مناهج التعليم الديني بين الأصالة والمعاصرة

1 كانون الأول 2016 20:00

لا يختلف العقلاء مطلقا بأن الزوايا والكتاتيب والمعاهد الدينية والحوزات العلمية لعبت دورا كبيرا في طرد الإستعمار الإسباني والإيطالي والفرنسي والبريطاني من خط (طنجة – جاكرتا) وقد ساهم التعليم الديني بالطريقة التقليدية في الحفاظ على اللغة العربية التي كان يعمل الإستعمار الغربي على وأدها وقد تحولت معاهد التعليم الديني في المغرب العربي كما مشرقه إلى قلاع الشذوذ عن الهوية الحضارية لأمتنا العربية والإسلامية اما اليوم بعض المناهج المعتمدة في بعض الجامعات الإسلامية أعادت إحياء أسوأ ما في التاريخ الإسلامي ونفخت روحا جديدة في متون الكراهية والإقصاء والإستئصال وقدمت هذه المناهج على أساس أنها الإسلام، مناهجنا التعليمية الدينية تحتاج إلى إنتفاضة عارمة لأنها أوصلتنا إلى قندهار وطوربورا وقطع الرقاب وكان يجب أن توصلنا إلى المنظومة الشمسية والكونية.

نص الحلقة

يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله وبيّاكم وجعل الجنّة مثواكُمُ. <o:p></o:p>لا يختلف العقلاء مُطلقاً بأنّ الزوايا والكتاتيب والمعاهد الدينية والحوزات العلمية لعبت دوراً كبيراً في طرد الاستعمار الإسباني والإيطالي والفرنسي والبريطاني من خط طنجة جاكرتا. وقد ساهم التعليم الديني بالطريقة التقليدية في الحفاظ على اللغة العربية التي كان يعمل الاستعمار الغربيّ على وأدها، وقد تحوّلت معاهد التعليم الديني في المغرب العربي كما في مشرقه إلى قلاعٍ للذوّد عن الهوية الحضارية لأمّتنا العربية والإسلامية. <o:p></o:p>فالشيخ الشهيد عمر المُختار كان يدرّس القرآن الكريم في كتاب ليبي، وكذلك ساهمت الزيتونة وكتاتيب الجزائر والأزهر والنجف في الدفاع عن مُقدّسات الأمّة ضدّ الاستعمار. وكانت هذه المعاهد الدينية تعتمد في مناهجها على تدريس القرآن الكريم قراءة وتفسيراً، والسنّة النبوية متناً وسنداً، واللغة العربية نحواً وصرفًا وبلاغةً، وأصول الفقه ومتون الفقه أيضاً وكتب الأخلاق والآداب الربانية.<o:p></o:p>ومع تأسيس الكليّات والجامعات الإسلامية، تزايدت الفجوة بين التعليم الديني في المجتمعات الإسلامية والشروط الجديدة التي تفرضها دراسة الأديان، وكثيراً ما تعتمد مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي على النمَط التقليدي وتعتمد مُصنّفاتٍ وُضِعت لأجيالٍ انقرضت وسمتها الاجترار والتكرار، إن قالوا قلنا وإن ذكروا ذكرنا. وبعض المناهج المعتمدة في الجامعات الإسلامية أعادت إحياء أسوأ ما في التاريخ الإسلامي ونفخت روحاً جديدة في متون الكراهية والإقصاء والاستئصال وقدّمت مناهج لا تمتّ بصلةٍ إلى الإسلام.<o:p></o:p>وقد باتت المناهج التعليمية الدينية عُرضة للتوظيف السياسي والأيديولوجي من قِبَل الحركات الإسلامية وبعض رجال الدين، وكانت النتيجة انهيار العالم الإسلامي وموت العقلانية الإسلامية. ورغم محاولات علي باشا مبارك صاحب النهضة التعليمية في مصر والذي يُطلق عليه المؤرخون لقب أب التعليم من عصرنة مناهج التعليم، لكن اعترضته إشكالاتٌ عدّة.<o:p></o:p>إنّ الحرص على صقل العقل الإسلامي صقلاً كلاسيكيًا ماضوياً مُردّداً لمقولات المتقدّمين هو الذي حال دون انبلاج عصر الحداثة الإسلامية. فهل يعقل أن نقيم نهضةً راهنةً بكتابٍ وُضِع في العصر الأموي أو العباسي أو التتري أو السلجوقي أو العثماني أو الصفوي؟ تلكم هي الإشكالية.<o:p></o:p>مناهجنا التعليمية الدينية تحتاج إلى انتفاضةٍ عارمة لأنها أوصلتنا إلى قندهار وتورابورا وقطع الرِقاب، وكان يجب أن توصلنا إلى المنظومة الشمسية والكونية.<o:p></o:p>مناهج التعليم الديني بين الأصالة والمُعاصرة عنوان برنامج أ ل م، ويشاركنا في النقاش من تونس الحبيبة الشيخ العالِم الجليل فريد الباجي رئيس دار الحديث الزيتونية، ومن سورية الحبيبة الشيخ الدكتور محمّد شريف الصواف المدير العام لمجمع الشيخ أحمد كفتارو رحمة الله عليه، وهو من المُصلحين الكبار في سورية والعالم العربي. مشاهدينا مرحباً بكم جميعاً.<o:p></o:p>الشيخ فريد، وأنت واحد من خرّيجي هذه المعاهد الدينية، ولا شكّ أننا نفخر ونُشرّف بك، لكن ما هي مؤاخذاتك على مناهج التعليم الديني بشكل عام في خط طنجة جاكرتا؟ هل ترتقي هذه المناهج إلى مستوى تخريج فقهاء ربّانيين على صلة بالواقع، أم أنها تخرّج مشايخ على صلةٍ بعصرٍ قالوا وقلنا وذكروا وذكرنا؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>فريد الباجي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: وعليكم السلام ورحمة الله.<o:p></o:p><o:p> </o:p>فريد الباجي: مرحباً بك يا دكتور وبضيوفكم الكِرام العلماء، وبجميع متابعيكم ومشاهديكم.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: حيّاك الله.