اللواء بهجت سليمان - سفير سوريا السابق في الأردن

نص الحلقة

كمال خلف: سلام الله عليكم مشاهدينا.

سقطت الخطوط الحمراء في حلب ودخل الجيش السوري وحلفاؤه إلى معاقل المسلحين، لتنطلق التساؤلات عن البُعد السياسي لهذه المعركة، وإن كانت ستحسم وضع حلب في خارطة الصراع، وهل يمكن اعتبار هذا التطوّر الهام أبرز النتائج المباشرة لفشل الانقلاب في تركيا، ولماذا وقف حلفاء دمشق ضدّه في صف الرئيس أردوغان رغم الخلاف معه في سورية، وما مدى واقعية الاتهامات التركية بتدبير الانقلاب بالتعاون مع واشنطن.

هنا أنجز الأمريكيون والروس تفاهماً عسكرياً يقضي بالتعاون لقتال داعش والنصرة، لكنّ الأخيرة استبقت الهجوم بفك بيعتها للقاعدة بإذنٍ ومباركةٍ من زعيمها الظواهري. كلّ هذا ترافق مع جهودٍ للمبعوث الدولي لإعادة انطلاق المسار السياسي مجدداً، ولكن وفق أية رؤى؟ وهل من جديدٍ فيها؟

مشاهدينا هذه المحاور سوف نناقشها في هذه المقابلة مع سفير سورية السابق في الأردن اللواء الدكتور بهجت سليمان، معنا مباشرة من دمشق.

أسعد الله مساءك سيادة اللواء.

 

بهجت سليمان: مساء الخير أستاذ كمال.

 

كمال خلف: حيّاك الله. أنت تعلم والمشاهدون أيضاً أنّ ما نمر به في هذه المرحلة في سورية، نمر بوتيرة مُتسارعة من الأحداث السياسية والميدانية مرتبطة بما يجري في السياسة وفي كواليس السياسة، لذلك سنحاول في هذه الليلة دكتور أن نقرأ قدر الإمكان أو نفكّ قدر الإمكان شيفرة ومفاتيح هذه الصورة السياسية والعسكرية في سورية. واسمح لي أن أبدأ فعلاً ممّا جرى هذا اليوم، إسقاط الطائرة الروسية فوق إدلب، وهيئة الأركان تتّهم المعارضة المُعتدلة أو المُعارضة المصنّفة مُعتدلة لدى واشنطن بأنها هي من أسقطت الطائرة.

ما هي الأبعاد والخلفيات بتقديرك؟ هل إسقاط الطائرة الروسية جاء بقرار ممّن، وما البعد السياسي لما جرى اليوم؟

 

بهجت سليمان: بداية أوجّه التحية لك أستاذ كمال.

 

كمال خلف: حيّاك الله.

 

بهجت سليمان: ولقناة الميادين التي كانت خلال السنوات الأربع الماضية بؤرة ضوءٍ تطلّ على الأحداث في هذه المنطقة من منظور صحيح وسليم في حمى هذه الهجمة الإعلامية السرطانية الأخطبوتية الصهيو أطلسية والأعرابية.

في ما يخصّ موضوع إسقاط الطائرة الروسية اليوم، ليس من المُستبعد أن يكون هناك قرارٌ أمريكي بإسقاطها رداً على ما جرى في حلب، والساسة الأمريكان كعادتهم لا يستطيعون إلا أن يمارسوا الخديعة، ولذلك فإنّ المفاجأة الكبرى التي شاهدوها في حلب أفقدتهم توازنهم، بدليل أنّ وزير الخارجية الأمريكية بدأ يتحدّث عن خداعٍ قام به الروس، ومن يتحدّث عن ذلك ليس غريباً عليه أن يقوم بعمليةٍ إجراميةٍ من هذا النوع، وسواءٌ كان الأمريكان هم من أمروا بإسقاط هذه الطائرة أو كان أزلامهم في المجاميع الإرهابية التكفيرية في منطقة إدلب هم الذين أسقطوها بمبادرةٍ منهم، فإنّ المآل واحد وهو مسؤولية الإدارة الأمريكية عن إسقاط هذه الطائرة الروسية، لكن من المؤكّد.

 

كمال خلف: دكتور، أنت ترجّح أن يكون إسقاط هذه الطائرة بقرار أمريكي؟

 

بهجت سليمان: الحقيقة لا أستطيع أن أقول أنني أرجّح، لكنني لا أستبعد أن يكون إسقاطها بقرارٍ أمريكي، لكن على كلّ حال الإدارة الأمريكية هي المسؤولة عن إسقاط هذه الطائرة سواء كان ذلك بأمرٍ مباشر أو بغضّ بصر أو من غير معرفة، فهم المسؤولون عن إسقاطها لأنّ من أسقطوها محسوبون على الإدارة الأمريكية.

 

كمال خلف: قلت أنّ ما جرى في حلب كان مفاجأة كبرى للولايات المتحدة. بتقديرك ما جرى، الدخول إلى حلب تفاجأت به واشنطن وهي تقوم بردّة فعل الآن، سواء كان القرار أمريكياً بإسقاط الطائرة، أو حتى موضوع الجنوب السوري الذي سوف نأتي عليه خلال هذه المقابلة، ولكن ما الذي يدفعك دكتور إلى القول بأن الولايات المتحدة تفاجأت بدخول الجيش السوري إلى أحياء حلب الشرقية؟

 

بهجت سليمان: هي التي قالت ذلك، وزير خارجيتها قال ذلك، قال بأنّ ما يجري في حلب قد يكون خديعة من قِبَل الروس، وإذا كان خديعة فسوف يعيدون النظر بالإتفاق الروسي الأمريكي، فعندما يقولون ذلك فهذا يعني أنهم فوجئوا، هم كانوا يظنّون أنّ مجاميعهم الإرهابية في بني زيد سوف تصمد شهوراً طويلة، ولكنّهم سقطوا كالكثبان الرملية. ولذلك فقدت الإدارة الأمريكية أو المسؤولون فيها توازنهم في ما حدث في حلب، لأنّ حلب هي نصف المعركة في سورية، هي نصف الحرب الإرهابية على سورية، وعندما تُحسَم هذه الحرب في حلب فهذا يعني أن نصف الحرب الإرهابية الكونية العربية على سورية قد حُسِم وبقي علينا أن نكمل النصف الآخر.

