الكاثوليكوس كاراكين الثاني - كاثوليكوس عموم الأرمن

نص الحلقة

 

غسان الشامي: مساء الخير .

أينما بحثتَ في تُراب المشرق وجدتَ ملمحاً أرمنياً منذ ما قبل المسيح إلى غرّة المسيحية، حتى آمن الأرمن على يد الرسول تداوس، المملكة المسيحية الأولى والكنيسة الأقدم والكاثولوكلسية العريقة التي استمرت مع شعبها رغم المِحَن، استشهدت معه وتعرّضت للإبادة والتدمير والحرق بكنائسها ومخطوطاتها وتُراثها وقامت من الرماد وكان الأرمن يلوذون بها رغم التشرّد والنفي.

رأس الكنيسة الأرمنية في اتشميادزين قداسة الكاثوليكوس كاراكين الثاني ضيف عزيز على قناة الميادين وعلى حوار خاص، ونحن ضيوف عنده في قلعة الكنيسة الأرمنية الأرثوذوكسية بعد زيارة قام بها قداسة البابا فرانسيس.

مواضيع مختلفة وحارّة ستكون في حوارنا، لكن قبل أن نذهب إليه نُقدّم لكم صورة عن قداسته وعن اتشميادزين.

تقرير:

وُلد الكاثوليكوس كاراكين الثاني في فوسكيهات في أرمينا عام 1951 باسم كدريج نرسيسيان وبدأ حياته الكهنوتية في اتشميادزين عام 1965 وأصبح أسقفاً عام 1983 ورئيس أساقفة عام 1992.

درس في جامعة بون في النمسا وجامعة زاكروزك في روسيا. نُصّبَ كاثوليكوساً عام 1999 خلفاً للكاثوليكوس كاراكين الأول سركيسيان، وهو على علاقة وطيدة مع الكنائس الشرقية والغربية ويحمل العديد من الأوسمة.

ربط كراكين الثاني حياته باتشميادزين رمز المسيحية الأرمنية في أول مملكة اعتنقت المسيحية عام 301 للميلاد على اليد الكاثوليكوس الأول القديس أغريغوريوس أو أكريكور المنور، ومعنى الكلمة موضع نزول الابن الوحيد، وباتت المقرّ الرسمي للكنيسة الأرمنية.

مرّت على الكاتدرائية ويلات كثيرة هدّمها الملك الفارسي شابول الثاني وبنى فيها يزدجرد الثاني معبداً للنار، لكنها منذ عام 618 تحتفظ تقريباً بشكلها المُصلّب وتتّخذ شكل مكعب ضخم يعلوه مخروط وقبّة مركزية وأربعة أرصفة. وفي عام 2003 أعلِنَت مقدّسة وأضحت تمثّل فاتيكان الأرمن.

تضمّ الكاتدرائية أنماطاً زخرفية وهندسية غنية وصوراً محفورة للقديسين ونقوشاً من القرون الأولى، وكانت ملاذاً للأرمن خلال الإبادة عام 1915.

غسان الشامي: تحيّة لكم من اتشميادزين في أرمينيا في ضيافة قداسة الكاثوليكوس كاراكين الثاني.

صاحب القداسة وقفتم مع قداسة البابا أمس ووقّعتم إعلاناً مشتركاً في خِتام زيارته، ركّز الإعلان يا سيّدي على معارضة العنف والتمييز والتطرّف وناشدتم لاحترام حقوق البشر، هذا إعلان مكتوب، ما هي الخطوات العملية صاحب القداسة بين الكنيستين الأرمنية في اتشميادزين والفاتيكان لتحقيق ما وقّعتم عليه؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: بداية أودّ الإشارة إلى أنّ زيارة الحَبر الأعظم إلى أرمينيا كان من المقرّر إجراؤها في عام 2014، وقد طرحنا اقتراحاً لرفع صلاة مشتركة إلى الربّ بمناسبة الذكرى المئوية للإبادة كما في كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان كذلك في الكرسي الأم "باتشميادزين" المُقدّسة. وفي 12 نيسان من العام 2015 أقام قداسة البابا قدّاساً تخليداً لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية الأرمنية في كنيسة القدّيس بطرس في الفاتيكان، وفي هذه الأيام من العام 2016 أصبح ممكناً أن يزور الحَبر الأعظم البابا فرانسيس أرمينيا لنرفع معاً صلواتنا إلى الله مع خالص الأماني بأن يحلّ السلام في كل أنحاء العالم، لئلا تكون لمثل هذه الجرائم مكانة في حياة الناس ولتحيا الشعوب والدول بسلام وبروح التعاون والمحبة. وبالطبع، فهذا جزء من الرسائل الروحية التي تحملها الكنيسة وتعمل جاهدة من أجل تعزيز روح الصداقة لدى البشرية في العالم كما جهرنا بقول النبيّ أمس  والذي يدعو الناس إلى عدم الاقتتال في ما بينهم لكي يسود السلام والمحبّة في العالم وأن تعيش الناس في السراء والسلام وليمجّد اسم الربّ بشفاهم على الدوام للنِعَم التي وهبها الله بغزارة وبرحمته الواسعة فأُفعمت حياة الناس بها.

