بلقاسم ساحلي - قيادي في مديرية حملة الرئيس بوتفليقة الانتخابية
المحور الأول
مايا رزق: طابت بالخير أوقاتكم مشاهدينا الكرام.
نعم، في عالمنا العربيّ حدودٌ جغرافيّة واضحة، لكن يبدو أنّها غير واقيةٍ من عواصف لا تلبث أن تضرب بلداً حتى تبعثر مكوّنات الآخر، وما سُمّي الربيع العربي خير دليل.
وسط منطقةٍ ملتهبة، وقفت الجزائر متماسكة أمام انقسام السودان واحتجاجاته، وحريق ليبيا الذي لم تخمده السنوات الثماني الماضية، وتبدّلات الحكم في تونس، والمدّ والجزر في مصر، ومحاولات إرهاب أحرق سوريا والعراق ولبنان، وفشله في وجه المقاومة.
مستجدّات الجزائر تصدّرت المشهد العربيّ مؤخراً. ليس جديداً على بلد المليون شهيد أن يكون محطّ أنظار الجميع، فأكبر دول أفريقيا من حيث المساحة تقف على أبواب انتخابات رئاسيّةٍ ستكون الأخيرة التي يخوضها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحسب قوله.
الرجل الذي تولّى أول حقيبةٍ وزارية وكان عمره لا يتعدّى الخمسة والعشرين عاماً، وساهم في إخراج البلاد من عشريّةٍ سوداء، لا يرغب أحدٌ في تكرارها، هذا الرجل قرّر الترشّح لولايةٍ جديدة، وسط تظاهراتٍ عمّت شوارع عديدة من البلاد، رفضاً للعهدة الخامسة، ومطالبة من قبل أحزابٍ معارضة بسحب هذا الترشّح.
إلى أين تتّجه الأمور في الجزائر؟ وهل من هوّةٍ فعلاً بين السلطة والشعب؟ وهل من جهاتٍ خارجية وربما داخلية تعمل على توسيع حجم هذه الهوّة ودفع البلاد إلى ربيع عربيّ لطالما انبعثت من روائح الموت بدلاً من عبير الديمقراطية المزهرة؟
هذه الأسئلة وسواها نناقشها مع القياديّ في مديرية حملة الرئيس بوتفليقة الانتخابية السيّد بلقاسم ساحلي.
أهلاً ومرحباً بكم.
(فاصل)
مايا رزق: سيّد ساحلي، أهلاً بكم عبر شاشة الميادين.
بدايةً، نطمئنّ من حضرتكم على صحّة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهو الآن متواجد في جنيف لإجراء فحوصات طبية.
بلقاسم ساحلي: في البداية، شكراً على الاستضافة. تحيّة لك ولمشاهدي قناة الميادين. نطمئن بطبيعة الحال الجزائريين والجزائريات على صحة رئيسنا، وبطبيعة الحال وضعه الصحي معروف، هو يتابع فحوصات طبية، والوضع على تمام إن شاء الله.
مايا رزق: نعم سيّد ساحلي، كما يعلم الجميع، الرئيس بوتفليقة تقدّم بترشّحه إلى المجلس الدستوري في الجزائر، ولكن هناك دعوات من قبل أحزاب معارضة ربما، إلى تفعيل المادة 102 من الدستور التي تنصّ على شغور منصب الرئاسة في حال لم تكن هناك الصحة الكافية، أو يوجد مانع صحي لذلك، حتى هناك دعوات لتأجيل الانتخابات.
أستفيد منكم كخبير في القانون، لنسأل، هل هذا الأمر مطروح فعلاً على الطاولة اليوم؟
بلقاسم ساحلي: لا أعتقد بأنّ هذا الأمر مطروح الآن، تطبيق هذه المادة، المادة 102 في الدستور الجديد أو المادة 88 في الدستور القديم، طُرحت حتى في الانتخابات الرئاسية الماضية سنة 2014، وكانت عبارة عن ورقة أرادت بعض الأطراف السياسية المعارضة أن تتاجر بها، وكنّا آنذاك أكدنا وما زلنا نؤكد بأنّ رئيس الجمهورية غير عاجز عن أداء مهامه.
نعم، صحّته ليست كما كانت من قبل، ولكن الوضع الصحي للسيّد الرئيس لم يمنعه في العهدة السابقة، ولن يمنعه في العهدة القادمة، من أداء مهامه الأساسية كرئاسة مجلس الوزراء، واستقبال ضيوف الجزائر، خاصة من الدبلوماسيين والوزراء ورؤساء الدول، وكذلك إسداء التوجيهات والتعليمات اللازمة لمختلف مؤسّسات الجمهورية، سواء الحكومة أو المؤسّسات الأمنية القائمة بدورها على أحسن ما يرام.
مسألة تطبيق المادة 102، هناك جهة واحدة ووحيدة التي هي مخوّل لها دستورياً أن تطبّق هذه المادة، وهي المجلس الدستوري، لسنا نحن كأحزاب موالاة وليس إخواننا في المعارضة.
مايا رزق: سيّد ساحلي، أفهم منك أنّه لا يوجد شيء قد يوقف مسار الانتخابات في الجزائر الآن؟
بلقاسم ساحلي: أكيد، تعلمين بأنّه منذ أن عشنا عشرية سوداء، عشرية الإرهاب في تسعينات القرن الماضي، ودفعنا أكثر من 200 ألف شهيد، وأكثر من 30 مليار دولار خسائر، واسترجعنا المسار الانتخابي والمسار المؤسّساتي بعد تضحيات جسام، ونحن الآن مقبلون على سادس أو سابع انتخابات رئاسية تعدّدية، بعدما أجرينا منذ سنة وأكثر في العام 2017، أجرينا كذلك سادس انتخابات برلمانية ومحلية تعدّدية.
