طارق التل وأحمد الدرزي

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> أحاول منذ البدايات ألا أكون شبيهاً بأي أحد. رفضت الكلام المعلب دوماً، رفضت عبادة أي وثن. أحاول إحراق كل النصوص التي أرتديها، فبعض القصائد قبرٌ وبعض اللغات كفَن ولكنني جئت بعد مرور الزمن. &nbsp;ما قاله نزار قباني يوماً قد ينطبق على حال المثقفين في زمن الإقصاء والتطرّف.</p> <p>سنتان مضتا على اغتيال الباحث والكاتب الأردني ناهض حتر. هو واحدٌ في قافلة النخب التي أرغِمت على المضي بصمت نحو العالم الآخر. قضى الرجل مغدوراً كما قضى آخرون من قبله. هي ثقافة الكراهية، هي ثقافة الإقصاء حين يصبح الاختلاف في الرأي مفسداً للودّ والقضية معاً.</p> <p>ربما أخطأ ناهض في ما طرح أو صَدَم حين عبّر، لكنّه كان صادقاً في تعرية واقعنا. مضى ناهض جسداً، لكنّ فكره وما أثاره من جدلٍ ظلا حاضرَيْن في وجدان كثيرين منا. مضى وقلمه لم يجفّ، بل لم يسقط، فهناك من امتشق القلم من بعده ليكمل المسيرة.</p> <p>في ذكرى اغتيال الراحل، نسأل، هل باستشهاده انقطع سفك الدماء؟ هل سيبقى الاغتيال بالكلمة أو بالسيف المسار الأمضى في خلق التجانس المتوهَّم بين مكوّنات المجتمع؟ هل نتّعظ كشعوبٍ عربية من مآلات الإقصاء المعنوي والجسدي لمّن نختلف معهم فكراً أو ديناً أو سلوكا؟</p> <p>للنقاش معنا الدكتور طارق التل الأستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومعنا أيضاً الدكتور أحمد الدرزي وهو كاتبٌ سياسيٌ سوري.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>(فاصل)</strong></p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> حياكم الله وأهلاً بكم مشاهدينا في حوار الساعة، ونرحّب بضيفينا، ونبدأ مع الدكتور طارق التل.</p> <p>طبعاً حضرتك أردني، وكذلك الراحل هو أردني. حضرتك مثقّف وكان هو مثقّفاً. لو قدّر لك اليوم أن تقف فوق قبر الراحل، ما الذي يمكن أن تقول له؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أردّد أبيات شعر كتبها هو في قصيدته قمر على البلقاء، حين قال إنّ الأردن دائماً يبخل نحو مثقّفيه، وحال ناهض هي حال مثقّفين سبقوه، مثل الراحل غالب هلسا ومثل مصطفى وهبي التل عرار، أصحاب رأي وفكر ورؤية منفتحة للوطنية الأردنية، ولكن حاربهم المجتمع وحاربتهم الدولة الأردنية التي دائماً كانت تغذّي العصبيّات الضيّقة لتقسّم الشعب الأردني وتتحكّم به.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> هل كان الراحل سابقاً لزمنه دكتور أحمد، برأيك؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> هنا مسألة ناهض لأنه كان أفقه ينظر إلى البعيد، كان يلتقط ما يحصل من دقائق الأمور فيستطيع أن يكوّن منها صورة مستقبلية قد لا تتراءى لبقية المفكّرين والمثقّفين، فمن هنا كان يندفع إلى طرح المفاهيم والأفكار التي تسبق عصره، ما سبّب مشكلة كبيرة لهذا المفكّر بأنّ المجتمع الآن غير متقبّل لإمكانية حدوث أو تحقيق هذه الفكرة. فمن هنا، كان الصِدام مع ناهض في كل المستويات، على المستوى الأردني، على المستوى العربي، على مستوى تنوّع الهويات الموجودة داخل المنطقة، دفع ثمن عدم فهم وإدراك كل هذه الشرائح لأسبقيّة ناهض بالحديث عن ضرورات المستقبل، وكيف من المفترض أن يكون الصِدام مع المشاريع الغربيّة، كيف يمكن أن نعيد تشكيل المنطقة وفق رؤية أخرى، كيف يمكن أن نُخرِج الأردن، الأردن صاحب الدور الوظيفي في المنطقة، بأنّ هذا الدور الوظيفي والاستمرار به سيدمّره. من هنا كانت رؤيته حتى للقضية الفلسطينية، كيف يجب أن تُعالَج، وتصدّيه لكل المسائل التي كانت تُطرَح على الساحة لكي تُقبَل بعض المشاريع، هنا دوره الأساسي، دور سابق لزمانه، سبّب له مشكلة كبيرة أمام مجموع القوى التي لا تريد أن تغيّر من الوضع الذي تعيشه هذه القوى على مستوى الأردن، على مستوى المشرق، حتى على المستوى العربي.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> دكتور طارق، عرفنا الراحل صحافياً، ناقداً، بين قوسين لاذِعاً، لكن كان عنده أطروحة، هي فوق الصحافة، لإشكاليات ليست فقط للأردن وإنما لعموم المنطقة. تقديركم، كيف يمكن وصفه؟ هل هو كان صحافياً متمرّداً أم كان مفكّراً لم يُفهَم بشكل صحيح لا في الأردن ولا في خارجه؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> اعتقادي الشخصي ناهض كان مثقّفاً ملتزماً رأى في الصحافة طريقاً وأسلوباً لنشر أفكاره والوصول إلى أكبر عدد ممكن.