غسان الشامي: كان واضحاً صاحب القداسة تأثر البابا خلال الزيارة، أنا راقبت وجه قداستك ووجه قداسته، ذكر الإبادة أكثر من مرّة، عدة مرّات، هل سيكون بعملية التركيز على ذكر الإبادة تأثير برأيكم على سياسات دول ما زالت حتى اللحظة تنكر الإبادة، أو تنكر حق الأرمن في الاعتراف بالإبادة؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: لأنه لأمر معز جداً لنا ولشعبنا أنّ هنالك شعوباً ودولاً تعترف بالإبادة الجماعية الأرمنية، كما أنه أمر مشجّع ومصدر إلهام بالنسبة إلينا أنّ الحَبر الأعظم جَهَرَ بتلك الحقيقة، وبالطبع فعلى الكنيسة أيضاً أن تَجهَر بالحقائق والتشديد عليها، وهذا ما فعله الحَبر الأعظم فرانسيس مثلما فعل سابقه. ونحن كنا سعداء بالاستماع إلى ذلك الخطاب التاريخي الذي ألقاه قداسة البابا في الفاتيكان قائلاً بأنه يجب تضميد الجرح كي لا ينزف. وبالروح ذاتها تحدّث قداسة البابا عن الإبادة الأرمنية هنا في أرمينيا، نحن نؤمن بأنّ كلمات قداسة البابا ستلقى صدى في قلوب الناس وستنضم دول وشعوب أخرى إلى قداسة البابا تنديداً بإبادة  الأرمن باعتبارها أول جريمة شنيعة ضدّ البشرية خلال القرن العشرين ومنعاً لحدوث الفظائع المماثلة مستقبلاً بهذه الطريقة، لأننا حتى في أيامنا هذه نشهد مجازر كتلك تُقترف بحقّ شعوب وقوميات أخرى.

غسان الشامي: بدا ملفتاً صاحب القداسة في البيان الذي وقّعتموه عبارة مسكونية الدم، في الإعلان المشترك، هذا الكلام يعنينا كثيراً نحن أهل المشرق، كيف قرأتم ما يحصل من دمار وقتل وحروب عندنا وكيف يمكن للكنيستين المساعدة في وقف ما يحصل في المشرق؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: يتم استخدام عبارة "مسكونية الدم" والتي تعني أنّ هؤلاء الشهداء هم شهداء الأمة المسيحية جمعاء، وكما أنّ الشهداء أيضاً لا يعرفون القومية والديانة لأنّ الألم هو ألم الجميع، كذلك ألم كل البشرية، والشعور ذاته يولد لدينا عندما نشهد تلك المظاهر التي تحدث في الشرق الأوسط. نحن نعيش الألم ذاته الذي يعيشه أقاربنا وذوونا، الألم الذي يعيشه أبناء ذلك الشعب، لأنّ تلك الفظائع تُقترف بحقّ مَن يُعتبر تاجاً يُكلّل روائع خلق الله ألا وهو الإنسان، إذ يَسرّ كنائسنا بذل قصارى الجهود لتعزيز روح التفاهم المُتبادل وترسيخ المحبة في نفوس الناس، كي لا يسيطر شعور الكراهية على نفوسهم وقلوبهم وأن يعيشوا في التكافل والتضامن، وينشروا الخير في هذا العالم، ويعملوا على زيادة ذلك الخير لكل شخص ويؤمّنوا حياة سعيدة للبشرية.

