بهذا البُعد القومي، فأنا أعرِفُ أنها من أمٍّ سورية ومن أبٍ جزائري، فهي أيضاً تعبير حيّ ورائِع وأيضاً دينامي على العلاقة بين المشرِق والمغرِب العربي، وأيضاً لديها طموحات كثيرة لكي يتطوّر المعهد ويُصبِح بحقّ مؤسسة ثقافية تستطيع أن تُقدِّم إلى الأُفق العربي ثمرة التعليم الذي كنا نمارسه، من الطلاب والطلبة من المشرِق والمغرِب كما قلت، لكي يضيفوا إلى الثقافة العربية إبداعاتٍ جديدة ومُساهماتٍ جديدة لعلّها تصل بنا إلى مرحلةٍ جديدة في المُستقبل إن شاء الله. أُريد أن أسأل الصديقة العزيزة الدكتورة "أنعام بيّوض"، بالنسبة إلى خرّيجي وخرّيجات معهد الترجمة العالي في "الجزائر"، هلّ هناك خطة أو تصوُّر أو رؤية مُعيّنة لكي نُتابِع مصائِر خريجي المعهد وخرّيجاته؟ خصوصاً الذين استطاعوا أن يحصلوا على مواقِع في الإعلام أو الترجمة أو العمل السياسي او السِلك الخارجي؟

زاهي وهبي: جزيل الشُكر للأُستاذ "الخولي"، تفضّلي

إنعام بيّوض: للإجابة على السؤال؟

زاهي وهبي: طبعاً

إنعام بيّوض: طبعاً لنا علاقة وتبقى علاقتنا وطيدة مع الطلبة ونُتابع مسارهم المِهني أينما ذهبوا، لكننا لم نُكوِّن بعد جمعية خريجين، وأنا أنصحهم دائِماً بأن يُكوّنوا جمعية لخرّيجي المعهد لأنّها سوف تكون نواةً ربما لمجموعة أو شبكة من المُترجمين الذين يُمكن أن يتعاونوا وأن يدفعوا بحركة الترجمة

زاهي وهبي: معهد عالٍ عربي للترجمة في "الجزائِر"، أوّل ما يخطُر على البال ما خاضته "الجزائِر" من أجل التعريب ومن أجل اللغة العربية ومن أجل التخلّص من الفرنسة ومن اللغة الفرنسية التي يُسميها "كاتب ياسين" غنيمة حرب. هذه الغنيمة كانت غنيمة إيجابية أم غنيمة سلبية في رأيك؟

إنعام بيّوض: الغنيمة دائِماً إيجابية، ونقول عندما نغنم لغة أنها غنيمة إيجابية ولا يُمكن أن تكون سيّئة فلماذا تكون سلبية؟ المفروض أن أطمح في أن تكون كلّ الشعوب العربية بلابل في اللغات، ليس في لغة واحدة ولكن أن تكتسب لغات عدّة.

زاهي وهبي: في المقابل هلّ نجحت "الجزائِر" في مشروع التعريب؟

إنعام بيّوض: مشروع التعريب صحيح أنه تعثّر ومرّ بمراحل كثيرة

زاهي وهبي: واجهته عقبات كثيرة

إنعام بيّوض: واجهته عقبات وواجهته أيضاً مشاكِل حتّى في التعليم، في نوعية التعليم، ولكنه أتى أُكله في نهاية المطاف لأن القليل من الشباب حالياً تجدهم يتقنون اللغة الفرنسية وهذا ربما كان من بين الأخطاء التي مورِست أثناء تعليمهم

زاهي وهبي: كان المطلوب التعريب ولكن ليس على حساب عدم إتقان لغات أُخرى

إنعام بيّوض: فعلاً، التعريب لا يعني أن تُلغي الآخر أن تُلغي اللغات الأُخرى، وإذا كان هناك مكسب فيجب أن نُدعّمه وأن نُحافِظ عليه وأن نُنمّي ونعزّز التعليم لكن ليس بالعداء. لكننا كنا خارجين من وضعٍ، من حرب، وهناك نوع من، ليس المُعاناة، من الخوف على اللغة العربية. كان هناك خوف لأننا نُعامل اللغة وكأنها سَبيّة، أخذت منّا ونخاف عليها