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> ما الذي تقصده بملتزم؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> كان ملتزماً أولاً بديمقراطية اجتماعية في داخل مجتمعاته، وبدأ بالحزب الشيوعي الأردني وكان يطرح أفكاراً ترتبط بإعادة توزيع الدخل والثروات، وبالاهتمام بالطبقات الكادحة، ولكنّه في نفس الوقت كان ملتزماً بحركة التحرّر الوطني العربية، التي كان يرها تتقسم إلى أقاليم معيّنة، الاقليم الذي ركّز عليه وصبّ اهتماماته فيه كان اقليم المشرق العربي، وبالذات الهلال الخصيب.</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;<strong>محمد علوش:</strong> هو جزء أو مؤسّس لما يُعرَف بالمشرقية كأطروحة لحلّ جملة من القضايا المزمنة في التعايش بين المكوّنات المختلفة في المجتمعات العربية.</p> <p>هل هو قارب المسألة بطريقة واقعية، بطريقة تتناسب وثقافات المجتمع الموجود فيه؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> حسب اعتقادي نعم، هو طرح فكرة المشرق ليس كأمّة منفصلة على طريقة مثلاً الحزب القومي السوري الاجتماعي الذي كان يحترمه ويقدّره، طرح فكرة المشرقيّة كإطار تنمويّ واسع، تستطيع شعوب الهلال الخصيب التعايش مع بعضها والتقدّم نحو ما هو أفضل، وكان يرى في ثقافة المنطقة المشرقية تعدّداً دينياً وثقافياً وإثنياً، وهذا ميراث كان يقدّره، وكان يحاول أن يطرح طروحات تخرج ببنى سياسية، تمكّن هذا التنوّع الثقافي من الازدهار والتوسّع.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> دكتور أحمد، هذه المشرقية التي طرحها الأستاذ ناهض، بعض القوميّين كان لديهم تحفّظ على هذه الأطروحة، وكأنه يتحدّث عن شعوب وليس عن شعب عربي واحد، يتحدّث بحسب ما يقول طبعاً البعض، عن نوع من التناسق لأقليات مختلفة في المنطقة، بمعنى نظر إلى الشعوب في هذه المنطقة من زاوية إما إثنية وإما دينية، وبالتالي وكأنه لم ينظر إليها من زاوية وطنية بحسب بعض النقود التي وجهت إليه.</p> <p>تقديركم، هل قُرئ خطأ في موضوع المشرقية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> مشكلة المفكّرين أو قسم كبير من المفكّرين أنّهم لا يستطيعون التفكير من خارج الصندوق، محكومون من قِبَل مبادئ لا يمكن أن ينحادوا عنها، لا يتعاطون ولا يتفاعلون مع متغيّرات الواقع. المسألة الأساسية التي اكتشفها، وتمّ إعادة كشفها، الشهيد ناهض، هي مسألة أنّ هناك أولويات على مستوى المنطقة وعلى مستوى الاقليم وعلى مستوى العالم، نظر إلى أن سوريا هي الجدار الأخير، ودفع ثمناً كبيراً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> سوريا الدولة الحديثة، تقصد، وليس سوريا الطبيعية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> سوريا الدولة الحديثة، ليست سوريا الطبيعية، الدولة الحديثة، فلا بد من مشروع ينقذ هذه المنطقة، المنطقة مأزومة كلها، العراق مأزوم، لبنان مأزوم، فلسطين معروف الوضع فيها، الأردن مأزوم. كيف يمكن الخروج من هذا المأزق بهذا المشرق العربي الموجود حالياً؟ هذا المشرق العربي هو متعدّد، النسيج الاجتماعي متنوّع وبالأساس كان متماسكاً ولم يكن مفكَّكاً، ولكن ما أحدث به عبر مئة عام منذ عام 1918 من بدء تشكيل هذه الدول وحتى الآن، استطاع المشروع الغربي أن يضع مسارات لهويات فرعية تدخل ضمن هذه الدول لكي تُستخدَم في الصِدام والصراع في ما بينها لتحطيم هذه الدول من الداخل، فكان مشروعه أن تكون الأولوية ليس في مواجهة العروبة، ولكن هناك منطقة في طور السقوط، إذا ما أسقِطت فإنّ لا وجود للعرب من بعد سقوط هذه المنطقة، فكان الحلّ أن يكون هناك شكل من أشكال التكامل والترابط، بالدرجة الأولى بين سوريا والعراق كرافعتين لكل المنطقة، وبالتحاق الأردن وفلسطين ولبنان بطبيعة الحال بهذه المنطقة، ولإقامة توازن على مستوى الاقليم الذي دخل بصراعات مستمرة منذ 5000 عام حتى الآن، فلا بد من إقامة هذا التوازن من خلال إيجاد هذه البنية المتنوّعة، وإخراجها من إطار الصراعات الداخلية إلى إطار التعاون وإطار التنمية المستدامة، بحيث تكون رقماً صعباً موازناً على مستوى الاقليم وعلى المستوى العالمي. فمن لا يستطيع التفكير بمسألة الأولويات، لا يمكن أن يفهم ناهض، لا يمكننا أن نتخلّى عن العمق العربي، لا يمكننا أن نتخلّى عن مصر، لا يمكننا أن نتخلّى عن المغرب، ولكن هل يمكننا في واقع الحال أن يكون هناك تواصل حقيقي بين سوريا وبين مصر؟ تجربة الوحدة أثبتت أنّ عدم وجود تماس جغرافي ما بين سوريا وما بين مصر أسقط الوحدة بكل بساطة.