موقف الإسلام من التطبيع مع الكيان الصهيوني

أجمع العلماء كل العلماء والمذاهب كل المذاهب الإسلامية على حرمة التطبيع مع الكيان الصهيوني, والتعامل معه من قريب أو بعيد على صعيد رسمي أو فردي أو حزبي وإعتبر هؤلاء العلماء التطبيع مع الصهاينة جريمة في حق الله والدين والملة والأجيال إذا كانت حرمة التطبيع مع الكيان الصهيوني محل إجماع بين كل المسلمين بمختلف مذاهبهم, فنبن على هذا الإجماع ونتوحد حول فلسطين التي تستغيث بنا.

نص الحلقة

يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله وبيّاكم وجعل الجنّة مثواكم.

أجمع العلماء، كلّ العلماء، والمذاهب، كلّ المذاهب الإسلامية على حُرمة التطبيع مع الكيان الصهيوني والتعامل معه من قريبٍ أو بعيدٍ على صعيدٍ رسمي أو فردي أو حزبي. واعتبر هؤلاء العلماء التطبيع مع الصهاينة جريمةً في حقّ الله والدين والمِلَّة والأجيال. وفتاوى تحريم التطبيع مُتجذّرةٌ في مشهد الصِراع العربي الصهيوني، فقد أصدر عُلماء الأزهر فتوى في العام 1366 للهجرة وفتوى أخرى في العام 1367 للهجرة بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحُرمة التطبيع.

وأيضاً هنالك فتوى لعُلماء المؤتمر الدولي الإسلامي الذي انعقد في باكستان العام 1968، وأصدر أيضاً مجموعةٌ من العُلماء في العام 1989 وبلغ عددهم 63 عالِماً من 18 دولةً فتوى بتحريم التنازل عن أيّ جزءٍ من فلسطين وعدم جواز التطبيع مع الكيان الصهيوني. وحتى عُلماء السعودية أصدروا وثيقة حُرمة التطبيع كما أسموها في وقتٍ سابق، ومنهم الشيخ علي بن خضير الخضر والشيخ فهد ابن علي الرشودي والشيخ عبد الله ابن عبد الرحمن آل سعد، وغيرُهم كثير.

والتطبيع مع الكيان الصهيوني وبكلّ أشكاله مُحرَّمٌ في الكتاب والسنَّة النبوية الشريفة وأقوال العُلماء العدول في هذه الأمة، والمقصود بالتطبيع ها هنا أيّ تطبيعٍ سياسي أو إقتصادي أو أمني أو عسكري أو ثقافي أو علمي، فالتطبيع مع الكيان الصهيوني خطرٌ كلّه ومن كَبائر الإثم والعدوان، ولكنّ الأشدّ خطراً والأعظم إثماً هو استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وعلى الرغم من هذا الوضوح القَطعي والحُرمة القطعية من التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنّ دولاً باتت تتبجَّح بالانفتاح على الكيان الصهيوني، وباتت تُسوّق لجعله جزءاً من النسيج الجغرافي والإجتماعي للعالم العربي.

وفي اعتراضه على تطبيع البعض، قال عادل الكلباني إمام المسجد الحرام السابق والمُقرئ المعروف أنّ إسرائيل عدوّ، وقال أيضاً: "حين كنّا صغاراً كانوا يُسمّونه العدوّ الصهيوني وخلال ستين عاماً لم يتغيّر العدوّ، نحن تغيّرنا". وفي السياق ذاته، قال الشيخ علي بدحدح أن التطبيع ليس مُجرَّد علاقات دبلوماسية بل يُعَدُّ اختراقاً وتخريباً ثقافياً واقتصادياً وأمنياً. أما سلطان الجميري فيقول: "يجب أن يظلّ التطبيع ومدّ اليد للكيان الصهيوني عاراً وخطيئةً تُلاحِق صاحبها حتى موته لأنها خيانة للتاريخ والأرض والشهداء.

وإذا كانت حُرمة التطبيع مع الكيان الصهيوني محلّ إجماعٍ بين كل المُسلمين بمختلف مذاهبهم، فَلِمَ لا نبني على هذا الإجماع ونتوحّد حول فلسطين التي تستغيث بنا؟

موقف الإسلام من التطبيع مع الكيان الصهيوني عنوان برنامج أ ل م، ويشاركنا في النقاش من مصر الحبيبة فضيلة الدكتور الشيخ سامي العسالة من عُلماء الأزهر الشريف، ومن تونس الشيخ الفاضل فريد الباجي مؤسِّس ورئيس جمعية دار الحديث الزيتونة. مرحباً بكم جميعاً.

شيخ فريد الباجي، حيّاك الله وبيّاك وجعل الجنّة مثواك.

 

فريد الباجي: أهلاً وسهلاً.

 

يحيى أبو زكريا: دعني أطرح عليك سؤالاً استنكارياً لا استفهامياً، باعتبار أنّ الذاكرة العربية أُصيبت بثقوب والعقل العربي أصيب بكساح وشلل والعقل العربي دخل في مرحلة الزهايمر والتخريف المُبكر. مَن هو الكيان الصهيوني؟ "ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ".