زاهي وهبي: هلّ صحيح أنّ عند ما يُسمّى اللوبي الفرانكفوني في "الجزائِر" خوف من اللغة العربية باعتبارها لغة قداسة ودين ولغة أُصول

إنعام بيّوض: هناك بعض المتخوّفين، صحيح، صحيح. الخوف موجود من اللوبي الفرانكفوني ولكن هذا قِصر نظر. بدل أن تخاف يجب أن تستحوِذ على الشيء. أن تجهل به وتخاف منه هذا ليس ذكاءً. الاستحواذ على الشيء والتمكّن منه، ثمّ التعامل معه بطريقة إيجابية. اللغات يُمكِن أن تتعايش، اللغة ليست عدوّةً لأُختها، اللغة على العكس، توسِّع من المَدارِك وتجعلنا ربما أكثر قرباً من العلم وتخلق حركة ترجمة قوية من الطرفين

زاهي وهبي: ترجمتِ حضرتكِ، غير أنّكِ تكتبين الأدب والرواية والشِعر أيضاً، ترجمتِ لروائيين، ترجمتِ لـ "رشيد بو جدرا" وأيضاً لـ "ياسين خضرا". اختياراتِك، حين تختارين عملاً لكي يُترجَم بناء على عامل مهني فقط تُكلّفين من دار نشر أو من جهة ما أم لا، هناك شغفٌ ما بالعمل نفسه؟

إنعام بيوض: طبعاً، هناك تكليف لأنّ الترجمة عملٌ مضنٍ، ولا تستطيع أن تأخذ كتاباً لأنّه أعجبك ثم تترجمه وتعرضه على دور النشر، هذا أمرٌ صعب طبعاً. ولكن هناك نوعٌ من التعاطف ونوع من التواطؤ بينك وبين المؤلّف، مثلاً "رشيد أبو جدرا" أنا أُحبّه وأعتبره كاتباً كبيراً، كاتباً عالمياً

زاهي وهبي: كان لنا الشرف أن استضفناه في "بيت القصيد"

إنعام بيّوض: كان لي شرف أن أكتُب، أن أُترجِم أوّل ديوانٍ له إلى اللغة العربية في بداية حياتي المهنية كمُترجِمة، ووثق بي وأعطاني ورمى نفسه في البحر كما يقولون

زاهي وهبي: رغم أنه لا يثق بسهولة بالآخرين

إنعام بيّوض: لا يثق ولكنها فعلاً كانت تجربة جيّدة خاصة عندما تكون تعرِف الكاتب أو الشاعر، فهو يُعطيك فكرة عن

زاهي وهبي: طبعاً، حتّى تتمكّنين من مُراجعته وسؤاله. "ياسين خضرا" انتقد مترجمين جزائريين وحضرتكِ منهم

إنعام بيّوض: لستُ أدري، مع أنه عندما رآني قال بأنها رائِعة

زاهي وهبي: أية رواية التي ترجمتها له حضرتكِ؟

إنعام بيّوض: ترجمت له رواية " الكاتب"

زاهي وهبي: "الكاتب"

إنعام بيّوض: طبعاً هناك أشياء يقولون فيها إعلامياً شيئاً ويقولون أشياء أُخرى، وطبعاً الجمهور والقارئ هو الذي سيحكُم. إذا كانت لغته بهذه المتانة فلماذا لا يُترجِم لنفسه؟ وكفى المؤمنون شرّ القتال

زاهي وهبي: مَن مِن كتّاب "الجزائِر، سواء الروائيين أو الشُعراء أقرب إلى نفسِك؟ أي هناك التواطؤ الذي كنا نتحدّث عنه قبل قليل عندما تحملين كتابه وتشعرين أنّ هناك صلة ما بينكِ وبينه

إنعام بيّوض: هناك كُتّاب، مثلاً "واسيني الأعرَج" أُحبّ كتاباته. هناك "عمر لخّوص" أيضاً وهو شاعِر وروائي جميل ويعيش في "إيطاليا" أيضاً، كتاباته جميلة وتُعجبني. هناك " أحلام مستغانمي" كتاباتها جميلة وكانت زميلتي في المدرسة، كنّا في الثانوية معاً وهي أصبحت كاتبة كبيرة

زاهي وهبي: قرأتِ لـ "كمال داوود" "مُعارضة الغريب" لـ "كامو"

