صمت العرب والمسلمين عن مذابح العراق
نص الحلقة
يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله وبيّاكُمُ وجعل الجنّة مثواكُمُ.
ذُبِح ويُذبَح العراق من
الوريد إلى الوريد. ذُبِح العراق قتلاً وتفجيراً وإحراقاً وتفخيخاً ونسفاً، ولو
كان المسلمون يُتقنون فن الحساب ولم تكن في ذاكرتهم ثقوبٌ لاكتشفوا أنّ العراق أرض
الحضارة والعنفوان العربي، شهد ويشهد أكبر نسبةٍ من السيارات المفخّخة. وامتدت
أيادي الإثم والإرهاب إلى المساجد وقبور الأنبياء ومقامات أهل البيت والمكتبات
والمخطوطات، ناهيك عن تدمير الإنسان العراقيّ من كلّ الانتماءات الإثنية والدينية،
فلم يسلم أحدٌ في العراق.
ومع كل هذا الإثم الفاحشي
والإرهاب الداعشي المُتضخّم، فإنّ المؤسّسات والمرجعيات الإسلامية والحكومات
العربية والمؤسّسات العربيّة أيضا أصيبت بداء الحياء والخجل في موضوعٍ يتعلّق
بإبادة شعبٍ عراقي توّاقٍ إلى السلام والحرية والعيش بكرامةٍ في وطنه. وبحسب
إحصاءاتٍ رسمية لبعثة الأمم المتحدة "يونامي"، فإنّ التفجيرات الإجرامية
وأعمال العنف أدّت إلى سقوط قرابة 28719 شهيداً وجريحاً، هذا في العام 2014.
فهل كانت الفتاوى في
الحواضر العربية والإسلامية والأحكام الشرعية في مجمعات الفقه والفتيا في العالم
العربي والإسلامي والقرارات في دوائر الفعل العربي والإسلامي على مستوى هذا القتل
المُمنهج والإبادة المدروسة للشعب العراقي؟
كلّ ما جرى ويجري في العراق
وليس آخرها مذبحة الكرادة التي تُدمي قلب كل غيور على أمة محمّد صلّى الله عليه وآله
وسلّم يؤكّد أنّ هنالك من يعمّم سياسة الصمت حيال الإرهاب الداعشي والفاحشي في
العراق، بل إنّ البعض يصدر بياناتٍ لدعم الإرهاب الأعمى، مدّعياً أنّ الدواعش
قتلوا الروافض، ويُصدر في ذلك تهليلاتٍ وتغريداتٍ وتبريكاتٍ أيضاً.
ألم يحن الوقت أن نرفع
الصوت عالياً لوقف المجازر في حق الشعب العراقي؟ وإن كنت والحمد لله من الذين
يرفعون الصوت عالياً ضدّ هذا الإرهاب في العراق وفي خط طنجة جاكرتا وفي القارّات
الخمس، أمس واليوم وغداً وإلى يوم القيامة. إنّ العراق كتلة عملاقة من فعل الحضارة
والنهضة والرقّي من العهد السومري وإلى العهد الأكدي والبابلي والعهد الكاشي
والأشوري والكلداني وإلى عهد الحضارة الإسلامية. إضافةً إلى ذلك فهو أرض الأطهار
والأخيار وموطن العترة الطاهرة.
صمت العرب والمسلمين عن
مذابح العراق عنوان برنامج أ ل م، ويشاركنا في النقاش فضيلة الشيخ فؤاد المقدادي
الأمين العام لإتحاد علماء المسلمين في العراق، ورئيس دار التقريب بين المذاهب
الإسلامية، وفضيلة السيّد عبد القادر الألوسي الحسني رئيس مجلس علماء الرباط المحمّدي
ورئيس مؤسّسة رشد للتنمية والتطوير الثقافي، وفضيلة الشيخ جلال الطيف الكبيسي رئيس
رابطة شورى علماء الأنبار وإمام وخطيب جامع الأنبار الكبير. مشاهدينا مرحباً بكم
جميعاً.
أبدأ من الأنبار، وفي
الأنبار دارت معركةٌ لاسترجاع الحق لأصحابه. فضيلة الشيخ جلال، كيف تقرأون وأنتم
في العراق تُذبَحون من الوريد إلى الوريد، صمت العرب والمسلمين، صمت المرجعيات
الإسلامية، ودعني أقولها بكلّ صراحة، أنت هنا إمامٌ سنّي ولست إماماً شيعياً لأن
العرب للأسف الشديد تعوّدوا على هذه اللغة المذهبية، فتكلّم بلسان أهل السنّة
والجماعة، لماذا خذلكم العرب والمسلمون في كل العالم العربي؟
جلال الكبيسي: الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلاّة وأتم التسليم على سيّدنا ومولانا
وشفيعنا محمّد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين.