غسان الشامي: إذا بقينا في المشرق صاحب القداسة، قبل سنتين سمعت قداستكم في مقابلة تقولون فيها أنّ السلام والأمان سيعودان إلى سوريا، سوريا الآن بلاد معذبة مثل الكثير من بلدان المشرق، بعد كل هذا الدمار وهذه الحروب وهذا الهجوم على سوريا، كيف يمكن عودة السلام إليها؟ هل ما زلتم تؤمنون بأنّ السلام سيعود؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: كنا قد زرنا سوريا قبل اندلاع الحرب هناك ورأينا الازدهار ورغد العيش فيها والشعب السوري الذي كان يعيش حياة سعيدة ومُبدعة كما رأينا تعايش المسيحيين والمسلمين بروح التضامن والتآخي وهم يكنّون الاحترام والمحبّة لبعضهم البعض ، لذا فإننا نشعر بألم شديد عند رؤية مظاهر الدمار التي تشهدها سوريا اليوم وكل تلك الجرائم التي تحدث في سوريا اليوم،  والخسائر البشرية التي نشهدها، هي حصيلة مُدمّرة أسفرت عنها العمليات العسكرية .

نحن نؤمن بأنّ السلام سيعود وبأنّ الشعب السوري سيتمكّن من تكوين حياته المزدهرة من جديد وإعادة بناء المدن والقرى المدمّرة وذلك بفضل أمله وتفاؤله وبإيمانه الراسخ، نحن نؤمن بأنه بفضل الإرادة القوية والإيمان الراسخ للشعب السوري سيتحقّق السلام على أرض سوريا المُباركة، وآلاف السوريين الذين غادروا البلاد بسبب الحرب المُدمّرة سيعودون وسيمارسون نشاطهم المُبدع من أجل إعادة إعمار بلدهم. هذا ما نتمنّاه وهذا ما ندعو به. فنحن نؤمن بأنّ ذلك اليوم المُبارك سيشرق في حياة سوريا.

غسان الشامي: إذا جئنا على صعيد وحدة الكنائس صاحب القداسة، منذ مدة التقى البابا بطريرك موسكو، البطريرك كيريل، والآن يزوركم، هو يزور كنيستين أرثوذكسيتين، هل من طريقة، هل وجدتم طريقة إلى الوحدة بين الكنائس الأرثوذوكسية والكثلكة؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: كان حدثاً تاريخياً بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، اللقاء الذي جمع كلاً من بابا روما وبطريرك موسكو وسائر روسيا ولأول مرّة في التاريخ جرى لقاء من هذا القبيل. لقد اطلعنا على البيان المُشترك الذي تم إصداره نتيجة للقاء، ونحن سعداء ونصلّي من أجل تعزيز العلاقات المُتبادلة في جو من التآخي بين أهم كنيستين مسيحيتين شقيقتين، أي ما بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية الرومانية ونظراً للتحديات القائمة في حياتنا وعالمنا اليوم ومن أجل توفير الحياة الآمنة ورغد العيش للشعوب والرفاهية للبشرية الجمعاء، يتّسم التعاون الأخوي بين الكنائس بأهمية بالغة وجوهرية ونحن نصلّي لأن تسيطر المحبة وروح التعاون بشكل دائم كما على الكنائس الشقيقة وسائر أعضاء كنائس المسيح المُقدّسة كذلك على حياة الناس في كل بلدان العالم.

غسان الشامي: إذا سألنا حول علاقة كنيستكم في اتشميادزين بكنائس المشرق، بكنائس انطاكية، بالبطريركيات  الانطاكية، هذه العلاقات كيف تسير الآن؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: إن علاقات كنيستنا مع الكنائس الشقيقة وليس فقط وحتى مع مختلف القادة الدينيين هي علاقات صداقة وأخوية. وما يساعد بشكل كبير على توطيد ودفء تلك العلاقات هو وجود المهجر الأرمني، إن أبناء شعبنا الذين يعيشون مع إخوتهم المسيحيين ومع إخوتهم من ديانات وقوميات أخرى بناء على إنجيل المسيح المُقدّس وبتبشير تعاليمه وهذا خير دليل على رواج فكرة التآخي والمحبة لدى ممثلي مختلف الديانات. وبذلك فإن علاقاتنا حميمة وحتى أن الكنائس الشقيقة في الشرق الأوسط كانت معنا في طقوس تقديس ضحايا الإبادة ونحن نشارك أيضاً في فعّالياتهم الدينية المختلفة عن طريق ممثلي كنيستنا. إن هذه اللقاءات تجعل علاقاتنا الأخوية تزداد حرارة وتوطيداً وتعزّز روح التعاون حباً للناس.

