
الفن... تعبير عن المظالم والأمل في اليمن
لاريسا أليس الباحثة في شؤون اليمن والمهتمّة باستخدام الفنّ وسيلة للنقد السياسيّ تخبرنا اكثر عن شغَفها بدراسة اليمن وتفاقم الازمة الانسانية الممزّقة للنسيج اليمني وأطروحتها في التعبيرِ عن المظالم والامل من خلال الاعمال الفنيّة.
نص الحلقة
<p><strong>زينب الصفار: </strong>السلام عليكم ورحمة الله. لعلّ للفن صوتاً صدّاحاً ومشجعاً كوسيلة للتعبير عن السخط والأمل على حد سواء، حتى في اليمن المدمّر رغم كل الظروف الأليمة. التعبير عن المظالم والأمل من خلال الفن في اليمن، مع الباحثة لاريسا أليس من الداخل. معكم زينب الصفار، تابعونا.</p>
<p> </p>
<p><strong><u>التقرير</u></strong></p>
<p>منذ اندلاع الأزمة في اليمن في آذار / مارس 2015 وحتى أواخر عام 2016 تعدّى عدد الضحايا اليمنيين إثر عدوان التحالف العربي بقيادة السعودية الـ 10 آلاف، بينهم على الأقل 2500 طفل وما يقارب 2000 امرأة بحسب تقارير للأمم المتحدة. أما الجرحى فارتفع عددهم إلى أكثر من 43 ألفاً بحسب المراكز الصحية في شتّى المحافظات اليمنية المستهدفة. كما يشير المراقبون إلى أن الغارات الجوية العدوانية للتحالف قصفت مراراً مستخدمة الأسلحة الذكية والعالية الدقّة المباني المدنية مثل مصانع الأدوية ومراكز تخزين المواد الغذائية إضافة إلى المستشفيات التي أشارت إليها بوضوح منظمة أطباء بلا حدود، حيث قدّمت مسبقاً إحداثيات الـ "جي بي أس" الخاصة بها. وأيضاً استهدفت الطائرات السعودية وبصورة متكرّرة الأسواق الشعبية خلال أوقات الذروة نهاراً عندما تؤمّها أعداد كبيرة من المدنيين. وبحسب المدير التنفيذي لـ "أوكسفام"، مارك غولدرينغ، بريطانيا كداعم أساسي لهذه الحرب الوحشية ينبغي لها أن تنهي مبيع الأسلحة والدعم العسكري للسعوديين وأن تساعد على وضع اليمن على السكة المؤدية إلى السلام. أما مدير منظمة العفو الدولية للحد من الأسلحة، أوليفر شبراغ، فقد وصف مساعي رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وبوريس جونسون وزير خارجيتها لتبرير تزويد بريطانيا المملكة السعودية بالأسلحة بوصمة عار. الأستاذة الألمانية لاريسا أليس المتخصّصة في الدراسات الإسلامية والسياسة الشرق أوسطية ولا سيما التركيز على التطوّرات السياسية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية واليمن بالتحديد، والعضو في فريق المراقبين الدوليين في مؤتمر الحوار الوطني اليمني في 2013 والمهتمة باستخدام الفن وسيلة للنقد السياسي، تخبرنا أكثر عن شغفها بدراستها اليمن وتفاقم الأزمة الإنسانية الممزّقة للنسيج اليمني، وأطروحتها في التعبير عن المظالم والأمل من خلال الأعمال الفنية. </p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>الدكتورة لاريسا أليس، الباحثة المشاركة في معهد دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز في جامعة سانت آندروز، والخبيرة في الشؤون اليمنية، أهلاً بك في برنامج من الداخل.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>شكراً.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>على الرحب والسعة. متى أجريت أو عمل ميداني في اليمن، وأين، ولأية فترة زمنية؟ وما الذي دفعك إلى دراسة اليمن؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>أول عمل ميداني قمت به في اليمن كان عام 2013 عندما ذهبت إلى هناك مجدّداً سعياً وراء كتابة رسالة الدكتوراه. كنت قد زرت اليمن قبل ذلك في عامي 2009 و2010، حيث سعيت إلى إتمام دورة في الدراسات العربية التي دامت عاماً، وكذلك حظيت بفرصة الدراسة في جامعة صنعاء وأتممت دورة في العلوم الاجتماعية. ومنذ ان ذهبت إلى اليمن لدراسة اللغة العربية، أثارت البلاد اهتمامي، فقرّرت الاستمرار والتركيز في دراستي للماجستير والدكتوراه على اليمن.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>ما الذي أثار اهتمامك هناك؟ أهو المجتمع أم الناس أم الجغرافيا؟ ذلك النوع من المجتمع القبلي الذي يعدّ متخلّفاً جداً عن المكان الذي تأتين منه.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>إنه سؤال مثير جداً للاهتمام، لأنه سؤال نموذجي جداً يُطرح على الباحثين في اليمن، بما أنه لا يوجد الكثير من الباحثين مقارنة مع البلدان الأخرى في الشرق الأوسط، صحيح؟ وما نشترك فيه جميعاً هو أننا جميعاً دهشنا كثيراً بالشعب اليمني الذي كان دوماً مضيافاً وودوداً ومرحّبا بنا.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>مضيافاً نعم.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>وودوداً ومحباً إلى حد بعيد. لذا فإن الناس تحديداً هم من جذب اهتمامي واهتمام الكثيرين أيضاً، إضافة إلى تاريخ مثير جداً للاهتمام وثقافة مهمة طبعاً تختلف بشكل ملحوظ عن الأجزاء الأخرى من الشرق الأوسط مثل لبنان أو سوريا أو مصر، حيث جرى تناولها أكثر وأجريت عليها الأبحاث بشكل أفضل من اليمن.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>انطلاقاً من زياراتك إلى اليمن، ما هو الأمر الذي لفت اهتمامك، ودراستك البحثية أكثر من غيره؟ لا بد وأنك واجهت بعض المشاكل، ما الذي استحوذ على انتباهك أكثر من غيره؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>أعتقد أن الأمر الأكثر وضوحاً هو فن العمارة المتميّز جداً والطبيعة التي يتمتّع بها اليمن، لكن إضافة إلى التنوّع الكبير في الناس والطبيعة وفن العمارة، عليّ الاعتراف أني فعلياً لم أواجه أبداً مشاكل جدّية أثناء قيامي ببحوثي في اليمن، أو أثناء عيشي هناك، بل على العكس، لطالما كانت الأمور نسبياً سهلة، حيث كان الناس منفتحين ومساعدين بشكل مدهش طوال الوقت، وهذه مسألة بالتأكيد قدّرها معظم الباحثين في اليمن كثيراً، وبالتالي فقد شعروا بالامتنان العظيم للشعب اليمني أيضاً أثناء إجرائهم الأبحاث في العديد من المجالات المختلفة.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>طبعاً انت تعانين الآن كثيراً لأنك بالكاد تسمعين الأنباء عن اليمن، أو عندما تنظرين إلى تلك الأزمة الإنسانية الحادّة في اليمن. الأمم المتحدة وصفت اليمن بأنه أحد البلدان التي تعاني من أكثر الأزمات الإنسانية حدّة. والمراقب، وهو الكاتب والمحلّل لأوضاع الشرق الأوسط "مايكل هورتن" قال قبل أكثر من عام إن الأزمة الإنسانية في اليمن تنافس الأزمة في سوريا، بعد أشهر من الحرب وفرض للحصار البحري الموصوف لتجويع البلاد حتى الخضوع، فإن 90% من الشعب اليمني والبالغ عدده 24 مليوناً، بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية. إذاً، لا يمكن أن يُطلق على هذا سوى تسمية "عقوبات إبادة جماعية في اليمن". كيف تقرأين كل هذا؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>بالتأكيد فإن الوضع في اليمن حالياً يشكّل واحدة من بين أسوأ الأزمات الإنسانية التي نراها في العالم. عليّ القول