طلال سلمان - رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية
نص الحلقة
محمد علوش: في لبنان، لا تزال المشاورات السياسيّة على حالها، إذ لا جديد في أفق التشكيلة الحكوميّة. عُقَد التمثيل أضحت واضحة، والعراقيل قد لا تكون حبيسة الحسابات الداخلية.
على مرمى حجرٍ من لبنان، إسرائيل تحاول تكريس عرفٍ لها في المنطقة، تضرب متى تشاء، وتضرب حيثما تشاء، فغزّة هاشم تصحو وتنام يومياً على عدوانٍ جديد.
أما في سوريا، فالاعتداءات الإسرائيلية في ازدياد. طائراتها تقصف في البوكمال بل تصل إلى بلاد الرافدين، حيث الدم العراقي يُنزَف هذه المرّة بسلاحٍ إسرائيلي.
لا تنقضي الحكاية هنا. اليمن السعيد دوماً لم يعد سعيداً اليوم. الحرب تدخل عامها الرابع من دون مؤشّراتٍ على نهايتها. الأمراض، والأوبئة، وانهيار الخدمات، هي ما يطبع المشهد فيه.
في كلّ هذا، كأنه لا وجود لجامعة الدول العربيّة، حيث الهمّ لم يعد واحداً، والعدو لم يعد معروفاً.
للحديث عن حال الاهتراء العربي وأزماته الراهنة وضعف أمنه القوميّ، نستضيف رئيس تحرير صحيفة السفير الأستاذ طلال سلمان.
(فاصل)
محمد علوش: حياكم الله وأهلاً بكم مشاهدينا في حوار الساعة، كما نرحّب بضيفنا الأستاذ طلال سلمان. أهلاً وسهلاً بك أستاذ طلال.
طلال سلمان: أهلاً بكم.
محمد علوش: طبعاً لو بدأنا من الملف اللبناني، أكثر من رواية حول تشكيل الحكومة حتى اللحظة ما بين متفائل ومتشائم. تقديركم، إلى اي حد وصلت المشاورات في أفق التشكيلة الحكومية؟
طلال سلمان: هذا من الفولكلور اللبناني، من الفولكلور، يُكلَّف رئيس لتشكيل الحكومة، وتبدأ حفلات الملاكمة والمصارعة والمساومة والبازارات وإلى آخره.
محمد علوش: بين الكتل والقوى السياسية.
طلال سلمان: بين الأقطاب.
محمد علوش: الأقطاب.
طلال سلمان: وبعض الدول، دائماً الدول.
محمد علوش: داخلياً وخارجياً.
طلال سلمان: طبعاً، ويمكن أن تمتد لشهر أو أكثر إلى أن تنقش، فهذه لعبة ممجوجة وبات الجميع يعرفونها، ولذلك إذا تلاحظ، الناس دارت ظهرها وتابعت عملها، عندما تشكَّل تكون قد تشكّلت، لأن هناك أولاً توازنات القوى السياسية التي ستفرز لاحقاً طائفياً وثم مذهبياً، وهناك بعد ذلك الحصص، فهناك الوزارات التي تدرّ وهناك الوزارات التي تعطي اللقب فقط، والاشتباك سيتم بشكل خاص على الوزارات الذهبية.
محمد علوش: التي نسمّيها خدماتية، وزارات خدمية.
طلال سلمان: الطاقة باتت وزارة مذهّبة مثلاً، المالية وزارة مذهّبة، الخارجية وزارة مذهّبة، وهناك وزارات أخرى، وهذا المشهد الكوميدي مألوف، عندما تستقيل حكومة ويكلّف رئيس جديد، الناس تنام. هناك أسبوعان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة ضائعون، تابع عملك وعندما تسمع بالأخبار أن الحكومة تشكّلت تكون تشكّلت. لا الحكومة ستحدث نقلة نوعية ولا ستؤدّي لانقلاب سياسي بالبلد ولا سيسود تفاؤل بأنّها ستحدث المعجزات، ستخفّض الأسعار، ستؤدّي إلى انشراح.
محمد علوش: تتصدّى للأزمات المطلوبة أو المقترحة أو المأمول منها حلها.
طلال سلمان: أقصى طموح أن يبقى الستاتيكو قائماً.
محمد علوش: كما هو.
طلال سلمان: خاصة مع الاضطرابات الموجودة في المنطقة، يا أخي، دعنا لابدين الآن ونرى لاحقاً، الآمال بأية حكومة دائماً محدودة، لكن الأهم أن يشعر المواطن أنّ هناك استقراراً ما.
محمد علوش: هل يستطيع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري تجاوز الحسابات الإقليمية في عملية تأليف الحكومة؟ هل ستؤدّي تلك الحسابات إلى تأليف حكومة على نسق الحكومات أو حكومات الاتحاد الوطني السابقة؟ هذا ما حاولت صحيفة الأخبار الإجابة عنه. نشاهد معاً.
الأخبار اللبنانية: لبنان ليس العراق: التدخّل الإيراني لا يسهّل التأليف - هيام القصيفي
منذ أن علّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي مع إيران وأطلق مجدّداً مسار العقوبات الأميركية والدولية ضدها وضد حزب الله، ومنذ أن بدأت إسرائيل توجه ضرباتٍ محدّدة ضد أهداف إيرانية في سوريا، سادت أجواء ترقّب للردّ الإيراني.
