حوار شامل مع نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم

ظروف نشأة حزب الله وواقع الشيعة في الحقبة الماضية.

نص الحلقة

محمد علوش: من رَحم التهميش وبحثاً عن هويةٍ سياسية واضحة، كانت أرهاصات العقل الشيعيّ الباحث عن مكانٍ له في الدولة اللبنانية تتبلور شيئاً فشيئاً.

من السيّد عبد الحسين شرف الدين إلى السيّد موسى الصدر، تحوّلاتٌ من الإقطاعية السياسية إلى الهوية الإسلامية، في طائفةٍ عانت من الزعامات العائليّة وحساباتها الضيّقة، كما عانت من المارونيّة السياسية التي أخذت لبنان إلى مكانٍ آخر بعيداً عن عروبته، غير آبهةٍ بهواجس أبنائه من المسلمين.

من هنا، ابتدأت الحكاية لمقاومةٍ أصبحت الشغل الشاغل في ما بعد للداخل والخارج، فما هي تفاصيل هذه الحكاية؟

أهلاً بكم إلى الجزء الأول من الحوار مع سماحة العلاّمة الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله.

 

تقرير: الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله من مواليد بيروت عام 1953 من عائلةٍ تعود جذورها إلى بلدة كفرفيلا في الجنوب اللبنانيّ.

حاز الليسانس والكفاءة في الكيمياء من الجامعة اللبنانية - كلية التربية.

تزامنت دراسته الدينية مع الدراسة الأكاديمية منذ التحاقه بالجامعة اللبنانية عام 1970.

حصل على المراحل العليا من الدراسة الحوزوية على يد كبار العلماء في لبنان.

عمل مع السيّد موسى الصدر في بداية تأسيس حركة المحرومين.

ساهم في تأسيس حزب الله عام 1982.

يشغل منصب نائب الأمين العام لحزب الله منذ عام 1991.

حاضر في العديد من الموضوعات الدينية والثقافية والسياسية.

له مؤلفات عديدة من أبرزها: حزب الله (المنهج – التجربة – المستقبل)، والوليّ المجدّد.

 

محمد علوش: نرحّب بكم سماحة الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله. أهلاً وسهلاً بك.

 

الشيخ نعيم قاسم: أهلاً بكم.

 

محمد علوش: طبعاً في إطار هذه السلسلة التي نتناول فيها بدايات حزب الله، لا بدّ من الابتعاد قليلاً في ما يتعلق بالحالة الشيعية في لبنان مع نشأة دولة لبنان وصولاً إلى ما قبل السيّد موسى الصدر الذي جعل، كما يقول المؤرّخون، نقلة نوعية في التعاطي السياسي للحالة الشيعية في لبنان. ما قبل السيّد موسى الصدر، كيف يمكن لنا أن نوصّف الحالة الشيعية في لبنان؟

 

الشيخ نعيم قاسم: بسم الله الرحمن الرحيم. معلومٌ لدى الجميع أنّ تركيبة لبنان أخذت بعين الاعتبار التوازن الموجود في المنطقة والعالم بين الحالة السنيّة والحالة المسيحية، حيث كان السّنّة محميّين من الدول العربية المحيطة، والمسيحيون وخاصة الموارنة محميين من خلال الفرنسيين ومن معهم من الغرب، ولم يكن للشيعة كطائفة كبيرة حماية حقيقية على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي، وكأنّ التركيبة التي حصلت على المستوى السياسي أخذت بعين الاعتبار الثنائية المسيحية السنيّة.

 

محمد علوش: تقصد في تركيبة لبنان السياسية؟

 

الشيخ نعيم قاسم: في تركيبة لبنان، نعم، وهنا كان الوجود الشيعي بسبب الكثافة السكانية الموجودة لا بدّ أن يتمثّل ولا بدّ أن يكون له دور، فجاء التمثيل الشيعي من خلال الإقطاع السياسي المنتشر بين جنوب لبنان والبقاع، وبرزت شخصيات من عائلات مثل الأسعد، عسيران، حمادة، الذين كانوا في الحقيقة يتوارثون الزعامة، وهم يمثلون الحالة الشيعية في تركيبة النظام، وكذلك يؤدّون الخدمات المختلفة التي تساعدهم على البقاء في قيادة هذه الحالة الشيعية، لكن كان الغالب في إدارة الإقطاع السياسي هو إدارة تبعية لتركيبة الدولة القائمة، ولم يكن هناك شخصية مميزة للطائفة الشيعية بسبب هذا التركيب.

 

محمد علوش: حالة وظيفية كانت أكثر من تعبير عن نبض الشارع الشيعي ومتطلباته.

 

الشيخ نعيم قاسم: لم يكن هناك تمثيل حقيقي ينسجم مع العدد، ينسجم مع الكفاءة، ينسجم مع التنوّع الموجود في البلد. لذلك، كان الوضع الشيعي يشعر بحالة من الحرمان، وكان يشعر بأنّه في وظائف الدولة لم يأخذ حقوقه الكافية، كذلك في القرارات السياسية الكبرى كان مهمّشاً بشكل أو بآخر. بمعنى آخر، تركيبة الدولة قامت على الثنائية المسيحية السنيّة. هذا له علاقة بالظروف التي كانت موجودة آنذاك.

 

محمد علوش: هل صحيح ما ورد في بعض الكتب التي تؤرّخ للحالة الشيعية آنذاك، تقول أنّ عدد الموظفين الشيعة في الدولة حوالى 24 من أصل 150 ألف شيعي موجود في لبنان؟

 

الشيخ نعيم قاسم: أنا لا أعرف الإحصاءات الدقيقة في هذا الموضوع، لكن إذا أردنا أن نوصّف الحالة الشيعية سياسياً واجتماعياً، يمكن أن نقول أنّها حالة حرمان. لذلك الإمام موسى الصدر عندما أطلق حركته سمّاها حركة المحرومين كتعبير عن هذه الحالة التي كان يعيشها الناس بشكلٍ عام. في تلك الحقبة، كان أبرز عالم من علمائنا في لبنان هو سماحة المقدّس السيّد عبد الحسين شرف الدين، الذي كان يحمل صفتين في الواقع، الصفة الدينية والصفة السياسية الفكرية، وليس العملية، لم يكن هو متصدّياً بشكلٍ تفصيلي للحياة السياسية اليومية، لكن كان متصدياً للقواعد العامة. مثلاً في المسألة الفرنسية العربية، كان السيّد عبد الحسين شرف الدين يعمل على أساس العلاقة العربية وليس الانتماء إلى الدولة الفرنسية، هو كان ضدّ الفرنسة.