إني أشعر بحزن شديد خصوصاً لأجل الكثيرين من الناس الذين أعرفهم هناك ، لكن هذه مسالة لا تقارن أبداً بالمعاناة التي يعيشها الناس فعلياً على الأرض والحرمان الذي يواجهونه فعلياً. جزء من ذلك متعلّق بحقيقة أن اليمن كان بلداً فقيراً قبل الحرب بمعدل دخل متدنٍّ جداً للفرد، مع الحاجة لاستيراد قرابة 90% من كل المواد الغذائية. من الجلي أن الحرب قد فاقمت من هذا الفقر بشكل هائل، وقد قال مسؤولون رفيعون في الأمم المتحدة إن ما استغرق سوريا 5 سنوات لتتدهور فيها الأوضاع، لم يستغرق اليمن سوى 5 أشهر. لكن لنكن منصفين، اليمن بدأ من مستوى أسوأ بكثير من ناحية التنمية والرفاه الإنساني. الناس يعانون وهذا صحيح أن أكثر من 80% هم بحاجة عاجلة لأي شكل من المساعدة الإنسانية. البلد يواجه حالة مهولة من الجوع. الناس يموتون فعلياً من الجوع في الوقت الحالي.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>أودّ التركيز أكثر على الناحية الإنسانية وعلى جانب مهم جداً. على الرغم من كل ما كان يجري في اليمن، ألا أنه لاقى اهتماماً ضئيلاً جداً في وسائل الإعلام العالمية. لماذا تبقى الحرب في اليمن واحدة من بين أكثر الصراعات تهميشاً في العالم؟ لماذا اليمن فقط؟ أعني أن الأمر ذاته يحدث مثلاً في سوريا إلا أنه بالكاد يمر يوم من دون ذكر سوريا في نشرات الأخبار، لكن اليمن مهمّش ويجري تجاله.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>نعم هذه وجهة نظر قوية.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>إنها ليست حرباً منسية وحسب، بل إنه شعب منسي.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>لم تغطّ أخبار اليمن بشكل جيّد على الإطلاق، حتى قبل الحرب أو قبل الانتفاضة في عام 2011، لذا فإن الاهتمام باليمن كان ضئيلاً في المقام الأول، وعلى الأرجح ما زال الوضع على ما هو عليه. إنه ليس راسخاً جداً ببال وسائل الإعلام العالمية أو في أذهان الجمهور العالمي لا سيما عندما نقارن وضعه مع سوريا، فالوضع هناك يهيمن بوضوح على العناوين الرئيسية في ما يتعلق بالصراعات والأزمات في الشرق الأوسط، فإن الجمهور العالمي على اطلاع بشكل أوسع بكثر على اللاجئين السوريين، لكن نصف الإمكانية في أن يبقوا على الحدود وفي أن يطالبوا باللجوء إلى مكان آخر على الرغم من أن هذا صعب جداً كما هو واضح، لكن إن نظرت إلى اليمن وإلى جغرافية اليمن...</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>لا يُمنحون التأشيرات</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>فإنهم لا يُمنحون التأشيرات حتى إلى أي بلد عربي آخر، وهو تقريباً الحال نفسه قبل بدء الحرب. لكن من الصعوبة بمكان مغادرة البلد في المقام الأول، وحتى إن تسنّى للناس فرصة مغادرة البلاد، فالكثيرون فقراء جداً وبالتالي لا يستطيعون تحمّل أعباء السفر حتى وإن أرادوا أو أتيحت لهم الإمكانية. القليلون فقط هم من يمكنهم تحمّل عبء مغادرة البلاد في المقام الأول.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>كنت تقولين إن كلا الجانبين يتحمّلان المسؤولية حيال ما يجري الآن في اليمن، في الوقت ذاته فإن اليمن لا يحظى بتغطية إعلامية، أو مغطى بشكل سيّئ جداً أو منعدم تماماً في الإعلام الغربي. على سبيل المثال لسوء الحظ فإن وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة دعمت تملّص الإدارة من النظر في القضية حيث إنها أحجمت عن استقصاء حجم الخسائر من جراء الضربات الجوية السعودية ، برفضها البحث عن جرائم الحرب التي قدّمتها التقارير الحصرية لمنظمة العفو الدولية "آمنستي"، على الرغم من أن "آمنستي" استهدفت الحوثيين في أحد تقاريرها. ألا تعتقدين أن هناك تواطؤاً عالمياً واسعاً ضد اليمن؟ إنهم يحاولون مثلاً إسقاط أفكار معينة..لماذا لا يغطّون اليمن إعلامياً؟ ما الذي يجري فعلياً في اليمن؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>أعتقد ولسوء الحظ أن اليمن لا يتصدّر اهتمامات الأغلبية في أماكن أخرى من العالم، الأمر المثير للدهشة بعض الشيء لأننا مجدّداً إن نظرنا إلى جغرافية اليمن نجد أنه يقع تماماً عند مضيق باب المندب ، إذاً فإنه مهم جداً كمركز لعملية عبور النفط مثلاً، بالتالي من المفاجئ فعلاً انعدام وجود اهتمام لمجريات الحرب على اليمن. أعتقد، كما قلت سابقاً، أنه حتى الآن فإن غالبية الجمهور الدولي ليس مطّلعاً على نتائج وعواقب الحرب في اليمن، بالتالي من السهولة بمكان أن يُنسى بالمقارنة مع سوريا أو العراق مثلاً. لذاً، وعلى الرغم من أن هناك مشكلة كبيرة للإرهاب في اليمن لم يجر تصدير الكثير من الإرهاب، بخلاف ما يحدث في بلدان أخرى من العالم العربي. أعتقد أن هناك مظاهر تجعل من في عدم إيلاء الكثير من الاهتمام حيال ما يجري أكثر سهولة. المأساة في الأمر تكمن في أن 20 مليون إنسان يعانون بشكل كبير وبحاجة إلى المساعدات الإنسانية الفورية، وبسبب انعدام التغطية الإعلامية والمعرفة حول الحرب في اليمن فإن قلّة من الفاعلين يرون ضرورة في زيادة الضغط على الجهات المختلفة للسماح بتلك المساعدات الإنسانية بدخول البلاد.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>إسمحي لما بالتوقف مع فاصل قصير وبعد عودتنا سنتحدّث أكثر عن موضوع دراستك "التعبير عن المظالم والأمل من خلال الفن". إذاً، فاصل قصير ونعود، لا تذهبوا بعيداً.</p>
<p> </p>
<p><strong>فاصل</strong></p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>لعلّ الفن ليس أول ما يتبادر إلى أذهاننا عندما نتحدّث عن اليمن، ولكن "التعبير عن المظالم والأمل من خلال الفن - الشبان اليمنيون وتمكين أنفسهم"، دراسة أعدّتها الباحثة الألمانية لاريسا أليس المتخصّصة في اليمن، حيث تستكشف ثلاث حالات توضح كيف يعبّر الشباب اليمني عن أصواتهم وافكارهم من خلال أنماط مختلفة من الفن. فماذا تخبرنا عن تلك الأساليب الفنية المتنوّعة، وماذا أرادت أن تثبت من خلال أبحاثها؟ </p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>تلك الدراسة كتبتها خلال الفترات الانتقالية، وبشكل أساسي بعد نهاية الانتفاضة وقبل بدء الحرب. وعليّ القول إن هذه مجرّد لمحة عن المشهد الفني الذي كان موجوداً في اليمن وكذلك قبل فترة طويلة من عام 2011. إنه مثير جداً للاهتمام، ومجدّداً هذا الأمر ليس معروفاً تماماً لسوء الحظ. على سبيل المثال يتطلّع اليمن الآن إلى فسحة صغيرة...</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>اليمن في عالم الفن، الآن. لا أحد سيصدّق هذا.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>لا، لكن حتى في السابق كان ليبدو شيئاً غريباً ربما للجمهور الخارجي. لكن في واقع الأمر، اليمن غنيّ تاريخياً ليس فقط في مضمار الشعر والموسيقى وحتى المسرح..</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>وفن العمارة.