ثريا بشعلاني - أستاذة العلوم الدينية واللاهوت
نص الحلقة
غسان
الشامي: مساء الخير.
ربما
يكون ما كتبه البطريرك الراحل اغناطيوس الرابع هزيم عن الأب جون كوربون في تقديمه
كتابه كنيسة المشرق العربي الذي ترجمه شخصياً، ما يلقي قبساً عنه في قوله:
"أحبّ كوربون كنيسة المشرق فانضوى تحت لوائها وعاش ممارساتها الروحية ونفذ
إلى أعماقها فأضحى مشرقيّ القلب والروح والعقيدة." جميل تقدير الرسوليين في
حياتهم، وجميل الوفاء لنتاجهم المعرفي بعد رحيلهم. كثيرون تمنّوا أن نُفرِد حلقة
عن هذا الأب الباريسي المولد المشرقي الأنطاكي القلب. وما من شخصية علمية
وأكاديمية يمكن أن تفيه بعض حقه أكثر من الأستاذة الجامعية ثريّا بشعلاني التي
تحمل دكتوراه في العلوم الدينية من جامعة القديس يوسف، ودكتوراه في اللاهوت من
الكلية اليسوعية في باريس، ودراستها القيّمة عن الكنيسة المحلية من وجهة نظر
كوربون، ودراسات أخرى شتّى. أعزائي، قبل الحوار، نزيدكم معرفةً بالأب كوربون:
التقرير
وُلد
جون كوربون في باريس عام 1924. ودخل في رهبنة الآباء البيض عام 1941. ثم انتمى إلى
كنيسة الروم الكاثوليك في أبرشية بيروت عام 1956.
لم
يتوقّف كوربون عن العمل ومحبّة الشرق، فساهم في تأسيس مركز سيّدة العطايا للتعليم
المسيحي والتنشئة الرعائية عام 1957. وشارك في المجمع الفاتيكاني الثاني كمُترجم
للمراقبين الأورثوذكس، وفي مجلس كنائس الشرق الأوسط منذ تأسيسه عام 1974. وكان
أمين السر التنفيذي لرابطة كلّيّات اللاهوت في الشرق الأوسط وأمين سر لجنة
العلاقات المسكونية في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بين عامي 1993
و1999، وعضواً في اللجنة الدولية للحوار بين الكنيستين الأورثوذكسية والكاثوليكية،
ومستشاراً في أمانة سرّ الوحدة المسيحية في روما، وعضواً في اللجنة اللاهوتية
الدولية ولجنة العمل المشترك بين مجلس الكنائس العالمي والفاتيكان، ورئيساً لتحرير
المجلة المسكونية منذ تأسيسها عام 1978.
ساهم
في تأليف كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، وأسّس سلسلة أقدم النصوص
المسيحية، ووضع الخطوط العريضة لمنهج التعليم المسيحي المُشترك، ودرّس في كلية
العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف وفي كلية اللاهوت في جامعة الروح القدس
الكسليك وفي إكليريكية الآباء البولسيين. وألّف الاختبار المسيحي للكتاب المقدّس
وكنيسة العرب وليتورجية الينبوع. وكتب عشرات المقالات بالفرنسية عن الكتاب المُقدّس
واللاهوت الثالوثي ولاهوت الشركة. ولديه عِظات كثيرة مُعرّبة.
توفّي
عام 2001.
غسان
الشامي: أهلاً بكم
في "أجراس المشرق". أهلاً بك دكتورة ثريا بشعلاني في "أجراس
المشرق". شكراً لتلبيتك هذه الدعوة لنتكلّم على هذا الرجل الذي أعطى. لذلك،
أبدأ بالسؤال مباشرةً: ما هي فرادة الأب كوربون؟ ما هي خصوصيته؟
ثريا
بشعلاني: أولاً شكراً
على استقبالي في هذا البرنامج، وشكراً لأنكم قبلتم أن تفردوا حلقة عن الأب جون كوربون.
فرادته أنه غربي مشرقي، مشرقي لكل المسيحيين، كاثوليكي منفتح على الأورثوذكسيين،
ومسيحي منفتح على كل العرب والمشرقيين.
إنه صلة وصل وهمز ورجل صلاة وعلم.
غسان
الشامي: عقل من
الغرب مسكون بروح الشرق. كيف يُقرأ هذا؟
ثريا
بشعلاني: عندما ينمو
شخص في الغرب ويتمرّس في الفلسفة والعلم يكون له عقل متمكّن منطقي مبني على
المبادئ والتحاليل. ولكنه عندما يتعرّف إلى الشرق يفهم أن هذا العقل متجذّر في
القلب الملهَم والمستلهم الأنوار ممّا هو أبعد من العقل أي الله. والمشرقيون هم
خير مَن يتلمذون الآخرين على هذا النبع الذي هو الله.
غسان
الشامي: هناك جانب
مسكوني في الأب كوربون. كيف يُقرأ هذا الجانب؟ من أية زاوية؟ لأن كلمة مسكوني تعني
وسعاً كبيراً. ولكن هو عقل غربي، روح شرقية، مسكوني النزعة. هذه الدائرة الوسيعة
كيف تُقرأ؟
ثريا
بشعلاني: في
الحقيقة، جون كوربون عندما اختار أن يأتي إلى الشرق شاء أن يأتي إلى إيران وأن
يعيش مع المسلمين.