غسان الشامي: وعلاقتكم بكنيسة بيت كيليكيا في أنطالياس بأرمن لبنان، صاحب القداسة؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: في الخمسينات من القرن الماضي ظهرت بعض الصعوبات في العلاقات بين كل من بيت كيليكيا الكبير في أنطلياس والكرسي الأم في ايتشميادزين المُقدّسة وقد نشات حال من الاضطراب، ولكن بعد قيام دولة أرمينيا المستقلّة انتُخب كاراكين الأول كاثوليكوس بيت كيليكيا الكبير في آنطلياس، آنذاك كاثوليكوساً لعموم الأرمن ومقرّه في ايتشميادزين، وهكذا بدأت صفحة جديدة في العلاقات بين الكرسي الأم في اتشميادزين المُقدّسة وبيت كيليكيا الكبير، فرُسم سبيل التعاون المُتبادل بينهما وكنتيجة لذلك قمنا مع الكاثوليكوس آرام بطقوس تقديس ضحايا الإبادة الجماعية الأرمنية وعقدنا اجتماعات للأساقفة، كما أنّ مراسم تقديس ضحايا الإبادة أيضاً تمت نتيجة لاجتماعات الأساقفة الآنفة الذكر وقد تشكّلت مجموعات عمل جديدة تعمل على إيجاد حلول مُثلى في ظل التحدّيات القائمة أمام كنيستنا. نحن نؤمن بأنّ هذا التقسيم الإداري الذي كان قد حصل في حياتنا الكنسية في وقت سابق وبروح التعاون والتآخي والمحبة هذه سنتمكّن من إيجاد حل أمثل وإعادة التكامل غير المتزعزع الذي كان قائماً بين الكرسيين في ما مضى.

غسان الشامي: صاحب القداسة يبدو أنّ اللقاء المُنتظر الأرثوذكسي في جزيرة كريت منذ ألف عام لم تلتقِ الكنائس الأرثوذكسية، لقاء يتعثّر، هناك خلافات بين بطريركية آنطاكيا وبطريركية القدس، هناك من وقف مع هذه البطريركية وهناك بطريركية وقفت مع الأخرى. سيدي ما السبيل إلى حل الخلافات بين الكنائس الأرثوذكسية؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: لقد علمنا أنّ بعض الكنائس لم تشارك في الاجتماع الأرثوذكسي العام لوجود عدد من المشاكل والخلافات والتحفّظات فيما بينهما ونحن نؤمن بأنه عن طريق التعاون والحوار سيكون بوسع الكنائس الأرثوذكسية إيجاد حلول وتحقيق عقد اجتماع مماثل، هذا ما نتمنّاه وندعو به يقيناً منا بأنّ ذلك الاجتماع سيصبح حقيقة وسيخرج إلى حيّز الوجود في المستقبل بإذن الله. وحتى أنّ رؤساء الكنائس قد أعربوا عن تأييدهم لايجاد حلول مُثلى لتلك المسائل مع مرور الوقت.

غسان الشامي: أعزائي فاصل ثم نعود إلى متابعة الحوار مع قداسة الكاثوليكوس كاراكين الثاني من مقرّ الكاثولوكوسية  في أتشميادزين في أرمينيا انتظرونا إذا أحببتم.

المحور الثاني

غسان الشامي: تحية لكم أعزائي من أتشميادزين مقرّ كاثولوكوسية عموم الأرمن في حوار خاص مع صاحب القداسة الكاثوليكوس كاراكين الثاني.