إنعام بيّوض: بدأتُها ولم أُنهها بعد، ولكن الفِكرة رائِعة، الفِكرة جميلة جداً، أن تتكلمّ من منظورٍ، ولكن السؤال

زاهي وهبي: السؤال هلّ قرأتِها أو رأيكِ بها لأنها أثارت نوعاً من الجدل وأعادت تسليط الأضواء على "كامو"

إنعام بيّوض: الفكرة كانت رائِعة وبدايتها كانت شيِّقة جداً، كان في ودّي أن أستكملها ولكن الوقت كان يخونني

زاهي وهبي: في العودة إلى روايتك "السمك لا يُبالي"، لماذا " السمك لا يُبالي"؟

إنعام بيّوض: السمك، أنا أُحبّ السمك جداً على فكرة، أُحبه أكلاً وأُحبه شكلاً وأُحبه بحراً وأُحبه أسراباً، وبيتي مليء بالأسماك ولوحات السمك وكلّ ما يتعلّق بالأسماك  

زاهي وهبي: أنا أُسمها أسماك الله الحُسنى، صنيع ربنا الجميل لأنّك حين ترين ألوانهم وأشكالهم، عالم

إنعام بيّوض: وأُحبّ ذاكرة السمك أيضاً، ذاكرة ضعيفة جداً. ربما أكثر الحيوانات التي نجهلها هي السمك، لا نعرِف الكثير عنها. وكلّما بحثتُ في الأشياء وكيف تعيش وما تُفكر

زاهي وهبي: هلّ يشبه السمك لا مبالاتنا؟ خصوصاً نحن العرب. نترك مصائِرنا للقوى الكُبرى

إنعام بيّوض: أعتقد أننا تجاوزنا السمك في لا مبالاتنا، السمك لديه نوعٌ من الحرص على البقاء. نحن فقدنا هذا الحرص على البقاء في كلّ شيء، في الثقافة، في اللغة، في الحياة، في الكرامة

زاهي وهبي: ذكرنا في بداية الحوار سيّدتي أنّ هناك هذا الانحياز للحرية وللتسامح وللحوار ورفض العُنف إلى آخره. هلّ يحتمِل العمل الأدبي كلّ هذه الأعباء؟ هناك بعض النقّاد وحضرتكِ أكيد تعلمين أكثر منّي، يعتبرون أنّ الفنّ للفنّ، أو ليكن في الأدب الهمّ الأساسي هو جمال وفنيّة العمل الأدبي

إنعام بيّوض: بالنسبة لي، عندما تكون هذه الأُمور مُقحمة في العمل الأدبي فأنت على حقّ في أنها لا تحتمِل. ولكن عندما تكون نتيجة تجربة وانفعال حقيقي وصادق وليس تعبيراً هكذا لمُداهنة ولمُسايرة وضعٍ ما، مثلاً كالكتابة لجمهور مُعيّن يعجبه الكثير من الكُتّاب الآن، خاصةً عندنا في المغرِب العربي يكتبون لجمهور فرنسي حتّى تنشُر لهم دور النشر ويصعدون، ويكتبون أشياء تتعلّق بالمرأة المقهورة وكل ذلك، فهذا له سوق هناك. إذاً عندما يكون الأمر مقحوماً هكذا فأنا أوافقك، شيء لا يحتمل. ولكن أنت ترى وتقرأ الكثير من هذه الأمور ولكنه ليس ثقيلاً بل على العكس، بكلّ ذكاء

زاهي وهبي: قبل أن أتوقّف مع استراحة أخيرة، منذ أسابيع قليلة كان الشاعر اللبناني المعروف الأُستاذ "عباس بيضون" ضيفنا وقال لي جملة استوقفتني، لأنه يكتُب مثل حضرتك الشعر والرواية، مفادها أنه لا يستطيع أن يكتُب في كلّ يوم قصيدة ولكن في كلّ يوم يُمكنه أن يكتُب رواية الإنسان، هلّ توافقين على هذه المقولة؟

إنعام بيّوض: أوافقه تماماً. حتّى في الرواية أنت بحاجة لأن تكون في يومٍ مُعيَّن. أنا أحلم بأن أجد الوقت الكافي لكي أُكمل كلّ الورشات الموجودة، هناك أشياء كثيرة تعتمر

