البطريرك ميشال صباح
نص الحلقة
<h1> </h1>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: مساؤكم فلسطيني.</p>
<p>سأقرأ لكم رسالة تعود إلى عام 2013، رسالة صلاة كتبها البطريرك ميشال صبّاح إلى الله من الناصرة قائلاً: <br /> "اللّهم كل بلداننا العربية في صعاب، ارعَها واحمِها وأبقِ الإنسان فيها إنساناً والمؤمن مؤمناً، واجمع بين قلوب المسيحيين والمسلمين". <br /> تضرّع البطريرك صبّاح إلى الله أن يحفظ مصر وسوريا والأردن وفلسطين والعراق ويمنح أهلها السلام والأمان. وصلّى للمسلمين قائلاً: <br /> "اللّهم احفظ المسلمين كلهم واحمِهم وانصرهم بمحبتك. اللّهم أبقِ الإنسان إنساناً والمؤمن مؤمناً". <br /> أتجدون مقدمة أبهى وأجمل من صلاة بطريرك اللاتين السابق في القدس وفلسطين والأردن؟ المتضلّع المتبحّر في لاهوت المحبة المسيحي وفقه التآخي الإسلامي والباسِق باللغة العربية والذي لم يستطع احتلال أو ترهيب ليّ قناعته خلال ستين عاماً من رعويته.</p>
<p>صاحب الغبطة، أهلاً بك في "أجراس المشرق".</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: أهلاً وسهلاً بك، أهلاً.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: صلوات، دعوات، ابتهالات، تضرّعات، طيلة السنوات الماضية لم تُثنِ الإسرائيلي عن انتهاك فلسطين والمقدّسات، ولا الأميركي عن بيع هذه القدس إلى الإسرائيلي. هل نقاتل بالصلاة فقط يا سيّدي؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: الواقع أنّ الإنسان المؤمن بإنسانيته والمؤمن بالله يقاتل بصلاته، نعم. يسأل الله أن ينظر إلى خليقته التي خلقها للمحبة، لتعارف وتحابّ وليس للحرب. ومن ثم بداية مقاومتنا ونهايتها هي صلاة، هي وجودنا أمام الله. ولا ننسَ أننا أمام الله ونتعامل معه --سبحانه وتعالى-- وأنه سيّد التاريخ. ونعلم أنّ تاريخنا ليس دائماً بيد الصالحين. هي بيد الله، ولكن هذا سرّ الله، نحن لا ندركه. إلى متى أو متى يأتي زمن الله، حيث يدخل ‑‑سبحانه-- في تاريخنا، حيث يلهم الكبار في هذا العالم، يلهمهم عدلاً ومحبة ويحوّلهم عن الحرب إلى السلام، هذا سره –تعالى-- لا ندري متى. إذاً مقاومتنا هي صلاة، وصلاتنا هي كذلك مقاومة. أعني كل عمل إنساني ممكن لتصويب الأوضاع. الأوضاع التي نحن فيها في الأرض المقدّسة، والآن أصبحنا في هذه الأوضاع منذ مئة سنة. هذا العام، بعد 1917، هو مئة سنة من الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والعالم العربي وإسرائيل. والذين يتولّون هذا التاريخ والذين صنعوه طبعاً هم الإسرائيليون، وهي السياسة الغربية الأوروبية والأميركية، وهم أيضاً الفسطينيون والعالم العربي. وهؤلاء الذين تولّوا هذه السياسة، ولا سيما السياسة الغربية، تولّوها وما زالوا يتولّونها ويصنعونها حرباً، لا يريدون أن يروا ما هو عدل، الآن بعد مئة سنة. قبل مئة سنة كان الوضع مختلفاً. قبل مئة سنة كان هنا شعب واحد، شعب فلسطيني، فيه اليهودي الذي بقي في هذه البلاد أجيالاً، جيلاً بعد جيل. وكان فيه المسيحي والمسلم. وكله فلسطيني ويعيش بسلام وأمان في النظام الذي كان.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: أنا لا أريد أن أقاطعك، ولكن لضرورة الحوار. أنت كاهن منذ عام 1955. شهدت احتلال القدس عام 1967، شهدت آلام ومعاناة ستين سنة ونيف للإنسان الفلسطيني. عشت معه، بقيت معه، كنت بطريركا لكل الفلسطينيين. ما الطريقة التي يفهم بها هؤلاء الكبار؟ تقول كبار في العالم، مَن جعلهم كباراً؟ ما الطريقة التي يفهم بها الإسرائيلي أنّ هذه الأرض ليست له؟ ويفهم بها الغربي أنه يبيع أرضاً لا يمتلكها؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: صحيح. الطريقة هي طريقة الكلام، الكلمة، الكلمة الواضحة بالأسلوب والطريقة اللازمة حتى يوصل المعنى ولا سيما إلى صانعي السياسة في الغرب، وكذلك إلى الإسرائيليين كلمة واضحة وبالأسلوب الذي يصل إلى أذهانهم. صحيح أنّ هذه الكلمة الواضحة الفلسطينيون قالوها واستعملوا الأساليب التي توصل الكلمة، ولكنّ الكلمة لم تصل. فلجأ الفلسطينيون إلى الأساليب التي تستعملها إسرائيل؛ أعني مواجهة الإنسان للإنسان، أعني القتال. عندما تُفرض الحرب على إنسان، لا بد للطرف الآخر من أن يجيب بالأسلوب نفسه وباللغة نفسها. ومن ثم أرجع وأقول: بداية مقاومتنا صلاة وصلاتنا مقاومة، وصلاتنا كذلك هي مسيرة على طرق هذه الأرض، ونتكلّم بلغة الله ولكن نتكلّم أيضا بلغة هذه الأرض. فإن كان الإسرائيلي يقتل فلا بد من أن يواجهه الفلسطيني بالعنف نفسه. إن كان لا يريد أن يفهم الكلمة فلا بد من ضغط عليه. هذا ما حصل حتى الآن. ولكن بسلوكهم هم، طريق العنف والحرب، لم يصلوا إلى ما يريدون حتى الآن. هم أنشأوا الدولة، ولكنهم ما زالوا يعيشون في الخوف من الفلسطيني ومن العالم العربي. هم يريدون السلام، حتى الآن يقولون إنهم ليسوا بسلام وإنّ أمنهم غير مضمون، على الرغم من كل قوّتهم الجبّارة. دليل أنّ العنف الذي لجأوا إليه، طرق العنف لا تؤدي إلى السلام. وكذلك من الجهة الفلسطينية، اللجوء إلى العنف لم يؤدِّ إلى شيء. أدّى بنا إلى أن نخسر كل شيء.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: إذاً نحن أمام استعصاء في السمع. السيّد المسيح يقول: "مَن له أذنان للسمع فليسمع." يبدو أنّ الإسرائيلي من دون أذنين أو قد سدّهما. قلتَ قبل أيام: فليصرخ ترامب ما يشاء. القدس ستبقى فلسطينية. لكن، كما لاحظنا، لتصريح ترامب تداعيات. هذه التداعيات، هو يهدّد دولاً، وقلت إنه من الكبار، الكبار الذين يحكمون العالم، يهدّد دولاً في الأمم المتحدة، والسلطة الفلسطينية وضعت كل أوراقها بيد أميركا. هذا المأزق كيف يمكن الخروج منه؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: هذا المأزق، السلطة الفلسطينية خرجت منه. بعد تصريح ترامب قالت: أميركا هي إسرائيل، هي طرف. خرجت من مأزقها. لم تعد في المأزق أنّ كل الأوراق بيد أميركا. ولهذا استعادت أوراقها ووضعتها في هيئة الأمم. والأمم قالت كلمة حق. قالت: القدس الشرقية، القدس فلسطينية. واستنكرت تصريحات السيّد ترامب. ومن ثم نحن خرجنا من المأزق. المأزق الواقع هو متى إسرائيل وأميركا يفتحون عيونهم وأذهانهم حتى يروا أنّ العنف لا يفيد. هم يسيرون في منطق العنف. العنف الذي دمّر كلّ الشرق الأوسط وليس فقط فلسطين. هذا هو المنطق الذي تبعوه حتى يُخضعوا الشرق الأوسط كله وحتى تتمكن إسرائيل من أن تبقى في مكانها. ومع ذلك، مع كلّ العنف الذي استعملوه، نعم، أحدثوا ملايين الموتى والمهجّرين. دمّروا العراق وسوريا ومصر، والآن يدمّرون العربية السعودية وكلّ البلدان العربية. أنا أتحيّر كإنسان، وهم كبشر وكرؤساء دول كيف لا يفهمون، كيف لا يستخلصون العبر من التاريخ مما صنعوا ومن ثمار ما صنعوا أنّ العنف لم ينجح معهم ولم يوصلهم إلى ما يريدون. لم يوصلوا إسرائيل حتى اليوم إلى السلام. إسرائيل قوية قوية.