صاحب القداسة أرجو ألا تعتبره سؤالاً استفزازياً ولكن الكثيرين يسألوننا قبل أن نأتي إليكم أو يقولون لنا اسألوا هذا أو ذاك، سيّدي ما هو دور الكنيسة الأرمنية في السياسة الأرمنية؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: الكنيسة منفصلة عن الدولة، ولكن بما أنّ الكنيسة والدولة ترعيان مصالح الأمة، ونظراً لذلك فإن علاقاتنا تجري بشكل طبيعي، ونحن نساند بعضنا البعض لتصبح خدمتنا تلك أكثر تنظيماً وأكثر جدوى لكي نسهم في ازدهار حياة شعبنا. إن علاقاتنا مع الدولة هي علاقات طبيعية وودّية مبنية على التسامح. والحمد لله لأن الكنيسة والدولة قامت دوماً بينهما علاقات من هذا القبيل. كما توجد قوانين خاصة ناظمة لنشاط الكنيسة وناظمة للعلاقة بين الكنيسة والدولة وإنّ دور الكنيسة ومهمتها منصوص عليهما في دستور جمهورية أرمينيا وهي مُعترف بها  من قِبَل الدولة بمثابة كنيسة رسولية أرمنية وبمثابة كنيسة قومية. كما أنّ رسالة الكنيسة الرسولية الأرمنية في الحفاظ على الثقافة وتطويرها والحفاظ على الهويّة الأرمنية أيضاً مُعترف بها من قِبَل دولة أرمينيا، وكما قلت سابقاً أن الكنيسة منفصلة عن الدولة ولكن عندما تطرح مسائل قومية مُلحّة تخصّ الشعب برمّته فبالطبع تُبدي عندها الكنيسة رأيها وموقفها. ويجب علينا التعبير عن ارتياحنا إزاء العلاقات المُشكّلة بين الكنيسة والدولة.

غسان الشامي: كلمتكم صاحب القداسة في ساحة الجمهورية في ريفان كانت كلمة قوية وبنبرة واضحة وفعلاً كنتم ترسلون الكثير من الرسائل، سأذهب عبر هذه الكلمة إلى مسألة الإبادة، مثلاً هل تنسّقون تماماً مع السلطة السياسية في موضوع الإبادة، هل تنسّقون مع اللوبيات الأرمنية، الأرمن في بلاد الانتشار؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: أما عملية استنكار الإبادة فتتوحّد كل الجهود في إطارها أي جهود الدولة والكنيسة وجميع الهيئات والمؤسسات القومية، وجهود المهجر والوطن الأم أيضاً تتوحّد في إطار العمليات الرامية إلى الاعتراف بالإبادة واستنكارها، وكل واحد يعمل حسب قدراته وإمكانياته بالطبع من خلال التنسيق في ما بينهم. ولذا نظّمنا معاً مراسم إحياء الذكرى المئوية كما في أرمينيا كذلك في الشتات، والسلطات الأرمنية أيضاً شاركت في الطقوس الدينية ونحن بدورنا شاركنا في المراسم والفعاليات التي أقامتها الدولة ولم تنسب أية فعالية من تلك الفعاليات إلى الكنيسة أو الدولة عمداً وبشكل خاص، وإنما كانت تتّسم بطابع وطني عام لا تعرف التفرقة والتمييز وعلاوة على ذلك وبالتطرّق إلى العلاقات بين الكنيسة والدولة مجدداً.

يمكننا القول بأنّ المسؤولين الحكوميين الكبار دائماً يشاركون في كل الطقوس الدينية والكنيسة أيضاً تشارك في المراسم الرسمية والقومية وقوفاً إلى جانب السلطات. نحمد الله على وحدة شعبنا في مسائل قومية رئيسية كتلك.

غسان الشامي: لفتني أيضاً منذ أكثر من عام إعلان قداستكم أنّ جميع ضحايا الإبادة هم قدّيسون، ما يعني مليون ونصف مليون قدّيس أرمني، صاحب القداسة نحن نعلم أنّ هناك طرقاً لإعلان القداسة في الكنائس المسيحية، على أي مبدأ اعتمدتّم في إعلان مليون ونصف مليون قدّيس أرمني؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: لقد أقمنا مراسم تقديس الشهداء اعتماداً على المبدأ الأساسي التالي: قدّسنا شهداءنا لأنهم استشهدوا في سبيل إيمانهم ووطنهم وهكذا كان في القرن الخامس أيضاً، حين وجد أبناء شعبنا أنفسهم في موقف مماثل وراحوا يدافعون عن إيمانهم ووطنهم، وهم أيضاً تمت ترقيتهم إلى مرتبة القدّيسين، وهنا أود ذكر الكلام الذي رافق شعبنا عند الدفاع عن إيمانهم في كل الفترات من الزمن، المسيحية لون بشرتنا وهي ليست بثوب نرتديه، هي جوهرنا وهويّتنا، حيث أن أبناء شعبنا كانوا أوفياء لإيمانهم المُقدّس، إيمان سيّدنا المسيح وحبّهم للوطن أيضاً راسخ جداً الذي هو جزء لا يتجزأ من هويتهم المسيحية، فاعتمدنا هذا المبدأ أثناء مراسم التقديس، وهم شهداؤنا القدّيسون الذين أقدموا على الشهادة من أجل المسيح وفي سبيل الوطن.ّ

