الفنانة رشا شيخ الدين جبريل وشقيقها عازف العود صادق شيخ الدين

نص الحلقة

زاهي وهبي: مساء الخير. في صوتها أصداءُ إرثٍ عريقٍ لبلادٍ أعطتنا الكثير من الإبداع ولم نُسلِّط عليها سوى القليل من الضوء. في صوتها وجعُ بلادٍ مُهمّشةٍ منسية وأهازيجُ "سودانٍ" زاخرٍ بالموسيقى والغناءِ والإنشاد. الإنشاد المقاوِم للحروب والنزاعات والفقر والتفتيت بإرادة شعبه الحيّ الذي يستنبط النُكتة من أحشاء الوجع ويبتكر بالشعر والموسيقى والغناء أسباباً للحياة في مواجهة الموت العميم. فنانةٌ هي حتّى الرَمَق الأخير، تُقيم على تقاطُع ثقافتين وموروثينِ عظيمين. فمن جهة، "السودان" بكلّ ما يُمثِل من منجمٍ إبداعيٍ لا ينضب، ومن جهةٍ ثانية "إسبانيا" وما تزخرُ به من كنوزٍ ثقافيةٍ وإبداعية. ضيفتنا الليلة استثنائيةٌ نادرةٌ مُغنيةٌ وموسيقيةٌ متوهّجة. فـ "بيتُ القصيد" الذي نريده دائماً بيتاً لكلّ المُبدعين العرب يرتدي حلةً سودانية ويُسعَدُ باستقبال الفنانة "رشا شيخ الدين جبريل" يُرافقها الموسيقي المُبدِع وعازف العود شقيقها "صادق شيخ الدين جبريل"، أهلاً وسهلاً بكما، نوّرتما "بيت القصيد"

رشا شيخ الدين جبريل: ألله يخليك أُستاذ "زاهي"

زاهي وهبي: هذه زيارتكما الأولى إلى "بيروت"؟

رشا شيخ الدين جبريل: هذه زيارتنا الأولى إلـى  "بيروت" وكانت من اللازم، من زمان. لكن الحمد لله أنّ أتت هذه الفُرصة ونشكركم عليها، وأحببت "بيروت" جداً

زاهي وهبي: كنت أريد أن أسألكما عن انطباعاتكما عن بيروت، اُستاذ "صادق"

صادق شيخ الدين جبريل: حلو، نحن طبعاً ما زلنا مندهشين لجمال المدينة، وبعد ذلك نزلنا في فندق في منطقة حلوة جداً على صخرة "الروشة"

زاهي وهبي: وهي من المعالِم الأساسية في "بيروت" و"لبنان". على كلّ حال، قبل أن أبدأ بطرح الأسئِلة عن تجربتكِ ونستمع أيضاً إلى بعض الأُغنيات والمقطوعات من عملكما، سنراكِ في ربورتاج صوِّرَ هنا في "لبنان" بعنوان "علامة فارِقة"

علامة فارِقة

رشا شيخ الدين جبريل:

— أنا "رشا شيخ الدين"، سودانية، عشت في "السودان" العشرين سنة الأولى من حياتي، ولن أقول لكِ كم عُمري، وذهبت إلى "إسبانيا" وأعيش في "إسبانيا" هناك واُغنّي

— عندما يكون المرء في المسرح ويؤدّي عمله أمام الجمهور هذا شيء آخر، كأنه شخص آخر

— لا يُمكنني أن أقول بأنني فنانة ثورة أو ما شابه، لكن عندي أعمال فنية لها علاقة في الوضع في "السودان" لأنّ الوضع سيّىء والوضع لا يُسكَت عنه

— بدأت مسيرتي الفنية في "إسبانيا" أصلاً، كنت قد هاجرت وكنتُ أدرُس وهاجرت من أجل الدراسة، وعندما بدأت المسيرة حتّى توقفت عن الدراسة وبدأت في مجال الموسيقى

— جمهوري الأول لم يكن سودانياً، والوضع في "السودان" كان صعباً وأنا كان عندي أغانٍ ضدّ الحكومة وكنتُ أرفض التعامل مع السفارات وما زلت، أرفض التعامل مع السفارات السودانية وما شابه

— أول مرّة عدتُ فيها إلى "السودان" كانت بعد تسع سنوات من هِجرتي، عدت ووجدت "سودان" مختلِف تماماً، مُختلِف وغريب وأحسست بأنني غريبة، حتّى الفنون في "السودان" هي شيء ثانوي ولا توجد فُرَص جميلة أو تستحق. أكثر ما يُزعلني في الموضوع أنّ عندي جمهور يطلُب مني أن آتي وأُغني وما شابه، لكن ليس بسهولة ولا توجد تسهيلات مع الحكومة. عليك أن تطلب إذناً كي تقيم حفلة

— كنت أحلم بعالم "فيروز" وهي على المسرح وتُغني، صوتها، أغانيها. أغانيها كانت كأنها حكايات طفولة

— لأنني أنا سودانية وهي تتحدّث عن أراضي "لبنان" والضيعة وأشياء لا علاقة لها بـ "السودان"، فكانت أغانيها وكأنني أسمع أساطير أو قصصاً من مكانٍ بعيد

— أعزِف مع الغناء لأنها أساساً في بداياتي كانت حاجة. عندما بدأت الغناء لم يكن هناك غيري وغير الوافر أخي كي نقيم موسيقى سودانية معاً

— أنا أُحب أن تكون الموسيقى مستمرة وأن يستمتع الناس معي وأن أستمتع أنا معهم لأنني أفتقد هذا الشيء وليس لسبب آخر

زاهي وهبي: والمزيكا مستمرة، وإن شاء الله تكون موسيقى فرح وحبّ دائِماً، لكن للأسف بلادنا كلّها موجوعة وليس فقط "السودان". سأُعرِّج على بعض النقاط التي ذكرتِها ولكن أولاً نُلاحظ أن في "السودان" أصوات نسائية جميلة، دائماً السيّدات السودانيات عندهنّ هذه الأصوات. هلّ يوجد سبب لهذا الأمر؟

رشا شيخ الدين جبريل: لا أعلم، أيضاً الأصوات في "لبنان" حلوة كثيراً، ما هو السبب؟ (تضحك) أقول لأن الغناء في "السودان" إلى حدٍ كبير ليس فيه مفهوم الـ Industry المعروفة عالمياً حالياً بشكلٍ كبير. أي هذا الغناء موجود لكن على قياسنا كما يقولون