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> البعض يقول ربما لأنها كانت مطروحة على صعيد القمّة ولم تكن مطروحة أو مهيّأ لها على صعيد القاعدة الاجتماعية، وهذه إشكالية حقيقية، لأنه دائماً عندما تكون الأفكار تأتي من فوق والمجتمع غير قادر على هضمها، يصبح من الصعوبة بمكان أن تحقّق هذا المشروع.</p> <p>على أية حال، مضى الرجل بأطروحته سواء كانت واقعية، اختلفنا معها أم اتفقنا، لكنّه اغتيل، وبالتالي الأمر يلقي الضوء على مدى التسامح ودائرة التسامح مع مَن نختلف معه في الطرح.</p> <p>في موقع المغرب اليوم، يستحضر الكاتب أسامة الرنتيسي ذكرى اغتيال الكاتب ناهض حتر، فيرثي واقعنا العربي الذي يفتقر إلى لغة التسامح، فيما لغة الكراهية والحقد تزداد اتساعاً. نشاهد معاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>المغرب اليوم:</strong> لنعترف أننا قصّرنا مع ناهض حتر، أسامة الرنتيسي</p> <p>سنتان مضتا في غفلةٍ منّا كأنهما ساعات معدودة، فلا تزال دماء حتر ساخنةً على أدراج قصر العدل وظاهرة للعيان، ولا تزال أسئلة معتصم ناهض حتر في كتابه "تراجيديا أبناء الشهيد" من غير إجابات. ورغم هذا، هناك من يرغب في إغلاق الملف، ولا يرغب في إقامة احتفالٍ أو تكريم يليق بحتر.</p> <p>للأسف الشديد، استمرّت الخلافات في الرؤى والتفكير والمواقف السياسية التي كانت بين ناهض حتر وخصومه الكثر بعد استشهاده بشكلٍ لا تختلف عنه في حياته، فبقي الكثيرون يحاسبونه على مواقفه المثيرة للجدل، رغم أنّ الرصاصات الجبانة التي أودت بحياته كان عليها أن تزيل أيّ خلافٍ معه أو حوله.</p> <p>سنتان مضتا ولا تزال الأحوال على حالها، بل إنّ لغة الكراهية والحقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي في اتّساع، ومن يتابع التعليقات البائسة حول أيّة قضيّةٍ خلافيّةٍ يكتشف حجم الكراهية في العقول والقلوب.</p> <p>أكثر ما ينقصنا في منظومة الأخلاق العامة هذه الأيام فقدان معاني التسامح وغياب ثقافة تعلّم الصبر وهما القيمتان الأساسيتان في الحياة، ومن يتقنهما ويتقن التعامل بهما يعرف جيّداً أين يضع قدميه ويعرف مآلات قراراته.</p> <p>بعد انتشار ظاهرة العنف والتطرّف في معظم مجتمعاتنا العربية، باتت ثقافة التسامح إحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية في الواقع المعاصر وهي الوحيدة القادرة على تجاوز مِحَن الشعوب من ويلات القتل والتدمير والإرهاب.</p> <p>في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال ناهض حتر، فلنعلِ ثقافة التسامح وتقبّل الآخر. وإن اختلفنا في الكلمة والفكر، علينا ألا نهرب منهما إلى لغة الرصاص فالحياة أجمل بكثير.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> دكتور طارق، طبعاً هذه البلاد كما هو معروف مهد المسيح، المحبة، مهد الرسالة الإسلامية التي تتحدّث عن العدل والإنصاف، لكن في المقابل منظومة الأخلاق يقول البعض إن فيها اهتراء، عدم تماسك. ثقافة الكراهية لا تنكفئ بل تزداد. أين الإشكال بتقديركم خاصة عندما ينزف شخص أو يصبح ضحية لأطروحة قدّمها قد لا يستسيغها البعض، مجرّد استسغاء، وبالتالي قد يبادر إلى قتل هذا الرجل باسم المقدّس، باسم الأخلاق، باسم الحفاظ على الثوابت والقيم؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أنا حسب رأيي علينا أن نضع الكلام عن غياب التسامح في إطار سياسي، وأن نحاكم الدول، تم في منطقتنا وفي منطقة الشرق الأوسط الكبير ومنذ السبعينات، تربية نمط تكفيري من السياسة الدينية، أخذت الكثير من الوهابية، وتكفّر الآخر وتسمح بقتله، وهذا التيار السياسي ما كان لينمو لولا دعم دول كبرى له واستفادتها، وحال ناهض تمثل ذلك. ناهض لم يُقتَل ولم يُحرَّض عليه فقط من المجتمع الأردني، من قاد الحملة ضد ناهض هو الدولة الأردنية برئاسة هاني ملقي رئيس الحكومة آنذاك، وباشتراك وزارة الأوقاف، وكذلك مجموعة الإخوان المسلمين، وكانت الحملة عليه سياسية بامتياز.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> البعض قد يتساءل، أنه هل هذا، ما تقوله حضرتك الآن، مدعَم بما يثبت بالفعل أنّ الدولة، الدولة متورّطة، أن وزارة الأوقاف التي هي معنية بالإرشاد والتوجيه، قد تكون متورّطة في مثل هذا العمل الذي يترفّع أي إنسان طبيعي عن فعله؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أنا أعتقد واضح من البيانات التي أصدروها، ومن قرار رئيس الوزراء بتجريم ناهض، وعدم حمايته في ما بعد، هذا كان مشروعاً سياسياً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> تقصد على خلفية الرسم الكاريكاتوري الذي نشره وتم سحبه في ما بعد؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أيضاً بسبب مكانة ناهض الكاتب المحوري بين المعارضة الأردنية وزنبرك كل حركات المعارضة التي خرجت من التسعينات.