 

فريد الباجي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاّة والسلام على أشرف المُرسلين. أما بعد، فأشكركم على هذه الإستضافة جميعاً، وأشكر جميع ضيوفكم. وأستفتح أولاً بالقول بأنّ هذه الأمّة العربية والإسلامية في هذا القرن الأخير هي تعيش في أذلّ عصورها وأهون مكانتها عبر تاريخها الإسلامي والعربي، وذلك أنّ مسرى نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وثالث الحرمين الشريفين في المسجد الذي الصلاة فيه بـ500 صلاة، في المسجد الذي أُسري بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورأى من آيات ربّه الكبرى، أصبح مُحتلاً بأيدي الصهاينة، وقد خطّطوا لذلك لقرون، حتى وصلوا ما أرادوا، ولم يكتفوا بذلك الاحتلال، أرادوا أيضًاً أن يُشغِلوا الأمّة العربية بمواضيع أخرى حتى لا يتفكّروا في القضية الجوهرية للأمّة العربية والإسلامية وهي قضية فلسطين، فكانوا وراء هذه الحروب والدماء التي تنتشر في هذه السنوات الأخيرة في العالم العربي والإسلامي، التي يُحرّكها الصهاينة، بل سمعنا تقارير ومُحاضرات جامعية في أمريكا وفي تل أبيب يقرّون ويقولون، ما قدّمه لنا العرب في هذه السنوات الخمس بعد ما يُسمّى بالربيع العربي، ما قدّموه لنا من توطيد سيطرتنا على فلسطين، عجزنا عنه في ستين سنة بالأموال والسلاح، ولكن هم لمّا تقاتلوا في ما بينهم ودخلوا في الحروب في ما بينهم حدث هذا الأمر. ومن هذه الأسباب التي تزيد الطين بلّة أنّ البعض ممّن ينتسب إلى الدين ويتبجّح بأنه فاتحٌ وأنه ناصرٌ للدين يدعو إلى التطبيع مع إسرائيل، بل ليس فقط إلى التطبيع، بل بعض الساسة حاولوا أن يذهبوا إلى فلسطين المُحتلة، بل وذهبوا وقالوا نحن لا نركع إلا لله، بل هم ركعوا أمام ذلك الرمز للمحرقة اليهودية النازية الكاذبة الأسطورية، وكذلك وقّعوا معه سلاماً، فتوقيع السلام الرسمي مع إسرائيل هو في الحقيقة اعتراف ضمني بالدولة، وهذا الاعتراف تترتّب عليه أمور كثيرة. من الناحية الشرعية الأمر واضح، الله تبارك وتعالى قال في من يغزو بلادنا ويحتل مُقدّساتنا، قال: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". صدق الله العظيم. هذه الآية الصريحة قطعية في أنّ التطبيع مع مَن أخروجنا من ديارنا وقاتلونا كما وقع في الأرض المُقدّسة، لا يجب أن نتولاهم ولا أن نطبّع معهم، ومن يتطبّع معهم فهو ظالمٌ بنصّ القرآن ومن يتولاّهم فهو منهم أيضاً.

 

يحيى أبو زكريا: شيخ فريد، هذا الموطَأ يصلح أن أذهب إلى بقية المحاور. أرجو أن تبقى معي من فضلك.

سماحة الدكتور سامي من مصر الحبيبة، هل تغيّر الكيان الصهيوني الذي عرفناه وما زلنا نعرفه شرِساً، مصّاص دماء، قاتِل أطفال، هادِم المساجد والمقامات ومُدكدك الواقع العربي، والمُحرّض الأكبر على الفتنة في العالم العربي.

هل تحوّل مصّاص الدماء هذا إلى حملٍ وديع حتى يُطبِّع معه بعض العرب؟ ما الذي تغيَّر في المسار العربي، في الذاكرة العربية، في الراهن العربي؟

 

سامي العسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاّة والسلاّم على أشرف المُرسلين سيّدنا مُحمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

في البداية، دعني سماحة أستاذنا الدكتور، أنا أتقدَّم لجانبكم بخالص الشكر والتقدير لاستضافتي في هذا البرنامج العظيم، كما أُقدِّم التحية لجنابكم ولضيفكم الكريم وللسادة المُشاهدين الأكارم.

 

يحيى أبو زكريا: حيّاك الله.

 

سامي العسالة: بارك الله فيكم. أما بعدُ، فدعني أثمّن الكلمة العظيمة التي تفضّلتَ بذكرها، نقلاً عن إمام المسجد الحرام، وهو يقول إنّ الكيان الصهيوني لم يتغيّر بل نحن الذين تغيّرنا. تغيّرت نفوسنا وتغيّرت اتجاهاتنا ونيّاتنا في هذه العقود الستّة التي تفضّلتم بالإشارة إليها. ودعني كذلك أحيّي سعادتكم على هذه الغيرة الربّانية الروحانية التي أغبطكم عليها، فنسأل الله عزّ وجلّ أن يجمعنا على الحبيب المصطفى وأهل بيته، أهل الصفا والوفا في مُستقر رحمته.