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: مسيحياً يقال: من ثمارهم تعرفونهم. مئة سنة، هذه هي ثمارهم يا صاحب الغبطة. ولكن في الموضوع الفلسطيني، أنت قلت إنّ السلطة قد خرجت. ولكن ها هي السلطة تخرج من مأزق إلى مأزق آخر. كانت قد وضعت كلّ الأوراق في سلّة الأميركي، ها هي تبحث عن راعٍ جديد لمفاوضات السلام، فيما الناس يخرجون يومياً للتظاهر. هل في الغرب راعٍ محايد لأية عملية سلام في المشرق يا صاحب الغبطة؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: أريد أن أقول عن السلطة الفلسطينية كلمة واحدة.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: تفضّل.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: كيانها في مأزق. هي وضعت نفسها بيد العدو. هذا هو وضع السلطة. ولهذا أنا أقول إنّ السلطة الفلسطينية هي شهيد حيّ، كلهم، مهما كانوا وكيفما كان أداؤهم، أصحاب السلطة في فلسطين والموجودون في فلسطين موجودون بيد الأعداء. ومن ثم هذا هو المأزق الحقيقي. سندهم هو أن يجدوا في العالم، بين شعوب العالم مَن يرى الحق ومَن يسندهم. وفي أوروبا قد يجدون، قد يجدون، ولكنّ المشكلة أنّ الشعوب الأوروبية كلها تعلم تماماً ما هو الحق، تعلم تماماً ما هو الحق الفلسطيني: شعب في أرضه، في بيوته، هُجّر من بيوته وقُتّل وإلى آخره، يعرفون أنه حق له أن يبقى في وطنه وبلده وبيوته. ولكنهم خائفون من أن يتّخذوا الإجراءات اللازمة. لماذا خائفون؟ هذا هو السؤال. العالم في حال خوف. نحن في فلسطين في حال مقاومة، في حال استشهاد، في حال عذاب يومي، وكذلك السلطة نفسها على مستواها، والعالم في حال خوف. العالم يعرف، القوى الأوروبية كلها تعرف ماذا يحقّ للفلسطينيين، كلهم يعرفون أنّ القدس الشرقية فلسطينية.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: هل البشرية مخطوفة حتى هذه الدرجة يا صاحب الغبطة؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: الواقع أنّ الدول الغربية، أوروبا الغربية، السياسة، القوى السياسية في أوروبا وفي أميركا هي قوى ليست حرّة. يقولون: نحن بلاد الحرية، ولكنهم محرومو الحرية. لو كانت حريتهم بيدهم لاتّخذوا الإجراءات اللازمة لما يرونه خطأ ولما يرونه حقّاً. والحق الآن أصبح أنّ إسرائيل يجب أن تكون لها دولة. والفلسطيني نفسه اعترف بإسرائيل ولها دولة وعلى معظم المساحة الفلسطينية القديمة.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: وهل هذا مقبول؟ هل هذا مقبول؟ ألا يمكن اختراع وسائل نضالية جديدة؟ أنت تكلّمت أحياناً على وسائل نضالية.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: التاريخ يصحّح نفسه. ليس من الضروري أن تبدأ حرب جديدة الآن لنقول إنّ فلسطين كلها فلسطين ولا ذرّة تراب فيها لليهود. هذا كلام بلاغة وشعارات. إنما أمامنا واقع لا شعار. أمامنا شعب ودولة ودولة قوية واستقرّت في الـ78 بالمئة من أرض فلسطين، وأصبح هذا واقعاً دولياً، وفلسطين اعترفت به، وفلسطين تطالب الآن بـ22 بالمئة، وإسرائيل ترفض الـ22 بالمئة. هذه هي المشكلة. هذا هو الرفض الذي يحتاج إلى مقاومة وإلى أساليب مقاومة، منها المقاومة الشديدة. ولكن كما قلت، أنا لا أؤمن بالعنف لأنه حتى الآن بعد مئة سنة لم يؤدِّ بنا إلى شيء مطلقاً.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: ولكنهم آمنوا هم بالعنف ونفّذوا ما أرادوا وأخذوا 80 بالمئة من فلسطين.