في هذه المرحلة قيل كلامٌ سياسيٌ عن محاولاتٍ إسرائيلية لاستدراج إيران وحزب الله إلى الحرب، وفي المقابل هناك عدم رغبةٍ لدى الطرفين في الانجرار إلى ما تريده تل أبيب، لأنّ طهران ترى في الحرب اليوم تدميراً لما حقّقته من إمساك بالمفاصل الأساسية في المنطقة.
بين هذه المحاولات كلها والوضع العراقي والسوري واللبناني واليمني، وكثرة خطوط المواجهة التي تخوضها إيران، جاء كلام قاسم سليماني عن انتصار محور المقاومة في الإنتخابات اللبنانية، ليثير زوبعةً سياسيّةً خمدت ظاهرياً، لكن ما جرى في العراق لاحقاً مع الاتفاق السياسي الذي أبرمه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع إئتلاف الفتح بقيادة هادي العامري، الحشد الشعبي، برعايةٍ إيرانية وحضور سليماني نفسه، فتح باب التساؤلات والاجتهادات.
ولأن لبنان ليس العراق بتركيبته الطائفية والمذهبية وتوزّع القوى السياسية، ولا سيما بعد نتائج الانتخابات، ولأنّ الذي كُلّف بتأليف الحكومة هو الرئيس سعد الحريري، فمن الصعب الخروج مبكراً من المأزق الراهن من دون دفع أثمان.
فالحريري غير قادرٍ حالياً على تخطّي السعودية وشارعه السنّي، والذهاب إلى حكومةٍ تترجم الصيغة التي تحدّث عنها سليماني، والقوى المسيحية المعارضة لإيران لن تقف جانباً في معركة تحييدها وتشكيل حكومةٍ من لونٍ واحد، وليس من مصلحة العهد مهما كان موقفه من إيران المغامرة بنوعٍ كهذا من الحكومات في ظلّ الضغوط الدولية من خلال التضييق على حزب الله. في المقابل، لم تُظهِر واشنطن والرياض أنهما في وارد التخلّي نهائياً عن لبنان. والمَخرَج المعروف سيكون تكراراً لشكل حكومات الاتحاد الوطني السابقة.
محمد علوش: أستاذ طلال، إلى أي حد تعتقد أن الحضور الإقليمي أو النفوذ الإقليمي قادر في التأثير أكثر من الداخلي في تشكيل الحكومة؟
طلال سلمان: عادة تكون نوعاً من مساومات، هناك حسابات دقيقة بالتشكيل، وهناك خبراء محلّفون، وهناك دول، فبداية تبدأ هوبرة، وتوضع فيتويات وممنوع وغير ممنوع وإلى آخره، وكل هذا استهلاك محلي. في النتيجة المطبخ الفعلي الذي يعمل بتأليف الحكومة يدرك السقف والمحاذير والقوى وأوزانها، وبالتالي مع الأيام يصبح الناس يقبلون بأية حكومة، ففجأة تخرج التشكيلة، طبعاً محكومة بالتوازنات الموجودة على الأرض.
محمد علوش: وهذه التوازنات لا تتغير بحسب الظروف؟
طلال سلمان: تقريباً، إذا تغيّرت لا يكون التغيّر جذرياً. الآن، هناك قوى تزيد نسبياً، مثلاً ربما التيار الوطني الحر يعتبر أنه يا لطيف، أصبح شيئاً.
محمد علوش: يطالب بعشرة وزراء.
طلال سلمان: والقوات اللبنانية هي نابوليون.
محمد علوش: التيار يطالب بعشرة وزراء والقوات حقّقت إنجازاً انتخابياً تعتقد؟
طلال سلمان: بالنهاية حقائق الحياة تفرض نفسها، لا مجال للهرب من الأرض، الحقائق الصلبة موجودة، وبالتالي كله يعود ويخضع لمنطق التوازنات، هذا بلد تركيبته تفرض الحرص على التوازن فيه وإلا يفرط. لا يوجد أحد مستعد لتحمّل فرط البلد ولا لأحد القدرة بفرط البلد بمفرده إلا إذا كان هناك قرار دولي.
محمد علوش: أين تتقاطع، تأتلف أو تختلف التوازنات الاقليمية مع الداخلية بإخراج الحكومة بنهاية المشهد؟
طلال سلمان: بالمعنى المطلق مفهومة، هناك قوى معروفة في السابق، في الماضي كان هناك مصر وأميركا.
محمد علوش: أيام جمال عبد الناصر؟
طلال سلمان: مع دور سوري يمتلك حق الفيتو، ذهبت مصر مع الأسف، طبعاً كبرت إسرائيل، استجدت إيران، بات هناك توازنات من نوع مختلف، طبعاً الأميركي موجود والروسي موجود، أكثر وجوداً مما كان في أي وقت سابق، موجود بالشام، والإسرائيلي موجود مع الأسف على أطراف لبنان وعلى أطراف سوريا، لا يمكنك تجاهله، وإيران موجودة داخل الساحة اللبنانية وموجودة في سوريا وفي العراق. تغيّر بعض أبطال المعادلة، تبدّلت الأسماء لكن القواعد التي تحكم، بت مضطراً لمراعاة الأميركي والإيراني وضمناً ولو بحياء وخجل سوريا، لا تستفزها، وتراعي ضمناً وأيضاً بشيء من الحياء والخجل إسرائيل، ولا تكون كأنك ذاهب للحرب.
محمد علوش: لبنانياً؟ داخلياً؟
طلال سلمان: ليس علناً، ولكن حزب الله من غير الممكن مثلاً أن يتسلّم وزارة الدفاع أو وزارة الخارجية، لحسابات داخلية لبنانية.