سؤالك وقع على جرحٍ مؤلمٍ
لا يندمل أبداً، وهذا دَيدَنُ أهلنا ممّن نقول أنّهم أهلنا، سكتوا دائماً عن الذبح
الذي تعرّض إليه أهل السّنّة عامةً وأهل الأنبار خاصة، والذبح لم يشمل ذبحاً بالسكّين
وغيره، بل ذبحٌ للكرامة التي تعرّض إليها أهل الأنبار، حينما تعرّضوا إلى التهجير
فتركوا أموالهم ودورهم وأملاكهم، وانتُهِكت بعدما انتُهِكت أعراضهم، هذا كله كان
سبباَ وللصمت الذي يتعرّض إليه أهل السنّة حينما يندّدون فيه الإرهاب الذي يقتل
فيه العراقيين أجمعين. ولكن ظلّ أهل الأنبار ومن على شاكلتهم يتحمّلون ذلك الجرح
وذلك الألم، وهم يحملونه لأنّه كما يُقال أنّ الألم لا يضرّ إلا صاحبه، وهذا ليس
من تعاليم الإسلام والمسلمين، ولو كنّا مسلمين لعرفنا معنى قول النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم حينما يقول "من لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم"، ولكنّنا
لم نطلب منهم الإهتمام، أو أنّهم يراعون شعورنا ويداوون جروحنا بل أننا لم نسلم
منهم إطلاقاً، وهذا مخالفٌ لما قاله رسول الله فيه وهم يدعون أنهم مسلمون ترتبط
فينا الأصالة والعروبة وغيرها، يقول النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم "المسلم
من سلم المسلمون من لسانه ويده". لم نجد منهم سلامة من لسانهم ولا سلامة من
أيديهم، بل البطش قد يكون أكثر ممّا يكون من أيديهم ولذاعة لسانهم، حينما يصرّحون
ويقولون أنه لا دفع هناك ولا تعرّض لأبناء السنّة إلا من جهةٍ أخرى الغرض منها
إثارة الفتنة الطائفية بين الشعب الواحد، وذريعتهم حتى يقتل الشعب بعضه مع بعض،
وهم يتفرّجون على جِراحات العراق.
يحيى أبو زكريا: شيخ جلال، سأتوقّف عند هذه النقطة.
سماحة الشيخ، الذين طبّلوا
وزمّروا لمقتل المنتمين إلى مدرسة أهل البيت في العراق يقولون، هناك سببان يدعوان
إلى قتل هؤلاء، وهذا تجده في بيانات التكفيريين والإرهابيين. أولاً أنّ أتباع هذه
المدرسة هم الذين مكّنوا للأمريكان وهم الذين جلبوا أمريكا إلى العراق على ظهر
الدبابة وأعطوها الشرعية. الأمر الثاني أنهم ينتمون إلى مذهبٍ لا تقرّه بقية
المذاهب الإسلامية وبالتالي يجوز قتلهم. ما رأيك في ذلك؟
فؤاد المقدادي: بسم الله الرحمن الرحيم. أولاً المقالة الأولى ليست واقعية، نحن لا نُنسَب
إلى من جاء بهم الأمريكان، الأمريكان لهم أجندة خاصة، دخلوا معهم لاحتلال العراق،
وكنّا أول من رفع راية المواجهة وشكّلنا سرايا المقاومة، بل وإلتحمنا مع إخوتنا من
أهل السنّة في كل المناطق الغربية، وأنا ممّن دخل إلى المناطق الغربية ونسّق في
رفع السلاح في وجه الأمريكان.
يحيى أبو زكريا: إذاً هذه النقطة مُهمّة ليفهمها المشاهد. قدوم أمريكا إلى العراق لم يكُ
بتوطئة شرعية ودينية من أتباع مدرسة أهل البيت، إنما بعض المحسوبين على هذه
المدرسة هم الذين تعاونوا مع أمريكا في وصولها إلى العراق، وبالتالي الإطاحة بصدّام
حسين.
فؤاد المقدادي: هناك جهات سياسية حسبت حساباً سياسيًا معيّناً وبعضها تناغم مع المشروع
الأمريكي الذي كان بعنوان قانون تحرير العراق الذي سنّوه بعد الانتفاضة الأولى،
الانتفاضة الشعبانية، ورصدوا له أموالاً، وقالوا من لم يدخل في هذا المشروع سوف لن
يكون له وجود في مستقبل العراق، فدخل البعض بتوجّهات سياسية والبعض الآخر أبى،
وقال نحمل السلاح حتى النّفَس الأخير، وفعلاً حصل هذا، ولهذا تجد أن هناك مقاومة مُلتحمة
بين أبناء السنّة وأبناء الشيعة في خندقٍ واحد، وأنا أدّعي هذا بالأرقام لأنني كنت
ممّن يتواصل بين الطرفين وأذهب إلى المناطق الغربية وحتى نساعدهم في كل ما يمكن
تقديمه لهم، وكان للجمهورية الإسلامية دور كبير في إسناد هذه القوى المُقاوِمة
والمواجِهة للأمريكان، واستطعنا أن نؤثّر حتى على الخط السياسي في أن يكون هناك مقاومة
سياسية، ودخلوا في مفاوضات شرسة، وكان لفقهائنا الدور في دعم هذه المفاوضات حتى لا
يبقى جندي على أرض العراق، وفعلاً استطاعوا أن يقرّوا مبدأ خروج القوات الأمريكية
من العراق، وإن كانوا هم لديهم أساليبهم المخابراتية في إيجاد مقرّات لهم خفية،
ولكن كوجود عسكري ظاهري، خرج ذليلاً، حتى قالوا لنا اسمحوا لنا أن نخرج من العراق
من دون أن تطاردونا، ولم نعطِهم هذا الوعد، وفعلاً ضُربوا وهم يخرجون من العراق،
هذا أولاً هذا يُثبت، ولدينا فتاوى ولو كان هناك وقت متسع لأريتك الفتاوى التي
صدرت عن فقهائنا في تحريم السماح لبقاء أي جندي في العراق أو إنشاء أية قاعدة، بل
حتى هذا الاتفاق الاستراتيجي رفضه علماؤنا وقالوا هذا اتفاق الذئب مع الحمل، هذا
تعبيرهم الفقهي، الغرض هذا في الجانب الأمريكي الأول، الجانب الثاني كان حول ماذا؟
يحيى أبو زكريا: تكفير مذهب أهل البيت بالأساس، إنّ هؤلاء شيعة ويجوز قتلهم وذبحهم وسبي
نسائهم وهتك أعراضهم كما هي الفتاوى السلفية للأسف الشديد.