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: أنا معك. هم آمنوا، وهم ساروا في طريق القتل وطريق الجريمة، ويجب ألّا أنجرّ أنا إلى طريق الجريمة. هناك طرق أخرى. إن اشتعلت حرب بشكل رسمي فالجهتان تنزلان إلى الحرب، والحرب تحلّ المشكلة من جديد، إمّا تهزم القوي وإمّا تهزم الضعيف مرة أخرى. أما ما زالت ليست هناك حرب رسمية فأنا أقول إنّ قوة الفلسطيني هي في السلام. الجماهير الفلسطينية التي رأيناها تصلّي في الأقصى، في أزمة الأقصى قبل أسابيع ملأت شوارع القدس. كانوا مئات وألوفاً يصلّون في شوارع القدس، يصلّون فقط، لا يضربون حجراً ولا رصاصة ولا يستفزّون جندياً. كانوا فقط يصلّون، مسالمين. وكان الجنود الإسرائيليون مدجّجين بأسلحتهم لا يعرفون ماذا يصنعون لأنهم تعوّدوا على العنف وعلى الرد على العنف وعلى القتل. <br /> أمام مصلّين ومسالمين كانوا واقفين محتارين ماذا يصنعون. وأنا أقول: السلام، السلام الكامل، التظاهرات، ولو أنّ إسرائيل ترفض التظاهرات حتى السلمية، التظاهرات السلمية مئة بالمئة، لا حجر ولا رصاصة ولا شيء من العنف هي التي تجرّد الجندي الإسرائيلي ودولة إسرائيل من سلاحها. هذا هو السلاح الأخير بيد الفلسطيني: السلام، قوة السلام، ثقافة السلام. وأنا أرى أنّ كلّ التظاهرات التي تجري اليوم سائرة تقريباً على هذا النمط؛ ليست تظاهرات عنيفة، هي تظاهرات سلمية فقط. ومن ثم التظاهرات لمّا تكون سلمية، السلام ينتصر، العنف لا ينتصر. هذه تجربة على كل حال.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: في هذا المحور بقي لي قليل من الوقت. أنت شاهد على العصر، شاهد، شاهد حيّ. رأيت كل هذه الدماء تسيل. أثبتت الوقائع أنه لا فرصة للتعايش مع الإسرائيلي. هل سيبقى الفلسطيني فريسة؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: كلّا. يجب أن نخلق هذه الفرص، ويجب أن نؤمن بأنّ السلام والحق سوف يأتيان مهما كانت قوة القوي والجبّار في هذه الأرض. لكلّ قوة ولكلّ جبّار نهاية في هذه الأرض. التاريخ شاهد على ذلك.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: سأذهب إلى فاصل وأعود، على أمل أن يكون التاريخ صاحياً لكل هذا البؤس.</p>
<p>أعزّائي، فاصل ونعود إلى الحوار مع صاحب الغبطة بطريرك القدس السابق للّاتين البطريرك ميشال صبّاح. انتظرونا.</p>
<p> </p>
<h2>المحور الثاني</h2>
<p> </p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: أهلاً بكم مجدداً في "أجراس المشرق" في حلقة من فلسطين كل فلسطين مع غبطة البطريرك ميشال صبّاح.</p>
<p>نحن في الجمعة الثالثة للغضب. هذ الأسبوع الثالث. البارحة شهيدان و150 جريحاً. وأنت قلت إنّ المسيرات ليست عنفية. ولكن وجود شهيدين و150 جريحاً، واضح أنّ العنف إسرائيلي. إلى ماذا تشير هذه التحرّكات الشعبية؟ هل هي انتفاضة؟ هل هي هبّة؟ هل هي نوع من الغضب؟ بماذا تصفها؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: هذه المسيرات الشعبية، التظاهرات، هي صوت الشعب، هي صوت غضب لخطأ أُعلن، أعلنه رئيس أكبر دولة في العالم لأنه أراد أن يخفي الحق الفلسطيني. والحق الفلسطيني ليس أمراً نظرياً. عندما يقول السيّد ترامب: القدس عاصمة لإسرائيل فقط، فهو يقول لكل سكّان القدس ولكل سكّان فلسطين: <br /> يجب أن تبقوا خاضعين، لا يجوز أن تكونوا أسياداً على أنفسكم، لا يجوز أن تكونوا أسياداً في عاصمتكم، إن أردتم أن تكونوا أسياداً تتعرّضون للرصاص وللقتل وللمهانة وللأسر. ولهذا السبب، هذه التظاهرات تقول كل هذا. وإنما كما قلت، هي تظاهرات سلمية. العنف آتٍ من قِبل إسرائيل. لماذا إسرائيل تواجه السلام بالعنف؟ أنا لا أدري. أنا أوجّه كلاماً لإسرائيل مباشرةً. أنا هنا في فلسطين، وأمام إسرائيل، أقول لها: لماذا تستعملين العنف، والفلسطينيون يستعملون السلام؟ إن أردت السلام فلماذا لا تصنعين السلام، والقرار بيدك؟ أنت القوي. إن أردت حرباً ستكون حرب، إن أردت سلاماً سيكون سلام غداً. ولا تقولوا إنّ السلام معقّد. ليس في الأمر أي تعقيد. <br /> دولة لكم ودولة للفلسطينيين، لا أكثر ولا أقل. الأمر بسيط جداً. اتّفقوا، وبدل المفاوضات الجديدة حتى تستمر كذلك عشرات السنوات من دون فائدة، حدّدوا لجاناً لتحديد الحدود، لاستعمال المياه، إلى آخره. حدّدوا لجان عمل واعتراف ويبدأ العمل، تبدأ المفاوضات بالاعتراف بدولة فلسطين إن بدأت مفاوضات أو مسيرة سلام، تبدأ بالاعتراف بالدولة، ثم الدولتان تعهدان إلى لجان عمل حتى تحدّدا النقاط المبهمة بينها وتسدّد العلاقات بين الدولتين القائمتين جارتين مسالمتين الواحدة للأخرى. هذا الذي أقوله لإسرائيل. هل تسمع إسرائيل هذا الكلام؟ <br /> أو تريد أن تفرض علينا جيلين أو ثلاثة كذلك بعد اليوم من العذاب والأسرى والقتلى والشهداء والجرحى؟ <br /> الذي أراه أنّ إسرائيل سائرة نحو الدولة الواحدة.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: واضح.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: لم يبقَ مكان لدولة فلسطينية.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: واضح أنها لا تريد أي فلسطيني. كانوا يقولون: الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت يا سيّدي. ولكن في هذه الحراكات، في هذه الانتفاضة، في هذا الغضب، قدّمت فلسطين كما العادة، كما عادتها في السنوات الماضية رموزاً من الشهداء. هذا الرجل الذي يسمّى إبراهيم أبو ثريّا، لا مثيل لهذه الشهادة في التاريخ الإنساني. الشابّة عهد التميمي، لا مثيل لهذا الانتماء ولا مثيل للعنف. أنت رأيت هذه الصوَر. ماذا تقول للفلسطينيين وللعالم العربي يا صاحب الغبطة؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: قلت ما قلت لإسرائيل. للعالم العربي كذلك أقول: يجب أن نستفيد، أن تستفيدوا من عبر التاريخ. مئة سنة ونحن في هذه المواجهة، لا بد من أن تكون هناك عبر ودروس، يجب أن تستخلصوها. لا يمكن أن نستمر مئة سنة على النمط، على الوتيرة نفسها؛ أن نقاوم، أن نعمل تظاهرات، إلى آخره. أولاً لا بد من إعادة نظر، محاسبة للذات، على مستوى فلسطيني وعلى مستوى عربي، لأنّ المسؤولية مشتركة. صحيح أنّ المسؤولية فلسطينية، الفلسطيني هو الذي يموت والفلسطيني هو الذي يعيش، وإنما إن أراد العالم العربي، أنا أظنّ أنّ الشعوب العربية كلها لا تزال مشاعرها مع الشعب الفلسطيني. المهم، الذي أقوله للشعب الفلسطيني، أقول: نحن نريد أن نكون أسياداً في أرضنا. إسرائيل ألغت حلّ الدولتين، هذا أمرها. هذا ما قامت به. نعود إلى حلّ الدولة. وحلّ الدولة الواحدة للجميع، لليهود والعرب والمسيحي والمسلم، أعني الفلسطيني والإسرائيلي، هو الحل والرؤية التي رآها الفلسطينيون منذ بداية الصراع، ورفضه الإسرائيليون. وحتى اليوم إسرائيل لا تريد دولة واحدة لشعبين. ولكنها هي