<o:p></o:p><o:p> </o:p>فريد الباجي: أما بعد. بسم الله الرحمن الرحيم. أنا شعرت بالسرور لحضوري، وأشكركم جداً على الاستضافة في هذا الموضوع بالذات، لأنّ هذا الموضوع من أهمّ الأمور التي ينبغي أن يركّز عليها المُصلحون إذا أرادوا أن يبنوا حضارةً عربيّةً إسلاميةً راقيةً، والدليل على ذلك أنّ كلّ شيء وكلّ فروع تُبنى على الأصول، وأصل الإسلام إقرأ، ومعناها أن الله عزّ وجل أراد أن يُرسل رسالة لهذه الأمّة ولجميع الإنسانية، إذا أردتم أن تبنوا أية حضارة أو أيّ إصلاح أو أيّ تغيير إلى الأفضل، فإذا لم يبدأ بإقرأ وبالتعلم فهو هذا البناء سيكون خاطئاً ويكون على غير منهجٍ قويم. هذا أولاً.<o:p></o:p>ثانياً، صحيح العبد الضعيف درست في دمشق وفي تونس وفي الهند وفي كلّ أنحاء العالم في المدارس والزوايا الأكاديمية وغيرها، وفيها من الخير الكثير، وأنتم ذكرتم عبر التاريخ مساهمة المدارس الدينيّة في الإصلاح والتغيير، أنا أذكر على سبيل المثال أنّ الزيتونة مرّت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بمرحلة إصلاحية وتجاذبات في هذا الموضوع، وهذه القضية طرحت بقوة وكان رائدها خير الدين باشا وكذلك المُصلح العلامة شيخ الإسلام محمّد الطاهر بن عاشور، بل والمحدّث الفقيه العلاّمة الزيتوني رئيس الوزراء محمّد العزيز بوعتور، قرّروا قراراً نهائياً أنه إذا وصلنا إلى القرن العشرين ولم نحاول أن نجعل علوم الشريعة والكتاب والسنّة تنظر إلى الواقع بنظرةٍ صحيحة ومحاولة عصرّنة العلم ليتواكب مع العصر، فإذاً سوف نخسر الإمداد والاستمداد والانتشار الديني بطريقةٍ صحيحة.<o:p></o:p>من هنا، العلاّمة طاهر بن عاشور أدخل روح التجديد في كتابه "مقاصد الشريعة"، فأراد أن يبيّن أنّ مُجرّد التقليد والرجوع إلى النصوص واجترارها اجتراراً والاقتصار عليها كما جرى عليه عامة العلماء، قال فإن هذا سوف يجعل الإسلام يضعف والحل هو أن ننظر إلى الكتاب والسنّة مع المحافظة على الأصول القطعية المُجمَع عليها، قطعية الدلالة، قطعية الثبوت، فهذه أمور نتّفق على المحافظة عليها بجميع الطوائف.<o:p></o:p>هذه المرحلة الثانية التي ذهب إليها الشيخ طاهر بن عاشور ومن قبله شيخه سيّدي سالم بوحاجب، سيّدي سالم بو حاجب وهو من الأئمة الفقهاء في جامع الزيتونة ومن المصلحين، وذهب إلى أوروبا وتجوّل فيها ونظر وتعلّم اللغة الإيطالية وعاد إلى تونس كما حدّثنا شيوخنا وصار يدرّس في جامع الزيتونة وصار يستعمل الكلمات الإيطالية ليرغّب الطلاب في  دراسة العلوم ولغات الأمم الأخرى من أجل زيادة العلم.<o:p></o:p>إذاً هذه الفكرة طُرِحت من قبل وساهمت مساهمةً كبيرة في التغيير، إلا أنّ الأمر الذي بقي ناقصاً في هذه المدارس هو أنّ المدارس يحكمها الفردانية. كنتُ في اجتماع مع بعض العلماء الزيتونيين نتفكّر في كيفية إصلاح المنهج التعليمي فكانت النقطة التي وقعت عاقباً، وحداً للإصلاح، هي فردانية المشايخ، حتى أهل الحق. لا بدّ من مؤسسة العلم، لا يوجد كل شيخ يغنّي على ليلاه، ينبغي أهل السنّة وكذلك جميع الطوائف المعتدلة من جميع طوائف المسلمين أن يؤسّسوا التدريس بشكل عام، نحن المدرسة المالكية الزيتونية تتميّز بهذا الاختصاص خاصةً ما يُسمى عندنا بفقه النوازل. ما هو فقه النوازل؟ أي فقه المُستجدات، الحافظ أبو القاسم البرزلي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: شيخ فريد أنا أفضّل أن ترجئ هذه الفكرة إلى ما بعد. أفضّل أن أذهب إلى دمشق لاستكمال الفكرة أيضاً.<o:p></o:p>سماحة الدكتور محمّد شريف الصواف، أنت تشرف على معهد إسلامي كبير، بل أقول جامعة إسلامية كبيرة، وفي نفس الوقت تخرّجت في ما أظن من السودان، من الجامعة الإسلامية في أم درمان في الخرطوم، وبالتالي لديك تجربة وتستطيع مقاربة هذا الموضوع.<o:p></o:p>مبدئياً، نحن عندما نتحدّث عن المناهج الدينية لا نريد النيل من هذه المناهج بقدر ما أريد الإصلاح في هذا العالم الإسلامي، نريد أن نقدّم مادة إسلاميّة راقية لأجيالنا. اليوم للأسف الشديد، معظم المناهج الدينية مُبتلاة بداء الأصالة والمُعاصرة. أنا قمتُ بزيارة بعض المعاهد الدينية، وجدت بعض المعاهد ملتزمة بتدريس المنهج مخطوطًا على أساس إذا دُرّس المنهج مطبوعاً فتلك كارثة ويجب أن نتشبّث بالسلف، وهكذا دواليك.<o:p></o:p>ما هي ثنائية الأصالة والمُعاصرة في مناهجنا؟ وكيف تراها في واقع التعليم الإسلامي في خط طنجة جاكرتا دكتور محمّد؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: بسم الله الرحمن الرحيم. دكتور يحيى أنا أولاً أكرّر الشكر على اختيارك لهذا الموضوع الهام اليوم خاصة ونحن ربما نعيد صوغ المشروع النهضوي الإسلامي أمام هذه الأزمة الكبرى التي تعصف بالأمّة، وأشكر لك غاية الشكر المقدّمة المُنصفة التي بدأت بها، وإن كنت أوافقك على جلّها ولكنني أختلف معك في أمرين.