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>إضافة إلى ذلك فن العمارة بالتأكيد. في هذه الدراسة تتبعت اهتمامي الخاص في الفنون بشكل أساسي، وعلى وجه الخصوص الفنون التي يسعى وراءها بعض أصدقائي. كثيرون منهم أصبحوا مشهورين جداً خلال الانتفاضة عام 2011 وقد استخدموا مواهبهم وأدوات الأشكال المختلفة من الفن للاحتجاج، وكوسيلة للمقاومة المدنية والأفعال غير العنيفة. وأحد النواحي المثيرة جداً للاهتمام كانت باستخدام الكثيرين من الشباب للأشكال المختلفة من الفن بهدف التعبير عن أنفسهم للمرة الأولى في بيئة كانت منفتحة جداً في ذلك الوقت وتم إظهارها وعبّرت من خلال أشكال الفن المختلفة تلك.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>هلاّ أعطيتنا بعض الأمثلة المتعلّقة بتلك الحالات؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>عبّروا عمّا يأملون أن يكون عليه اليمن بعد انتهاء حُكم علي عبد الله صالح، وفن الغرافيتي كان بالتأكيد وسيلة كما هو في أجزاء أخرى من العالم العربي، وسيلة بارزة جداً وشعبية الاستخدام. سأعطيك مثلاً عن شخص بدأ بمبادرة فريدة وهو "ميلاد صبيح" الذي ذهب إلى الشوارع وبدأ بطلاء الجدران التي تضرّرت، بسبب القتال الذي كان دائراً في صيف عام 2011، وقد اقنع أصدقاءه بالانضمام إليه لجعل شوارع صنعاء أكثر جمالاً بعد أن شهدت المدينة الكثير من المعارك. الكثيرون من الناس بدأوا بالانضمام إليه ممن لم يفعلوا شيئاً كهذا في السابق وقد انضموا بشكل تلقائي جداً. لاحقاً تحوّل نجاحه الكبير إلى حملة كما أنه استخدم مهاراته وأطلق حملات أخرى ليسلّط الضوء على مشكلة الناس الذين اختفوا في ظل الأنظمة السابقة في اليمن مثل المناوئين السياسيين وما إلى هنالك لإحياء ذكراهم. ومجدّداً في حملة أخرى قام باستخدام مشاهد مختلفة للغرافيتي ليسلّط الضوء على مِحن الشعب اليمني واليمن كبلد. لذا، بطريقة ما، استخدم الناس هناك ذلك للتعبير عن الكثير من الحب لبلادهم ولشعبهم وعن الأمل.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>والأمل في الوقت نفسه الألم.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>وفي الوقت ذاته عن الألم، وكانت أيضاً احتجاجاً لإظهار حال معينة، لا سيما الشباب الذين لم يكونوا يعون تماماً ما كان يجري فعلياً في اليمن، والمطالبة بإنهاء أمور مهمة مثل الفساد وتوزيع وتواجد السلاح، وللتعبير أكثر عن الأمل ببلاد يعمّها السلام وليتمكّنوا من ترسيخ آمالهم في هذه البلاد وتحقيق تلك الآمال.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>ماذا عن الحال الأخرى؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>على سبيل المثال، كانت هناك مجموعة من الناس قد بدأت بالتأسيس لمؤتمر "تيديكس" الخاص بهم في اليمن وقد أصبح بمثابة منبر في مدن يمنية مختلفة، وقد شهدنا حدوث ذلك..</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>هل يعرفون مؤتمر "تيديكس"؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>نعم بالتأكيد. اليمن كان نوعاً ما على هامش العالم العربي. ربما الشباب في اليمن لم يكن منفتحاً، لكن ذلك لا يعني أنهم يجهلون ما يجري في العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. إنهم مطّلعون بقوة على مجريات الأحداث وموهوبون إلى حد بعيد في ترجمة ذلك وتحقيقه في بيئاتهم الخاصة، ومن خلال تلك النشاطات ساهموا في بناء الوعي، حيث أظهر الكثيرون حالات تبيّن ما يفعلونه ويفكّرون به وكذلك الخطط التي كانت لديهم. إذاً، فقد كان تنوّعاً هائلا جرى ابتكاره على منبر يتحلّى بطيف من الأفكار والآراء التي كان بالإمكان التعبير عنها، كذلك في مجتمع لا تحظى فيه أفكار الشباب على آذان صاغية كثيراً حتى في ذلك الوقت.