محمد علوش: ربما أيضاً بعض العرب لا يريد ذلك؟
طلال سلمان: أكثر من إسرائيل؟ أقصد أن هناك توازنات أنت محكوم بها، سواء عربياً، إيرانياً، أميركياً، إسرائيلياً، دولياً، وبالتالي أية حكومة ستأتي هي حكومة هجينة، أمّن لي هذا من أجل الجهة الفلانية وأمّن لي ذاك من أجل الجهة الفلانية، لذلك لا يراهننّ أحد على الحكومة أن تقوم بإنجاز تاريخي، هناك مجموعة كتل تتفاهم بالتراضي على حكومة معينة لتسيير الأمور وتأمين الأمور، أن هذه الصفقة لك وتلك لك وذلكم لك، الهاتف لفلان، والنفط لفلان.
محمد علوش: لكن اللافت في كل الحكومات السابقة أستاذ طلال، دائماً البيان الوزاري، أقله ما بعد العام 2005 كان فيه تأكيد مباشر على شرعية المقاومة في لبنان رغم أن الدولي والإقليمي لا يريد ذلك. كيف هنا نستطيع أن نفسر وفق هذه النظرية التأثير للعبة التوازنات، أنّ حزب الله يستطيع دائماً أن يجعل في كل البيانات الوزارية التأكيد على شرعية المقاومة؟
طلال سلمان: هذا أمر مفروغ منه، ولم يعد باستطاعة أحد مناقشته، يجعجعون كلاماً، ولكن بالنتيجة عملياً موجود، على الأرض موجود، في المجلس النيابي موجود، في الشارع موجود، بالتأثيرات المحلية والعربية والإقليمية والدولية موجود، ولا يمكن لأحد تجاهله، يطلق البعض تصريحات معادية للحزب واستطراداً لإيران هي مضيعة وقت، لكن بالنهاية الأرض هي التي تحكم، الوقائع موجودة، هذه الانتخابات الأخيرة أثبتت أن هناك قوة سياسية محلية مؤثرة جداً موجودة لا يمكنك تجاهلها، وأكيد حزب الله كان بداية ضيف شرف، الآن لا، يريد أن يدخل وحقه الدخول بحقائب وزارية أساسية، ويقول أنا موجود، لأنه في البداية كان مكتفياً بالحضور الرمزي، بحق الفيتو، الآن لا، يريد أن يتصرّف أكثر بوزنه الشعبي الموجود، بالمطالبات المتكرّرة له، كان هناك انتخابات مؤخراً، وأنا ابن منطقة بعلبك الهرمل، كان هناك مساءلة حادة للحزب، ما الذي فعلته وما الذي تفعله؟ أنت موجود بالحكومة بوزيرين من 12 عاماً، ما الذي فعلته حتى الآن؟ وهذا الصوت يرتفع.
محمد علوش: تقصد خدماتياً، هو الصوت المرتفع.
طلال سلمان: نعم خدماتياً، لا يكفي الموقف السياسي، تعبّر عنه، أنا يمكنني كتابة مقال وأعبّر عن الموقف السياسي، لكن عندما أكون طرفاً شريكاً في الحُكم، إما أكون شريكاً مؤثراً وحقيقياً وقادراً على الإنجاز أو لا أدخل، لكن لا يمكن أن يكون عندك وزيران ولا تستطيع فعل شيء. لا، عليك أن تفعل بحكم قوّتك التنفيذية التي فوّضك الشعب بها.
محمد علوش: هل أفهم من كلامك أنّ المزاج العام في بعلبك الهرمل وهي منطقة تعتبر خزاناً للمقاومة ولحزب الله، لعبت دوراً أو أثرت في قرار الحزب أن يكون انخراطه في الحكومة أكثر فعالية أكثر منه شكل رمزي؟
طلال سلمان: أكيد، هؤلاء يصوّتون لحزب الله منذ 12 عاماً، ولا توجد خدمات بالمعنى الحقيقي، من حقهم أن يقولوا له نحن نصوّت لك وننتخبك تقريباً بالتزكية، تفضّل اخدمنا، كما نخدمك اخدمنا.
محمد علوش: نريد مقابلاً على الأقل.
طلال سلمان: خاصة أن المنطقة محرومة ومظلومة وكأنها غير موجودة بالنسبة للدولة.
محمد علوش: الاضطرابات الأمنية التي تحصل في بعلبك وبشكل عام في البقاع، هل يمكن ربطها بوضع داخلي، حالات خاصة أم لا، هي لها أبعاد سياسية كما تقرأها؟
طلال سلمان: السلطة هي الأساس، هل هناك سلطة أو لا يوجد سلطة، والسلطة ليست فقط بندقية، السلطة عمل، السلطة مشاريع إنتاجية، السلطة عناية بالزراعة، السلطة هي المرجعية العليا للناس، هي مصالحها الحيوية والأساسية، الناس تريد أن تأكل وتشرب، ومن قال إن الناس تهوى القتل ومطاردة بعضها البعض وتجارة الحشيشة؟ الناس تريد أن تأكل، هناك مئات الآلاف فوق ليس لديهم مصدر دخل، كانت الزراعة حالية وخاصة بعد إقفال الحدود السورية بالأرض، بات المزارع يعاني طوال العام، إن زرع عنباً أو خضاراً أو قمحاً، طالما لا يوجد مصدر للتصريف، إنتاجه يبقى بوجهه وتتدنى الأسعار بينما عندما يريد شراء لحمة سيدفع ثمنها بالسعر الجديد، ولمن يشكو أمره؟ إلى القوى السياسية التي يفترض أن تمثله، وهي غير معنية بهمومه وواقعه. في النهاية ستفلت أمنياً لأسباب اقتصادية ومعيشية، ولسبب جوهري وأساسي هو غياب السلطة، لا يوجد سلطة، إن لم يكن هناك سلطة وكان بإمكاني قتل شخص واثنين وثلاثة وأصعد لعدة أيام إلى الجرد وأعود وأنزل ولا يسألني أحد، إن كان هناك مطلوبون من عشرين سنة ويوجد 1000 مذكرة توقيف بحقهم ولم يعتقلهم أحد، وهناك أشخاص كنوح زعيتر ينظّم مهرجنات ويأتي وزراء ونواب، ولا أريد الدخول بالأسماء وأتورّط، لكن هناك مفارقات.