 

محمد علوش: كان هناك عمق عربي.

 

الشيخ نعيم قاسم: هو كان ضدّ الفرنسة.

 

محمد علوش: التي كانت قائمة آنذاك في لبنان.

 

الشيخ نعيم قاسم: كان ضدّ الفرنسة ومع الحالة العروبية على قاعدة أنّ هذا هو الانتماء الذي يجب أن يكون، فإذًا هو كان يرسم الأُطُر، وكان مع الشخصيات المنتفضة الموجودة في جنوب لبنان يتحرّكون ضدّ هذه الحالة الفرنسية التي كان لها طابع الاحتلال، وإن سمّيت بالانتداب لمصلحة العرب.

 

محمد علوش: هل كانت العلاقة بينه وبين العائلات الإقطاعية أو التي كانت سائدة سياسياً داخل الإطار الشيعي علاقة ودّ؟

 

الشيخ نعيم قاسم: كان يوجد تنسيق عام مع هذه العائلات، بمعنى هو لم يُحدِث حالة متوترة رغم الاختلاف بالعقلية، بالظروف، هو كان لا يهتمّ بالتفاصيل، لا يدخل في الجزئيات. بالنهاية، أيّ تركيبة سياسية تحتاج إلى زمن، إلى تاريخ، إلى تراكم، هو كان يهتمّ بالقواعد الأساسية، ما دام الوضع محفوظاً في إطاره العام، لم يكن يهتمّ كثيراً بالتفاصيل التي لا يستطيع أن يواكبها كعالِم، لكن هو بثّ الأفكار الأساسية التي فيها انتماء عربي، فيها دعوة إلى الاستقلال.

 

محمد علوش: هذه الفترة هي فترة منتصف الخمسينات؟

 

الشيخ نعيم قاسم: هي بالفترة الأولى إذا صحّ التعبير من القرن العشرين، أي من سنة 1914 إلى 1918، أي بعد الحرب العالمية الأولى، إلى نهاية الخمسينات، هذه الفترة هي التي كان يشغلها السيّد عبد الحسين شرف الدين.

 

محمد علوش: هو كان في نهاية حياته مفتياً لمدينة صور؟

 

الشيخ نعيم قاسم: هو كان لمدينة صور وكان له وزن حتى عند الزعماء العرب، كانوا يعرفون مكانته ويعرفون تأثيره، لكن هو انصرف بشكل أساسي للبناء الثقافي الفكري الإيماني أكثر ممّا اهتمّ بالموضوع السياسي.

 

محمد علوش: هو صاحب كتاب المراجعات، التي كانت عبارة عن مراسلات بينه وبين شيخ الأزهر آنذاك في تلك الفترة.

 

الشيخ نعيم قاسم: من أشهر كُتُب سماحة المقدّس السيّد عبد الحسين شرف الدين كتاب المراجعات. كتاب المراجعات كان عبارة عن رسائل بينه وبين شيخ الأزهر يناقش فيه القضايا الخلافية الأساسية بين السنّة والشيعة على المستوى العقدي وبطريقة لائقة، محترمة، من الطرفين في الواقع، ودُوّنت هذه الرسائل وجُمعت في كتاب المراجعات، وهو متوفر في الأسواق، وترى عمق النقاش الشيعي السنّي بطريقة هادئة موضوعية. الحقيقة، جرأة قلما وُجِدت عند الشخصين، عند السيّد عبد الحسين شرف الدين وعند شيخ الأزهر، قلما وُجِدت، لأنّ كلّ واحدٍ منهما يتكلم بصراحة مُطلقة لكن بأدب رفيع جداً ويُبيّن موارد الخلاف.

 

محمد علوش: أنا لفت نظري موضوع الكتاب، أنّه كان هناك وعي مُبكر على أهمية التقارب المذهبي وأهمية حصر الخلاف في إطاره الأكاديمي أو الفقهي، وهو تخصّصي.

المعروف عن السيًد عبد الحسين شرف الدين أنّه كان أورث الوراثة الدينية وحتى ربما الزعامة، لا أدري، الآن تصحّح لنا حضرتك، للسيًد موسى الصدر، ومن هنا نشأت، بدأ الحيّز لوجود السيًد موسى الصدر في الحالة الشيعية. أليس كذلك؟

 

الشيخ نعيم قاسم: أنا لا أقول الوراثة الدينية لأنّ موضوع الدين والموقعية الدينية والثقافة الدينية لا تورَّث.

 

محمد علوش: لا يوجد إجازة مولانا؟

 

الشيخ نعيم قاسم: لا، الإجازة شيء والتوريث شيء آخر. التوريث يُفهَم منه أنّه في عائلة يعطي الأب للإبن أو لإبن الأخت أو لإبن الأخ، هذا غير متوفر. سماحة المقدّس السيّد عبد الحسين شرف الدين رأى في شخصية الإمام موسى الصدر شخصية عالِمة مثقفة قديرة متقدّمة، وهو وصل إلى عمر متقدّم، ولا بدّ أن يكون أحد يتابع الأمور في صور وجوارها، فأشار إلى المؤمنين أنّ عليكم بالسيّد موسى لأنّه شخصية قديرة. نستطيع أن نقول أنّه أشار إليه، نصحهم به، لكن ليس بعنوان الوراثة، وعندما أتى سماحة الإمام الصدر وبدأ بنشاطه، بالحقيقة الناس اكتشفوا هذه القدرات العظيمة الموجودة في شخصه.