ولكن في طريقه توقّف في مصر للتمرّس باللغة العربية، ومن ثم زار لبنان. وعندما وصل
إلى هنا رأى كنائس مُتعدّدة فقال في نفسه: كيف للمسيحيين أن يكونوا مرسَلين نحو
المسلمين وهم ليس فقط متعددين، وهذا غنى في الأصل، ولكن في الحقيقة أيضاً منقسمون
على ذواتهم وبعضهم. فاختار أن يعمل مع الكنائس ومن أجلها. وعندما يعمل الإنسان من
أجل وحدة المسيحيين في ما بينهم، لا أعني بالوحدة أن يصبحوا كنيسة واحدة من حيث
الثقافة، ولكن تبقى التعددية ويصبحون يعيشون الوحدة في الإيمان والحقيقة والصلاة.
عندما يعمل الإنسان من أجل تقريب وجهات النظر بين الكنائس من أجل أن تُرسَل معاً
نحو الآخرين، تُسمّى هذه الأمور وهذا العمل في اللاهوت: العمل المسكوني أولاً.
ويصبح هذا العمل المسكوني على إطار المسكونة جمعاء عندما تخرج الكنائس معاً في
رسالة محبة نحو الآخرين، مسلمين كانوا أو غير مسلمين.
غسان
الشامي: برأيك
كلاهوتية، أين تقود الروح المسكونية؟
ثريا
بشعلاني: تقود الروح
المسكونية بحسب فكر كوربون أولاً إلى قداسة الذات لأنك عندما تريد أن تنفتح على
الآخر عليك أن تُخلي ذاتك. إخلاء الذات ليس نكران الذات، ولكن إعطاء الذات من أجل
الآخرين. الأمومة هي إخلاء للذات. عندما تختار المسكونية تختار الآخر في حياتك.
وعندما تختار الآخر تُخلي ذاتك من أجله، فيتّلد من جديد إنسان جديد بك ويكتشف
الآخر نفسه من خلالك.
غسان
الشامي: كلام بهيّ.
كوربون لاهوتي رعَوي في الوقت نفسه. وأنت كلاهوتية أيضاً، ما الذي يميّز لاهوته
وماذا يميّز رعَويته في الوقت نفسه؟
ثريا
بشعلاني: جون كوربون
يؤمن بأنه لا لاهوت، وبهذا هو مشرقي وتبنّى المشرق، لا لاهوت من دون اختبار روحي
شخصي لحياة الإنسان مع الله. وهذا الاختبار يُبنى عند المسيحيين على العقيدة
الأساسية أن ابن الله صار إنساناً لكي يدعو الإنسان ليصبح ابناً للّه. فإذا كان
المسيح زار الإنسان وصار جسداً، فباستطاعة الإنسان أن يدخل إلى شركة الله. وفي هذه
الحركة بإخلاء الذات والانفتاح على الله اختبار شخصي بعمل وقوة الروح القدس. وهذه
الميّزة عند الأب كوربون استطاع أن يكتشفها في جذورنا الأنطاكية وأن يذكّرنا بها
نحن المشرقيين وأن يعلّمنا أن نعلّم اللاهوت على أساسه.
غسان
الشامي: قال إن كل
شيء يأتي من الروح القدس والتأمّل والصلاة. ربط كل هذه بالروح القدس. ما علاقة
الروح القدس بالعقل العلمي والعمل الاجتماعي؟ يبدو للناظر للوهلة الأولى أن هناك هوّة
بين الحالتين.
ثريا
بشعلاني: أولاً،
العقل العلمي له فرادته ومسلكه وأسلوبه وله حريته وكيانه كعقل علمي أي عقل الإنسان
أن المنطق الذي يبحث من خلاله الإنسان عن المعرفة والإجابة عن الأسئلة والغوامض
وما إلى ذلك. ولكن، إن العقل العلمي يتجذّر بإنسان مؤمن أو غير مؤمن. فالإنسان
المؤمن يدرك بأن كل ما يفهمه يأتي من روح الله. نحن المسيحيين نؤمن بأن روح الله
هو روح الفهم والمعرفة وروح الأنوار، أي أنه يُنير العقل ويُعطيه ما يساعده ويلهمه
إلى أن يدرك الماورائيات من حيث المنظور.
وعندما يتجذّر الإنسان بإلهامات ومعرفة الروح يستطيع حينذاك أن يتفرّغ إلى التحليل
المنطقي العقلاني.
غسان
الشامي: لنبدأ
بتحديد مفهوم كنيسة المشرق العربي عند الأب كوربون.
ثريا
بشعلاني: الكنيسة
أولاً. الكنيسة أولاً هي جماعة تؤمن بأن الله زار الإنسان وافتقده بابنه ليعطيه
التجلّي والبنوّة الإلهية.
