الفنانة عواطف نعيم

نص الحلقة

زاهي وهبي: مساء الخير. فنّانةٌ شاملة بكلّ ما للكلمة من معنى. مؤلِّفةٌ ومُخرِجة وممثلة وناقدة ومؤسسة لكثيرٍ من الفاعليات الإبداعية والمسرحية. سيّدةٌ مثقفةٌ من سيّدات "الرافدين" ورائِدةٌ من روّاد المسرح العراقيّ الذي لا يقلُّ شأناً عمّا أعطاه إياه (العراق) من لقيّات ثمينةٍ نادرةٍ في الفِكرِ والفنّ والأدب. نالَت عشرات الجوائِز والتكريمات، وتقاسمت الحلوة والمرّة مع شريك العُمر والإبداع المسرحيّ المُخرِج والممثل "عزيز خيّون"، واختارت البقاء في وطنها على الرغم من الحروبِ والحصارِ والفواجِع والمواجِع، وقدّمت في المسرح والإذاعة والشاشتين أعمالاً مُضيئةً مهجوسةً بهموم وآلام وآمال الشعب العراقيّ الذي دفعَ ويدفعُ أثماناً باهظة في سبيل حريّته واستقلاله وفي مواجهة تيّارات التكفير والتطرّف والتعصُّب و"دواعِش" الذبح والسبي والتنكيل ومافيات الفساد وسارقي أحلام الناس. "بيتُ القصيد"، بيت المُبدعين العرب يُرحِّب بالفنانة القديرة الدكتورة "عواطف نعيم"، أهلاً وسهلاً شرّفتِ "بيت القصيد"

د. عواطف نعيم: أشكرك، أشكرك حقيقةً على هذا التقديم اللطيف أولاً وشكري الجزيل على هذه الاستضافة الكريمة، وأنا سعيدة أن أكون بين أهلي وناسي في بيتٍ يلِمّ العرب المُبدعين جميعاً

زاهي وهبي: أهلاً وسهلاً. نتشرّف بحضرة جنابكِ. بدايةً، وقبل أن نُشاهِد ربورتاجاً بعنوان "علامة فارِقة"، وهو فقرة أساسية في البرنامج، لو بإيجاز سيّدتي، حال المشهد المسرحي والفنّي عموماً اليوم في (العراق) كيف يُمكن أن تصفيه؟

د. عواطف نعيم: إذا سألتني فأنا بطبعي مُتفائِلة. أقول لك رغم كلّ الصعاب، رغم كلّ العقبات، رغم شحّة ما في اليد، ورغم أنه ليس هناك ثمة بُنى تحتية جديدة وإنما هي الموجودة، القديمة، "المسرح الوطني" وبعض الآفاق، و"مسرح الرافدين، مع بقاء "مسرح الرشيدي" أطلالاً حتّى هذه اللحظة

زاهي وهبي: للأسف

د. عواطف نعيم: للأسف، لكن ما زلنا نتنفّس الإبداع من خلال الرواية، من خلال الشباب، من خلال الطموحين من الأبناء العراقيين المهمومين بالمسرح في كلّيات ومعاهِد الفنون الجميلة. فأنا بطبعي مُتفائِلة فأقول لك، نحن بخير أفراداً وليس مؤسسات

زاهي وهبي: نعم. على ماذا تَبنين هذا التفاؤل؟ على عُنصر الشباب؟ على الطاقات الإبداعية؟  على الإرث العريق لـ (العراق) في هذا المجال؟ بمعنى، في مجال الإنتاج الأدبي والفنّي والفِكري؟

د. عواطف نعيم: أولاً، (العراق) بلد تاريخ وحضارة وهذه معروفة. عمقه في التأريخ البشري ما يزيد عن سبعة آلاف سنة، فهؤلاء، سلالات هؤلاء الآباء والأجداد حتماً عندهم هذا الاعتداد وهذا الاهتمام، بمعنى، مع بداية الغزو الأميركي، اجتمعت مجموعة من الشباب في أطلال مسرح "الرشيد" وسمّوا فرقتهم باسم "الناجين" وقدّموا عروضاً مسرحية. فتخايل أيّ نوعٍ من الشخصية العنيدة هذا العراقي، بحيث يُفكِّر وهو في زحمة الموت وخضّم الموت وسكونة الموت، يُفكِّر في أن يُنجِز ويبدأ وأن يقول قوله. فأنا مستبشرة بهؤلاء، وأنا متفائِلة بهؤلاء، متفائِلة بهؤلاء العراقيين، أبنائي وإخوتي

زاهي وهبي: نعم. الله يُكثِر من أمثالكِ، لكن يشعُر المرء وكأنّ هناك صورة مُعيّنة لـ (العراق) يُراد لها أن تُعمّم، وهي صورة الموت والخراب والسيارات المتفجِّرة و "الدواعِش" إلى آخِر ما تعلمين

د. عواطف نعيم: من الصعوبة عندك أو عند أيّ شخص أن يُفكِّر بطمس حضارة عريقة مثل الحضارة العراقية أو طمس نفس فكر وثقافة وفنّ كما يحدث الآن في (العراق)، صعبة. صعبة أن تحاول أن تبعِده عن مهرجان أو أن تحاول أن تؤلِّب عليه في مهرجان أو أن تُحاول أن تُهمّشه في مهرجان أو أن تحاول أن تقطع عليه صلات التواصل والعمل لأنه مُبدِع وسيجبرك، عفواً، يجبر الآخرين على أن يكون موجوداً ويكون حاضراً، فأنا متفائِلة، متفائِلة بالطاقة العراقية والعقل العراقي

زاهي وهبي: يُجبِر من يُقفل الأبواب

د. عواطف نعيم: من يُقفل الأبواب طبعاً

زاهي وهبي: من يضع فيتو على

د. عواطف نعيم: يُجبرك أقصِد أن يُجبِر من يُحاول أن يضع كلّ هذه الحواجز، يُجبره على أن يحترِم هذه الإرادة وأن يفتح الأبواب وأن يسمح له بأن يقول كلمته وأن يُعبِّر عن رأيه على الرغم من كلّ المُفخّخات. نحن نذهب سيراً على الأقدام إلى المسرح الوطني كي نُقدِّم عرضنا المسرحي، بمعنى، العراقي يمسح الدم من الشوارِع والأرصِفة ويبكي، ومع ذلك يزاول حياته ويمشي ويعمل ويحلم في الغدّ وما سيفعله. الحياة، لولا فُسحة الأمل بها، لولا هذا الاعتداد، لولا هذا الاطمئنان، لولا الإيمان بأنّ هناك خالِقاً لا بدّ من أن يدبِّر لك الأمور، ولولا أنّ هناك إرادة لا بدّ وأن تُحدّد وأن تُساعدك على أن تنهض وتتنفّس لكُنّا في حال موت. لذلك نحن نخلُق حياتنا، نبتكِر الحياة كي نعيش

زاهي وهبي: نعم، و(العراق) يستحقّ الحياة بكلّ جدارة وبكلّ كفاءة. لو سمحتِ نراكِ معاً في "علامة فارِقة" ثمّ نُتابِع هذا الحوار

كلام يوصل

د. عواطف نعيم

— ما زال الحلم كبيراً وبعيداً. هذه المدن العريقة الأصيلة، ذات الطابع واللون الخاص ولها خصوصية مثل (بيروت) و(بغداد) و(دمشق)، هذه مُدن لا تموت، هذه مُدن حيّة

— لكن لربما ظروف (العراق) العصيبة واضطراب حاله قلّل من عددنا كثيراً وأبعدنا عن الكثير من الأحلام الجميلة التي كنّا نتمنّى أن نُحققها لبَلدنا أولاً

— أنا "عواطف نعيم"، كاتبة ومُخرِجة ومُمثلة وناقدة في المسرح العراقي

— عندما يُغلِّفنا الموت والغياب يكون لنا ذكرى، نحتاج التكريم والمحبة والتربيت على الأكتاف ونحن أحياء، نتنفّس الحياة

د. عواطف نعيم: أهلاً حبيبتي، أهلاً سيدتي. كيف حالك، كيف الصحة؟ إن شاء الله بخير؟

سيدة عراقية: كيف أعمالِك هذه الأيام؟

د. عواطف نعيم: موجودة إن شاء الله لـ "رمضان"

سيدة عراقية: هناك تعتيم عليكم هناك

د. عواطف نعيم: لا يمكنهم، لا يمكنهم، نحن أحياء ونتنفّس ونعمل، نحن خلاصة (العراق) و(بغداد)

سيّدة عراقية: أي والله، حين رأيتكِ ارتحت وشعرت بالطمأنينة

د. عواطف نعيم: نحن عُتقها ورائِحتها

سيّدة عراقية: الله يسلّمِك، يعطيكِ العافية، على عيني 

د. عواطف نعيم: فرصة طيبة، أهلاً سيّدتي، على عيني

— المحبّة نِعمة. دائِماً العراقيون حينما يلتقون في أيّ مكان يقولون لكِ كلِمة جميلة. حتّى في داخل الأرض العراقية يقولونها، في (بغداد)، "حين نراكم نشعُر بالطمأنينة". أي نحن مصدر اطمئنان وأمان، هذا فنّ

— رغم أنّ الحروب مرّت على (العراق) لكن المسارِح كانت فيه تعمل، على الأقلّ أنا أتحدّث عن تجربة (بغداد)

— من الصعب أن أقول أنني تأثّرت بالممثلة الفلانية أو الممثل الفلاني لأنّ الممثل له ألوان، وهذه الألوان المتعدّدة والمُختلِفة لا تجعله يتأثر بلونٍ مُعيّن أو بـ Character معيّن أو شخصية مُعيّنة حتّى لا يدخُل في النمطي والقالب، لذلك أستطيع أن أقول أنّ كلّ هذه العوالِم، كلّ هذه الحياة بسعتها التي عشتها، كلّ هذه الشخصيات الجميلة التي التقيتُ بها على مُستوى محلّي أو على مُستوى عالمي أو على مُستوى عربي، كلّها كان لها تأثيراتها وتداعياتها وكان لها مساس بي كي تُكوِّن وتبلوِر شخصية خاصة بي اسمها "عواطف نعيم"

— الإنتاج يُعتَبَر بالنسبة إلى المُخرِج صاحب الفِكر النيِّر، صاحب التوجُّه الجيّد، يجب أن يكون موسوعياً وعارِفاً بكلّ ما في المسرح من زوايا وكواليس، وكلّ ما في المسرح من اشتغالات. والكتابة هي عوالِم، عوالِم تنسجين منها حياة جديدة على خشبة المسرح، لكن تكون هذه العوالِم ضمن قضية، ضمن فِكر، ضمن مسؤولية. لابدّ وأن يكون هناك همّ، هاجِس كي تنطلقي في الكتابة وتخاطبين بها وجدان الناس