زاهي وهبي: على نطاق محلي

رشا شيخ الدين جبريل: دائماً علاقة الناس بالموسيقى هي في المناسبات العائِلية، في البيوت، هكذا، فمن أجل هذا النساء تغنين في المناسبات

زاهي وهبي: ويُمكننا أن نقول ليس فقط النساء بل حتى الرجال أيضاً. توجد أصوات عظيمة في "السودان" أليس كذلك أُستاذ "صادق"؟ وكأنه جزء من الحياة. تشعر أنّ الفولكلور السوداني موجود في الحياة اليومية

صادق شيخ الدين جبريل: الغناء في "السودان" أصلاً عنده علاقة بالدين

زاهي وهبي: نعم

صادق شيخ الدين جبريل: الصوفيون كانوا دائِماً في مديح، والمديح هو أسلوب غناء جماعي. مسألة الجماعية هذه ظلّت مؤثّرة على الغناء السوداني لفترة طويلة جداً، وبعدها أتت فترة "الحقيبة" التي تُعتبر المرجعية الأساسية للغناء في "السودان" وما يُسمّى الغناء الحديث الآن

زاهي وهبي: خصوصاً أنه يوجد الكثير من المدارِس الصوفية في "السودان" أو جماعات صوفية أو حركات طقوس، فيكثُر الإنشاد والمديح. سيّدتي، بمن تأثرتِ من أصوات وموسيقى؟ البيئة التي أثّرت بك ما هي ملامحها؟

رشا شيخ الدين جبريل: أنا سمعت منذ أن كنت صغيرة جداً كلّ الفنانين السودانيين في الإذاعة وكانوا يبثّون أغانيهم في الإذاعة وخلافه، لكن كنت أسمع أيضاً موسيقى من خارِج "السودان" كانوا يحضرونها إخواني الكبار عندما يُسافرون ويعودون. فأحببت "فيروز" منذ أن كان عمري خمس سنوات وما زلت، وربنا يُطيل في عُمرها وتُسمِعنا أكثر. تأثير "فيروز" كان في الحلم، في فكرة الحلم وربما ليس في التأثير الموسيقي. كنت أُغني وأُدندن مع "فيروز" كثيراً

زاهي وهبي: ولكن ربما كرمز أو كنموذج للمرأة المُغنية، للسيّدة التي

رشا شيخ الدين جبريل: للمغنية التي أثبتت وجودها تماماً في الغناء في العالم. بعدها أيضاً هناك الأُستاذ "عبد العزيز داوود" وهو فنان سوداني رحمه الله مُهم جداً في تاريخ الغناء السوداني ومهم جداً بالنسبة لي أيضاً. أنا أحببته من زمان وأعتقد أنّ طريقة غنائه وأغانيه وأدائه مميّز جداً عن بقية الفنانين ولو أن السودان مليء بالفنانين

زاهي وهبي: اليوم، ما تقدمينه حضرتكِ، كم له علاقة بالبيئة؟ بمعنى كم هذا الغناء والموسيقى يخرجان من البيئة السودانية، من بيئة "أم درمان" و"الخرطوم" و"السودان" وكم له علاقة بالموروث السوداني في هذا المجال؟

رشا شيخ الدين جبريل: له علاقة تماماً. المُشكلة في الموروث السوداني أنه واسِع جداً

زاهي وهبي: ومُتداخل فيه

رشا شيخ الدين جبريل: ومُتداخل جداً، لكن عندما نتحدّث عن الموسيقى السودانية نكون نتحدّث بشكل أكبر عن موسيقى الوسط والشمال وتأثير "الحقيبة" كما ذكر "الصادق" من قبل وما إلى ذلك. "السودان" أوسع من هذا بكثير، الموسيقى السودانية أوسع من هذا بكثير، وأنا أُحاول أن أعكِس هذه الأشياء. لكن روح "أم درمان" الفولكلورية موجودة بالتأكيد اليوم معنا

زاهي وهبي: "الحقيبة"، ماذا تعنيه "الحقيبة" أُستاذ "صادق" عندما نقول "الحقيبة" السودانية؟ أو "حقيبة أم درمان"

صادق شيخ الدين جبريل: يُحكى أنه كان يوجد مُقدِم برنامج وكان يُحضر الـ Real القديمة وهي تسجيلات قديمة، فكان يقول " ونفتح الحقيبة لنرى ماذا نسمع"، وكان هذا الغناء هو غناء الفترة التي تحدّثت عنها، الفترة الجماعية، وظهر فيها فنانون كثيرون في "الويكي داكا" و "سيرور" و"كروما" وجاء في ما بعد "أولاد المورِدة" والكثير من الفنانين من "السنغال"

زاهي وهبي: أي يُمكننا أن نسمها "صندوق فِرجة" موسيقي وغنائي

صادق شيخ الدين جبريل: فعلاً ارتبط اسم "الحقيبة" بفِكرة حقيبة المُذيع وسُمّيت الفترة بفترة "الحقيبة" وما زال هذا الإسم هو السائِد. ولكن طبيعة هذا الزمن كان الغناء من دون آلات، أي غناء جماعي

زاهي وهبي: أصوات وإرتجالات

صادق شيخ الدين جبريل: أصوات وإرتجالات. كورس مع مُغنٍ أو اثنين وبعدها تكون هناك إيقاعات

رشا شيخ الدين جبريل: فيها آلات            

صادق شيخ الدين جبريل: وآلات إيقاعية

رشا شيخ الدين جبريل: هي آلات طبعاً

صادق شيخ الدين جبريل: لكنها ليست كثيرة

زاهي وهبي: آلات بدائية، آلات من صنع محلي

صادق شيخ الدين جبريل: أجل آلات بدائية، حسناً من أجل خاطِرِك

رشا شيخ الدين جبريل: من أجل خاطري أجل، من أجل خاطري

زاهي وهبي: طنجرة، وعاء أو شيء

صادق شيخ الدين جبريل: بالضبط والـ "مثلث" و"ريك" وما شابه

زاهي وهبي: كلّ الفنّ بدأ هكذا، كل الأصوات

رشا شيخ الدين جبريل: طبعاً

زاهي وهبي: كيف اكتشف الإنسان الأصوات؟ في هذه الطُرُق. لماذا قلتِ أن الأغنية الحديثة اليوم أو الموسيقى الحديثة غير حديثة أبداً؟

رشا شيخ الدين جبريل: (تضحك). هذا رأيي الشخصي جداً، وقد يسمعه بعض الناس ولا يرضون. لكن أعتقد أنّ واقعنا الحالي لم يسمح للتسلسل الطبيعي والتطوّر الطبيعي أن يحصل في موسيقانا. فنحن حين نقول موسيقى حديثة فالاحتمال أننا نكون نتحدّث عن فترة السبعينات والثمانينات. هي حديثة طبعاً أكيد لكن هناك ما هو أحدث منها أيضاً