هذه رسالة الكنيسة، أي كنيسة كانت، قائمة على الإيمان بموت وقيامة يسوع المسيح وقائمة
على حلول الروح القدس على أبنائها في يوم نسمّيه العنصرة. أمّا عندما نقول كنيسة
المشرق العربي فنحن ندلّ على كنيسة في مكان ما وزمان ما أي محلية أي مرسلة إلى
بلد، جغرافياً ما وثقافة ما. وندعو هذا الأمر الانثقاف. فالكنيسة منذ تأسيسها في
الشرق تؤمن بالانثقاف. فهي، يقول الأب كوربون، إمّا أن تكون محلية أو لا تكون، أي
إمّا أن تكون متجذّرة بالثقافة، تتكلم لغة الشعوب، تسبر إلى قلوبهم بحسب رموزهم
ومنطقهم ولغتهم وإرثهم لكي تبثّ فيهم الرجاء وإمّا أن لا تكون. فإذا كانت الكنيسة
في هذه المنطقة هي كنيسة هذه الشعوب وهذه الثقافات فهي كنيسة المشرق العربي. وبما
أن المشرق بعيد المدى، قلنا المشرق العربي لنحدّ فيه البلد والشعوب العربية
المنتمية لهذه المنطقة.
غسان
الشامي: العنوان
الأساسي كنيسة العرب؟
ثريا
بشعلاني: كنيسة
العرب.
غسان
الشامي: المعرِّب
البطريرك الراحل سمّاها بكنيسة المشرق العربي. أي نحن لدينا كنيسة ومشرق وعربي.
ثريا
بشعلاني: نعم.
غسان
الشامي: لماذا برأيك
أخذ المعرّب على عاتقه هذا التعريف مع أن الاسم بالأساس هو كنيسة العرب؟
ثريا
بشعلاني: في
الحقيقة، كتب الأب كوربون هذا الكتاب سنة 1977. وسنة 1979 عرّبه البطريرك اغناطيوس
هزيم --رحمه الله--.
غسان
الشامي: كان مطراناً
على اللاذقية وقتها.
ثريا
بشعلاني: على
اللاذقية في ذاك الوقت قبل أن يصبح بطريركاً. ولكن بإذن من الكاتب عربّه بكلمة
المشرق العربي.
لن أتوغّل بالفروق لأن كنيسة العرب تُنسَب إلى أشخاص وشعوب هم من ثقافة عربية.
البطريرك شاء أن يعطيها بعداً محلياً جغرافيّاً أبعد من الأشخاص بالعروبة لأن كلمة
عروبة يمكن أن تخلق لغطاً في قلوب الكثيرين وفي عقولهم. فتجنّب هذا اللغط. وسأقول
أمراً.
غسان
الشامي: تفضّلي.
ثريا
بشعلاني: هذه
الكنائس المدعوّة أن تكون كنيسة واحدة برسالتها هي آتية من جذور ثقافية مُتعدّدة
سريانية ويونانية وقبطية وأشورية. أظنّ أن البطريرك شاء أن يُسميها كنيسة المشرق
العربي ليدلّ بذلك على جذورها المُتعدّدة الثقافات المتجذّرة في المشرق والتي هي
اليوم مدعوّة إلى ثقافة واحدة هي ثقافة المشرق العربي.
غسان
الشامي: هو يميّز في
مقدّمة كتابه بين الكنيسة العربية وكنيسة العرب. ما الفرق بين الكنيسة العربية
وكنيسة العرب؟ لاحظي دائماً، نحن في هذه اللغة أحياناً يمكن للفظة واحدة أن تأخذنا
إلى مناحٍ مختلفة وخلافات أيضاً.
ثريا
بشعلاني: طبعاً.
الكنيسة العربية كأنها صفة للكنيسة بأنها عربية. الكنيسة لا لون لها ولا عرق لها.
هي كنيسة جميع الشعوب لأنها تخدم الجميع. فإذا قلنا الكنيسة العربية وصفنا
الكنيسة. وهذه مغالطة لاهوتية.
غسان
الشامي: مغالطة
لماذا؟ للدين المسيحي.
ثريا
بشعلاني: للدين
المسيحي، لأنه لا صفة إنسانية أو ثقافية أو عرقية للكنيسة. فهي كنيسة مُرسلَة
لجميع الشعوب في كل الأزمنة وكل الأوقات.
غسان
الشامي: على قاعدة
"اذهبوا وتلمِذوا كل الأمم".
ثريا
بشعلاني: نعم. لكن
عندما نقول كنيسة العرب أو كنيسة المشرق العربي فنحن نقول كنيسة من أجل العرب،
فيها مؤمنون عرب مُرسَلون للعرب، وكنيسة مُرسَلة في هذا المكان وهذا الزمان خدمة
لهؤلاء الناس. ليس تبشيراً بمعنى الارتداد إلى المسيحية بقدر ما هو تبشير بأن الله
أحبّ الإنسان وأعطاه ذاته. أي هي كنيسة رجاء يُسميها الأب كوربون.