<o:p></o:p>الأمر الأول كان لهذه المدارس أو المعاهد والزوايا والكتاتيب الدور الكبير في مقارعة الاستعمار الحديث كما ذكرت، ولكن أيضاً للإنصاف إن تخلّف المناهج عن أداء دورها في تلك الكتاتيب والزوايا كان سبباً ربما يكون مباشراً في وقوع الاستعمار أصلاً على هذه البلاد.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: جميل.<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: وهذه قضية هامة يجب أن نتأمّلها في نقدنا لأنفسنا. ثمّ إن كانت المناهج اليوم ليست على مستوى النهضة كما تذكر، وأوافق هذا الكلام في أغلب المعاهد والجامعات الشرعية، ولكنها وأؤكّد هذا الكلام ليست سبباً في التطرّف. التطرّف والإرهاب هو أمر آخر نعالجه في محور آخر، ولكن لا بدّ من التنبيه إلى هذه القضية أنه لم ينشأ في معاهدنا وإنما نشأ في أماكن أخرى صُنِعت استخبارياً. <o:p></o:p>اليوم عندما نتحدّث عن المناهج، نحن لا شك نتحدّث عن العمود الفقري الذي من خلاله نستطيع أن ننهض أو لا ننهض. هذا الكلام تحدّث عنه كل روّاد الفكر، تحدّث عنه كما قلت علي مبارك، تحدّث عنه رفاعة الطهطاوي، تحدّث عنه مالك بن نبي، تحدّث عنه شكيب أرسلان، تحدّث عنه المصلحون والمجدّدون في كل العالم، ولكنهم لم يستطيعوا للأسف بسبب المقاومة الكبيرة لهذا التغيير، لم يستطيعوا أن يحقّقوا خطوةً عمليةً ضمن المؤسسات الشرعية، تكون هذه الخطوة خطوة قادرة على أن تستفيد من التراث وتقدّم الأسلوب النهضوي.<o:p></o:p>هذا الكلام الهام الدقيق ربما اليوم نعيشه بشكلٍ أفضل، وهذا من حسنات الأزمة التي تعصف اليوم بالأمّة الإسلامية. طبعاً نحن أولاً نكبر للمدرسة المالكية كما تفضّل أخي الشيخ فريد، نكبر للمدرسة المالكية سبقها في هذا الميدان، أولاً من حيث تأسيسها لمدرسة المقاصد ثم الاهتمام الأكبر بالنوازل، ولكن لا ننسى أنّ المشرق العربي، كلّ المشرق العربي، ربما كان روّاد العملية التجديدية فيه أكبر، ونذكر في الشام مثلاً جمال الدين القاسمي رحمه الله، نذكر الشيخ طاهر الجزائري،، نذكر الشيخ أحمد كفتارو ونذكر الدكتور الشيخ سعيد رمضان البوطي، كل هؤلاء كانوا روّاد تغيير وكانوا روّاد إصلاح، والمقصود هنا بالتغيير والإصلاح هو أن نقدّم كما ذكر الشيخ فريد مشكوراً منهجاً جماعياً لفهم الواقع، وبعد ذلك نقل التراث إلى هذا الواقع. <o:p></o:p>هنا أنا أريد أن أقف أمام تجربة رائدة جداً، أشكر قناة الميادين وأشكر برنامج أ ل م لأنه أتاح لي الظهور لنقل هذه التجربة للعالم الإسلامي، وأنا أقول أنني مستعد لأن أرسل نسخة كاملة عن هذه التجربة لأية مؤسسة دينية وأية مؤسسة تعليمية في العالم الإسلامي. نحن في وزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية في اللجنة الفقهية العليا، وهذا العمل الجماعي الذي نتحدّث عنه، بدأنا بحالة برئاسة الدكتور البوطي رحمه الله وهذا الكلام انطلق عام 2009، بدأنا مشروعاً كبيراً لتغيير المناهج وعصرَنة هذه المناهج من حيث الشكل، وأيضاً إضافة الوسائل المُعاصرة التي يتحدّث عنها أرباب التربية وأرباب التعليم، فكان هذا المشروع بالاشتراك مع وزارة الأوقاف وعلمائها وبالاشتراك مع وزارة التربية وأساتذة التربية وبالاشتراك مع جامعة دمشق، استطعنا أن نصيغ صياغة جديدة المناهج الشرعية في الثانويات والمعاهد الشرعية، وأن نقدّم مع ذلك إضافة هامة جداً إلى هذه المناهج. فمثلاً للمرة الأولى يُضاف إلى هذه المناهج عنصر هام جداً، لعلّ هذا العنصر أهم عنصر من عناصر النهضة المُرتقبة وهو عنصر الحوار، هذا نموذج من هذه الكتب التي تحدّثت عنها، وهذا الكتاب الذي بين يديّ هو كتاب "فن الحوار وآداب الاختلاف". طبعاً إذا عُدنا إلى هذا الكتاب أو إذا عُدنا إلى كتاب آخر، نحن لن نجد مؤلفاً وأنما سنجد قائمة بأكثر من ثلاثين مؤلفاً ومقوّماً من اختصاصاتٍ علمية مختلفة أنجزوا هذا العمل وفق قواعد التربية الحديثة، لأننا سنجد في كلّ فصلٍ من فصول هذا الكتاب وغيره، سنجد أولاً أهداف هذا الفصل أو هذا البحث، أهداف تعليمية وتربوية، ثم سنجد بعد كل فصل أيضاً تقويماً لقدرة الطالب على تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية التي يجب أن يتلقّاها. فهذا النموذج هو نموذج وكما قلنا هو تجربة من التجارب الرائدة وربما في العالم الإسلامي تجارب أخرى، قُرّرت هذه الكتب في العام الدراسي الماضي والآن هي في مرحلة التقويم والدراسة لنرى هل حقّقت إنجازاتها.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: دكتور محمّد الشريف الصواف، لا شكّ أنكم تُشكَرون على أي جهد وخصوصاً أنت تعلم أن سورية تعرضت لغارة تكفيرية كبيرة، وجزء من الانقضاض على هذه الغارة هو الإعداد لأجيال عاقلة، أجيال تعتمد الإسلام الحضاري.