زاهي وهبي: طبعاً نحن نعرِف من "السودان" "الكابلي"، "عبد الكريم الكابلي"، "محمّد وردي"، هذه الأسماء العظيمة. لكن اليوم أُستاذ "صادق" هلّ أصاب الأُغنية السودانية ما أصاب الأُغنية العربية بشكلٍ عام من اتجاه تجاري وترفيهي فقط؟

صادق شيخ الدين جبريل: بالضبط. أعتقد أنّك أجملت بالضبط الوضع الحاصل في "السودان" في جملة واحدة. زمان الفنّ كان للفنّ، والإبداع للإبداع. أغلب الفنانين الذين ذكرتهم مثل الأُستاذ "الكابلي"، الأُستاذ " محمّد الأمين"، الأُستاذ "محمّد وردي" رحمه الله، "السيّد خليفة" رحمه الله، وكلّ فناني هذه الجيل، فنانو فترة الخمسينات والستينات كانوا يغنون من أجل الغناء، يغنون من أجل الإبداع. وكان دور المادية في الغناء والتسويق الرخيص

زاهي وهبي: لم يكن الغناء وسيلة ربح أو تجارة 

صادق شيخ الدين جبريل: لا، مع أنّ أغلبهم كانوا يشتغلون في مِهَن اُخرى ويغنّون في أوقات أُخرى، وفي ما بعد أغلبهم تركوا أعمالهم ليتفرّغوا للغناء لأنها كانت إلى حدٍّ ما مهنة تكفي لأن يعيشوا. لكن الحقيقة أنني فعلاً آسف للوضع الموجود الآن. مسألة التسويق هذه تلعب دوراً وفي النهاية تسمع الفنان وتُشاهِد صوره وتُشاهِد الإعلان وعندما ترى الفنان نفسه تجد أنه

زاهي وهبي: لا يستحق هذه البهرجة وهذه الدعاية بأكملها. سيّدتي قرأت أثناء تحضيري للقاء أنكِ تأثرتِ أيضاً بغناء "أبي داوود"، من هو "أبي داوود"

رشا شيخ الدين جبريل: "أبو داوود" تحدّثت عنه قبلاً. هو فنان بالنسبة لي مُميّز جداً، من أهمّ الفنانين السودانيين في الحقبة هذه التي تحدّث عنها "صادق"، وتأثّرت به لأن علاقته بما يُغنّي كانت تُطرِبه وهو كان يحبّ الغناء بنفسه

زاهي وهبي: يعيش الحال

رشا شيخ الدين جبريل: يعيش الحال. وبعدها كان مشهوراً وكان يُسافر في "السودان" كله كي يتعلّم الأغاني من النساء ومن الناس العاديين في كلّ منطقة لأنه كان يؤدّي Style معيّن خاص به لكنه مليء بكلّ تفاصيل "السودان"

زاهي وهبي: حضرتكِ تعيشين الحال عندما تُغنين؟

رشا شيخ الدين جبريل: أُحاول، أجل، أجل أعيشها      

زاهي وهبي: لأنك تكتبين أيضاً، بعض الأُغنيات التي تُغنينها من كلماتِك؟

رشا شيخ الدين جبريل: نعم

زاهي وهبي: من المُفترض أن تكون هذه الكلمات خرجت من ذاتكِ

رشا شيخ الدين جبريل: لاحظت أنني أكتُب الكلمات عندما أكون في حال غضب أكثر، يكون عندي موضوع يُهاجسني. لكن اُفضِّل أن اُغني للشعراء الآخرين. في الفترة الأخيرة بالذات أُفضِّل أن اُغنّي للشعراء الآخرين، لكن أنا لستُ شاعِرة

زاهي وهبي: شعراؤك الذين غنّيتِ لهم هم سودانيون بمعظمهم أم بينهم عربٌ آخرين أو ربما غير عرب؟

رشا شيخ الدين جبريل: إلى حدّ الآن سودانيون. لكن اليوم يُمكنني أداء نموذج من الشِعر العربي اللبناني لـ "سليم فرحات" ومُلحِن هذا النموذج الأُستاذ "بُرعي" رحمه الله وكان يلازم "أبو داوود". الاثنان "أبو داوود" و "بُرعي" على العود كانا ثنائياً فريد في تاريخ موسيقانا، فهو أخذ قصيدة من " عروس الروضة يا ذات الجناح" ولحّنها في الطريقة السودانية

زاهي وهبي: هلّ من المُمكن أن نسمع شيئاً من تجربتكما؟         

رشا شيخ الدين جبريل: نعم، ممكن

زاهي وهبي: إذا أردتما، تفضلا

رشا شيخ الدين جبريل: شكراً. ("رشا" تغني" عروس الروضة يا ذات الجناح" وتعزف على الطبلة و"صادق" على العود)

المحور الثاني:

{مقتطفات من إحدى الحفلات بصوت "رشا شيخ الدين جبريل"}

زاهي وهبي: مُقتطف من إحدى حفلاتك. قبل أن نتحدّث عن " يا سودان معليش، أخذوك ناس الجيش"، عندما يكون معكِ موسيقيين أجانب، تفاعلك معهم خصوصاً أنهم قادمون من خلفيات ثقافية وموسيقية مُختلِفة، كيف يحدث هذا التناغُم بينكِ وبينهم مثلما كنا نُشاهِد؟

رشا شيخ الدين جبريل: في الحقيقة أنا أيضاً محظوظة ولا أغني مع أيّ عازفين أو آخرين، هؤلاء هم أيضاً عازفون متمكّنون جداً. أنا أعتقد أنّ الميزة في أنني دائِماً أجد موسيقيي الجاز عندهم قابلية أكثر وانفتاح أكثر

زاهي وهبي: مرنين ومطواعين

رشا شيخ الدين جبريل: مرنين أكثر ومطواعين في العمل مع أية ثقافات أُخرى أو أية إيقاعات مختلفة. لكن دائماً طبعاً يوجد شُغل يُحضّر قبلاً. رجل الساكسفون هذا هو مدير الفرقة موسيقياً  

زاهي وهبي: ما هي جنسيته؟

رشا شيخ الدين جبريل: إسباني. فأنا أشتغِل معه هو في الأساس وهو يُدير الفرقة. الفرقة عندها الأشياء مكتوبة وأيضاً البروفات وكثرتها وهم لطيفون جداً

زاهي وهبي: لكن المقتطفات من حفل في "لندن"