غسان
الشامي: سآتي إلى
كنيسة الرجاء لأن الكلمة مهمة جداً. ولكن في الوقت عينه، ميّز الأب كوربون العالم
العربي بين أربع مجموعات أو أربع بيئات، وهذا التمييز هو في منحى آخر، توجد عقائد
تؤمن به أو أفكار سياسية. من هذه البيئات جزيرة العرب والهلال الخصيب كما يُسمّيها.
في جزيرة العرب اندثرت المسيحية تماماً منذ قرون طويلة. كيف بقيت كنيسة المشرق العربي
في الثانية؟ وما هي صفات هذه الكنيسة في بقائها التاريخي؟
ثريا
بشعلاني: تاريخياً
اندثرت كنيسة الجزيرة العربية وكبرت وعظمت كنيسة أنطاكية السريانية واليونانية
والكنيسة الإسكندرانية القبطية. إن الأب كوربون لا يتكلّم على الجذور العربية لأنه
يعلم تاريخياً أنها قد اندثرت. الأب كوربون يتكلّم على جذور أنطاكيّة سريانيّة
يونانيّة أي على جذور مُتعدّدة الثقافة، واحدة العقيدة. هذا في الأصل وفي الجذور.
عندما يتكلم على كنيسة المشرق العربي، يعني بهذا الكنيسة الآنية اليوم التي هي
كنيسة مبنية ومكوَّنة من شعوب تتكلّم اليوم وهنا اللغة العربية وهي مُتجذّرة في
الثقافة العربية. وهو يُرسي تلك العقيدة في تجدّد الثقافة العربية في القرون
الماضية، القرن الثامن عشر والتاسع عشر. وفي هذين القرنين كان للمسيحيين الدور
الأكبر في إعادة تنشيط هذه اللغة وهذه الثقافة. فهو يتكلّم على التاريخ الحديث
للعروبة ويتكلّم على هذا التاريخ عندما يتكلّم على كنيسة المشرق العربي.
غسان
الشامي: ما هي إذاً
أسس وتبدّيات ثقافة المسيحيين في المشرق العربي؟
ثريا
بشعلاني: أولاّ،
المسيحيون في المشرق العربي، أتمنّى أن يقبلوا بما أقول لأن هناك نزاعات على
ذلك،...
غسان
الشامي: في النهاية
علينا أن نُطلِق رأياً.
ثريا
بشعلاني: أولاً،
بحسب فكر الأب كوربون، هم كنيسة محلية قائمة في هذا المكان والزمان، وعليها أن
تتبنى حاضرها. وحاضرها هو الثقافة العربية. وإذا لم تقبل هذا الواقع فلن تكون كنيسة
محلية مرسلة للإخوة. هذه الخصوصية الأولى والأساسية. أمّا الخصوصية الثانية فهي
إذا كان عليها أن تكون كما سيّدها يسوع المسيح فعليها أن تُخلي ذاتها من أجل
الآخرين. فهي لا تستطيع أن تكون طائفية متقوقعة متزمّتة خائفة على نفسها. وهذا
الكلام خطير جداً. هذا لا يعني أنه ليس عليها أن تعمل من أجل القوانين والحقوق.
لا، لست أتكلّم على هذا. أتكلّم على الروحانية والأسس الجوهرية. عليها أن تكون كما
سيّدها. ماذا عمل سيّدها؟ أعطى ذاته وأخلى ذاته من أجل الآخرين، وقال عن نفسه إن
حبّة الحنطة إن لم تقع في الأرض لا تستطيع أن تعطي ثمراً. فالشرط الثاني لهذه
الكنيسة أن تخلي ذاتها وتتخلّى عن كل أمجادها من أجل الآخرين. فإذا ما عملت بهذا
أصبحت ما ينبغي أن تكون عليه كنيسة الصلاة والخدمة ورسالة المحبة من أجل الآخرين.
هذه خصائص هذه الكنائس اليوم. ولكن لا تستطيع لهذا سبيلاً إن لم تعمل مجتمعة كنائس
مُتعددة الثقافات متوحّدة العقائد.
غسان
الشامي: اسمحي لنا
أن نذهب إلى فاصل.
أعزائي
أيضاً، نذهب وإيّاكم إلى فاصل، ثم نعود لمتابعة هذا الحوار عن الأب جون كوربون مع
الدكتورة ثريا بشعلاني. انتظرونا إذا سمحتم.
المحور
الثاني
غسان
الشامي: أهلاً بكم
من جديد في "أجراس المشرق".
أعزائي،
أريد أن أشير إلى أننا نصوّر هذه الحلقة في كنيسة مار يوسف في المشرف، وهي تابعة
لراهبات الكرمل. هنا في هذه المنطقة عاش طويلاً الأب كوربون. وله أيادٍ في بناء
هذه الكنيسة. ولكن قبل أن نتابع الحوار مع الدكتورة ثريا بشعلاني، نريد أن نذهب
أيضاً وإياكم قليلا إلى أشخاص عرفوا جيّداً هذا الرجل لنأخذ منهم شهادات عنه،
ونعود بعدها لمتابعة الحلقة.
انتظرونا أيضاً.