 

محمد علوش: جميل. في الموازاة لهذا التطور أو الانتقال من حالة السيّد عبد الحسين شرف الدين إلى السيّد موسى الصدر، كان الانتماء السياسي لأغلب الشيعة بشكل عام في لبنان ينصرف إلى حركة القوميين العرب في العام 1953، وهي كانت إلى حدّ ما تعبّر عن نبض الفكر الناصري القادم من مصر، وبعض المحلّلين أو كتّاب التاريخ يقولون هذا كان ينمّ عن حسّ وعي عروبي لدى الطائفة في لبنان آنذاك، فكان الانصراف إلى حركة القوميين العرب، لمّا سقطت في العام 1967، حصل نوع من الهزيمة للعرب واحتلال أكثر من منطقة عربية، كان الانتقال إلى ما يُعرَف بالقضية الفلسطينية على أنّها هي التي تحرّر وهي التي توحّد، وليس فقط أنّ توحيد العرب هو من يحرّر. أريد أن أسأل هنا سماحة الشيخ في ما يتعلق بالحالة الشيعية، الأسباب الحقيقية بالفعل للانتماء إلى حركة القوميين العرب، ومن بعدها أنّها كانت مولّداً وجزءاً أساسياً في ما يُعرَف بالنضال الفلسطيني الذي كان على الحدود.

 

الشيخ نعيم قاسم: أنظر. الوضع الشيعي كان منقسماً قسمين، قسم يتبع الإقطاع السياسي بحكم أنّ الإقطاع السياسي كان له سلطة وله تأثير، والناس تحتاج إلى الخدمات، تحتاج إلى الحماية السياسية، فكانوا يعتبرون أنّ هذا الإقطاع السياسي هو الذي يوفّر لهم الحماية في داخل تركيبة البلد، خاصةً أنّ طريقة النظام كان يحرص على أن يعطي هؤلاء الإقطاعيين مكتسبات معيّنة ليبقى الناس يمرّون من خلالهم، أبسط الأمور لم يكن الفرد يحصل عليها إلا من خلال الإقطاعي. القسم الثاني بحكم بداية حركة التنوّر والنهضة والتعلّم والانفتاح على موضوع المدارس والثقافة، بات عندهم تطلّعات ثورية، هم لم يرضوا بهذا الواقع، واقع الإقطاعي. ما كان البديل المتوفر؟ كان البديل الوحيد المتوفر هو الاتجاه العروبيّ الذي كان يرأسه الزعيم جمال عبد الناصر والذي انعكس بفكر القومية العربية. فإذاً الاتجاه الذي ذهب من الشباب الثوريّ إلى موضوع القومية العربية هو أنّه كان هناك خياران، خيار الإقطاع وخيار القومية العربية. وقتها، الموضوع الدينيّ إذا صحّ التعبير لم يكن مطروحاً بقوة في الساحة، رغم وجود شخصية مثل شخصية المقدّس السيّد عبد الحسين شرف الدين وآخرين من بعض العلماء الذين كانوا أدنى مستوى منه، لكن هؤلاء لم يشكّلوا حالة عابرة للمناطق ولا شكّلوا طرحاً سياسياً متكاملاً يستطيع أن يشكّل الجذب. جاءت حركة الرئيس عبد الناصر التي تتكلّم بالوحدة، تتكلم بتحرير فلسطين.

 

محمد علوش: اعتبرت هي الوحدة العربية طريقاً إلى تحرير فلسطين.

 

الشيخ نعيم قاسم: اعتبروا أنّ هذا الموضوع يلبّي طموحات الشباب العربيّ خاصةً أنّ هذا الفكر القوميّ كان فكراً متحرّراً بالمقارنة مع كلّ الأفكار الموجودة. أنا أعتبر أنّ الذهاب إلى هذا الاتجاه له علاقة بأنّه كان اتجاهاً طاغياً ومسيطراً، وفي آنٍ معاً الحركة الشبابية تتطلّع نحو التغيير، ولم يكن عندهم تغيير إلا بهذا الاتجاه.

 

محمد علوش: جميل. الباحث الدكتور سعود المولى يقول الوعي الشيعي لحظة وصول السيّد موسى الصدر إلى لبنان كان يتشكّل من ثلاثة عوامل متداخلة، الإسلام، العروبة، لبنان.

بداية، هل تتفق حضرتك مع هذا التوصيف؟

 

الشيخ نعيم قاسم: في الحقيقة أنا أقول أنّ الموضوع الإسلاميّ لم يكن حاراً في وقتها، لم يكن له حضور قويّ، كان الوضع الوطنيّ.

 

محمد علوش: رغم التأثّر بالمخاض الذي كان قائماً في إيران، وحركة مصدّق الإصلاحية، وتأثر النجف إلى حدّ ما مع العلماء بها.

 

الشيخ نعيم قاسم: لم يكن هناك تأثير للواقع الإيراني في عهد الشاه، المقصود في عهد الشاه أي في ذاك الزمان.

 

محمد علوش: واضح.

 

الشيخ نعيم قاسم: لم يكن علماء إيران لهم تأثير في الواقع اللبناني، وأحد الأسباب الأساسية أنّ العلماء الذين جاؤوا إلى لبنان كلّهم تقريباً كانوا من خرّيجي النجف الأشرف. النجف الأشرف كان له نمط من الثقافة تهتمّ بشكل أساسي بالتربية الدينية، بالتثقيف الديني، لم تكن تهتمّ بالحركة السياسية. لذلك، العلماء الذين جاؤوا نقلوا الانطباع نفسه والآلية نفسها، فكانوا يهتمّون بموضوع التثقيف الديني أكثر ما اهتمّوا بالموضوع السياسي والنهضة السياسية وما شابه ذلك، فقبل الخمسينات، فترة الخمسينات، لم يكن هناك وعي ديني حقيقي، لم يكن يوجد، كان هناك طقوس دينية عادية موروثة تقليدية، الوعي الديني بدأ في الستينات تقريباً مع حركة الإمام الصدر من ناحية ومع مجيء بعض العلماء الكبار من النجف الأشرف مثل سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله أو سماحة السيّد محمد حسين فضل الله رحمه الله وآخرين من الذين أتوا معهم في تلك الفترة، بدأوا يبثّون وعياً دينياً، وعي ديني ثقافي في بداية الأمر. تميّز الإمام الصدر أنّه مع الوعي الديني الثقافي، كان عنده حركة اجتماعية سياسية، الآخرون ركّزوا على الوعي الديني أكثر. أنا أقول في تلك الفترة لا، قبل الستينات، لم يكن لدينا وعي ديني.