زاهي وهبي: ما شاء الله، الملفّات غير المطبوعة كثيرة والتي بين يديكِ. سنتحدّث عن مشاريعكِ المُقبلة ولكن بعد أن نتوقّف قليلاً ثمّ نُتابِع "بيت القصيد"

 

 

المحور الرابع:                                       

زاهي وهبي: دكتورة "إنعام بيّوض" ربما سألنا قليلاً عن الرواية وسألنا قليلاً عن الشِعر وعن الترجمة لكن لم أسأل عن مسألة الرسم، الألوان وتشكيل الألوان وصوغ الألوان، ما الذي تضيفه إليكِ إلى جانب الكلمات واللغة وهذه الأمور؟

إنعام بيّوض: الرسمُ كان شيئاً أساسياً في حياتي وكنتُ أظنُّ بأنّي لن أكون إلاّ رسامة. فعندما حصلت على شهادة البكالوريا وكانت شهادة علمية، الكلّ في العائلة ضغطوا بأنني يجب أن أدخل الفنون الجميلة لأنها مهنة من لا مهنة له ومهنة الصُيَّع والصعاليك، فبدأتُ دراسة الهندسة المعمارية لمدة سنتين ثمّ رجِعتُ إلى الفنون الجميلة وأكملتُ في الفنون الجميلة وبعدها دخلتُ في الترجمة

زاهي وهبي: تعاونتِ حضرتكِ مع الفنان اللبناني الكبير "عبد الحليم كركلا" وفرقة "كركلاّ" في عملين استعراضيين في "الجزائِر". طبيعة هذا التعاون ماذا كانت؟   

إنعام بيّوض: فعلاً كانت فُرصةً رائِعة أن تعرّفت

زاهي وهبي: نتحدَّث عن تشكيل مسرح "كركلاّ" وهو مسرح بصريّ

إنعام بيّوض: أُستاذ "عبد الحليم كركلا" عالمٌ من الجمال والنقاء والفنّ. عندما دخلتُ معه كانت صدفة، وكانت الوزيرة قد اقترحت اسمي آنذاك لكي أكون مستشارةً أدبية بالنسبة إلى العمل الذي كان يقوم به في "الجزائِر" آنذاك وهو عمل استعراضي كبير، ولكن تعلم أن الفترة التي اشتغلنا فيها، فترة ستة أشهُر تقريباً، كانت مثل الفترة التي اكتشفتُ فيها "جبران خليل جبران". نفس الإنسان، نفس السموّ نفس ذلك الفنان الذي يرى الجمال أبجديّة، أبجدية تطير. رائِع فعلاً. كانت فترة رائِعة جداً مع "كركلا" وأذكر أنّ أُختي كانت تعيش في "لندن" في ذلك الوقت، في فترة من الفترات، قبل أن أتعرّف على "كركلا"، وكانت قد قالت لي بأنّها شاهدت حفلاً لـ "كركلا" هناك وكانت قد ذهبت وهي تنتظرُ مُفاجئة سيّئة، ولكن عندما رأت العرض ورأت انبهار الجمهور الغربي واللندني بهذا العمل قالت لي، " لم يكن هناك ولا حتّى خطأ بسيط". الجميع كانوا ينتظرونهم على الدعسة كما يقولون، ولم يكن هناك أيّ خطأ. ما زلت أذكر، قالت لي "شعرتُ بالفخر بأنّي عربية في تلك اللحظة"

زاهي وهبي: جميل

إنعام بيّوض: وعندما ترى عمل "كركلا" وعندما تعيش مع هذا الإنسان الرائِع الراقي فعلاً تشعُر بالفخر بأنك عربي وبأنك تنتمي لنفس هذه

زاهي وهبي: مؤخراً قدّمَ في مهرجانات "بعلبك" عملاً بعنوان "طريق الحرير"، عملٌ ضخم، عملٌ عالمي ومعه فِرق من كلّ أنحاء العالم تقريباً، عملٌ مُبهر وأتمنّى أن تسنح لك فرصة رؤيته. قبل أن نتحدّث عن الكتابة للأطفال وعن حبّك لهذا النوع من الكتابة، المُخرِج المصري الأُستاذ "محمّد علي"، يفتح لنا الباب على هذا الموضوع من خلال شهادته بحضرة جنابِك