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> بماذا كان يزعج الدولة الأردنية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> كان يزعج الدولة الأردنية أولاً بطرحه.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> هناك معارضون كثر غيره لم يتعرّضوا لعملية اغتيال.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> لكن ناهض وجد المعادلة التي استطاعت تجنيد وتجييش الأردنيين والشرق أردنيين بالذات، وهؤلاء مهمّون بالنسبة للنظام الأردني، كونهم يشكّلون الأغلبية الساحقة من رجال الأمن والجيش، وعصبيتهم هي العصبية الأساسية التي تحمل النظام الهاشمي في الأردن، واستطاع ناهض أن يربط بين وطنية أردنية داعمة للمشروع المشرقي وداعمة للمشروع العروبي الذي جاء فيه الهاشميون أصلاً من الحجاز، ومعادية للصهيونية ولإسرائيل التي تهيمن الآن على الأمور في الأردن، وربط ذلك بالمصالح الاجتماعية لهذه الفئة من الناس، لأنه دافع عن القطاع العام الذي تعتاش منه الغالبية الساحقة من الأردنيين، فهذه المعادلة كانت تزعج الدولة، وكانت تؤثّر على الصراع السياسي والاجتماعي في الأردن، ليس فقط بين المعارضة وبين الدولة بل بين فئات مختلفة في داخل الدولة.</p> <p>فلذلك كان له دور محوري في السياسة الأردنية، واستغلّت حكومة الملقي الهفوة في نشر هذا الكاريكاتور، نشره طبعاً على حسابه الخاص في فايسبوك ثم اعتذر عنه وإلى آخره، فحرّضت على عملية قتله، وخرّجت كل هذه الآفات الدينية والمذهبية التي مهّدت الطريق لقتله.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> هنا سؤال يطرح نفسه دكتور أحمد، إذا ما استعرضنا التاريخ الحديث في عالمنا العربي المعاصر، نجد شخصيات كثيرة تعرّضت للاغتيال، بالمناسبة، لمن لا يعلم، أنه حسب المعلومات أن الأستاذ ناهض حتر أساساً تعرّض في الثمانينات لمحاولة اغتيال أيضاً، لم تكن هذه المرة الأولى.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> آخر التسعينات.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> في آخر التسعينات، إذاً تعرّض لمحاولة اغتيال قبل ذلك والمحاولة الثانية للأسف كانت ناجحة، لكن المستعرض لتاريخنا العربي يجد أن شخصيات كثيرة تم التحريض عليها، منها من بالفعل نجحت عملية اغتياله ومنها من لم ينجح، شخصيات كبيرة، في مصر على سبيل المثال فرج فودة ونجيب محفوظ الأديب المعروف أيضاً تعرّض لمحاولة اغتيال، وهناك شخصيات تم تكفيرها وتجريمها وبالتالي وكأنه الحثّ على القتال.</p> <p>السؤال الذي يطرح نفسه دكتور أحمد، لماذا دائماً ما تتعرّض هذه النخب إلى محاولة الإقصاء الجسدي، أي لا تكون الحجّة تقابلها حجّة أخرى، تُقرَع بالحجّة، وإنما نذهب مباشرة إلى عملية الإقصاء والإلغاء والتشكيك بالنوايا أو الاتهام بالعمالة أو بالمؤامرة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> السبب قد يكون بسيطاً، إذا ما عدنا إلى عمق المسألة الإقصائية. المسألة الإقصائية مرتبطة بأساس تأسيس الدولة، ليس الدولة العربية الحديثة وإنما عبر التاريخ وما زالت مستمرة حتى الآن. الشيء المسيطر على كينونات الدول هو قاعدة شرعية المتغلّب بأيّ شكل من الأشكال، وهذه القاعدة لها نتائج، هذه النتائج تظهر من خلال طبيعة التحالفات، تحالفات السلطات السياسية مع قوى المجتمع، وهناك شيء من التبادل بالأدوار في ما بينها، بحيث يحافظ كل طرف من الأطراف على مصالحه من خلال دعمه للطرف الآخر، فمن هنا لا يمكن إلا أن يرضي كل طرف الطرف الآخر، هذا الإرضاء يكون من خلال الإقصاء الجسدي لمنع عملية التفكير.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> في حالته التطبيقية، كيف يمكن ترجمته في الحال الأردنية مع الراحل ناهض حتر، أم في الحال المصرية مع فرج فودة على سبيل المثال أو نجيب محفوظ؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> من الناحية النظرية، كلنا يعرف على مستوى الأردن، التحالف القائم ما بين الأسرة الملكية وما بين تيار الإخوان المسلمين الحاصل منذ بدء تأسيس الدولة الأردنية وتأسيس حركة الإخوان المسلمين، واعتماد الدولة الأردنية عليهم في مواجهة كل التيارات اليسارية والقومية والعروبية والقومية التي تُخرِج الأردن عن دوره الوظيفي على الحدود مع فلسطين المحتلة. هذه المنطقة يحرَّم أن تكون ذات توجه مناقض بالوجود للدولة الصهيونية. هذا التحالف تطوّر من خلال تطوّر آليات عمل حركات الإخوان المسلمين، ودخول التيار السروري في بنية هذا التيّار، الذي دمج ما بين التيار السلفي وما بين التيار الإخواني، فأصبح تياراً عنفياً قائماً، فتقتضي هذه المصالح، بالإضافة للمصالح الاقليمية قرار تصفية ناهض ليس قراراً أردنياً بحتاً، لا، هو قرار اقليمي ودولي، قرار على مستوى ساهمت به المملكة العربية السعودية، ساهمت به الولايات المتحدة الأميركية، على شكل اغتيال الراحل أنطون سعاده، عندما شكّل بمشروعه خطورة بإمكانية إبراز قوّة في هذه المنطقة التي يُمنَع عليها أن تتشكّل فيها قوّة مركزية، لأنها تهدّد التمدّد الدائم والمستمر لقوى النهب العالمي.