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>غير أنه وفي ما يتعلّق بأحداث مؤتمر "تيديكس" فقد جرت مواجهتها بشكل منتظم بردود فعل سلبية مستنكرة الأحداث لكونها تؤثّر على الشباب بـ "أفكار غربية"، يسرقون ويبدّدون المال لمكاسبهم الشخصية، أو يخرجون بأفكار غير واقعية لا تناسب اليمن.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>تلك كانت بعض الانتقادات التي واجهها المنظمون. لكن مجدّداً، أحد النواحي التي واجهها اليمن على الأرجح أكثر من بلدان أخرى، هي تصادم معيّن من قبل المحافظين برغبة الشباب في تحديث بلادهم ، إنما يعتزّون بأصولهم وتقاليدهم الغنية جداً التي تمتلكها بلادهم وشعبهم، في الوقت نفسه يمتلكون فكراً منفتحاً جداً، ويحاولون كثيراً تحديث مجتمعهم من ضمن تقاليدهم الثقافية. كان لذلك جمهور متنوّع جداً أيضاً.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>كيف رحّب الناس بهذه الأشكال من الفن؟ هل تفاعل الناس معها في اليمن؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>لقد راقبوا بفضول كبير تلك النشاطات، وكذلك تلك الحملات والأفعال التي كانت تحدث..</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>من دون إغفال الهاشتاغ</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>نعم، لدعم اليمن. لكن مجدّداً، كانت هناك مبادرة عظيمة أخرى من قبل صحافيين شباب ومصورين ومخرجين خلال الانتفاضة في اليمن، تمثّلت بإطلاق الفيديوهات الصغيرة لتوثيق ما كان يجري في البلاد، لمنح الناس العاديين صوتاً. المثير للاهتمام، وهذا يتصل كثيراً بنواحي قمنا بمناقشتها آنفاً مثل الافتقار إلى التقارير الإعلامية حتى إبان الانتفاضة ولا سيما الشباب المثقّف والمتعلّم والفاعل جداً سواء من صحافيين أو مخرجين ومصوّرين الذين اكتشفوا مجدّداً أن التغطية الإعلامية لليمن لم تكن جيّدة تماماً، وأن تغطية اليمن الإعلامية لم تكن جيّدة جداً، وكذلك شعروا أن الشباب اليمني لم يحظ بفرصة التعبير عن رأيه، لذا أرسوا حملتهم الصحافية وأخرجوا الفيديوهات وما زالوا يفعلون ذلك.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>هل ما زالت هذه الحالات الثلاث من أشكال الفن جارية حتى الآن؟</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>على حد علمي أنهم لا يقيمون أياً من نشاطات "تيديكس" حالياً لكنهم بالتأكيد ما زالوا يقيمون عروض فن الشوارع والذي يلعب دوراً مهماً جداً في إحياء ذكرى الناس ومعاناتهم، وتوثيق معاناة الناس تلك.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>إن جرى التعامل مع الأطفال بوحشية وبقوا على قيد الحياة، فإن هذا سيترك آثاره على البلاد لفترة طويلة من الزمن لأجيال مقبلة. د. لاريسا أليس، الخبيرة في الشؤون اليمنية نشكرك جزيل الشكر على انضمامك إلينا.</p>
<p> </p>
<p><strong>لاريسا أليس: </strong>شكراً</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>على الرحب والسعة دوما. إذاً، لقاء جديد في الأسبوع المقبل مع ضيف جديد وقضية جديدة ودائماً من الداخل. السلام عليكم ورحمة الله.</p>