التقرير
"خلال
حياة الأب كوربون تعمّق كثيراً بالليتورجية البيزنطية واعتبر الخلاف بين الكنائس
الشرقية مخزياً، وهو شهادة ضدّ الإيمان المسيحي. وهذا غير مقبول. لذلك عمل طوال
حياته لتحقيق الشراكة بين الكنائس بشكل أو بآخر. واستطاع من خلال العلاقات الشخصية
التي بناها مع مختلف السلطات الكنسية أن يجمع شخصيات دينية مختلفة بشكل فعلي
وبصورة منتظمة في محاولة لتحسين العلاقات بينهم. وعلّم في جامعة البلمند الأورثوذكسية
وفي جامعة الكسليك المارونية، وأعطى دروساً لدينا في جامعة القدّيس يوسف للآباء
اليسوعيين. كذلك علّم لدى الأرمن. وجمعته علاقة جّيدة بالبروتستانتيين. وبالتالي
بنى شبكة علاقات رائعة، وكان فرداً تتقبّله جميع الأطراف."
"كان
الأب كوربون منظّماً جداً في حياته. في الوقت نفسه كان إذا احتاجه أحد يكون كلّي
الاستقبال وكان مضيافاً وكلّي الإصغاء. هو أولاً من الكنيسة اللاتينية. جمع الدّقة
والروحانية الشرقية. عندما يستيقظ كان أول فعل يقوم به هو فعل السجود والتأمل
والشكر على النهار الجديد الذي أعطاه إياه الله. كان إنساناً مصلّياً ومُتعبّداً،
إنساناً يعيش بحضرة الله."
"المهم
بفكر أبينا كوربون هو عمل الروح القدس في الكنيسة وخصوصاً من خلال الليتورجية.
وهنا أبونا كوربون يركّز كثيراً من جهة على عمل الروح ومن جهة ثانية على عمل
الإنسان على حرية الإنسان. موضوع الروح القدس هو موضوع عملي، موضوع فعلي، موضوع
تغيير العالم وليس موضوعاً نظرياً كيف يكون الله ثلاثة. ليس هذا الموضوع. الموضوع
أن الله الواحد أرسل إلينا كلمته وقد امتلأ من الروح القدس، هذا هو الثالوث، لكي
يحوّل الإنسان إلى روح الله. وأيضاً أبونا كوربون يركّز على عنصر الجماعة. الكنيسة
ليست فرداً. الكنيسة جماعة، والكنيسة هي جسد واحد يعيشون معاً، يصلّون معاً،
ويتناولون الجسد الواحد."
غسان
الشامي: تحية لكم.
دكتورة
بشعلاني، في الجزء الأول من الحوار تكلّمتِ على مفتاحية الثقافة العربية. كلمة
الثقافة العربية كلمة كبيرة. بالتوصيف الجغرافي تمتد من المحيط إلى الخليج ومن
البحر الهادر إلى النهر ... أي شيء كبير جداً. ولكن هل يقبل المسيحيون فعلاً الذين
غابوا عن جزيرة العرب ويغيبون عن شمال أفريقيا بتوصيف أن كنيستهم، المتّكأ الذي
تتّكئ عليه هو الثقافة العربية؟
ثريا
بشعلاني: أولاً،
الثقافة العربية هي ثقافة غنية جداً لأنها متعدّدة الجذور، وتأتي في خلاصة حضارات
كثيرة. أمّا المسيحيون، هل يقبلون أو لا يقبلون، في الحقيقة هم منقسمون على هذا
الفكر. الذين يرفضون هذا هم الأشخاص الخائفون من الزوال.
والذين يقبلون بهذا الواقع هم الذين يدركون أنهم مسيحيون من أجل الآخرين. فإذا ما
أنكروا ثقافتهم أنكروا ذواتهم.
والثقافة العربية هي مهدهم. اليوم وُلدوا في هذه الثقافة ويتكلّمون العربية،
ورموزهم وشعرهم ومنطقهم عربي. فإذا ما رفضوا الثقافة العربية رفضوا رسالتهم
كمسيحيين. أكرّر: الكنيسة هي كنيسة من أجل الآخرين، تعلن للآخرين جمال الحياة
والبنوّة الإلهية والرجاء. وسنأتي إلى هذا. إذاً الأب كوربون هو من الذين يؤمنون
بهذا البُعد العربي.
غسان
الشامي: كنيسة
المشرق العربي تدفع بشكل آلي تلقائي لنسأل عن الأنطاكية. الجزء الكبير من روح
كوربون أنطاكي. كيف تُقرأ الأنطاكية لدى هذا الرجل؟ ما علاقة أنطاكيته بكثلكته؟
ثريا
بشعلاني: عندما وصل
الأب كوربون إلى الشرق في العام 1956 اكتشف أن كلنا كنائس. فهو آتٍ من كنيسة واحدة
ذات ثقافة واحدة هي الثقافة اللاتينية. فاندهش من التعددية والتنوّع الداخلي في
الكنائس.
غسان
الشامي: والطقسي.
ثريا
بشعلاني: والطقسي.
كما أنه تألّم للانقسامات لأن التعدّدية غنى والانقسامات هي عكس الغنى، هي شرذمة.