 

محمد علوش: السيّد موسى الصدر بعد العدوان الإسرائيلي على الجنوب في العام 1968 طالب الدولة اللبنانية بإنشاء مجلس للجنوب، وقد أنشأته الدولة بالفعل عام 1970، لكن لم يكن راضياً عن أداء هذا المجلس، فأسّس ما عُرِف بحركة المحرومين في مايو أيار 1974. حضرتك كنت عضواً في هذه الحركة. ما الأسباب التي دفعتك إلى الانتماء إلى حركة المحرومين؟

 

الشيخ نعيم قاسم: أولاً، أريد أن أميّز بين مجلس الجنوب وبين حركة المحرومين. مجلس الجنوب هو قرار داخل تركيبة الدولة اللبنانية له وظائف، بينما حركة المحرومين هي حركة سياسية اجتماعية لها علاقة بتقديم طروحات وأفكار من أجل نهضة الجماعة التي تعمل في داخلها. يومها، الإمام موسى الصدر رأى أنّ هذه الجماهير التي بدأت تلتفّ حوله، خاصة بطروحاته الثورية، انتقلت الناس، قسم من الإقطاع السياسي انتقل إليه وقسم آخر من جماعة القوميين العرب وما شابه انتقل إليه، وفي النهاية أوجد حركة بشخصه وبقدرته قادرة على أن تفرض نفسها كرقم واحد في الساحة الشيعية، وقتها أنا اعتبرت أنّ هذه الحركة الدينية السياسية الاجتماعية ضرورية، لأننا نحن الذين نحمل الإسلام نعتقد أنّ الإسلام يجب أن ينعكس على واقع الناس، يجب أن يقود الناس، أن يلبّي مصالحهم، أن يقود الحركة الاجتماعية. الإسلام بالنسبة إلينا دين حياة، دين حياة بمعنى ليس محصوراً في المسجد وفي الكتب وفي بعض القراءات والعبادات. إذاً لا بدّ من حركة سياسية.

 

محمد علوش: ترجمة عملية لهذا المفهوم الديني. هذا كان مترجماً بحركة المحرومين تقديرك مولانا؟

 

الشيخ نعيم قاسم: حركة المحرومين ترجمت الحركة السياسية الدينية، لكن غلب عليها الموضوع المطلبي على مستوى حقوق الطائفة في لبنان.

 

محمد علوش: هل هذا يفسّر بتقديرك سماحة الشيخ ما قاله آنذاك غسان تويني في صحيفة النهار عام 1974، 18 آذار مارس، يقول هي ثورة الشيعة وهي ثورة طائفية باسم سائر الطوائف ومن أجلها جميعاً، وهي تتجاوز القضايا السياسية التقليدية إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية؟

 

الشيخ نعيم قاسم: إذا أردت أن أكون دقيقاً، كانت يومها ثورة حقيقية على الحرمان الذي طغى بشكل عادي، وكان يشعر الشيعة أنّهم مظلومون في كلّ مواقع الدولة ومظلومون أيضاً في الحركة الاجتماعية وتنمية المناطق التي يعيشونها. أنا أستطيع أن أقول أنّ حركة المحرومين كانت حركة ثورية اجتماعية في قالب ديني، لم تكن حزباً دينياً بالمعنى الحركيّ المتكامل، إنما كانت حركة ذات طابع ديني تركّز على الموضوع الاجتماعي السياسي الداخلي في لبنان.

 

محمد علوش: جميل. تزامناً مع حركة المحرومين، كان وصول السيّد محمد حسين فضل الله وآخرين طبعاَ إلى لبنان، هو وصل في العام 1966 وشرع في قيام كوادر وخلايا كما يقول بعض المؤرّخين لحزب الدعوة الذي تمّ تأسيسه في العراق. أثر هذه الحركة على نشأة حزب الله، أسمع منك الإجابة بعد فاصلٍ قصير.

أرجو أن تتفضّلوا بالبقاء معنا مشاهدينا.

 

 

المحور الثاني

 

محمد علوش: نحيّيكم من جديد مشاهدينا ودائماً مع سماحة العلاّمة الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله. نجدّد بك الترحيب سماحة الشيخ.

 

الشيخ نعيم قاسم: أهلاً بكم.

 

محمد علوش: قبل الفاصل، كنّا نتناول أنّه تماشياً مع حركة المحرومين كان وصول السيّد محمد حسين فضل الله من العراق إلى لبنان في العام 1966، وشرع في تأسيس عدّة جمعيات في ما يتعلق بما قيل أنّه بداية تأسيس لحزب الدعوة أو فرع له في لبنان. من ضمن ذلك كان الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، حضرتك كنت عضواً في هذا الاتحاد. كيف كنت توفّق؟ أنت جزء من حركة المحرومين، وجزء أيضاً من هذا الاتحاد للطلبة، وأيضاً هناك انتماء للسيّد، أو يُقال أنّه كان أحد مؤسّسي حزب الدعوة العراقي.

 

الشيخ نعيم قاسم: سماحة السيّد محمد حسين فضل الله قدّس الله روحه الشريفة عندما أتى من العراق رعى فكرة تأسيس الكوادر وخلايا حزب الدعوة، هذا صحيح، لكن هو لم يباشر مباشرة العمل كحزب دعوة.

 

محمد علوش: كعمل تنظيمي تقصد.