— أحياناً أكون أنا أوّل ناقدة لعملي فأعرِف نقاط ضعفي وأحاول أن أعزّزها وأتغلّب عليها، أحاول أن أجد   ما أملئ به فرغات نقاط ضعفي لكي يكون النجاح حليفي

— إن نزلت عليّ ثروة من الأموال وأُصبِحت فجأةً مليونيرة، أعتقد أنّ أوّل ما سأُفكِر به هو كيف أبني مسرحاً 

— أنا أُوجِد الفضاءات البديلة. أنا أعتقد أنّ عمل الفنان، عندما يُضيَّق عليه ويضيق به المكان، عليه أن يبتكِر له مكاناً

— عندي هذه الحياة التي أعيشها وأنا متمسّكة بها وأخاف عليها. "إني أفدي شمس كل أصيلة ، 
حذر المغيب ، بألف شمس صباح"، لذلك أحرَص عليها وأعمل حتّى يكون هناك أكثر لي وبصمة لي، وذكرى طيّبة لي في الداخل العراقي

زاهي وهبي: جميل جداً. إن شاء الله يتّسِع الوقت كي نطرح كلّ القضايا التي أثرتِها، لكن قُلتِ سيّدتي أنه لو أصبحتِ مليونيرة فجأة، أوّل ما ستفعلينه هو أنكِ ستبنين مسرحاً. السؤال أنه، ربّ قائِل من مُشاهدينا الكرام يسأل أنه في ظلّ هذا الموت والخراب العربي، ما أهمية المسرح وأن نبني مسرحاً؟ ماذا يُقدِّم وماذا يؤخِّر؟

د. عواطف نعيم: المسرح ثقافة

زاهي وهبي: نعم

د. عواطف نعيم: المسرح محبّة، المسرح بناء إنسان. أنت ربّما تهتمّ بالدفاع وتشتري أسلِحة وطائِرات وأنواع الابتكارات التكنولوجية للقتال، لكن أن تبني روح الإنسان، أن تثقّفه وأن توعّيه في أهميته ككيان، كإنسان، ككائِن حيّ سبحانه وتعالى خلقه حتّى يُعمِّر في هذه الأرض، أنت تبنيه من خلال الثقافة والوعي. المسرح مدرسة، مدرسة مسائية، جامعة نتعلّم منها. المسرح ليس هيناً، المسرح خالق للحياة وخالق للفِكر لذلك المسرَح دائِماً يُحارَب. في الكثير من البلدان المُتخلِّفة والدكتاتوريات أوّل ما يُحارَب هو المسرح. لذلك أبني مسرحاً، أبني مدرسة

زاهي وهبي: لأنه أيضاً منبر للتعبير الحرّ

د. عواطف نعيم: عندما ابتكر الإغريق الديمقراطية بنوا المسرح. فالمسرح هو منبر للديمقراطية ومنبرٌ للقول وحريّة التعبير، فأنا أكون سعيدة، فعلاً سعيدة إذا بنيتُ مسرحاً

زاهي وهبي: كنّا نتحدّث خلف الكاميرا عن أنّ مُعظم مُدننا وعواصمنا العربية كانت في الستينات وفي السبعينات في حالٍ ثقافي أفضل مما هي عليه الآن. كيف نُقنِع اليوم المسؤول العربي والإنسان العربي أيضاً، المواطن، أنّ الثقافة هي عُنصر مُهِمّ من عناصر النهوض والاستقرار والسِلم الأهلي الذي نحتاجه جميعاً؟

د. عواطف نعيم: أنت تعتقد أنّ الوطن العربي والبلدان العربية صاحبة الحضارة ابتداءً من (بغداد) إلى (بيروت) إلى (مصر) إلى (تونس) إلى (المغرِب)، هذه البُلدان العريقة، ألا تعتقد أنّ إنسانها قارئ وفاهِم ومثقّف؟ أغلبهم؟ حتّى الكادحين البُسطاء

زاهي وهبي: طبعاً

د. عواطف نعيم: شوف المصري البسيط الكادح حين يتحدّث، شوف حبه لـ (مصر). كنت مرّة في طائِرة ودخلنا الأجواء المصرية ففوجئت بأحد الفلاحين يصيح " تحيا مصر". أنا والله فرِحت وقلت، " يا الله، كم هذه المحبة كبيرة"، فالثقافة موجودة. هو في طبيعته مُثقّف، حتّى البسيط منهم مُثقّف ويفهم. لكن مأساتنا هي فيمن يتولّى قيادة الحُكم في بلداننا

زاهي وهبي: أولياء الأمر، من يسمّون أنفسهم أولياء الأمر

د. عواطف نعيم: أولياء الأمر، القادة الذين يأتون بالصدفة أو تأتي بهم المُحاصصة أو يأتي بهم سوء الطالِع وسوء حظنا، سوء حظّ الشعوب العربية في أن يكونوا خاضعين لمؤامرة ليس لهم يدّ على صدّها لأن المؤامرة كبيرة وآتية من الخارِج. هنا في هذه الحال، ماذا تُصدِّق؟ تُصدِّق الثقافة. نحن نقول بأنّه يجب أن نتمسّك بالثقافة أكثر فأكثر وأن نكون حريصين عليها أكثر وأكثر. أولّ ما يبدأون، بماذا يبدأون كي يخلخلوا هذا المُجتمع؟ يبدأون في التعليم

زاهي وهبي: طبعاً. يضربون التعليم  

د. عواطف نعيم: يبدأون بالتعليم ويهزّونه. أوّل ما يقولونه، " يجب أن نُغِّير المناهِج". يا أخي، ما فيها المناهج حتّى تغيّرها؟ ما فيها؟ يقولون، "فيها تحريف للتاريخ" لكن القوي دائِماً يُحرِّف التاريخ، كل من جاء ويمتلِك قدرة يُحرِّف

زاهي وهبي: التاريخ يكتبه المنتصر

د. عواطف نعيم: هناك تاريخ يبقى في ذاكرة الأجيال ولا يتغيّر. أنت قد تُحرِّف الورق لكنّك لا تُحرِّف الذاكرة، وهذه هي الميزة. لذلك أقول لك، هذه البُلدان الثقافة فيها متواجدة، وأعتقد أنّ هناك الآن حرصاً أكبر في الحفاظ على الجذر والتاريخ لأنهم يشعرون أنّ المؤامرة تهدف إلى طمس هويّة. لذا يجب أن يحافظوا

زاهي وهبي: هول ما يجري وكأنه بمثابة هزّ الوجدان الجمعي والعقل الجمعي في الفرد

د. عواطف نعيم: والهزّة تهدِف إلى زرع الشكّ

زاهي وهبي: نعم

د. عواطف نعيم: يهزّك حتّى تزرع شكوكاً عندك، شكوكاً حتّى في ذاتك وتربيتك وعلاقاتك وتاريخك، يبدأ حتّى في السخرة من التاريخ. هناك من يسخر، " ما هو التاريخ؟ ماذا تقولون؟ انتم أولاد "الفرات"! أنتم أولاد "سومر" و"أكاد"!  هناك حتّى من يُسفِّه التاريخ وأنا أعتبر هذا كلّه مقصوداً ومدسوساً كالسُمّ في العسل. هو يقول لك كلاماً لكن يُمرِّر لك من خلال كمّ الكلام الهائِل هذا كلمتين أو ثلاث تفتّت في عدضك

زاهي وهبي: طبعاً. دعيني أدخل أكثر قليلاً على شغلكِ دكتورة. قدّمتِ عرضاً بعنوان "برلمان النساء". مُعظم أو غالبية عناصر هذا العرض المسرحي كنّ ممثلات، أي نساء. وحتّى الرجال المُشاركين كانا في دورين ثانويين. ماذا كنتِ تريدين أن تقولي في هذا العرض؟

د. عواطف نعيم: أولاً، هذا العرض لـ "أرسطو فالس"، رحّلته من زمن الإغريق

زاهي وهبي: إلى اليوم

د. عواطف نعيم: إلى اليوم لأنّ التاريخ يكرّر نفسه. فعندما وجدت أنّ هناك مشاكِل في البرلمان وبأنّ البرلمان لا يقوم بواجبه الحقيقي تجاه من انتخبوه من الذين يمثّلهم ويحمل أصواتهم، أقمت عرضاً اسمه "برلمان النساء". هو صحّ من عشر نساء على المسرح واثنين من الرجال لكن كلّ الشخصيات كان فيها إسقاط وتأويل على شخصيات متواجدة حالياً لأنني أؤمن بأنّ المسرح مهمّته أن يوعّي وأن يُثقِّف وأن ينتقِد وأن يُشخِّص السلبيّات. الذي حدث يا سيّدي والذي يفاجئني في هذا الزمن الديمقراطي أنّ هناك حماقة دعت أحدهم، وهو مسؤول، أن يُغلِق عليَّ منظومة الكهرباء

زاهي وهبي: هذا الذي أردت أن أسأله. قُطعت الكهرباء أثناء العرض

د. عواطف نعيم: عمداً         

زاهي وهبي: أثناء الحفل

د. عواطف نعيم: لا لا. في اليوم الأول مشى العرض بشكلٍ ممتاز وكان المدّ الجماهيري جيِّداً وكان التفاعُل كبيراً. هذا أشعرهُم بالخطر عندما كانوا حاضرين، أشعرهم بالخطر لأنّه بين الصالة وبين الخشبة كان هناك نوعٌ من التجاذُب والتفاعل الكبير، يكفي أننا كنّا نتكلّم عن وجعهم وكانوا سعيدين وصفّقوا كثيراً

زاهي وهبي: كأنه ممنوعٌ علينا أن نتحدّث عن الفساد والمُفسدين

د. عواطف نعيم: طبعاً

زاهي وهبي: وكأنه ممنوعٌ أن نُشير إلى مكامِن الخلل

د. عواطف نعيم: أنا أُعتَبَر يا سيّدي من الفنانات المعروفات بجرأتهنّ وشخصيتهنّ ومُشاكستهنّ

زاهي وهبي: نعرِفكِ جيّداً

د. عواطف نعيم: قلت لك، قال، " حتّى أُؤدِّب الباقين أبدأ بالكبيرة، من الكبيرة هنا في هذا المسرح؟ "عواطف نعيم"، فأغلق عليّ منظومة الكهرباء متعمداً، ولكي أُبطل الحجّة أمام كلّ الـ Cast وفريق العمل قلت لهم "ممكن أن أُحضر شموعاً وأعرِض؟" فقالوا، " لا، يحترِق المسرح"، فقلت لهم، هل من الممكن أن أتّصل مع الكهرباء الوطنية وأسحب تيّاراً كهربائياً؟ قالوا، " لا يا "عواطف" ليس ممكناً"، فقلت لهم، "حسناً، ممكن أن أُحضِر Generator من بيتي وأشغِّل المسرح؟ قالوا " لا، غير ممكن". قلت لهم "استحوا على نفسكم وقولوا نحن مانعين العرض، هلّ تخافوا أن تقولوا أنتم مانعين العرض؟ أنتم مانعو العرض