اكتشف الأنطاكية واندهش لماذا؟ لأنه اكتشف كنيسة واحدة في بطريركية واحدة مزدوجة
الثقافة: سريانية ويونانية. ففهم أن الشرقيين قادرون على أن يَحيَوا الوحدة في
التنوّع. وهذا الأمر هو من الأمور والصفات التي ارتكز عليها ليقول لهم اليوم:
قد وُلدتم مُتعدّدين، وأنتم قادرون اليوم بتعدّد الكنائس والجذور الثقافية والطقوس
على أن تحيوا الوحدة. فإذا كانت الثقافات في الماضي قد أعطتكم التعدّدية، فإن
الثقافة العربية تدعوكم إلى الوحدة في الرسالة؛ الحركة المعاكسة للأولى. هذا كان
البُعد الأول. أمّا البُعد الثاني فهو روحاني ليتورجي آتٍ من آباء الكنيسة. هو إرث
كبير لا أستطيع أن أعبّر عنه اليوم. ربما في حلقة ما مع أحد المتخصّصين تتوقفون
عند الإرث الأنطاكي وامتداداته لغاية اليوم.
غسان
الشامي: برأيك، ما
الذي يدفع غريباً غربيا ليكون أنطاكيّاً في وقت.. لاحظي، دائماً كنت أفكّر أنه نوع
من الفصام، في وقت فيه أنطاكية جغرافيّاً وفكرياً وعملانياً باتت خارج روح أنطاكية
الكنسية؟ كيف؟
ثريا
بشعلاني: سأعود إلى
المبدأ اللاهوتي الأساسي عند الأب كوربون والذي ندعوه باليونانية
"كينوزس"، وقد تكلّمت عليه الآن. هو إخلاء الذات. إن الأب كوربون لا
يخاف من القول إنه إن ماتت ثقافة ما فإن إرثها الروحي واللاهوتي يبقى في شعبها إذا
ما شعبها حافظ عليها. إذاً، في فكر الأب كوربون نحن نعلم أن أنطاكية يمكن أن تزول
من الجغرافيا، ولكن ليس عليها أن تزول من الإرث الليتورجي والروحي واللاهوتي لدى
المشرقيين. وماذا تعلّم أنطاكية المسيحيين اليوم؟ تعلّمهم أن ينثقفوا وأن يندرجوا
بالشعوب التي هم مرسلون من أجلها.
غسان
الشامي: كتاب كنيسة
المشرق العربي صدر منذ 40 عاماً. زمان مديد. وفي هذه الأعوام الأربعين حصل الكثير؛
زلازل إنسانية وفكرية وثقافية لدى المسيحيين. برأيك كمتبحّرة في لاهوت الأب كوربون
وفي كتاباته، هل يتوجّب إعادة قراءة الكتاب بطريق جديد، بفكر جديد، بمنحى جديد؟
ثريا
بشعلاني: طبعاً،
لأنه عندما نقول كنيسة محلية نعني بذلك أن الكنيسة تقرأ علامات الأزمنة وتبني على
الشيء مُقتضاه في رسالتها. ومن هنا تأتي العقلنة. والعقل العلمي عليه أن يقرأ
علامات الأزمنة. ماذا يحدث من حولي؟ فإذا ما قرأت ما يحدث من حولي أستلهم الروح
لأعمل بما يجب أن أعمل عليه. عندما كتب الأب كوربون هذا الكتاب كانت الظروف
الجغرافية والسياسية والثقافية مغايرة إلى حد كبير. فعلينا اليوم أن نقرأ من جديد
هذا الكتاب.
غسان
الشامي: عذراً
للمقاطعة. ولكن كانت نُذُر التفتّت قد بدأت. كانت الحرب في لبنان قد استعرت إلى
حدّ ما.
ثريا
بشعلاني: الأب
كوربون رجل نبوي. قد تنبّأ لنا بما نحن عليه عندما قال: إذا الكنائس لم تتّحد
وتعمل سوية من أجل الآخرين فالخوف عليها من أن تندثر. وعليها جاهدة أن تخرج من
ذاتها ومن الطائفية من أجل الآخرين. أخشى ما أخشاه من الناحية المنطقية أن تتحقّق
نبوءة كوربون اليوم. إذاً يُخيَّل لنا أن هذا الكتاب قد مرّ عليه الوقت والزمان.
لا، لأن الأب كوربون يدعونا اليوم أيضاً. علامات الأزمنة تغيّرت، ولكن الدعوة تبقى
ذاتها. وما هي الدعوة؟ قال لنا إنه في الإيمان المسيحي لا خوف من العدد ولا خوف
على العدد. قليلين كنا أو كثيرين، ليس هذا المهم. الأهم ما نحن عليه في قلبنا وإيماننا
وعملنا مع الآخرين.
وهذا التحدّي ما زال قائماً. والتحدّي المسكوني يبقى قائماً اليوم، ولكن يكبر
ويكبر لأننا بالمفهوم الجغرافي والسوسيولوجي أصبحنا أقلية الأقلية.