كذلك أودّ أن أشير إلى ما تفضّل به فضيلة الشيخ فريد، وأستكمل معه ما توجّهتم به من سؤالٍ حول الكيان الصهيوني، من باب كما تفضّلتم "فذكِّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين" لكي يتعرّف السادة المُشاهدين الكِرام على ماهية هذا الكيان. جرت عادة العُلماء عند تناولهم لأيّ مُصطلحٍ من المُصطلحات أن يقوموا بتعريفه أولاً في اللغة العربية، قائلين لغةً كذا، ثمّ في الإصطلاح قائلين وإصطلاحاً كذا. هذا المُصطلح إذا كان مُصطلحاً عربياً، فهل كلمة الصهيونية كلمة عربية؟ نعم، يشيع ويظنّ البعض أنّ هذه الكلمة كلمة عبرية أو كلمة أجنبية بل هي كلمة عربية، ومعناها في اللغة العربية، هي نسبة إلى جبل صهيون الموجود في القدس الشريفة. وعلى فكرة سماحة الدكتور، ورد هذا الإسم في العهد القديم في أكثر من سَفرٍ من الأسفار، من أبرز هذه الأسفار سَفر أشعياء. كذلك قال المؤرّخون والعُلماء أنّ هذه الكلمة، كلمة الصهيونية، معناها في الإصطلاح السياسي أو من الناحية السياسية، هي حركة سياسية إنما ظهرت في وسط وشرق أوروبا تقريباً في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وكانت تهدف إلى ماذا؟ كانت تهدف إلى تجميع اليهود من بلدانٍ شتَّى، من شتاتهم، وتجميعهم كما يقولون وقولُهُم الإثم والإفك في أرض التجميع أو في أرض الميعاد، وهي أرض فلسطين، "كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ  إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا"، ولعلّنا في سياق الحديث سوف نردّ على بعض هذه الشُبهات، ومع الأسف بعض العرب بل أقول بعض المُسلمين جعلوا من أنفسهم أبواقاً ليردّدوا هذه الشائعات، ثمّ يستدلّون على ذلك من القرآن الكريم أو من السنَّة النبوية أو من بعض الأسفار في العهد القديم.

أقول سماحة الدكتور، الكيان الصهيوني كان يهدف إلى أمرين كما أشرنا في البداية، إلى تجميع اليهود من الشتات وجعلهم في هذا الوطن الذي هو أرض فلسطين، ثمّ بعد ذلك يقومون بدعمهم دعماً مادياً ومعنوياً، والهدف من ذلك جعل ثغرة في الأمّة الإسلاميّة، وجعل فجوات فيها للنَيل منها، خاصةً النَيل من ديننا الحنيف، من إسلامنا العظيم. في الحقيقة، كانت لهم وسائل، من هذه الوسائل كما تعلمون ويعلم السادة المشاهدون الكِرام أنهم دعوا المزارعين للذهاب إلى فلسطين، وبعد ذلك شراء الأراضي من الفلسطينيين، وصدرت فتاوى كثيرة من الأزهر ومن الجامعات المُختلفة ومن عّلماء العالم الإسلامي كلّه بتجريم وتحريم بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، كذلك من هذه الوسائل غرس القومية اليهودية وكيف أنّهم هم شعب الله المُختار وكيف أنّ هذه الأرض هي أرض الميعاد، كما سنردّ على هذه الفرّيات إن شاء الله تعالى.

 

يحيى أبو زكريا: دكتور سامي، من فضلك أتوقّف عند هذه النقطة، ولعلي عندما استهللت الحلقة بسؤالٍ إستنكاري، أتصوّر وأعتقد يقيناً وجازِماً أنّ الطفل في رحم أمه، الجنين في رحم أمه في العالم العربي يعرف مَن هو الكيان الصهيوني الذي قام على أنقاض جماجمنا وأجسادنا، والذي مزَّق أجدادنا وآباءنا والذي بَقَرَ بطون أمّهاتنا والذي أحرق أراضينا وما إلى ذلك. لكن دعني أستكمل فكرة أخرى مع الشيخ فريد حفظه الله من تونس الحبيبة.

شيخ فريد، على الصعيد العُلمائي، كانت أول مُخالفةٍ للإجماع ما أفتى به البعض في الأزهر عندما سوّغوا للرئيس المصري الراحل محمّد أنور السادات بالذهاب إلى تل أبيب. هل كان هذا القول العلمي إن صحّ التعبير وجيهاً عند الله، مقبولاً من قِبَل الكتاب والسنّة وعدول العُلماء؟ وكيف وقعت اختراقات في وقتٍ لاحق من قبيل تجيير الإسلام لصالح التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

 