سائرة في هذه الطريق. ولكن حتى نصبح شعبين في دولة واحدة ونتمتع بسيادتنا وبحقوقنا الكاملة، لا بد لنا من أن ندفع كذلك حتى الآن ثمناً باهظاً كبيراً، سنعيش كذلك جيلين أو ثلاثة في عهد أو نظام التمييز العنصري أو الـApartheid. ثم بعد جيلين أو ثلاثة لا بد من أن يخرج إنسان، إنسان في إسرائيل يرى بعينيه أنّ الفلسطيني إنسان، أنه مساوٍ له، وأنه من الممكن أن نعيش معاً، من الممكن أن نكون جيراناً ومسالمين. ولكن حتى نصل إلى هذه المرحلة، الذي أراه أنا هو أننا سنمرّ بعهد، بأجيال ستكون حتى الآن أجيال شهداء وجرحى. وأكرّر للفلسطيني، أنا أقول للفلسطيني: لا تذهب إلى الموت. فلسطين بحاجة إلى كل فلسطيني في الحياة حيّاً وليس ميتاً. ومن ثم أعود وأقول: السلام هو السلاح الوحيد الباقي بيد الفلسطينيين. لا تتركوه. إذا حصلت حرب أمر آخر. أما وما زلنا في هذا الوضع فالأسلوب الفعّال أكثر هو أسلوب السلام.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: أنا أعرف مدى العاطفة التي تجتاحك. ولا أريد، كما تلاحظ، أن أقاطعك لأقيم حواراً. أرى أنك تعبّر عن نبض الكثير من الفلسطينيين. ولكن أنت ابن مدينة الناصرة، تعود في جذورك إلى المدينة التي حدثت فيها بشارة السيّد المسيح. حتى اللحظة، منذ ثلاثة أسابيع إلى اليوم، لم نجد مواقف لفلسطينيي 1948، أي تظاهرات ومسائل كهذه واضحة وقوية تجاه ما يحصل. إلامَ تعزو هذا؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: أنا كذلك لي كلمة ونظرة في هذا الموضوع.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: نعم، أعرف ذلك.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: موقف الفلسطيني في إسرائيل غير موقف الفلسطيني في الضفة المحتلة. الفلسطيني في إسرائيل في دولة، وهو مواطن، وله صوت في الكنيست. ومن ثم يجب أن يستعمل صوته حتى يسرّع بعملية السلام وليس حتى يُلهِب عواطف الحرب ومشاعر الحرب، لا في الفلسطيني ولا في الإسرائيلي. <br /> الجماهير الإسرائيلية تربّت على هذه الصورة أنّ الفلسطينيين كلهم إرهابيون. واجب الفلسطيني في دولة إسرائيل أن يبدّل هذه الصورة لأنه يعيش يومياً مع اليهودي، وله صوت في الكنيست. يجب أن يبيّن لهم أنّ الفلسطيني ليس إرهابياً، ولكنه إنسان يمكن أن يُصنَع السلام معه ويمكن أن يكون جاراً مسالماً أفضل من أو مثل كل إسرائيلي. هذا واجب الفلسطيني في إسرائيل. واجب الفلسطيني هنا في الضفة تحت الاحتلال هو أمر آخر، هو مقاومة للاحتلال، هو القول لا للاحتلال. وطرق قول لا منها التظاهرات. وأقول تظاهرات سلمية لأنّ التظاهرة السلمية أقوى بكثير من التظاهرة العنفية. التظاهرة العنفية قد تجرح إسرائيلياً، قد تقتل إسرائيلياً أو اثنين أو عشرة أو مئة. ولكنها لن تعيد إلينا الحرية التي نريدها. نحن نقاوم ليس في سبيل المقاومة. نحن نقاوم في سبيل أن نستردّ شيئاً ما. فهذا الشيء الما هو حريتنا. هدف المقاومة ليس قتل الإسرائيلي. هدف المقاومة استرداد الحرية. ومن ثم يجب أن أرى، وأنا أرى أنّ الأسلوب الفعّال الذي يستردّ الحرية هو الأسلوب السلمي، هو السلام. السلام هو الذي يجرّد إسرائيل من سلاحها.