كلام يوصل

محمّد علي – مخرِج سينمائي: تعرّفت على الأُستاذة "إنعام" في عام 2007 أثناء انعقاد الدورة الأولى لمهرجان "وهران" السينمائي، وكانت هي عضو في لجنة التحكيم، وكان لي فيلم في المُسابقة. ابتدأت العلاقة منذ تلك اللحظة واستمرّت حتّى وقتنا الحالي. دكتورة "إنعام" من الناس المُهتمة جداً ومهمومة بفكرة نقل الثقافات وفتح مجالات أكبر للمعرِفة في العالم العربي عن طريق مركز الترجمة الموجود في "الجزائِر"، وأنا أتصوّر بأنها حتّى هذه اللحظة راضية عن كمّ الإنجاز الموجود في ما يخُصّ الترجمة وخصوصاً ما يخصّ الطفل. في رواية "السمك لا يُبالي" هي رواية ضدّ العُنف وضدّ الإرهاب ورواية تدعو إلى الحرية وإلى التسامُح، وتتميز بلغة رشيقة جداً باعتبار أنها شاعِرة وفنانة تشكيلية وأديبة، فكلّ هذه الأشياء صبّت في هذا العمل. لو أسأل الأُستاذة "إنعام" سؤالاً سأسألها، ما هو العمل الذي تودّين أن تتم ترجمته إلى العربية؟ خصوصاً ما يخصّ الأطفال

زاهي وهبي: ألف شكر للمُخرِج الأُستاذ "محمّد علي"، تفضّلي، الإجابة عند حضرتك

إنعام بيّوض: والله ليس هناك عمل واحد بل أعمال أودّ أن تُترجم للأطفال. وعلى كلّ حال، نحن أطلقنا في المعهد مشروعاً مع المكتب القومي لـ "اليونيسكو" في "القاهرة" وهو مشروع لعشر سنوات، لغاية عام 2030 وهو مشروع ترجمة للأطفال، وقُبِل المشروع وسوف نقوم به بالتعاون مع كل الخبرات الموجودة في العالم العربي بالنسبة إلى الترجمة. الطفل في حاجة لأن نبدأ

زاهي وهبي: تواجِهنا، وأنا أتحدّث عن أطفالي، تواجهنا مُشكلة بأنّ الأعمال التي باللغة العربية، الجذّابة والمُمتعة والمُدهشة قليلة جداً

إنعام بيّوض: ولهذا السبب يعزِف الأطفال، بمجرّد تعليمهم لغة أجنبية

زاهي وهبي: وتقليدية جداً

إنعام بيّوض: هل يقرأ الطفل "العقّاد" أو يقرأ "المنفلوطي"؟ ماذا يقرأ الطفل العربي الآن؟ لا بدّ من التفكير في مشروعٍ حقيقيّ. هناك مشروع آخر، كنتُ أنا أحلم بمشاريع دائِماً، مشروع آخر وهو مشروع أن نُلزِم، ليس نُلزِم ولكن أن نُحبِّب الكُتّاب والمؤلّفين العرب في أن يكتبوا للطفل. المُجتمع العربي بعد 50 سنة كيف سيكون؟

زاهي وهبي: لكن أن يفهموا الطفل ويكتبون له بطريقة تجذب اهتمامه

إنعام بيّوض: الكاتب عندما يكتُب للطفل، بضرورة الحال سيُخاطِب الطفل الموجود في نفسه

زاهي وهبي: لماذا لا تبدئين إذاً حضرتكِ؟

إنعام بيّوض: أنا كتبت وبدأت طبعاً، وأنا أكتب. لا ندعو إلأى الصلاة ونحن نهجرها. الآن ربما بمُجرّد أن أنتهي من المشاريع المتوقفة الآن في الكتابة سوف أُكرِّس كلّ وقتي للكتابة للأطفال

زاهي وهبي: أنا لا أريد أن أتحدّث كلام كليشيهات لكن الاستثمار في المُستقبل هو في الأطفال

إنعام بيّوض: مثلاً مشروع كهذا، أن يكتُب أديب عربي، لنقل، لستُ أدري، أيّ أديب، على التحديد "واسيني الأعرج" أو "أحلام مستغانمي" وأنا أتحدّث