<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: صحيح وهذا همنا.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: أحسنت. دعني أعود إلى تونس. <o:p></o:p>شيخ فريد، عندما نتأمّل المناهج التعليمية اليوم في معظم الجامعات، الكليات الإسلامية، نجد فيها ذلك الفارق الحضاري الكبير بين عصرنا وبين هذه المناهج، ولعلّ طه حسين في كتابه "الأيام"، وتعلم هو شيخٌ أزهري ودرس في الأزهر الشريف وكان يعتمر العمامة الأزهرية، عندما ترك الأزهر وذهب إلى الجامعة المصرية التي أسّسها الدكتور أحمد زكي، قال وجدت في الجامعة المصرية ما لم أجده في الأزهر، بمعنى كيف أنت من جهة تحمل خطاباً يقول الإسلام هو الحل والإسلام لكلّ الأعصر وتخرّج شيوخاً منطقهم منطق القرن الأول ومنطق القرن الثاني والثالث وهكذا دواليك؟ حتى المناهج لا شيء تغيّر، في النحو قطر الندى وبل الصدى، في الفقه فقه إبي حنيفة أو فقه مالك الموطأ ما زال يُدرَّس ويعتمد، لم نحوّل هذه المعرفة كما قال مالك بن نبي إلى معرفة رياضية بحيث يستطيع الداعية أن يكون ذا عقل معاصر إن صحّ التعبير. أليس كذلك؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>فريد الباجي: نعم، العبد الضعيف، أنت تعلم أنني مؤسّس دار الحديث الزيتونية، ونحن كذلك ندرّس كتب التراث، ولكن الإشكال ليس في كتب التراث من حيث أنها تراث. نحن نحافظ على تراثنا. الإشكال في فَهم النصوص، اختلاف المدارس الإسلامية أو بالأحرى أخصّ مدرسة مُعيّنة، المدرسة الوهّابية، إشكالها حتى القرآن العظيم الذي هو مجمع عليه بين جميع المسلمين ونقرأه بنفس الحروف ونفس الكلمات، لكن فهمهم يختلف عن فهمنا، عن فهم عامة المسلمين وجمهور الأمّة الإسلامية. جمهور الأمّة الإسلامية في فهمها تجمع بين العقل والنقل، مثلاً العبد الضعيف أدرّس المخطوطات نعم، لأن المطبوعات فيها تحريف وتصحيف كثير، ولكن أدرّس البخاري، ولكن أدرّس علم المنطق وأدرّس مقاصد الشريعة وأدرّس أصول الفقه وأدرّس علم الكلام والجدل، وكذلك في نفس الوقت نحاول أن لا يتعارض هذا التراث مع العصر ولا يتعارض مع العقل ولا يتعارض مع مقاصد الشريعة الكلية التي بُعِث من أجلها النبي صلّى الله عليه وسلّم. ثم بتجربتي من بعد الثورة في إنشاء دار الحديث الزيتونية كمعهد شرعي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: شيخ فريد، أريد أن أستفيد منك في هذا الجانب إذا سمحت. مثلاً في عِلم الكلام، يفترض أنه فيه جدل علمي وكلامي لمناقشة قضايا عقدية. دائماً نحن عندما نناقش القضايا، هي القضايا التي طُرِحت في العصر الأموي وفي العصر العباسي. لماذا لا يكون عندي مثلاً عِلم كلام معُاصر يناقش لا أقول كارل ماركس لأنه انقضى، لا أقول داروين لأنه انقضى، يناقش برنار لويس، يناقش فرانسيس فوكوياما في القرن الواحد والعشرين؟ تجيبني لكن بعيد الفاصل من فضلك الشيخ فريد الباجي.<o:p></o:p>مشاهدينا فاصل قصير حتى لا أقول قُصير، ثمّ نعود إليكم.<o:p></o:p><o:p> </o:p><o:p> </o:p>المحور الثاني<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديد. عدنا والعود أحمدُ. من أدرك حلقتنا الآن، نحن نعالج موضوع مناهج التعليم الديني بين الأصالة والمعاصرة، وأقول يا ناق سيري سيراً فسيحاً إلى تونس فنستريح.<o:p></o:p>شيخ فريد، كنت تستمع إلى الإشكال. لِمَ لا نناقش الفلاسفة المعاصرين، الكلاميين المعاصرين؟ منظّرو الالحاد اليوم والله وضعوا نظريات أذت وحرّفت عقول شبابنا. لِمَ لا أنقل عِلم الكلام إلى الألفية الثالثة؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>فريد الباجي: وهو كذلك. هذا ما سأثبته عن تجربتي في ستّ سنوات من التدريس في تونس ما بعد الثورة. حاولت أن أبدأ وأهتمّ بالتراث كما تعلّمته وكما قلت قطر الندى وغيرها من هذه الكتب، لكن فوجئت أن المستوى العلمي أو الثقافة الجديدة التونسية حتى لو كان أستاذاً جامعياً، لمّا تدرسه قطر الندى أو شرح ابن عقيل أو مغني اللبيب، يجد نفسه غير قادر على الاستيعاب ولا على الفهم، وكلّ الطلبة وجدوا صعوبة، لذلك رأينا تجديد المنهج التعليمي من أجل أن يواكب مفاهيم الناس من ناحية وكذلك من ناحية عِلم الكلام، نحن عندما نناقش النظريات العقلية أو الوجودية أو اللاهوتية نناقشها عبر العصور، لا نبدأ أصلاً من أرسطو وطاليس الملطي وأفلاطون وغيره من المُتقدمين ثمّ بعد ذلك نمر إلى القرون الإسلامية ثم بعد ذلك نظريات كارل ماركس وغيره وغولد زيهير، هؤلاء ينبغي أن تُصنّف كتب لنردّ عليهم بأسلوب علمي صحيح يعتمد على أصولنا التراثية، ولكن كذلك على العلوم الحديثة، لأنّ إدخال العلوم الحديثة سواء من حيث الآليات، سواء من حيث طريقة التدريس، طريقة التدريس الإلقاء والصب التي تعوّدنا عليها هذه وحدها لا تكفي، لا بدّ من