فؤاد المقدادي: هذه المدرسة الوهّابية تنحصر بها، وأنا ممّن إطّلع وعاصر تكفير الوهّابية
لغيرهم حتى من المذاهب السنيّة وخصوصاً المدارس الصوفية، هم نصبوا العداء لهم وكفّروهم
وقاتلوهم وأخرجوهم حتى من ديارهم في الحجاز وحاربوهم في كل حواضرهم، وحتى في
العراق، 70 بالمئة من سُنّة العراق هم من أهل التصوّف، ولهم مساجدهم ولهم تكاياهم،
عملوا على حسرهم وتحجيمهم والإستيلاء على مساجدهم واعتبارهم من الوجودات المرتدّة،
وقوتلوا وقُتِلوا، ولدينا كبار علماء كنّا نتصل بهم، عندما عرفوا أن هناك تواصلاً
بيننا عمدوا إلى اغتيالهم وقتلهم وهم من كبار الفقهاء من الموصل ومن الرمادي، هذا
شيخ عام، مفتي الرمادي، الأنبار، الشيخ حمزة العيساوي قتلوه في باب داره عندما رفض
أن يعطي فتوى بقتل الجيش العراقي أو الشرطة أو كل من يخالفهم.
يحيى أبو زكريا: ونستكمل بقية النقاط سماحة الشيخ.
سيّدنا عبد القادر، ما
دام الأمر يتعلّق بالمسلمين عموماً في العراق، كيف تفسّر هذا الصمت المُطبق من قِبَل
المرجعيات الإسلامية في العالم الإسلامي وعدم تحريكها لأي ساكن؟ لماذا صمت العالم
الإسلامي؟ ألستم مسلمين؟ ألستم مؤمنين؟ ألستم تحجّون؟ ألستم تصلّون؟ ألستم تيمّمون
وجوهكم شطر الكعبة؟ لِمَ صمت العالم الإسلامي تجاه مظلوميتكم؟
عبد القادر الألوسي: بسم الله الرحمن الرحيم حيّاك الله وحيّا البرنامج ونحييّ المشاهدين
الكرام.
بالنسبة إلى العراق هم
كما يعلمون أن العراق جمجمة العرب، وتحدّثت عن العرب وتتحدّث الآن عن المسلمين.
العرب اليوم يضربون جمجمتهم، في الحقيقة، العراق وهذه المعاناة الكبيرة، لو قارنت
أي تحرّك منهم باتجاه أي عمل يصدر باتجاه أي إنسان خارج العراق لرأيت سرعة
الاستنكار منهم لأيّ عملٍ، ونحن نستنكر أيضاً، ونحن ممكن أن نكون أسرع منهم
استنكاراً، ولكن الأمر إذا تعلّق بالعراقيين رأيتهم لا يخرجون استنكاراً أو فتوى
أو أي شيء إلا بعد ضغطٍ وبعد صوتٍ إعلامي حقيقة يُطالب بذلك، ورأينا في الكرادة.
الكرادة لم يخرج صوت مع الأسف من الأزهر الشريف إلا أن تعالت الأصوات ومن علماء
العراق تطالب الأزهر في أن يكون لهم موقف في هذه المجزرة الكبيرة. حقيقة موقف
العرب وموقف المسلمين، قديماً هكذا مع العراق، أنت تعلم الكرادة، الحقيقة ليست
هناك نسبة بينها وبين مجزرة أهل البيت الكبرى قديماً، أين موقفهم كان من أهل
العراق؟ منهم الصامت ومنهم الذي يقف على التل. نحن اليوم في العراق ننادي جميع
المسلمين، الشعوب حقيقة بعد أن يئسنا من كل المؤسّسات، ننادي الشعوب والعلماء
جميعاً ممّن لا يرتبطون بالسياسات هذه المُرتبطة بأعدائنا، أن يكون لها موقف حازم
تجاه العراق، الأمر لا يقف على العراق، الآن يرون الأمر يمتد إلى كل بلاد المسلمين،
هذه الجرائم التي إبتدأت هنا في العراق وفي سورية حقيقة إذا تُرك لها العنان فإنها
ستصل إليهم في عُقر دارهم، في كل مكان. هذه العصابات التكفيرية هي جاءت لإستئصال
حضارة المسلمين، وباعتبار العراق هو بلد الحضارة العربية والإسلامية بل الشرق، هم
استهدفوه في كل مفاصله، في الحقيقة أنت رأيت التفجيرات التي في الآثار العراقية،
رأيت التفجيرات في المساجد، في مقامات الأنبياء وما حدث في الموصل الذي لا يرضاه
في الحقيقة ليس فقط الدين الإسلامي وإنما أي دين آخر، فهؤلاء حقيقة رموز الحضارة
الإنسانية سواء من الأنبياء أو من الآثار الموجودة، كلّها استُهدِفت. أنت تعلم
مثلا حين دخلوا الفلوجة وغيرها أول ما قتلوا العلماء، العلماء ممّن هم من أهل
الحكمة وذكر سماحة الدكتور، الشيخ حمزة مفتي الفلوجة كان له موقف حقيقة، وفتيا في
تحريم الدم العراقي وعدم حمل السلاح باتجاه القوات الأمنية، فقتلوه، في الحقيقة
كان هذا العمل مؤلماً ومع بقية العلماء، ومفتي الرمادي ومفتي الأنبار أيضاً عبد
العليم السعدي أيضا استشهد على أيديهم. هذه العصابات لا تعرف حُرمة لا لمُسلم ولا
لغير مُسلم وأنت رأيت فعلهم مع النصارى ومع بقية الطوائف، كل ذلك يدلّ على أنّ العالم
كله يجب ان يتّخذ موقفاً وليس فقط العرب وليس فقط المسلمون، الكل يجب أن يتّخذوا
موقفاً. الحقيقة استُدعيت إلى مؤتمر دولي ونبّهت العالم أنكم بصمتكم على هذا الفكر
التكفيري الذي يستأصل الإنسانية جميعاً، فإنّكم في الحقيقة تساهمون في نشره، فإنّكم
تساهمون في إجرامه، فالآن تنبّهتم، قلت لهم بعد تفجير باريس، بعد تفجير باريس تنبّهوا
إلى أنّ المسألة يجب أن تُعالَج فكرياً.