زاهي وهبي: سبق أيضاً سيّدتي، طبعاً أنا أعرِفك جيّداً وسبق أن كان لي حظّ مُشاهدتكِ في عروضكِ المسرحية في مهرجان "الفُجيرة" لـ المونودراما. أنت أُحلتِ إلى التقاعُد في وزارة الثقافة

د. عواطف نعيم: قسراً

زاهي وهبي: قسراً؟

د. عواطف نعيم: نعم

زاهي وهبي: أي قبل أن يحين موعِد تقاعُدكِ

د. عواطف نعيم: لا، هو حان موعِد التقاعُد لكن هناك فقرة يا سيّدي

زاهي وهبي: لم يُجدّد عقدكِ

د. عواطف نعيم: لم يُجدّد. نحن حَمَلَة الشهادات العُليا، نحن الخِبَر، ولحَمَلَة الشهادات العليا هناك قانونٌ صريح في أمانة مجلِس الوزراء ومجلِس الوزراء العراقي يقول،" هؤلاء الخِبَر لا يُحالون إلى التقاعُد عندما يصلون إلى سنّ التقاعُد وإنّما يُجدّد لهم كونهم خِبَر

زاهي وهبي: نعم، كمُستشارين

د. عواطف نعيم: كمستشارين خِبَر. لكنت الذي حدث أنه كان هناك إصرار من الوزير السابق في أنه يجب أن تُحال هذه المرأة إلى التقاعُد لمشاكستها، لأنها دائِماً تُحاول وصوتها عالٍ، ولأنها تكتُب وتنتقِد، وأنا سبحانه منحني قُدرة على أن أتكلّم وقُدرة على الكتابة

زاهي وهبي: هذه الروح المشاكسة، هذه الجرأة في طرح القضايا

د. عواطف نعيم: يا سيّدي أنا قلت أنّ (بغداد) عاصمة الثقافة فيها سلب ونهب، وأن ملفّ الفساد عليه أن يُفتَح ويكون هناك تحقيق في أين ذهبت كلّ هذه الملايين وهذه المليارات. كيف يكون افتتاح عرض مسرحي في خيمة؟ أين نحن حتّى يكون في خيمة والخيمة بعد ذلك تُرحّل وتختفي؟ لماذا لا نبني بهذا المبلغ مسرحاً لنقدّم عليه عروضاً

زاهي وهبي: إذاً حضرتكِ لستِ من أنصار مقولة أنّ الفنّ للفن، بمعنى أنّ الفنّ له دورٌ اجتماعي، له دور  

د. عواطف نعيم: الفنّ للناس، الفنّ مُغيِّر ومثوِّر ومُحرِّض. على الفنّ أن يُغيِّر، مهمته ليس فقط أن يُقدَّم للنخبة. مهمّة الفنّ أن يُغيِّر حال المُجتمع، أن يكون معبِّراً عن ضميرهم وعن أُناسهم، أن يكون حاملاً لصوتهم وهمومهم. مُهمّة المسرح أن يُغيِّر. أنا قلت لك قبل قليل أنه مدرسة، هو جامعة نتعلّم منها، جامعة مسائية. إذا لا يُغيِّر ولا يُثوِّر ولا يقول أنّ هذا فساد ويُشخِّص السلبيات ويُشير إلى المذنِب، لا خير فيه في أن يبقى مسرحاً، لا يكون مسرحاً

زاهي وهبي: أهميّة التنوير في زمن التكفير وفي زمن التثوير الفوضوي، كم ممكن أن يُساهم الفنان المُثقّف والواعي في تنوير مجتمعه وأُناسه؟

د. عواطف نعيم: هنا تكون مهمّته. مهمّته ستكون صعبة وأنا أعلم أنها مهمة صعبة، لكن مُهمّته في هذه الظروف المضطربة، في هذه الفوضى المقصودة، عليه أن يكون واعياً في اختيار عباراته، في اختيار موضوعاته، في التوغّل بين الناس، أن يقترِب منهم، حتّى لو كانوا بعيدين ومشغولين هو يذهب إليهم. أنا والأُستاذ "عزيز" ومجموعة من الشباب قدّمنا عرضاً في "ساحة التحرير"

زاهي وهبي: واسمه "هلوسة تحت النصب"؟

د. عواطف نعيم: لا، غير "هلوسة"، "هلوسة تحت النُصب" أيضاً كان فيه نخوة وأيضاً تحريض على التظاهرات وتحريض على المُطالبة بالحقوق، لكن قدّمنا أمام "نصب التحرير" عرضاً مسرحياً وكان معنا أوراق وقصائِد كتبها الأُستاذ "عزيز خيّون"، قصائِد انتقادية ساخرة، ونشرنا كلّ هذه القصائِد وقلناها ومثّلنا في الهواء الطلق وقدّمنا ما نريد أن نقوله. هذه مهمة المسرح، أن يكون بين الناس، أن يكون معهم وأن يُعبِّر عنهم وألاّ يخاف. إذا خاف واستكان إذاً ليس ثمة تغيير، وأنا أعلم أنني أُطالب بالكثير وقد أكون مُغالية في مُطالباتي لكن عندي نماذِج كثيرة في العالم ثارت وغيّرت ووعّت وثقّفت وعلّمت، فلا خير بنا إن سكتنا

زاهي وهبي: نعم. سنتحدّث أكثر عن تجربتكِ ونتطرّق طبعاً إلى شراكتكِ الإنسانية والإبداعية مع الأُستاذ "عزيز خيّون"، وأيضاً إلى أعمالكِ التلفزيونية، الدراما التلفزيونية والسينمائية والإذاعية ومسرح الطفل إذا اتّسع المجال، ولكن بعد أن نتوقّف مع موجز إخباري سريع

المحور الثاني:

زاهي وهبي: مُشاهدينا، نُتابع "بيت القصيد" مع الفنانة العراقية الشاملة والقديرة الدكتورة "عواطف نعيم". سيّدتي، قبل أن نستمِع إلى شهادة شريكك الأُستاذ "عزيز خيّون". ذكرنا أنّكِ قدّمتِ عملاً بعنون "برلمان النساء"، وقدّمتِ في الماضي "نساء لوركا"، وهو عرضٌ جميل. المرأة العراقية ربما من أوائِل النساء العربيات اللواتي اقتحمن الحياة العامة في الميادين المُختلفة، وحتّى في الفنّ كان هناك الفنانة "زينب"

د. عواطف نعيم: رحمها الله         

زاهي وهبي: السيّدة المعروفة باسم "زينب" ولكن هي "فخرية عبد

د. عواطف نعيم: "فخرية عبد الكريم"

زاهي وهبي: "فخرية عبد الكريم"، فنّانة من الخمسينات. واقع المرأة العراقية اليوم في المشهد الفنّي الدرامي، سواء المسرحي، التلفزيوني، أو السينمائي، كيف تجدينه؟

د. عواطف نعيم: المرأة موجودة. نحن نتحدّث عن رائدات كبيرات في المسرح مهّدنَ لنا الطريقة. أنت ذكرت السيّدة "زينب" وأنا أذكُر لك امرأة تزوّجت المسرح وعاشت له واسمها "أزادوهي صموئيل"، وهي أوّل امرأة تتخرّج من معهد الفنون الجميلة، الله يعطيها الصحة، وهناك أسماء كثيرة مثل "فاطمة الربيعي"، "سليمة خضيِّر"، "سهام سبتي"، "غزوة الخالدي"، أسماء كثيرة استمرين وعملن

زاهي وهبي: وكان لنا شرف أن استقبلنا الفنانة والأُستاذة "إقبال نعيم"، شقيقتكِ

د. عواطف نعيم: الدكتورة " إقبال نعيم" نعم. هي من الأجيال التي جاءت بعد جيلي ومعها الدكتورة "شذا سالم" والدكتورة " سهى سالم"، أسماء كثيرة

زاهي وهبي: يكفي أن نذكُر مثلاً في الشعر "نازك الملائِكة" و"لميعة عباس عمارة"

د. عواطف نعيم: أسماء كثيرة. في مجال الثقافة والفنون أولئِك رائدات أسّسنَ

زاهي وهبي: لا تزال المرأة العراقية

د. عواطف نعيم: لا تزال سيّدي. أنا قلت لك، أنا في طبعي متفائِلة

زاهي وهبي: ترين النصف الملآن من الكوب

د. عواطف نعيم: أراه نعم، أرى النصف الملآن دائِماً والفارِغ لا علاقة لي به، عليّ بالموجود وفي أن أُحافِظ عليه. لذلك أجد عندنا الكثيرات من الشابات الممتازات اللواتي يعملن في المسرح، ونحن رائدات نعمل في المسرح، وهناك سيدات نحن نسمّيهنّ الجيل الوسط لما بين الرائِدات وما بين الشابات اللواتي يعملن في المسرح. هناك رغبة وعناد وإصرار على التواصل في المسرح

زاهي وهبي: هلّ يُترجَم إنتاج وفعالية المرأة العراقية، في كلّ المجالات لكن نتحدّث في الفن كون حضرتكِ في هذا المضمار، في الواقع السياسي، في الواقع القيادي، في المسؤولية؟ بمعنى أخذت حقّها المرأة العراقية؟

د. عواطف نعيم: لا. المرأة العراقية حقيقةً لم تأخذ حقّها بما يليق بها وبما تستحقّ. أنا أتحدّث عن عملها في الدراما، عملها في المسرح، عملها في فنونٍ أُخرى، لكن على المستوى القيادي هناك نساء مؤهّلات قيادياً لأن يقُدنَ سواء كنَّ عضوات في البرلمان أو كنَّ مديرات عامّات، والآن نحن نرى أنّ كلّ هذه المُحاصصة تلعب دوراً وفُلانة تُبعَد. المُحاصصة تأتي بنساء لا يستطِعنَ أن يقُدنَ وغير جديرات بالقيادة وغير مؤهّلات

زاهي وهبي: جزء من السُلطة الذكورية

د. عواطف نعيم: وليس فقط السُلطة الذكورية

زاهي وهبي: نعم، السُلطة

د. عواطف نعيم: السلطة، السُلطة التي ترى أنّ هذه المرأة لا تناسِب لأنها تُجادل ومثقّفة وواعية، وقد تُحاسِب ولا تُفرِّط بقيَمِها

زاهي وهبي: دعوها جانباً

د. عواطف نعيم: دعوها جانباً، وأُخرى حاضرة وجاهِزة لأن تقول نعم سيّدي، كيفما تأمر. بدليل أنه في البرلمان العراقي، ما يقوله صاحب الكتلة تقول له نعم، لا يوجد لديها رأيها الخاصّ، لا يوجد عندها موقفها الخاصّ الذي يُعبِّر عنها وعن كيانها وعن ذاتها. لذلك تجدهنّ يتنقلن  

