مواصفات الحاكم في الإسلام

في خط طنجة – جاكرتا مطالبات مليونية بأن يكون الرئيس الذي يصنع القرار في العالم العربي والإسلامي ممن تنطبق عليه شروط الرياسة في الإسلام وممن يتمتع بمواصفات القرآن والسنة في سياسة أمر الناس وإدارة دولتهم وسفينة دنياهم على قاعدة ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ..وسوف يندهش المطالبون بهذا الأمر أن الفكر الإسلامي القديم والمعاصر لم يفصل كثيراً في موضوع الحاكم في الإسلام والرئيس في الإسلام , فالكتب في هذا المجال شحيحة و محدودة, والتنظير الإسلامي فيها لا يرقى إلى مستوى الإشباع المعرفي، ويجب أن يكون ولي الأمر جامعاً للشرائط متسماً بالعدالة الجامعة ..وأن تختاره الأمة, لا إرث ولا إنقلاب عسكري و لا فرض من الإرادات الإستكبارية وعواصم القرار العالمي .. ويتعين على الرئيس والحاكم حفظ الدين على أصوله و إقامة القضاء العادل بين الناس وتحقيق الأمن في داخل الدولة وحماية حدود الدولة وتوزيع الأموال العامة على مستحقيها وتولية المناصب العامة للأمناء الأكفاء وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وأن يكون سليماً بدنياً وعقلياً, ومن الشجعان الأمناء الأكفاء ..وقد أوجز الماوردي في الأحكام السلطانية الشروط الواجب توفرها في الحاكم فقال: أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الْجَامِعَة وَالثَّانِي: الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى الِاجْتِهَادِ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ وَالثَّالِثُ: سَلَامَةُ الْحَوَاسِّ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ؛ لِيَصِحَّ مَعَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يُدْرَكُ بِهَا. وَالرَّابِعُ: سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةِ النُّهُوضِ وَالْخَامِسُ: الرَّأْيُ الْمُفْضِي إلَى سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ وَالسَّادِسُ: الشَّجَاعَةُ وَالنَّجْدَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى حِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَجِهَادِ الْعَدُوّ َالسَّابِعُ: النَّسَبُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ..

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p><strong>المحور الأول:</strong></p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> حياكم الله، وبياكم، وجعل الجنة مثواكم.</p> <p>في خط طنجا جاكرتا مطالبات مليونية بأن يكون الرئيس الذي يصنع القرار في العالم العربي والإسلامي مما تنطبق عليه شروط الرياسة في الإسلام.</p> <p>وممّن يتمتع بمواصفات القرآن والسنّة في سياسة أمر الناس، وإدارة دولتهم وسفيرة دنياهم على قاعدة ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين.</p> <p>وسوف يندهش المطالبون بهذا الأمر أن الفكر الإسلامي القديم والمعاصر، لم يفصل كثيراً في موضوع الحاكم في الإسلام، والرئيس في الإسلام.</p> <p>فالكتب في هذا المجال شحيحة ومحدودة والتنظير الإسلامي فيها لا يرقى إلى مستوى الإشباع المعرفي، بل أن الفقهاء أشبعوا الوضوء والتيمّم بحثاً وتحشية وتفريعاً ولم يتطرّقوا إلى موضوع الرئيس والحاكم إلا ما ندر.</p> <p>وبعض الفقهاء اعتبروا النطيحة والمتردّية والجيفة وما أكل السبع من أولياء الأمر الواجب طاعتهم.</p> <p>نعم، هذه إشكالية كبيرة جداً، وما نجده في أمّهات الكتب السلطانية نظريات متفرّقة ومتشعّبة تفتقد إلى المنظور والمنهج الأكاديمي الرزين.</p> <p>وقيل في هذا السياق إن ولاية أمر الناس أمانة عظيمة، وحيث أنه لا يستطيع شخص واحد مهما أوتي من قوة وعلم أن يقوم بجميع مهماتها، لذلك وجب عليه أن يسند أمورها إلى ولاة يعينونه على القيام بها.</p> <p>وبذلك يتحمّلون هذه الأمانة معه في كل ما أسند إليهم من واجبات.</p> <p>وعليه، فإن الحاكم يولي الأصلح الذي هو أهل لحمل تلك الأمانة واستلام الحكم لا يعني سوى توفير الوسيلة، والحكم ليس مقاماً معنوياً، إذ لو كان مقاماً معنوياً أو روحياً، لكان واجباً شرعياً.</p> <p>فالرياسة وظيفة لخدمة الأمّة والحفاظ عليها مادياً وروحياً واستراتيجياً وحضارياً.</p> <p>وتجدر الإشارة إلى أن وليّ الأمر كلمة ومصطلح قرآني ونبَوي وشرعي، ويجب أن يكون وليّ الأمر جامعاً للشرائط متّسماً بالعدالة الجامعة، وأن تختاره الأمّة، لا إرث ولا انقلاب عسكري، ولا فرض من الإرادات الاستكبارية، وعواصم القرار العالمي.</p> <p>ويتعيّن على الرئيس الحاكم حفظ الدين على أصوله، وإقامة القضاء العادل بين الناس، وتحقيق الأمن في داخل الدولة، وحماية حدود الدولة، وتوزيع الأموال العامة على مستحقيها وتولية المناصب العامة للأمناء الأكفاء، وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وأن يكون سليماً بدنياً وعقلياً ومن الشجعان، ومن الأمناء الأكّفاء.