رشا شيخ الدين جبريل: من حفل في "لندن" نعم"

زاهي وهبي: أنا بالتأكيد سأتحدّث عن تجربتكِ في "إسبانيا" ولكن سنستمِع إلى بعض الآراء اليوم بتجربة حضرتك نبدأها مع السينمائي السوداني ومؤسّس "سودان فيلم فكتوري" الأُستاذ "طلال عفيفي"

كلام يوصل

طلال عفيفي – سينمائي: أنا تعرّفت على "رشا" في أواخر التسعينات لكن تعرّفي بها كان من باب أنني مُستمِع. بعد ذلك بسنوات تعرّفت على "رشا" يشكلٍ شخصي وصرت صديقاً للأسرة ولأفراد العائلة. أنا أعتقد وأحسّ أنّ "رشا" عندها صوت يحتوي المحمول الثوري الذي تكلّمتم عنه، بمعنى أنّ "رشا" من أوائِل الناس السودانيين الذين ارتادوا فكرة الـ World Music في هذا المجال، وأيضاً هي إحدى اللواتي الذين عرّضن التراث السوداني للتعامل مع محفِّزات من خارِج أفريقيا، من "الكاريبي" ومن "أوروبا" وخلافه، وهذه التجربة في حقيقة أمرها تجربة ثورية. أعتقد أنه في الوقت الحالي، العودة إلى "السودان" قد لا تُضيف الكثير لتجربة "رشا" لأنّ التجربة الموسيقية عند "رشا" لها علاقة بالاحتكاك ولها علاقة بتطوير الأداء، وهذا لأسباب أُخرى لها علاقة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية في "السودان" التي قد لا تكون مُتاحة. فأنا كشخص مُحِبّ لفنّ "رشا" وحادِب على شأن فنها، لا أعتقد أنه من المُناسِب أن ترجع في هذا الوقت. إذا أردت أن أُشبّه "رشا" بـ Icon، أوّل إحساسي بـ "رشا" عندما سمِعتها في بداياتها أنها ممكن أن تُشبّه بأنها كانت "المُهر الجامح" للأُغنية السودانية. كنت أريد أن أسأل " رشا"، قبل سنوات عندما تقدّمت في المشهد السوداني الغنائي والأفريقي كانت تجربة جديدة والآن أنا أُحب أن أسمع منها، هلّ في خضمّ تجربتها نفسها، هلّ عندها أية آفاق جديدة وهلّ هناك أيّ شيء يُمكن أن تحكيه لنا عن مُستقبل تجربتها الغنائية؟

زاهي وهبي: الشُكر الجزيل للأُستاذ "طلال عفيفي"، تفضّلي. وصفكِ بـ "المُهر الجامح" للأغنية السودانية أو الغناء السوداني

رشا شيخ الدين جبريل: (تضحك)، "طلال" حبيبي، "المُهر الجامِح"، ظريف هذا التعبير

زاهي وهبي: آفاق تجربتك المُستقبلية؟

رشا شيخ الدين جبريل: آفاق تجربتي المُستقبلية. أنا عندما بدأت في الغناء كان عندي هاجس، اليوم السودانيون يتحدّثون كثيراً عن العالمية لكن هاجسي كان كيف نخلط هذه الموسيقى مع موسيقى أُخرى، كيف نطوِّرها، كيف نخرُج من الثوب السوداني المحلّي جداً جداً، لكن ليس بغرَض العالمية لأنّ العالمية إذا أنت تبحث عنها تهرب منك. الموضوع أنّ أنا شاهدت تجارب اُناس آخرين، مثلاً كنتُ أُفكِّر في بداياتي في تجربة الأُستاذ " يوسون دور" من "السنغال". "يوسون دور" خلق من داخل موسيقى "السنغال" Style

زاهي وهبي: طبعاً وجذب مُحبين من كلّ أنحاء العالم

رشا شيخ الدين جبريل: أجل، "الشبراس" الذي أصبح Style معيناً يُعرِّف "السنغال"، ومن بعده كلّ السنغاليين

زاهي وهبي: حذوا حذوه

رشا شيخ الدين جبريل: نعم. الذي كنت أُفكِر فيه هو كيف نجعل أُغنيتنا هذه مسموعة عند أيّ شخص في أي مكان، تماماً كما أنا أسمع لـ "يوسون دور" مثلاً

زاهي وهبي: نصحكِ بعدم العودة حالياً إلى "السودان" وأعتقد أنه يقصد فنياً قد تكون تجربتك في الخارج قابلة لأنها، كما قال، قائِمة على الاحتكاك مع تجارُب أُخرى. لكن في الوقت نفسه، الأُغنية التي سمعناها قبل قليل والتي هي مُناهِضة لحُكم العسكر، هلّ يُمكننا وصفكِ بأنكِ فنانة مُعارِضة أو فنانة ثورية؟

رشا شيخ الدين جبريل: مُعارِضة أكيد، لكن ثورية لا أدري. ثورية "ما بعرِف"، حلو اللبناني، دعني أقول لك، دقيقة، "لبنان" أعجبني واللهجة اللبنانية 

زاهي وهبي: أهلاً وسهلاً بكِ

رشا شيخ الدين جبريل: ألله يخليك

زاهي وهبي: ثورية بمعنى أنّكِ تغنين أُغنيات تُحرِّض على الثورة، على التمرّد، رفض الظلم والطغيان إلى آخره

رشا شيخ الدين جبريل: كنت في بداياتي أُحاول أن أقوم بذلك أو قمت بذلك، لكن الآن أعتقد أنّه ليس بالضرورة أن يُغنّي المرء أغاني تُحفِّز أو تحضّ الناس على الثورة أو ما شابه. مُجرّد فعل الغناء هو ثورة بالنسبة لي لأنه ضدّ ما يحصل في "السودان"، لأنه يقول للحكومة السودانية ولكُل الموجودين في "السودان ممن يُحاولون إماتتنا ونحن أحياء، يقول لهم، لا، نحن نعيش ونُحب ونُغني ونفرح ونضحك ونقوم بكلّ هذا

زاهي وهبي: أُستاذ "صادق"، هلّ يستطيع الفنّ شيئاً في مواجهة الخراب، في مواجهة الظُلم، في مواجهة الفقر، في مواجهة الحروب؟ واليوم ليس فقط "السودان" بل هذه الأمة العربية كما تعلم من المُحيط إلى الخليج غارقة في مشاكِل وأزمات، إمّا حروب أو اقتصاد أو بطالة أو فقر، هلّ يستطيع الفنّ شيئاً؟