زاهي وهبي: وهذا ينطبِق أيضاً على الرجال

د. عواطف نعيم: الرجال أيضاَ

زاهي وهبي: ضمن لوائِح وضمن

د. عواطف نعيم: أنت سألتني يا سيّدي عن المرأة، فإذا كان الرجال بهذا المُستوى فكيف تعتقد أنّ النساء اللواتي معهنّ سيكون مستواهنّ؟

زاهي وهبي: ما هي أبرز التحديات والمعوّقات التي واجهتكِ كامرأة في مشواركِ الفنّي الطويل؟

د. عواطف نعيم: المواجهات كانت كثيرة. أولاً كوني امرأة، عندما أردت أن أُخرِج

زاهي وهبي: وفي أُسرة حضرتكِ لم يكن هناك

د. عواطف نعيم: أنا من أُسرة متحفّظة جداً ومُحافِظة في منطقة "فضوة عربه" بـ "الشيخ"، بمعنى حين تقول له أنّ إحدى بناتك ستكون من الممثلات يقول لك، " أستغفر الله، كيف هذا الكلام؟ "، وفجأةً أنا أصعد وأكون، وتتبعني الدكتورة "إقبال"

زاهي وهبي: من أين أتت سوسة الفنّ؟

د. عواطف نعيم: أتعرف من ماذا؟ من ليالي السمر حين كنت صغيرة، عندما كان أفراد عائلتي يطلبون منّي في ليالي السمر والشتاء وهم جالسون يشربون الشاي، فيطلبون منّى بأن يقولوا، " قومي يا ""عواطف قلّدي الجيران، قومي يا "عواطف" قلدي خالتك، قومي يا "عواطف"، كيف يتكلّم جدّو"، هذه الأشياء هي التي خلقت لي الولع 

زاهي وهبي: يجب أن نأخذ حذرنا منكِ

د. عواطف نعيم: (تضحك)، لا، أنا مُسالمة لكني اُشاكِس. لذلك، في المدرسة حين كنت في المرحلة المتوسطة والابتدائية كنت دائِماً أُحاول أن أكون في الفنون كلّها حاضرة ومُستعِدّة، أكتب وأُمثل وأُغنّي وأرقص لا مانع عندي، وفي الابتدائية كنت هكذا. هذا الولع كان عندي منذ أن كنت طفلة

زاهي وهبي: والتحديات والمعوقات ما هي؟

د. عواطف نعيم: كان أوّلها، كيف أكون ممثلة؟ هذه كانت خطِرة عند العائلة، والعائِلة حقيقة طردت والدتي وطردتنا أنا و"إقبال" ووالدتي ووالدي. طُردنا خارِج العائِلة باعتبار

زاهي وهبي: العائِلة الضالّة

د. عواطف نعيم: باعتبار أنا دخلت الخطّ الأحمر، عبرته، وهذا خطر جداً عليهم. لكن بعد فترة، حين رأونا في مسيرتنا بإصرار وعناد، وأسماء ودراسة، وحين أصبحنا ملجأهم في الكثير من الحالات، غيّروا الفِكرة

زاهي وهبي: صاروا يتباهون فيكم

د. عواطف نعيم: يفخرون بنا. عندما أظهر أنا على التلفزيون يقولون، " هذه خالتي، أو هذه عمّتي، أو هذه ابنة أُختي"

زاهي وهبي: حلو

د. عواطف نعيم: الذي حدث أننا نحن غيّرنا الفكرة، لكن أتعرِف أين الصعوبة؟ الصعوبة في المُجتمع الذكوري حين أردتُ أن أكون مُخرِجة. أحدهم قال لي، " أنتِ ماذا تفعلين في الإخراج؟ "

زاهي وهبي: ابقِ ممثلة وبزيادة عليكِ

د. عواطف نعيم: أجل، وكافٍ عليكِ أن تكوني ممثلة، لكن أنا كنت عنيدة وقلت لهم "اسمحوا لي"، قالوا "إلى أين؟ لنذهب ونتّفِق" فقلت لهم، " أجل أذهب، لا يوجد مانِع". هم كانوا يتصوّرون أنّ مسرح الطفل سهل، أصعب شيء يا أخي مسرح الطفل، واتجهت صوب الطفل

زاهي وهبي: طبعاً لأنّ الطفل فطري وردّة فعله صادقة، لا يعرِف المجاملة

د. عواطف نعيم: وعنده عوالِم، لا تستطيع المُخيّلة البشرية أن تصل إلى عوالمه

زاهي وهبي: وحضرتكِ أسّستِ مسرح الطفل في (العراق)

د. عواطف نعيم: وأنا أسّست قسم مسرح الطفل في العام 1996 في" دارة السينما والمسرح " وقدّمت أوّل مسرحية لطفل، وهلّ تعلم ما الذي صار لنجاحها وماذا فعلوا؟ أوّل مرّة في تاريخ المسرح العراقي كانوا يحتفلون في عام 1997 بيوم المسرح العالمي، بماذا يحتفلون ويقدّمونه كعرض؟ بمسرحية الأطفال، مسرحيتي، اعتزازاً بها وبجمالها

زاهي وهبي: إذاً، هذا الإصرار والشغف والجهد أثمر

د. عواطف نعيم: طبعاً

زاهي وهبي: تقريباً، منذ بداية مشواركِ في الإذاعة والتلفزيون تعرّفتِ على الفنان الأُستاذ "عزيز خيّون"

د. عواطف نعيم: نعم، كان طالباً في دراسته الجامعية في الفنون الجميلة وكنت أنا طالِبة في الدراسة الإعدادية للفرع الأدبي والتقينا

زاهي وهبي: منذ متى وأنتما معاً ما شاء الله؟

د. عواطف نعيم: منذ 45 سنة

زاهي وهبي: ويظلّ الحبّ 45 سنة؟

د. عواطف نعيم: أنا أحبه

زاهي وهبي: طمئنينا، فقط لنعرِف ونطمئِنّ على مُستقبلنا

د. عواطف نعيم: أنا أُحبه والله يا أُستاذ "زاهي" وأغار عليه وأرتجف عليه رجف الخلاخل من الغيرة وأنا في هذا العُمر، في الستين. أنا أُحبه

زاهي وهبي: وهو؟

د. عواطف نعيم: هو يُحبني، وإلاّ ما دامت عشرتنا 45 سنة، على الحلوة والمرة كنا سوياً في معاناة وفي مِحَن مرّت علينا

زاهي وهبي: وهذا الذي قلته للحقيقة، والتقيت معكما سوياً في أكثر من مُناسبة في المهرجانات العربية

د. عواطف نعيم: نعم

زاهي وهبي: دعينا نسمع الأُستاذ "عزيز خيّون"، المُخرِج والممثل المعروف وماذا يقول عن شريكة حياته، حضرة جنابِك

 

 

كلام يوصل

عزيز خيّون – مُخرِج وممثل: الحديث عن "عواطف نعيم" يُسبّب لي حالاً من الإحراج، ولكن أنا الآن أتحدّث بمسؤولية، ليس كزوج "عواطف نعيم" إنّما الإنسان الذي زاملَ هذه المرأة في كافة مراحلها سواء المرحلة الأولى أو حتّى المراحل الحالية التي أصبحت فيها اسماً عراقياً عربياً وحتّى عالمياً وبامتياز كامل. "عواطف نعيم" مع حفظ الألقاب، امرأة مسرحية بامتياز، ولكن كيف استطاعت أن تخلُق هذا التميُّز ككاتبة، مُخرِجة، ممثلة، ناقِدة مسرحية، وأكاديمية عراقية؟ حقيقةً في ظروف في غاية الصعوبة. حتّى أثناء إكمالها الدراسة كانت تُداوِم في معهد الفنون الجميلة مساءً وتدرُس في الأكاديمية صباحاً، وفي المعهد كانت الأُولى وفي الأكاديمية أيضاً كانت الأُولى علماً أنها كانت ربّة بيت ومسؤولة عن طفلين وعن زوج اسمه "عزيز خيّون". حتّى مشروعها المسرحي لم يكن ميسوراً، كان هناك الكثير من العصي تعيق حركتها كامرأة في سبيل أن تكون ضمن طموحاتها كإنسانة وبالتالي كمواطنة عراقية. رغم كلّ هذه الظروف الصعبة وظروف حربٍ بدأت منذ عام 1980 حتّى هذا التاريخ، لم تتوقّف "عواطف" إطلاقاً عن مشروعها المسرحي سواء على المُستوى المحلّي أو على مستوى العالم العربي أو حتّى العالمي. حقّقت الكثير من الإنجازات في هذا المشروع كتابةً وإخراجاً وتمثيلاً ونقداً وبحثاً مسرحياً. دكتورة "عواطف نعيم"، سؤالي الأول، إذا كنت معكِ أنا "عزيز خيّون" في تجربة مسرحية كممثل وأنتِ تقودين التجربة كمُخرِجة، كيف تتعاملين معي؟ هلّ تتعاملين مع "عزيز خيّون" كزوج لكِ أم هو ممثل مطلوبٌ منه أن يُجسِّد حالاً مسرحية؟ السؤال الثاني، أنت امرأة مسرح، كاتبة، ممثلة، مُخرِجة، ناقدة، وباحثة مسرحية وامرأة أكاديمية عراقية، هلّ منحكِ وطنكِ كما تطمحين وتتمنّين؟

زاهي وهبي: كلّ الشُكر للأُستاذ "عزيز خيّون"، تسمعينه بتأثر وهو يتحدّث عنكِ بخجل. ليس من السهل أن يتحدّث المرء عن زوجته أمام الملأ ويتجرّد من مشاعِره

د. عواطف نعيم: وأنا أعرِف طبيعته، يكون خجولاً عندما يكون الحديث عن شريكة حياته. عنده نوع من الخجل ولا يُحبّ أن يخوض في هذا المجال

زاهي وهبي: طبعاً نحن نشكره لأنّه أعطانا هذه المُداخلة. سؤالان، السؤال الأول كيف تتعاملين معه كممثل إذا كان يُمثِّل في عرضٍ تكونين حضرتك مُخرجته؟

د. عواطف نعيم: أولاً، طبعاً أنا أشكره على مُداخلته، بعد ذلك، أكثر الأعمال التي قدّمتها كمخرجة وكاتبة كان "عزيز خيّون" معي فيها كممثل وفي بطولة العرض المسرحي. طبعاً هذا تشريف لي أن يكون "عزيز خيّون" معي كممثل، لذلك أتعامل معه كممثل. ممثل مناطة به شخصيات مُعينة يجب أن يؤدّيها كما أتصوّر وأتخايل، لكن هو من الممثلين العنيدين ومن الصعب التعامل معه. يحتاج إلى جهد كبير حتّى أتعامل معه ليتمكن من أن يكون مطواعاً ويتقبّل الآراء لأنه أولاً مُخرِج، ثم هو ممثل له مكانته وله رأيه وأنا أحترِم هذا الرأي، لكن هو ممثل