</p> <p>وقد أوجز الموردي في الأحكام "السلطانية" الشروط الواجب توافرها في الحاكم فقال "أحدها العدالة على شروطها الجامعة، ثانيها العلم المؤدّي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام، ثالثها سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح ّمعها مباشرة ما يدرك بها، رابعها سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استفاء الحركة وسرعة النهوض، خامسها الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، سادسها الشجاعة والنجدة المؤدّية إلى حماية البيضة، أي الجغرافية وجهاد العدو، سابعها النسب وهو أن يكون من قريش كما قال الموردي.</p> <p>مواصفات الحاكم في الإسلام عنوان برنامج أ ل م ويشاركنا في النقاش من لبنان الحبيب الدكتور الأكاديمي الأستاذ حسن جابر، ومن تونس الحبيبة الفاضل عاشور الكاتب العام في نقابة الأئمة في تونس.</p> <p>مشاهدينا مرحباً بكم جميعاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>"الخروج على الحاكم في الفكر السياسي الإسلامي" المؤلف جمال الحسيني أبو فرحة.</strong></p> <p>في هذا الكتاب"الخروج على الحاكم في الفكر السياسي الإسلامي يجتهد الأكاديمي الشرعي المصري أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد في جامعة طيبة في المدينة المنورة.</p> <p>ومما جاء في الكتاب إن الإسلام قدّم لنا منظومة متكاملة لحل هذه الإشكالية، إشكالية الخروج على الحاكم.</p> <p>تتكوّن تلك المنظومة من ثلاثة عناصر إن تم الإلتزام بها فإنها ستؤدي ثمارها في معالجة القضية المطروحة.</p> <p>أول تلك العناصر هو فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وثانيها تحريم الطاعة في المعصية وقصر الطاعة على المعروف فحسب، وثالثها تحريم منابذة الحاكم بالسيف ما لم يترك الصلاة، وما لم يظهر كفراً بوّاحاً، ظاهراً، لا خلاف عليه.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> د. حسن الموردي أشار إلى مجموعة شروط إذا أسقطناها على حكامنا اليوم لا تجد في كل حكّامنا أيّ شرط من هذه الشروط. اللّهم إلا الانتماء لقريش، قريش الجاهلية طبعاً فكثير من حكّامنا ينتمي إلى قريش الجاهلية.</p> <p>لماذا انتفت الدراسات والبحوث والنتاج المعرفي الإبستمولوجي بشأن الحاكم في الإسلام، رغم أن كل أصوات الحركات الإسلامية وغيرها نريد حاكماً مسلماً، نريد حاكماً عادلاً؟ لكن على أي الأسس ووفق أي المقاييس؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.</p> <p>في البداية، أيضاً هذا الموضوع من الموضوعات الحيوية، أشكرك على اختياره وهو دقيق وفي لحظة حرجة لأن موضوع السلطة بالإسلام، موضوع الدولة، هو موضوع محوري في الحركات الإسلامية المعاصرة، ومئات آلاف الضحايا الذين ذهبوا في ما عرف بالربيع العربي هم ضحية فكرة استعادة الخلافة.</p> <p>فإذاً، هي لها علاقة بخلفية فكرية سياسية عند هذه التيارات الإسلامية وتعتبرها قرينة الدين. الخلافة هي صنو الدين، ولذلك مستعدّة أن تضحّي بكل شيء من أجل الوصول إلى الهدف، هذه مقدمة كان لا بد منها.</p> <p>مسألة السلطة هي مسألة تحتاج إلى مراجعة، وبالكثير من الأفكار التي طرحت أو التي نظر لها الموردي، وغير الموردي هي موضوعات أخذت مادتها الأولى من التجربة التاريخية، من التجربة التاريخية، فكانت المرجعية الأساسية في حجية تلك المسائل هي التجربة التاريخية، وليس النص القرآني.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> بسيّئها وحسنها؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> نعم، والسقيفة بالتحديد كانت هي المرجعية الأولى ولذلك إذا لاحظت أن الفقه السياسي علم الكلام السياسي الذي تناول مسألة السلطة معظمه إذا راجعته ستجده أن له جذر بمشهد السقيفة.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> فقط للتعريف الكثير لا يعرف السقيفة هو المكان الذي اجتمع فيه الصحابة غداة وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> بعض الصحابة من الأنصار والمهاجرين، واختاروا بعدها الخليفة الأول للمسلمين.</p> <p>أنا قمت بمراجعة للآيات القرآنية الكريمة التي تتحدّث عن وظيفة النبي، فعثرت على العشرات من الآيات ليست آية ولا اثنتين عن وظيفة النبي، النبي دوره حصراً هو البلاغ، البيان، التذكير، وليس له وظيفة أخرى يمكن أن أن يهدي الناس، أو أن يؤثّر في الناس، أو أن يكره الناس ما كرس في أذهاننا الخ.</p> <p>مسألة وظيفة النبي ليس فقط النبي محمّد، وإنما الأنبياء جميعاً لهم وظيفة واحدة، بلّغ فقط، ذكّر "إنما أنت مذكّر، ذكر إن نفعت الذكرى، لست عليهم بوكيل، وما عليك إلا البلاغ" الخ، وعشرات الآيات. وعلى فكرة حتى لا يشكل على هذا الكلام مجموعة كبيرة من هذه الآيات مكية لكن توازيها أيضاً مجموعة كبيرة من الآيات مدنية، حتى لا نقول أنه تم نسخ هذه الآيات المكية، بآيات السيف أو الخ.