إحياء المنهج الجديد وهو المنهج الحواري والمنهج البحثي، وقد أشار إليه الدكتور الصواف مشكوراً، هذه المسألة وهي الحوار بين الشيوخ والطلبة، وأنّ القضايا الإسلامية المعاصرة تُطرَح كذلك ليس فقط من أجل أن أعطي الأوامر والتعليمات على طريقة الشيوخ المُتقدمين بل لا بدّ كذلك من الحوار، وأنوّه هنا بفضيلة الدكتور شيخنا الشيخ سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى في كتابه "كبرى اليقينات الكونية" لقد حاول محاولة جديدة في طرح عِلم الكلام ومناقشة الإلحاد بطريقةٍ عصرية، فكان له أيضاً فضل السبَق في بلاد الشام في هذه المواضيع، طرحها بطريقة جديدة، فوجدت قبولاً واسعاً في العالم العربي والإسلامي بل وحتى في العالم الغربي تُرجِمت كتب الدكتور سعيد رمضان البوطي ونوقِشت في الجامعات الكبرى مثل السوربون في باريس. <o:p></o:p>من هنا نحن نقول لا بدّ مع المحافظة على أصولنا وضبطها وتصحيحها وعدم تحريفها وتغييرها من إدخال لغة الحوار، وكذلك المدرسة الإسلامية العريقة العامة تميّزت بالعقلانية، وتميّزت بقبول الآخر. أنا الذي أذاني في بعض المدارس التي تُنسَب للدين هي ليس فقط لديهم فكرة الإسقاط على التلاميذ بل يدرّبون طلبتهم على أن يُسقِطوا الدين إسقاطاً على البشرية سواء باللسان أو بالبنان أو بالسيف. هذه العقلية للأسف لا بدّ من إزالتها ولا بدّ من علماء الأمّة جميعاً أن يتّخذوا موقفاً موحّداً من أجل بيان أنّ هذا الأسلوب لو استمرّ في الأمّة سوف يمزّقها ويدمّرها، وما تعيشه الأمّة الآن من إرهاب وتطرّف وتناحُر أؤكّد وأجزم بحثاً وتحقيقاً وواقعاً أنّ الدور يعود فيه بالدرجة الأولى إلى طريقة تدريس الإسلام في بعض المدارس بالإسقاط. من هنا استغلّ الغرب.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: شيخ فريد، وهذه النقطة سوف نفصّل فيها بعيد حين، لكن أشير أيضاً، حتى تدريس التربية الإسلامية في بعض المعاهد والثانويات فيه إخلال بالتربية الإسلامية.<o:p></o:p>دكتور محمّد شريف الصواف، عندما نتحدّث عن التعليم نتحدّث عن الذكاء، نتحدّث عن قوة العقل، نتحدّث عن قدرة الانتلجنسيا، في اليابان، في أمريكا، في كثير من الدول الأوروبية التي زرت جامعاتها، يُنتقى لوضع المناهج الأعقل والأذكى والأخطر في معرفة تضاريس المستقبل وإلى أين سيؤخذ الطلاب.<o:p></o:p>اليوم في العالم العربي والإسلامي، للأسف لا يوجد عندنا هذا، لا يوجد لجان تستطيع أن تقول نحن نضع هذا المنهج ليؤدّي بنا إلى هذا الأمر. حتى الشيخ محمّد عبدة رحمة الله عليه عندما تحدّث عن طلبة الأزهر، قال الأزهر لا يدخله إلا النطيحة والمتردّية والموؤودة وما أكل السبع.<o:p></o:p>وحتى في عالمنا الإسلامي، للأسف الفكرة السائدة أنّ الفاشل في الحياة، الذي لا يوجد عنده نقاط تسعفه لدخول الطب أو الهندسة، يذهب إلى التعليم الديني. في بعض الدول الإسلامية الذي يريد أن يفرّ من الخدمة العسكرية يذهب إلى التعليم الديني. فكأن التعليم الديني صار للنياق والجمال. لماذا لا يُنتقى الأذكياء كما تنتقي هارفرد الأذكياء، جورج تاون تنتقي الأذكياء، يُنتقى الأذكياء لدراسة الإسلام حضارةً وفكراً، عقيدة وشريعة، كلاماً وفلسفة؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: أنا لا أعرف كيف سأجيب على هذا السؤال لأنه حقيقة هو ليس عنوان حلقة، هو عنوان حلقات، هذا الكلام الآن.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: فلنبدأ، يا دكتورنا فلنبدأ.<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: أنا أتكلّم، أنت عندما تريد أن يأتيك الأذكياء وعندما تريد أن يأتيك المُتميزون، فيجب أن تكون هناك فُرَص حقيقية في المجتمع للعمل وللإنتاج لهؤلاء. مشكلة من يدرس العلم الشرعي أنه يجد نفسه في آخر حياته من دون وجود حقيقي في سوق العمل، من دون قدرة حقيقية على الكسب الشريف الذي يحقّق له الكرامة الحقيقية. لكن أنا أريد أن أؤكّد على فكرة تطرّقتَ لها وذكرها الأستاذ الشيخ فريد، وهي قضية أنه مع المناهج هناك قضية هامة وهي التوجيه العام والمدرّس، التوجيه العام والأستاذ الذي يدرّس هذه المناهج. مثلاً نحن عندما نتحدّث عن الفِرَق الإسلامية أو نتحدّث عن المذاهب الإسلامية، وهي القنبلة الموقوتة التي فُجّرت اليوم بطريقة وذكاء ودهاء خطير من أعداء هذه الأمّة، نحن يجب أن نجد أنفسنا أمام واقع تاريخي، وكيف نستطيع أن نكيّف هذا الواقع التاريخي اليوم لنعيش هذا المستقبل الذي نعيشه. ولذلك هنا أعود وأقول، نحن في سورية عندما ندرّس الفِرَق الإسلامية أو عندما ندرّس المذاهب الإسلامية ندرّسها على أنها مظهر ثراء وعلى أنها مظهر تنوّع وعلى أنها حال من حالات التنوّع الموجود تحت المظلّة الكبرى، مظلّة الإسلام. <o:p></o:p>ولذلك هنا أذكر تجربةً، عندما أردنا أو أراد شيخنا الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله قبل أكثر من عشرين سنة أن يؤلّف أحد الأساتذة كتاباً حول الفِرَق وهو أستاذنا العلامة الكبير الشيخ محمّد حمزة رحمه الله، ألّف الكتاب فقال له الشيخ اجعل عنوان هذا الكتاب "التآلف بين الفِرَق والمذاهب الإسلامية". أنظر الآن إلى العنوان كيف يوجّه الطالب. أنا أنطلق بداية في حديثي عن هذه القضية الشائكة من عنوان التآلف. عندما ألّفنا كتاب مقارنة الأديان جعلنا عنوان هذا الكتاب "الإسلام والمسيحية دين واحد وشرائع شتى"، هذا العنوان في ذاته هو الذي يجعلنا أقرب إلى ما نريد من أهداف.