زاهي وهبي: هلّ يغيب عن بالِك أثناء العمل، البروفات والتحضير

د. عواطف نعيم: لا يغيب عن بالي أنه فنانٌ كبير

زاهي وهبي: في أنه زوج؟

د. عواطف نعيم: لا، أبداً. هذه ليست لها علاقة، في البيت نحن زوجان لكن لا يغيب عنّي أنه ممثل كبير وفنّان واسم وله مكانته، وأعرف هو على أيّة درجة من البراعة والقدرة التي يمتلِكها حين يكون في أيّ تجلٍّ يتجلّاه عندما يكون في الشخصية، هذا لا يغيب عن بالي أمّا الأشياء الأُخرى فتغيب عن بالي

زاهي وهبي: نعم. على كلّ حال، العرض الذي شاهدته وقلت لكِ أنه لحضرتكِ كان هو

د. عواطف نعيم: كان اسمه " أنا أُفضِّل متى أبحث" من تأليفي وكان من بطولته، وأذكر حين نزِل في الماء في وقتِ كان الطقس بارِداً قليلاً لكن دوره كان يلزِمه في الماء، وأتصوّر أنني رجوته ألاّ ينزل لكن هو قال نحن نزلنا في الماء سابقاً ويجب أن ننزل هنا، فنزل في الماء وأدّى عملاً جيّداً

زاهي وهبي: على كلّ حال أنا أتحدّث عن عرض شاهدته منذ 12 سنة تقريباً أو أكثر

د. عواطف نعيم: نعم، في عام 2004 في "الفجيرة"، "مهرجان المونودراما"

زاهي وهبي: سألكِ السؤال الثاني وهو أنّه هلّ منحكِ وطنكِ (العراق) ما تطمحين إليه؟

د. عواطف نعيم: (العراق)، لو لم أكُن عراقية، لولا محبة الناس، لولا أن يؤمِن بي ويمهِّد لي الطريق أساتذة أفاضل من فنانين، من فِرق مسرحية فتحت لي أبوابها، لما كان من المُمكن أن أكون "عواطف نعيم". لكن أنا عندي عتب. عندما كنت في موقع حقيقةً هو موضعي، الموضِع الحقيقي الذي من اللازم أن أقود فيه، في مؤسسة فنية، كانت هناك عصي كثيرة في طريقي وكانت هناك حرب ذكورية خطيرة جعلتني أضطر إلى الانسحاب كيلا أخسر علاقاتي الطيبة. فهناك طُموح عندي كبير لم يُحقّقه لي الوطن وهو أن أكون في موضعي الذي أستحقه في القيادة وبما يليق بي من مكان

زاهي وهبي: على كلّ حال، لم يفُت القطار بعد، إن شاء الله نُشاهِدكِ في مواقع

د. عواطف نعيم: الآن، مع هذه الفوضى الموجودة الآن، لا

زاهي وهبي: نحتاج، نحتاج إلى كفاءات وإلى أصوات مُبدِعة مثل حضرتكِ. على المُستوى الإنساني سيّدتي قبل أن أتوقف مع استراحة، الارتباط الزوجي الذي أثمر أعمالاً كثيرة وشابتين سيّدتين، "نوار" و

د. عواطف نعيم: و"أيار"، الحمد لله

زاهي وهبي: هذان الاسمان للصبايا ملفتان للنظر

د. عواطف نعيم: "نوار" هو ورد

زاهي وهبي: طبعاً

د. عواطف نعيم: و"أيار"، باعتبار والدهنّ صاحِب فكر تقدّمي، شهر أيار له علاقة بالحزب الشيوعي والفكر التقدمي هذا فأسماها أيار، وكلا الاسمين جميلين لهما وأنا سعيدة بهما. إحداهما، "نوار"، مترجمة عن اللغة الإنكليزية Professional Montag، وهي الآن متزوجة وعندي أحفاد منها، بنت "جمال" و"فارس"

زاهي وهبي: الله يخليهما

د. عواطف نعيم: الله يحفظهما ويحفظك، وعندي " أيار" التي تُكمِل دراستها كمصمّمة أزياء وديكور في (أميركا)، والحمد لله والشكر، هذه نِعمة من ربّ العالمين أن رزقنا بهاتين البنتين

زاهي وهبي: ماذا أعطاكِ هذا الارتباط؟ وماذا أخذ منكِ؟ الارتباط بفنان ممثل ومُخرِج، أي كلاكما في الصنعة نفسها وتبيعان نفس البضاعة

د. عواطف نعيم: لكن بضاعتنا غير كاسدة، بضاعتنا متميّزة لأنها بضاعة فكريّة وجمعية ذات نوعية عالية

زاهي وهبي: لا ولو، لقد كنّا نتحدّث عنها الآن

د. عواطف نعيم: لكن لم تأخذ منّي وإنما منحتني. ارتباطي بالأُستاذ "عزيز خيّون" منحني الكثير لأنك قلّما تجد مثله في الشرق، صاحب عقلٍ متنوِّر يدفع بي إلى الأمام. هو كان يوصلني إلى الأكاديمية ويوصلني إلى المعهد وكان حائراً بي، وكان يعمل معي باستمرار وصمت وكان يتحمّل الكثير ويتنازل عن الكثير من حقوقه حتّى أكون وأتواصل وأُحقّق ما في بالي من طموح. عندما كانت رجلي مكسورة بعد أن عرضت عرض " مُسافر وزاده الخيال" في (عمان) وكُسِرت رجلي كسرين في نهاية ختام العرض المسرحي، كان المعين لي في دراستي لـ " الماجيستير" الأُستاذ "عزيز خيّون". كان يُحضِر الكتب ويُرسِل الكُتب ويرسلها للمطابع كي يطبعوها وأصحّحها ويعود يرسلها، وعندما قدّمت العرض على العكّازة واعتليت مسرح "الرشيد" كي أُقدِّم مسرحية "فوق" التي هي من بطولتي وبطولة زملائِه أيضاً كان معي وكان هو عكّازتي. قال لي، " اتركي العكازة لأنك ستدخلين إلى المسرح يا عواطف. عيب أن تظهري أمام الجمهور وأنتِ تمسكين عكّازة"، هو كان عكازتي. استندت عليه كي أُقدِّم العرض

زاهي وهبي: حلو أن يكون الزوج عكّاز زوجته

د. عواطف نعيم: طبعاً. اُستاذ "عزيز" صاحِب فضل كبير عليَّ للأمانة

زاهي وهبي: وهو من دفع حضرتكِ إلى الأمام، لكن هلّ حضرتكِ دفعتِ به إلى الخلف؟ 

د. عواطف نعيم: لا أبداً. أنا كنت معه في المقدمة، كنا سوياً

زاهي وهبي: لا، أنا أمزح طبعاً

د. عواطف نعيم: أنا أعلم أنك تمزح، لكن "عزيز" صاحب فضل كبير عليّ، كبير إنسانياً وفنياً وأخلاقياً ووطنياً، علّمني الكثير وتعلّمت منه، وأحببت فيه رجولته

زاهي وهبي: الله يخليكما لبعضكما البعض وتستمرّ هذه الشراكة

د. عواطف نعيم: الله يخلّيك

زاهي وهبي: اسمحي لنا أن نتوقّف مع استراحة سريعة ثمّ نُتابِع "بيت القصيد"  المحور الثالث:

زاهي وهبي: مُشاهدينا الكرام نُتابِع "بيت القصيد" مع الفنانة العراقية الشاملة، المخرجة، الممثلة، المؤلفة، الناقدة، الدكتورة "عواطف نعيم". "مسبّعَة الكارات" كما يقول المثل

د. عواطف نعيم: الحمد لله

زاهي وهبي: أليس مُربكاً هذا الأمر؟ ألا يُشتِّت هوية الفنان؟

د. عواطف نعيم: كلّه ضمن اختصاصي أُستاذ. كنت ممثلة ولا زلت أُمثِّل، هذا جزء من هواية وولع استمرّيت به، لكن الإخراج جزء من دراسة وولع أيضاً. عندما نجحت استمرّيت به وتواصلت. الكتابة همّي وهناك الكثير من الأفكار، هناك الكثير من الحالات التي أريد أن اكتبها على ورق وأُريدها أن تتجسّد على المسرح فألجأ إلى الكتابة. والأدب العالمي كثير وكبير وأنهل منه إنساني، والنقد مهمتي أيضاً كمُخرِجة، أن أكون ناقدة لعملي قبل أن يُشاهده الآخرون ويكون في أحضان

زاهي وهبي: وأنتِ ناقدة صادقة مع نفسك

د. عواطف نعيم: موضوعية، نعم. أنا ناقدة وأعرِف

زاهي وهبي: وهلّ أنتِ متساهلة مع نفسِك أم قاسية؟

د. عواطف نعيم: لا، أنا قاسية مع نفسي لأنني أخاف. فلتكُن القساوة منّي وليس من الآخرين. أكون أنا الناقِدة، أنا المُشاهدة، أنا العين التي تعرِف الثغرات والعيوب وتتلافاها قبل أن يأتي الآخر، لكي تكون ملكي وبين يدي وأعرِف كيف أتلافاها. لكن حين أرى عروضاً أُخرى لمسرحيين أكون أيضاً ناقدة موضوعية بعيدة عن التأثر والشخصنة

زاهي وهبي: قلتِ حضرتكِ في البداية، في "علامة فارِقة" أنه لم تكن هناك ممثلة ربما أو ممثل نموذج أو مثال أعلى تأثرتِ به، لكن بالتأكيد هناك أعمال، بالتأكيد كان هناك مناخ عام موجود في (بغداد) آنذاك

د. عواطف نعيم: مناخ ثقافي منفتِح وجميل، هذا هو الذي شجّعني. كنت حين أذهب إلى مسرح "الفنّ الحديث" كي أشاهِد العروض، أُشاهِد تلك القامات الكبيرة، وفجأةً بعد فترة أكون أنا مع هذه القامات الكبيرة، من أُستاذ " يوسف العاني" رحمه الله إلى الأُستاذ "خليل شوقي" رحمه الله إلى السيّدة الفنانة "زينب" رحمها الله، هذه القامات الكبيرة، إلى "قاسم محمّد" رحمه الله، أنا كنت أعمل معهم

زاهي وهبي: شاركت في تكريم السيّدة الفنانة "زينب" أو "فخرية عبد الكريم" اسمها الحقيقي دائِما أعود وأُذكِّر، أُقيم لها ولذكراها تكريماً