 

كمال خلف: دكتور، ما جرى في حلب وما يجري الآن، هل تعتقد بأنّه من النتائج المباشرة للانقلاب الفاشل الذي حصل في تركيا؟ وهل فعلاً ما يُقال، بتقديرك، عن أنّ تركيا انكفأت في الشمال السوري هو حديث واقعي؟ هل هناك أدلّة عليه، أنّ تركيا فعلاً انكفأت في الشمال السوري؟

 

بهجت سليمان: يا سيّدي، كما تعرف، عندما جرى وقف إطلاق النار في شباط الماضي أو ما سمّوه وقف الأعمال العدائية، كان فرصة استغلتها أمريكا وأزلامها لضخّ آلاف الإرهابيين ولضخّ آلاف الأطنان من الأسلحة لمنطقة ريف حلب، وبالتالي المؤمن لا يُلدَغ من جحرٍ مرّتين، ولذلك جرى الاتفاق والتحضير والإعداد منذ أواخر أيار الماضي للقيام بعمليةٍ عسكريةٍ واسعة في حلب، ولم يكن هذا سراً بل كان الجميع يعرفونه، وحتى الأمريكان بالدرجة الأولى كانوا يعرفون ذلك، ولكنّهم كانوا يعتقدون أنّ العملية لن تنجح، وأنّ حيّ بني زيد قد يصمد شهوراً، وأنّ العملية قد تكون فاشلة أو أنّ نجاحها سوف يكون جزئياً.

أما في ما يخصّ تركيا، فإذا كنت تريد أن نخوض بتركيا مباشرةً وتأثير ذلك على ما يجري في حلب، فلا بدّ لنا من أن نخوض ولو قليلاً في موضوع الانقلاب التركي الفاشل، فهل تريد أن نخوض فيه؟

 

كمال خلف: سنخوض فيه، ولكن اسمح لي أن نبقى في حلب بدايةً، وبعد ذلك سوف نسأل لماذا فشل ونتائجه وانعكاساته، إلى آخره.

ولكن إذا ما أردنا أن نتحدّث أيضًا عن الدور الأمريكي أو الموقف الأمريكي، ما هو السرّ والإهتمام الأمريكي بمسألة المعابر وطلب الأمم المتحدة الإشراف على المعابر التي فتحت من الأحياء الشرقية، وأيضاً رفع الولايات المتحدة الصوت والقول بأن هذه خدعة روسية خاصة عندما طلبت روسيا فتح معبر الكاستيلو باتجاه الريف الشمالي لحلب؟ ماذا وراء مسألة الاهتمام الأمريكي بقضية المعابر في حلب بتقديرك؟

 

بهجت سليمان: أمريكا تحدّثت عن تسليم المعابر للأمم المتحدة، هي تقصد للولايات المتحدة، لأنّها تريد استخدام هذه المَعابِر لتمرير الأسلحة والذخائر للإرهابيين تحت عنوانٍ إنساني. أما فتحُ المعابر باتفاقٍ روسي سوري، فهو لإدخال المساعدات الإنسانية ولخروج المدنيّين الذين أصبحوا رهائن بعد أن استُخدِموا دروعاً بشرية مع الإرهابيين، فلكي يخرجوا ولكي يخرج الإرهابيون أيضاً الذين يتخلّون عن أسلحتهم سيفسحون لهم المجال، ولكنّ الولايات المتحدة الأمريكية تريد ممرّاتٍ إنسانية بعنوان إنساني لكي تمرّر كما قلت ما يريده أتباعها من المجاميع الإرهابية المُسلّحة وما يحتاجونه وما يريدونه من أسلحةٍ وذخائرَ وعتاد.

 

كمال خلف: الآن أفق معركة حلب دكتور، أين ستصل بتقديرك معركة حلب؟ هل ستُفتَح معارك أخرى؟ الطائرة التي أسقطتها اليوم، بين قوسين كما قالت هيئة الأركان الروسية، المعارضة المعتدلة سيبكّر في معركة إدلب بتقديرك؟

 

بهجت سليمان: الحقيقة أنّ معركة حلب مستمرة حتى نهايتها، وبعد حلب بطبيعة الحال من الطبيعي أن سلّم الأولويات متوازن ومتوازٍ، فبعد حلب وتحرير حلب وحتى ريفها، فهناك إدلب وهناك جسر الشغور وهناك أعزاز فهي أولوية، وهناك دير الزور والرقّة أولوية، وهناك درعا والجنوب السوري أولوية، وهناك ريف دمشق أولوية. كلّ هذه الأولويات سوف تسير بالتوازي وحسبما تراه القيادة العسكرية والسياسية السورية، بما تراه مناسباً، قد تكون أكثر من جبهة في وقتٍ واحد وقد تكون عدة جبهات وقد تكون جبهةً تلو أخرى حسبما تقتضيه المواقف العسكرية والميدانية على الأرض.