يحيى أبو زكريا: وكان يجب أن يلتفتوا بعد خراب البصرة حتى نبقى عند المثل العربي.
شيخ جلال، الكل متوافق ها
هنا وبالتأكيد في ساحات كثيرة على أنّ داعش عنوان للإرهاب، مصداق للدّم المُراق،
مرحلة عربية وإسلامية أدعو ربي من الأعماق أن تنتهي سريعاً لتنطلق أجيالنا نحو
العلم وإعادة البناء الحضاري، لكن كيف تغوّل داعش في العراق؟ أين الدولة؟ أين
الجيش؟ أين الشعب؟ أين المجتمع المدني؟ أين كان صنّاع القرار في العراق عندما تسلّلت
داعش إلى دياركم في دُجى الليل؟
جلال الكبيسي: حقيقة مسألة الإرهاب ليست ولادة اليوم، إن ذهب داعش يأتي اسمٌ آخر، وكلّنا
نعلم علم اليقين، ليس المقصود فقط العراق، ولكن للعراق خصوصية في ذلك الإرهاب، إذ
إنّ العراق معلومٌ عندهم وفي كتبهم أنّهم أولو بأسٍ شديد، والعراق هو جمجمة العرب،
فما بالك حينما تُضرَب تلك الجمجمة يُعطَّل الجسد كله، وقد جُرّب ذلك الأمر حينما
بدأوا في العراق بالمؤامرة الأولى، إرهاب الدول التي دخلت إلى العراق بحجة أنها
جاءت محرّرة، ففعلت أكثر ممّا فعل أذنابها ممن تختلقه، فقامت بقتل النساء والأطفال
والاعتقال، وبعضهم من لم يجد له أثر بقتلٍ أو باعتقالٍ. هذا كله دليلٌ على أنّ
الجرائم تتكرّر وأنّ الإرهاب واحدٌ مهما تعدّدت أسماؤه ومسمّياته، ومهما قال بعضهم
أنّهم من المسلمين وهم ليسوا من المسلمين إطلاقاً، إذ إنّ أفعالهم وأعمالهم دليلٌ
واضحٌ على بعدهم عن شريعة الإسلام والمسلمين، فالإسلام دين السمحة والرحمة والعفو
والمغفرة، وما سمعنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد اقترف بحقّ أحدٍ
أنه قتل أو أنّه أخذ أو أنه اغتصب أو أنه تعدّى، بل والله ما علمنا وما سمعنا وما
قرأنا إلا بالعفو حتى مع أعدائه، والرأفة معهم. أما أنّ الذين سكتوا ودخلوا
وأدخلوا الإرهاب إلى العراق هم أذناب المُحتلين، هم أذناب الأمريكان وأذناب الكيان
الصهيوني الذي لا يريد من العراق إلا أن يضربه ضربةً لا يوقفه فيه على قدميه، لأنّ
العراق إن وقف على قدميه بكلّ أطيافه وصنوفه وتعدُّدِ أقاليمه، فإنّه سوف يكون
العدوّ اللدود لهذا الكيان، فلا يبقيه أبداً، وهذا هو مسجَّلٌ عندهم ومعلوم، فقد
سمعت أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني قال ليست قوتنا بصناعة السلاح النووي وإنما
قوتنا بتفتيت ثلاث دويلاتٍ مجاورةٍ للكيان الصهيوني، العراق وسورية ومصر.
إذاً أنّ المؤامرة قديمة
وأنّ الذي يُدخِل الإرهاب إلى تلك البلدان وخاصةً العراق ومحافظته، إنما هو متآمرٌ
على إسقاط العراق لأنه القوّة الحقيقية لإعادة الحق إلى نصابه.
يحيى أبو زكريا: شيخ جلال الكبيسي، وهذا ما يقوله بن غوريون في مذكّراته، الفصل الثاني،
يقول "لا يمكنني أن أتحدّث عن سرمدية الدولة الصهيونية إلا إذا سقطت ثلاث دولٍ،
سورية العربية، ومصر العربية، والعراق العربي".
مشاهدينا فاصلٌ قصير، ثمّ
نواصل معكم، فإبقوا معنا.
المحور الثاني
يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديد. عدنا والعود أحمد. مَن أدرك حلقتنا الآن، نحن
نعالج موضوع الصمت العربي والإسلامي عن المذابح التي يتعرّض لها الشعب العراقي.
شيخ فؤاد، تحدّثنا سابقاً
عن مواجهات كبيرة جداً ضدّ الإرهاب، وأنّ الشعب العراقي لم يستسلم، قاوم
الأمريكيين، لقّنهم دروساً، جعلهم يخرجون من العراق موتى ومستسلمين. ماذا عن
الإرهاب؟ كيف واجهتم الإرهاب في العراق؟
فؤاد المقدادي: بسم الله الرحمن الرحيم. واقعاً أنا أنقل لك صورة حيّة عشتها، العراق
وخصوصاً بغداد العاصمة التي تقطّعت أوصالها، كلّ منطقةٍ تمترست لحماية وجودها،
وأصبحت بغداد مقطّعة وكأنّما هي دويلات صغيرة، كلٌ يحمي نفسه، لأنّ الحال التي
أوجدها المُحتل الأمريكي سعّرت الموجة الطائفية والإقتتال الطائفي، وكانوا يعمدون
وأنا عندي أرقام مدوّنة في هذا، يضربون المناطق الشيعية وينسبونها إلى أهل السنّة،
ويضربون المناطق السنيّة وينسبونها إلى أهل الشيعة، في سبيل أن يؤجّجوا، كنّا نتحرّك
لاحتواء هذه الحالات.