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> أو تبدّلت الوظيفة الشرعية من المرحلة المكّية إلى المرحلة المدنية؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> أو تبدّلت وظيفتها، عشرات الآيات أنا جمعتها، الآيات المدنية والآيات المكّية إذا كانت هذه وظيفة النبي معنى ذلك أن الشق السياسي ليس موجوداً في هذه الوظيفة، وإنما وهنا بيت القصيد أن الوظيفة السياسية التي مارسها النبي صلّى الله عليه وآله هي وظيفة اقتضاها الاجتماع الإنساني، اقتضاها الاجتماع البشري آنذاك باعتبار أن النبي أسّس مجتمعاً داخل المدينة.</p> <p>وهذا المجتمع يحتاج إلى تنظيم إلى وقيادة يحتاج إنطلاقاً &nbsp;ومصداقاً لقول الإمام علي عليه السلام الذي يقول "لابد للناس من أمير بر أو فاجر".</p> <p><strong>يحيى أبو&nbsp; زكريا:</strong> صحيح؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> فالاجتماع البشري يقتضي أن تكون هناك إدارة أن تكون هناك قيادة.</p> <p>الشق العملي الذي خاضه الرسول خارج إطار الدعوة هو شق تنظيمي له اقتضه ظروف المرحلة، ولذلك كما قال القرافي في القرن السابع الهجري، أن الشق السياسي والشق العسكري والقضائي هي أمور ليست ملزمة للمسلمين، لأنها أمور تدبيرية ظرفية يمكن تجاوزها.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> وبناءً عليه، دعني أنقل هذه الفكرة إلى الأستاذ الفاضل، الأستاذ الفاضل الدكتور حسن يقول ليس مهمة الأنبياء أن يؤسّسوا دول، وأن يكونوا رؤساء، وظيفتهم التبليغ وتقديم المولى عزّ وجلّ للبشرية.</p> <p>إذاً، من أين اقتبس الدعاة إلى ضرورة التأسيس لدولة إسلامية ورئيس مسلم جامع للشرائط كلما ذهبوا إليه؟</p> <p><strong>الفاضل عاشور:</strong> بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا، واصطفاه وكل من والاه إلى يوم الدين.</p> <p>أما بعد، فالإسلام اعتنى اعتناءً كبيراً بمسألة نظام الحكم الإسلام من خلال التشريع، ومن خلال النصوص القرآنية والسنّة، وتطبيقاً من خلال تأسيس المدينة على أساس دستورها الصحيفة، ثم تحوّلت جلّ الفرق والمذاهب والأئمة والفقهاء في شق كبير منهم في جانب من اجتهادهم إلى البحث في هذه المسألة تأصيلاً، ونظرياً، وعملياً، تطبيقياً، إما لخدمة السلطة وعظاً، وتشريعاً، ووجودها أم ثورة عليها.</p> <p>وهذا معمول به منذ الحادثة الأولى كما أشرتم إليها منذ حادثة السقيفة، عندما كانت الخلافة بمفهومها تكليفاً لها جانب تشريعي، ولها نخبة استشارية هامة تراقبها، ولها آثار ومن خلال الكتاب والسنّة تعمل على إنشاء العدل والمساواة، والتكافل الاجتماعي، ونشر الرحمة.</p> <p>ثم تحول من تكليف نخبوي إلى بيعة وغيب، وضعف الجانب الرقابي والاستشاري للسلطة مع الملك العضود من الدولة الأموية، والدولة العباسية ثم غيّبت السنّة والكتاب في هذه الدولة، وأصبح جانب ثالث هو ظاهر هو المصالح، وجانب العرف، العرف المعمول به، وهناك تشويه بالتالي إلى الإسلام.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> نعم، أستاذ فاضل حتى نؤسّس لأفكار جديدة، لأن هذا الموضوع أراه منطقة فراغ في الفكر الإسلامي، أشرت إلى الملك العضود على سبيل المثال، وهنا أسحب الفكرة إلى بيروت ها هنا إلى الدكتور حسن، أرجو أن تبقى معي.</p> <p>د. حسن، عندما صارت الخلافة الأموية وراثية كثير من المسلمين لم يشكلوا الذين أشكلوا على الملك العضود، وتنصيب يزيد إبن معاوية على رأس إمارة المؤمنين والمسلمين. وقد كان ما كان كثير من المسلمين لم يشككوا نعم، عرفنا ثورة الحسين، ثورة زيد إبن علي ثورات المختار الخرساني أبو مسلم الخرساني في وقت لاحق.</p> <p>هل لأن النظرية السياسية، أو الحاكم ومواصفات الحاكم في الإسلام كانت غير متبلورة آنذاك في المشهد الثقافي الإسلامي، ولذلك اشتبه كثير من العلماء كانوا مع يزيد كثير من العلماء كانوا ضد الحسين الذي قتل في الطف. وبالتالي يبدو أن الرؤية كانت غائبة لم تكن هنالك رؤية في مواصفات الحاكم والرئيس في الإسلام.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> هي لم تكن مبلورة بالشكل الكامل، أضف أن الفقهاء يحسنون توظيف المصطلحات لتخدير الناس إطاعة الولي هي أخذت، وإلى الآن تستعمل استعمالاً فيه الكثير من الظلم من قال أنه يجب إطاعة الولي كيفما كان لا هناك شروط، وهذه الشروط أيضاً تقتضيها السلطة ضرورات السلطة.