محمد علوش: يعكس حجم غياب للدولة في هذه المنطقة على الأقل.
طلال سلمان: لا خدمات اجتماعية، لا عناية بالزراعة وهي أساس حياتهم هناك، بالوظائف، خذ، يطلبون مئة شرطي، يتقدّم 5000 من المنطقة وأيضاً من باقي المناطق ولتقديم الضباط يتقدّم 1000 أو 1500، كانت التسعيرة ما بين 100000 و150000 و200000 حتى يدخل المدرسة الحربية، هذا المسكين كيف يعيش وأين يعيش؟ لا باب الهجرة مفتوح، وإقفال الحدود مع سوريا كارثة بالنسبة لأهل البقاع.
محمد علوش: لأنه شريان أساسي، خاصة للمزارعين.
طلال سلمان: هو خط معاش مشترك، كان يتسوّق من الشام وحمص، وهناك حركة تبادل دائمة، وهذه مصيبة كبيرة بالنسبة للمزارع أو للمواطن بالبقاع، ولا يوجد دولة.
محمد علوش: الإشكاليات الموجودة في لبنان البعض يربطها بصراع محاور إقليمية، لبنان ربما لا يختلف كثيراً عن اليمن لكن اليمن يشهد معارك.
طلال سلمان: ليس لهذه الدرجة، الحشيشة يمكنك مكافحتها.
محمد علوش: ليس لهذه الدرجة؟
طلال سلمان: لا تحتاج الكثير وجرّبت بالسابق طُرق، وأصدرت الجامعة العربية قرارات وزراعات بديلة ودوّار الشمس وغيره والفساد الذي يضرب بالدولة التي صارت تقول ازرع دوار الشمس في الخارج وفي الداخل حشيشة.
محمد علوش: لكن أقلّه يمكن اعتبار لبنان ضمن الأزمات التي تضرب في العالم العربي. الأزمة اليمنية تعتبر من أكبر الأزمات.
طلال سلمان: هذا موضوع آخر.
محمد علوش: لا شكّ في ذلك، لكن الأنباء حالياً تتضارب حول المعارك التي تدور في مطار الحديدة وعلى أطراف المدينة.
الميادين نت أفردت مقالاً حول أهداف الإمارات العربية من حشدها للعمليات العسكرية للسيطرة على الحديدة. نشاهد معاً.
الميادين نت: الإمارات في مأزق الحديدة
حين توجّهت دولة الإمارات بقواتها العسكرية إلى محافظة المهرة أقصى شرق اليمن على الحدود العُمانية، كانت بحاجةٍ إلى مبرّر لذلك الحضور العسكري الضخم، ولا سيما أنها محافظة بعيدة جداً عن ساحة العمليات القتالية، وخالية من أية قوات عسكرية للحركة الحوثية.
فكان مبرّر تهريب الصواريخ البالستية للحوثيين عبر سلطنة عُمان هو الذي ساقته أبو ظبي لإنجاح تلك العملية التي أنجزتها بنجاح تام، مع أن السلطنة تنفي ذلك نفياً قاطعاً.
وكانت الإمارات قد أرسلت في وقت سابق قوة كبيرة أيضاً إلى جزيرة سقطرى الاستراتيجية في بحر العرب في خطوة غير مفهومة. ومن حينها انتهى الحديث عن شيء اسمه تهريب صواريخ بالستية إيرانية في المهرة.
وبقيت تلك القوات الهائلة في تلك المحافظة وموانئها لتمثل امتداداً للحضور العسكري الإماراتي على طول الشريط الساحلي اليمني حتى البحر الأحمر مروراً بعدن، المتوازي مع تطلّعاتها التوسعية الطموحة على الضفة الأخرى، بحر العرب، والبحر الأحمر، والقرن الأفريقي.
اليوم الإمارات التي تحشد لعمليةٍ عسكريةٍ ضخمة نحو مدينة الحديدة الساحلية ومينائها الحيوي، جلّها قوات يمنية شمالية من القوات المحسوبة على الرئيس السابق صالح وجنوبية معظمها من الجماعات الجهادية السلفية المتشدّدة، وقوات تتبع الحراك الجنوبي، الثورة الجنوبية الداعية إلى استعادة دولة الجنوب ما قبل وحدة 90 ميلادية.
تسوّق الإمارات المبرّر نفسه منع تهريب الصواريخ البالستية الإيرانية للحوثيين عبر ميناء المدينة، الذي ترى الأمم المتحدة أنه الشريان الباقي لإيصال الغذاء إلى ملايين اليمنيين في الشمال.