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: أنت من أول هذه الحلقة تردّد أنّ هذا هو ديدنك وهذه هي مسيرتك. غاب عني أن أسألك، عندما سألت عن الغرب، عن موقف الفاتيكان ممّا يحصل الآن. هل وصلكم موقف واضح صريح؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: موقف الفاتيكان من هذه القضية موقف سليم وواضح منذ بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحتى اليوم، ولم يتبدّل، أنه يحقّ للشعب الفلسطيني دولته. والفاتيكان يقول: القدس يجب أن يكون لها وضع خاص بحسب قرارات هيئة الأمم. فموقف الفاتيكان، والبابا فرانسيس تكلّم رسمياً في هذا الموضوع، وبعد تصريح السيّد ترامب تكلّم بوضوح وبصراحة: القدس في وضع ثابت قائم statico، ولا يجوز أن تُمَسّ سواء في المجال السياسي أو في المجال الديني. لا يجوز أن تُمَسّ القدس في شيء، إلى أن تُحَلّ القضية كلها في سلام متفَّق عليه. الموقف الدولي الآن وموقف هيئة الأمم، هذا هو موقف الفاتيكان والكنيسة. وهذا موقفنا على كل حال أنّ القدس ما زلتَ لا تريد أن تصنع فيها سلاماً اتركها على ما هي، اترك فيها الفلسطينيين، وأملهم ورجاؤهم أنها ستكون عاصمة لهم، ولا تقل: هذه لن تكون عاصمة لكم، وتعمل على إقصاء الفلسطينيين من القدس. هذا هو الموقف الذي يراه الفاتيكان والموقف الكنسي والمسيحي والفلسطيني أصلاً.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: أذكر أنك قلت خطاباً أمام البابا بنيديكتوس، قلت إنه في الأرض المقدّسة يبدو السلام مستحيلاً. وأنت طوال هذه الحلقة تكرز بالسلام. إذا كنت تكرز بالسلام، وفي مرة سابقة تقول إنّ السلام مستحيل مع هؤلاء، كيف تلمح الأفق؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: أولا، أنا أهنّئك وأهنّئكم على ذاكرتكم التاريخية. أنا نسيت هذا الموقف. إنما هذه الكلمة: السلام المستحيل، أنا أقولها اليوم. نحن أمام وضع مستحيل. إسرائيل لا تريد شيئاً لنا. إسرائيل تريد فلسطين كلها من دون الفلسطينيين. هذا هو.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: للأسف.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: وهو أمر مستحيل حتى لإسرائيل. الوضع البشري اليوم: يوجد ستة ملايين فلسطيني في كل فلسطين ويوجد ستة ملايين يهودي. وبعد قليل سوف يكون عدد الفلسطينيين أكثر من عدد الإسرائيليين. <br /> ومن ثم هي كذلك أمام وضع مستحيل. تريد أرضاً فارغة لا يوجد فيها فلسطيني، والأرض تنبت الفلسطينيين وتكثّرهم. هم في حيرة، وهم أمام مستحيل.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: هذه من نِعَم الديمغرافية.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: المهم أنّ هذا هو الواقع، وهم يواجهونه. هم يريدون أرضاً فارغة، والأرض ليست فارغة، إنما لها أهلها. والمستحيل بالنسبة لنا هو إرادة إسرائيل الصلبة أنها لا تريد سلاماً. المفاوضات التي بدأت بعد 1989 و1993 حتى اليوم، 25 سنة مفاوضات. لو كانت هناك نيّة، ذرّة من النيّة الصالحة لإيجاد السلام لوُجد السلام. أمّا 25 سنة مفاوضات ولا يوجد سلام، معنى ذلك أنه لا توجد إرادة للسلام. ونحن موجودون أمام هذا المستحيل.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: اسمح لي بأن أسألك لأنه بدأ يضيق الوقت عليّ. أنت حذّرت من بيع وتسريب أراضي الكنيسة الأورثوذكسية لإسرائيل. وهذا موضوع هامّ ضمن هذا الصراع، ضمن الصراع على قضم الأراضي. هناك قضم أراضٍ، أنت قلت إنّ 80 بالمئة صارت بيد الإسرائيليين. ألا يستطيع المسيحيون وقف بيع أراضي وقفهم للإسرائيلي؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: الواقع أنّ هذا موضوع أنا أعتبره في الاعتبار العام.