صادق شيخ الدين جبريل: طبعاً، الفن أصلاً إذا لم يلعب دوراً يكون بلا فائِدة ويكون فناً رخيصاً وسخيفاً ولا يلعب دوراً في الأساس. أنا أعتقد أنّ فنّ الفنان لا بدّ أن يكون عنده هموم واهتمام وهناك نماذِج كثيرة لفنانين كثيرين ونماذِج لتجارب. والفنان أيضاً عندما يواجَه ويُقصى ويُبعد ويحقن وبالكاد يكون مهماً. وعندنا نماذِج في "السودان"، عندنا "محمّد وردي" الذي كان من الفنانين المناضلين الأقوياء جداً رحمه الله والكثير من الفنانين

زاهي وهبي: مُقيمة خارِج "السودان" قسراً أم طوعاً؟ بمعنى خياركِ أم مُرغمة؟

رشا شيخ الدين جبريل: قليلاً من هذا وقليلاً من ذاك

زاهي وهبي: نعم

رشا شيخ الدين جبريل: قسراً لأنني لستُ مُرتاحة في "السودان" ومما يحصل في "السودان" مثل أغلب السودانيين. إذا ذهبت إلى السودان اليوم ستجد أغلب الشباب يريدون الخروج منه، يريدون الخروج من "السودان". لا توجد فُرَص والحياة ضيّقة، لكن في الوقت نفسه ممكن أن أعود

زاهي وهبي: تزورين "السودان"، زرتِ "السودان" لكنكِ لم تُحيي حفلات

رشا شيخ الدين جبريل: أحييت لكن بشكلٍ بسيط، ومن أجل هذا قلت قبلاً أنني لا أعتبر نفسي ثورة أو ما شابه لكن هناك علاقة بما أفعله وبين ما يحدُث. أنا لا يُعطوني إذناً كي أُقيم حفلات بسهولة

زاهي وهبي: إن شاء الله نُشاهدكِ في المهرجانات العربية المُهمّة التي تحصل هنا في "بيروت" أو في "قرطاج" أو في "جَرش" أو في "موازين"

رشا شيخ الدين جبريل: إن شاء الله، إن شاء الله يا ربّ

زاهي وهبي: تفضلا، إذا أمكن نسمع أيضاً ونغتنم الفُرصة لنتعرّف عليكما أكثر ونتعرّف أيضاً على الغناء

رشا شيخ الدين جبريل: طبعاً في حال جديدة، دعنا نرى. شكراً ("رشا" تغني وتعزف على نوع من أنواع الطبلة و"صادق" على العود)

المحور الثالث:

{مقتطفات من حفل "إسلنغتن" في "لندن"}

زاهي وهبي: المغنية السودانية المُتميزة "رشا شيخ الدين جبريل" ومُقتطف من حفلة "لندن" أيضاً. شاهدنا أخاكِ الآخر، عازف العود، "الوافر"، الذي كان من المُفتَرض أن يكون معنا أيضاً ولكن تعقيدات السفر في اللحظة الأخيرة حالت دون ذلك. كم يُمكننا أن نقول أنكم أُسرة فنية، ما شاء الله 11 أخاً وأُختاً، أليس كذلك؟

رشا شيخ الدين جبريل: (تضحك)، أجل

زاهي وهبي: بمعنى جيش

رشا شيخ الدين جبريل: نعم جيش

زاهي وهبي: قبيلة بني "جبريل"

رشا شيخ الدين جبريل: قبيلة بني "جبريل" الفنانون. الأُغنية التي أدّيناها قبل قليل من كلمات شقيقتي "تُماذِر شيخ الدين" أيضاً. "تُماذِر" هي فنانة في فنّ التمثيل والدراما وما شابه    

صادق شيخ الدين جبريل: إخراج

زاهي وهبي: وعندكم رسام تشكيلي أيضاً

رشا شيخ الدين جبريل: وتكتب الشعر، وعندنا فنان تشكيلي أيضاً "تبارك شيخ الدين" وعندنا مُذيع في "صوت أميركا" "مقداد شيخ الدين". و"الصادق" و"الوافر" وأنا و"عفاف شيخ الدين" أيضاً الذين عمِلنا في الموسيقى

زاهي وهبي: و"الصادق" عنده تجربة متميّزة في "بلجيكا" حالياً، تُدرِّس العود وأصبح تدريس آلة العود بجهودك ضمن المعاهد الموسيقية في "بلجيكا"            

صادق شيخ الدين جبريل: صحيح، نعم. أنا في الحقيقة بدأت المشروع وبدأت أهتم بأن يكون العود آلة مُعترف بها منذ فترة طويلة. لكن بدأت في إنجازها وأنجزتها تقريباً أو نجحت ليس لوحدي طبعاً بل مع فريق عمل

زاهي وهبي: آخرون طبعاً

صادق شيخ الدين جبريل: أجل، في عام 2014، واحتفلنا بهذه المناسبة وأقمنا أُسبوعاً أسميناه "الأسبوع العربي" ودعينا فيه الأُستاذ "ناصيف شمّا" و"أشرف عوض" ومجموعة من الناس وقدّمنا

زاهي وهبي: من أبرز العوّادين

صادق شيخ الدين جبريل: طبعاً صديقي وحبيبي جداً وأحييه من هنا  

زاهي وهبي: على كلّ حال لا تحتاج إلى شهادتي، عزفك رائِع

صادق شيخ الدين جبريل: ألله يخلّيك

زاهي وهبي: وضربتك نظيفة وريشتك نظيفة

صادق شيخ الدين جبريل: ألله يخلّيك

زاهي وهبي: سنسمع رأياً أيضاً من "السودان" بحضرة جنابِك وبتجربتِك من الموسيقي الأُستاذ "شريف شرحبيل"     