يحيى أبو زكريا: عفواً هنا هذه المسألة مهمّة لله وللتاريخ وللناس. كانت المخابرات
الأمريكية تقتل سنيّاً وتقول قتله شيعة، وتقتل شيعياً وتقول قتله السنّة لتأجيج الطائفية
بين المسلمين في العراق.
فؤاد المقدادي: طبعاً بأساليب متفنّنة، حتى أنّ الجثث يلقونها في مناطق الشيعة، جثث أهل
السنّة في مناطق الشيعة وجثث أهل الشيعة في مناطق السنّة ويثيرون الإعلام، ولهم
أجندة. هنا أردنا أن نلقي الحُجّة التامة في أن نئد الفتنة، اتصلنا بمنظمة التعاون
الإسلامي، وقالوا نكلّف مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي أنا كنت ممثل العراق فيه
كما كان الشيخ التسخيري أيضاً هو ممثل إيران هناك، واتّفقنا على إقامة مؤتمر مكّة
المكرّمة في الشأن العراقي، وعملنا على هذا بعد جهدٍ جهيد في سبيل أن نتوافق على
صيغة معيّنة، ووُقّعت هذه الوثيقة، ولكن بدأ الإعلام العربي المأجور، المدفوع
الثمن، يسخّف هذه الوثيقة ويقول حبرٌ على ورق والدماء تسيل في العراق.
يحيى أبو زكريا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
فؤاد المقدادي: ففكّرنا في أن ننشئ اتحاداً لتفعيل وثيقة مكّة واتّفقنا وباركت لنا
المرجعية ذلك بعد مفاوضات متواصلة.
يحيى أبو زكريا: السيّد السيستاني على وجه التحديد.
=فؤاد المقدادي: نعم شخصياً، وقال أنا أبارك لكم وأرسل ممثليه في هذا المؤتمر، المؤتمر
التأسيسي لاتحاد علماء المسلمين ثم المؤتمر العام الذي حضره أكثر من 650 عالماً،
وأكثرهم من علماء السنّة، حتى أنّ وفد الأنبار الذي جاء إلى المؤتمر في بغداد
ضربوه وجرحوا بعض رجاله. إنطلق العمل، واتّفقنا على أن نُخرِج القاعدة من مناطق
أهلنا، في المناطق الغربية أي السنّة، وقال لنا علماء السنّة لقد لويت أذرعنا،
ساعدونا على أن نُخرِج هؤلاء من ديارنا، فكانت هبّة الصحوات كما تُسمّى، وتم
إقتلاع القاعدة من تلك المناطق، وخبت. هنا جاءت لعبة جديدة تُسمّى ساحات الاعتصام
التي أجّجوا فيها بمطالب يدّعون أنها مطالب أهل السنّة المهمّشين.
يحيى أبو زكريا: الذي سمّوه الربيع العراقي.
فؤاد المقدادي: الربيع العراقي وكان مركزها الأنبار وتشعّبت في صلاح الدين وفي ديالا وفي
الموصل. هنا اتّفقنا علماء السنّة والشيعة على تشكيل لجنة الحكماء، وكنت أرأس هذه
اللجنة، وتصدّينا لهذا المشروع. اكتشفنا أنّ هذا مؤامرة ولكنها بغطاء مطالب، كثير
منها مطالب مشروعة، فقمنا، تشكّلت لجنة سباعية من الوزراء للاستجابة لهذه المطالب،
فلم يبقَ من هذه المطالب إلا المؤامرة. عند ذلك أعلنوا وكشفوا عن وجههم القبيح،
وقالوا نحن تنظيم اسمنا القاعدة، نقيم الحدود ونقطع الرؤوس، على الملأ وعلى
الفضائيات. في هذه الساحات عبّأوا عشرات الآلاف من الشباب وغرّروا بهم.
يحيى أبو زكريا: هنا إذا سمحت سماحة الشيخ، أتوقّف عند هذه النقطة.
يقول الشيخ فؤاد المقدادي
أن القاعدة عبّأت الشباب واستقطبت المئات بل الآلاف. إذاً كانت هناك قابلية
للإرهاب، قابلية للانتقام من الدولة، قابلية لشق الصف العراقي.
أين كانت الأطراف المُقابلة؟
ألم يكُ واجباً على العلماء احتواء هؤلاء الشباب؟ ألم يكُ واجباً على الدولة أن
توفّر السكن والقوت والكرامة للمواطن حتى لا يلوذ بالإرهاب انتقاماً ربما من مشروع
الدولة الاجتماعي الذي لم ينجح؟
عبد القادر الألوسي: حقيقة ليست الاعتصامات هي جاءت هكذا فجأة، ولكن كان هنالك سبق تحريض ودخول
إلى المساجد حقيقة مع مجيء المُحتلّ، كانت الفلوجة مثلاً كمثال ليس فيها إلا مسجد
من مئة مسجد للمتشدّدين، حتى إذا جاءت الأيام وإذا بهم يدخلون إلى المساجد جميعاً
ومعهم السلاح ومعهم المال، وبذلك أصبح لهم وجود بغطاء المُحتل وبوجود المُحتل
وبدعم المُحتل، وأخذوا يضربون المقاومين الحقيقيين للاحتلال، فكان لهم حقيقة وجود
سابق وتحريض سابق على الحكومة العراقية وعلى الدولة العراقية وعلى القوات الأمنية،
وقلت لك وأنا سبق أن قلت لك حين تعالت الأصوات بوجههم وفتيا العلماء بتحريم الاعتداء
على القوات الأمنية وبنى الدولة التحتية، كلّ ذلك عورض بالقتل، فقتلوا العلماء،
المفتون الكبار قُتِلوا، مفتي الرمادي ومفتي الفلوجة، وهكذا أصبح الإرهاب يطال
العلماء، وبذلك أخرسوا الكثير من الأصوات.