</p> <p>أشار زميلي إلى مسألة وثيقة المدينة، هذه الوثيقة هي من مقتضيات الاجتماع لأنه عندما هاجر الرسول صلّى الله عليه وآله من مكّة إلى المدينة، كانت هناك مكوّنات داخل المدينة فيها اليهود، وفيها أوس وخزرج ومنافقون وقبائل مختلفة، هذا المجتمع الجديد يحتاج إلى تنظيم فأوجد هذه الوثيقة، فكانت نوعاً ما يسمّى الآن بالوئام السياسي، أو الوئام الاجتماعي من أجل تأمين الحد الأدنى من الاستقرار داخل المدينة، لذلك كان فيها شرط يلزم كل الأطراف بالدفاع عن المدينة مع أن المكوّنات ليست إسلامية.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> نعم، د. حسن سنفصل أكثر، أستاذ فاضل إذا اتضّحت الفكرة مع الدكتور حسن، إذا طالبت بمراجع ومصاديق علمية عن مواصفات الحاكم في الإسلام قديماً وحديثاً، ما الذي تقوله أنا شخصياً من خلال بحوثي لم أجد إلا النزر اليسير، ربما لأن العلماء يخافون من السلطان، فلا يكتبون إلا مواصفات كما هو هو، لا يكتبون الحاكم في الإسلام، لأن معظم حكّامنا لا يجسّدون لا الإسلام، ولا الإنسانية، ولا الثقافة البشرية.</p> <p><strong>الفاضل عاشور:</strong> نعم، لا يوجد إلا النزر القليل في الحديث عن السلطان، وشروط التكليف، أو عزله أو الشروط الواجبة فيه هذا من جانب باعتبار أن الفترة الأولى بعد النبوة، شهدت قتلاً لجميع الخلفاء الراشدين، وبالتالي السلطة الدينية ضعيفة، إما خاضعة أو تابعة للخليفة، أو يعتبر من الخوارج، ويقع دحضها، ودحض كتبها ومراجعها.</p> <p>نحن كمفهوم خلافة في الإسلام، أو صاحب السلطة في الإسلام لم يكن يقتصر على شخص واحد باعتبار، كل من يقوم مقام العدل والمساواة، وحفظ المال العام، وحفظ الأمّة في أمنها، ورخائها هو سلطان، ولم يحدّد هذه الضوابط ليبقى المجال مفتوحاً.</p> <p>وظهرت هذه البحوث والمراجع حديثاً بعد سقوط دولة الخلافة في آذار سنة 1924 مع أول كتاب كان صادماً للعالم الإسلامي لعلي عبد الرازق كتاب "الدولة وأصول الحكم" الذي اعتبر الخلافة، ليست من الإسلام بشيء، وإنما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أشار زميلي في السابق أنشأ مفهوم الأمّة بمفهوم الجماعة، الأمة الواحدة، والأخوّة وآخى بين الناس على مستوى التكافل والترابط. ولم يلزمهم بقوانين، ولم تكن هناك مؤسّسات واضحة، بالتالي هذه الخلافة أوجدت لإيجاد الملك العضود، وتحقيق مصالح ضيقة لأشخاص معنيين.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> أستاذ فاضل أرجو أن تبقى معي، مشاهدينا، فاصل قصير ثم نعود إليكم مباشرة.</p> <p>"الخلافة والملك" أبو الأعلى المودودي</p> <p>يبدأ أبو الأعلى المودودي كتابه "الخلافة والملك" بتأكيد مبدأ الحاكمية في كل شأن من شؤون الحياة، داعياً إلى تحكيم شرع الله وعدم اتباع القوانين الوضعية التي تتعارض معها.</p> <p>ويستشهد كمَن سبقوه على هذا القول بالآيات الكريمة "ومن لم يحكم بما أنزل الله أفحكم الجاهلية يبغون".</p> <p>موضحاً أنه لا يحق لمسلم أن يصدر من نفسه حكماً في أمر أصدر الله ورسوله فيه حكماً، ويبدو المودودي حتى الآن ملتصقاً في كلامه مع السياق اللغوي للآيات، بأن من حكم بغير ما أنزل الله في ما لم ينزل الله فيه تشريعاً، فليس عليه من حرج.</p> <p>وورد في الكتاب إن من تناط به الخلافة الشرعية، ليست فرداً أو أسرة أو طبقة، إنما هو الجماعة بجملة أفرادها التي تؤمن بالمبادئ السالفة الذكر، وتقيم دولتها على أساسها موضحاً، أن ألفاظ الآية ال55 من سورة النور "ليستخلفنهم في الأرض" صريحة في توضيح هذا الأمر فكل فرد في جماعة المؤمنين شريك في الخلافة من وجهة نظر هذه الآية وليس لواحد من البشر، أو طبقة من الطبقات أي حق في سلب سلطتهم في الخلافة وتركيزها في يديه. يصف المودودي خلافة أبي بكر الصديق بأنها خلافة انتخابية عندما رشّحه عمر إبن الخطاب فقبله أهل المدينة، وكانت له في الحقيقة صفة تمثيل البلاد بأكملها وبايعوه برضاهم واختيارهم من دون قهر أو ضغط.</p> <p>ولا ندري على أي أساس أعطى المودودي لأهل المدينة حق الوصاية على بقية المسلمين، وهو القائل كما رأينا سابقاً إن كل فرد في جماعة المؤمنين شريك في الخلافة. فإذا كان ذلك قد تعذر تحقيقه في صدر الإسلام، وهذا أمر طبيعي. فكيف يمكن تحقيقه في هذا العصر.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>المحور الثاني:</strong></p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>كتاب "الحاكم عند الفارابي بين الإسلام والفلسفة" فضل مخدر</strong></p> <p>يقول الكاتب في المقدمة إن هذه الدراسة تضع النظرة إلى الحاكم من وجهة النظر الإسلامية فلسفياً وتشريعياً في إطار البحث فيما يعود بفرضية ما، إن كان الحاكم فيلسوفاً، أم فقيهاً، أم إماماً، أم غير ذلك، بل يمكن القول هل الحاكم عند الفارابي في مواصفاته وشروطه هو نسخة عن النبي؟</p> <p>وإن اختلفت المنزلة والقدر، وإن كان كذلك، فهل هو الإمام المعصوم كما هو عند الشيعة الإمامية؟ أم لا؟