فريد الباجي: سبحان الله، جميع مشايخنا الذين أدركناهم وما زالوا أحياء من الزيتونيين، وكذلك ممّن ماتوا رحمهم الله تعالى، وكذلك من جميع شيوخنا الذين تلقّينا عنهم العلم سواء كانوا من مصريين، من مغربيين، من جزائريين، من كذلك هنديين وباكستانيين، من جميع أنحاء العالم، من الشام، من لبنان، كل العُلماء الكِبار الذين لحقناهم وأدركناهم من المفاتي لم نجد بينهم خلافاً، أجمعوا على أنّ القضية الأساسية ومحور مقصد هذه الأمّة ومهمتهم الأساسية هي تحرير الأرض المُحتلة فلسطين المُقدّسة، هذا إجماع، ولكن كما لا يُخفى عليكم تاريخ هذه الأمّة مليء ببعض الأغبياء، حتى لا أتّهم بعض العُلماء بأنهم عُملاء، ولكن فيهم من الغباء العلمي والغباء الإجتماعي والغباء السياسي والغباء الواقعي، فيشذّون ويخالفون ما عليه إجماع الأمّة وعلمائها. أصلاً نحن عندنا في تونس أمر عجيب، حتى الذين لا يُصلّون ولا يصومون عندما سألوهم في الشوارع أين توجد دولة إسرائيل، فالكل أجاب بصالح وطالح لأنهم كلهم مسلمون الحمد لله، قالوا لا توجد دولة إسمها إسرائيل، فهذه الثقافة العقائدية في الأمّة العربية حاولوا أن يزعزعوها باختراق من بعض أدعياء الدين الذين يتجلببون بإسم الدين أو أحياناً يختالون الدنيا بالدين باسم السياسة أحياناً ويشوّهون الصورة لأجل أغراضهم، وقد أخبر عنهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه في آخر الزمان يأتي زمانٌ على أمتي يخرج أناسٌ ألسنتهم أحلى من العسل، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، وقلوبهم أمرّ من الصبر، الفتنة منهم بدأت، ثم قال النبيّ عليه الصلاة والسلام أولئك شرّ الخلق والخليقة عند الله عزّ وجلّ، ولا يُبالي الإله بهم في أي وادٍ هلكوا، أو كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو حديث رواه التُرمذي وأحمد وغيرهم. فالحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم شرح وبيّن ووضّح أنّ هذه الأمّة لا بدّ من أن تبقى في الدفاع عن هذه الأرض المُقدّسة، وفي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه، لا تزال طائفةٌ من أمّتي قائمة يقاتلون على أمر الله لا يضرّهم مَن خالفهم، في صحيح البخاري، يقول سيّدنا معاذ ابن جبل، وهم أهل الشام، وفي رواية الطبراني، قال وهم على أكناف بيت المَقدِس. فمن هنا نحن نعتبر أنّ الجهاد الثقافي نزع فكرة أنّ هذه إسرائيل دولة، وكذلك فضح، لأنه يجب فضح هؤلاء الذين يختلون الدنيا بالدين باسم الدفاع عن الإسلام ويحاولون أن يجدوا فتاوى ومخارج لمصالحهم وأغراضهم الدنيئة ليطبّعوا مع إسرائيل ينبغي أن نحذّر منهم كما حذّر منهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا نعتبر الجهاد شرعياً في هذا الزمان إلا في طريقتين، إما أن يكون لتحرير بيت المَقدِس سواء بالدّفع بالمال أو النفس او الإعلام أو الثقافة أو بكل الطُرُق، كلّ ما يصب مثل الآن، الآن هذه الحلقة هي تعتبر عملاً جهادياً إعلامياً لتحرير بيت المَقدِس، فمن هنا نشر الثقافة، وكذلك القتال، القتال المُسلّح لا يكون من أجل تحرير بيت المَقدِس إلا بطريقتين، القتال من أجل تحرير فلسطين المُحتلة وكذلك قتال أعوانهم الذين اندسّوا بيننا وهم الوهابيّة، أدعياء السلفية، وأسماؤهم كثيرة، مرّة يُسمون داعش، ومرّة جبهة النصرة، مرّة الجيش الحر، كل هؤلاء جسم، جرثومة في الأمّة العربية.

 

يحيى أبو زكريا: شيخ فريد، والذين جئت على ذكرهم، والذين تجلببوا بجلابيب كثيرة، ها هو بنيامين نتانياهو يصافحهم ويقرئهم السلام ويطبّب جرحاهم، ويقول لهم امضوا إلى تدمير الشام فإنّا معكم مقاتلون.

مشاهدينا فاصلٌ قصير، ثمّ نعود إليكم، فابقوا معنا.

 

 

المحور الثاني

 

يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديد. عدنا والعود أحمدُ. من أدرك حلقتنا الآن، نحن نعالج موقف الإسلام من التطبيع مع كيان العدوّ التاريخي لهذه الأمّة والراهن لهذه الأمّة، الكيان الصهيوني.

سماحة الدكتور العسالة، عندما نتحدّث عن التطبيع، هنالك تطبيع رسمي بمعنى أنّ دولاً عربية تتودّد، تتغزّل، تتعشّق بالكيان الصهيوني، وجعلت من تل أبيب تل حبيب، لم يعد هنالك إشكال في التعاطي مع الكيان الصهيوني، وتبعث وفوداً رسميين أمنيين إلى الكيان الصهيوني، وهنالك تطبيع أو جسّ نبض الشعوب العربية في إرسال مثقّفين، شعراء، صحافيين، إعلاميين، أو بالأحرى أيضاً استضافة بعض الشخصيّات من الكيان الصهيوني إلى العالم العربي تحت مُسمّى التطبيع السينمائي، التطبيع الثقافي.

ما هو موقف الإسلام بصريح العبارة من التطبيع الرسمي والتطبيع الفردي وأيّ شكلٍ من أشكال التطبيع مع الكيان العبري؟

 