يحيى أبو زكريا: أريد أن أفهم سماحة السيّد وهذا كل المشاهدين يريدون أن يعرفوه، متى أقامت
المخابرات الأمريكية جسور التواصل مع رؤوس الإرهاب في العراق؟ هل جرى تكوينهم في
السجون، سجن أبو غريب مثالاً؟ لأن ابا بكر البغدادي كان في عهدة الأمريكان إلى وقت
قريب ثم أطلِق سراحه، فغرفة العمليات هذه التي ضخّمت الدواعش وأوجدت استنساخاً
للقاعدة إن صحّ التعبير، لأنّ داعش من بطن القاعدة التي كان يرأسها الزرقاوي في
ذلك الوقت، أبو مصعب الزرقاوي.
هل عندكم معلومات عن
كيفية تأسيس المخابرات الأمريكية لهذا الإرهاب الفاحشي؟
عبد القادر الألوسي: هذا في الحقيقة كان في بداية المقاومة الحقيقية، كان يؤخذ الشباب ويُعتقَل
من الشارع سواء كان حاملاً للسلاح أو غير حامل للسلاح، ويُلقى في معتقل بوكا، أنت
تسمع فيه، هذه أصبحت جامعة للإرهاب حقيقة، بحيث أنهم يُدخِلون الكتب والدُعاة كما
هم يسمونّهم وكما نعرفهم، حقيقة نحن نتفاجأ مثلاً بوجود فلان الذي نعرفه كان داعية
للإرهاب أنه معتقل أيضاً في بوكا ويُعتقَل لأجل أن يبثّ أفكاره في داخل معتقل بوكا،
حتى أصبح الداخل إلى بوكا يدخل بعقل ويخرج بعقل آخر، فيُغسَل دماغه بهذه الأفكار
الإرهابية، ويتخرّج من هناك متى ما أكمل الدورة، وقبل أن يُكمل الدورة لا يتخرّج
من المُعتقل.
يحيى أبو زكريا: كانت مرحلة مخاض لكن بطريقة ذكيّة على طريقة الاستخبارات الأمريكية؟
عبد القادر الألوسي: بالضبط، أنا قلت لك، هذا الذي سبق الاعتصامات. إذاً هؤلاء الناس الذين
وقفوا وحملوا السلاح معهم هم كلهم كانت لهم علاقات سابقة وهناك تنظيم دقيق في
الحقيقة لهذه العصابات التكفيرية التي تحوّلت من القاعدة إلى داعش، ولكن الحمد لله
نريد أن نعطي الصورة الأخرى للعراقيين، وهم يقفون في وجه هذه العصابات، ليس وقوفاً
بالكلام فحسب، وإنما كان وقوفاً مسلحاً، كما وقفوا بالصحوات وطردوا القاعدة وقفوا
أمام داعش، وأنت ترى أن هنالك مدناً خاصة في الأنبار ومحافظة الأنبار من المدن
التي قاومت الإرهاب، فكانت مدينة حديثة كما سمعت، مدينة حديثة ومدينة العامرية
ومدينة الخالدية والرمادي، بقيت صامدة لأشهر كثيرة حقيقةً، كان لهم هذا الصمود
الرائع أمام هذه الهجمة الداعشية، ووقف العلماء هنا في المساجد، في هذه المناطق
الصامدة وفي مدينة حديثة، ليعلنوا موقفهم أنّهم بوجه هؤلاء وأنهم لن يدخلوا هذه
المدن وأنهم سيحافظون على وحدة العراق ويحافظون على علم العراق ويحافظون على
القوات الأمنية، وهم بينهم، فأنت تجد في حديثة ابن الناصرية وابن البصرة وابن
السماوى، يقف مع ابن الأنبار في حديثة يدافع عن مدينة حديثة، يدافع عن هذا النموذج
للعراق الأصيل وللفكر الأصيل العراقي، ولذلك طرح في حديثة مشروع الإسلام المحّمدي
الذي يجمع الجميع ويقف الجميع تحت الراية المحمّدية التي رُفِعت فيها للدفاع عن
وحدة العراق، وهو دفاعٌ عن جميع البلاد الإسلامية.
يحيى أبو زكريا: وإذا عدنا إلى ثورة العشرين ضدّ الإنكليز، سنجد العراقيين بمختلف مكوّناتهم،
ومنك إلى الشعب العراقي، لا بدّ من توجيه تحيّة للشعب العراقي بكل مكوّناته،
مسيحيين، مسلمين، سنّة، شيعة، أزيديين، كلدانيين، صابئة، تحيّة لكم وأنتم تحاربون
الإرهاب، وسوف تتركون لأبنائكم، لأجيالكم عراقاً قوياً صامداً مزدهراً متقدّماً.
سماحة الشيخ جلال، لا بدّ
من استتباع المعركة الداخلية بمعركة خارجية أخرى، لا بدّ من طرق أبواب المرجعيات
الإسلامية، أنا لا أقصد المرجعية داخل العراق، هي كانت على مستوى الضرورة والمرحلة
والتطلّعات، أنا أتكلّم الأزهر الشريف، الزيتونة، جامع القرويين، الجوامع
الجزائرية، حواضر الإفتاء في خط طنجة جاكرتا، هذه التي يجب أن تعلن حال طوارئ لحقن
الدم العراقي المُراق بشكل فظيع.
جلال الكبيسي: حقيقة لم نسمع من المرجعيات الإسلامية إلا ما ندر منها وقد، ولم نسمع منهم
تلك الفتاوى إلا إذا تعرّضوا إلى ما تعرّض إليه العراق من إرهاب، ثمّ بعد ذلك
يخرجون كلٌ على دولته وعلى منطقته التي يعيش فيها، والتي تتعرّض إلى الإرهاب، يصدر
فتوة تخصّه وتخصّ بلده، من دون أن يشعر بجماعة المسلمين وألم المسلمين لما يتعرّضون
إليه من ذلك الإرهاب. تعرّض العراق منذ الإحتلال وإلى يومنا هذا إلى نكبات وإلى
تعذيب، لم نجد أحداً منهم صرّح ببيان استنكر ذلك الفعل وبيّنه بأدلّة شرعية واضحة
قد بيّنها الله تعالى وكذلك رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وكأننا نرى أنّ
تلك المرجعيات إنما تتّبع سياسة الحكومات التي تنتمي إليها من دون الشعور بآلام
المسلمين، والشعور الذي أمر الله تعالى على كل مسلمٍ وأوجبه على كل مسلمٍ أن يغيّره
كما قال النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم "من رأى منكم مُنكراً
فليغيّره".