 

الشيخ نعيم قاسم: كعمل تنظيمي. كان يحرص أن يكون ملماً، مشرفاً، لكن لا يدخل بالتفاصيل ولا بالإدارة الجزئية. موضوع حزب الدعوة، هو تأثر أو انطلق بشكل أساسي في العراق برئاسة الشهيد السيّد محمد باقر الصدر المرجع المعروف رضوان الله تعالى عليه، وكانت الفكرة عندهم قائمة أنّ هناك مرحلة أولى اسمها المرحلة الفكرية، هذه المرحلة الأولى تعني بأن تؤسّس كوادر ويكون لديهم نقاء ثقافي وسياسي ويبلّغون مجموعة من الناس، فتتأسّس كتل أو مجموعات من الكوادر الذين يطلّون على المجتمع بجمعيات ومؤسسات وشخصيات من دون إبراز اسم حزب الدعوة ومن دون الخوض في العمل السياسي، فكان اتجاه حزب الدعوة اتجاهاً ثقافياً تربوياً، ولم يكن عنده اتجاه للخوض بالحقل السياسي. من هنا، حزب الدعوة هو الذي أسّس الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، وفي نفس الوقت حصل تأسيس لجان إسلامية، مثلاً في كلّ منطقة يوجد مسجد، فبات هناك لجنة مسجد. لجنة المسجد ربما يكون فيها واحد أو اثنان ممّن لهم علاقة بحزب الدعوة، لكن اللجنة ليس لها علاقة، كذلك بالاتحاد، بعض الأعضاء لهم علاقة، لكن البعض الآخر ليس لهم علاقة، هم يعملون ضمن الأهداف المرسومة للاتحاد أو المرسومة للجنة. في وقتها، الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين واللجان الإسلامية بما أنّ طابع عملها كان طابعاً فكرياً ثقافياً ووعي سياسي من دون الخوض بالعمل السياسي، جاءت حركة المحرومين في العام 1974 لتطرح فكرة العمل السياسي الاجتماعي من خلال الإطلالة على الناس. قسم من الموجودين في الاتحاد اللبناني أو باللجان الإسلامية، وأنا واحد منهم، عملوا في حركة المحرومين، ولم يكن هناك تضارب، والسبب أنّ عمل الحركة كان يأخذ الطابع السياسي الاجتماعي، بينما العمل الآخر كان يأخذ طابع التثقيف الديني والبناء الديني. حتى الإمام الصدر كان يعرف هذا الأمر.

 

محمد علوش: أنّ هناك من هو موجود في الاتحاد وموجود في الحركة.

 

الشيخ نعيم قاسم: نعم، أذكر أنّه يومها هو دعا جميع اللجان والاتحاد وشخصيات علمائية وشخصيات منفردة، دعاهم إلى عدة جلسات وأبلغهم أنّ لديه نية لتأسيس حركة المحرومين، ومن يرغب أن ينتسب للحركة أهلاً وسهلاً، من دون أن يطلب من أحد أن يترك ما هو عليه، بمعنى مَن كان في جمعية، مَن كان في لجنة، مَن كان في اتحاد، هو حُرّ في ما يعمل. كان عنده نظرية تقول أنّ هذه الحركة السياسية التي يؤسّسها، عندما يحشد هذه الطاقات كلّها في داخلها ويقودها نحو الهدف الذي يريد الوصول إليه، ليس له علاقة بتفاصيل التثقيف.

 

محمد علوش: لكن تطوّر الفكر الذي كان يحمله السيّد موسى الصدر من حركة المحرومين إلى الأفواج اللبنانية التي عُرفت بحركة أمل. في هذه المرحلة، هل حضرتك كنت جزءاً منها أم لم تكن؟

 

الشيخ نعيم قاسم: في الحقيقة، من الخطأ أن نقول أنّه تطوّر، لأنّه بالأصل عندما أعلن حركة المحرومين، فكرة الإعداد للمقاومة كانت مواكبة، بمعنى لم تكن مرحلة ثانية، لكن كانت بشكل سرّي.

 

محمد علوش: لم يكن مُعلناً عنها.

 

الشيخ نعيم قاسم: لم يُعلن عنها.

 

محمد علوش: أي تتضمّن حركة المحرومين ضمنياً بعداً مقاوِماً إلى جانب الحركة المطلبية الداخلية.

 

الشيخ نعيم قاسم: صحيح، أي كانت حركة المحرومين هي الوجه السياسي البارز، وكان هناك أمل إذا صحّ التعبير، أفواج المقاومة اللبنانية، هي الحركة العسكرية التي حصل فيها تنسيق مع حركة فتح على قاعدة أنّ هؤلاء يريدون أن يقاتلوا إسرائيل، خاصة أنّ قسماً من جنوب لبنان كان يتعرّض للاحتلال ويتعرّض للقصف الدائم، ورؤية الإمام الصدر بمواجهة إسرائيل كانت رؤية حاسمة، ويعتقد بأنّ هذا من الأولويات. فإذاً برزت حركة المحرومين لكن لم يبرز موضوع الأفواج اللبنانية أمل إلا بعد أن حصلت حادثة عين البنية، فتبيّن أنّ هناك تدريبات قائمة، عندها أعلن الجسم العسكري.

 

محمد علوش: حضرتك كنت جزءاً منها، من هذا التكوين؟

 

الشيخ نعيم قاسم: أنا كنت جزءاً من حركة المحرومين.

 

محمد علوش: لم يكن لك ارتباط أبداً.

 

الشيخ نعيم قاسم: لا، لم يكن عندي ارتباط بالجسم العسكري، السبب أنّه في حركة المحرومين، كان هناك إطار ثقافي، إطار اجتماعي، إطار عسكري. أنا لم أكن مسؤولاً عسكرياً.

 

محمد علوش: معروف سماحة العلامة أنّه حصل تغييب للسيّد موسى الصدر، وبعده تصدّى لقيادة الحركة أكثر من شخصية، أو حاولت أكثر من شخصية، ما ساعد في ما بعد على حصول الانقسام. أنا هنا، وأنا أسترجع التاريخ، أقرأ للسيّد خضر عواركة في كتابه "بحر حزب الله".

يقول في آب 1982 وصل من دمشق إلى مطار طهران السيّد حسين موسوي، وهناك التقى في طهران بالسيّد هاشمي رفسنجاني ومن ثمّ بالإمام الخميني، وطلب مساندة عسكرية لقتال إسرائيل. ترتّب في ما بعد الأمر أنّ الإمام الخميني أمر بإقامة جسر جوي يربط طهران بسورية لدعم ما عُرِف آنذاك أو بتشكيل نواة لمقاومة إسلامية على الأرض اللبنانية، وبالتالي عندما عاد السيّد موسوي إلى البقاع، أعلن ما سمّي بأمل الإسلامية.