</p> <p>فهذا القرار الذي اتُخِذ في الأردن هو قرار مركَّب، أتيحت للقوى الظلامية أن تنفّذ هذا الموضوع لمصلحتها، على أساس أنه لمصلحتها، ولكن في النهاية هذا الحدث كان لمصلحة مَن يدير كل هذه المسائل على المسرح.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> طبعاً البعض يتساءل أنه لماذا لا نطرح فرضية أخرى، وهي أن تركيبة المجتمعات العربية والتي فيها جزء من التنافر مع عدم قبول الآخر، قد تكون لاعباً أساسياً في مثل هذه الأمور، بعيداً عن رغبة سلطوية من ناحية أو قرار دولي من ناحية أخرى؟ هل بالفعل نحن في مجتمعاتنا العربية نعاني هذه الإشكالية وبالتالي لا نحاول إظهارها وإبرازها بشكل حقيقي لأن الظروف لا تسمح بذلك؟</p> <p>أسمع منكم الإجابة ضيفينا الكريمين ولكن بعد فاصل قصير. مشاهدينا أرجو أن تتفضلوا بالبقاء معنا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong><u>المحور الثاني</u></strong></p> <p><strong><u>&nbsp;</u></strong></p> <p><strong>محمد علوش:</strong> نجدّد بكم الترحيب مشاهدينا في حوار الساعة. نتحدّث في هذه الحلقة في ذكرى اغتيال الراحل ناهض حتر، كاتب أردني معروف.</p> <p>وتحت عنوان في مواجهة التطرّف، كتب أمجد عرار في صحيفة البيان الإماراتية عن ضرورة لجم السلطات ووسائل الإعلام التي توظّف الدين في نشر الكراهية، وتحرّض على العنف، داعياً إلى قونَنة نصوص واجتراح تشريعات تُجرِّم هذا السلوك. نشاهد معاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>البيان الإماراتية:</strong> في مواجهة التطرّف، أمجد عرار</p> <p>في عالمٍ متشابكٍ، وفي عصر العولمة السياسية والاقتصادية والإعلامية والمعرفية، عندما تستمر المشكلات ينبغي طرق أبواب جديدة للحلول وتجنّب تكرار الأسطوانات وشحذ الأدوات المجرَّبة بلا جدوى، حيث يتمكّن التركيز على خطاب الإنسانية والتسامح والاعتدال الديني من تحوير الوعي الشعبي، فيصبح نابذاً للتطرُّف والعنصرية واستباحة دم الإنسان وماله وعرضه تحت عناوين مضلّلةٍ ومزوَّرة.</p> <p>المُراد صوتٌ ينتزع من عقول النشء كل مبرّرات التطرّف وأهمّها تذويب العنصرية في دواخلهم وشطب احتقار الآخر من تفكيرهم، وبناء هذا النشء على قاعدة أنا والآخر يكمل بعضنا بعضاً ولسنا نقيضين.</p> <p>لم يعد مسموحاً ولا محتملاً استمرار بعض الجهات دولاً وأبواقاً إعلامية في توظيف الدين واحتكاره في خدمة سياسات هدّامة وممزّقة للمجتمعات وهادِمة للدول والكيانات.</p> <p>هذا المحظور غير المسموح به لم يعد يكترث بالمنتديات والمنابر والكلام العابر للمناسبات، لذا ينبغي مواجهته بسياساتٍ جديدةٍ مكثّفةٍ وجادة، وتعتمد خطين متداخلين، التوعية المستدامة والإجراءات الرادعة.</p> <p>وإن كنّا تناولنا في عجالةٍ سبل التوعية، فإنّ الإجراءات الرادعة تبدأ بالقوننة، بحيث تتضمّن القوانين والتشريعات نصوصاً صريحةً بتجريم كل صوتٍ يحرّض على الفتن ويغذّيها بكل أشكالها، وبإدراجه تحت بند الشروع في القتل، ورفع درجة العقوبة إلى مستوى الردع الفعال.</p> <p>إذا ظلّت المعادلة على حالها، تطرّفٌ يجدّد نفسه ومواجهة بالوسائل القديمة ذاتها، فإنّ الصوت الإنسانيّ سيهزمه الإرهاب.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> يبدو لي دكتور طارق، من المقالة، وكأنه يقول بتقصير السلطات في قوننة وإيجاد تشريعات تجرّم هذه الأفعال وتلجم مَن يتّجه إلى العنف وليس تورّطاً، بمعنى آخر، هو تكملة لما طرحناه من تساؤل قبل الفاصل، أنه لماذا لا نفترض أنه قد يكون شخص بادر إلى هذا الفعل بعيداً عن رغبة سلطوية أو قرار خارجي بتصفية شخصية من مثل هذا النوع؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> لأنّ تاريخ الحملة على ناهض يبيّن غير ذلك، كما قلت ابتدأ التحريض من رئيس الوزراء وانتشر إلى جهاز وزارة الأوقاف، وبعد ذلك إلى المجال الإلكتروني، وفي الأردن قوانين