محمد علوش: تقديرك أستاذ طلال، إلى أيّ حد هذه المعركة الآن، التي تحدث الآن في الحديدة وفي مطار الحديدة، هي تعكس صراع محاور إقليمية، أو هيمنة ورغبة من دول الجوار لفرض القرار على اليمن؟
طلال سلمان: اليمن هو أهم دولة في تلك المنطقة، أهمها بالتاريخ، أهمها بالإنتاجية، كشعب أقصد، أهمّها بالقدرة على الإنجاز إذا توافر لها عقل صالح، هناك كثير من الكاريكاتور في الأخبار التي تتواتر، ويجري الكلام عن دولة الإمارات وكأنها دولة عظمى، كلّنا نعرف دولة الإمارات، عدد سكانها محدود، عدد جيشها محدود جداً، طبعاً يعزَّز بفصائل أردنية ومرتزقة من أفغانستان إلى الدول الإسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق، تركمانستان ولا أعرف ماذا، إلى آخره، ومن شركة بلاك ووتر الأميركية.
فإذاً ليس لديها جيش بالمعنى الحقيقي للكلمة، لديها مرتزقة وتشكيلات مختلفة تحت الرعاية الأميركية والفرنسية، وهي دولة صغيرة وعدد سكانها محدود، لكنها غنية، غنية جداً جداً، ومستعدة لإنفاق المليارات وهذا يتلاءم مع مصالح كبرى في العالم. اليمن هي أكبر بلد بمعنى السكان والتاريخ والقدرات الكامنة الموجودة فيها، وممنوع أن تكون موجودة وتلعب دوراً حقيقياً. هناك قرار أولاً سعودي، وربما إلى حد ما دولي، موقع اليمن، حيوية شعبها، إمكانياته وقدراته بالمعنى الفعلي، يقال إنّ الأندلس فُتِحت بعمامة مقاتل يمني، عندما وصل العرب إلى الأندلس كان غالبيتهم يعانون من دوار لأنهم غير معتادين على ركوب البحر، فتضعضعوا وكان الإسبان ينتظرونهم، جاء الليل وتضعضع الجيش الإسلامي، وسقطت الراية منه، فأتى مقاتل يمني فنشر عمامته وجعلها راية وصرخ الله أكبر فتبعه المسلمون، هو شعب مقاتل لديه تجربته مع الجيش المصري عندما كان موجوداً باليمن، أنهكه.
محمد علوش: أيام الملكية.
طلال سلمان: هذه اليمن، كاريكاتور أن تقول إن الإمارات تغزو اليمن، بمن تغزوها؟ بجيوش أكيد مرتزقة وغريبة، والسعودية تترك المجال للإمارات أنها هي من تجني الأرباح، السعودية تجني الأرباح، وطبعاً الذريعة موجودة دائماً، إيران، إيران، إيران، إيران، تكبير الخطر الإيراني كأنهم فجأة اكتشفوا أن إيران قربهم، طوال التاريخ موجودة، وأذكر أن الشيخ زايد لأنه حكيم وهادئ كان يقول يا ولدي هذه الجزر ربما لنا لكن ليس لدينا قدرة، إيران، دعها وربما تحل ذات يوم. ابنه ليس حكيماً لهذه الدرجة.
محمد علوش: من تقصد بابنه، الحاكم أم محمّد بن زايد وليّ العهد؟
طلال سلمان: محمّد بن زايد ومحمّد بن سلمان، هذان قرنا الثور، لا عقل ولا حكمة، هناك غرور وزهوّ بالثروة وادّعاءات أنهم إمبراطوريات معاصرة، وطبعاً هم خدم عند الأميركي، ومع الأسف يفتحون النوافذ مع العدو الإسرائيلي ويكسرون كل حواجز الحرام، ولأنه لا يوجد عرب، لأنّ العرب منشغلون بأنفسهم، يتآمرون على بعضهم، يقتلون بعضهم، فمع الأسف نعيش سلسلة من النكبات المتوالية، من دون وجود قدرة على ردعها ووقفها. هناك تفلّت مخيف ومرعب، وهناك إمبراطوريات تنشأ من وَهْم، الإمارات اليوم إمبراطورية من وَهْم، محمّد بن سلمان يعتقد أنه إمبراطور جديد، يستغلون فقر المناطق الأخرى. العراق منشغل بمشاكله الداخلية وبمحنته الداخلية الصعبة، سوريا تغرق بدمائها، ولدينا محن هائلة أيضاً، ومصر غائبة عن الوعي وغالباً متواطئة معهم، هذه فرصة نادرة بالنسبة لهم.
محمد علوش: هل يمكن هذا أن يؤثّر ويغيّر في اليمن، أي في الدور اليمني من ناحية الذي كان يلعبه كما أشرت حضرتك، أو قد يؤثّر في الموقف العربي العام سواء لجهة العدو الإسرائيلي باعتباره عدو القومية والهوية العربية، أو لجهة قضايا أخرى وهو حرف الصراع والتنافس إلى اقتتال عربي عربي.
بعد الفاصل مشاهدينا، سنناقش هذه القضايا انطلاقاً من الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزّة.
أرجو أن تتفضلوا بالبقاء معنا.
المحور الثاني
محمد علوش: نجدّد بكم الترحيب مشاهدينا في حوار الساعة، ودائماً مع رئيس تحرير صحيفة السفير الأستاذ طلال سلمان.