هل التوصيف أو التأريخ لهذه الحقبة هنا كان دقيقاً؟  

 

الشيخ نعيم قاسم: هذه القصّة أنا لستُ مطّلعاً عليها بهذا التفصيل، لكن ما أعرفه أنّ مجيء الحرس الثوري الإسلامي إلى لبنان.

 

محمد علوش: هذا قبل المجيء.

 

الشيخ نعيم قاسم: أقول أنّ المجيء الذي حصل إلى لبنان كان له علاقة بمطالبة من مجموعة لبنانية.

 

محمد علوش: سنأتي على ذكرها.

 

الشيخ نعيم قاسم: كانت تؤسّس فكرة حزب الله.

 

محمد علوش: هي لجنة التسعة، سنأتي على ذكرها، لكن هذا قبل.

 

الشيخ نعيم قاسم: تتحدّث عن سنة 1982.

 

محمد علوش: في العام 1982.

 

الشيخ نعيم قاسم: المجموعة التي أحدّثك عنها هي تأسّست، بدأت عملها في العام 1981 تقريباً. الأمر لم يكن مقتصراً على جهة، ممكن هذا جزء من الإخراج الذي حصل يومها من أجل الدخول الإيراني على الخط.

 

محمد علوش: تقديرك سماحة العلاّمة، لم يكن هناك ترتيب إيراني لدمج وجمع كلّ هذه التشكيلات الشيعية وغيرها التي كان لديها رغبة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أن تؤطَّر في ما بعد في إطار حزبي كما تبلور في ما بعد حزب الله؟

 

الشيخ نعيم قاسم: ربما من الأمور التي قد تثير استغراب البعض أو لا يريد أن يقتنع هكذا، أنّ بداية الاجتماع الإسلامي للجنة التسعة المؤلفة من الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين واللجان الذين خلفيتهم دعوة، والمؤلّفة من تجمع العلماء في البقاع، وكذلك من أمل الإسلامية التي انفصلت عن حركة أمل. المندوبون من الجهات الثلاث اجتماعاتهم كانت اجتماعات ذاتيّة، لم يطلب منهم أحد أن يجتمعوا، هم وجدوا أنّه يا أخي لا يجوز أن نبقى متفرّقين، موزّعين، خاصة أنه بدأت تتبلور أنّهم كلّهم اقتنعوا بالثورة الإسلامية في إيران، كلّهم اقتنعوا بقيادة الإمام الخميني قدّس الله روحه، كان قد مرّ على انتصار الثورة حوالى سنتين ونصف السنة تقريباً، وكانت كلّ جهة لها اتصالاتها مع إيران وتتواصل مع إيران، ففكرة الاتحاد التي حصلت أو الوحدة التي حصلت.

 

محمد علوش: لم تكن مرتّبة.

 

الشيخ نعيم قاسم: لم تكن مرتّبة من إيران وإنما كانت بدافع داخلي.

 

محمد علوش: رغبة داخلية ذاتية.

 

الشيخ نعيم قاسم: رغبة داخلية، حتى يومها، دعني أقول هذه الفكرة، حتى يومها اتفقوا أننا نجن نجتمع ونحلّ كلّ تنظيماتنا ولجاننا، ونؤلّف تكتلاً واحداً ونبايع الإمام الخميني قدّس الله روحه، وإذا هو وافق على هذا الأمر، نصبح تشكيلاً واحداً، وما يطلبه منّا نحن حاضرون لنعمل ولا يعود عندنا تشكيلات تفصيلية.

 

محمد علوش: كلّ هذه اللجان، أو لجنة التسعة كما سمّيتها حضرتك وهي بالفعل كان يُطلَق عليها ذلك، هل كانت تؤمن بفكرة الوليّ الفقيه قبل الذهاب إلى إيران وبالتالي التقت عليها، أم تبلور هذا بعد الارتباط بإيران؟

 

الشيخ نعيم قاسم: هو ما جمعهم إيمانهم بولاية الفقيه. لا، لم يتبلور في ما بعد. هم عندما انطلقوا وضعوا وثيقة، وقالوا هذه الوثيقة هي التي سنعمل عليها. ماذا تتضمن الوثيقة؟ أولاً أنّ الإسلام ديننا، ثانياً نحن نلتزم بقيادة الوليّ الفقيه، ثالثاً القضية الفلسطينية هي قضية محورية أساسية، رابعاً نحن يجب أن نعمل للوحدة الإسلامية، خامساً يفترض أن نكون تكتلاً واحداً يخوض التجارب من منظور الإسلام ويعمل على أساس قيادة الإسلام. هذه العناوين كانت حاضرة، وكانوا مقتنعين بها ودوّنوها بوثيقة، وذهبوا ليقدّموها.

 

محمد علوش: هنا، أليس غريباً سماحة العلاّمة أن تكون فكرة ولاية الفقيه موجودة في بيئة إسلامية جديدة في حالة عربية، علماً أنّ كلّ المراجِع الشيعية العربية آنذاك لم تكن من أنصار ولاية الفقيه، بل كانوا من أنصار ولاية الأمّة على نفسه؟ أنا أذكر بعض الشخصيات الأساسية من كبار أعلام الشيعة، السيّد محسن الأمين، السيّد محسن الحكيم، السيّد عبد الحسين شرف الدين كما يقول البعض، وبمن فيهم السيّد موسى الصدر.

 