 

كمال خلف: كيف ترى سيادة اللواء البُعد السياسي أيضاً لمعركة حلب وأدوار الفاعلين واللاعبين الإقليميين والمحلّيين في هذه المعركة، والتي تبدو أنها تغيّرت، وإذا بدأنا بتركيا حالياً، لنتحدّث عن التغيّر الذي يتم الحديث عنه وأصلاً عبّرت عنه تركيا بشكل واضح عبر الرئيس أردوغان وعبر السيّد بن علي يلدريم رئيس الوزراء، أنّ هناك ثمة تغييراً سوف يحصل في السياسة الخارجية وتجاه الملف السوري؟ هل يمكن أن نحدّد البُعد السياسي حالياً لمعركة حلب ربطاً بتغير أدوار اللاعبين وعلى رأسهم تركيا؟

 

بهجت سليمان: هو القرار كان مُتخذاً لحسم موضوع حلب وحسم إختطاف بعض الأحياء في حلب قبل الانقلاب في تركيا، لكنّ الانقلاب الذي حدث في تركيا ساعد بشكلٍ أو بآخر في أن تنشغل الإدارة التركية والحكومة التركية بداخلها وبإعادة ترتيب أوراقها وأوراق نظامها داخل بلدها، وبالتالي هذا أدّى معنوياً ومادياً تأثيراً سلبياً على المجاميع الإرهابية المسلحة التي كانت تجعل من تركيا بمختلف أراضيها قاعدةً لوجستيّة وعسكريّة وجغرافيّة وديمغرافيّة، الأمر الذي سوف يؤدّي إلى تسريع وتيرة نجاح العمل العسكري في حلب، وهذا الأمر ليس مِنّةً من أردوغان ولا كرم أخلاق، وإنما هو عجزٌ منه لأنّه الآن كما قلنا مشغولٌ وغارقٌ بلجة إعادة ترتيب الأمور داخل تركيا.

 

كمال خلف: التصريح الأخير دكتور الذي نقلته صحيفة الصباح التركية أنّ الرئيس أردوغان خلال اجتماع قال بأنّ الرئيس الأسد الذي بيننا وبينه خلاف وصل إلى حدّ الدم، حسبما نُقِل عنه، أدان الانقلاب، بينما دول مثل الولايات المتحدة، أوروبا والسعودية طعنونا في الظهر، حسبما نُقِل عنه.

مثل هذه الرسائل بتقديرك إلى أين سوف تصل؟ هل يمكن أن نتخيل أن تعود العلاقات السورية التركية إلى سابق عهدها، إلى ما قبل العام 2011، لحظة أو تاريخ إندلاع الأحداث في سورية؟

 

بهجت سليمان: هذا دليل أنّ أردوغان كم كان مخطئاً، وكم أخطأ الهدف، وكم خلط بين أصدقائه، أصدقاء تركيا وأعداء تركيا، فاعتبر أعداءها أصدقاء واعتبر أصدقاءها أعداء. أنت تعرف أستاذ كمال أنّه منذ عام 2004 وحتى عام 2011، عندما كانت العلاقات طيّبة بين تركيا وبين سورية، تضاعف ثلاث مرات حجم الاقتصاد التركيّ، وتركيا كانت بلداً مستقراً وكانت بلداً متطوّراً، ولكن بعد أن جاء الربيع العبري، والذي كان في طليعة رُوّاده رجب طيب أردوغان، هذا الربيع العربي انعكس سلباً على تركيا وأدّى بها إلى أن تكون مفردةً كإفراد البعير المعبّد يبتعد الجميع عنها، بحيث تحوّل كما تعرفون نكتة قول داود أوغلو ذلك المنظّر الإخونجي الذي كان يقول أنّ تركيا سوف يكون لها صفر عداوات فتحوّلت إلى صفر صداقات.

أما تلك التصريحات التي تفضّل بها وتحدّث بها علي يلدريم قبل الانقلاب ثم عاد فانقلب عليها ثم عاد أردوغان فتحدّث بعكسها، وتحدّث أردوغان كما قرأنا اليوم في صحيفة الصباح، فهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على أن الرئيس بشّار الأسد كان على صواب، وأن أردوغان كان على خطأ، وأنّه اكتشف متأخراً أنه أخطأ التعامل مع سورية، وبطبيعة الحال من المفيد لنا ولهم العودة عن هذا الخطأ وأن لا يستمروا في عنادهم وأن لا يجعلوا من الشعب السوري ولا من الجيش السوري ولا من الأسد السوري عدواً لهم، وأن ينشغلوا بترتيب أمورهم داخل بلدهم بدلاً من أن يستمرّوا في دعم العصابات الإرهابية المسلّحة، وهذا يقتضي وقائع على الأرض.

 

كمال خلف: مثلاً، مثل ماذا هذه الوقائع؟

 

بهجت سليمان: هذه الوقائع، الشيء الطبيعي، أول شيء عندما يقول أردوغان أنّ الرئيس بشّار الأسد الذي وصلت العداوة بيننا وبينه إلى الدم ومع ذلك أدان الانقلاب بينما أصدقاؤنا الأوروبيون وغيرهم لم يدينوا الانقلاب، فهذا يترتّب عليه أن يجري استكماله بمواقف سياسية وعسكرية وأمنية داخل تركيا يتراجعون فيها عن أخطائهم السابقة التي أدّت إلى ما حدث في سورية. أنت تعرف وجميعنا نعرف أنّ ثلاثة أرباع ما حدث في سورية تتحمّل الإدارة التركية مسؤوليته، فالتمويل كما تعرف كان سعودياً وقطرياً والإدارة أمريكية والمساعدة أوروبية، لكنّ الإشراف والتمرير والتسهيل كان تركياً. هذا يقتضي أن يعترفوا ليس بأخطائهم المطلوب أن يعترفوا كلامياً بل فعلياً، أي أن يتوقّفوا عن دعم هذه العصابات الإرهابية وأن يضعوا لها حداً، وأن يجري التنسيق بين الجيشين التركي والسوري وبين الجهات الأمنية التركية والسورية لوضع حدٍ للعصابات الإرهابية التي بدأت تتطاول على الشعب التركي وعلى الجيش التركي، وبالتالي من وضع الأفعى في جيبه بدأت تلدغه حتى قبل الانقلاب، فكيف بعد الانقلاب؟

 