</p> <p>فهو لم يقل بنظام دولة شيعية، إنما طرح نظريته. وقد بدى فيها التطابق مع ما يطرحه الشيعة الإمامية في رؤيتهم للحاكم والحكم، مع الأخذ بعين الاعتبار منطلقات الفارابي في نظريته، ولماذا كتب المدينة الفاضلة.</p> <p>وهل هي مجرد نظرية في إطار البحث العلمي المحض والبنية المثالية؟ أم هو مشروع من تأملات فلسفية وجذور دينية في مرحلة سياسية واجتماعية تقتضي البحث والنظر والتأمّل في الحاكم والحكومة وبنيان الدولة، ولاسيما أن المرحلة التي كتب فيها مدينته الفاضلة كانت مرحلة تهافت&nbsp; وضعف دولة الخلافة العباسية؟</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> مشاهدينا أهلاً بكم من جديد، عدنا والعود أحمد، من أدرك حلقتنا، الآن نحن نعالج شروط الحاكم الرئيس في الإسلام.</p> <p>طبعاً من الكتب القليلة التي أشارت مباشرة إلى موضوع الحاكم أو بطريقة غير مباشرة، أذكر منها كتاب الخلافة والملك لأبي الأعلى المودودي، "الخروج على الحاكم في الفكر السياسي الإسلامي"، وكتاب "الحاكم عند الفارابي بين الإسلام والفلسفة"، وكتاب "علاقة الحاكم والمحكوم، والدولة المستحيلة، الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي والدولة الإسلامية وشروط الرئيس".</p> <p>طبعاً د. حسن كثير من هذه الكتب كما تفضلت آنفاً وسابقاً، أنها جاءت لتكرس تجربة تاريخية أموية، أو في العهد الذهبي للإسلام والتجربة العباسية، أو في عهد السلاجقة، أو الدولة العثمانية، وتعتبرها تجربة حكم إسلامي.</p> <p>لماذا إذاً نطالب الناس بأن يكون الحاكم وفق المواصفات الإسلامية، ونحن لا نملك التنظير الكامل لهذا الحاكم؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> اشتغلوا على الطبيعة البشرية، وقالوا إن هذه الطبيعة روسو مثلاً، قال إن هذه الطبيعة كانت خيّرة، لكن عندما نشأت الملكية تحوّل هذا الإنسان من إنسان خيّر إلى إنسان سيّىء، وشوبن هاور ونيتشي، كلهم اشتغلوا على الطبيعة البشرية، والقرآن الكريم أولى الطبيعة أهمية غير عادية.</p> <p>إذا أردنا أن نأخذ نسبة بحدود ثلث القرآن الكريم يتحدّث عن الإنسان وميله إلى الشهوات حبّه للمال، حبّه لسلطة، وحبّه للبنين، وإيثاره للأقارب الخ. هناك عدد هائل من الآيات، فإذاً هذا الإنسان هو ضعيف ونفسه أمّارة بالسوء.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> وربك يقرّ "وكان الإنسان ضعيفاً"</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> ضعيفاً وظلوماً إلخ، لكن كيف يمكن أنت أن تركن إلى واحدة تبدو من سماته العامة من الملامح العامة أنه مستقيم؟ لكن استقامته لا يمكن تأكيدها إلا بالاختبار والابتلاء.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> أحسنت.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> فإذاً، أنت تراهن على ماذا؟ تراهن على سمات تبدو بالظاهرة أنها سمات مقبولة، لكن بالتجربة قد يسقط، لذلك لابدّ وهنا الأهمية إذا كانت الطبيعة إلى هذا الحد هي معرّضة للاهتزاز، والإنسان لديه هذا الحد، أو هذا المستوى من قابلية الانحراف لابد من إعطاء دور للرأي العام بالمراقبة، والخطاب الديني الإسلامي.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> المراقبة شعبية تقصد؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> المراقبة الشعبية، ولذلك الخطاب الديني الذي نشأ على ضفاف أو على السلطات السياسية عبر التاريخ حاولت أن تحيّد الرأي العام، وتقول كل من خرج عن الحاكم أو خالف الحاكم أو إلخ عطلت هذا الدور الرقابي الأساسي مع أن القرآن الكريم يتحدّث كثيراً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> وبالتالي، من مسؤولية الناس هي أن تقوم بعملية المراقبة عطّل هذا الدور، وأعتبر أي رأي مخالف هو خروج عن وليّ الأمر، فعطّل.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> ونظر فقهياً لهذا؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> نعم، معنى ذلك أن من يفترض أن يكون ضمانة لتصحيح الحاكم عطّل الذي هو الرأي العام.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> فترك الحاكم وشأنه، الأمر الثاني القضاء. نحن نعرف الحاكم كان هو حاكماً وفقيهاً وقاضياً لأن كل السلطات كانت بيده، ومَن يحاكم؟ ومَن يحاسب؟ لا أحد.</p> <p>لذلك أيضاً، عطّل القضاء، الأمران الأساسيان اللذان لحظ الغرب مسألة ضعف الإنسان أمام طبيعته الغرائزية وضعوا له ضوابط مراقبة الرأي العام والقضاء.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> نحن عطّلنا الأمرين لأننا جمعنا السلطات بيد الحاكم، ومن قال أن هذا الحاكم معصوم؟</p> <p>لذلك تحتاج المسألة إلى الكثير من المراجعة، أنا أشرت بالسؤال الأول في بداية الحلقة إلى أن معظم الصفات التي وضعت أو الشروط التي وضعت للحاكم تحتاج إلى مراجعة أصلاً هي وضعت بأيديولوجيا محكومة بالأديولوجية مثلاً شرط القرشية هو وضع من أجل هزيمة الأنصار في السقيفة. لذلك أبو حنيفة، ماذا يقول أنه ليس شرطاً القرشية؟