صارِمة لمنع الكلام العدائي أو المحرّض في هذا المجال الإلكتروني، ولكن إلى الآن لم تجرِ أيّة معاقبة للذين كتبوا، وبشكل قبيح جداً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> مع أنه جرت محاكمة الفاعل؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> محاكمة الفاعل، ولكن المحرّضين الآخرين بقوا. مثال على ذلك، جريدة الإخوان المسلمين السبيل الآن تصدر بشكل إلكتروني، والقائمون على النسخة الورقية القديمة ما زالوا على رأس عملهم. في جريدة السبيل في هذه الفترة التي اعتُقِل فيها ناهض، تمّ تحريف الرسم الكاريكاتوري، فالرسم الأصلي كان معنوناً بربّ الدواعش، في جريدة السبيل أعيد العنوان، حتى أصبح رب الإسلام، ما جيّش كلّ شخص مسلم ضد ناهض وضد ما كتبه، رغم اعتذاره. لماذا لم يُحاسَب القائمون على جريدة السبيل؟ السبب تطرق إليه الدكتور الدرزي أن هناك حلفاً قديماً بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الدولة الأردنية وبين أجهزتها، وبالذات جناح من المخابرات العامة يعود إلى الأربعينات، تجذّر في الخمسينات وفي السبعينات وفي الثمانينات تم تسليم كل المؤسسات التي تعمل على نشر الثقافة العامة والتربية في الأردن إلى الإخوان المسلمين، وطبعاً الإخوان المسلمون تحالفوا مع الدولة في العام 1989، عندما قامت التظاهرات المعروفة عندنا بهبّة أيار ضدّ مشروع صندوق النقد الدولي، وطالبت بإعادة الحكم الدستوري والديمقراطية، فتمّ تحالف بين الدولة وبين الإخوان المسلمين، امتصّ الغضب الشعبي والتفّ عليها ببرلمانٍ ضعيف ومزوَّر، سامح كلّ الفاسدين الذين كانوا مسؤولين عن الأزمة في البداية. فعلاقة الإخوان المسلمين بالدولة الأردنية عضوية، والإخوان المسلمون دائماً ينشرون ثقافات لها جذور سلفية وهّابية تقصي الآخر.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> حضرتك هنا لا تفصل بين السلفيين وبين الإخوان، تراهم شيئاً واحداً في الحال الأردنية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أنا أعتقد أن هناك تقسيم أدوار لأن الثقافة الإقصائية والتكفيرية هي ثقافة واحدة.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> تقسيم أدوار، تبادل أدوار.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> طبعاً هناك أجنحة في الإخوان المسلمين أكثر انفتاحاً، ومستعدون للتعامل مع سياسات ديمقراطية مثل زمزم ولكن الغالبية الساحقة تتعامل.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> تقصد حيّ الغرايبة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> حيّ الغرايبة، مع هذا التيار التكفيري، وطبعاً هناك علاقات قديمة مع جامعات ومؤسّسات ومصادر تمويل في الخليج تغذّي كلّ هذا، طبعاً تم تجييش ذلك في هذه الفترة بسبب الصراع في سوريا، وكان ناهض لاعباً أساسياً في هذا الصراع ومن أهم المدافعين عن الدولة السورية.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> طبعا لا نريد ن ندخل بما يعرف بمسّ بالمقدّسات وبالأديان، لكن البعض يتحامل أحياناً على النصوص المقدّسة بأنها محبِّذة على العنف، وليس أنّ السلطة تحاول أن توظّف هذه الحركات، سواء بالتحالف معها أو من وراء وجودها لضرب خصومها في المعارضة.</p> <p>تقديرك دكتور أحمد، إلى أي حد تتحمّل النصوص المقدَّسة هذه الاتهامات، بأنها مفجّرة للعنف، محرّضة على العنف؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> النصّ من حيث النزول هو نصّ مقدّس، ولكن من حيث الرؤية هي رؤية بشرية، عندما نتناول هذا النصّ يتحوّل هذا النصّ من نصٍّ مقدّس إلى نصٍّ بشري وفق الرؤية وفق ما أمتلكه من مقدّرات لغوية ومعرفية، تطلقني في مجال التفكير على مستوى النصّ.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> تفرّق حضرتك بين الدين بأصله كنصٍّ مقدّس وبين التديّن الذي هو فَهْم بشري لنصٍّ ديني؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> التديّن بخطّه العام هو منتج بشري، وكلّ ما كُتِب في مجال الفقه وفي مجال التشريع هو إنتاج بشري. لو كان غير إنتاج بشري لكنا لم نرَ أيّ اختلاف بين المسلمين، بين بعضهم البعض، وحتى بين المسيحيين بين بعضهم البعض، وبين حتى اليهود بين بعضهم البعض حول الرؤية لكل نصّ من النصوص المقدّسة. هذه الرؤية المتنوّعة والمختلفة بين الآخرين تعبّر عن رؤية بشرية، وبالتالي فإن إمكانية استخدام النصّ لمصالح محدّدة تأتي من هنا، بكيفية ليّ النصّ ليخدم المستثمرين الحقيقيين في هذه المسألة كما حصل لناهض.