إذاً نحن حريصون، وكلّ الجزائريين، معارضة وسلطة ومجتمع مدني ومواطنين عاديين، حريصون كلّ الحرص على استقرار مؤسساتنا وعلى تنظيم الانتخابات في وقتها المناسب لإرجاع الكلمة للشعب، لأننا نعيش في نظام جمهوري مبني على أساس أنّ السيادة والسلطة ملك للشعب الجزائري، وبالتالي لا توجد أية ظروف تستدعي أو تستوجب تأجيل الانتخابات.
مايا رزق: نعم، رئيسا حزبي جبهة المستقبل وحركة البناء أعلنا أنّهما يستعدان للانسحاب من السباق الرئاسيّ إذا لم يسحب الرئيس بوتفليقة ترشّحه للعهدة الخامسة، وكذلك الأمر لحزب العمال وحركة مجتمع السلم، وهو أكبر حزب إسلامي في الجزائر.
هل يتكرّر في هذه الانتخابات الشهر المقبل ما عرفته الجزائر في العام 1999 عندما خاض بوتفليقة الانتخابات وحيداً؟ وألا تؤثّر كلّ هذه الانسحابات من السباق على الرئاسة في الجزائر، على صورة وهيبة الرئاسة في الجزائر؟
بلقاسم ساحلي: في هذا الشأن، دعيني أوضح بأنّ هناك بعض الأحزاب التي سجّلت نتائج جد ضعيفة في الانتخابات الرئاسية السابقة، وبالتالي لم يعد لها حضور شعبي، وبالتالي تستغلّ مسألة عدم الترشّح والانسحاب من الترشّح كذريعة لتغطية عجزها في الشارع وفي تجنيد المناضلين والمواطنين.
هناك بعض الأحزاب التي ذكرتِها، مع احترامي الشديد لها، في الانتخابات الرئاسية الماضية لم تستطع أن تتحصّل على أكثر من مئة ألف صوت، في حين كانت تتحصّل سابقاً على أكثر من 500 ألف صوت. هناك أحزاب أخرى كذلك ممّا ذكرتِها، وأستغرب تماماً هذا المنطق الذي يجعل من حزب سياسي يقدّم ملفه للترشّح اليوم، وبعد 24 ساعة يقرّر أو يلوّح بالانسحاب، ويقدّم كمبرّر للانسحاب، هو ترشّح مرشّح آخر.
هل هذه قواعد الديمقراطية؟ هل يحقّ لي أنا كمرشّح أن أطلب إقصاء مرشّحين آخرين لكي أفوز بالانتخابات؟ هذا المبرّر والله يبعث على السخرية وعلى الضحك، فكيف لحزب سياسي يحترم نفسه يشارك في الانتخابات الرئاسية ضمن قواعد لعبة محدّدة دستورياً، ثمّ يهدّد بالانسحاب، لماذا؟ لأنّ السلطة قدّمت مرشّحاً آخر. هذا أمر لا يستقيم لا مع المنطق ولا مع أبسط قواعد الديمقراطية.
مايا رزق: إذاً ما هو السبب برأيكم الأساسي الذي دفع بهؤلاء إلى الانسحاب من هذا السباق الرئاسي؟
بلقاسم ساحلي: هي مجرّد مزايدات كما هو معلوم، هناك ربما من لم يستطع أن يتجاوز عتبة جمع التوقيعات المتعلقة بتوقيعات الناخبين، وعددها أكثر من 60 ألف ناخب، أو عتبة توقيعات المنتخبين المحليين، وعددها أكثر من (ستة مليار)، وهناك ربما من يناظر ويريد أن يركب موجة الحراك الشعبي.
لاحظنا مثلاً حزباً سياسياً إسلامياً حضّر ملفه للترشّح، وبعد أن تطوّرت الأمور، قرّر أن يركب موجة الشارع، وأن يؤطّر الحراك الاجتماعي الواقع بتنظيم مجموعة من اللجان صرّحوا بها الأمس. نحن نعتقد بأنّ هؤلاء يلعبون في ربع الساعة الأخير. من يريد، من له ثقة ومن له قدرة على تجنيد الشارع، فليتقدّم إلى الانتخابات الرئاسية القادمة.
مايا رزق: هل تعني مجتمع السلم بحدّ ذاته؟
بلقاسم ساحلي: ليس بالضرورة هذا الحزب، ولكن عدّة أحزاب، بعضها كان يعلم جيّداً بأنه فشل في الانتخابات الرئاسية الماضية، وفشل في الانتخابات البرلمانية في 2017، وسيفشل كذلك في الانتخابات القادمة. بلادنا تعرف مجموعة من التحوّلات السياسية والاقتصادية، وحتى تحوّلات حزبية، بروز تيارات جديدة، وأفول أحزاب أخرى تتطلب كذلك قدرة على التكيّف مع الواقع الجديد، وعلى التكيّف مع المتغيّرات السياسية والاجتماعية داخل بلادنا.
نحن ما يهمّنا في هذا الأمر هو أنّ السلطة ضمنت مشاركة الجميع من دون إقصاء ولا قيد، ومن قرّر المشاركة مرحَّبٌ به، وسنحتكم معه إلى الإرادة الشعبية يوم 18 أبريل (نيسان)، ومن قرّر عدم المشاركة نحترم رأيه ونضرب له موعداً إن شاء الله، إذا فاز مرشّحنا المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، بعد 18 أبريل (نيسان)، نضرب له موعداً في الندوة الوطنية الجامعة التي ستؤسّس كما وعد بذلك السيّد الرئيس، ستؤسّس للجمهورية الجديدة بإذن الله.
مايا رزق: بما أنّكم تتحدّثون عن هذه الندوة الجامعة وعن الرسالة التي قدّمها بوتفليقة للجزائريين يوم أمس، أتوقّف معكم عند هذه الرسالة بالتحديد. هناك من قال إنّ هذه المهلة التي طرحها الرئيس بوتفليقة، وهي عام من تولّي سدّة الرئاسة، تمهيداً للجمهورية المقبلة أو الجمهورية الثانية، وتمهيداً لانتخابات نزيهة في أجواء هادئة، هناك من رأى أنّ هذا الأمر هو فقط استغلال للوقت، وهو فقط محاولة ربما لتهدئة الشارع وامتصاص كلّ هذا الغضب.