</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> ولهذا الأمر، الدولة العثمانية اختارت المذهب الحنفي ليكون مذهبها لأنه يقول بعدم القرشية، هذا يلائمها. فإذاً هي أيديولوجية سياسة، هذه هي المسألة.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> سياسة المسألة؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> سياسية المسائل كلها، الأمر الثاني الخلافة، فاختلفوا ماذا نسميها؟ لأن الرسول لم يحدّد.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> أم خلافة الرسول؟ أم خلافة ماذا؟</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> المؤمنين؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> اختلفوا حول هذه المسألة، إذا لم يكن هناك نص.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> كل هذه الأمور هي مسائل تاريخية تم االاجتهاد فيها، وتم تكريسها بالضخّ الأيديولوجي الدائم. لذلك القرآن الكريم، يمكن أن يشكّل أرضية أساسية لنظام الحكم ليس باعتباره ينصّ على نظام الحكم، لكن باعتباره يشخّص تماماً مسألة الإنسان.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> جميل جداً، أستاذ فاضل هذه الإشكالات يضاف إليها أن المجتهدين توصلوا إلى مجموعة شروط يجب توافرها في الرئيس المسلم.</p> <p>اليوم عندما تمعن النظر في الدساتير العربية والإسلامية، فكلها تتضمّن بنداً دستورياً أن الإسلام دين الدولة، المجتهدون يشترطون أعلمية الرئيس على الرئيس أن يكون عالماً، وأن يكون عادلاً، لا يقترف الكبيرة ولا يصرّ على الصغيرة، ولا يسرق، ولا يغشّ، ولا يجاري أهله وعشيرته، ولا يبيع الدول للناتو والدول الأجنبية.</p> <p>المشكلة كل الأوصاف والشروط التي جئت على ذكرها لا تتوافر في أيّ حاكم عربي اليوم.</p> <p>هل نحن نفتقد إلى رئيس بمواصفات إسلامية في عالمنا العربي والإسلامي؟</p> <p><strong>الفاضل عاشور: </strong>نعم، للأسف هذه تجاربنا بعد الاستقلال في دولنا العربية، لم نتوصّل إلى خلق أو إلى إيجاد رئيس بمواصفات الإسلامية، وإذا كانت هي مسقطة بانقلابات في جلّها هناك في تونس أو في المغرب بالالتفاف على الثورة الذي قام به إدوارد فور، كذلك في الجزائر بمؤامرة وانقلاب ثانٍ، وكلهم جاؤوا من خلال الانقلابات، ولم يأتوا من خلال صناديق الإقتراع أو من نفس ثوري في كل دولنا الإسلامية، وبالتالي كرّسوا وأعادوا تبرير الحكم العضود من تراثها.</p> <p>للأسف ألحق بشعوبنا الضرر من خلال الخروج عليهم من خلال فرق وأحزاب دينية&nbsp; حملت السلاح للتغيير، ووجدت مبرّراً في ذلك. نحن للأسف هذا موروثنا، وهذا واقعنا، المؤامرات والدسائس، والكل يعيّن من خلال السفارات، ومن خلال مراكز القرار في العواصم الغربية.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> نعم السفارات الغربية هي الحاكم بأمر إرادتها تملي على رؤسائنا تعيين وزراء، تعيين مدراء، وهم الذين يعبثون بمقدراتنا للأسف الشديد.</p> <p>د. حسن هل المشرع يهدف إلى إيجاد فوضى في المجتمعات الإسلامية؟ معروف إذا اهتم هذا الإسلام بالوضوء، وأشكاله، ومناطق فراغه واهتم بالتيمّم واهتم بالدجاجة، كيف تذبح؟ والخاروف كيف يؤكل؟ واهتم كيف تخرج من بيتك؟ وماذا تقول؟ وكيف تدخل إلى المرافق؟ وماذا تقول؟ هل يعقل أن يهمل موضوع الدولة؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> ليست لديه مادة للدولة، المادة غير متوافرة، ولذلك هو أمام فراغ، ويفترض أن يكون أمام فراغ.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> موضوع الدولة في الإسلام منطقة فراغ في الفكر الإسلامي؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> هو منطقة فراغ، وهو شأن تدبيري. والشأن التدبيري الله سبحانه وتعالى تركه للناس العقلاء، مسألة الدولة هي مسألة خلافية فيها سيولة متغيّرة دائماً ومتطوّرة، والبشرية تراكم فيها.</p> <p>لذلك ليس من المعقول، وليس من الحكمة أن يضع الله سبحانه وتعالى له قوالب جامدة فينفجر، لا يعقل.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> السياسة طبيعتها سيّالة ولذلك.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> كما قال فريد وليدة البيئة.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> هي ظاهرة اجتماعية، وأنا افترض أن واحدة من الشروط الإضافية التي يمكن أن تضاف فضلاً عن العدالة، أن يكون مستقيماً، مثلاً أن يكون عالِماً وعلى دراية وشجاعاً. هذه هي الشروط، لكن هناك شرط آخر أن يكون رؤيوياً، مثلاً أن يمتلك رؤية للمستقبل. ما المانع أن يوضع هذا أصلاً؟ قادتنا تفتقد هذا الشرط.