كنّا نتحدّث قبل الفاصل عن اليمن وصراع الإرادات حوله، بين موقف عربي متمثلاً بالإمارات والسعودية، طبعاً أريد أن أعود إليك أستاذ طلال استكمالاً لما كنت تتحدّث فيه حضرتك. يُحكى الآن عن تقارُب إذا صحّ التعبير، البعض يقول تطبيع إسرائيلي عربي في أكثر من قضية، منها في القضية اليمنية لجهة تضييق وتحجيم النفوذ الإيراني في تلك المنطقة امتداداً، وصولاً إلى سوريا والعراق، ولبنان بطبيعة الحال.
تقديرك، هل الأزمة اليمنية بالفعل تعكس هذه الإرادات أم أنها أزمة مناطقية مرتبطة أيضاً بامتداد ونفوذ لبعض الدول العربية المحيطة؟
طلال سلمان: إيران تُستخدَم ذريعة منذ سنوات، إيران ذريعة لكل أنواع التآمر التي تحدث. بذريعة إيران وتوغّلها في المنطقة، معظم دول الخليج تطبّع مع إسرائيل، بعضها علناً وبعضها سرّاً، لكن عملياً حتى من تقوم بالأمر سرّاً بدأت، حالياً أعلن رسمياً أن البحرين زار وفد منها واختاروا له معمّماً شيعياً كنوع من الإدانة وسيفتح الإسرائيليون مكتباً، أعلن أيضاً عن فتح إسرائيل قنصلية في دبي، وفي قطر هناك سفارة إسرائيلية منذ زمن، وهناك اتصالات سعودية إسرائيلية شبه سرّية، لأنها معروفة، طبعاً غالبيتها تتستّر بمصر، أن مصر لديها علاقات مع إسرائيل. فمع الأسف يسقط جدار العداء عن العدو الإسرائيلي، غالباً بذريعة إيران.
محمد علوش: لا توجد قناعة عربية أنّ هناك تحدّياً أو خطراً إيرانياً متمثلاً على هذه النُظم وعلى الأمراء وعلى المنطقة العربية ككل؟
طلال سلمان: دعنا نميّز قليلاً بين الأنظمة العربية والعرب. أنا أتحدّث عن أنظمة عربية وليس عن العرب، العرب بمكان آخر وغير مسؤول عنهم. أكيد لا يجرون استفتاء في السعودية قبل أن يقرّروا هذه الخطوات ولا في الإمارات ولا في البحرين ولا في قطر. هذا العصر الأميركي العظيم يصبح أكثر فأكثر إسرائيلياً، يتوحّدون ويصبحون عصراً واحداً، برأيي الواجهة المعلنة إسرائيلية لكن الخطة الأساسية أميركية إسرائيلية، وحالياً ينضم بعض القادة العرب إليها ويستغلّون صعوبة وضع العراق وأنه غير قادر على لعب دور كما يجب وسوريا تغرق بدمها وغير قادرة على لعب الدور المطلوب، مصر تقف على أبوابهم تتسوّل للأسف، رئيسها يذلّها بهذا الموقف، ليبيا اختفت، والجزائر مشغولة بذاتها، وطبعاً الدولة الوحيدة الباقية مؤثّرة في المنطقة هي إيران وإسرائيل، هاتان الدولتان. السعودية مع محمّد بن سلمان تريد لعب دور إمبراطوري، الفراغ يغري، ومحمد بن زايد أيضاً الفراغ أمامه هائل، يغريه، والإثنان يلعبان أدواراً إمبراطورية ليست لهم وليس لديهم القدرة على لعبها برعاية أميركية إسرائيلية طبعاً، وبغياب الحركة الشعبية، لا توجد أحزاب ولا نقابات ولا جماهير تخرج كما كنا.
محمد علوش: تشكّل ضغطاً أو رأياً عاماً.
طلال سلمان: وتعلن رفضها لما يتم ويحصل ويمتهن القضية المقدّسة فلسطين ويبيعها بالمُناقصة العلنية وليس بالمزاد العلني. الوضع العربي يغري إسرائيل بأكثر، كما أنه يغري محمّد بن سلمان ومحمّد بن زايد، إن لم تكن مصر ولا سوريا موجودة ولا العراق، إذاً الأرض فالتة، مشاع، يستطيعون التحرّك والذريعة حاضرة، يقولون إيران، نحن نقاوم المد الفارسي أو حتى المد الشيعي، ويمكنهم مخاطبة غرائز الناس وتبرير سلوكهم الذي ليس له إسم آخر سوى الخيانة والتفريط بحقوق الأمّة، بتكبير وتعظيم حجم الخطر الإيراني، الخطر الإيراني، ضمناً تصبح القضية سنّة شيعة، بنفس اللحظة.
محمد علوش: يتحوّل لطائفي، مذهبي، أمجاد التاريخ.
طلال سلمان: يستعيد كل التراث.
محمد علوش: ليست أمجاداً، مثالب التاريخ.
طلال سلمان: مع الأسف.
محمد علوش: تقديرك، إلى أي حد الرأي العام العربي مغيّب تجاه هذه القضايا خاصة مع الضعف الآن، وحضرتك رئيس تحرير صحيفة وعاشت الصحيفة أزمة، مع تراجع إلى حد ما تأثير الإعلام بالفعل في تشكيل رأي عام موجَّه، محدَّد، متّفق مع هويته ومع قضيته؟
طلال سلمان: يا عزيزي القضية بالسياسة أولاً، الإعلام منبر، منبر يخدم قضايا السياسة، يبشّر ويحذّر وينبّه، لكن ليس هو القيادة. القيادة هي قيادة سياسية، هي قوى فاعلة سياسياً، وأنا من جيل، أول عمري كان عبد الناصر موجوداً. لأنه هو كان يعي دور الإعلام، استطاع تحويل لبنان لمنبر إعلامي من الدرجة الأولى في خدمة القضايا الأساسية، القضايا القومية، قضية فلسطين إلى آخره.