يحيى أبو زكريا: أحسنت شيخ جلال. شيخ فؤاد كأن لك تعقيباً على ما ذكره الشيخ جلال كبيسي؟
فؤاد المقدادي: كلامنا في الصمت العربي الإسلامي لما يجري في العراق، نحن نعلم أنهم
صامتون لا ينطقون.
يحيى أبو زكريا: ربما لأن الصمت حكمة وقليلٌ فاعله، من هذا الباب؟
فؤاد المقدادي: من باب عدم الاهتمام بشؤون المسلمين، ولكننا أنطقناهم، أنا أرسلت مع
مجموعة من العلماء رسائل لكل علماء المسلمين ومجامعهم الدعواتية.
يحيى أبو زكريا: أقمت الحجّة عليهم.
فؤاد المقدادي: أقمت الحجّة رسائل، وجاءتني الأجوبة بشكلٍ واسع، حتى جمعتها في كتابٍ كبير،
وأنا سأهدي نسخةً لك الآن معي.
يحيى أبو زكريا: أتمنّى ذلك.
فؤاد المقدادي: "آراء وفتاوى علماء المسلمين في تحريم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية"،
من دون استثناء، كل المسلمين، وحتى علماء السعودية أجابوني وكان جوابهم إيجابياً،
وأنا التقيت بالدكتور عبد المحسن تركي، نحن وفد.
يحيى أبو زكريا: وهو من علماء السعودية الكِبار.
فؤاد المقدادي: هو أمين عام رابطة العالم الإسلامي، وقال لي أسراراً لا أريد أن أبيحها
لأنه أسرّ لنا بها، ولكن قال أن نقطة وبؤرة الفتنة في العالم الإسلامي العراق، إن
وأدتم الفتنة في العراق سوف لن تسري إلى غيرها، وأعطيتُهُ برنامج العمل، قال هذا
برنامج ليس برنامج عمل العراق وحسب، برنامج عمل الأمّة الإسلامية. كان هذا اللقاء
يتيماً ولعلّهم حجبوه وقالوا له لا تلتقِ بعد ذلك، وكان لهذه اللقاءات أثر كبير،
وأنا أخذت منهم هذه الأجوبة وجمعتُها، ولم أستثنِ بلداً تقريبًا، أكثر البلدان
الإسلامية ما فيها من علماء لديهم قدرة على أن يخرجوا من صمتهم أجابونا، وكان هذا
الكتاب الذي انتشر بشكل واسع في الحواضر الإسلامية.
يحيى أبو زكريا: شيخ فؤاد، إبراءً للذمّة، من يعمل على استمرار الفتنة في العراق، ومن يعمل
على استمرار تهشّم الجمجمة العربية الأصيلة، العراق الجمجمة العراقية، ومن يعمل
على عدم السماح لهذه الفتاوى التوحيدية التقريبية بالإنطلاق في خط طنجة جاكرتا؟
فؤاد المقدادي: في الواقع هناك أجندة، المخابرات الأمريكية والبريطانية، وأنا أقول
البريطانية لأنها مؤسِّسة، وهي المخابرات الخبيثة التي استخدمتها المخابرات
الأمريكية كأرضية للانطلاق في عملها، وهناك الآن في العراق وخصوصاً في كردستان مقرّ
للموساد وللمخابرات الإسرائيلية، وتعيث فساداً في داخل العراق من خلال، منطلقاً من
إقليم كردستان، وحتى بلاك ووتر هي منظومة قتل وعاثت في العراق فساداً، وكانت جهازاً،
ليس فقط جهاز قتل وترويع، إنما جهاز تصفية وجهاز مخابرات، وإلى الآن السفارة
الأمريكية أكبر سفارة في العالم، ليس جزافاً هذا إنما لأن مهماتها بحجمها وبأكبر
من حجمها، وهي منتشرة بأجندتها المتواصلة في كل مناحي العملية السياسية. هناك سياسيون،
هم بالمال وبالإرتباط بالدول التي تموّلهم، هؤلاء لم يألوا جهداً في التخريب،
تخريب المنظومة الاجتماعية ودقّ إسفين الصراع بين الطوائف وبين حتى المناطق، هم
يدخلون إلى الأنبار فيمزّقون منظومتها الاجتماعية، يدخلون إلى الموصل يفعلون هذا،
إلى صلاح الدين يفعلون هذا.