بلقاسم ساحلي: نعم، هذا التخوّف مشروع، ومن حق إخواننا في المعارضة أن يطرحوه. ولكن هذا التخوّف سيزول بمجرد قراءة رسالة السيّد الرئيس المترشّح، أو الاطلاع على الالتزامات. عندما يقرّ السيّد الرئيس أولاً بإجراء ندوة جامعة تجمع كلّ الجزائريين من دون استثناء، وتطرح فيها كل المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية من دون قيد ولا شرط، باستثناء ما هو محدّد كثوابت دستورية برأي الأمّة.
مايا رزق: برأيك، هل ستقبل الأحزاب المعارضة الجلوس إلى طاولة الحوار هذه؟
بلقاسم ساحلي: نعم، دعيني أكمل فقط إذا سمحت.
مايا رزق: تفضّل.
بلقاسم ساحلي: نعم، بالإضافة إلى هذا، هذه الندوة ستتمّ رئاستها من طرف شخصيات مستقلة تحظى بثقة الجميع، تحظى بثقة السلطة من جهة، وتحظى بثقة المعارضة من جهة ثانية.
الأمر الثاني، أننا مقبلون بعد هذه الندوة، على ليس تعديل دستوري، وليس إثراء عميق للدستور، بل دستور جديد يؤسّس للجمهورية الجديدة، وسيخضع هذا الدستور إلى الاستفتاء الشعبي، وليس إلى مصادقة البرلمان بغرفتيه، وهذه كذلك ضمانة أخرى.
الشيء الثالث في مخطط عمل رئيسنا إذا فاز بعهدة جديدة، يوم 18 أبريل (نيسان) إن شاء الله، هو تعديل قانون الانتخابات لضمان أكثر شفافية ونزاهة، ولتمكين المعارضة من مطلبهم الرئيسيّ منذ 2014، وهو إشراف هيئة مستقلة تماماً على كل العمليات الانتخابية من التحضير إلى الإجراء إلى الرقابة.
أكثر من هذا، الرئيس تعهّد بعد نجاح هذا المسار الإصلاحي الانتقالي، بتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، ليس هو من يحدّد وقتها، ربما يقول البعض سيتماطل الرئيس في تحديد تاريخها، تاريخ تحديد الانتخابات المسبقة قد أوكل إلى ندوة الإجماع الوطني، وأكثر من هذا، رئيسنا إذا فاز بعهدة جديدة، تعهّد بألا يترشّح في الرئاسيات القادمة.
إذاً خلاصة القول، رسالة السيّد الرئيس في اعتقادنا، ونحن صادقون على ما نقول، تكفّلت بكلّ مطالب السلطة والمعارضة في نفس الوقت.
مايا رزق: ولكنها سيّد ساحلي، لم تهدّئ الشارع، ظلّ المتظاهرون يجوبون شوارع الجزائر. وهنا نسأل، ما هي السيناريوهات الدستورية المطروحة اليوم أمام الرئيس بوتفليقة ربما لاستيعاب الشارع، ربما لتهدئته، علماً أنّه من حق الجزائريين التظاهر بحسب المادة 45 المعدلة، والتي عدّلها بطبيعة الحال الرئيس بوتفليقة؟
بلقاسم ساحلي: صحيح، إذا اطّلعتِ، وأكيد أنّكِ اطّلعتِ على رسالة ترشّح السيّد الرئيس، أول شيء تكلّم فيه هو أنّه استمع إلى آهات وإلى انشغالات وإلى تطلّعات المواطنين، وهذه الرؤية الإصلاحية في برنامج رئيس الجمهورية في حقيقة الأمر ليست جديدة على السيّد الرئيس، وليست جديدة على أحزاب الموالاة.
دعيني أذكّرك بأنّ كلّ العهدات الأربع السابقة للسيّد الرئيس الحالي كانت عهدات إصلاحية بامتياز. العهدة الأولى من العام 1999 إلى 2004، باشر فيها السيّد الرئيس بمجرّد اعتلائه للسلطة، باشر بتنصيب حكومة لم تكن حكومة للموالاة، بل كانت حكومة مشكّلة من ثمانية أحزاب سياسية، أغلبها من المعارضة، ثمّ طرح السيّد الرئيس في العام 2000 ثلاث لجان كبرى للإصلاحات تكفّلت بإصلاح قطاع التربية وقطاع العدالة وإصلاح هياكل الدولة.
العهدة الثانية من العام 2004 إلى 2009 كانت كذلك إصلاحية بالمفهوم الاجتماعي، عندما أقرّ مشروع المصالحة الوطنية بين الجزائريين.
العهدة الثالثة من 2009 إلى 2014 كانت كذلك، وتزامنت مع ثورات الربيع العربي المغلوطة، وقد بادر السيّد الرئيس في 2011 غداة خطابه الشهير يوم 15 أبريل (نيسان) 2011 بإطلاق جملة من الإصلاحات مكّنت من الانتقال من 26 حزباً سياسياً إلى أكثر من 70، مكّنت من الانفتاح المجتمعي في تعددية إعلامية، والآن والحمد لله أكثر من 30 قناة إعلامية متعدّدة، وأكثر من 150 جريدة يومية، مكّنت كذلك الشباب والمرأة من اعتلاء مكانة متقدّمة في المجالس المنتخبة، ومكّنت كذلك من ترقية دور المجتمع المدني.
العهدة الأخيرة، وأختم بهذا إذا سمحتِ، من 2014 إلى 2019، كانت كذلك عهدة لاستكمال مسار الإصلاحات بتعديل دستوري في 2014، كان دستوراً متوازناً، ودستوراً للتجديد الجمهوري، وقد صبر السيّد الرئيس على أحزاب المعارضة أكثر من سنتين لكي تشارك في إثراء هذا الدستور. إذاً هذه الرؤية والفلسفة الإصلاحية لدى رئيسنا ليست جديدة.