د. عواطف نعيم: وكنت أنا المتحدثة الرئيسية عنها، وأيضاً كنّا دائِماً نتحدّث عن أساتذة أفاضل كانوا أصحاب فضل علينا، درّسونا وعلّمونا، وأنا من حُسن حظّي أنني كنت أعمل مع عباقرة المسرح العراقي، من السيّد "إبراهيم جلال" إلى الأُستاذ "سامي عبد الحميد" إلى السيّد "عوني كرّومي" إلى الدكتور "صلاح القصب" إلى الدكتور "عقيل مهدي"، أسماء كبيرة في المسرح، إلى "قاسم محمّد"، أسماء كبيرة

زاهي وهبي: نعم. سنستمع إلى رأي من الدكتور "عقيل مهدي" ضمن هذا الحوار، ولكن الآن سنستمِع إلى رأي من (لبنان)، من الممثلة القديرة السيّدة "سميرة بارودي". نسمعها معاً في "كلام يوصل"

كلام يوصل

سميرة بارودي – ممثلة: الدكتورة "عواطف نعيم"، الويل لمن يقع بين يديها في المهرجانات المسرحية إذا كانت عضو لجنة تحكيم. إلى هذه الدرجة هي فنانة دقيقة، إلى هذه الدرجة حريصة، إلى هذه الدرجة هي مُبدِعة وتريد كلّ الذين يُشاهدونها وكلّ من هم حولها أن يشبهونها، وتتميّز أيضاً كممثلة "عواطف نعيم"، وهي كناقدة لاذعة جداً ومُهِمّة. دراساتها وأبحاثها الأكاديمية أيضاً لا يُستهان بها أبداً، نحن نتابعها ونرى ماذا تكتُب. عندما تكتب نقداً مسرحياً صدّقيني تكون مصيبة، مصيبة مئة في المئة. من وجهة نظري أجد ثورة داخل "عواطف نعيم" رغم كلّ هدوئِها، رغم كلّ رصانتها، رغم قلّة كلامها، فهي مقلِّة في الكلام. إنما حين تنظرين في عيني دكتورة "عواطف" تجدين ثورة في داخلها ووجعاً مقيماً، وجعٌ هو همّ المسرح، همّ المسرح العراقي والعربي بشكلٍ عام. نحن نريد أن نرتقب الحركة المسرحية، نريد أن نُقدِّم نصاً عربياً يقول شيئاً ما للمتلقّي، وأن يظلّ صريخنا وصوتنا عالياً كي تتعمّم الحال المسرحية على كلّ المُدن والأرياف. الدكتورة "عواطف" إذا شعرت أنّ "سميرة" بردانة تُنزِل لي جاكيتها وتأخذها لي على المسرح، حبيبة قلبي، حبيبة قلبي. هي أخت وأُم رغم أن أعمارنا ربما متقاربة إنما تُمارِس هذه الطقوس مثل الأُمومة والأخوة والزمالة، وعندها لها قيمة كبيرة جداً وربما نشبه بعضنا قليلاً في هذه الحال. أريد أن أقول لك أنّني مؤخراً أصبحت أعتذر كثيراً عن حضور المهرجانات لأنني أؤلَم كثيراً عندما أجد أكثر الذين يُشاهدون العروض المسرحية من الفنانين أنفسهم، الضيوف، وربما أوسع قليلاً لكن ليس كما يجب، لكن إلى متى؟  إلى متى دكتورة "عواطف" سنبقى نجد في هذه المهرجانات التي نُشاهدها أن الحضور يقتصر على الفنانين الضيوف؟ أين الجمهور؟

زاهي وهبي: جزيل الشُكر للسيّدة القديرة "سميرة بارودي"

د. عواطف نعيم: نشكُرها جزيلاً، وأنا سعيدة لرؤيتها لأنني منذ فترة طويلة لم ألتقها لأنها عازفة قليلاً عن حضور بعض المهرجانات وفي العادة المهرجانات تجمعنا. لكن أنا سعيدة وأشكرها على هذه الشهادة القيمة

زاهي وهبي: ربما حسنة المهرجانات الوحيدة أنها تجمع الناس ببعضهم

د. عواطف نعيم: ليس دائِماً، أحياناً بعض الناس الذين يغيظون أو بعض الناس الذين يخرجون عن خطّ المهرجان يُحيّدونهم

زاهي وهبي: يضعون عليهم فيتو

د. عواطف نعيم: يضعون عليهم خطاً أحمراً ويُبعِدوهم

زاهي وهبي: لكن كما أشارت السيّدة "سميرة بارودي"، كأنّ هذه المهرجانات صارت كقصة "جحا" وأهل بيته، كما نقول

د. عواطف نعيم: نعم، هناك فجوة يا سيّدي الأُستاذ، هناك فجوة كبيرة

زاهي وهبي: أين الجمهور؟

د. عواطف نعيم: لا يوجد جمهور، هذه مُشكلة. فعلاً هذا كان سؤال طرحته في أحد المهرجانات، أين الجمهور؟ نحن الحاضرون أنفسنا ضيوفاً آتين إلى المهرجان وجاهزين، لكن الجمهور المعني بالمسرح أينه؟ لماذا بعيد؟ عندما تأتي وتجد القاعة تحتوي على نفس الوجوه ونحن نتحدّث مع بعضنا ونذهب إلى الندوات الفِكرية مع بعضنا ونتحدّث، لمن يتوجّه هذا المهرجان؟ من هو؟ لأجل من؟ ما هي أهدافه؟ ما هي أهداف المهرجان إن لم يكن هدفه أن يُقدِّم ويُعلِّم ويُثقف الجمهور المتلقّي، أنما أسميهم المتلقّين. عندما يكون غائِباً فهذا يعني أنّ إحدى المُعادلات غابت عن حقيقة أهدافها

زاهي وهبي: وكأنه صار نوعاً من فلكلور رسمي سنوي

د. عواطف نعيم: أصبح السياحة المهرجانية يا سيّدي، بأمانة، أصبحت المهرجانات العربية عبارة عن مهرجانات سياحة، الوجوه نفسها تتكرّر وكلٌّ يُقدِّم ولاءاته، والولاءات تكون عن طريق الكتابات، احذر حدّك إذا حاولت أن تنتقِد. في إحدى المهرجانات في مكانٍ ما، وقفت وانتقدتُ مُناظرة وقلت، ما هذه المناظرة؟ لأن المسرح وافد، المسرح ليس عربياً ونحن نُحاول أن نؤصِّله. يا إخوان، المسرح وافد من الإغريق وأنتم تُنظّرون وتجرون مناظرات في ما بينكم عن أيهما أقدم في تقديم نصه المسرحي؟ يا إخوان المسرح وافِد وأنتم ضيّعتُم ثلاث ساعات من عمرنا ومن وقتنا في مُناظرة عقيمة، وهذا لا يليق بكم في المهرجان، وأعتقد أنه بعدها وضعوا عليَّ خطاً أحمر وقالوا أنّ هذه لا تأتي لأنّ لسانها طويل

زاهي وهبي: وأوجعت لنا رأسنا

د. عواطف نعيم: وأوجعت لنا رأسنا لذلك لا تحضرونها

زاهي وهبي: سيّدتي، من المسرح إلى الدراما التلفزيونية، وحضرتكِ قدّمتِ وشاركتِ في أعمال مُهمة ومُشاهدات داخل (العراق) على الأقل. لماذا لم تصل إلينا الدراما العراقية التلفزيونية كما وصلنا مثلاً المسرح والشِعر والغناء والنحت والتشكيل عموماً

د. عواطف نعيم: هذه فنون فرديّة يُمكن أن تحلِّق لوحدها وتكون موجودة وتكسر الحواجز. أنا أعتقِد يا سيّدي، واسمح لي أكون واضحة وليتحمّل الأخرون. أعتقد أنّ هناك نوعاً من حصار على (العراق)، الحصار لم ينتهِ عن (العراق)، الحصار الفنّي والثقافي لم ينتهِ وإنّما أصبح أعتقد ضمناً غير مُعلَن

زاهي وهبي: لم يُقبل بـ (العراق) الجديد بكلّ ما له وما عليه

د. عواطف نعيم: لا لم يُقبل حتّى سابقاً لم يُقبل، هناك حدود وهناك تحجيم للثقافة العراقية وللحضور العراقي، لكن الآن ازداد، عملية التحجيم والتهميش ازدادت. أنا أشعُر أنّ هناك منعاً ضمنياً غير مُعلَن من جهات مُعيّنة

زاهي وهبي: لماذا؟

د. عواطف نعيم: ربما بسبب الفِكر، ربما بسبب التوجّه الإيديولوجي، ربما لجرأة العروض المسرحية وكسرها لكلّ ما هناك من خطوط حمراء وتابوهات

زاهي وهبي: لا تزال

د. عواطف نعيم: لا تزال طبعاً وعلى العكس، لربما ما يمرّ الآن في (العراق) من مِحَنة جعلت دماءه مُراقة وثرواته منهوبة، نوع من الاضطهاد ونوع من مُحاولة تفتيته

زاهي وهبي: ألا توجد مسؤولية عراقية في هذا الموضوع؟ في الإنتاج التلفزيوني مثلاً هناك اليوم عشرات القنوات الفضائية العراقية

د. عواطف نعيم: تتحدّث عن قنوات فضائية لكن كلّها تابعة لأحزاب. لو فعلاً كلّ قناة عربية

زاهي وهبي: لكن هذه الأحزاب ألا يوجد عندها همّ ثقافي وإبداعي؟

د. عواطف نعيم: لا أعتقد أنّ عندها همٌّ ثقافي، همّها أن تُعلِن عن نفسها وعن ذاتها وأن تُهيّىء المواطن لانتخابات قادمة. أنا أعتقد لو كلّ فضائية عراقية حاولت أن تشتري عملاً عراقياً لربما كان بإمكان الدراما العراقية أن تتعافى. نحن بدأنا في سنة 2012 -2013 وكانت هناك نهضة للدراما ولأعمال عراقية متميّزة، لكن مع ذلك تشعر أنه فجأةً بدأ حصارٌ جديد. الدراما العراقية لا تُسوَّق، ليس لأنّ الدراما العراقية غير جيّدة كما يدّعي البعض، لا. ولكن ربما الأفكار فيها تُركِّز على حقبة مُعينة من تاريخ (العراق) السياسي وتؤكِّد عليه، وربما هناك أسباب ليست فنية بقدر ما هي فكرية يا أُستاذ "زاهي"

زاهي وهبي: هلّ الدراما التلفزيونية متوهِّجة وجريئة بجرأة المسرح؟

د. عواطف نعيم: نعم جريئة وجريئة. هناك أعمال كانت تمتلِك من الجرأة، وأنا كنت في مهرجان (الشارقة) وكان الكلّ يتحدّثون عن عمل تلفزيوني عراقي اسمه "باب الشيخ"، المدينة، مدينة الثورة، كان الحديث عنها وكان الحديث عن شخصيتي أنا بالذات، بائِعة البقلة "حميمة" التي أنا أُمثِّلها، امرأة الجنوب، وكان هناك حديث عن "رباب"، يتحدّثون عن مُسلسل اسمه "رباب" أثارهم ولفت نظرهم وتابعوه. هذه ميديا مفتوحة