غسان
الشامي: أيضاً هذا
يدفعنا لأن أسأل، وهذا توصيف حقيقي: تآكل هذا الحضور المسيحي في المشرق منذ قرون
طويلة لأن نضع يدنا أيضاً على الجرح. لا يكفي أن آخذ الموضوع لاهوتياً وفكرياً،
ولكن أن نضع يدنا على الجرح، لأنه إذا تناقص يصبح هناك فكر لبشر غير موجودين. ما
العوامل التي أدّت عند كوربون لهذا التآكل؟ وأنت أيضاً، ما رأيك بهذه العوامل؟
ثريا
بشعلاني: على
المسيحي، والأب كوربون من هؤلاء الأشخاص، أن يكون جريئاً وصادقاً مع ذاته. قبل
محاسبة الآخرين علينا الدخول إلى نفوسنا والنظر ومحاسبة نفوسنا. العامل الأهم
والأول هو الانقسامات الداخلية بين المسيحيين. والعامل الثاني هو الروح الطائفية؛
الروح الطائفية التي تبني معاملتها مع الآخرين على أساس الدين. فقبل أن نتّهم
الآخرين، علينا أن ننظر في ذواتنا. هذه العوامل الأولى هي العوامل الأساسية:
الانقسامات الطائفية وروح الخوف. نحن نخاف. الخوف هو حق مشروع، ولكن في الإيمان
علينا أن نقوى على الخوف. الناحية الثانية هي الآخرون. على الآخرين أن يؤمنوا بأن
التعددية غنى لهم كما لنا. وهوية المسلم كما المسيحي كما اليهودي قائمة على هذا
التعايش. ليس من مسيحي عربي واحد يتجاسر بالقول إن شخصه مسكوب من إيمانه المسيحي
فقط، ولا المسلم يقول إن شخصه مسكوب من القرآن فقط. نحن مسيحيون متجذّرون بعلاقتنا
بالمسلمين. فلنا طابع هذا التناغم والتزاوج. وللمسلمين أن يقولوا الأمر نفسه. فهذه
المخاطر بإلغاء الآخر مردودها على الجميع سيّئ. فإننا إن حاولنا أن نزيل الآخر
فإننا سنزول معه. كلام خطير ولكن أعني ما أعني عندما أقوله. لا مكان لي في آنيّتي
أي شخصيّتي وكياني إذا حاولت أن أبيد الآخر.
غسان
الشامي: ولكن أيضاً
يقول لك الكثير من المسيحيين إن في سيرورة حضورهم في هذه المنطقة، وهم في أساسها،
إن هناك ذمّيّة تغيب ثم تعود بما فيها من انتقاص لحضورهم الجسدي وحضورهم الروحي.
هل قرأ هذا الأب كوربون؟
ثريا
بشعلاني: نعم. الأب
كوربون يقول إن الروح الطائفية التي عند اللبنانيين عموماً هي متجذّرة لدى
المسيحيين خصوصاً في هذا الإرث الذي يخافون منه ويسمّونه الذمّة أو أهل الذمّة.
علينا الاعتراف بأن المسيحيين متخوّفون من هذا الأمر لأنهم في التاريخ كانوا طوراً
أهل ذمة وطوراً شركاء في هذا الأمر. ولكن أريد أن أذهب أبعد بكثير.
غسان
الشامي: تفضّلي.
ثريا
بشعلاني: ما هو أسوأ
الأمور للمسيحيين؟ أسوأ الأمور أن يزولوا فيصبحون كما سيّدهم: يموتون من أجل
الآخرين كحبّة الحنطة، يُخلون ذواتهم من أجل الآخرين. أنا أخاف أكثر على إخوتي
المسلمين إذا ما ذهب المسيحيون.
غسان
الشامي: أي كنيسة
تحتاجها هذه المنطقة برأي كوربون؟
ثريا
بشعلاني: الرجاء. عندما
يصمت المنطق وتتفاقم الأزمات والقتل والذبح والتشريد تبقى كلمة واحدة: الرجاء.
أبناء الكنيسة هم أبناء الرجاء والقيامة. ويقول القدّيس بولس في إحدى رسائله، وهي
رسالة إلى أهل كورنثوس: إن المحبة تنفي الخوف، فلا خوف في المحبة. المحبة تصدّق كل
شيء، تصبر على كل شيء، وترجو كل شيء. أنا من المؤمنين مع الأب كوربون بأن الشرق لن
يزول. ولي الرجاء الكبير بالمسلمين كما المسيحيين كما غير المؤمنين بأن هذا
المغناطيس المشرقي لا يزول. لي كلمة واحدة: المحبة لا تزول، والحياة ستكون لها
الكلمة الأخيرة.
غسان
الشامي: هذا الكلام
جميل. ولكن يقول لك الكثيرون إنه طوباوي. هل هو فعلاً طوباوي أن نقول إننا نريد
كنيسة الرجاء، فيما اليأس من مستقبل الإنسان في هذه المنطقة عميم؟
ثريا
بشعلاني: لا يستطيع
المسيحي أن يكون مسيحياً إذا كان غير قادر على أن يرجو كل شيء حيث لا رجاء. فالذي
مات من أجله ومن أجل الآخرين وأعطى القيامة قادر على أن يقيمنا من كبوتنا. أنا
أؤمن بالمنطق والعقل بأن هناك حياة لنا هنا. ما همّنا عددنا؟ ما همّنا عددنا؟ ما
نريده هو نوعية.