الشيخ نعيم قاسم: أنظر، ما حصل أنّ هذه المجموعات الإسلامية الموجودة في لبنان كانت تتطلّع إلى أن تكون حزباً إسلامياً، كانت تتطلع إلى أن يكون لها رؤية وقيادة، عندما نظرت للمحيط الموجود عربياً وإسلامياً، وجدت أنّ هذه القيادة موجودة في شخص الإمام الخميني. إيماننا بالقائد هو الذي جعلنا نلتزم بنهجه، نلتزم بقناعاته. نحن لم نكن نبحث عن توصيف معنى ولاية الفقيه، كنّا نفتش عمّن هو القائد الذي يعطينا شرعية الحركة أو الحزب الذي سنقوم به. وجدنا أنّ هذا المتصدّي وهو الذي يعطي هذه النظرية، لم نكن ندخل في الموضوع النظري، والمقارنة بين ولاية الأمّة وولاية الفقيه وهذه التفاصيل، كنّا ندخل على أنه ألا تحتاج الحركة الإسلامية إلى قيادة؟ أين هذه القيادة موجودة؟ كانت القيادة متمثّلة بشخص الإمام، لأنّه هو المتصدّي، ولا أحد غيره كان متصدياً لموضوع القيادة. القيادات الأخرى الدينية كانت ذات طابع ثقافي، ذات طابع فكري، هي تعطي توجيهات، ولكن لا تقود حركة سياسية. نحن نريد تأسيس حركة سياسية، فلم يكن أمامنا سوى هذا القائد الذي يحمل فكرة ولاية الفقيه. نعم، بعد أن انتسبنا إلى القائد، بعد أن آمنّا بالقائد، بعد أن عملنا مع القائد الإمام الخميني قدّس الله روحه، بدأت تتبلور نظرية ولاية الفقيه أكثر، كنظرية، لكن كقيادة، كلّ جماعة تحتاج لقيادة.

 

محمد علوش: لا شكّ. طبعاً أيّ مترصّد أو مناقش أو متصدٍ لحالة حزب الله، دائماً ما تثار إشكالية ولاية الفقيه وارتباط ولاية الفقيه، طبعاً سنُفرِد لها بحثاً كاملاً في إطار هذه السلسلة، لكن دعني أقتبس، أخذنا مقتطفاً من دراسة أجرتها الدكتورة أمل سعد غريّب في ما يتعلق بحزب الله، في كتابها "حزب الله السياسة والدين"، تتحدّث عن الخلفيات الأساسية لفكرة ولاية الفقيه لدى حزب الله. نشاهد معاً.

 

اقتباس: في كتابها "حزب الله السياسة والدين"، تقول أمل سعد غريّب "عندما نفهم الأهمية الدينية لقداسة الولاية يسُهل فَهم تشديد حزب الله مراراً على أن التزامه بالولاية لا يمثّل التزاماً سياسياً برئيس دولةٍ وطني. إنه التزامٌ فكري بشخصيةٍ إسلامية مقدّسة وبخلفائها الذين تعدّ أوامرهم حقائق ثابتة. عندما يصف حزب الله الجمهورية الإسلامية بأنها ديننا وكعبتنا ودمنا وعروقنا، فإنه يشير إلى ولاية الفقيه لا إلى الحكومة الإيرانية".

 

محمد علوش: سماحة العلاّمة، بدايةً هل تتفق مع ما تطرحه الدكتورة أمل في ما يتعلق بمفهوم أنّ الحزب أو الذين تبلور في ما بعد فيهم حزب الله، الهدف هو البحث عن قائد سياسي لا بما يتضمّن من مضامين فقهية مكبّلة كما يقول البعض أحياناً في بعض القرارات.

 

الشيخ نعيم قاسم: لا، نحن نقول أنّنا كنّا نبحث عن قائد سياسي ديني، لأنّه ليس عندنا فصل في القيادة بين الأمرين، فنحن لا نبحث عن قائد سياسي على أن نأخذ الديني من مكان آخر. لا، نحن نبحث عن قائد سياسي ديني، وهو تمثل بالولّي الفقيه. وأنا عندي ملاحظة على كلمة هي ذكرتها في التقرير، بأنّ الانتساب والانتماء إلى الوليّ الفقيه وخلفائه، ليس عندنا نقل للخلافة.

 

محمد علوش: لعلّها تقصد من أتى بعد الإمام الخميني، ربما تقصد هنا.

 

الشيخ نعيم قاسم: من أتى بعد الإمام الخميني، إذا كان عنده توصيف الوليّ الفقيه فنحن نتّبعه كوليّ فقيه، ليس بعنوان الخلافة ونقل الزعامة من شخص إلى شخصٍ آخر. يجب أن ننتبه، الموضوع مرتبط بالقيادة، هذا هو فهمنا.

 

محمد علوش: أنا سأتوسّع بكلّ تأكيد في موضوع ولاية الفقيه، لكن هناك بعض النقاط الأساسية سماحة العلاّمة التي هناك تساؤل تاريخي حولها. لو عدنا إلى المرحلة التي تحدّثنا عنها، وهي مرحلة العام 1982 وأمر الإمام الخميني بإقامة جسر جوي ما بين دمشق وطهران على اعتبار أنّ مطار لبنان كان محتلاً، أو عاجزاً عن استقبال طائرات. في نفس الوقت، بعدها بفترة، أمر السيّد الخميني قائد فرقة محمد رسول الله بالاستعداد للقدوم إلى لبنان والقيام بالتدريب والتسليح لأفواج المقاومة. قائد الفرقة آنذاك، إذا لم أكن مخطئاً، اسمه أحمد متوسليان، وهو أحد الدبلوماسيين الأربعة الذين تمّ خطفهم في ما بعد. تعرفه حضرتك؟

 

الشيخ نعيم قاسم: معرفة سطحية.

 

محمد علوش: عندكم أيّ معلومات عنه، أين أصبحت قصّته؟

 

الشيخ نعيم قاسم: إلى الآن، كلّ المعطيات تقول أنّ المسؤولية هي على القوات اللبنانية الذين خطفوه في وقتها، وهم يعرفون التفاصيل وأين وضعوه، وإلى الآن لم تُعرَف التفاصيل بعد، لأنّه لم يعترف أحد بها.

 

محمد علوش: غير معروف إذا كان حياً أو ميتاً؟

 

الشيخ نعيم قاسم: في النهاية، دائماً الترجيح للحياة إلى أن يثبت الموت.

 

محمد علوش: مولانا، ما هي حقيقة العلاقة ما بين السيّد علي أكبر محتشمي، وهو كان سفير الجمهورية الإسلامية في دمشق، ورعاية وبناء حزب الله في لبنان في ما بعد طبعاً؟ نحن نتحدّث الآن ما قبل التأسيس للحزب.