زاهي وهبي: القنوات العربية، الفضائيات العربية

د. عواطف نعيم: لا تشتري الأعمال العراقية بينما (العراق) يشتري كلّ الأعمال العربية، حتّى الهابطة ويأخذها ويعرضها حتّى لو عَرَض رابع وخامس ويدفع فيها أموالاً كثيرة. لكن في المقابل، المحطات العربية لا تشتري، كما لو كان، أعود وأقول لك، كما لو كان هناك حصار ضمني واتفاق ضمني بين مجموعة من المؤسسات، ومجموعة من الأسماء، ليس فقط على الدراما العراقية وإنما حتّى على الشخصية المثقّفة العراقية، بمعنى "أبعِدوا فلاناً من المهرجانات ولا تجعلونه يأتي"

زاهي وهبي: وكأنما في الأمر قرار سياسي وكأنّ هناك خلفيات سياسية

د. عواطف نعيم: قرار سياسي أنا أعتقد، وجهة نظري، من وجهة نظري هناك قرار سياسي غير مُعلَن، للتحجيم

زاهي وهبي: هذا يُحيلنا إلى ما بدأنا به الحوار، الصورة النمطية لـ (العراق) المُكرّسة اليوم في الإعلام، التي هي صورة الحرب والدمّ والقتل، لا يُراد لـ (العراق) المُضيء أن يُرى

د. عواطف نعيم: المُعافى، صاحب الفِكر، صاحب الثقافة، صاحب الفنون، هذا (العراق) الذي فيه ألوان وتعددية والأطياف المتعدّدة التي فيه، كلّها لا يُريدونها، يريدون أن يسمعوا دائِماً أنّ فيه قتل وفيه موت وفيه جحيم وأنّ (العراق) لن ينهض ولن يعود، لكن أنا متفائِلة

زاهي وهبي: وهنا للحقيقة نحن في "بيت القصيد"، انطلاقاً من همٍّ عربي أشمل، نفتح الباب، وهو عملنا

د. عواطف نعيم: نُضيء هذه الجوانب أيضاً

زاهي وهبي: للمبدعين العراقيين في كلّ المجالات

د. عواطف نعيم: أنا أشكرك، أنا حقيقةً أشكُرك

زاهي وهبي: عفواً، هذا واجبنا

د. عواطف نعيم: لا، أنا أشكركم، على العكس. أنا أعتبر أنّ كلّ نافِذة تُفتَح لأيّ عراقي، أية ثقافة، لأيّ صاحب إنجاز هو نوع من وحدة

زاهي وهبي: الشمس لا تُحجب بغربال أليس كذلك؟ وإن شاء الله شمس (العراق) المبدِع تبقى مُضيئة

د. عواطف نعيم: مُضيئة بعون الله

زاهي وهبي: لو سمحتِ، نتوقّف مع استراحة أخيرة ثمّ نأتي إلى القسم الأخير من "بيت القصيد"

المحور الرابع:

زاهي وهبي: مُشاهدينا، وصلنا إلى القسم الأخير من "بيت القصيد" مع الفنانة العراقية القديرة الدكتورة "عواطف نعيم". دكتورة، ربما نستمع إلى آرائِك في مسائِل متعدّدة كمُثقفة، كمُخرِجة، كناقدة، ولكن كممثلة لديكِ طريقة مُميّزة في الأداء، حسب بعض النقّاد، تمزِج بين الكوميديا والتراجيديا. هلّ هذا الأمر هو جزء من شخصيّتكِ؟ هو بالفِطرة، بالعفوية؟ أم هذا أمر واعٍ ومدروس ونتيجة خبرة أكاديمية وتجارُب؟

د. عواطف نعيم: بالتأكيد، لا بدّ وأن تلعب الخِبرة دورها والدراسة والصقل، ولكن أنا أعتقد هي بالفِطرة عندي، أنا أمزِج ما بين الكوميديا والتراجيديا بشكلٍ عفوي وتلقائي. هذه ميزة عندي في الأداء انتبه عليها الكثير من الأساتذة ونبّهوني عليها وكانوا جداً معجبين بها. هذه، قلّة من الممثلين، ندرة من الممثلين يتمتّعون بها، لكن أنا أعتقد أنّ هذه نِعمة من ربّ العالمين، فصقلتها وطوّرتها وأنضجتها من خلال الخبرة والعمل والتعامل واستمرارية العمل

زاهي وهبي: نضوجكِ في المسرح، سواء كمُخرِجة أو كممثلة أو حتّى كمؤلِّفة لبعض الأعمال، كم هذا ساعدكِ وأسعفكِ في عملكِ أمام الكاميرا، أي في العمل التلفزيوني الذي تختلِف شروطه وتقنياته عن العمل المسرحي؟

د. عواطف نعيم: أنت تعلم أنّ أقسى وأصعب مواجهة هي مواجهة الجمهور في المسرح. في المسرح لا فُرصة لديك في الإعادة حين تُخطئ، أنت والجمهور والعلاقة الحميمة بينك وبينهم. هم يرونك، أنت مرئيّ وتحسّ بأنفاس الجمهور في بعض الأحيان، خاصّةً إذا

زاهي وهبي: والأدرينالين يكون في الذروة

د. عواطف نعيم: طبعاً، في أعلى توهّجه، لكن هذه كلّها ذليلة الصعاب أمام الكاميرا. في الكاميرا عندك مجال لأن تعيد وتتوقّف وأن تُراجع نفسك، لربما لا يُعجبك الأداء ويمكنك أن تطلب من المُخرِج بشكلٍ لطيف أن يعيد لك المشهد لأنه لا يُعجبك ولربما تؤدّيه بشكلٍ أفضل، لكن في المسرح لا. لذلك المسرح صاحب فضل علينا وهو علّمنا كثيراً. حتّى في الإذاعة، الإذاعة صقلت لك صوتياً كيفية تحميل المشاعر الداخلية لكي يكون الصوت معبراً وغنياً ومؤثراً. فهذه أيضاً وظّفناها بشكلٍ جميل على خشبة المسرح

زاهي وهبي: كتبتِ الكثير من المُسلسلات الإذاعية والبرامج الإذاعية، هلّ لا تزال الإذاعة اليوم مُغرية للفنان؟ ونحن نعلم أنّ نجوم السينما ونجوم التلفزيون في (مصر) مثلاً مُعظمهم قدّموا في الإذاعة أعمالاً خالِدة

د. عواطف نعيم: هي موجودة لحدّ الآن

زاهي وهبي: لا تزال مغرية

د. عواطف نعيم: لا تزال، أنا تركت (بغداد) بعدما سجّلت ثلاثين حلقة، أنا والأُستاذ "عزيز" ومجموعة أُخرى سجلنا ثلاثين حلقة خاصة وكتبت ثلاثين حلقة أكملت منها 25 وأبقيتها في البيت حتّى حين أعود أكمِلها وأُسلِّمها. لذلك، أنا الإذاعة أُحبها. إذا مرّت فترة طويلة من دون أن أدخل الإذاعة وأقف أمام الميكرو وأتكلّم وأُعبِّر وأُمثِّل أشعُر بألم وأُعاتب المسؤولين هناك. في مرة قلت لهم، لماذا الإذاعة ميتة، يجب أن تشتغِل، الإذاعة أساس مُهِمّ لذلك أنا لم أتركها ولم أُغادِرها، وعلى فِكرة، أنا أُحبّ أيضاً الدبلاج الصوتي، جداً أُحبّه

زاهي وهبي: لماذا؟

د. عواطف نعيم: دبلاج الأطفال، كارتون الأطفال كنّا في فترة مع الدكتور "عوني كرّومي" نُقدِّم أعمالاً كثيرة للأطفال وندبلجها، أعمال عالمية، وكنّا سعداء بهذه الدبلجة. نُقلِّد الأصوات ونختار شخصيات نُقدِّمها عبر الصوت. هذه أيضاً أُحبّها والآن نفتقدها في (بغداد)

زاهي وهبي: لو سمحتِ لي، ذكرتِ قبل قليل أحد أساتذتكِ الذي هو الدكتور "عقيل مهدي"، وهو عميد "كليّة الفنون الجميلة"

د. عواطف نعيم: ومُدرِّس جميل لعلم الجمال، أحببني بعلم الجمال بطريقته الجميلة في التدريس

زاهي وهبي: دعينا نسمع حضرة جنابه وما يقوله عن حضرتكِ

 

كلام يوصل

د. عقيل مهدي – عميد كلية الفنون في بغداد: أنا طبعاً عرفت الممثلة الفنانة "عواطف نعيم"، وفي رأيي نقاط القوة عند هذه الفنانة المُبدعة العراقية هي في ثقافتها اولاً وفي موهبتها، وأيضاً في علاقاتها الاجتماعية لأنها تنظُر إلى العالم من منظار إنساني ومنظار إبداعي. اقتحمت مجال الإخراج، والإخراج عادة يكون ذكورياً، فالنسوية ربما تعمّقت لديها في مشروعها، في إبداعها، في ما قامت به من عروض بحيث كبار الممثلين انخرطوا معها في هذه التجارُب وهُم أيضاً استقبلوا أن تكون واحدة من بين النساء الفاضلات اللواتي اشتغلنَ في المسرح العراقي، و"عواطف" هي واحدة من المُتقدِّمات بين زميلاتها لأنها كتبت ولأنها مثّلت ولأنها أخرجت، فضلاً عن أنّ كتاباتها لا تقتصر على المقالات إنما هي باحثة أكاديمية، ولي شرف أنّ درّستها في دراساتي الأولية والعليا في كلية الفنون الجميلة وكنت أُستاذها في علم الجمال. كاتبة نقد مُحتَرم وأيضاً باحثة لأنها أكاديمية، وأيضاً ربما من أهمّ الأعمال التي أتصوَّر أنها ستبقى في الذاكرة، مثلاً " الضوء على حياة يومية"، أيضاً "نساء لوركا"، "ليلة عشق بغدادية" التي هي طبعاً أخذتها من كبار المؤلفين. أسأل مبدعتنا "عواطف نعيم"، والسؤال هو ما الذي أضافته إلى الحركة النسوية المسرحية إخراجاً أو بُعداً إخراجياً في تجربة المسرح العراقي؟

