كمال حمدان - المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات
نص الحلقة
<p> </p>
<p><strong>اليسار كرم:</strong> أهلاً بكم.</p>
<p>مخاوف جديّة ساورت اللبنانيين بعد تسريب معلوماتٍ عن توجّه الحكومة إلى خفض الرواتب في القطاع العام وفرض المزيد من الضرائب على استهلاك الأسر والأفراد لخفض عجز الموازنة والحصول على الأموال الموعودة من مؤتمر سيدر.</p>
<p>وبرغم أن مجلس الوزراء اللبناني تسلّم أمس مشروع قانون الموازنة بصيغةٍ لا تنصّ على إجراءات موجِعة لذوي الدخل المحدود، إلا أنّ المخاوف تبقى قائمة من احتمال العودة إلى تلك الإجراءات التي تحمّل الفقراء أعباء كبرى وتعفي رأس المال والأغنياء من واجباتهم.</p>
<p>ولكن تبقى الحكومة بحاجة ماسّة إلى خفض النفقات وزيادة الإرادات عملاً للشرط الذي وضعه الدائنون في مؤتمر سيدر للإفراج عن 11 ملياراً و800 مليون دولار.</p>
<p>في حوارنا اليوم سنسأل، ما السبل المتاحة لخفض النفقات وزيادة الإرادات؟ وهل أموال سيدر هي المنقذ الحقيقي للبنان الذي يعاني ركوداً حاداً ونمواً اقتصادياً منخفضاً وهو من أكثر دول العالم ثقلاً بأعباء الدين العام؟ ألا يمكن تغيير النموذج الاقتصادي والاجتماعي القائم وإن لم يتغيّر القائمون عليه؟ وما المطلوب لتعديل نمط إدارة المالية العامة وتعديل النظام الضريبي بحيث لا يكون مُجحفاً اقتصادياً واجتماعياً؟</p>
<p>هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على ضيفنا المدير التنفيذي لمؤسّسة البحوث والاستشارات في لبنان الدكتور كمال حمدان.</p>
<p>أهلاً بكم إلى حوار الساعة.</p>
<p>أهلاً بك دكتور كمال، ربما هدأت مخاوف اللبنانيين قليلاً بعدما كُشِف عن أبرز ما نصّ عليه مشروع الموازنة الذي طُرِح أمس في جلسة مجلس الوزراء. ولكن يبدو أنّ هناك حرب شائعات أو ربما محاولة لإثارة الخوف في صفوف اللبنانيين وحتى المستثمرين الأجانب عبر الحديث عن انهيار وأزمة مقبلة، هل هذا واقعي؟ هل هناك أزمة قريبة أم هو فقط تهويل؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> المخاطر لا تزال كبيرة جداً، لا تطمئن النفوس لمجرّد الإعلان عن مشروع موازنة، أعطي مثلاً، في عام 2018 مشروع الموازنة لاحظ إجمال نفقات عامة 15 ملياراً و 800 مليون على كل أبواب الإنفاق، من دون الكهرباء. فعلياً، إذا أخذنا الأرقام الفعلية عن الأشهر الإحدى عشر الأول من سنة 2018 نلاحظ أن الإنفاق الفعلي تجاوز الـ 15.6، وصل إلى حوالى 18 ملياراَ، يعني مليارين و 400 مليون زيادة. طبعاً تحدّثت عن الإحدى عشر شهراً، يجب أن نُحدّثها لتغطي ثمانية عشر شهراً.</p>
<p>إذاً لا يكفي أن أقول كحكومة مع هذا النمط من إدارة الشأن العام حيث النوايا التي تعلن في</p>
<p> أرقام الموازنة قليلاً ما تصيب، تأتي أرقام فعلية بعد انتهاء السنة بمكان آخر. فالآن النوايا يوجد منها ربما يكون كالأسبرين، وهناك شيء يؤكّد أن هذا النمط الذي أصبح له 25 - 30 سنة لا يزال مستمراً. أعطي أمثلة.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>تفضّل، نعم.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> مثلاً، لا مسّ بموضوع المصارف، الذي طبعاً ينبغي أن نحرص كلبنانيين على دورها وعلى مواردها وعلى الكفاءات البشرية التي فيها، ولكن فليسمحوا لنا، بظرف 25 سنة بين عام 1993 و عام 2018 رأسمالهم الخاص زاد 105 مرات، 100 ضعف.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>ولكن كيف ذلك، يعني من أموال مَن؟ دائماً يُحكى عن أرباح المصارف ويُقال أنه يجب أن تخضع لضريبة، ولكن لم نفهم بعد ما الذي أوصل المصارف أو سمح لها بتحقيق هذه الأرباح الاستثنائية؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> لأنه خلال هذا الربع قرن لم نكن نستطيع أن نفصل تماماً، أن نرسم الخط الفاصل تماماً بين أركان السلطة وأركان المصارف.</p>