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> تقديرك، استدعيت النصوص لتبرير عملية الاغتيال؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> لتبرير عملية الاغتيال، حتى القاتل الذي أعدِم سريعاً كي تُقطَع كلّ الوثائق أو من كان وراءه من اعترافات.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> تدين مَن كان وراءه؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> عمّن كان وراء هذا الاغتيال، ووصلت بعض المعلومات بأنه قد قال لم تعدوني هكذا.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> كلام خطير أن يقول ذلك.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> هنا يجب، مع الاعتذار للمقاطعة، التذكير بموضوع أساسي، أنّ السلطات الأردنية بشخص ملك البلاد عبد الله الثاني، وعدوا آل حتر بتحقيق كامل في عملية الاغتيال وما زلنا ننتظر حتى اللحظة.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> على ذِكر الأردن والواقع السياسي في الأردن، في صحيفة القدس العربي يكتب بسام البدارين عن الواقع السياسي فيها، لافتاً إلى أن اعتراف الدولة بالأخطاء لا يكفي وحده لحل أزمات البلاد. نشاهد معاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>القدس العربي:</strong> الأردن دولة تعترف بالأخطاء... ماذا بعد؟ بسام البدارين</p> <p>مشكلتي مع منطق الإقرار بأخطاء الماضي في مسيرة سلسلة حكومات متعاقبة أنه غير متلازم بعد مع إبلاغ الشعب بتفاصيل هذه الأخطاء، ويتمّ استخدامه دعائياً وشعبوياً فقط من دون تكريس المساءلة، والمشكلة الأهمّ هي أن الشعب اليوم مطلوبٌ منه حصرياً تحمّل كلفة ونتائج الأخطاء التي تعترف بها رموز الإدارة ومن دون مساءلاتٍ أو محاكماتٍ أو حتى مشاريع عامّةٍ للإنصاف والمصالحة حتى لا تتكرّر الأخطاء.</p> <p>الدسم عملياً في الاعتراف العلني أيضاً اليوم هو أولاً باستحالة إنجاز إصلاح اقتصادي وضريبي من دون إصلاح سياسي. إن الحاجة إضطرارية اليوم وملحّة جداً ومن باب البقاء هذه المرة وليس من باب الترف لانتخابات غير مزوّرة ولم يُعبَث بها، مماثلة لتجربة عام 1989.</p> <p>تسقط هنا تماماً النظرية التي تقول إنّ الدولة لا تحتاج إلى شعبها ويكفي أن تقيم حساباتها وفقاً للمعسكر الأميركي والإسرائيلي والسعودي فقط، فمن ينقلبون على الأردن وقياداته اليوم هم حصرياً هؤلاء الشركاء الذين تمّ إنكار الشعب وتجاهله عشرات المرّات من أجل سواد عيونهم، ومن باب الرهان فقط على الدعم الخارجيّ وتجاهل الداخلي.</p> <p>هي إقراراتٌ مدهشة سياسياً ووطنياً حتى اللحظة، لكنها ستسحب مجدّداً ما تبقى من رصيد النظام إذا كانت متذاكية أو متعلّقة بظرفٍ اقتصادي واقليمي فقط، أو تكتيكية ومرحلية.</p> <p>نحذّر بأعلى صوتٍ من المراوغة والتفليم والتضليل هنا، فاللعبة اختلفت قواعدها وأصبحت خطرة جداً وعلى الجميع.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> عن هذه اللعبة وقواعدها الخطيرة، دكتور طارق، هل يمكن القول إنّ الراحل استشهد ضحية أزمة عميقة تعيشها البلاد، أي الأردن، وقد تتكرّر طالما أنّ هذه الأزمة ما زالت قائمة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أنا اعتقادي أنه تم تصفية ناهض لأنه كان اللاعب الأساسي في معارضة النهج السياسي والجيو سياسي الذي يهيمن على الأردن، أولاً النهج النيوليبرالي الذي كان يحاول إدخال آليات السوق في كل طرف من البلاد، وله كتابات واسعة على ذلك، ثانياً تموضع الأردن في حلف عملي مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة ومع حلفائهم في الخليج، ونتذكّر أنّه قبل اعتقاله بقليل، كتب ناهض حتر عن انقلاب سعودي في الأردن، وأعتقد لو أنه عاش وعاصر هذه الحركة الواسعة من الاحتجاجات التي تسمّى الآن هبّة أيار وهبّة حزيران 2018، للعب دوراً أساسياً في تجييش الناس وفي دفعها في اتجاه أكثر راديكالية، قد يغيّر.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> راديكالية تقصد في العلاقة ما بين الأردن والسعودية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> راديكالية في العلاقة بين الأردن والسعودية ومع إسرائيل، كان هَمّ ناهض الأساسي هو الصراع العربي الإسرائيلي، ويريد نقل الأردن من محور صهيوني إلى محور ممانعة، ومن بعد ذلك إلى محور المقاومة الذي كان يؤمن به، وكان يعتقد أن المشرقية وعودة الأردن إلى حاضنها السوري الأوسع هي الطريقة المثلى لذلك. ولذلك أصبح ضحية هذه المؤامرة التي لعبت فيها أجهزة وقوى أدواراً مختلفة.