 

الشيخ نعيم قاسم: السفير السيّد محتشمي كان سفير دمشق، وهو سفير فوق العادة. عادةً، السفير فوق العادة تشمل مسؤوليته عدّة بلدان، من ضمنها لبنان، أي لبنان كان تحت ولاية سفير دمشق السيّد محتشمي. يومها، بالاتفاق مع الإمام الخميني قدّس الله روحه، أننا نريد تواصلاً لقضايا، لمسائل، لمتطلبات، لمناقشات، لأسئلة. لا يمكننا كلما كان عندنا شيء أن نذهب إلى طهران ونبحث عن لقاء مع سماحة الإمام الخميني حتى يجيبنا، لا هو متفرّغ لنا ولا هناك إمكانية لهذا الموضوع. يومها، كلّف الإمام الخامنئي، كان يومها رئيس جمهورية، أن يتابع قضايا حزب الله، أي أنّ الإمام الخميني كلّفه بصفته رئيس جمهورية وبصفته ممثلاً للإمام الخميني. الإمام الخامنئي، الذي كان رئيس جمهورية، أيضاً الإشكالية في المتابعة مع الإمام الخميني هي نفسها الإشكالية في المتابعة مع الإمام الخامنئي. كيف نذهب إلى طهران ونعود؟ فهو قال أنا أكلّف شخصاً من قِبَلي يكون هو وكيلاً مطلق الصلاحية هو السيّد محتشمي، السيّد محتشمي هو يتابع معكم كلّ شيء، ما تريدونه ترسلونه لي وما أريده أرسله لكم، فكان بالحقيقة هو الرابط إذا صحّ التعبير وصلة الوصل مع القيادة الشرعية في إيران، وبهذا المعنى يمكنك أن تقول أنّه رعى التفاصيل التي لها علاقة بحزب الله، تابع متطلبات حزب الله، القضايا التي كان يريدها. لا تنسَ أنّ حزب الله كان في طور التأسيس ويحتاج إلى تدريب ويحتاج إلى إمكانات ويحتاج إلى أسئلة شرعية، كلّ هذه الأمور كان معبرها السيّد محتشمي.

 

محمد علوش: كانت تمرّ عبر السيّد محتشمي.

لفت نظري وأنا أعدّ لهذه الحلقات سماحة العلاّمة، ورد اسم الشهيد عماد مغنية أكثر من مرّة، أولاً أنّه كان قيادياً في جناح عسكري لحركة فتح أو كان من ضمن تشكيل يُعرَف بأجهزة الأمن التابعة لياسر عرفات تحديداً قبل أن يتحوّل إلى حزب الله، وأنّه كان عمره 19 سنة عندما تعرّض السيّد محمد حسين فضل الله لمحاولة اغتيال فعرض نفسه أن يكون أحد حرّاسه الشخصيين. ما صحّة هذه المعلومات؟

 

الشيخ نعيم قاسم: الشهيد القائد الحاج عماد مغنية كان في الحقيقة في فتح في بداية حياته وفي فترة شبابه، وكان له دور أمني مهمّ جداً، وتدرّب وبات عنده مهارات في فترة مُبكرة، في فترة الشباب.

 

محمد علوش: على يد حركة فتح؟

 

الشيخ نعيم قاسم: على يد حركة فتح. عند تأسيس حزب الله، هو كان ميله بالاتجاه الإسلامي، فوجد أنّ انسجامه مع هذا الجوّ هو أصل، هو من البداية.

 

محمد علوش: لم يكن يسارياً؟

 

الشيخ نعيم قاسم: لا، لم يكن يسارياً، ترك حركة فتح وذهب لاتجاه حزب الله مباشرةً من دون أن يكون في تشكيلات حزب الله في بداية الأمر، لكن هو كان في الاتجاه الذي له علاقة بإيران.

 

محمد علوش: أي هو كان في تربية دينية مستمرّ عليها قبل الالتحاق حتى بحركة فتح؟

 

الشيخ نعيم قاسم: نعم، هو كان في تربية دينية قبل الالتحاق بحركة فتح، لكن لم يكن عنده ارتباط إلا بعد أن نما في حركة فتح لعدّة سنوات، وجاءت الثورة الإسلامية، وأصبح هو جزءاً من هذه التركيبة.

 

محمد علوش: عندما عرض نفسه مع مجموعة من الشباب أن يكونوا حراساً شخصيين للسيّد محمد حسين فضل الله، في هذه الحال، هل هو كان جزءاً أساسياً في حزب الله بمعنى التكوين الأساسي للحزب؟

 

الشيخ نعيم قاسم: هو في الحقيقة عندما كان يعمل بحماية سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، هو كان جزءاً إذا صحّ التعبير من هذه اللجان العامة التي تعمل في الحقل الإسلامي، لم يكن هو من التركيبة التنفيذية في داخل حزب الله. هو تأخّر حتى أصبح في التركيبة التنفيذية لحزب الله، هو كان بعمله مع السيّد محمد حسين فضل الله، بعلاقته مع الإخوة الإيرانيين، نما وضعه بشكل كبير في الاختصاص الذي هو فيه، لكن تأخّر التشكيل المباشر في داخل حزب الله.

 

محمد علوش: بعض الكتّاب يقولون أنّ نشأة المقاومة الإسلامية سبقت نشأة الحزب، أو ربما خرج الحزب في الأساس من رحم هذه المقاومة. هل هذا التوصيف دقيق؟

 

الشيخ نعيم قاسم: لا، لأنّ موضوع الحزب بمعنى التشكيل الذي حصل في سنة 1982 هو موضوع تركيبة سياسية وعندها عمل جهادي، الناس الذين كانوا شباباً يقاومون هم جزء من هذه التركيبة الموجودة في داخل الحزب، لكن الإدارة في البداية لم تكن إدارة لصيقة. كانت المتابعة للمقاومة لها إطارها، والمتابعة في السياسة لها إطار آخر. بعد ذلك، حصلت عملية دمج إذا صحّ التعبير، وبات القرار السياسي للقيادة يقود العمل المقاوم. ربما نشأ الإشكال من وجود خصوصية للمقاومة كانت قائمة بذاتها، وخصوصية للعمل السياسي. لكن الجهتان هما واحد.

 

محمد علوش: أشكرك سماحة العلاّمة الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله.

في الحلقة القادمة، نتحدّث كيف تأسّس حزب الله مباشرةً.

كما أشكركم مشاهدينا على حسن المتابعة، وإلى اللقاء.