سامي العسالة: دعني آخذ من كلام سعادتك في الشقّ الأخير منه الإجابة الشافية والكافية بإذن الله عزّ وجل، فأقول وبالله التوفيق، لو حتى حدث هذا النوع من التطبيع مع بعض البلدان أو من بعض الدول تجاه الكيان الصهيوني، فلأيّ أسباب يذكرونها، سياسية أو دينية، وسوف نتحدّث عن هذا الجانب بشيءٍ من التفصيل، لكن أقول إن حدث هذا فلا يحدث ولا يجب أن يكون ذلك على الإطلاق صادراً من الأفراد ومن المُسلمين الذين يعرفون حقيقة دينهم. بمعنى آخر، لو حدث هذا من الدول أو من الحكومات، فلا يجب أن يحدث هذا من الأفراد، لأنّ الله عزّ وجلّ قال، وآيات كثيرة جدًا تتحدّث عن هذا العداء، كقوله تبارك وتعالى "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا"، بدأ ربّ العالمين تبارك وتعالى باليهود قبل المُشركين. نجد أيضاً قول الله تبارك وتعالى في الآية التي تفضّل سماحة الشيخ فريد بذكر بعضها، وهي قول الله تبارك وتعالى "لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، ثم قال عقب ذلك مباشرة "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ"، أي ظاهروا آخرين من أعدائكم عليكم، أي ناصبوكم العداء، كما حدث مثلاً من بني قُريظة مع الكُفّار، واستحقّوا القتال من النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، لأنّ النبيّ عليه الصلاّة والسلاّم عندما دخل المدينة المُنوّرة، أقام ثلاثة أسُس، الأساس الأول يتمثّل في علاقة المسلمين بربّهم، فأقام وأمر ببناء مسجده المُبارك، الأساس الثاني يتمثّل في علاقة المُسلمين بإخوانهم المُسلمين، آخى بين المهاجرين والأنصار، الأساس الثالث العلاقة التي كانت بين المُسلمين من جانب وبين غير المُسلمين من اليهود من جانبٍ آخر، الذين كانوا يسكنون ويقطنون المدينة المُنوّرة، وحتى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جعلهم مع المسلمين أمّة واحدة في هذا الميثاق العظيم والوثيقة العظيمة التي لو أُعطيت حقّها لسُطّرت وخُطّت، لا أقول بماء الذهب وإنما أقول بمداد النور، إنّ المسلمين مع بني عوف من اليهود أمّة واحدة، ولكنّهم مع الأسف لم يحافظوا على هذا العهد، نقضوا العهود والمواثيق، فاستحقّ عليهم قول الله تبارك وتعالى "فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً". ثمّ بعد ذلك نجد أنهم حاولوا قتل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّتين، مرّةً لمّا أن ذهب إليهم في خيبر بعد أن قتل عمر ابن أميّة الضمري رجلين بينهما وبين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عهدٌ، فذهب إلى اليهود من خيبر ليعاونوه في ديّة القتيلين، فما كان منهم إلا أنهم.

 

يحيى أبو زكريا: دكتور سامي، قد يُقال لا تزِر وازرةٌ وِزرَ أخرى. إذا كان أجداد اليهود قد اقترفوا ما اقترفوه في حقّ العرب والمسلمين، أتصوّر أنّ الراهن هو أبلغ شاهد على ما اقترفه الصهاينة في حقّ العرب، ونحن عندما نتحدّث عن الصهاينة، نحترم الديانة اليهودية أيّما احترام ونعتبرها كالعيساوية والمّحمّدية، واليهود في كل العالم مُحترَمون ولا يجوز المساس بأمنهم. نحن نتحدّث عن قومٍ مُعتدين، قاتلين، مصّاصي دماء، في جغرافيا مُحدّدة اسمها فلسطين أرض الأنبياء.

شيخ فريد الباجي، المطبّعون عندما يطبّعون لديهم مبرّراتهم السياسية والأيديولوجيا، هم يقولون أنّ زمن الأيديولوجيا مات، وأن النضال العربي جرّنا إلى الكثير من الويلات، وأن البندقية أحرقت العقلانية في العالم العربي. لقد جرّبنا البندقية فما أفضت إلى تحرير فلسطين، لمَ لا نجرّب السلام؟ جرّبنا الكراهية، لِمَ لا نجرّب الحب مع الكيان الصهيوني؟ جرّبنا طريق الاغتيالات وخطف الطائرات والمقاومة، لِمَ لا نجرّب المساومة والجلوس على طاولة واحدة؟ فاوض إنّ الله يحب المفاوضين، كما يقولون. كيف تردّ على هذه التبريرات؟

وفي المنطق الآخر أن هنالك أعداءً كثراً في الجغرافيا الإسلامية، هنالك عدوّ إيراني فارسي يتمتّع بمشروع بلع المنطقة العربية، وأصبح يوازي الخطر الصهيوني. أليس من الأولَى مُجابهة هذا المشروع الفارسي على المشروع الصهيوني؟

 

فريد الباجي: أولاً التطبيع مع الكيان الصهيوني المُحتل هو حرامٌ من الكبائر بنصّ الآية التي ذكرها الأستاذ الفاضل منذ قليل، وسواءٌ كان على المستوى الاقتصادي أو المستوى الثقافي أو المستوى الإعلامي أو المستوى الاجتماعي، لأننا في حال حرب حقيقية وهم في حال احتلال حقيقي، ويقتّلون فينا منذ عشرات السنين، ومن الغباء ومن الحمق أنّ شخصاً يستعمل القوة، الضغط، ويظاهر على إخراجنا من أرضنا، بمعنى يستعينون بالدول العُظمى من أجل أن يحقّقوا مآربهم، ثم بعد ذلك آتي وأقول حب. أيّ حبٍ هذا؟ هذا اسمه استسلام في الحرب، واسمه ذلة وخضوع وخنوع واعتراف بالعدو وذوبان في شخصيته. نحن لسنا في حربٍ عقائدية مع الديانات، بدليل أنّ الإسلام احترم اليهود الذين يعيشون معنا بسلام ولا يفتكون أرضنا، بدليل أنّ الآية التي كانت تُتلى، سبب نزولها في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره، أن أسماء بنت أبي بكر الصدّيق كانت أمّها مُشركة، ولمّا هاجرت هي للمدينة جاءت أمّها من مكّة إلى المدينة بهدايا لها وهي مُشركة، فهي أخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية وطلب منها أن تقبل الهدية، أنه ليس إشكال معها في عقيدتها حتى لو كانت مُشركة، فاقبلي هديتها وهي أمّكِ، ولكن الإشكال كما في نصّ الآية، هم الذين أخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم، هذان الأمران متحقّقان مئة بالمئة في الأرض المُقدّسة، فقد فعلوها معنا، فكيف بعد ذلك ندعو إلى التطبيع؟ صحيح، ذكر الفقهاء مسألة واحدة، قالوا في حال الحرب مع أي عدو يجوز التفاوض معه كعدو من أجل كسب المصالح أو من أجل هدنة مؤقّتة، فقط، أما إجراء المعاملات الرسمية، السريّة أو العلنية كما يدّعيها البعض، فهذه لا تجوز صرعاً، بالعكس، بل نتيجة التساهل هذا، باسم السلام وباسم الحب، ووضع الأشياء في غير موضعها، أتت النتيجة أننا إزددنا ضعفاً، وتمكّن الكيان الصهيوني في قبضته على الأرض المُقدّسة المُسماة.