مايا رزق: صحيح. أمام كل هذه الإصلاحات برأيك، لماذا عاد وانفجر الشارع إذا صحّ التعبير، أو كانت هناك تظاهرات رافضة لترشّح الرئيس بوتفليقة للمرة الخامسة؟
بلقاسم ساحلي: أولاً، دعيني أقول بأنّ الشارع لم ينفجر. الشارع يعبّر، يمارس حقه الدستوري في التظاهر السلمي، ونحن ندعم هذا الحق، ونحن كأحزاب موالاة نحن من دَسترنا هذا الحق في آخر تعديل دستوري في العام 2016 باقتراح من السيّد الرئيس، وآنذاك، دعيني أذكّر للتاريخ، بأنّ أحزاب المعارضة قاطعت ولم تصوّت على هذا الدستور.
إذاً من الناحية المبدئية والدستوري، نحن مع حقّ الجزائريين في التظاهر السلميّ، شريطة أن يُمارَس هذا الحقّ في إطار احترام قوانين الجمهورية، وفي إطار حفظ معادلة طرفيها هما ماذا؟ طرفاها هما لا للقمع ولا للانفلات والفوضى، والحمد لله، إلى غاية اليوم، المتظاهرون يحافظون على سلمية تظاهرهم، وقوات الأمن من جهة ثانية تحافظ على الممتلكات العمومية، وتسيّر التظاهرات بشكل إيجابي.
من ناحية الشكل، شكل التظاهرات، من حقنا كمواطنين قبل أن نكون سياسيين، أن نتخوّف من الانفلات، خصوصاً عندما تكون التظاهرات، الجهة الداعية لها غير محدّدة وغير معلومة. أما من ناحية المضمون، هناك متظاهرون ضدّ العهدة الخامسة، وهذا حقهم ونتفّهم ذلك، وهناك متظاهرون آخرون يطالبون بإصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية، يطالبون بمحاربة الفساد والرشوة، ونحن نتقاسم معهم، نحن ورئيسنا نتقاسم هذه المطالب، ولكن نرفض منع رئيسنا من الترشّح.
فلهذا نقول، حالياً في الجزائر، هناك من هو رافض للعهدة الخامسة وهذا حقه، وهناك مَن هو داعم لاستمرار الرئيس مثل حزبنا وهذا حقه، وهناك جهة ثالثة وتكلّم عنها السيّد الرئيس، هناك من المواطنين الفئة الصامتة، من هو ليس مع الخامسة وليس ضدّها، وفضّل أن يلتزم الصمت إلى غاية يوم 18 أبريل (نيسان) ليعبّر عن صوته في الانتخابات.
إذاً نحن نتعامل مع الحراك الشعبي بأريحية، ورسالة السيّد الرئيس استجابت للمطلب الأساسي للمواطنين، وهي أنّه لن تكون هناك عهدة خامسة، فرئيس الجمهورية طلب ليس عهدة خامسة، بل عهدة يمكن أن نسمّيها انتقالية، قد تدوم سنة، أو أقلّ بكثير، أو أكثر بكثير، لمباشرة هذه الإصلاحات وتمكين الجزائريين من الدخول إلى الجمهورية الجديدة.
مايا رزق: نعم، سيّد ساحلي، في العام 2012، وفي ذكرى خمسينية الثورة، كان لكم عبارة جد ملفتة، قلتم فيها، احفظوا بلادنا من الربيع العربي، ولا تقمعوا الشعب، ولا بدّ من الانفتاح على المواطن.
هل هناك اليوم ربما مخاوف من الانزلاق في مثل هذه الثورات في الجزائر، علماً أنّ هناك مطالبات ربما لتدخّل الجيش؟
بلقاسم ساحلي: شكراً. نعم، أنا منذ 2011 على مستوى حزب التحالف الوطني الجمهوري، ندعو دائماً إلى مقاربة انفتاحية لتفادي تداعيات الربيع العربي، ومشاركتنا في أول مشاورات إصلاحية في 2011 كانت من هذا المنطلق، وكنّا نقول آنذاك لأصحاب القرار، وما زلنا نقول، إلى غاية اليوم، إذا أردتم أن تحموا بلادنا من ثورات الربيع العربي المزعومة، لن تحموا بلادنا بالقمع، بل ستحمونها بتوسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار، وبتحقيق انفتاح مجتمعي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والنقابية، وبهذا الانفتاح، سيشعر الجزائري مهما كان مستواه، بأنّه معنيّ مباشرة باتخاذ القرار الذي يهمّه، إن كان على صعيد البلدية، أو الولاية، أو البرلمان، أو الحكومة، أو حتى رئاسة الجمهورية، وبهذا الشكل، يصبح الجزائري البسيط هو أول خطٍ للدفاع عن وحدة واستقرار البلاد.
وهذه الفلسفة الإصلاحية تبنّاها السيّد رئيس الجمهورية منذ 2011، بجرعاتٍ متتالية وعقلانية للإصلاح. نحن نقول دائماً للشارع الجزائري، ما هو متاح الآن من حقوق وحريات في 2019، لم يكن متاحاً في 2011، وما كان متاحاً في 2011 لم يكن ممكناً في 2000، فهذا التدرّج في الإصلاحات هو الذي يحمي بلادنا في ظلّ الاستقرار والأمن الذي نعيشه إن شاء الله.
مايا رزق: دكتور ساحلي، كيف تنظرون إلى استقالة البرلماني السيّد أحمد فروخي وزير الزراعة سابقاً، وخالد تزاغارت من الحركة الشعبية؟ هناك من يقول إنّ هذه الاستقالات هي نوع من انشقاق في الجسم الموالي للسلطة.