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> د. حسن أنت قلت نريد رئيساً رؤيوياً، ذو رؤية استراتيجية، وأنا استحضرت من يحكموننا فتبسّمت لا حول ولا قوّة إلا بالله.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> مثلاً الإمبراطور ميجي باعث النهضة اليابانية كان رؤيوياً.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> هو الذي أسّس سنة 1858 ويحمل الطبشور ويجول في المناطق، ويعلّم الأجيال، وبعث بعثات علمية إلى الخارج إلخ، هذا رؤيوي.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> وحاكم سنغافورا أيضاً، صحيح؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> هو واحد من هؤلاء، حتى ماهاتير محمّد رؤيوي، هذا واحد لكن يحدِث تغيّراً، ويحدِث فرقا.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> تريد أن تقول إن الحاكم العظيم يؤسّس لأمّة عظيمة؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> يؤسّس لأمّة عظيمة بالضبط، لكن من يضبط؟ ومن يضمن أن يصل لهذا إذا كان الآن يصل بالانقلابات والقوّة؟ والرأي العام مُبعَد مُقصى، أو من خلال السفارات، نحن لسنا مالكي زمام أمرنا.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> ذكّرتني بضابط استخبارات أميركي إسمه أندري تولي، يقول في كتابه "الجاسوسية الأميركية"، نحن في &nbsp;مقر المخابرات الأميركية ننتقي الأوسخ ونجعله رئيساً للعالم العربي.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> بالضبط.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> هل وضع الأوسخ في دوائر القرار مردّه تحطيم التنمية والحضارة، ودكدكة خيشوم المثقفين، والسجن والنفي وما إلى ذلك؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> تصوّر أن الحضارة الأميركية المعاصرة هي قائمة كلها على سرقة ونهب شعوب العالم، هل يعقل أن تأتي بحاكم&nbsp; يخدم مصلحة بلده؟</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح، أحسنت.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> لا، هي تختاره أن يكون خادماً لها.</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> نحن تجربتنا يجب أن تتراكم في هذه التجربة، ويبقى ماذا نأخذ من الدين في التجربة السياسية؟ القِيَم القِيَم.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> الكليات؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> الكليات القِيَم، لكن الآن مثلاً إذا أخذنا التجربة التركية، كان النظام برلمانياً قبل التعديلات الدستورية الأخيرة.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> ثم تمّ اختيار النظام الرئاسي، أليس كذلك؟</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> صحيح.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> أي واحد منهم من ضمن الإسلام؟ لا أحد هذه صيغة اختارها البشر، اختاروا الأنسب. لذلك، وإلى الآن يستحيل أخذ الشروط التي توافرت بالسقيفة، وإنزالها بصورة تعسّفية في واقعنا المعاصر، هذا مأزق الحركات الإسلامية السياسية.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> وهنا دعني استرجع العلامة الكبير محمّد باقر الصدر في مناطق الفراغ في الفكر الإسلامي، يقول أي اجتهاد بشري يخدم الإنسان هو إسلام. يمكن أنت تستقطب التجربة السنغافورية الماليزية الإسلامية ما دامت في خدمة الإنسان.</p> <p>أستاذ فاضل بالعودة إلى الحكومات التي تدّعي أنها تحكم بما أنزل الله، وهي من أكثر الحكومات ركوعاً لأميركا، وهي من أكثر الحكومات سجوداً لإسرائيل، وهي من أكثر الحكومات تفريطاً في نعمة المسلمين وأموالهم، وتعطيها مجاناً للغرب، يخرج من هذه الجغرافية فقهاء يقولون الخروج على الحاكم ظلم وتعنّت ومعاكسة لإرادة الله تعالى.</p> <p>فكر الخروج على الحاكم والظلم، من أين برز؟ هل هذا الفقه مغموس في آبار النفط؟ هل هذا الفقه ممسوح بالدولارات؟ هل هذا الفقه محبوك بلعبة الشيطان؟ ماذا تقول في ذلك أستاذ فاضل؟</p> <p><strong>الفاضل عاشور:</strong> نحن نتحدّث عن مسألة خطيرة بدأت من القرن الثامن عشر بعد أن خرجت الحركة الوهّابية على الدولة العثمانية، وحاولت تقسيم الأمّة والإستئثار بالجزيرة العربية من خلال توظيف الآيات القرآنية، وتقسيم المسلمين إلى 73 فرقة، كلها في النار إلا الفرقة الناجية التي هي تمثلها، وحملت السيف على من يخرج عليها، وأصبحت البيعة بحد السيف، وأصبح الفقهاء يخدمونها بأحاديث ويشرّعون عدم الخروج على الحاكم، ويسترجعون كل الأحداث التاريخية الهامة لإسقاطها على الواقع الحالي.