كمال خلف: دكتور، هل هناك بتقديرك استعداد لدى دمشق لالتقاط مثل هذه الإشارات أو الرسائل التركية؟ لأننا بصراحة نسمع رسائل تركية، نسمع أكثر من تصريح تركي يقول بأننا سنضع الخلافات مع دول الجوار وراء ظهورنا، تصريح الرئيس أردوغان اليوم أن الأسد دان الانقلاب بينما أصدقاؤنا طعنونا في الظهر، الحقيقة كان الرئيس الأسد قد قال في مقابلة أنّ هذا يقرّره الشعب التركي عندما سُئل عن الانقلاب وقال نحن لا نقع في هذا الخطأ، نترك للشعب التركي حرية أن يختار قيادته أو رئيسه. وبالتالي هل لدى دمشق استعداد لالتقاط مثل هذه الإشارات الصادرة عن أنقرة؟

 

بهجت سليمان: المسألة أستاذ كمال أكبر من التقاط إشارات، وأكبر من كلام. الأمر يحتاج إلى اتّخاذ وقائع فعلية ملموسة على الأرض، يحتاج إلى إجراءات ميدانية واجراءات عملانية تقوم بها تركيا من حيث العمل على وضع حدٍ لتمرير المجامع الإرهابية إلى سورية، ولوضع حدٍ لمساعدتهم، ولوضع حدٍ لدخولهم إلى سورية، ولإغلاق الحدود التركية السورية كاملة بحيث لا يُسمَح بمرور الإرهابيين ولا السلاح ولا العتاد ولا الذخائر لهم مهما كانت الأسباب. عندما تقوم الحكومة التركية بهذا الأمر فهذا يعني أنهم بدأوا فعلاً يرسلون إشاراتٍ عملانية حقيقية، أما الإشارات الإعلامية فهي لا تغني السوريين ولا تسمنهم من جوع بعد أن ذاقوا الأمرّين من المواقف التركية خلال السنوات الماضية.

 

كمال خلف: لكن سيادة اللواء، هناك تقارير تتحدّث عن أنّ تركيا بدأت بالفعل، هناك تقرير يتحدّث عن أنّ الضبّاط الاتراك قد غادروا شمال سورية، وهناك تقرير يتحدّث عن أنّ ضبّاط استخبارات أتراكاً قد غادروا غرفة الموك في عمان.

سنسأل عن هذا، لكن اسمح لي بدايةً دكتور أن نأخذ فاصلاً. بعد ذلك نعود مباشرة إلى هذا اللقاء.

مشاهدينا إبقوا معنا.

 

 

المحور الثاني

 

كمال خلف: تحيّة من جديد مشاهدينا في هذه المقابلة مع سفير سورية السابق في الأردن اللواء الدكتور بهجت سليمان، مباشرةً معنا من دمشق.

دكتور، حيّاك الله من جديد، وكنت قد أشرت بأن التنفيذ التي تطالب به قد يبدو قد بدأ حسب بعض التقارير، حلب ربما تكون مؤشراً على بدء هذا التنفيذ، تقارير تتحدّث عن سحب ضبّاط أتراك، وتقارير تتحدّث عن انسحاب تركيا من غرفة الموك الأردنية التي سوف نتحدّث عنها لاحقاً.

بتقديرك بدأ التنفيذ، وهل يمكن أن نقدّم قراءة إذا كان هذا التنفيذ فعلاً يسير في الاتجاه الصحيح بالنسبة لدمشق؟

 

بهجت سليمان: أستطيع أن أجازف بالقول أنّ التنفيذ إذا كان قد بدأ، فهو ليس مِنّة، ولكنّه مُكرَهٌ أخوك لا بطل، لأنّ الوضع العسكري والأمني داخل تركيا لا يسمح الآن بالاستمرار بما كانوا يقومون به سابقاً تجاه سورية، ولكن ما نتمنّاه أن يكونوا جادين فعلاً، فرحلة الـ1000 ميل تبدأ بخطوة، فإذا كانوا قد بدأوا بخطوة أو خطوات، ما نتمنّاه أن ينتقلوا إلى الخطوات اللاحقة، ولكن كما قلت هذه الخطوات اللاحقة لها مرتسماتها وترجمتها على الأرض، التي تبدأ بالتنسيق العسكري والأمني والعملياتي، والتي تبدأ بإغلاق الحدود، فإذا لم تجرِ هذه الخطوات ولم تستكمل تكون كأنها لم تبدأ، لأن ما بُدئ به وما جرى حتى الآن فرضته الظروف التي تمر بها أنقرة الآن.

 

كمال خلف: دكتور، أنا أريد أن أختم موضوع تركيا حقيقة، لننتقل إلى محور آخر، بالحديث عن تقييم هذا الانقلاب الذي جرى. هل كانت النتائج فعلاً لو حصل، لو نجح الانقلاب ستصبّ فعلاً لصالح دمشق؟ لماذا رحّب حلفاء دمشق مباشرة، إيران وروسيا، بفشل هذا الانقلاب؟ وهل بتقديرك أنّ فشل هذا الانقلاب ستكون نتائجه أفضل من لو كان نجح بالنسبة للحرب في سورية؟

 