بلقاسم ساحلي: من ناحية المبدأ، أنا لا يمكن أن أعلّق على نوايا الأشخاص، هناك زملاء لي في البرلمان، والسيّد أحمد فروخي كان زميلاً لي في الحكومة. لا يمكن أن أعلّق على نوايا الأشخاص. الاستقالة هي حق سياسي مكفول. من أراد أن يلتزم أو ينخرط في هذا الحراك الشعبي، هذا من حقه ونحترمه، ولكن أنا أؤكّد لك، بأنه سيكون هناك الكثير من الذين يريدون أن يركبوا الموجة، أو يقفزوا من سفينة السلطة، وقد عشنا هذا الأمر، ليس بالجديد علينا، في إصلاحات 2011، في الربيع العربي الأول إن صحّ التعبير، 2011 نذكّرك بأنّه كان هناك حزب إسلامي كان في السلطة لمدة 17 سنة، وعند هبوب رياح الربيع العربي، قفز من سفينة التحالف الرئاسي، لأنه كان يظنّ آنذاك بأنّ الربيع العربي سيُسقِط النظام في بلادنا، وسيحمل هذا التيار الإسلامي كما حمله في تونس ومصر وليبيا وغيرها، سيحمله إلى دفّة الحكم، وبعد تسع سنوات أو أقلّ، قادة هذا التيار أصبحوا يقرّون علانية بأنّهم أخطأوا في رهانهم على الربيع العربي، وفي رهانهم على استنساخ الربيع العربي.
مايا رزق: سيّد ساحلي، للحديث معك تتمّة، ولكن بعد الفاصل.
مشاهدينا الكرام، فاصل قصير ونعود. ابقوا معنا.
المحور الثاني
مايا رزق: من جديد، نرحّب بكم مشاهدينا الكرام، والترحيب أيضاً بالسيّد بلقاسم ساحلي رئيس حزب التحالف الوطني الجمهوري الجزائري، والقيادي في مديرية حملة الرئيس بوتفليقة الانتخابية. أهلاً بك مجدّداً سيّد ساحلي.
منذ شهر تقريباً، وفي مقابلةٍ على TSA، قلتم بأنّ هذه الولاية ستكون الولاية الأخيرة للرئيس بوتفليقة. على ماذا بنيتم هذا الاستنتاج؟ هل كان هناك مؤشّرات ربما على أنه ستكون هناك تظاهرات في البلاد، ستكون هناك مطالب شعبية ربما؟
سيّد ساحلي، هل تسمعني الآن؟
إذاً سيّد ساحلي، أعيد عليكم طرح السؤال، وهو أنّكم منذ شهر تقريباً، وعلى TSA، قلتم إنّ هذه الولاية، الولاية الخامسة ربما، ستكون الأخيرة للرئيس بوتفليقة. على ماذا بنيتم هذا الاستنتاج؟ هل كان هناك من توقّعات بأنّ شوارع الجزائر ستشهد على احتجاجات ربما، على تظاهرات مطلبية؟
بلقاسم ساحلي: لا، لم نبنِ توقّعنا على الحراك في الشارع، ولكن بنينا تحليلنا السياسي على شيء بسيط، وهو أنّ بلادنا تعيش مرحلة انتقال بين الأجيال. تعلمين بأنّ بلادنا منذ خمس سنوات، في 2012، احتفلت بالخمسينية الأولى لذكرى استقلالها، وآنذاك أطلقت السلطة ما يمكن أن نسمّيه عملية بداية الانتقال الجيلي، وأتذكّر أنّ أول حكومة بعد إصلاحات 2011، تزامنت مع رياح الربيع العربي، كان فيها أكثر من عشرة وزراء شباب، وكان لي الشرف أن أشارك في تلك الحكومة.
إذاً مشروع أو منهج الانتقال الجيلي انطلق منذ مدّة، ولهذا قلنا بأنّ العهدة القادمة للسيد الرئيس قد تكون نصف عهدةٍ، ستكون بالضرورة عهدة إصلاحية لاستكمال مسار الإصلاحات، وستكون بالضرورة عهدة انتقالية بمفهوم الانتقال من جيل الثورة إلى أجيال الاستقلال، وليس بمفهوم الانتقال السياسي والديمقراطيّ الذي طرحته أحزاب المعارضة.
إذاً الآن نحن في لحظة تاريخية فارقة. علينا أن نستذكر تضحيات الجيل الأول الذي خدم في حقيقة الأمر، خدم الجزائر لفترة طويلة، حقّق ما حقّق من إنجازات كبيرة، وحقّق كذلك انكسارات وإخفاقات لا ينكرها أحد، وعلينا الآن نحن كأجيال صاعدة أن نحافظ على هذه المكاسب المحقّقة وأن نعمل على تجاوز ما سُجّل من نقائص ومن تهميش ومن فساد، وأن نرتقي بأمّتنا إلى ما تصبو إليه الجماهير، وما تتطلّع إليه من مزيد الحقوق ومن مزيد المكاسب.
مايا رزق: أعلم أنّك لا تحبّ عبارة الجمهورية الثانية، وربما تفضّل عبارة تجديد الجمهورية، ولكن برأيكم ألا تحتاج الجزائر الآن إلى مثل هذه الخطوة ربما، لن أسمّيها هوّة، ولكن لتقريب المسافات بين هذه الأجيال التي تفضّلتم بالحديث عنها؟
بلقاسم ساحلي: أنا أفضّل دائماً الحديث عن التجديد الجمهوري، وقد ذكره السيّد الرئيس المترشّح، حديثه عن جمهورية جديدة وليس جمهورية ثانية، لسبب بسيط، هو أنّ الجمهورية الثانية مفهوم سياسي يحمل في طيّاته خلفيّات سياسية سلبية، خلفيات إقصائية، وقد تكون حتى خلفيّات انتقامية. ما تعني الجمهورية الثانية؟ تعني أننا نكسر أو ننكر كل الإنجازات السابقة لفترة 57 سنة من تاريخ الدولة المستقلة، وليس فقط لفترة منذ وصول الرئيس في العام 1999، إذاً نكسّر كل ما أنجزناه من مكاسب وننكرها وننطلق في مغامرة نحو المجهول.