غسان
الشامي: ولكن هذا
كلام، النوعية والكمية، إذا أخذته إلى السياسة يصبح كلاماً عنصرياً.
ثريا
بشعلاني: نعم.
غسان
الشامي: هناك شعرة،
خيط بسيط.
ثريا
بشعلاني: أنا أنظر
إلى هذه الأمور من الناحية اللاهوتية. ولكن كمواطنة لبنانية أعمل جاهدة من أجل
الحضور المسيحي ومن أجل الحقوق. ولكن هناك نمط وأنظمة ومنطق من أجل هذا. ما أريد
قوله أن الإنسان الذي يفقد الرجاء لا يستطيع أن يحارب ويعمل من أجل الخير. المسيحي
أكثر ما يفعل أن يوضّب حقيبته، كما نقول نحن اللبنانيين، ويسافر. ولكن ماذا يخسر؟
يخسر الرسالة.
غسان
الشامي: رجل تكلّم على كنيسة رجاء في بلد طائفي.
ثريا
بشعلاني: نعم.
غسان
الشامي: تكلّم على كنيسة أنطاكية في بلد يعاني من الطائفية. تكلّم على عدالة
اجتماعية في بلد يعاني من الطائفية. كيف؟
ثريا
بشعلاني: لأنه راهن
على أن المسيحيين خصوصاً سيتجدّدون بمعموديتهم ويتخلّون هم عن روح طائفيتهم. هذا
الأمر على المسيحيين أن يقوموا به. إذا ما المسيحيون تجدّدوا بالروح القدس وعملوا
من أجل الوحدة وتكلّموا على المواطنة خارج الطائفية، يستطيعون مساندة إخوتهم في
بناء مجتمعات عربية قائمة على القوانين والحقوق والواجبات.
غسان
الشامي: كيف يُبنى
عقل مسيحي يحارب الطائفية وعقل مسلم يؤمن بالوحدة في التنوّع؟
ثريا
بشعلاني: سؤال صعب
جداً، كأننا في تناقض. هل حقّاً كل المسلمين يؤمنون بأن لا مكانة للآخرين
وللمسيحيين في هذا الشرق؟ لست أدري. فإذا كان كل المسلمين يؤمنون كذلك...
غسان
الشامي: أنا أدري أن
الكثيرين لا يؤمنون بذلك لأنهم يعرفون دينهم.
ثريا
بشعلاني: أريد أن
أقول أمراً: على المسيحي أن يقرأ في هذا التناقض وهذا التحدّي علامة للأزمنة، أي
أنه من خلال المنطق البشري أمام حائط مسدود. ولكنه من خلال تشبّثه برجائه وإيمانه،
وهذا ما يقوله الأب كوربون في كنيسة المشرق العربي في الصفحة 66 من الترجمة
العربية، يقول: إن المسيحي يرى في المسلم علامة أزمنة له لكي يصبح هو للمسلم علامة
رجاء. التحدّي الكبير إذا ما كنت أؤمن بالآخر والتعدّدية أن أسانده من أجل أن يبلغ
التعدّدية معي. وأنا أعلم بالمنطق والفكر أن ثمن هذا صليب وآلام، ولكن أعلم أيضاً
أن الصليب والآلام تنتهي بالقيامة. ولسيّد التاريخ أي الله نفسه الكلمة الأخيرة
وهي الحياة لجميع أبنائه من جميع الديانات والإثنيات والثقافات.
غسان
الشامي: ضاق بي
الوقت. سؤالي الأخير، وبقليل: ما هو لاهوت الثالوث؟ كيف توصّفينه بكلمات قليلة لدى
كوربون؟
ثريا
بشعلاني: لاهوت
الثالوث هو وحدة التعدّد في شركة المحبة. إذا ما أحبّ الإنسان الآخر أصبح معه في
وحدة تامّة. فكيف بنا بمحبة إلهية؟ المسيحيون يؤمنون بأن الله الواحد ثالوث لأنه
شركة محبة في ثلاثة أقانيم تدعو البشرية إلى هذا الحب وهذه الشراكة.
غسان
الشامي: أشكرك جداً،
جمّاً.
أعزائي،
هناك أحد ما استوطن المشرق واستوطنته روح أنطاكية. آمن، عمل، علّم، كتب، ورحل
تاركاً إرثاً لم ينسَه الأوفياء لهذا المشرق ومستقبله. كيف نقترب منه أو نبتعد عنه
في حمأة ما يهزّ هذا المشرق المضطرب وكنائسه؟ هذا ما يجب الإجابة عنه.
شكراً
للدكتورة ثريّا بشعلاني على حضورها في "أجراس المشرق".
شكراً لزملائي في البرنامج وقناة الميادين الذين يقرعون معي هذه الأجراس.
شكراً لكم على لطف المتابعة. ومَن يرغب بالاستزادة، دونه البرنامج على فايسبوك.
وسلام
عليكم وسلام لكم.