بهجت سليمان: يا سيّدي، المشكلة أنّ معظم المحلّلين يتحدّثون عن الانقلاب، والأصحّ أن يتحدّثوا عما قبل الانقلاب وما بعده. الانقلاب لم يأتِ من فراغ، الانقلاب كان نقطة اعتراض على السياسة التي جرت خلال السنوات الخمس الماضية والتي حاولت أن تعطي تركيا قدرات منفوخة ليست موجودة لديها، وحاولت أن تعود بتركيا إلى المراحل السلطانية منذ 500 عام، وحاولت أن تنقل معركة دابق وأيام السلطان سليم إلى القرن الحادي والعشرين. هذه السياسة تساقطت وتهاوت على أسوار عاصمة الأمويين وعلى أسوار عاصمة الحمدانيين. حينما تهاوت، كان من الطبيعي أن يلتفت أردوغان إلى الداخل التركي لكي يكون سلطاناً على تركيا الحالية، سلطاناً تحت عنوان الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وهذا الانتقال مرفوضٌ داخل تركيا من المؤسسات التاريخية العريقة، كمؤسسة الجيش ومؤسسة القضاء، ولذلك بدأ أردوغان منذ سنوات وليس منذ أشهر فقط، وإدارته ورهطه، بإعداد لوائح للرموز الفاعلة في الجيش وفي القضاء التي لا توافق على النظام الرئاسي لكي يجري تسريحها وإعفاؤها واعتقالها عندما تحين الساعة. وعندما شعر عشرات الضبّاط الأتراك بأنّه سوف يجري الاستغناء عنهم وتسريحهم قبل أن تنتهي مدّتهم القانونية، بالتالي اتفقوا لكي يقوموا بعملٍ ما، هذا العمل كان هو الانقلاب العسكري، وهذا الانقلاب كان مُقرَّراً أو كان مُقدَّراً له الفشل، لأنه تبين أنه لم يكن مرسوماً بشكلٍ صحيح ولم يكن مُعَدّاً بشكلٍ صحيح ولم يكن حِرَفياً، ولذلك كان من الطبيعي أن يسقط. فالانقلاب كما قلت كان هو نقطة عابرة، لكن ما أتى بعده هو الانقلاب الحقيقي الذي يقوم به الآن أردوغان ورهطه لكي ينتقلوا بتركيا إلى نظام الحكم الرئاسي، وعملياً الآن، يطبّقون نظام الحكم الرئاسي خلافاً للدستور التركي، أي أنّ أردوغان يمارس وكأنه رئيسٌ مُطلق الصلاحية بشكلٍ مخالفٍ للدستور التركي ولم ينتظر لكي يحصل على موافقة البرلمان أو على موافقة الشعب التركي في ذلك. هذه المسألة هي التي تشكّل خطورة كبرى، ونقلت تركيا الآن إلى مرحلة انتقالية. تركيا الآن تمرّ بمرحلةٍ انتقالية، وهذه المرحلة لن تستغرق شهوراً فقط، بل سوف تستغرق سنواتٍ أيضاً. خلال هذه الفترة بشكلٍ أو بآخر وخاصة خلال الأشهر الأولى انعكست إيجاباً على موقف سورية في مواجهتها للإرهابيين لأنّ الحكومة التركية عاجزة عن دعمهم بالشكل الذي كانت تدعمهم به سابقاً.

أما لماذا وقف أصدقاء سورية مع تركيا؟ لأنهم كانوا بعيدي النظر، هم كانوا يعرفون ويدركون جيّداً أنّ هذا الانقلاب محكومٌ عليه بالفشل وهم كانوا يعرفون أنّ تركيا هي جزءٌ عضويٌ وأصيل في الحلف الأطلسي، وهم كانوا يعرفون أنّ الانقلابيين الجدد سوف يبقون تابعين لواشنطن، لأن المشكلة في أمريكا هي صراع بين نهجين وبين كتلتين، بين النهج الإخواني الديني القائم الآن الاستبدادي وبين النهج الكمالي العلماني والقومي التركي، وكلاهما يمثّل تقريباً حوالى نصف الكتلة الشعبية التركية، وهذا الصراع قائمٌ ومستمر ولذلك يأخذ أشكالاً عديدة الآن. لكنّ المفارقة هي أنه جرى تحميل شخص عجوز يجلس في الولايات المتحدة الأمريكية اسمه فتح الله غولن مسؤولية كلّ ما جرى في تركيا، وتناسى أردوغان ورهطه أنّ أردوغان وصل إلى الحكم على أكتاف فتح الله غولن، وأنّ جماعة فتح الله غولن داخل تركيا هم الذين وقفوا وراء أردوغان ومعه وعلى يمينه وأمامه وخلفه لكي يواجه المؤسّسة العسكرية منذ عام 2002 إلى عام 2013، ولولاهم لما كان الآن أردوغان بالحكم، وعندما تمكّن أردوغان من الحكم بدأ بوضع حد لهم وبالعمل على الانفراد بالسلطة.

أما محاولة حصر المسألة كلها بفتح الله غولن الذي قد يكون شريكاً في الانقلاب لكنّه حسبما أعتقد ليس هو قائداً لتلك الحركة الانقلابية، حصرها بفتح الله غولن، الغاية هي صرف النظر عن الصراع الحقيقي القائم داخل تركيا وعن الانقلاب الحقيقي الذي يقوم به أردوغان ورهطه وجماعته داخل تركيا.

 

كمال خلف: دكتور، تسمعني؟ تسمعني دكتور بهجت؟

تسمعني الآن؟ أنا كنت أسمعك، ولكن أنت تسمعني الآن؟

يبدو أنّ ضيفنا في دمشق لا يسمعني. سنتوقّف مع فاصل قصير، بعده مباشرةً نتابع هذا الحوار. إبقوا معنا.

 

 

المحور الثالث

 

كمال خلف: تحية من جديد مشاهدينا في هذه المُقابلة مع سفير سورية السابق في الأردن اللواء الدكتور بهجت سليمان.

دكتور، أنا كنت أسمعك حقيقةً حتى آخر المداخلة، لكن حضرتك لم تكن تسمع مداخلتي أو مقاطعتي.

 

بهجت سليمان: صحيح.