<p>في البداية المصارف تردّدت أن تدخل في اللعبة، في التسعينات، أنا أذكر، تردّدت أن تدخل وتلعب دور المُقرِض النهائي للدولة لتغطية عجزها، ماذا فعلت الدولة؟ وهنا يوجد تشابك كبير بالمصالح، يعني مثلاً هناك دراسات عن عدد أعضاء المجالس النيابية والوزارية الذين هم إما مساهمين أو أعضاء في المصارف، هذه معروفة، نجري على أساسها أطروحات دكتوراه.</p>
<p> فإذاً تردّدوا في البداية أن يلعبوا دور المُقرِض النهائي للدولة. الدولة، لأنه في الوجه الثاني يظهروا كمصارف، وفي الوجه الأول يعودون كمسؤولين بالدولة.</p>
<p>الدولة وعبر مصرف لبنان استسهلت أن ترضيهم وتغريهم بالفوائد العالية، وهذه الفوائد العالية، هذه أموال تمشي بكبسة زر تُسجّل فوائد وإلى آخره، وشهادات إيداع وإلى آخره، جعلت الأرباح تتراكم بهذا القطاع، وجزء من هذه الأرباح لم توزّع على المساهمين بل استثمرت في زيادة رأسمال المصرف، ولذلك أقول هذه الزيادة من 250 مليون دولار إجمالي رأسمال المصارف في عام 1993، إلى 22 مليار دولار الآن، يعني مئة مرة زيادة، هذه جاءت من أرباح لم توزّع. وهذه الأرباح كانت مُتأتية بنسبة مهمة منها من هذا النمط من إدارة العجز من قِبَل الدولة والفوائد العالية التي كانت الدولة تعرضها عبر مصرف لبنان على المصارف للاستمرار باللعبة.</p>
<p>هذه كانت لعبة "طرابيش"، لها 25 سنة مستمرة، كان يمكن لها أن تستمر أكثر، لأنه شارفنا على الانهيار في عشيّة باريس 1، جاء باريس 1 ثم 2 ثم 3، الآن تغيّر المُعطى الإقليمي وأولويات اللاعبين في المنطقة والدولة. هذا سيناريو "الطرابيش" كان يمكن أن يستمر لو استمر نمو قاعدة ودائع المصارف، لأنه من أين تستدين الدولة؟ تستدين من المصارف، يعني من المودعين، من أموالهم، و من سبع - ثماني سنوات إلى الآن معدل نمو قاعدة الودائع ينخفض، كانت قبل عام 2011، خصوصاً في فترة ما بين 2007 - 2010، أحياناً تصل إلى 15% و 18% سنوياً اتساعها، من عام 2011 انخفضت، الآن تقريباً أصبحت شبه معدومة لا توازي، يعني أنت عندما تضعين 100$ بالبنك في بداية السنة تأخذيه 105$ في نهاية السنة، الآن القاعدة لا تنمو بـ 5%، إذاً علامة استفهام كبيرة.</p>
<p>لم تعد المصارف بوضع يسمح لها باللعب بالسهولة ذاتها، الدور الذي لعبته على مدى 25 سنة، أنه يا دولة أو لا دولة، والأحرى لا دولة، يا دويلات أنا مستعدة، كانت تقول لهم أنا كنت أتحمّل مخاطر أن أقرض دويلات يصرفون ويهدرون كيف ما كان مع فساد سياسي ومع تقاسم ومع تحاصُص ومع منحى صاعِد للإنفاق العام الذي 92% منه جار، يعني استغلال، ليس استثماراً، والدليل أن كل المرافق العامة على الأرض. فهذه اللعبة لم تعد ممكنة الآن.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>بالعودة إلى موضوع الموازنة، مشروع الموازنة وما لم يُذكَر في هذا المشروع، سنتابع الآن جزءاً من مقال ورد في صحيفة الأخبار اللبنانية بعنوان "موازنة الهروب من المسؤولية"، ومن بعد هذا المقال سنناقش.</p>
<p><strong>- تقرير: الأخبار اللبنانية: موازنة الهروب من المسؤولية</strong></p>