غسان الشامي: هناك سيدي ملايين الضحايا من غير الأرمن عام 1915، هناك سريان، أشوريون، كلدان، سوريون في إنطاكيا، يونان، لا أحد يذكرهم، قليلون يذكرونهم، ألا يوجد تنسيق بين الكنائس اليونانية والسورية والآشورية والأرمنية والسريانية لرفع هذه القضية بمجملها إلى الرأي العام العالمي؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: كما قلنا سابقاً، أنّ الإبادات تُرتَكب بحقّ شعب أو قوم ما ولكن الجريمة تطال البشرية برمّتها وهكذا يتم تعريف الإبادة. ولذا نحن كوننا شعباً عاش إبادة عرقية نقدّم الدعم باستمرار لتلك الشعوب والأقوام التي تسلك طريق المآسي والمُعاناة المُماثلة.

لقد شاركت الكنائس الشقيقة في فعاليّات إحياء الذكرى المئوية للإبادة وقد زار قادة روحيون من مختلف الديانات أيضاً الكرسي الأم في أتشميادزين المُقدّسة وقصدنا معاً إلى النُصب التذكاري للإبادة الأرمنية وانحنينا أمام ذكراهم العطرة ورفعنا صلواتنا لأجل راحة أرواحهم الطاهرة ونحن أيضاً نزور رؤساء الكنائس الشقيقة في إطار مناسبات مختلفة كما نزور القادة الروحيين من ديانات أخرى ونعرب عن تضامننا معهم. ونتقاسم ألمهم وترحَهم وإذا كانوا قد تعرّضوا لجريمة تتّسم بطابع بالإبادة العرقية طوال حياتهم فنزور نُصبُهم التذكارية أيضاً ونصلّي من أجل الضحايا الأبرياء.

بالطبع نشعر بألم شديد عند رؤية الجرائم التي تحدث اليوم وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، وكذلك أعمال الإرهاب التي نشهدها كما في الشرق الأوسط، كذلك في المدن الأوروبية الكبرى، وقد ذكرنا في خطابنا مع قداسة البابا إنه بأسى عميق سمعنا ما حصل خلال مراسم إحياء ذكرى ضحايا الإبادة مؤخراً من محاولة اغتيال ضدّ أخينا البطريرك السرياني إغناطيوس أفرام في سوريا، ونشعر بألم عميق مثل الجميع عندما تداهم المآسي كل فرد مهما كانت قوميته في سوريا، في حلب، حيث أن أبناء شعبنا وإخواننا العرب وإخواننا المسيحيون يعيشون المعاناة ذاتها جنباً إلى جنب وهم متّحدون في تلك المُعاناة يدعمون بعضهم البعض لكي يتمكّنوا من التغلّب على المآسي بجهود مشتركة، ونصلّي ليكون الربّ في عونهم ويهدي سلامه من السماء للشعوب التي تعيش أوضاعاً مأساوية في ظلّ الحروب، وليزيد الله أولئك الأشخاص ذكاء ويدلّهم على الصواب الذين يقومون بأعمال إرهابية ويشكّلون خطراً على البشرية.