ثانياً، هم الآن لديهم حرب إعلامية، يريدون أن يُخرِجوا القضية الفلسيطنية بقضايا داخلية، فيقولون مثلاً أنّ إيران هي لها مشروع لبلع المنطقة. أول أمر، نحن نقول لهم كمسلمين، وهذا الذي ندين الله تعالى به وجرى عليه عمل الأمّة، جميع الفِرَق الإسلامية العقائدية التي تختلف معنا، مهما تعدّدت ومهما تنوّعت، إذا هي لم تحمل السلاح ضدّنا، فالتعامل معهم يكون كمسلمين، ثمّ أيّهما أقرب إلينا نحن، اليهود أم مسلم شيعي؟ على الأقل هنالك اشتراك بيننا في القرآن واشتراك بيننا في أركان العقيدة، واشتراك بيننا في التاريخ، واشتراك بيننا في الجغرافيا، واشتراك بيننا في الحضارة، واشتراك بيننا في العادات والتقاليد، لأننا تربّينا على الدين الإسلامي أكثر من 1450 سنة، وعليه هذه مشاكلنا الداخلية بين المسلمين لا تجعلنا أعداء. هم يحتجّون هؤلاء، يقولون نبتدئ بقتال العدو الأصلي وهو المُرتدّ، لأنهم هم أفتوا بكفر جميع الفِرَق بما فيها السنّة، بما فيها المُعتزلة، بما فيها الأشاعرة، بمن فيهم الشيعة، وبمن فيهم الزيدية، كل الفِرَق كافرة فيعتبرونه مرتداً أصلياً ليبدأوا به بينما ديننا يقول غير ذلك. أنظروا مثلاً إلى الكُتب الستّة، وتخصّصي في دراسة وتدريس الكُتب الستة ورجالها، فوجئت بأنّ أهل السنّة من المحدثين وفي مقدّمهم البخاري ومسلم، يروون في الصحيحين عن المُعتزلة، ويروون أيضاً عن الشيعة، وما أكثرهم، بل ألّف أبو زرعا الرازي عن رُواة الحديث الصحيح الثقاة العدول من الشيعة، وكانت تقع المناظرات بين علماء الشيعة وعلماء السنّة وعلماء المُعتزلة في مكانٍ واحد ويجتمعون بالمحبّة ويفترقون بالمحبّة. الخلاف العقائدي بيننا وبين الشيعة لا يقتضي قتالاً، بالعكس، بل يقتضي وحدة في ما بيننا وخاصة في هذه الفترة من أجل أن نتقوّى على قِتال اليهودي الصهيوني، العدوّ الأصلي.

 

يحيى أبو زكريا: شيخ فريد، في هذا السياق، كيف تنظرون إلى الفصائل الجهادية في سورية نموذجاَ، والتي تقول أننا نسعى إلى التمكين للسنّة النبوية ولأهل السنّة والجماعة وللدولة الإسلامية ودولة الخلافة، وفي الوقت ذاته، يتوجّه الجرحى في الجولان عبر القنيطرة أيضاً إلى مستشفيات الكيان الصهيوني ليُحتضَنوا من قِبَل الكيان الصهيوني؟ كيف ترى موقف الإسلام من هذا التصرّف، وأيّ غبيٍ يقبل هذا الفعل؟

 

فريد الباجي: تأكيداً لكلامك، وبعد ثبوت الفيديوهات الموثّقة بعلاج الدواعش، وكذلك ما يسمّون بالمعارضة المُسلّحة المُعتدِلة في سورية، كيف أنّهم يُعالَجون في أرقى مستشفيات الكيان الصهيوني المُغتصِب لأرضنا المُقدّسة فلسطين الحبيبة، فهذا إن دلّ فإنما يدلّ على حقيقة الأمر، وأنّ الأمر أصبح بالمكشوف وليس مؤامرة كما يزعم البعض. العلاقة بين الفِرَق المُسلّحة في العالم العربي وفي سورية باسم الدين وباسم السنّة، ويفجّرون في كلّ مكان ويقاتلون الجميع ويكفّرون الجميع، العلاقة بينهم وبين اليهود هي في الحقيقة علاقةٌ تكاد تكون عقائدية، هناك شبهٌ في عقائدهم، وكذلك هناك اختراق كبير بل وعملاء مدرَّبون في هذه العقيدة. أصلاً أحد علمائهم التويجري يفتخر ويقول حتى في التوراة ذكروا أنّ لله تعالى صورة، فلله تعالى صورة، أي اليهود مُجسّمة وهو في كتابه ويُباع في المكتبات العربية وفي دول الخليج بأنه، ومن أدّلة على أن لله صورة حاشا وكلا سبحانه عما يصفونه، "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ"، صورة حقيقية، قال لأنّ اليهود يفعلون ذلك. العلاقة بين تلك الفصائل المُسلحة هي علاقة وطيدة اقتصادياً وعسكرياً، بل إنّ بعض الأسلحة التي تسرّبت ودخلت إلى ليبيا ومن ليبيا إلى تونس وعُثِر على بعضها، لمّا جاء المحقّقون ينظرون في صنعها، وجدوها صُنِعت في الكيان المُحتل وفي مصانع الصهاينة.