<p>باستثناء اقتراح رَفْع الضريبة على ربح الفوائد من 7 إلى 10 في المئة، تجنّب وزير المال علي حسن خليل أية فكرة مثيرة للخلاف بين مكوّنات الحكومة. لم يقترب من خدمة الدين العام، ولا من الكتلة الرئيسة للأجور. اقترح تعديلات طفيفة على الرواتب المرتفعة، من خلال وضع سقف لها. جاءت هذه الخطوة المؤجّلة بعد فشل محاولات التوافق على خفض الأجور ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية للعاملين في القطاع العام، التي قادها رئيس الحكومة سعد الحريري بالتنسيق مع الوزير خليل. إلا أن مشروع الموازنة، كما رفعه وزير المال، لا يتضمّن مثل هذا الخفض، ولكنه يتضمّن مواد عدّة سبق لوزير المال أن تحدّث عنها في برنامج تلفزيوني، ومنها وضع حد أقصى للراتب الأساسي لا يتجاوز راتب رئيس الجمهورية، ووضع حد أقصى لمجموع التعويضات والملحقات بما لا يتجاوز مجموع الراتب الأساسي، وعدم جواز الجمع بين أجرين من المال العام. انطلق وزير المال من إشاعة فكرة تقول: إن الخطوات الممكن اتخاذها في مجال زيادة الواردات محدودة. ويكتفي بوعد أن تتقدّم الحكومة بمشروع قانون ضريبي لإجراءات وتشريعات لا تصيب عامة الناس وتؤمّن جباية أفضل والتزاماً أكبر.</p>
<p>باختصار، أبعد الوزير خليل مشروعه كلياً عن محوري الخلاف الجاري اليوم: خفض الفوائد وخفض الأجور ومعاشات التقاعد. ربما أراد أن يتخلّص من هذه المسؤولية ورميها على مجلس الوزراء مجتمعاً، وربما تبيّن له أن هذين المحورين لا يمكن أن يحصل توافق عليهما.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>إذاً وزير المالية قال أو نُقِل عنه أنه قال إن بعض الخطوات الممكن اتخاذها محدودة، هل توافق على ذلك من منطلق علمي اقتصادي؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> في اليمن عندما يرسمون دائرة ويجلسون فيها ولا يعودون يستطيعون أن يخرجوا بأية طريقة، يمكنك أن ترسمي دائرة لشخص وعندهم تقاليد ومعايير أنه إذا لم يأتِ الشخص الذي رسم الدائرة وفتح له ثغرة ليخرج يمكن أن يبقى يوماً أو يومين أو ثلاثين يوماً فيها.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>مَن الذي رسم هذه الدائرة للحكومة اللبنانية؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> الطبقة السياسية في لبنان رسمت دائرة لنفسها، ليس من السهل إذا لم يحصل ضغط شعبي منظّم خارِق للطوائف يفرض عليها تنازلات كبيرة بمستوى الأزمة، إذا لم يحصل ذلك ستبقى ضمن الدائرة مع تحسينات على الهامش قليلاً أو بالقشور، كما ورد في مشروع الموازنة، مثلاً لم يمسّوا بموضوع المصارف، العلاقة مع المصارف، لم يمسّوا نظرياً، لأن الجو ما زال ملبّداً بنوايا مُبطّنة حول الأجور، لكن إلى الآن لا نستطيع القول أنهم مسّوا بالسلسلة ولا بالتقاعد. لكن بالنصوص التي قرأناها، مما نشر عن مشروع الموازنة، أعتقد أن هذا ملف مفتوح وسنشاهد ماذا سيحصل.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>يعني حتى الآن ما حُسِم أنه لن تكون هناك زيادة 5 آلاف ليرة لبنانية، يعني تقريباً 3 دولارات على سعر صفيحة البنزين.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> لم يرد بالنص.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>وحُسِم أنه لن يكون هناك خفض بنسبة 15% على كل الأجور لموظفي القطاع العام، ربما سيطالون فئة معينة.</p>
<p><strong>كمال حمدان: </strong>سننتظر النقاشات، وسننتظر في بعض الأوقات ظروف داهِمة تُجبر مجلس النواب إذا ذهبنا أكثر في اتجاه سيناريو الانهيار أن تلجأ في ما يتجاوز الموازنة إلى إجراءات أقصى في فترة لاحقة. هذه لا أحد يستطيع أن يتجاهلها تماماً، يعني عندما تصبح الأزمة غير وشيكة، عندما تنفجر إلى آخره.</p>
<p>في ما يتعلق بموضوع الأجور لا يزال هناك لغط، إمكانية خفضها مع ضوابط، بمعنى وضع سقف معيّن، تحته لا يمسّوا بالأجور لكن فوقه يأخذون 15%.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>يعني لن يشمل كل الموظفين، لن يطال الأقل دخلاً؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> لا، مثلاً، سقف، الذي أجره مليون أو مليونين ليرة هذا لا نخفض له، بدءاً من هذا السقف نبدأ بالخفض، يعني أول مليون أو مليونين في المعاش لا نُخفّض، نُخفّض للشطور الذي فوق، ليحموا الصغار.</p>