رشا شيخ الدين جبريل: ألله يخلّيك

كلام يوصل

 شريف شرحبيل – فنان: إذا تحدّثنا عن "رشا شيخ الدين" فنحن نتحدّث عن إنسانة شابة يافعة صغيرة جداً جداً كانت هنا في "السودان" ولم نكن نعرِفها بشكلٍ مُباشِر هكذا، لم تكن فنانة. "رشا" ليست غريبة علينا فهي من أُسرة فنية إعلامية كبيرة جداً في "السودان" وأفراد عائلتها كلهم من الفنانين والممثلين والإعلاميين، وشيء طبيعي أن تمتلِك هذه المواهب الجميلة جداً جداً. تكتب الشِعر، توزِّع جزءاً من أُغنياتها، عندها ناحية العزف لمُعظم الإيقاعات الشعبية وتعزِف ما عندنا من "لوكا" و"الطبلة". هي مجموعة من المواهب المتحرّكة، وبالإضافة إلى ذلك عندها مسار رسمته لنفسها وتمشي عليه وتثق فيه بشدة إلى حدّ أن وصلت وأصبحت "رشا شيخ الدين" الفنانة العالمية التي حافظت على الـ Structure القوي للأُغنية السودانية واللحن أو Melody الأُغنية مع إضافة لمسات التوزيع من الآلات المختلِفة. أقول لـ "رشا"، شكراً لك جزيلاً جداً لأنكِ بدأتِ توصلين ولو جزءاً من شكل الثقافة السودانية في أُسلوبِك الخاص. أتمنّى جداً لو تعود "رشا" إلى "السودان" في زيارات كثيرة لكي تجري لقاءات في الإذاعات وفي التلفزيونات السودانية لأنها في النهاية ابنة "السودان" ويُفترَض أن يكون عندها جمهور أيضاً من حقّه أن يستمتع بها كشخصية عالمية سودانية مُهمّة جداً جداً لأنها تعكِس الثقافة السودانية في الخارِج. فأتمنّى أن نراها، وتقريباً هذا سؤال لكِ يا "رشا". أيمتى سنراكِ موجودة بشكلٍ واضِح وظاهر ودوري؟

زاهي وهبي: جزيل الشكر للفنان "شريف شرحبيل". يريدك أن تعودي إلى "السودان" على عكس ما قاله "طلال" قبل قليل. هلّ توجد مشاريع أو نيّة لإقامة شيء ما في "السودان"؟

رشا شيخ الدين جبريل: أُستاذ "شريف شرحبيل" هو ابن الأُستاذ "شرحبيل أحمد" وهو أيضاً أحد عظام الموسيقيين والمغنيين السودانيين. و"شريف" هو حالياً، تقريباً هو رئيس فرقة "عقدة جلاد" الآن. "عقدة جلاد" فِرقة سودانية ابتدأت في الثمانيات، وفي ذلك الوقت أنا كنت في المُراهقة وفي الثانوي وكنت لم أبدأ الغناء احترافياً بعد، فكنت مُعجبة جداً بهذه الفرقة، وهُم في الحقيقة عملوا فرقاً في الساحة الفنية الموسيقية في "السودان" ولا زالوا، عندهم جمهور واسِع وعريض من الناس في "السودان". فأولاً أُحب أن أشكره على تعليقه وظهوره وأُحبّ أن أقول له أيضاً، "أرجع عندما الجماعة ينفكّون عن اللعب"، هذا كلام سوداني (تضحك)، "عندما الجماعة ينفكّون عن اللعب"

زاهي وهبي: أي عندما يتهيّأ لك مناخ مؤاتٍ وظرف بشكلٍ عام

رشا شيخ الدين جبريل: بشكلٍ عام وليس لي أنا خصيصاً

زاهي وهبي: من دون ضغوط ومن دون تدخّلات ومن دون إملاءات ومن دون هذه المسائِل

رشا شيخ الدين جبريل: بالضبط، وبعد ذلك القليل من الحريّة، ما هو الفنان من دون حرية؟ وأيضاً ما يعني أن يطلب المرء إذناً كي يقيم حفلاً؟ إذن من الحكومة!

زاهي وهبي: القليل من الحريّة يُحيي الإنسان

رشا شيخ الدين جبريل: ونحن أين؟ لماذا؟ ليس لأنّ عندي مانِع ولا لأنّ عندي ما أحتاجه وليس موجوداً، لا. لكن الجوّ العام

زاهي وهبي: إن شاء الله تتغيّر الظروف

رشا شيخ الدين جبريل: إن شاء الله يا رب

زاهي وهبي: ونُشاهدكِ في "السودان" ونُشاهدك في دول عربية مُتعدّدة. حضرتكِ غنّيتِ في "مصر" أعتقد

رشا شيخ الدين جبريل: نعم غنيّت في "مصر"

زاهي وهبي: أحييتِ حفلة في "مصر"، ومثلما قلنا قبل قليل، إن شاء الله نراكِ في بلدان اُخرى. تحدّثنا قبل قليل عن تجربة الأُستاذ "صادق" في "بلجيكا"، حضرتك كما ذكرنا مراراً مُقيمة في "إسبانيا" وتتعاونين مع فنانين ومع مُبدعين إسبان. هذه الإقامة، ماذا أضافت إليكِ، ماذا منحتكِ كفنانة؟ هلّ من تقاطعات ما بين الموسيقى الإسبانية والموسيقى السودانية خصوصاً أنّ الأثر العربي من المُفترض موجود في "إسبانيا" وفي "الأندلس" بشكلٍ خاص، وحضرتكِ في "غرناطة" حسبما فهِمت

رشا شيخ الدين جبريل: نعم، أنا في "غرناطة". السؤال جميل، بالتأكيد توجد تأثّرات وتوجد تقاطعات. لا أعلم إن كان هناك تقاطعات في هذا الشكل مع الموسيقى السودانية لأنّ السلّم خُماسي والموسيقى الإسبانية مختلفة، لكن هذا ليس الموضوع. لكن دائِماً إيقاعياً مثلاً يجب أن تجد تقاطعات، الإيقاع أرقام وحساب ويتكوّن معك. هذه مسألة، المسألة الأُخرى أنّ الشيء الأساسي الذي أضافه لي هو فُرصة التعرّف على موسيقيين من العالم كلّه وليس فقط الإسبان. هناك أيضاً موسيقيون من بلاد كثيرة يعيشون في "إسبانيا" ويُنتجون. "إسبانيا" فيها ميّزة عن بقية "أوروبا" في أنّ عندهم أيضاً تراث قوي وثقافة مميزة عن بقية "أوروبا" من تاريخ العرب ومن الغجر

زاهي وهبي: صحيح، تتداخل مع عدّة ثقافات

رشا شيخ الدين جبريل: نعم، بالضبط

زاهي وهبي: ليست منغلِقة على نفسها

رشا شيخ الدين جبريل: نعم، فتجد الموسيقى الحديثة وتجد الموسيقى المُعاصِرة وتجد مستوى من الموسيقيين عظيماً، لكن أيضاً تجد أنّ عندهم أساس متين

زاهي وهبي: متين، راسخ

رشا شيخ الدين جبريل: بالضبط، فأنا تعلّمت هذه الأشياء، حتّى العازفين إن الذين يعملون معي أتعلّم منهم الكثير