زاهي وهبي: على رأسنا وعيننا، اثنان من كِبار الكُتّاب العرب، نعم

إنعام بيّوض: أن يكتُب قصّة من أربع صفحات ويهديها لطفلة، ونطلب من فنانٍ عربي أن يأخذ هذه القصة ويرسُم لها رسوماً من فنانٍ كبير، والاثنان يهديان هذا العمل إلى الطفل العربي. بالتأكيد سنجد من المانحين مَن يعمل في مسائِل الطباعة وهي مسألة خفيفة. هذا المشروع هو إشراك المُثقف العربي في صنع مُستقبل الطفل العربي

زاهي وهبي: وهذا ينطبق، ليس فقط على الكتابة، على السينما، على الرسوم المتحرّكة، على كلّ شيء، على الأغاني

إنعام بيّوض: يجب أن نجعله نُصب أعيننا، نضعه نُصب أعيننا لأنّ مُستقبلنا هو هذا الطفل الذي عمره خمس سنوات الآن وبعد 15 سنة سيكون عمره 20 سنة

زاهي وهبي: حسناً، من الأطفال إلى البالغين أو الكهول مثل حضرة جنابي، من مشاريعكِ المؤجلّة حسبما قرأت، رواية عن خالتكِ الجزائرية الداغستانية التي تزوّجت فلسطينياً. أين أصبحت هذه الرواية؟

إنعام بيّوض: هو مشروع بحاجة إلى توثيق كبير. لأنها كانت تزوّجت فلسطينياً وعاشت في بلدة اسمها "طنطورة". وهذه البلدة شهِدت معارِك كثيرة وكان فيها أحداث

زاهي وهبي: وشهِدت نكبة عام 1948

إنعام بيّوض: نكبة عام 1948 والعودة أيضاً

زاهي وهبي: ما الذي أتى بـ "داغستنانية" آنذاك إلى "فلسطين"؟

إنعام بيّوض: ربما هذا هو الشيء الذي كان

زاهي وهبي: حبكة الرواية

إنعام بيّوض: حبكة الرواية. كيف تنظر هذه الغريبة، الغريبة عن هذا المُجتمع، إلى هذا المُجتمع وكيف تأقلمت! لأنها عندما رجعت خالتي نسيت لهجتها وكانت تتكلّم اللهجة الفلسطينية، وكيف تناست وأصبحت فلسطينية محضة وكيف عايشت هذه الأمور. هذا ما كان يشغلني، وحتّى الألم الذي عانوه

زاهي وهبي: من السهل الوقوع في حبّ "فلسطين" لكن من الصعب الخروج من هذا الحبّ رغم أنّ للأسف مُعظم العرب الرسمي، ودائماً نقول العرب الرسميين، خرجوا. مضى زمنٌ كانت "فلسطين" درّة تاج الثقافة العربية. في رأيكِ اليوم الكتابة عن "فلسطين" أو عن موضوع له صلة بـ "فلسطين" تجد الصدى المطلوب؟

إنعام بيّوض: هذا حسب نوع الكتابة، كتابة أي شيء. اكتُب شيئاً رديئاً عن "فلسطين" ولن تجد من يقرأ، لكن الكتابة الجيدة عن "فلسطين"، "درويش" إلى حدّ الآن سوف يُقرأ، بعد مئات السنين سوف يُقرأ "درويش" وسوف يُحدّثنا عن القضية. إذاً يجب أن نكتُب بصدق عن القضايا. الصدق ربما، حتّى لو كانت الكتابة أحياناً رديئة، ولكن الصدق يشُدنا. الصدق يُعطينا إحساساً بإنسانيتنا

زاهي وهبي: نشعر أحياناً بأنه يُراد لنا أن نكتُب ما، ليس يُملى بمعنى، مثلاً مسألة الترجمة، اعذريني أرجع دائِماً إلى الترجمة إمامك. الغرب اليوم لا يُترجِم من الكُتّاب والأُدباء العرب إلاّ من يكتُب على هوى هذا الغرب. الغرب بمعنى