<o:p></o:p>اليوم أنا أجزم، أجزم أننا استفدنا من التجربة السابقة، ولذلك بفضل الله ومنّته تجد مجموعة من النهضات، تجد مجموعة من البرامج التي توجد اليوم في عدد من المدارس الشرعية، في الزيتونة، في دمشق، في القاهرة، في غيرها من دول العالم الإسلامي، وإن كانت لم تصل إلى مرحلة النُضج الكامل ولكنها تقدّم اليوم تجربةً رائدةً هامة.<o:p></o:p>هناك معنى دقيق، هذا المعنى الدقيق أننا كنّا غالباً في دراستنا للعلوم الشرعية، نؤكّد على الجوانب العقدية، على الجوانب اللغوية، على الجوانب الفقهية والأصولية، وكان يغيب عنّا جزء هام جداً في تشكيل شخصية العالِم والداعية، هذا الجزء الخاص هو الجزء النبوي، كيف يصبح هذا الداعية، هذا الطالب الذي يتخرّج من مدارسنا، كيف يصبح متأثّراً بشكل كامل، بشكل كبير، بسيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، بشمائل النبي، لأننا في سيرة النبي، في شمائل النبي صلّى الله عليه وسلّم سنجد حلاً لإشكالات كثيرة في الفهم السلفي الوهّابي الذي قدم لفهم النصوص كما تحدّث الشيخ فريد. <o:p></o:p>ولذلك نحن مما أدخلناه في مناهجنا الجديدة التي أتحدّث عنها أدخلنا مادة الشمائل النبوية والأخلاق، وفيها تركيزٌ على أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم، التي لا يعرفها هؤلاء التكفيريون ولا يعيشها هؤلاء الوهّابيون، ولو عاشوها ولو عرفوها لأنقذوا العالم وأنقذوا الإنسانية. ثمّ أيضاً أدخلنا بشكلٍ مُكثّف السيرة النبوية التي هي البرنامج العملي الذي عاشه النبي صلّى الله عليه وسلم مع أصحابه لإنقاذ المجتمع، وكانت تجربة ناجحة استطاعت أن تنقذ هذا المجتمع. وأخيراً عندما نتحدّث عن قضايا المنطق وقضايا عِلم المنطق الحديث، أنا أشرف أنني أدرّس ودرّست بل أدخلت في مناهج مجمع الشيخ أحمد كفتارو مادة التفكير، أخطاء التفكير، التفكير الموضوعي، هذه أدخلتها في المناهج ودرّستها سنوات كثيرة، وهي تعتمد اعتماداً كبيراً على نقد الذات المسلمة ثم على نقد الواقع ونقد الآخرين، مع ملاحظة أننا نقدّم مادة هامة جداً، هذه المادة هي اسمها قضايا فكرية معاصرة، هذه تناقش هؤلاء المُفكّرين الذين ذكرتهم وتناقش هذه المدارس الجديدة، العولمة، صِدام وصِراع الحضارات، نهاية التاريخ، كل هذه المشاكل وأهم أمر أنها تناقش بوضوح تطرّف الفكر الوهّابي وغلاء الفكر الوهّابي الذي قدّم كارثةً إنسانيةً وليس كارثة على مستوانا الاقليمي.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: الدكتور محمّد، دعني أنتقل إلى تونس، إلى الشيخ فريد لأنقل له تجربتنا في الجزائر بعد الاستقلال.<o:p></o:p>بعد الاستقلال، كانت الجزائر مضّطرة لاستيراد أساتذة بسبب أنّ فرنسا حظّرت تعليم اللغة العربية في الجزائر، وكان ابن باديس يقول يا نشء أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب، وهذا النشء فجّر ثورة التحرير التي أفضت إلى الاستقلال.<o:p></o:p>عندما جاء الأساتذة الذين يدرّسون الإسلام، الذين جاؤوا من مصر نشروا مذهب الإخوان المسلمين، الذين جاؤوا من العراق نشروا أدبيات حزب الدعوة العراقي الذي أسسه محمّد باقر الصدر، الذين جاؤوا من السعودية نشروا السلفية. في النهاية الجزائريون فقدوا إسلامهم وتشتتوا.<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: الذين جاؤوا من سورية ماذا قدّموا؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: تحية، قدّموا لنا العروبة والله، لله ذرّهم، قدّموا العروبة. <o:p></o:p>فشيخ فريد، اليوم للأسف الشديد ينضم المسلم إلى أية جامعة إسلامية، لا يتعلم الإسلام بقدر ما يتعلم الأدلجة، ومن هنا أمضي إلى المناهج التعليمية التي كرّست الإرهاب والتكفير وأنتجت لنا للأسف الشديد الفتنة الكبرى اليوم في العالم الإسلامي.