زاهي وهبي: أُستاذ "صادق"، كيف تنظُر إلى هذه التجربة، تجربة "رشا" ليس فقط كشقيق كمتلقٍّ كمُوسيقي أيضاً، ما تقوم به وخلط الأشياء ببعضها والاستعانة بعازفين أجانِب، كيف تجد هذه التجربة؟

صادق شيخ الدين جبريل: ممكن أن نطردها أولاُ من أجل (يضحك) نطردها هي

رشا شيخ الدين جبريل: (تضحك) أمشي أنا؟

زاهي وهبي: (يضحك)

صادق شيخ الدين جبريل: لا، أنا مع "رشا" يُمكن أن أكون قد أسهمت في أن تكون هذه الـ "رشا" الفنانة بحُكم فارق العُمر، وأيضاً أنا درست الموسيقى وهي كانت لا زالت في المدرسة، فشاهدتنا مع الآلات ومع أصحابنا ومع الفِرَق

رشا شيخ الدين جبريل: لا، لم أركم فقط بل هم أيضاً مرّنوني وعلموني

صادق شيخ الدين جبريل: صحيح. أنا كنت أحياناً أقود بعض الكورالات وبعض الجوقات وكنت آخذها معي لأنني أحياناً أحتاج إلى أحد يلعب لي سولو ولا أجد صوتاً جميلاً

زاهي وهبي: تستغلها

صادق شيخ الدين جبريل: نعم، وهي صغيرة، أستغلها استغلالاً سيئاً (يضحك)، وبعد ذلك كانت تتسبّب لي بمشاكل. يكون كلّ الناس مثلاً سناً أكبر منها وفجأة يقولون لي "أتيت بأُختك؟" فأقول لهم، "لم أجد حلاً لا بأس". فطبعاً لأنّ "رشا" هي لقيت في هذه الجو هذه الفُرصة واستفادت منه وتعمّقت وأصبحت جزءاً مما يجري في دمها من الموسيقى السودانية، الإيقاع السوداني وخلافه. فعندما ذهبت إلى “أوروبا" وبالتحديد إلى "إسبانيا" استفادت أيضاً من هذا الجوّ لكي تصنع ما صنعته. في وقت من الأوقات وصلت إلى شيء من الإحباط لكي أكون صريحاً لأنها كانت قد وصلت في وقت من الأوقات إلى مكان ممتاز جداً في التدرّج وأصبحت فنانة عندها اسم كبير، وهناك وقفت. لكن أنت كنت بعيداً ولو كنتُ قريباً لما كنت تركتها تقف هناك. ليس وقفت فقط بل وقفت تماماً عن الغناء

زاهي وهبي: حالياً أو منذ فترة؟

صادق شيخ الدين جبريل: لا لا، الآن عادت عودة قوية ومن انطلاقة قوية، لكن هذه الوقفة كانت ربما بسبب ظروف لها خاصة وظروف خاصّة بظروف أُخرى. أيضاً الـ Crisis التي حصلت في "أوروبا" لا ننساها

زاهي وهبي: حصلت أزمة اقتصادية ومالية أثّرت على الإنتاج الفني

صادق شيخ الدين جبريل: صحيح

زاهي وهبي: على كلّ حال، إن شاء الله هذه الإطلالة في هذه الليلة أيضاً على العالم العربي من خلال شاشة "الميادين" و"بيت القصيد" تُعرِّفكِ أكثر خصوصاً لجماعة المهرجانات لأنهم يهتمون بهذه التجارب

رشا شيخ الدين جبريل: نعم

زاهي وهبي: إذا تريدان، نعذِّبكما في القيام والجلوس

 ("رشا" تغني وتعزف على الطبلة و"صادق" على العود)                             

المحور الرابع:

{مقتطفات من حفل "فريجليانا" في "إسبانيا"}

زاهي وهبي: Festival Fergiliana and Culture (يضحك)

رشا شيخ الدين جبريل: (تضحك)         

زاهي وهبي: في "إسبانيا"، من إحدى حفلاتك في "إسبانيا". شيء جميل جداً للحقيقة

رشا شيخ الدين جبريل: ألله يخلّيك

زاهي وهبي: سنستمع إلى رأي أيضاً بتجربتكِ، رأي أخير، من العازف البريطاني الشهير " أورن مارشال". نسمعه سوياً

كلام يوصل

أورن مارشال – موسيقي: عندما اُفكّر في "رشا"، ابتسامة كبيرة ترتسم على وجهي لأنني أتذكّر، وترتسم على وجهها أيضاً، لأننا ضحِكنا كثيراً معاً. من حين إلى آخر، نلتقي بموسيقيين، وتلقائياً تتواصل معهم مُباشرةً و"رشا" كانت كذلك بالنسبة لي، كان لي تواصل جيّد جداً معها. أحببتها كثيراً لأنّ الموسيقيّ بالنسبة لي ليس فقط أن يكون مغنياً أو طبّالاً أو لاعب بيانو أو لاعب "توبا" أو أية آلة اُخرى. كونك تعزِف آلة لا يعني أنك موسيقي، وبالنسبة لي الأمر هو تركيبتك وليس فقط علاقتك بالآلة. تحتاج إلى الإخلاص للعزف وإلى التدريب والتفهم، لكن بالإضافة إلى ذلك عليك أن تُنسِّق وأن تحترِم الموسيقيين الآخرين والناس الآخرين من خلال تركيبتك كموسيقي، كيفية تواصلك وكيفية تركيبتك كفرد من عائلة وتركيبتك في المُجتمع، والمثال الإنساني الذي تتركه هو ما يجعل منك موسيقياً و"رشا" موسيقية لأنها إنسانة رائِعة وليست فقط مُغنية أو عازِفة إيقاع، إنها إنسانة رائِعة. ذهبتُ لزيارتها عندما كُنت في "مدريد" حينها. زرتها بعد وقت وأصبحنا أصدقاء وأمضينا أوقاتاً ممتعة فيها الكثير من الضحك ومن مُشاركة الموسيقى والطعام اللذيذ وتبادلنا العديد من الأمور عن حياتنا وماضينا. هذا ما أحبه في لقائي بالناس ومن كوني موسيقياً، لذا سؤالي لك يا "رشا"، ما هو تعريفك للموسيقي؟

زاهي وهبي: حلو كثيراً. يبدو أن التواصل والكيمياء التي تُخلق بينك وبين الموسيقيين الذين تعملين معهم أحياناً تكون أهم من الموسيقى نفسها، في التواصل الإنساني. ولا تضحكان فقط عندما تكونان سوياً بل وأنتِ تسمعينه تضحكين