يحيى أبو زكريا: إذاً ما قلته سماحة الشيخ فؤاد يفسّر الصمت العربي والإسلامي تجاه مذابح
العراق، لكن سماحة السيّد عبد القادر الألوسي، هل سننتصر كعراقيين، كعرب ومسلمين،
عن لعبة الاستخبارات الأمريكية الموسادية الجديدة في خط طنجة جاكرتا؟
عبد القادر الألوسي: نعم في العراق إن شاء الله بدا النصر واضحاً وجلياً بوقوف العراقيين جميعاً
في معارك التحرير، ولكن اليوم نقول لإخواننا من العرب والمسلمين عليكم أن تقفوا مع
العراق في محاربته للإرهاب، وإن لم تقفوا مع العراق فإنه سيصل إلى عقر داركم، في
الحقيقة قلت لك المناطق الصامدة والمحرَّرة اليوم تعطي نموذجاً لوقفة العراقيين سُنّة
وشيعة وهم يدافعون عن وحدة العراق وعن أصالة ثقافتهم وعن طرد هؤلاء الدخلاء، ليس
بسلاحهم، الدخلاء بأفكارهم التكفيرية التي ما كان يعرفها العراق، وهم يتعايشون سُنّةً
وشيعة منذ مئات السنين، اليوم العراق يقول لكلّ أقوامنا حقيقة من العرب والمسلمين
وإلى قادة العرب والمسلمين، أين أهل الحلّ من أقوامنا؟ أين أهل العقل والعقد الموثّق؟
إنّ حرب الطائفيين تلظّى نار حقدٍ وطني فيها تحرّق أطفئوها ويحكم، لا تشعلوها فعسى
أحلامنا فيكم تصدق، حطباً صرنا وكنا قبل هذا ذهب الدنيا وتاجاً يتألّق.
نعم كنّا، كنّا، ولكن
الحمد لله العراق اليوم على ما كان عليه، العراق بوقفته اليوم، بتحريره المدن،
بتحريره الفلوجة بأقل الخسائر وحقيقة أصبحت نموذجاً، وكان يراد منها أن تكون معركة
طائفية بامتياز، ولكن أنت رأيت أنّ الجميع وقف وأن علماء الأنبار وصلوا إلى هنالك
وأعطوا كلمتهم، وأنّ عشائر الأنبار وقفوا مع القوات الأمنية، وها هم اليوم يمسكون
الأرض من بعد القوات الأمنية ليثبتوا للعالم وللعرب، وليعطوا الصورة الحقيقية
لثقافة العراقيين ووحدة العراقيين ومحبة العراقيين لبعضهم، ليقولوا لهم أخرِجوا أذنابكم
من العراق.
يحيى أبو زكريا: وسينتصر العراق لا محالة، أما هم ألا في الفتنة أركسوا.
سماحة الشيخ جلال، في كُليمة
ما الذي تقوله للقادة العرب وللشعوب العربية والإسلامية التي تسمعك وتشاهدك؟
جلال الكبيسي: أقول لقادة العرب عليكم أن تصحوا من تلك الغفلة إن كنتم غافلين، وعليكم أن
ترجعوا إلى الحسابات الحقيقية، فكم من سلطانٍ حكم البلاد فلمّا جارت عليه من وضعه
على تلك البلاد وأرادت تبديله، لم ترَ ما فعل من مصالح وحقّق من مصالح لهم، بل
أجبرت شعبها أو الشعب الذي يحكم أن تقتله وأن تعلّقه وأن تفعل به ما يحلو لها.
أقول لهم ارجعوا إلى
أهلكم وإلى شعوبكم، بل ارجعوا إلى دينكم، دين الإسلام، دين الإسلام الذي أعزّكم
الله بعدما كنتم أذلّة، بعدما كانت تلك الدول التي تتصارع على دولنا، الدول
العربية تتصارع عليها تلك الدول، ليس طلباً للمال وليس طلباً لما فيها من خيرات،
إنما والله الغاية فيها تدمير الإسلام والمسلمين، فما سمعنا من دولةٍ من غربٍ قد
تشاركت في دينهم أو تشاركت في ما بينهم في معتقداتهم أنّهم فعلوا بهم كما فعلوا
بنا. لذلك أقول لهم عليكم أن تتنبّهوا، وأقول للشعب العربي، كذلك عليه أن يتنبّه
لتلك المؤامرات، فقد أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما قال "لتتكالب
عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها"، وأقول كذلك لمن ينظر إلينا من
العرب ومن المسلمين من دون أن يقف مع هذا ومع ذاك، أقول له كما قال الإمام عليّ
عليه السلام أنّ المحايدين، إنّهم حقيقة لم يقفوا مع الباطل ولكنّهم خذلوا الحق.
يحيى أبو زكريا: سماحة الشيخ فؤاد أيضاً، بإيجاز، ما الذي تقوله لقادة الأمّة العربية تجاه
الموقف في العراق؟
فؤاد المقدادي: في الواقع أنا يائسٌ من قادة الأمّة العربية.
يحيى أبو زكريا: للشعوب؟
فؤاد المقدادي: أما الشعوب فأملنا كبير وهي في حال صحوة وحال انتفاضة، ما تشاهده في اليمن
وما تشاهده من صحوةٍ في سورية بعد أن غُرّر بأهلها وما تشاهده في الجزائر بعد أن
مرّ بها ما مرّ، أنا زرت الجزائر وعرفت كيف أنّهم عادوا إلى هذه الروح الإسلامية،
وكذلك في إفريقيا وشمال إفريقيا وفي مصر وفي كل البلدان هناك.
يحيى أبو زكريا: ولا شكّ، لعلّ السيّد عبد القادر يوافقني أنّ هذا الظلام سيعقبه فجرٌ، أنّ
هذا الألم سيعقبه انطلاق وأنّ هذه الأوجاع التي مرّت بأمّتنا لا بدّ ويقيناً وعلى
قاعدة اللطف الإلهي سوف يعقبها انفراجات كبيرة بإذنه تعالى. أسأل ربي أن يؤمّن
العراق وأن يؤمّن العالم العربي والإسلامي وأن يؤمّن البشرية والإنسانية في
القارات الخمس وفي كل هذا الكوكب الأرضي وحتى في عطارد والزهرة وما إلى ذلك.
سيّد عبد القادر الألوسي
شكراً جزيلاً لك، داهمنا الوقت، الشيخ فؤاد المقدادي شكراً جزيلاً لك، الشيخ جلال
الكبيسي شكراً جزيلاً لك.
مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى
تمامها. إلى أن ألقاكم، هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبداً
ودائعه.
دمتم لنا جميعاً ووفّقكم
الله لما يحب ويرضى إن شاء الله. شرّفتمونا.