<o:p></o:p>الشيخ الدكتور محمّد شريف الصواف قال أنّ دوائر الاستكبار ساهمت في إنتاج الفتنة. صحيح هي مستفيدة، لكن نصوصنا، كتبنا، مناهجنا هي التي أسّست هؤلاء الذابحين والقاتلين والسالخين والحارقين. ماذا عنها سماحة الشيخ فريد الباجي أدامك الله؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>فريد الباجي: بارك الله فيكم. قبل أن أتحدّث في هذا الأمر، بعُجالة، الجزائر الآن على وجه الخصوص تُعتبَر بالنسبة لنا في تونس كدُعاة وكأهل عِلم مصلحين ونحارب فكر التطرّف، وجدنا في الجزائر، في زواياها وفي معاهدها وفي علمائها وفي شيوخها بل وكذلك حتى في دولتها، احتضنت مؤتمرات عدّة وجمعت علماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي من أجل تحقيق هذه الفكرة، وهي كيف يكون العلم الشرعي والتصوّف، هذان يلعبان دوراً كبيراً في إصلاح ما أفسده المتطرّفون.<o:p></o:p>ثانياً، جوهر الإشكال الذي أفسد كلّ شيء في المدارس الدينية على وجه العموم، والمدرسة الوهّابية على وجه الخصوص، وهو ما يُسمّى بالانغلاق الكلّي، إذا بقي العلماء أو الشيوخ مُنغلقين في الزوايا والمغارات، بعضهم ما زال إلى الآن ويعيش على طريقةٍ تقليدية من باب الورَع والزهد، فهذا لن يغيّر. ما فائدة هذا العلم ونبينا الكريم صلّى الله عليه وسلّم بيّن مقصد العلم، فقال من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام ليس بينه وبين النبيين إلا درجة واحدة في الجنّة، حديثٌ حسن لغيره أخرجه الدارمي في سننه وغيره.<o:p></o:p>إذاً المقصد من العِلم هو إحياء الإسلام، لكن لو رجعنا إلى تاريخنا، كما أننا ننتقد الذات في تاريخنا ولكن كذلك هناك فوائد، أنا أريد أن أركّز على الفترة العباسية مع ما فيها من المساوئ السيّئة الدموية واستغلال الدين بالسياسة عبر تاريخنا الإسلامي، إلا أنها عولمَت، عولمَت العِلم، فهم نجحوا في أن ينفقوا أموالاً طائلة في جمع الكتب من شتّى العلوم، سواء كانت الفلسفة أو الطب او الرياضيات أو الهندسة او الحكمة أو غير ذلك، وهذا أمرٌ معروف أن دار الحكمة ومكتبة الحكمة جمعت من العلوم والكتب والفنون وتُرجِمت من جميع اللغات القديمة إلى اللغة العربية ليتسنّى للعلماء والمسلمين أن يتعرّفوا على بقية الحضارات. هنا الإيجابية وهو ما يُسمّى بتَرك الانغلاق والانفتاح على الجميع.<o:p></o:p>نعم، ما المانع؟ ما المانع أنّ علماء الإسلام يجالسون الملاحدة ويجالسون جميع المُثقّفين والمُفكّرين من جميع الأديان والطوائف من دون استثناء؟ العبد الضعيف بالذات، أثناء رحلتي لطلب العِلم، دخلت إلى الكنائس، نعم، من أجل أن أزور القسّيسين وأتحاور معهم. هذا هو الإسلام. الإسلام إذا كان فيه العلماء منغلقين لا ينفتحون على الأفكار الأخرى وعلى الحضارات الأخرى ويناقشون بالحوار ويتفهّمون الآخر، لا يمكنهم أن يبنوا. إذا أردنا أن ننشر الإسلام الصحيح، الإسلام لا ينتشر بالسيف. الإسلام حقيقة هو لا ينتشر أصالة، السيف ليس لنشر الإسلام. الإسلام ينتشر بالحب والرحمة والمصالحة وأكبر دليل على ذلك، إذا النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو سيّد الوجود والمشرع للعالمين، قريش تشرك بالله، قاتلته وأخرجته وأصحابه، وعذّبت أصحابه، ومع ذلك ووصلوا إليه وغزوه في المدينة وفي غزوة أحُد، ومع ذلك عندما وجد فرصة بالعفو والمصالحة من أجل أن نتحاور وأن ننفتح، قدّم تنازلات ضخمة من أجل فقط فتح باب الحوار والانفتاح، تاريخياً، وهذا من فضائل التراث والتاريخ، ثبت أنّ الذين دخلوا في الإسلام في مدة 16 سنة من البعثة، من بعثة النبي عليه الصلاة والسلام إلى صلح الحديبية، لا يتجاوز عددهم الـ2000، لكن في ظرف سنتين بسبب المصالحة مع العدو المشرِك المُحارِب المُقاتِل والانفتاح معه، ماذا أدّت النتيجة؟ 10000 دخلوا في الإسلام فكان درساً واضحاً أنّ نصرة الإسلام ليس هو قتل الناس لإدخالهم إلى النار، وإنما نصرة الإسلام الحقيقية إذا أراد العلماء أن ينشروا الدين بطريقة صحيحة كما قال الله تعالى، "إذا جاء نصر الله والفتح". ما هذا الفتح؟ "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا". <o:p></o:p>هنا وصلنا إلى البرزخ أو الحد الفاصل بين المدرسة التي تجمع بين العقل والنقل، وبين المدرسة الوهّابية، نحن نقول  ننفتح على الآخرين ونريد أن ننقذهم ونريد أن نستفيد منهم وأن نعلّمهم، بينما المدرسة الوهّابية، الكلّ ضالٌ، الكلّ أحمق، الكلّ جاهلٌ، الكلّ كافرٌ والكل لا يفهم، أغلقوا جميع الأفكار، لا تنفتحوا على أحد ولا تسمعوا إلا إلينا بالإسقاط. وقصة حدثت لي كنت مرة في بداية ما بعد الثورة عند الفوضى، هذه الوهّابية، مُعتكفاً في مسجدي الذي أخطب فيه، وفجأة في نصف الليل يهجم عليّ عشرات من أدعياء السلفية الوهّابية ويأمرونني بالخروج من المسجد بالقوة ويطردونني بالقوة، مع أن وقتها المسجد أمامه المنطقة، لكن الفوضى ما بعد الثورة أدّت إلى هذا. فأنا قلت لهم، جلست هكذا على الأرض، قلت لهم لعلّكم أنتم على حق، حدّثوني بما عندكم فأسمع منكم لعلّي أهتدي على أيديكم، واسمعوا منّي لعلّه عندي صواب فتأخذوا مني، فماذا كان جواب سبعين أو تسعين شخصاً تقريباً؟ عددهم كبير كان، أخرجوني بالقوة، كلهم بحركة أوتوماتيكية كرتونية لا أستطيع أن أفهمها وضعوا أصابعهم في آذانهم هكذا، كلهم في لحظة واحدة، ففهمت أنهم تخرّجوا من مدرسة أنه لا للغير، إنما نحن فقط. هذا المنهج وهذه العقلية المُتطرّفة إذا نجحنا في إخراجها من المدرسة الدينية الإسلامية في جميع أنحاء العالم سوف نتقدّم خطوة كبيرة جداً باتّجاه الإصلاح والتغيير.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: دكتور محمّد شريف الصواف، تحضرني الآن مقولة في كتاب "الإسلام وأوروبا" للدكتور الصوفي الرائع الشيخ عبد الحليم محمود من الأزهر الشريف، عندما قال جاءنا ذات يوم رجل من أوروبا وقال لي يا شيخ عبد الحليم محمود أدركوا أوروبا قبل أن تتبوّذ أو تتهندس، أي تصير بوذية أو هندوسية، وقدّموا لهم الإسلام الحضاري. نحن بمناهجنا التعليمية هل قدّمنا أنسَنة الإسلام؟ هل قدّمنا إنسانية الإنسان؟ <o:p></o:p>إنني أنا يحيى أبو زكريا والله أحيي وأنحني إجلالاً للأخت تيريزا رضوان الله عليها التي كانت تُطعِم الفقراء في القارات الخمس. نحن دُعاتنا يختارون المُكيّفات والموائد المعمورة ويتركون الناس جميعاً. أما آن لنا أن نصنع خطاباً إنسانياً إسلامياً لهذا العالم يا شيخنا الدكتور محمّد شريف الصواف؟<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: أولاً أنا أتحفّظ على مشكلة وهي أننا نتحدّث عن مشكلة التعليم أو مشكلة المناهج وكيف أنتجت هذه المناهج التطرّف ثمّ لا نجد بعد ذلك مثالاً نذكره إلا المدرسة السلفية الوهّابية وما أنتجته، ولذلك هذا تناقض في التفكير.<o:p></o:p>نحن اليوم نتحدث عن أصول التفكير، نتحدّث عن المنطق في التفكير. لماذا نقول أن المناهج الشرعية في المدارس في العالم الإسلامي أخرجت وخرّجت المتطرّفين التكفيريين ثم نتحدّث عن السلفيين الوهّابيين؟ قولوا بوضوح المدرسة الوهّابية، المناهج الوهّابية أخرجت هذا التكفير والتدمير، أما المدارس الأخرى فكانت قاصرةً عن التعبير عن حضارة الإسلام، سماحة الإسلام.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: صحيح، أحسنت.<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: كانت قاصرةً ولكنّها لم تخرّج تكفيراّ، وهذه قضية هامة جداً. <o:p></o:p>اليوم عندما ننظر إلى المدارس والمدن التي خضعت لفكر داعش التكفيري، سنجد أنّها ألغت المُقرّرات الشرعية التي كانت في المدارس الشرعية من وزارة الأوقاف السورية مثلاً، وأدخلت الكتب المُقرَّرة في المدارس السعودية، وهذه ظاهرة يجب التنبّه لها. إذاً هو فكرٌ واحد، فكر إقصائي، ثم هنا يجب أن نضع أيدينا على أصل المشكلة. نحن نعلم أن المدرسة الوهّابية عندما تبدأ بالكلام، أيّ شيخ من مشايخها عندما يبدأ بالكلام، أول ما يقول يبدأ بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وهذا حديثٌ ثابت لا ننكره ولكن نختلف معهم في فهمه، لكن هم لا يفرّقون بين الابتداع وبين الإبداع، وهذه قضية حضارية هامة يجب أن نقف عندها.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: شيخنا الدكتور محمّد شريف الصواف، داهمني الوقت وسوف أعدك بحلقات أخرى مُتسلسلة في هذا السياق، حلقات للإبداع.<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: دقيقة دكتور، دقيقة واحدة.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: تفضّل.<o:p></o:p><o:p> </o:p>محمّد الصواف: لمّا دخل السلف من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى دمشق أبدعوا القبة وأبدعوا المئذنة وأبدعوا المحراب وأبدعوا المدارس، كل هذا لم يكن موجوداً في العصر الأول، ما أحد قال لهم هذه بدعة لأن هذه ليست بدعة وإنما هي وسيلة للتعبير، وسيلة لصناعة المستقبل. مناهجنا فيها أصالة، فيها علوم، ولكنها تحتاج إلى تطوير وإدخال إلى أرض الواقع، وأريد هنا أن أذكر أننا في وزارة الأوقاف وبتوجيه من القيادة جعلنا عنوان وشعار هذه الوزارة في كل مناهجها التعليمية الإسلام كما أنزله الله بعيداً عن الوهّابية والمذهبية.<o:p></o:p><o:p> </o:p>يحيى أبو زكريا: دكتور محمّد شريف الصواف، على ذكر البدعة تجد الداعية منهم يرتقي المنبر فيكفّر الغرب ويزندقه ويبدّعه، فإذا ما نزل من المنبر ركن إلى سيارة الليموزين واستخدم هاتف سامسونغ، فكيف يستخدم البدعة في تفاصيل حياته؟<o:p></o:p>الدكتور محمّد شريف الصواف شكراً جزيلاً لك، كنت معنا من سورية الحبيبة، نسأل الله أن يعمّ الأمن والأمان فيها، وأيضاً الشكر موصول للشيخ الفاضل العلاّمة فريد الباجي من تونس الحبيبة جارة الوادي، شكراً جزيلاً لك.<o:p></o:p> مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها. إلى أن ألقاكم هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبداً ودائعه.<o:p></o:p>