<p> الدراسات التي تقام الآن في إطار عدّة منظمات دولية ووزارة الشؤون حول خط الفقر، يعني المليوني ليرة، ما بين مليونين وثلاثة ملايين لأسرة من 4 أو 5 أفراد تقريباً هو مستوى خط الفقر الأعلى، يعني لا يمكنك أن تقتربي من هذا المبلغ، المليون أبداً لا يمكن أن تقتربي منه، لأنه الآن الشيء الذي يسمّونه خط الفقر المُدقع هو بحدود مليون و 200 ألف، مليون و 300 ألف، المُدقع يعني دخلك الذي يكفيكي فقط حتى لا تموتي لا سمح الله.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>يعني تقريباً 900$ فقط لكي يعرف المشاهد العربي.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> 800$، 900$ لأسرة من أربعة أفراد هو المستوى الدخل الذي يوفّر استهلاكاً على الأساسيات بحيث أن العائلة لا تموت.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>الأساسيات فقط؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> نعم، خط الفقر الأعلى تقريباً الضعف.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>دكتور، في ظل هذا الواقع وقد تحدّثت عما يقارب الانتفاضة الشعبية أو التصدّي الشعبي لهذه التوجّهات، بحسب معرفتك بالواقع اللبناني وبثقافة الشارع اللبناني، هل هذا ممكن؟ هل من بوادر أن الشارع اللبناني سيتحرّك لمنع الحكومة من أخذه إلى هذا المكان الصعب الذي يزيد الأعباء على الفقراء ويعفي الأغنياء ببساطة؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> أنا أرجّح بضوء ما حصل في الأسابيع الأخيرة، حيث تكاثرت وتنوّعت كثيراً وتعدّدت أشكال التحرّك الذي معظمها كعفوي وبعضها منظم، والآتي - هذه مثل كرة ثلج - لكن يجب أن نتذكّر أن تجربة هيئة التنسيق النقابية، خاضت معارك على مدى سنتين وثلاث، كان يشارك عشرات الألوف وأحياناً مئات الألوف، تظاهرات، كانت مطالب ملموسة تخصّ فئة العاملين، جزء كبير منهم موزّع على كل أطراف السلطة كأحزاب وكطوائف.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>تقصد المطلب المتعلّق بسلسلة الرتب والرواتب.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> الرتب والرواتب، هذه تجربة هيئة التنسيق.</p>
<p>الآن يجب أن نأخذ دروساً وعِبراً من تلك التجربة، نجحت بمكان وفشلت بمكان آخر.</p>
<p>نجحت بأن انتزعت مكاسب، لكن فشلت أن تترجم هذا النجاح والقوة التي أثبتتها بالشارع أن تترجمها بالحيّز السياسي، يعني يصبح عندهم مشروع، مشروع للتغيير، للإصلاح، يصبح لهم وزن، عبر نقابات واتحاد عمالي عام من نوع جديد، ليس مثل هذا الاتحاد العمالي، وعبر روابط للأساتذة وعبر جمعيات مدنية وأهلية وعبر أحزاب خارِقة للطوائف. ولكن للأسف هذه العملية وقفت لأن تجربة هيئة التنسيق والحراك الشعبي الذي تبعها حول النفايات وغيره افتقد لأمرين، افتقد لأجندة يعني برنامج مُبسّط مُتّفق عليه، واحد، وافتقد لإطار تنسيقي مرن جداً يستطيع أن يُجمّع كل هذه المجموعات بإطار تنظيمي وينظّم تحرّكها. لاحظي ما يحصل في السودان، كل تحرّكات الشارع من شهرين في السودان تحت إسم واحد، تجمّع المهنيين السودانيين، هنا في لبنان ننزل بمئة إسم، "وغير معروف يد مَن بجيب مَن"، وهذه تحد من الفعالية.</p>