إنعام بيّوض: لا يُترجِم ولا ينشُر إلاّ من يكتُب في هذا الإطار. هو يريد أن يسمع ما يريد أن يسمعه، ونحن من الغباء بحيثُ لا نستطيع أن نُسمِع ما نريد أن نُسمِع. الخطأ ليس في الغرب، الغرب حرّ في أن يسمع ما يشاء ولمن الخطأ فينا نحن الذين لم نجِد إلى حدّ الآن وسيلة لأن نُعرِف بأنفُسنا سوى وسيلة العنف، وبالتالي تتكاثر وتتضخّم هذه الصُوَر وتُصبِح لصقةً أزلية ملصوقةً بنا

زاهي وهبي: كالوشم

إنعام بيّوض: كالوشم نعم

زاهي وهبي: أيضاً، من مشاريعكِ المؤجّلة، ماذا عندكِ؟

إنعام بيّوض: هناك رواية سوف أنتهي منها ربما قريباً في أوّل فُرصة وهناك ديوانا شعر أحدهما بالفرنسية والآخر بالعربية

زاهي وهبي: لماذا أنت مُقلّة في الإصدار؟ أصدرتِ حتّى الآن "السمك لا يُبالي" و"رسائل لم تُرسل"

إنعام بيّوض: وأصدرت كتباً في الترجمة الأدبية، "مشاكل وحلول" أيضاً وهو كتاب أكاديمي

زاهي وهبي: ثلاثة إصدارات!

إنعام بيّوض: كما قلت لك، أنا لا آخذ نفسي على محمل الجدّ. عندما تقرأ لكتَّاب كبار تقول لنفسك، فلنوضِّب أغراضنا وننسحِب، ولكن حين يكون لدي شيئ أُريد أن أقوله وأنا متأكّدة من صدق هذا الشيء فأقوله مهما كانت الوسيلة، مهما كانت رداءة الشكل الذي آتي به

زاهي وهبي: سيّدتي، ذكرتُ أنا في بداية اللقاء أنه ربما لوالديك كان هناك دور ما، تشجيع أو رعاية أو توجيه. كم اليوم تشعرين أنكِ مُدينة للأُم وللأب، الأم السورية والأب الجزائري

إنعام بيّوض: فعلاً، أنا مُدينة لأُمي لأنها لقّنتنا كلّ، كيف أقول، قطر الحضارة الدمشقية القديمة العتيقة. ووالدي المُحبّ للشِعر الذي علّمني حبّ اللغة وحبّ الحروف، وبالفعل كانا كلاهما، صحيح لم يتلقّيا تعليماً كبيراً وكان والدي مدرّساً ولكن والدتي لم تحظَ بنسبة كبيرة من العِلم لكنها كانت فنانة في كلّ شيء، في الطبخ وخلافه وتحبّ الجمال. هناك أشياء نخطفها عن غير قصد

زاهي وهبي: والمهم أنّ يغرس الأهل العلم في أطفالهم

إنعام بيّوض: وأهمّ شيء أعتقد هو القِيَم. أولاً أن نعلّمهم قيمة العمل وقيمة الأمانة وقيمة الصدق. هذه أشياء لن تجدها مُتاحة في أي مكان

زاهي وهبي: صحيح

إنعام بيّوض: ألاّ تكذب، هذا كان شعاراً أساسياً. أنا إلى حدّ الآن، أكثر شيء أكرهه في حياتي وأتعرّف عليه من أول لحظة هو الكذب، فلا أحد يستطيع أن يكذب عليّ

زاهي وهبي: إن شاء الله يكون دائِماً الصادقون على دربِك وعلى طريقك والذين  تلتقين بهم في كلّ المجالات الحياتية. سُعِدتُ جداً بلقائك دكتورة "إنعام بيّوض"، شرّفتِ "بيت القصيد"

إنعام بيّوض: شكراً جزيلاً

زاهي وهبي: نحمِّلكِ تحيّات حارّة لـ "الجزائِر" التي نُحِب

إنعام بيّوض: بالتأكيد سوف تصِل، سوف تصِل

زاهي وهبي: الشُكر دائِماً لفريق العمل، لمُخرِج هذه الحلقة الأُستاذ "حسن راضي"، لمنتجة البرنامج "غادة صالِح"، ولمُشاهدينا في كلّ أنحاء العالم لكم الشُكر الأكبر دائِماً. نلتقيكم الأُسبوع المقبل على خير بإذن الله 

برامج أخرى

تصفح المزيد