 

يحيى أبو زكريا: شيخ فريد الباجي، كفاني ما قلته عندما أشرت إلى أنّ التآمر بات مكشوفاً، والأمور باتت بديهيّة، لكن ماذا نفعل إذا داء العمى وعمى الألوان صار أكبر داء في العالم العربي للأسف الشديد؟

شيخ الدكتور سامي العسالة، إذاً التطبيع مع الكيان الصهيوني كما خلصنا محرَّمٌ بموجب الكتاب والسنّة النبوية وأقوال العُلماء العدول الربانيين.

كيف نعمّم في الوطن العربي ثقافة حُرمة التطبيع على الصعيد الرسمي والفردي؟ ما الذي يجب أن نفعله حتى نحذّر أجيالنا، حتى نضغط على حكوماتنا الراغبة في الهرولة باتجاه تل حبيب أو تل أبيب؟

 

سامي العسالة: لك أن تتعجّب سماحة الدكتور حينما أقول لجنابكم، حينما تفضّلتم عليّ بالمشاركة في هذه الحلقة، أخذت أصول وأجول في مواقع النت، خاصة اليو تيوب، حتى يتسنّى لي التعرّف على ما قاله بعض العُلماء في هذا الشأن.

لا أودّ أن أقول لحضرتك أنني لم أجد شيئاً على الإطلاق، ولكنني سأقول حتى أكون منصفاً، إلا النَذر القليل. هذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على ماذا؟ على التعتيم الإعلامي، ولذلك أنا أحيّي هذا البرنامج كما حيّاه مولانا الشيخ فريد من قبل على أن تصل الفكرة إلى أكبر عدد، بل أقول إلى الملايين من الشعوب الإسلامية والعربية، حتى يتعرّفوا على الكيان الصهيوني وعلى حقيقته وعلى ماهيّته، وحتى يتسنّى لنا الردّ على بعض الشُّبَه التي يتذرّع به البعض. أريد أن أقول لحضرتك، أنا في المُداخلة السابقة حينما سردت بعض المواقف وتحدّثت عن غزوة خيبر وبني النظير مثلا أو بني قُريظة، لأنّ البعض يتحجّج بأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُقيم تطبيعاً مع اليهود في عصره، نعم، فعل ذلك وأقام العهود والمواثيق ولكنهم نقضوا العهود والمواثيق، وكما تفضّلتم وأشرتم، نحن لا عداء بيننا كمسلمين وبين أيّ دينٍ آخر، أنا حضرت مع سماحتكم في حلقة سابقة وكانت الحلقة تتحدّث عن السلام في الإسلام، وعن التعايش مع الآخر سواء كانوا من اليهود أم من النصارى أم من سائر الديانات أم من سائر المذاهب. تفضّل فضيلة الشيخ فريد، وهو يتحدّث عن التقريب بين السنّة والشيعة. أخي الكريم، الإعلام اليوم يحاول أن يروّج فكرة، وأقصد بهذا الإعلام الوهّابي، من خلال دعاتهم، أنّ الشيعة أشدّ خطراً من اليهود. كيف تصل هذه الفكرة؟ واللهِ وصلت، لا أقول إلى العوام، بل أقول وصلت إلى المُتخصّصين، بل لن أكون مبالغاً إذا ما قلت وصلت حتى إلى العُلماء، يقولون وسمعت هذا بنفسي، قالوا الشيعة أشدّ عداءً من اليهود. كيف يكون ذلك؟ هل ربّ العالمين هو الذي قال هذا؟ لقد ذكرنا الآية منذ قليل "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا". نوصِل الفكرة كيف؟ عن طريق الإعلام الطاهر الشريف النقي النظيف، توسيع هذه الفكرة من خلال عقد المؤتمرات والندوات، من خلال تصحيح المفاهيم في كل المُلتقيات الفكرية والعلمية وفي الساحات الدينية، بل وفي المساجد كذلك، حتى يتسنّى لنا أن نتعرّف على أعدائنا الحقيقيين. تحدّثنا وسمعنا عن موضوع الدواعش، موضوع الوهابيّة، موضوع ما يُسمّى بجيش النصرة او بأنصار بيت المَقدس عندنا في مصر أو ما إلى ذلك من المُسميّات التي ما أنزل الله تبارك وتعالى بها من سلطان، وكلّ هذه الفِرَق وتلك الجماعات إنما تُسيَّر بمعرفة الكيان الصهيوني، فعلينا أن نتعرّف على عدونا كما تفضّلتم وأشرتم من خلال ما قاله ربّ العالمين سبحانه أولاً، وما قاله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثانياً، ومن خلال أقوال العُلماء. والله يا سماحة الدكتور استمعت من خلال تبحّري في النت منذ يومين إلى بعض أقوال السادة العُلماء من مشايخنا من علماء الأزهر، وهم يتحدّثون عن قضية التطبيع، وهم يتحدّثون عن كيفية الجهاد وعن مشروعية الجهاد وعن العمليات الاستشهادية، بكلامٍ بارع، هؤلاء يقولون كلمة حق، ودعني في عُجالة سريعة أذكّر السادة المشاهدين بنصٍ أو بنصين ممّا يُتاح من وقتٍ بخصوص هذه القضية. يقول ربّ العالمين تبارك وتعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"، نداءٌ للمؤمنين، أي يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله، ماذا يا ربنا؟ "لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ"، وقال أيضاً على لسان سيّدنا الكريم سيّدنا موسى عليه وعلى نبيّنا أفضل التسليمات، قال ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيراً للمُجرمين، وقال صلّى الله عليه وسلّم "مَن مشي مع ظالمٍ ليعينه على ظلمه وهو يعلم أنه ظالِم فقد خرج من الإسلام"، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم "من أعان على خصومه بظُلمٍ لم يزل في سخط الله تبارك وتعالى حتى يُقبَض"، إلى آخر هذه النصوص.ّ