 

كمال خلف: في ما يتعلق بتركيا، أعتقد أننا ربما أحطنا بالجوانب التي نريد أن نطرحها هذه الليلة، ولكن إذا سمحت لنا أن ننتقل إلى الجنوب السوري. في الجنوب، هناك غرفة الموك الأردنية التي كشفت لنا لأول مرة كمسؤول رسمي يتحدّث عن هذه الغرفة في عمّان، كان هناك تقارير قبل ذلك، ولكن بعد الإبعاد مباشرةً، بعد إبعادك مباشرةً عن الأردن، أجرينا مقابلة معك في الميادين وتحدّثت بشكل مُباشر عمّا يجري في هذه الغرفة ومَن يشترك فيها. اليوم، هناك ما يُحضَّر للجنوب السوري بإعلان أمريكا أنّها تريد أن تدخل معركة كبرى في الجنوب السوري. ماذا يُحضَّر للجنوب؟ هل طرأ أيّ تعديل على غرفة الموك أو على أدوارها أو على اللاعبين الإقليميين الذين يجلسون في هذه الغرفة للتخطيط لعمليات داخل سورية؟

 

بهجت سليمان: غرفة الموك، military operation cooperation، اختصار الأحرف الثلاثة الأولى، سمّوها موك، هي غرفة للايجار في عمّان لكلّ من يريد أن يعتدي على سورية، أمريكيين وفرنسيين وبريطانيين وسعوديين وإسرائيليين وقطريين وكلّ من يريد أن يعتدي عليها، يجري تفعيلها أحياناً ويجري تبريدها أحياناً، لكن الآن يبدو أنّه سوف يجري تسخينها مجدّداً. هذه الغرفة بشكلٍ أو بآخر هي غرفة عمليات للعدوان على سورية، وتصريح وزير الدفاع الأمريكي إثر حصار حلب من القوات السورية وحلفائها يبدو واضحاً بأنّهم يريدون بدلاً عن ضائع. البدل عن ضائع هو أنّهم كانوا يقولون منذ اختطاف حلب عام 2012 أنّ حلب خط أحمر، وعليكم أن تنسوها، حلب لن تعود إلى الحضن السوري مرّة أخرى. عندما أيقنوا أنّ حلب ستعود إلى الحضن السوري مرّة أخرى، فكّروا مباشرةً ببدل عن ضائع. البدل عن ضائع، بدل الكانتون الذي سيقيمونه في الشمال، فكّروا بسرعة بإقامة كانتون في الجنوب، هذا الكانتون في الجنوب الذي يريدون إقامته تحت عنوان مناطق آمنة، أو تحت عنوان ممرّات إنسانية، أو تحت عنوان مناطق لا يجوز قصفها بشكلٍ أو بآخر، سوف يجري تجميع عشرات آلاف الإرهابيين الفارّين من مختلف المناطق السورية وآلاف الإرهابيين القادمين من الأردن، والذين سوف يجري العمل على إقامة كانتون لهم، هذا الكانتون شبيه بكانتون سعد حداد وأنطوان لحد في الجنوب اللبناني، أي مهمّته حراسة الحدود الإسرائيلية لكي يكمل الدور الذي يقوم به النظام السياسي الأردني، وهذا الأمر دونه خرط القتاد، فلن يسمح الشعب السوري تحت أيّ عنوان أن يكون هناك كانتونٌ آخر يحمي إسرائيل على الحدود السورية الإسرائيلية، كما لن يسمح بإقامة كانتون في شرق درعا مهما كانت الظروف، لأنّ الكانتون على الحدود الإسرائيلية السورية أو الكانتون شرق درعا محكومٌ عليهما بالفشل، لأنّ الواقع السوري والشعب السوري والجيش السوري وأصدقاؤنا هم معنا لاستخلاص حقوقنا وعدم السماح بالعبث بما يمكن أن يشكّل خطراً على أمننا الوطني والمصيري.

 

كمال خلف: دكتور، لديك تصوّر كيف سيجري السيناريو العسكري هناك في حلب؟ إلى أين سوف يصل؟ هناك تقرير يتحدّث اليوم عن أنّهم يريدون وصل المنطقة الجنوبية بالغوطة الشرقية مثلاً، بدمشق، بعمق البادية، لفصل داعش، هكذا تقول بعض التقارير، بين سورية والعراق.

 

بهجت سليمان: حقيقةً، هذه أمنيات، هي أمنيات وليست جديدة، ومنذ سنوات عملوا ويعملون على ذلك، وسوف يلاقون الفشل الذريع هذه المرّة أكثر ممّا لاقوه في المرّات السابقة، كما تعرف، واشنطن لا تستطيع أن تعيش إلا في حال عدوان، وبالتالي كشّرت عن أنيابها هذه المرّة وأسرعت مباشرةً عبر وزير دفاعها لكي تتحدّث عن جنوب سورية، وبالتالي كلّه تحت عنوان محاربة داعش. هم الآن تحت عنوان محاربة داعش يريدون أن يقيموا كانتوناً في الجنوب، لكن هذه الخطط التي يقولون أنهم سيصلون إلى الغوطة وإلى ما بعدها وإلى ما قبلها أمورٌ محكومٌ عليها بالفشل بالتأكيد، ولن ينجحوا فيها، سوف يفشلون فشلاً ذريعاً.

 

كمال خلف: ألا يمكن الاعتماد في هذه الحال على الاهتمام الكبير والحشود العسكرية السورية مع الحلفاء بالشمال لإحراز تقدّم في الجنوب، أي بمعنى أنّ الانتباه الآن كلّه والجهود العسكرية منصبّة باتجاه حلب، وهذه فرصة قد تكون للتقدّم في درعا، تحت عنوان طبعاً محاربة داعش، هكذا يعلنون؟

 

بهجت سليمان: يا سيّدي، ما يجري هو عكس الواقع، الواقع هو أنّ الجيش السوري هو العمود الفقري لكلّ هذه المعارك التي تحدث، وأن دور الأصدقاء والحلفاء هو دور داعم ودور مساند. الأصدقاء الروس فعلاً يدعموننا جوياً، والقوات السورية البريّة جاهزة للقتال في الجنوب وفي الشمال وفي ريف دمشق وفي إدلب وفي جسر الشغور، وبالتالي مهما كانت حساباتهم بهذا الاتجاه، سوف تكون خطأ والميدان هو سوف يكون الحكم الفيصل في ذلك.

 

كمال خلف: أثار انتباهنا مسألة إدلب وجسر الشغور، كأنّك تشير إلى أنّ ربما قد تكون معارك إدلب قريبة على ما يبدو، بتصوّرك.