الثورة الفلسطينية عندما جاءت إلى لبنان استفادت من الإعلام اللبناني لأن هناك قضية مقدّسة، انا أخدمها وأنت تخدمها وكلنا نخدمها، لكن الإعلام بذاته هو ليس قيادة، الإعلام صوت، رأي، فكر إن شئت، لكن هناك قيادة سياسية هي الأساس. أنت تذيع وأنا أكتب لكن القرار ليس لديّ وليس عندك، القرار عند الجهات التي تملك القرار، ومع الأسف هناك تغييب من الجمهور العربي. المواطن العربي يغيب عن القرار، يجلس في منزله، يستمع للأخبار، يتألّم قليلاً ثم يتوجّه لكرة القدم أو أمر آخر لأنه يائس تماماً من أوضاعه السياسية، ينظر لمصر فيزداد يأسه، ينظر لليبيا فيراها ضاعت، ويرى حال العراق بالويل، وينظر لسوريا، أمله بمن؟ دولة الإمارات هي التي تنعش أمله؟
محمد علوش: البعض يرى وكأن هناك قراراً بالفعل بأن يكون هناك نوع من عملية تيئيس للشعوب العربية أو للشعب العربي بشكل عام، هو ليس مجرّد ردّة فعل على عدم قدرتها على فعل شيء أو نتيجة ما يرى من أزمات، بقدر ما هو قرار منسقّ ومخطط ومبيت أن يكون كذلك حتى لا يتغيّر شيء؟
طلال سلمان: بالنتيجة هذا لو كان قراراً حتى، يكون نتيجة، لأنه غاب الجمهور عن الشارع، بكل المنطقة العربية لا يوجد حزب، حزب سياسي حقيقي لا يوجد، مصر مئة مليون لا يوجد فيها حزب سياسي حقيقي وليس فيها نقابة حقيقية، لبنان الذي طوال عمره شارع الأحزاب السياسية العقائدية في أضعف حالاتها التاريخية، لا يوجد نقابة في لبنان، ولا يوجد اتحاد لطلبة لبنان، إطلاقاً. عندما صدرت السفير، كان هناك اتحاد طلبة لبنان، وكان هناك أنور الفطايري وكان هناك حركة الوعي، يسار ويمين إن شئت، وكلاهما كانا يتحرّكان ويعملان وهناك جمهور من الطلبة والطالب يسيّس، حتى لو اختلفوا يساراً ويميناً هناك حركة حقيقية.
الثورة الفلسطينية شكّلت حركة سياسية عظيمة، هذا كله اندثر وهناك كثافة نفط ومال وعُكل ودنانير وذهب، لكن كل هذه المنطقة العربية ليس فيها حزب واحد، ليس فيها نقابة واحدة، نقابة حقيقية لا توجد.
أنظر للنقابات عندنا، كروش وخواجات وناس ذوات، أفضل ربطات عنق وبدلات وكذا، ولكن ليس لديهم علاقة بالحركة النقابية الفعلية، بالعمال بالكادحين كما كانوا يسمّون في السابق. طبعاً لن أطالب السعودية أن يكون فيها نقابة، لكن في الماضي كان بالسعودية نقابة عمال نفط مهمة جداً، وأيضاً في الكويت كانت هناك نقابة عمال نفط واختارت نواباً، وكان هناك حركة شعبية حقيقية وأصيلة.
مع الأسف كل هذا تكسّر، لم يبقَ لديك إلا السلاطين والضباط والشرطة والمخابرات، هؤلاء مَن يحكمك. أين تحرّر فلسطين؟ أنت أولاً حرر نفسك منهم، حرّر نفسك لتستطيع أن تعبّر عن رأيك وحتى تستطيع أن تقول وتنزل إلى الشارع وترفع يافطة وتضع قصيدة وطنية وتوصلها للإذاعة والتلفزيون.
هناك هيمنة مُطلقة على الإرادة العربية وعلى العقل العربي وعلى القدرة على الحركة. هذا لبنان الذي كان فوراناً، كان يعكس كل، كان شارعاً لكل التمنيات والأحلام والمشاريع العربية، الآن ساحته فارغة، إذا خرجت تظاهرة تكون من أجل الرواتب والجنود المخطوفين، وهذه قضايا محقّة لكنها ليست القضايا.
محمد علوش: قضايا مطلبية أكثر منها وطنية وقومية.
طلال سلمان: هذه قضية فلسطين، هذه غزّة، منذ شهر ونصف شهر وشهرين الناس بالشارع، وسقط ما بين مئتين وثلاثمئة شهيد و5000 جريح، لم تخرج تظاهرة، بالمنطقة العربية من المغرب إلى اليمن، لم تخرج تظاهرة.
محمد علوش: مع أنهم متّهمون بالعمالة لإيران، متّهمون كذلك.
طلال سلمان: أمر مخزٍ ومفجع وبنفس الوقت موئِس، ولا يمكن أن تنام الأمّة لهذا الحد، وتركت قضاياها وتركت، تحتاج لانتفاضة جديدة، انتفاضة خارج غزّة، غزّة انتفضوا، مسكينة تحاصرهم إسرائيل، يموتون من الجوع وهذا الذي يحدث ويزداد ضغط الحصار أكثر فأكثر.