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> دكتور أحمد، معروف جداً حجم الكتابات والحوارات التي أجراها، والمرافعات التي قام بها الراحل عن سوريا الدولة، عن سوريا النظام أيضاً.</p> <p>برأيك، ما الذي خسرته سوريا باغتيال ناهض؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> الخسارة كبيرة جداً، الخسارة الأولى، خسرت مدافعاً شرساً له كلمته العليا على مستوى جموع المثقفين في داخل سوريا وفي خارج سوريا، كان له دور على مستوى إيصال مظلومية الدولة السورية، وتوضيح طبيعة الحرب القائمة على سوريا، وخسرت أيضاً منظّراً لمرحلة متطلّبة، قادمة. سوريا هل تستطيع أن تسير وفق آليات ما قبل 2011؟ هذا الموضوع موضوع إشكالي كبير. بمعنى آخر، أنّ طبيعة السياسات تقتضي تصوّراً جديداً للخروج من أزمات قادمة، للخروج من كوارث قادمة، إذا ما تمّت العودة إلى سياسات ما قبل 2011، فإننا مقبلون على كارثة أخرى خلال خمس أو عشر سنوات قادمة.</p> <p>ناهض يمتلك إمكانية التفكير من خارج الإطار التقليدي، يستطيع إيجاد الأرضية الفكرية الأساسية لنهوض ليس فقط سوريا، سوريا هي محور بالنسبة له، هي محور بالنسبة لنا، هي آخر ما تبقّى في المنطقة، هي الجدار الأخير.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> النهوض بالمنطقة ككلّ تقصد.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> هي الجدار الأخير، هي القلعة الأخيرة التي إذا سقطت.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> يبقى لديّ دقيقتان ربما، لكن يهمّني أن أعرف إلى أيّ حد فكرة المقاومة كانت حاضرة في الأطروحة المشرقية لدى ناهض. ناهض يساري معروف، وتاريخه الثوري كما حضرتك أشرت، لكن فكرة المقاومة، وتحديداً كان جداً معجباً بمقاومة حزب الله. إلى أي حد تلعب هذه الفكرة دوراً في أطروحته؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أعتقد كانت أساسية بالنسبة له، كان يميّز دائماً بين المقاومة والتحرير الوطني، وكان يعتقد أنّ هناك إمكانية أن ينتقل حزب الله بقيادة السيّد حسن نصر الله من موقع مقاوِم إلى موقع قائد لعملية تحرير وطني على مستوى المشرق كاملاً، ولديه نصوص على ذلك ونشرها في كتاب قبل وفاته، فكان يعتقد أن حزب الله.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> لم يكن عنده مشكلة أن حزب الله هو مقاومة إسلامية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أبداً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> متهمة في العالم العربي بأنها ذات بُعد مذهبي، مدعومة من قوى خارج العرب وهي إيران، لم يكن لديه إشكال في هذا؟</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> أبداً، بل كان يعتقد أن آليات الصراع ضد الإمبريالية هي التي تقّرر طبيعة التحالفات وطبيعة العلاقات، وكان يرى أن العالم العربي والمشرق بالذات هو عالم عصبيات، بالإضافة إلى أنّه عالم مقسوم بالنهاية.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> الكلمة الأخيرة دكتور أحمد، نفس السؤال، تفضّل.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>أحمد الدرزي:</strong> يكفي في جلساتي الخاصة بيني وبينه وهناك بعض الأشخاص ما زالوا موجودين، أنه يقول بالحرف الواحد السيّد حسن نصر الله هو الأمين العام لحركة التحرّر العربي، بهذه الكلمة هو أخرج نفسه من الإطار الديني والمذهبي، واعتبر أنّ قيادة السيّد لمسار المواجهة مع منظومة النهب العالمي تلتقي مع كلّ القوى العالمية، وليس فقط القوى المحلية، ولذلك اعتبره ضرورة في هذا الموقع، وهو الذي يمثّل هذا الموقع.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> طبعاً للتنويه، لجنة تكريم الشهيد المناضل ناهض حتر، بهذا العنوان، هي تُحيي الذكرى السنوية الثانية لاستشهاده في قاعة مركز توفيق طبارة ببيروت، في الصنائع، وكلاكما محاضران في هذا الموضوع، نتمنّى لكما كل التوفيق.</p> <p>رحل المناضل ناهض حتر عن عالمنا. نرجو أن تكون خاتمة الأحزان بالنسبة للنخب العربية، وأن يتوقّف النزيف العربي المستمر منذ عقود.</p> <p>كل الشكر والتقدير لضيفينا الكريمين الدكتور طارق التل الأستاذ في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت. أهلاً وسهلاً بك.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>طارق التل:</strong> شكراً لكم.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>محمد علوش:</strong> ونشكر طبعاً الكاتب والدكتور أحمد الدرزي وهو كاتب سوري. أهلاً وسهلاً بك.</p> <p>وكل الشكر والتقدير لكم مشاهدينا على حُسن المتابعة، وإلى اللقاء.</p>