غسان الشامي: ردّ الفعل  التركي قداسة الكاثوليكوس على تصريحات البابا مؤخراً عندما كان هنا منذ يومين أنهم اتّهموك بالصليبية الجديدة، إذا نسينا الاتّهامات فعلياً كيف يمكن الوصول إلى طي صفحة الماضي مع الأتراك صاحب القداسة؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: أعتقد أنكم تعلمون بأنه قبل سنوات طرحت السلطات الأرمنية على لسان رئيس الجمهورية اقتراحاً حول فتح الحدود مع تركيا من دون شروط مُسبقة وذلك بتوسّط من الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، لكن مع الأسف الشديد رفضت السلطات التركية اقتراح جمهورية أرمينيا ذاك معلّلة ذلك بنزاع كاراباخ الجبلية. الحمد لله فإن شعبنا لا يحمل في داخله اليوم روح النقمة والثأر وهو تغلّب على الألم ومعاناة الإبادة في نفسه بل هو حريص على أن يتم التقييم النزيه لواقع الإبادة الأرمنية واستنكاره. ومن خلال إدانة الإبادة الجماعية الأرمنية منع تكرار الجرائم والمآسي المُماثلة في ما بعد كي لا تفكّر دول وشعوب في العالم أنّ الجرائم الشنيعة كتلك التي لا تبرير لها لا يُعاقب عليها قانوناً وتُنسى.

نحن متفائلون ونؤمن بأنه سيأتي اليوم الذي تعترف فيه تركيا بنفسها بالإبادة الأرمنية وتخفف بذلك العبء عن عاتق شعبها وبلادها وتسلك الطريق نحو بناء علاقات حُسن الجوار بين بلدينا وشعبينا.

غسان الشامي: يشهد العالم اليوم صاحب القداسة الكثير من الكراهية، وشُيطِنت الديانات، هناك في الغرب مفهوم الاسلاموفوبيا بالعربي الرُهاب الإسلامي، وهناك العقل التكفيري والإرهابي من جماعات إسلامية، ونحن أيضاً أمام تعثّر للحوار الإسلامي المسيحي، كيف تنظرون إلى مستقبل الحوار بين الأديان؟

الكاثوليكوس كاراكين الثاني: إنّ المشاعر والمواقف كهذه هي نتيجة لمظاهر التطرّف والتعصّب التي تشهدها البشرية كما في الشرق الأوسط كذلك في دول أوروبا، ولكن الحمد لله فإن جميع الناس يدركون بأن تلك المظاهر تعود إلى مجموعات مُتطرّفة مُنفردة ولا تمثل شعباً أو قوماً ما ينتمي إلى ديانات مختلفة. نحن نؤمن بأنّ الشعوب المُسلمة والمسيحية ستستمر بالعيش كإخوة كما عاش شعبنا عبر عصور مع إخوتهم العرب معمّراً ثقافته وحياته القومية، مُسهِماً في الوقت عينه في ازدهار حياة الشعوب العربية. أعتقد أنه من أحد الأمثلة العليا بالنسبة إليّ هو تاريخ شعبنا وحاضره وتعايشه مع شعوب من ديانات أخرى واليوم في الشرق الأوسط، هم يتقاسمون صعوبات ومعاناة إخوتهم المسلمين وأنا متأكّد بأنه في أوروبا أيضاً حيث يعيش الكثير من المسلمين وبروح التآخي تلك سيستطيعون التغلّب على الصوَر النمطية وأنا متأكّد بأنه في أوروبا أيضاً حيث يعيش الكثير من المسلمين وبروح التآخي تلك سيستطيعون التغلّب على الصوَر النمطية التي، كما ذكرنا من قبل من تبعات أعمال المتطرّفين التي تُدان من قِبَل الجميع أينما كانت، كذلك من قِبَل أبناء الأمتين المسيحية والإسلامية المتّقين والمُحبين للسلام.

غسان الشامي: كل الشكر أعزائي، إذا ما أخذنا الأرمن كنموذج للشعوب الحيّة الرافضة للظلم والناهضة لمستقبلها رغم المِحَن ينتابنا تفاؤل بمستقبل إرادة البشر الخيّرة التي تقوم رغم الظلم والموت، نشكر قداسة الكاثوليكوس كاراكين الثاني على هذا الحوار الخاص الذي خصّ به تلفزيون الميادين وعلى لطف اهتمامه وجميع الموجودين الذي ساعدونا هنا في أتشميادزين وساهموا في إنجاح هذه اللقاء وأخصّ بالشكر تلفزيون شوغدار والسيّدة ميري ثنمليان شكراً لكم وإلى اللقاء في حوار خاص قادم والسلام لكم وعليكم.

 

 

برامج أخرى

5 أيلول 2012

تصفح المزيد