</p> <p>اليوم هؤلاء هم ورثة هذه الحركة، ونحن اليوم نأسف لانبطاح الفقهاء، ووجود أئمة تتصدر المنابر وفقهاء تدّعي المشيخة وتدّعي الإفتاء، وهي في سلة الحاكم وتقتات من مائدته. الأصل في أن تكون مستقلة بقرارها وقوّتها وسلطة قرارها، ليكون قرارها منبثقاً ويمثل إرادة الله، ويمثل الشرع. والشرع يأبى هذه الممارسات، وهو جاء لتكريس العدالة والمساواة، وحفظ كرامة الناس، وعدم استعبادهم واسترقاقهم تحت ظل مَن كان. وكل مَن يخالف هذا واجب الخروج عليه، وصدّه ودعوة الناس إلى مخالفته.</p> <p>نحن نأمل بنهضة &nbsp;هذه الشعوب، اليوم هناك ربيع ثانٍ في العالم العربي، يدفع إلى تغيير هذه الوجوه المتّسخة والأيادي الملوّثة بالدماء.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> والله نريد ربيع الفكر، ربيع الثقافة، لأن هذا الربيع من دون قيادة استراتيجية، من دون مسار مرحلي، من دون أفكار ورؤى واضحة. ولذلك صار الناس يحنّون ويفضّلون لو بقي الطاغة السابقون، لأن البدائل كانت سيّئة وتعيسة، كل ذلك لانعدام القيادات الأفكار، البدائل. للأسف الشديد أمّتنا لا تُحسن التخطيط، فتأتي أميركا لتخطط لها للأسف الشديد.</p> <p>د. حسن واقعاً أنت وضعتنا في مشكلة كبيرة هي أن الإسلام لم يحدّد أبعاد الدولة، ولم يشر إلى الدولة، وبالتالي مهمة الإسلام أخلاقية تبليغية وعظية.</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> تركها إلى العقلاء.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> ماذا كنا نجترّ على امتداد 14 قرناً؟ لماذا كل هذا اللغط والإعدامات وحركة قصّ الألسن بسبب ثقافة تقول أنها لم ترد في الأسس الشرعية الأصلية؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> كما قلت قبل قليل، هناك ماكينة أيديولوجية اشتغلت طيلة هذه القرون على تكريس مفاهيم بالتدريج، هي فعلاً مخدّرة للناس.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> مخدّرة؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> أنا متشائم إذا بقي وهو الوعي السائد الآن، إذا بقي هذا الوعي السائد إلى هذا المستوى وإلى هذا الحد، لا أجد ضوءاً في نهاية النفق.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا: </strong>لأننا أمّة تحب استنساخ الغباوة؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> بالضبط، لأننا لا نجتهد، نحن عطّلنا مسألة الاجتهاد، عودوا إلى القرآن الكريم، ففيه فعلاً من خلال القراءة المتدبّرة للنصّ القرآني، يمكن أن نعيد تصحيح جملة كبيرة من المفاهيم، نحن الآن نقتات ونعتاش من صحن الأوهام، نحن نعيش أوهاماً نحن نعيش أوهاماً، وخصوصاً الحركات الإسلامية التي تقاتل من أجل إقامة خلافة.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> خلافة الجماجم؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> نعم مثلاً، هل يمكن القول أنه أليس من حق المجتمع أن يختار القيادة الكارزمية؟ مثلاً المؤثرة الرؤيوية؟ هناك شروط المجتمع أبدعها في الغرب.</p> <p>نحن لا نزال نضع المورودي وقوالبه، أو السياسة الشرعية لإبن تيمية، أو الكتب، لكن هي كتب اجتهاد بشري، هي ليس لها علاقة برؤية قرآنية واضحة.</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> تحدّثت عن الحاكم الرؤيوي. في يوم من الأيام دعاني رئيس حكومة عربية لأحدّثه عن شروط النهضة بمجرّد أن بدأت نام نام نام، أين الحكام الرؤيويون الاستراتيجيون يا؟</p> <p><strong>حسن جابر:</strong> مَن يختارهم؟</p> <p><strong>يحيى أبو زكريا:</strong> د. حسن جابر من لبنان الحبيب، شكراً جزيلا لك.</p> <p>الأستاذ فاضل عاشور من تونس الحبيبة شكراً جزيلاً لك.</p> <p>مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها إلى أن ألقاكم، هذا يحيى أبو زكريا نستودعكم الله الذي لا تضيع أبداً ودائعه.</p> <p>&nbsp;</p> <p><strong>"التصوّر الإسلامي للعلاقة بين الحاكِم والمحكوم" الدكتور بشير عصام الماركشي</strong></p> <p>يمكن تقسيم الرأي الذي يتبنّاه الإنسان بحسب حكمه الشرعي إلى أقسام خمسة:</p> <p>هي أقسام الحكم التكيفي كما يمكن اختزالها في ثلاثة أقسام:</p> <p>المشروع وهو الواجب والمندوب وغير المشروع وهو الحرام والمكروه، والمباح وهو المخيّر فيه.</p> <p>أما القسم الأول، فلا يجوز للحاكم أن يمنعه، بل عليه أن يمنع تركه، والتفريط فيه، ويدخل في هذا النوع الرأي السياسي المشروع كمحاسبة العمال والحكّام وانتقاد عملهم وتقديم النصح لهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونحن ذلك كما تدخل الآراء الفقهية الاجتهادية، فليس للحاكم أن يحمل الفقهاء على قول واحد أو يمنع أقوالاً فقهية مخصوصة ما دامت تدخل في دائرة المشروع.</p> <p>والدليل على عدم جواز التعرّض الحاكم لهذا النوع من المنع النصوص الدالة على فضل قول كلمة الحق، كقوله عليه الصلاة والسلام حين سئل أي الجهاد أفضل؟ فقال كلمة حق عند سلطان جائر.</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p>