إذاً نحن نطرح طرحاً بديلاً هو التجديد الجمهوري الذي يبنى على أساس ماذا؟ مثلما ذكر السيّد الرئيس، وذكرناه نحن منذ 2011 في حزبنا، يبنى على أساس الحفاظ على المكاسب القوية التي حقّقتها الجزائر منذ 1962 على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، وأن نعالج سوياً في إطار حوار وطني، في إطار ندوة إجماع وطنية، أن نعالج ونطرح أرضية سياسية اقتصادية واجتماعية للانبعاث في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونحارب الفساد ونرقّي أخلقة العمل السياسي والعام في بلادنا.
مايا رزق: هناك من يسأل، لماذا لم يتمّ طرح فكرة الحوار الوطني أو الندوة الوطنية قبل هذه الأحداث في الجزائر؟ لماذا لم يتم طرح موضوع الفساد حتى قبل كل هذه الأمور في الجزائر؟
بلقاسم ساحلي: سؤالك مهم جداً، وفيه شقان. لماذا لم تطرح هذه؟ هذا غير صحيح. إذا عدتِ إلى رسالة ترشّح السيّد الرئيس، الرسالة الأولى في 10 فبراير (شباط) قبل بداية الحراك الاجتماعي، كانت هناك في هذه الرسالة رؤية إصلاحية، وتحدّث السيّد الرئيس بأنّه إذا فاز بعهدةٍ جديدة، ستكون عهدة للإصلاحات، وينطلق مسار الإصلاحات بعقد ندوةٍ وطنيةٍ جامعة تناقش كلّ القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية من دون قيد ولا شرط.
مايا رزق: لماذا لم يتمّ طرح هذا الموضوع في العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة؟ لماذا ننتظر إلى العهدة الخامسة والسنة الأولى من هذه العهدة؟
بلقاسم ساحلي: إسمحي لي أن أقول مجدّداً بأنّ هذا كذلك غير صحيح. من يتابع الوضع الجزائري يعلم مثلما شرحت منذ قليل، بأنّ كلّ عهدات السيّد الرئيس كانت عهدات إصلاحية بامتياز. لعلّك تتذكّرين في العهدة الرابعة مشروع تعديل الدستور الذي قدّمناه كموالاة، كثمرة، كاستكمال مسار الإصلاحات لـ 15 سنة، وصبرنا، كان دستوراً ثورياً قدّم العديد من الحقوق التي لم يكن الجزائريون يتمتّعون بها، حافظ على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حافظ على الطابع الاجتماعي للدولة، ولكن في نفس الوقت، حقّق انفتاحاً في مجال الاستثمارات، وحقّق ما نسمّيه في حزبنا ثبات الجزائر على مبادئها السيادية في مجال السياسة الخارجية، أعني بذلك مبدأ دعم القضايا العادلة، ومبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، ومبدأ حلّ النزاعات الدولية بالطرق التفاوضية والسلمية، ورفض التدخّل الأجنبيّ في هذه الدول.
إذاً دستور 2016 والعهدة الرابعة صبرنا على المعارضة أكثر من سنتين، إذاً لا يمكن لأي أحد أن يقول بأنّ السيّد الرئيس لم يبادر بالإصلاحات في كل عهداته السابقة، وما ينتظره الشعب الآن في العهدة القادمة، هو استكمال هذه الإصلاحات.
مايا رزق: أنتم ضمن الحملة الرئاسية، وأنت قيادي في هذه الحملة، حملة الرئيس بوتفليقة الانتخابية، كيف ستقنعون الناخبين خلال جولاتكم، للاقتراع للرئيس بوتفليقة، أو حتى للمشاركة في الانتخابات بطبيعة الحال؟
بلقاسم ساحلي: دعيني أقول أولاً بأنّ هناك جزءاً من الجزائريين مقتنع برئيس الجمهورية، وجمعنا لأكثر من خمسة ملايين توقيع لفائدة الرئيس، هذا خير دليل على كل حال. أنا بطبيعة الحال ليس من عادتي أن أدخل في جدال عددي، لن أقول لك، أو لن أتعاطى مع حراك الشارع من منطلق عددي، لكي أقول لك بأنّ الأغلبية معنا، أو الأغلبية ضدّنا. أقول بأنّ هناك جزائريين يتظاهرون ضد العهدة الخامسة وهذا حقّهم، وهناك من هم مع العهدة الخامسة وهذا حقّنا، وهناك كذلك من ليس ضدّ الخامسة ومن ليس معها، وسيعبّر عن رأيه يوم 18 أبريل (نيسان). إذاً بالنسبة لنا، كيف نقيس الأغلبية هي مع مَن؟ نقيسها في إطار الانتخابات القادمة يوم 18 أبريل (نيسان) التي من واجبنا أن نسعى جميعاً في إطار ما هو مُتاح، أن نسعى جميعاً لكي تكون انتخابات نزيهة وشفّافة وأقرب إلى المعايير الدولية.
إذاً هناك فئة من الجزائريين مقتنعون بالرئيس. أما الباقي، سنعمل في إطار الحملة الانتخابية، سنطرح برنامجاً انتخابياً، والسيّد الرئيس طرح الخطوط العريضة لعهدته الإصلاحية، وتتمثل أولاً في ندوة للإجماع الوطني، وثانياً في دستور جديد وهذا يُعتبَر أمراً ثورياً في بلادنا، ثالثاً في إصلاح قانون الانتخابات ومنح أو تأسيس هيئة مستقلة ليس للرقابة وإنما لتنظيم الانتخابات، حتى نسحب هذه الورقة، ورقة التشكيك غير المبرّر والمُسبَق من طرف إخواننا في المعارضة في نزاهة المسارات الانتخابية، والشي الرابع هو انتخابات رئاسية مسبقة لن يترشّح لها السيّد الرئيس. والشيء الخامس، هو مباشرة إجراءات فورية لتوزيع عادل للثروات، لمحاربة الفساد، لمحاربة التهميش، ولإشراك الشباب إشراكاً حقيقياً وواضحاً في تسيير شأنه العام، على مستوى المجالس المنتخبة، أو حتى على مستوى الهيئات التنفيذية، أعني بذلك الحكومة.