 

بهجت سليمان: كلّ المعارك سوف تكون قريبة، كلّ المعارك، كلّ الأراضي المُختطفة سوف تكون استعادتها قريبةً إن شاء الله وفي زمنٍ ليس ببعيد، لكن كما تعرف، مثل هذه الأمور لا تُناقَش على  شاشات التلفزيون.

 

كمال خلف: صحيح. دكتور، الاتّفاق العسكري بين واشنطن وموسكو هل لديك تصوّر كيف سينفَّذ هذا، أو أنّه بعد حلب لا زال سارياً لأنّ الولايات المتحدة هدّدت بمراجعته، ويبدو بعد إسقاط الطائرة الروسية أنّ ثمّة شيئاً يحدث بين القطبين الدوليين، ولماذا رحّبت دمشق بهذا الاتّفاق، ماذا وجدت فيه؟

 

بهجت سليمان: سيّدي، هذا الاتّفاق أو التفاهم الأمريكي الروسي، وهو يعني بشكل أو بآخر الاتّفاق على تنسيق مسألة الطلعات الجويّة لكي لا يحدث اصطدام بين الطيران الأمريكي والطيران الروسي، ويعني تفعيل حسب قول الأمريكان وحسبما سرّبوا بمضمون الاتفاق أو التفاهم، هو تفعيل عملية وقف إطلاق النار، وبالتالي هم يريدون من ذلك بشكلٍ أو بآخر، قالوا بأنّهم سوف يتعاونون مع الروس في محاربة داعش وفي محاربة النصرة، وأنّهم يريدون مقابل ذلك أن تقوم موسكو بالضغط على سورية، هكذا قالوا، بالضغط على سورية لكي تسرّع في تنفيذ عملية الانتقال السياسي الواردة في القرار 2254، لكن ما أستطيع قوله هو أنّ الأمريكان ليسوا جادين في أيّ اتفاق يمكن أن يعقدوه، بدليل أنّ فقط سقوط حيّ في حلب هو حي بني زيد، وفتح بعض الممرات الإنسانية، هدّد وزير خارجيتهم بإلغاء هذا الاتفاق أو التفاهم الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وما بين روسيا، فماذا يمكن أن يحدث مستقبلاً؟

ما أستطيع أن أقوله أنّ هذا الاتفاق أو التفاهم هو مجموعة سوء تفاهمات مفاهيمية بين الأمريكان وبين الروس، بدليل أنّ كلاً منهما يحمل نيّة مختلفة عن الآخر، فالروس يريدون فعلاً من هذا الاتفاق محاربة الإرهاب ووضع حدٍ له، بينما الأمريكان يريدون من هذا الاتفاق أن يقوموا بترويض الإرهاب وبإعادة تثميره وتوظيفه في إطار الأجندة الأمريكية، وتناقض هذين الهدفين للروسي والأمريكي يمكن أن يسيرا معاً إلى خطوات، لكن من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل أن يسيروا حتى النهاية. ومع ذلك تعمل موسكو بشكلٍ دائم على استدراج الولايات المتحدة الأمريكية أو الإدارة الديمقراطية الأمريكية في أشهرها الأخيرة المتبقية لكي تحقّق إنجازاً ما في محاربة الإرهاب، يكون هذا الإنجاز رصيداً لواشنطن، أو بالأصحّ رصيداً للإدارة الديمقراطية الحالية في انتخاب المرشّحة الديمقراطية الأمريكية. وبالتالي يريد الروسي دفع الأمريكي بشكلٍ أو بآخر إلى أن يدخل في مفاوضاتٍ حقيقية وأن يدفع أزلامه للدخول في مفاوضاتٍ حقيقية مع الحكومة السورية من أجل تمهيد وقف الحرب الإرهابية على سورية، لكن ما تراه أمريكا أمرٌ آخر، وبالتالي من هنا منبع الخلاف.

أما لماذا وافقت سورية على ذلك، فسورية بشكلٍ دائم توافق على أيّ عملٍ يمكن أن يؤدّي إلى مواجهة الإرهاب، ويمكن أن يؤدّي إلى مكافحته ويمكن أن يؤدّي إلى وقف الحرب الإرهابيّة القائمة على سورية.

 

كمال خلف: سورية تقبل أن تتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية إذا كان الموضوع يتعلّق بالحرب على الإرهاب داخل سورية؟

 

بهجت سليمان: يا سيّدي، كلّ من يتعاون معنا في الحرب على الإرهاب في هذا العالم فأعتقد أنّ سورية جاهزة للتعاون معه، ما عدا إسرائيل طبعاً، لأنّ إسرائيل هي منبع الإرهاب الأول في هذه المنطقة. أما ما عدا ذلك، فحتى من دعموا الإرهاب خلال السنوات الماضية في الحرب على سورية، إذا مدّوا يدهم للحرب الحقيقية على الإرهاب وليس الحرب الإعلامية، فسورية جاهزة للتعاون معهم، لأنّ مصلحة القيادة السورية بالدرجة الأولى هي الشعب السوري أولاً وأخيراً.

 

كمال خلف: لاحظنا أيضاً خلال هذه الأيام، خلال هذا الأسبوع سيادة اللواء فكّ ارتباط النصرة عن القاعدة وتغيير اسمها في سيناريو علني جرى وشاهده كلّ العالم. هل بتقديرك ستمرّ هذه الخطوة، خطوة تسويق جبهة النصرة أو إعلان جبهة النصرة نفسها غير القاعدة، ويكون هناك قبول من قِبَل أطراف دولية أو إقليمية، حتى المعارضة السورية قد تضمّ أعضاء، لا نعرف إذا كان الجولاني يمكن أن يكون في جنيف على طاولة المفاوضات في ما بعد، لا يمكن أن نتصوّر ذلك، لكن كلّ شيء جائز بعدما نراه الآن، حالياً. ما رأيك بهذه الخطوة بشكل عام؟ وهل يمكن أن تمرّ؟

 