رشا شيخ الدين جبريل: لأنّ كلامه صحيح وقال "هي ستضحك أيضاً"، وأنا ضحكت من أجل هذا. أنا أتّفق معه كثيراً في ما قاله، كثيراً جداً ولكن قد يكون تعريفه هو أشمل للفنان عموماً وليس فقط للموسيقي. على الفنان أن يكون إنساناً في الأول وإنسانيته يجب

زاهي وهبي: مهما كان نوع الفن الذي يُنتجه

رشا شيخ الدين جبريل: لكن خصوصاً الموسيقي، أضيف على كلامه، لكن هو أيضاً قاله ولست أضيف هنا، التمرين والاستماع. الثقافة الموسيقية ليست فقط المعرِفة الموسيقية

زاهي وهبي: الإنصات

رشا شيخ الدين جبريل: ولكن الثقافة والإنصات، وبعد ذلك الانفتاح ضروري خصوصاً في وقتنا الحالي. من دون انفتاح تكون لوحدك

زاهي وهبي: ما زال عندي سؤالان أو ثلاثة ونريد أن نستمِع إلى اُغنية ختام، فأتمنّى أن تكون الإجابات موجزة. اهتممتِ أيضاً بالغناء " النوبي"، غنّيتِ باللهجة النوبية. للأسف، تراث "النوبة" وبلاد "النوبة" التي هي جزء من شمال "السودان" وجنوب "مصر" مُهمل ومُهمّش أليس كذلك أُستاذ "صادق"؟

صادق شيخ الدين جبريل: إلى حدٍّ ما. طبعاً ربما لأنّ اللغة ليست عربية

زاهي وهبي: وغير مُدوّنة أيضاً ولا أعلم إن كانوا مؤخراً بدأوا بتدوينها أم لا 

صادق شيخ الدين جبريل: وغير مُدوّنة وربما توجد جهود الآن لتدوينها وكتابتها وقد يكون هذا أحد الأسباب. السبب الآخر هو نفسه الجريمة التي ارتُكِبَت في حق النوبيين سواء في جنوب "مصر" أم في شمال "السودان"

زاهي وهبي: خصوصاً مسألة بناء "السدّ العالي"

 صادق شيخ الدين جبريل: مسألة السدّ العالي وكلّ الانقسامات التي حصلت شتّتهم قليلاً. هناك مُدن في "السودان"، مُدن عريقة، تحت الماء. كانت أزمة وجريمة ارتُكِبت في حق الإنسانية

زاهي وهبي: ربما نحن كمشرقيين الألحان النوبية أو بعض الإيقاعات ربما عرفناها أكثر من خلال "محمّد منير" النجم والفنان رغم أنه لا يُغني "نوبي" لكن سمعنا منه بعض الإيقاعات النوبية التي وصلتنا

رشا شيخ الدين جبريل: لا، حتّى "محمّد منير" غنّى النوبي

زاهي وهبي: غنّى طبعاً

رشا شيخ الدين جبريل: ولو أنه يُغني بالعربية أيضاً. لكن نعم هو فنان

زاهي وهبي: ما سبب اهتمامك أو غنائك بالنوبي؟

رشا شيخ الدين جبريل: في البداية محبتي للألحان النوبية والإيقاعات النوبية والأصوات النوبية، فيها شجن زائِد. نحن نُحبّ الأشجان، نُحبّ الـ Melancholy في غنائنا في "السودان" عموماً، لكن هم يتميّزون أكثر في هذا الشيء في رأيي. بعد ذلك، ربما من جانب الأب توجد علاقة بالنوبية ومن جانب الأُم من شرق "السودان" وما شابه. أنا لا أتكلّم اللغة النوبية لكن

زاهي وهبي: تحفظين الأُغنيات

رشا شيخ الدين جبريل: أحفظ الأُغنيات وأُحبّ الأُغنيات جداً، ويبدو أنني أؤدّي الأغنيات بشكلٍ صحيح لأنّ النوبيين يطلبون مني كثيراً عندما يسمعونني أُغني

زاهي وهبي: وتُغنين أيضاً أشياء صوفية. نحن قلنا أن الغناء السوداني أصلاً آتٍ من هذا الموروث الجميل، المدائِح والإنشاد الصوفي

رشا شيخ الدين جبريل: أجل غنّيت موسيقى صوفية، ليس كثيراً لكن غنّيت لأنني عندما أصدرت ألبومي الأول "سودانيات" من زمان كانت فكرتي عنه أن أُقدِّم نماذج من الموسيقى التقليدية السودانية للمُستمِع غير السوداني

زاهي وهبي: من كلّ مناطق "السودان"

رشا شيخ الدين جبريل: ومن كلّ مناطق "السودان"

زاهي وهبي: ألبوماتك موجودة في المكتبات الموسيقية مثلاً لمن يُحب أن يطّلع عليها؟

رشا شيخ الدين جبريل: موجودة لكن ليست الألبومات المادية التي تلمسها لأنها خلصت من زمان، لكن على الإنترنت ووسائل التواصل موجودة وعلى موقع "الأمازون"

زاهي وهبي: أنا أشكركم كثيراً قبل أن أطلب منكما مسك الختام. شرّفتما "بيت القصيد"

صادق شيخ الدين جبريل: ألله يخليك

زاهي وهبي: إن شاء الله هذه إطلالة أولى وإن شاء الله تتكرّر لقاءاتي معكما. أشكُر فريق العمل طبعاً ومنتجة البرنامج "غادة صالِح" والمُخرِج الأُستاذ "علي حيدر" ومُشاهدينا في كلّ أنحاء العالم، ومسك الختام معكما، تفضلا

رشا شيخ الدين جبريل: تسلم ألله يخليك. شكراً جزيلاً، نشكُر "بيت القصيد" والمُخرِج والمنتجة وكلّ الناس وأشكرك أُستاذ "زاهي" على الحفاوة

زاهي وهبي: أهلاً وسهلاً شرّفتِ، على العكس نتشرّف بكما

رشا شيخ الدين جبريل: ألله يخلّيك                                   

زاهي وهبي: تفضل. "السودان" أعطانا نُخبة من المُبدعين الكبار وكان لي شرف محاورة "الطيب الصالح" و"علي مهدي" و"طارق الطيّب" وآخرين

رشا شيخ الدين جبريل: والله؟ صحيح، ما شاء الله. هذه نُسمها "مناحة" في "السودان"

زاهي وهبي: مناحة؟ نختُم بمناحة؟

رشا شيخ الدين جبريل: لا بأس نختُم بـ "مناحة"

زاهي وهبي: (يضحك)

("رشا" تغني و"صادق" على العود)                             

برامج أخرى

10 حزيران 2012

تصفح المزيد