مايا رزق: سيّد ساحلي، لفتني عنوان في صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية، يقول إسرائيل تعوّل على غرق الجزائر في حربٍ أهلية بسبب ترشّح بوتفليقة وتؤكّد أنّها لن تفلت من ثورات الربيع العربي وستعود إلى الحقبة السوداء في التسعينات.
أسمع منكم تعليقاً على هذا الموضوع، وهل هناك من يعوّل ربما أو حتى يدفع باتجاه الفوضى في الجزائر؟
بلقاسم ساحلي: أنا شخصياً بالنسبة إليّ، هذا الكلام لا يفاجئني وليس جديداً عليّ. أنا منذ 2011 في خطاباتي السياسية، أقول بأنّ محاولات استنساخ الربيع العربي في بلادنا، ما زالت قائمة، وستبقى قائمة، والشواهد كثيرة. عندما نطّلع على الوثائق المسرّبة من موقع ويكيليكس، التي تقول بأنّ السفير الأميركي في دمشق منذ 2000 يقرّ بأنّ المخابرات الأميركية وغيرها من المخابرات الغربية، درّبت الناشطين العرب منذ 2005 إلى 2010 لتحضير الربيع العربي، عندما أسمع وزراء خارجية عرب ورؤساء حكومات عرب، خصوصاً من دول الخليج، بعدما غادروا الحكم في دولهم، يقرّون بأنّهم وضعوا مليارات الدولارات لإنجاح الربيع العربي في سوريا وفي ليبيا وفي اليمن وفي الجزائر، عندما أعلم بأنّ في منطقة غرداية في جزائرنا الحبيبة، تمّ القبض على خلايا استخباراتية تعمل مع الموساد الإسرائيلي، عندما نجد ورشات خياطة في بلادنا تخيط الملابس الرسمية لمؤسّساتنا الأمنية، كل هذه، عندما نجد في منطقة الوادي على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الجزائرية الليبية، نجد صواريخ ستينغر المتطوّرة جداً التي بإمكانها أن تُسقِط طائرات حربية وطائرات حتى مدنية، عندما نجد عشرات الأسلحة المتطوّرة في مخازن في جنوبنا الكبير في تمنراست واليزي وبرج باجي مختار وفي غيرها، نتأكد ويتأكد المواطن البسيط بأنّ استقرار بلادنا وتماسكها سيبقى مُهدَّداً.
ولكن في نفس الوقت لا نقول هذا الكلام لتخويف الجزائريين، بل نقول لهم، لنرفع درجات الحيطة واليقظة، ولإعلاء التماسك الاجتماعي، ولحل نزاعاتنا في إطار الحوار، ونحن واثقون تمام الثقة بأنّ كلّ طرف سياسي في بلادنا، موالاة ومعارضة ومجتمع مدني وشارع، ليس في مصلحتنا أن نذهب إلى الانزلاق أو إلى الفوضى، ومن هذا المنبر، إسمحي لي أن أرسل رسالة إلى أصدقاء الجزائر في الخارج، وأعتقد أنهم كثر، لكي أقول لهم، دولاً، أقول لهم لا تخافوا على بلادنا، نحن متمسّكون بحريتنا وبإصلاحاتنا وبوحدتنا الوطنية، وأرسل رسالة إلى أعداء الجزائر، وأتمنّى أن يكونوا قلّةً، لأقول لهم، عليكم أن تيأسوا من استنساخ الربيع العربي في بلادنا، فقد دفعنا تكلفة الانتقال الديمقراطي في 1988 بأكثر من 200 ألف شهيد، ولن نغامر باستقرار بلادنا، سنعرف كيف نتجاوز النقائص الموجودة، ونحافظ على مكاسبنا بإذن الله.
مايا رزق: دكتور ساحلي، في صحيفة "اليوم السابع" المصرية، كتب عمرو جاد، أتصوّر أنّ الإخوان يتأهّبون للانقضاض على حراك الجزائر.
هل لديكم مثل هذه الهواجس؟
بلقاسم ساحلي: صحيح، أنا تكلّمت على رهان تيار الإخوان على استنساخ الربيع العربي في دول عربية ومن بينها الجزائر، تكلّمت عليه منذ 2011 وليس منذ اليوم. راهنوا على استنساخ الربيع العربي، خصوصاً التيارات التي كانت موجودة في الحكم مع السيّد الرئيس لفترة 15 سنة، ثم خرجوا وغادروا سفينة الحكم، وقدّموا انتقاداً لها، لأنّهم كانوا يراهنون على أنّ الربيع العربي سيحملهم مثلما حمل إخوانهم في المغرب وفي تونس وفي ليبيا وفي مصر، وأعتقد أنّهم الآن يراهنون مجدّداً على استنساخ الربيع العربي من خلال ركوب موجة الشارع، ولكن أنا على يقين بأنّ الشارع الجزائري واعٍ كلّ الوعي، وخير دليل على ذلك أنّ الأحزاب السياسية، ليس فقط تيار الإخوان، حتى أحزاب أخرى ديمقراطية وعلمانية واشتراكية، أرادت أن تخرج في مسيرات يوم الجمعة الماضي، وقد قوبلت برفض واضح من طرف المتظاهرين، رفض لمحاولة ركوب الموجة أو تأطير الحراك الشعبي الذي هو حراك وطني بامتياز.
مايا رزق: بطبيعة الحال، نتمنّى الشفاء العاجل للرئيس بوتفليقة، ولكن هناك اليوم تساؤلات عديدة عمّن يحكم الجزائر في ظلّ غياب الرئيس لإجراء فحوصات طبية في جنيف، وحتى خلال هذه الحملات الانتخابية الآن التي تُخاض، الرئيس بطبيعة الحال هو غائب عن الجزائر.
مَن يحكم الجزائر الآن؟
بلقاسم ساحلي: لعلّك تتفقين معي بأنّ أيّ رئيس دولة في أيّ دولة كانت، قد يحدث له مرض، وقد يحتاج أن يسافر خارج بلاده للعلاج، أو ربما للمشاركة في مؤتمر دولي. هل إذا غاب رئيس الجمهورية لفترة محدّدة عن بلاده أو عن أرض وطنه، هل هذا يعني بأنه فقدَ الحكم أو لا يمارس الحكم؟ هذا طرح تافه في حقيقة الأمر يطرحه المعارضون.