بهجت سليمان: الحقيقة هي خطوة كوميدية أكثر مما هي خطوة حقيقية، عندما يقوم أحمد حسين الشرع الملقّب بأبو محمّد الجولاني بمثل هذه الخطوة فهي خطوة تذكّرنا بمسرح عادل إمام أو بمسرح دريد لحّام، هذا الرجل الذي يقول أنّه تنفيذاً لطلب زعيم القاعدة أيمن الظواهري، وحفاظاً على الجهاد، فإنّه سوف يغيّر اسم تنظيمه من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام. ما هذا الكلام؟ هذا الكلام يعني مسخرة، هذا الكلام لا يمكن أن يمرّ حتى على الجَهَلة، حتى على المغفّلين، حتى على الأطفال الصغار، هذه المسرحية الفاشلة التي تعرف بها أمريكا والتي طالبت بها قطر والسعودية وغيرها محكومٌ عليها بالفشل منذ البداية، هذا المجرم الإرهابي أحمد حسين الشرع المُلقّب بأبو محمّد الجولاني الذي قتل هو ومنظمته الإرهابية عشرات آلاف السوريين يعتقد أنّه بمجرّد تغيير الاسم سوف يصبح معارضةً معتدلة؟ نعم، بالعُرف الأمريكي، هذه هي المُعارضة المُعتدلة، أما بعرف الحق والأخلاق والقِيَم والقانون الدولي والإنساني وعُرف الشعب السوري، هذا هو إرهابي ومجرم، لكن تغيير اسمه جاء في إطار وفي سياق تغيير اسم هذا التنظيم، يبدو أنّه يجري العمل على تشغيله من خلال غرفة الموك في الكانتون الذي يريدون إقامته في الجبهة الجنوبية، ولكنّه حكماً لن يصل إلى مثل تلك المرحلة، هو ليس أكثر من محاولة تغيير بالشكل، أما بالمضمون لم يتغيّر شيءٌ مطلقاً، فكيف يمكن أن تمرّ مثل هذه المسرحية السخيفة والممجوجة والمكشوفة؟

 

كمال خلف: مصير هذه الجماعات، غير النصرة، جبهة النصرة، هناك جماعات تُصنَّف بأنّها مُعتدلة الآن بالنسبة لواشنطن، وتدافع عنها عملياً، وتطالب بأن لا يتمّ قصفها أو استهدافها. ما هو مصير هذه الجماعات التي ستُصنَّف مُعتدلة، سواء كان بالتفاهم الروسي الأمريكي أو حتى بالمفهوم الأمريكي؟ ما هو دورها في مستقبل سورية في ما بعد؟ داعش ستُحارَب، النصرة أصبح هناك خلاف عليها الآن لكن ستُحارب. الجماعات الأخرى ما مصيرها؟ ودمشق كيف تنظر إليها؟

 

بهجت سليمان: يا سيّدي، عندما نأتي إلى أكلة الأكباد وقاطعي الرؤوس ونسمّيهم معارضة مُعتدلة، عندما نأتي إلى من رموا دمشق بآلاف القذائف وقتلوا آلاف الناس، عندما نأتي إلى من قصفوا حلب وقتلوا عشرات آلاف الناس، ثمّ نسمّيهم معارضة مُعتدلة، هذا يعني أنّ من وراءهم لا يريد فعلاً مكافحة الإرهاب بل يريد تغذية الإرهاب، يريد الحفاظ على الإرهاب، يريد تطوير الإرهاب، يريد إدخال الإرهاب في أجندته السياسية. ولذلك كلّ من يكون معارضة مُعتدلة، المعارضة المُعتدلة هي المعارضة السياسية، هي التي لا تحمل سلاحاً، فإذا كانت تحمل سلاحاً تتخلّى عن سلاحها ثمّ تنضوي تحت سقف الوطن، حينئذٍ تصبح معارضة مُعتدلة، أما أن يسمّيها الأمريكي والفرنسي والبريطاني والسعودي والقطري والتركي بأنّها معارضة مُعتدلة، فهذا كأنني أسمّي الدجاجة خروفاً، أو أسمّي البقرة ذئباً.

 

كمال خلف: دكتور، في ما يتعلّق بالمسار السياسي حالياً في سورية، جرى لقاء، حالياً يزور سورية مساعد المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا السيّد رمزي عزّ الدين. ماذا لدى السيّد عزّ الدين للقاء دمشق؟ لماذا رفض الرئيس الأسد استقباله مرّتين كما قيل وتوسّطت موسكو لأن يتمّ لقاؤه في دمشق؟ وهل لديه من جديد يحمله على صعيد المسار السياسي؟

 

بهجت سليمان: هل تقصد دي مستورا أم عزّ الدين؟

 

كمال خلف: أتكلّم عن عزّ الدين، رمزي عزّ الدين.

 

بهجت سليمان: عزّ الدين، بالأصل لم يكن هناك قرار باستقباله من قِبَل السيّد الرئيس، فدي مستورا سقفه معاون وزير خارجية أو نائب وزير خارجية، وكُرّم عندما استقبله وزير الخارجية، وبالتالي هو أخذ مستوى أكثر ممّا يستحق، وهذه مسألة بروتوكولية لا داعي للوقوف عندها طويلاً. أما ماذا يحمل، فهو لا يحمل إلا الدعوة والتفكير بانعقاد جنيف في أواخر آب. أما ماذا سيُطرَح هناك، فهذه أمورٌ هي أكبر من عزّ الدين.

 

كمال خلف: للأسف الشديد انتهى الوقت ولدينا الكثير من الأسئلة حقيقة، لكن يبلّغني الزميل المخرج بأنّ الوقت انتهى تماماً.

أشكرك جزيل الشكر سفير سورية السابق في الأردن اللواء الدكتور بهجت سليمان، كنتَ معنا مباشرةً من دمشق، شكراً جزيلاً لك.

مشاهدينا، هذه المُقابلة مع سفير سورية السابق في الأردن اللواء بهجت سليمان انتهت. شكراً للمتابعة. إلى اللقاء.