زاهي وهبي: الشكر الجزيل للدكتور "عقيل مهدي"، تفضّلي

د. عواطف نعيم: شكراً لأُستاذي الدكتور "عقيل مهدي" الذي درّسني وعلّمني وكان صاحب فضلٍ عليّ. بالنسبة إلى سؤاله، أعتقد أن العمل الإبداعي حين يُقدَّم يترك أثره، والأثر تشعُر به من الكتابات النقدية التي تقيّمه والتي تضعه في موضعه، وأعتقد أنني قدّمتُ أعمالاً مسرحية اهتمّت بطرح قضايا مُهمة وخَطِرة فكرياً تخصّ الشعب العراقي والمُجتمع العراقي، وأيضاً كنتُ مُشاكِسة في هذه العروض وكنت مجدّدة. لم أكن تقليدية في العمل على السينوغرافيا، العمل على أداء الممثل، العمل حتّى في اختيار الفِكرة وتقديمها. أنا عندما قدّمت "دارة العشق البغدادية" التي أخذتها من دارة الطباشير القوقازية وأسقطتها على واقِع عراقي وخاطبتُ بها العراقيين كنت جريئة في تقسيم خشبة المسرح بشكلٍ جديد واستخدام الشاشات، أن يُنقَل الحدث من وجهات نظر متعدّدة عبر الشاشات وتُسقَط على الشاشات المُعلّقة، وكان هذا جديد في المسرح العراقي. العمل الذي قدّمته في "نساء لوركا" هو تصدّي المرأة للمرأة وجمعت فيه كلّ نساء "لوركا" الثائرات في نصوصه وأدخلتهن في نصٍّ جديد كتبته وجعلتهن في صِدام من أجل حريتهن. أيضاً الكثير من الأعمال قدّمتها

زاهي وهبي: كيف تجدين تفاعل المُتلقّي العراقي مع هذه الأعمال؟

د. عواطف نعيم: تفاعلوا كثيراً مع الأعمال والدليل أنني أحتكِم للتجربة. مثلاً "نساء لوركا" زرنا بها وقدّمناها في الأرض العراقية ودعينا إلى (ألمانيا) ومن (ألمانيا) إلى (هولندا) وبعدها (الجزائِر) ثمّ (تونس)، ودعتنا (القاهرة) لكن لأسباب خاصة وإنتاجية لم نتمكّن من الوصول إلى (القاهرة). لكن الأعمال التي قدّمتها دائِماً عندما أكون داخل الأراضي العراقية يكون التفاعل الجماهيري كبيراً معها. أسمع كلمات وتأتيني رسائِل أو تُكتَب كتابات في الصحف العراقية تقيِّم كلها، وهناك الكثير من الأُطروحات في رسائِل الدكتوراه والماجيستير تناولت أعمالي، والكثير من الأُطروحات في رسائِل الدكتوراه تناولتني أنا كمُخرِجة مُجدّدة في المسرح العراقي، وهذا طبعاً شرفٌ لي

زاهي وهبي: والمتلقي، المشاهد، المتفرّج يتقبّل ويتفاعل مع الجرأة في طرح الموضوعات

د. عواطف نعيم: نعم

زاهي وهبي: مع الإشارة إلى مكامن الخلل في حياته العامة

د. عواطف نعيم: أنا أُعبِّر عن ضميره سيّدي، عندما أعتلي خشبة المسرح في عرضٍ مسرحي أنا أُعبِّر عن أفكاره. ما يخشى أن يقوله أنا أقوله على خشبة المسرح، ولربما هذه تُحسَب لي. من لا يجرؤ على رفع صوته أنا أرفع صوتي هناك على خشبة المسرح. في أغلب الأعمال التي قدّمتها لم أُقدِّم عملاً لم يكُن مُشاكساً وبه قضية وبه مساس

زاهي وهبي: وهذا دور الفنان الحقيقي. لديكِ مُشاركات سينمائية مُهمة ولكنها قليلة، ربما بحجم قلّة الإنتاج السينمائي. كيف حال السينما العراقية؟

د. عواطف نعيم: لا زالت السينما العراقية متواضعة في حركتها. هناك بعض الشباب الممتازين الذين يحاولون أن يُحرِّكوا السينما. أنت تعلم أنّ النتاج السينمائي كان لا يزيد ربما عن مئة فيلم سابقاً والآن  ما زال هناك عدد من الأفلام لكن هناك الآن مخرجون يحاولون أن ينهضوا بالسينما وأنت تعرِف أن السينما هي إنتاج في الدرجة الأولى

زاهي وهبي: طبعاً

د. عواطف نعيم: من اللازم وجود مورد مادّي يكون دائِماً لهم، فهناك أسماء في الحقيقة مصدر فخرٍ لنا وسعادة منهم، "عدي رشيد" و"محمّد الدرّاجي" و"رعد المشتت" و"علي حنّون"، أسماء كثيرة

زاهي وهبي: كلّها أسماء مرموقة ومعروفة

د. عواطف نعيم: مرموقة مثل الأُستاذ " محمّد شكري جميل" و"عبد الهادي الراوي" وأسماء أُخرى كثيرة قد لا تحضرني الآن

زاهي وهبي: السؤال الذي يخطُر في البال هو أنّ المأساة العراقية، التراجيديا العراقية المُستمرة منذ عقود

د. عواطف نعيم: ولا زالت مُستمرة

زاهي وهبي: لا زالت للأسف مستمرة

د. عواطف نعيم: خزين من حكايا كثيرة

زاهي وهبي: بإمكانها أن تكون معيناً للفنّ وللسينما وللدراما وللرواية وللمسرح

د. عواطف نعيم: نعم، خزين يمكن أن تنهل منه وما زال هناك الكثير

زاهي وهبي: (أميركا) ما زالت إلى اليوم تُنتِج أفلاماً عن حرب (فيتنام)، اليوم، بعد أربعين سنة

د. عواطف نعيم: لكن نحن نحتاج يا سيّدي إلى الدعم المادّي. عندما تقول لك الدولة " نحن نتقشف" وتقول لك " ليس عندنا"، وتبدأ تأخذ من رواتب المتقاعدين وتأخذ من رواتب الموظفين حتى أنها مدينة لبعض الجهات المعينة، أنت كيف يُمكنك في الأعمال الفنية التي حتّى تخرُج مُعافاة لا بدّ من دعمها. الأعمال الدرامية العراقية الآن تشكو من شحّة المادة. هناك نصوص، هناك طاقات

زاهي وهبي: رغم الثروة العراقية الهائِلة

د. عواطف نعيم: رغم الثروة العراقية الهائِلة لكن مع ذلك هناك شكوى وهناك تقشُّف، وهذا التقشّف دائِماً يكون على الفنون والثقافة، وهذه الشماعة حاضرة، " لا يوجد عندنا، أجِّلوا". إلى متى سنظلّ نؤجِّل في مشاريعنا والعمر هو كم سنة كي تظل تؤجّل مشاريعك؟

زاهي وهبي: أتعلمين؟ نحن العرب عشنا، جيلي مثلاً، منذ أن ولدنا إلى اليوم لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. بحجّة المعركة يُهمَل كلّ شيء آخر، واسكتوا، ممنوع أن تتكلّموا

د. عواطف نعيم: يقول لك "هذا ثانوي، الثقافة الآن ثانوية، الفنون ثانوية، ماذا يعني أن تتحدّث عن عرض مسرحي؟ ما هي الدراما؟ "

زاهي وهبي: ونتخلّف ونتأخّر لأنّ الثقافة مُهملة

د. عواطف نعيم: نعم، الثقافة مُهملة ومتعمَّد إهمالها وأعتقد أننا نحتاج إلى ثورة ثقافية ونهضة فنية، وهذه من اللازم أن يكون للدولة، بثقلها، أن تكون لها يد مانحة وداعمة ومؤيّدة ومُساندة كي تنهض هذه الفنون

زاهي وهبي: طبعاً. ليت صوتكِ يصل إلى مسامع المسؤولين العراقيين

د. عواطف نعيم: من اللازم أن يصل سيّدي، هذه صمّامات أمان. كي تحفظ وطناً وتحفظ لحمته وتخلِق روح المواطنة عليك أن تثقِّف وتوعّي وتنوِّر من خلال الدراما

زاهي وهبي: دكتورة "عواطف نعيم" نلتِ حضرتكِ عشرات الجوائِز كمُخرجة وكممثلة، وتكريمات كثيرة في (العراق) وخارج (العراق)، في الوطن العربي وفي مناطق في بلدان كثيرة في العالم. هلّ تشعرين بالرضى؟ بالإنصاف؟ في أنّ هذا الجهد الذي بذلتِه على مدار عُمرٍ كامل هناك من قدّره وانتبه إليه؟

د. عواطف نعيم: لا يا سيّدي، أكون كاذبة إذا قلت لك بأنني أشعُر بالإنصاف. هناك أشخاص ومؤسسات أنصفتني، هناك جهات خارجية أنصفتني وقيّمتني، (الجزائِر) قيّمتني قبل (العراق)، (تونس) قيّمتني قبل (العراق)، (مصر) قيّمتني

زاهي وهبي: في مُعظم المهرجانات المسرحية العربية نلتِ جوائِز حضرتك

د. عواطف نعيم: نعم، قبل (العراق)، لكن (العراق) دائِماً حتّى عندما يُقيِّمنا، هناك استكثار علينا في هذا التقييم، يستكثر علينا التقييم

زاهي وهبي: "لا كرامة لنبيٍّ في قومه"

د. عواطف نعيم: في وطنه وهذه مُشكلة. وليس أنا فقط، هناك الكثير من الفنانين المُجاهدين المناضلين الرائعين الذين بذلوا شبابهم وعُصارة جهدهم من أجل مسرح عراقي ودراما عراقية، لكنهم لم يُقيّموا بما يستحقون من تقييم. لستُ وحدي، هناك معي آخرون. لذلك، ما كنت أطمح إليه وما كنت أتمنّاه من الذي لم تحقّقه المؤسسات الثقافية والحكومة العراقية لي إنما حقّقه لي الناس البُسطاء الكادحين العاملين

زاهي وهبي: سيّدتي لك طبعاً طول العُمر إن شاء الله والمزيد من العطاءات. نحن الليلة في هذا الحوار أحببنا أن نُقدِّم تحية لحضرة جنابِك

د. عواطف نعيم: أشكرك

زاهي وهبي: من خلال الشهادات التي قُدِّمت ومن خلال الأسئِلة التي طرحناها على حضرتكِ. نُحمّلكِ سلامات كثيرة إلى الأُستاذ "عزيز خيّون"، إلى الدكتورة "إقبال نعيم"، إلى أهل الإبداع العراقي جميعاً وإلى العراقيين

د. عواطف نعيم: أشكرك

زاهي وهبي: وشرَّفتِ ونوّرتِ "بيت القصيد"

د. عواطف نعيم: أشكركم على هذا البيت الجميل العامر إن شاء الله بأصحابه. وأشكركم متصلة بتحية

زاهي وهبي: الله يخليكِ، شكراً. سُعِدنا بلقائك. شكراً طبعاً لفريق العمل، لمُخرِج البرنامج "علي حيدر"، لمنتجة البرنامج "غادة صالِح"، لمُشاهدينا في كلّ أنحاء العالم نلتقيكم الأُسبوع المقبل بخير بإذن الله  

برامج أخرى

10 حزيران 2012

تصفح المزيد