أنا أؤكّد لك بأنّ بلادنا بلاد مؤسّسات، لها قائد واحد له شرعية الشعب هو رئيس الجمهورية، يمارس مهامه من خلال مستشاريه ومن خلال مؤسّسات الجمهورية، حكومة وبرلمان وقضاء ومؤسّسات أمنية، ونعزّز هذا البناء المؤسّساتي، ولعلّ السيّد الرئيس عندما رفض الدخول في مرحلة انتقالية، وأصرّ على إجراء الانتخابات في وقتها، هذا خير دليل على أنه حريص على أن تبقى الجزائر دولة مؤسّسات وليست دولة للانتقال نحو الفراغ ونحو المجهول.
مايا رزق: رئيس الوزراء السابق علي بن فليس قال بأنّ هناك قوى غير دستورية استولت على صلاحيات الرئيس.
ولو بإيجاز، أتمنّى منك التعليق على هذا الموضوع.
بلقاسم ساحلي: كذلك هذا كلام مردود عليه، هؤلاء الإخوان رغم احترامنا لهم بطبيعة الحال، هم يشيرون إلى أنّ رئيس الجمهورية غائب، ومَن يمارس صلاحياته هو المحيط الرئاسي، ويخصّون بالذكر بطبيعة الحال شقيق السيّد الرئيس، الذي هو مستشار في رئاسة الجمهورية، ومَن يعرف رئيس الجمهورية، مَن يعرف عقلية ونظرة السيّد رئيس الجمهورية، يعلم جيّداً بأنّه هو الذي يوجّه وهو الذي يؤطّر، أما مسألة تنفيذ القرارات، فهي بطبيعة الحال موكلة لمؤسّسات الجمهورية المختلفة.
مايا رزق: هل نراك مرشّحاً للرئاسة في المراحل المقبلة؟ أعني ما بعد العهدة الخامسة طبعاً إذا فاز فيها الرئيس بوتفليقة.
بلقاسم ساحلي: لا، حتى قبل العهدة الخامسة، أنا لا أخفيك بأنّ هناك العديد من المناضلين وإطارات حزبنا والعديد من المواطنين العاديين ألحّوا كثيراً على ترشّحنا وعلى دعمنا، ولكن نحن حزب سياسي مُتشبّع بثقافة الدولة، نضع مصالح الأمّة فوق مصالحنا الحزبية، ونضع مصالحنا الحزبية فوق مصالحنا الشخصية، ونقول، المستقبل للشباب، نعم، سيأتي وقت سنترشّح، وسيكون الدكتور بلقاسم ساحلي أو إطار آخر من حزبنا مرشّحاً إلى الرئاسيات. نمتلك كل المؤهّلات للقيام بهذا الدور، لكن نحن مدركون بأننا في مرحلة انتقال بين الأجيال، ونقرّ بأنّ هذا الانتقال لكي يتمّ بسلاسةٍ وبهدوء، لا يمكن أن تقوده إلا شخصية لها الكاريزما ولها القبول المجتمعي، ولا يمكن أن تكون هذه الشخصية إلا شخصية من الرعيل الأول، من الجيل الأول، ونحمد الله أنّ هذه الشخصية هي المجاهد عبد العزيز بوتفليقة.
مايا رزق: أستاذ ساحلي، لماذا لا ينضمّ حزب التحالف الوطني الجمهوري إلى التحالف الرئاسي في الجزائر؟
بلقاسم ساحلي: حقيقة الأمر، هناك عدّة آليات لدعم مسعى الاستمرارية. من غير المنطقي ولا العملي أن ننضمّ، أكثر من 40 حزباً سياسياً داعماً للسيّد الرئيس، وعشرات بل مئات المنظمات، من غير المنطقي ولا العملي أن نكون في هيكل تنسيقي واحد. إذاً هناك عدّة آليات لتدعم الرئيس. أول آلية لدعم الرئيس هي الآلية التي أسّسناها نحن في التحالف الوطني الجمهوري مع الأحزاب المتوسّطة والناشئة، وسمّيناها منذ أكثر من ثمانية أشهر، مجموعة الاستمرارية من أجل الاستقرار والإصلاح، وهذا دليل إضافي بأننا كنّا نتكلّم عن مفهوم الإصلاحات أكثر من سنة قبل عندما كان الآخرون لا يجرؤون على الحديث حتى عن الرئاسيات.
إذاً هناك آلية مجموعتنا، مجموعة الاستمرارية، هناك آلية ثانية، التحالف الرئاسي أو الرباعي وخصوصيته هي أنهم أحزاب لها كتل برلمانية وموجودة في الحكومة، هناك تكتل النقابة مع أرباب العمل وخصوصيته اقتصادية اجتماعية، هناك تكتل الطلبة والمنظمات الجماهيرية وخصوصيته هي جماهيرية ومجتمعية. إذاً في نهاية المطاف، كلّ آليات الدعم هذه تصبّ في مديرية الحملة التي نحن الآن أعضاء فيها وقياديون وناشطون فيها بفاعلية.
مايا رزق: دكتور ساحلي، ولو بدقيقة واحدة، أتمنّى منكم كلمة توجّهها لكل شاب أو شابة جزائرية، نزلوا إلى الشوارع، وطالبوا بعدم ترشّح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة.
هل تسمعني الآن دكتور ساحلي؟
إذاً بانتظار عودة الاتصال مع الدكتور ساحلي، هل تسمعني الآن دكتور؟
كنّا نتمنّى كلمة أخيرة من السيّد بلقاسم ساحلي رئيس التحالف الوطني الجمهورية الجزائري والقيادي في مديرية حملة الرئيس بوتفليقة الانتخابية، ولكن للأسف انقطع الاتصال.
نشكر الدكتور ساحلي، ونشكركم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة. وإلى اللقاء.