محمد علوش: لتمرير صفقة القرن. ما هو انطباعك عن صفقة القرن؟
كيف ترى خطورة هذه الصفقة؟ وهل هي نتيجة حتمية لأوضاع العرب، ونقصد هنا كشعوب، كشعب عربي، أم أنه قرار سياسي يراد أن يمرّر من أجل قطع الطريق على أية رغبة حقيقية فلسطينية وعربية بالفعل في أن تسترجع شيئاً في يوم من الدولة الفلسطينية التي كانت موعودة فيها على حدود 67 أقلّه؟
طلال سلمان: كلاهما واحد، المنطقان يلتقيان، صفقة القرن لأنها هي العنوان للفجيعة الكبرى، غياب العرب عن القرار، عن القدرة على التأثير، لا يوجد عرب، صفقة القرن بين الأميركان والإسرائيليين وبعض الحكام العرب.
محمد علوش: ما وجه الاستفادة عربياً أن ينخرطوا في مشروع قد يصبح مسبّة له في التاريخ؟
طلال سلمان: الملك يبحث عن مصلحته وليس مصلحتك وليس عن مصلحة شعبه، الأمير يبحث عن مصلحته، أولاً مع الأسف، هناك أولاً كارثة فلسطينية، غزّة مر عليها شهران وثلاثة في الشارع والاستجابة بالضفة الغربية محدودة جداً، وهذا أمر مُفجع، لأنّ السلطة تحاول قمع هذا الترابط الطبيعي بين أبناء الشعب الواحد، وخرجت الضفة يوم العيد بمئات الآلاف، لكن في اليوم التالي كان نتانياهو عند الملك عبد الله، والصوَر علنية. سقط الخوف من الرأي العام العربي، لأنه لم يعد هناك رأي عام عربي، بل بات هناك آراء عامة عربية.
أولاً غياب مصر مُفجع، غياب الشارع المصري، اندثار ليبيا مُفجع، غرق سوريا بدمها مُفجع، انشغال العراق بمشاكله الداخلية وخلافاته، عرب وأكراد وسُنّة وشيعة.
محمد علوش: تطييف المجتمع العراقي.
طلال سلمان: هذه اللحظة التاريخية المجيدة بالنسبة للعدو الإسرائيلي وبالنسبة للأميركي وبالنسبة لكل أصحاب الأغراض، وسهل إيجاد الذريعة، يتحدّثون عن إيران. أين العرب يا إخوان؟
محمد علوش: أين المشروع العربي في مقابل المشروع الإيراني إذا كان موجوداً؟
طلال سلمان: حتى الأميركي والإسرائيلي يتحدّث عن إيران ولا يتحدث عن العرب، كأنه لا يوجد عرب، أن الخطر إيراني فارسي. أمّة الـ 400 و500 مليون أين هي؟ هناك احتقار وامتهان للكرامة العربية وامتهان لكرامة الإنسان العربي، شطبه كأنه غير موجود إطلاقاً، ومع الأسف يشطب، وحتى اللحظة لا توجد ردّة فعل بالمستوى المطلوب. هذه القاهرة 2011 التي كانت الملايين موجودة بالشارع، اختفت، بلعها السيسي، بلعها الحوت، سوريا غير موجودة بمعنى الشارع.
محمد علوش: على ذِكر سوريا، كيف تقرأ الآن الأزمة؟ في أي طريق وصلت إليه؟
طلال سلمان: نتمنّى أن نكون قد اقتربنا من آخر المحنة، تمنٍ، صمود النظام كان مكلفاً لكن هذا الصمود يبقي لك الأمل بإمكانية الوصول إلى نهاية مع الدعم الروسي والإيراني. واضح أنه تلملم أجزاء الدولة بشكل أو بآخر، وأعتقد أنه إذا فتحوا باب العودة للمهجرين قسراً يكونون قد خطوا خطوة عظيمة نحو الأمان، وإذا أخيراً شكّلوا حكومة وطنية جامعة وأنتجوا مجلساً نيابياً منتخباً شرعاً وبشكل طبيعي، بمعنى إذا نظّفوا صورة الحُكم وبات أقرب للناس ولمن تمزّقت وحدته، حلب باتت وحدها، وحمص وحماة، الجنوب وحده، دمشق وحدها، الساحل وحده، هذه تحتاج لجهود خرافية لإعادة لمّ هذه الأجزاء وتصفية العلاقة من الأحقاد والخصومات التي نشأت.
هناك مئات الآلاف واجهوا مئات الآلاف، إذاً تحتاج لصيغة متسامية وهائلة وتحتاج لجهة معنوية قادرة يصدّقها الناس إذا دعتهم للوحدة. إن شاء الله نكون قد اقتربنا، وإن شاء الله يكون الحكم أيضاً قد اتّعظ واستوعب الدروس الفظيعة والقاسية. كانت سوريا مضرب مثل بوحدتها وبتماسكها وبدورها القومي الذي لا يعوَّض، لا يعوَّض. هي كانت المحرّض الأساسي على القضايا القومية من أجل القضايا القومية، فلسطين الوحدة.
محمد علوش: على أمل ذلك، كل الشكر والتقدير لك رئيس تحرير صحيفة السفير وناشرها الأستاذ طلال سلمان، شكراً لحضورك معنا. أهلاً وسهلاً بك.
طلال سلمان: شكراً لك.
محمد علوش: كما نشكركم مشاهدينا على حُسن المتابعة، وإلى اللقاء.