 

يحيى أبو زكريا: دكتور سامي، لا شكّ أنّ النصوص كثيرة جداً، والمولى عزّ وجلّ أشار وتحدّث، والرسول الأعظم أشار وتحدّث، والصالحون في هذه الأمّة أشاروا وتحدّثوا، لكن العقل العربي اليوم محكوم باتجاهين في الإعلام العربي، إعلام الرذيلة والفسق والمواهب العربية الراقصة، وإعلام التكفير والتحنيط وتدمير الصف الإسلامي والصف العربي.

شيخ فريد، للأسف الشديد، عندما تبحث عن فلسطين، لا تجدها في الأدبيات الإعلامية العربية، عندما تبحث عن فلسطين لا تجدها في أجندات الرسميين العرب. كنّا إلى وقتٍ قريب في مؤتمر انشاسا في الخرطوم، مؤتمر الخرطوم ومؤتمرات عربية، كانت فلسطين تُذكَر، اليوم فلسطين صارت نسياً منسيّاً تماماً كما تمنّت مريم سلام الله عليها.

كيف نعيد الاعتبار لفلسطين، على الأقل على صعيد الإعلام العربي، الاهتمامات الثقافية العربية، في كلّ المجالات، حتى إذا وقع التطبيع ينتبه العرب أنه نعم، هناك خرق ما؟ اليوم فلسطين مَنسية، وبالتالي التطبيع يمر مرور الكرام، وربك لا أحد يهتم بتطبيع هنا وتطبيع هناك.

 

فريد الباجي: للأسف الشديد دكتور، أن نحن في حال حرب حقيقية مع الكيان الصهيوني المُحتلّ الغاصِب لأرضنا المُقدّسة، وأنا أذكر قبل أن تحدث الفوضى الدموية في المنطقة العربية، أنّه يومياً، يومياً، في تونس عندنا، الخبر الذي يبحث عنه الناس، ما أخبار فلسطين، ما أخبار فلسطين، ما قضية فلسطين، لأنّها كانت قضيتنا الأساسية نوعاًّ ما، ولكن بعدما صارت هذه الفوضى أصبح الناس لا يتتّبعون أخبار فلسطين، بل كلهم كأنهم يوم القيامة، اللّهم نفسي نفسي، كلّ بلاد مشغولة بالتفجيرات والإرهاب في بلادها، ما الذي حدث اليوم، من قبضوا اليوم، هذا كلام الناس في كل مكان، وحيثما تجوّلت أنا في الشارع أو لقينا الناس يسألون عن هذا الخبر. هذا الجسم، هذه الجرثومة المُسلّحة باسم الإسلام، التي ظهرت في المنطقة، هي اليد الضاربة التي استعملوها إعلامياً قبل أن يستعملوها سلاحاً، وليكن الأمر واضحاً، قبل أكثر من عشر سنوات تنبّهتُ لخطورة القنوات الفضائية الإعلامية التكفيرية، وكأنّهم يمهّدون لحروبٍ قادمة، وفعلاً استطاعوا بقوة الإعلام الذي دُعِم بالبترو دولار أن يسيطروا على أذهان الناس بعاطفة دينية، ويغيّبوا عنهم الحقائق التاريخية والدينية، وبما أنّ الحرب بالأساس تبتدئ إعلامياً، إذا أردنا ان ننجح وأن نقلب الميزان، فينبغي علينا أن نُكثِر الحديث يومياً، وكما قال الأستاذ أنه يجب أن نفعل المؤتمرات وأن نكرّر الأمر لأنّ تكرير الأمر في الإعلام وبيان الحقائق وما الذي يحدث وفضح مُكر هؤلاء وتعاون الصهاينة معهم.

 

يحيى أبو زكريا: شيخ فريد، أحسنت وأجدت، ولله ذرّك، وإنا لفاعلون، وإنا لفاعلون، وإنا لفاعلون ومذكّرون إلى أن نلقى المولى عزّ وجلّ أوفياء للعهد وأوفياء للرسالة.

الشيخ فريد الباجي من تونس.

 

فريد الباجي: إننا منتصرون كذلك.

 

يحيى أبو زكريا: إننا منتصرون أو منتصرون، لا يوجد هزيمة إن شاء الله.

شيخ فريد الباجي من تونس الحبيبة شكراً جزيلاً لك.

الشيخ الدكتور سامي العسالة من مصر الحبيبة شكراً جزيلاً لك.

مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها. إلى أن نلقاكم هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبداً ودائعه.

برامج أخرى

10 حزيران 2012

23 حزيران 2021

تصفح المزيد