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: ونحن نعتبره اعتباراً عاماً.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: هو اعتبار عام. أعني أنّ أوقاف الكنائس كلها هنا في فلسطين وفي العالم كله، في الشرق كله، الأوقاف هي لمصلحة الشعب، المؤمنين، ومن ثم التصرّف بها يكون لصالح المؤمنين. ثم عندما تكون الأوقاف في فلسطين، أعني في أرض حرب، في حال حرب، هذا الذي قلته في مقالة كتبتها: تمرير أرض من شعب إلى شعب هو عمل حربي، هو دخول في الحرب. ومن ثم لا يجوز. المسيحيون الفلسطينيون، نصيحتي للكنيسة الأورثوذكسية، الكنيسة ككنيسة برأسها وبمؤمنيها أن يجلسوا معا مؤيّدين ومعارضين حتى يجدوا طريقة سليمة للتصرّف بهذه الأوقاف تحول دون أية إساءة لها. فهنا واجب، مسؤولية تقع على الرؤساء وعلى المؤمنين أنفسهم. ولا بد من حوار، لا بد من حوار مؤيّد ومعارض. فالقضية الفلسطينية لا بد فيها من حوار، والقضية الكنسية لا بد فيها من حوار. هذا هو موقفي بكل بساطة. وقد لا يكون حقّ لي أن أتكلّم في الموضوع، ولكن هذا هو موقفي.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: لا، هو حق لكل صاحب أرض أن يتكلّم على أرضه. هكذا مفهوم حقوق الإنسان أيضاً. <br /> صبيحة بعد غد هو عيد ميلاد سيّد المحبة. أنت قلت إنّ الفلسطينيين منزرعون في أرضهم. هذا المسيح الفلسطيني الناصري الجليلي المقدسي البيتلحمي، هل من ولادة تحت الاحتلال؟ هل من الممكن أن تكون ولادة تحت الاحتلال؟</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: دعني أذكّرك فقط بمسألة بسيطة.</p>
<p><strong>غسان الشامي: تفضّل.</strong></p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: أنّ السيد المسيح لمّا وُلِد في بيت لحم وُلِد تحت الاحتلال الروماني.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: الاحتلال الروماني، نعم.</p>
<p><strong>البطريرك ميشال صباح</strong>: كان هو كذلك في حال احتلال. والسيّد المسيح لم يتعرّض للوجه السياسي مطلقاً حتى لا يتمّ الخلط بينه كزعيم سياسي وكمرسل من قِبل الله وكلمة الله لفداء البشر. إنما ترك لنا مبادئ للتصرّف في كلّ الظروف. المهم أنه بعد غد هو عيد الميلاد، وعيد ميلاد أمر ممكن. الميلاد الذي هو كما قال القديس يوحنا في مطلع إنجيله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة هو الله، والكلمة صار جسداً وسكن بيننا". <br /> هذا الميلاد هو أمر ممكن في كل لحظة، في لحظة الموت الفردي وفي لحظة الموت الجماهيري، في حال الحرب التي نحن فيها وفي حالات السلام. العيد هو موقف صلاة، موقف سجود أمام الله، والإنسان يفرح أمام ربه ويسجد أمام ربه في كل حال من حالات حياته.</p>
<p><strong>غسان الشامي</strong>: أنا أريد أن أعايدك. قبل أيام أنت قلت: "نصلّي من أجل أرضنا المقدّسة ونصلّي من أجل القدس التي جُرحت وأُخرجت عن طبيعتها. شعرنا بحاجتنا لأن نزداد حضوراً أمام الله حتى نقاوم كل ظلم يُفرض علينا. في عيد الميلاد، الله معنا ليقوّينا، ليرشدنا معاً إلى طريق العدل والسلام".</p>
<p>ميلاد مبارك، وشكر لك من "أجراس المشرق" وقناة الميادين.<br /> شكراً للزملاء في البرنامج وفي قناة الميادين أيضاً الذين يضخّون كل جهدهم لإيصال هذه الأصوات من فلسطين لكم.</p>
<p>ميلاد مجيد بلا احتلال لأرض السلام. ميلاد محبة لكم.</p>
<p>سلام عليكم وسلام لكم.</p>
<p> </p>