<p>الآن يجب على أية حركة شعبية، وأنا برأيي ستنشأ حركة شعبية لأنه نحن في بداية الأزمة، هذه نوايا مشروع الموازنة، سنرى غداً، الآن يقولون لنا إنهم يريدون أن يضعوا سقفلااً لكل أنواع التعويضات والعطاءات للموظفين بحيث لا يتجاوز الراتب الأساسي، غداً سنرى مراسيمها التنظيمية، أو يقولون بالمشروع أن السقف الأعلى لراتب أيّ موظف بالدولة اللبنانية ينبغي ألا يتجاوز معاش رئيس الجمهورية، الذي هو حوالى 12 ألف دولار، نحن نعلم أن هناك مئات الموظفين من الفئة الأولى والثانية، بالمصالح المستقلة وبالمؤسّسات العامة، مئات، يتجاوز رواتبهم وملحقاتها وعطاءاتهم والساعات الإضافية والمكافأة وبدل الإنتاج وحصّة من الأرباح، يتجاوز 30 ضعف الحد الأدنى للأجور، هذا غير موجود بأيّ بلد في العالم، مثلاً فرنسا أعلى شريحة من الأجراء بالدولة الفرنسية لا يتجاوز متوسّط الأجر وتقديماته عشر مرات الحد الأدنى للأجور، أما عندنا 25 و 30 وهناك حالات قليلة جداً نصل للـ 70 ضعفاً.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>هذا استثنائي.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> وعلى ماذا؟ "على ملوخية" مثل ما يقول المصريون.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>أساساً هذا يمنع توازن القوى بطبيعة الحال، يعني قد يفوق راتب موظف ما راتب رئيس الجمهورية.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> سنرى كيف سيطبّقون هذه الإعلانات التي وضعوها بالأمس بالقانون.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>إذا افترضنا أن مشروع الموازنة حظيَ بالموافقة كما هو عليه الآن، هل هو كافٍ لوقف الهدر وفرملة النفقات التي لا طائل منها، النفقات غير الضرورية، هل هو كافٍ كما هو عليه؟</p>
<p><strong>كمال حمدان: </strong>كتسوية لا أعدمه تماماً، لكن أقول أن هذا ليس مشروعاً إصلاحياً فعلياً، هو إصلاحات على القشور. لكن أعود وأذكّرك بما بدأت كلامي به، أنا أقول أريد أن أصرف 15% في بداية السنة، تأتي نهاية السنة، مثل ما صار في عام 2018، أصرف 18%.</p>
<p>نحن من دون التحويلات لكهرباء لبنان، في عام 2018، العجز تجاوز 11.4% من الناتج، كنا في السنوات التي قبل سيدر، كنا 8%، 9%، وأتينا في سيدر، في آذار 2018 نقول للمجتمع الدولي أعطونا أموالكم نحن سنجري إصلاحات، وعلى رأس الإصلاحات خفض العجز إلى الناتج بنسبة 1% سنوياً على 5 سنوات، يعني 500، 600 مليون دولار كل سنة، حيث في السنة الخامسة يكون قد انخفض العجز 3 مليارات. هذا قُلناه في بداية سنة 2018، في آخر سنة 2018 ارتفع العجز إلى الناتج من 8% إلى 11.4%. أنا أقول هذا الكلام ليبقى اللبنانيون واعين، "أسمع كلامك يعجبني وأرى أفعالك أتعجّب"، إذا في عام 2019 تكرّرت المأساة الإغريقية لعام 2018.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>نموذج اليونان تقصد؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> نعم.</p>
<p>يعدونا بخفض، الآن الأرقام كما نراها ونحسبها وسمعناها وقرأناها اليوم في الصحف، يوحون لنا أنه يوجد خفض بحدود مليارين ونصف المليار، 3 مليارات دولار بالعجز، يعني عملياً يعودون في عام 2019 - النوايا، يمكن ألا ينجحوا - أن يردّونا إلى ما كنا عليه قبل سيدر، يعني هناك ادّعاء بالقدرة على خفض 3%، 4% من الناتج دفعة واحدة في عام 2019.</p>
<p>أنا أخاف لأنني أرى الكثير من التعهّدات الواردة في مشروع الموازنة سوف تليها عندما نصل إلى المراسيم التنظيمية والمصالح الحقيقية "كباشات" كثيرة وتسويات كثيرة واستثناءات كثيرة.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>"كباشات" سياسية تقصد؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> نعم. والتواء بتفسير النصوص، وهذه نستثنيها، كيف نحدّد العطاءات، كيف نحدّد التقديمات، ماذا نستثني، ماذا ندخل؟ هؤلاء الأطراف الذي نقول أننا سنخفض مثلاً فرصهم من 20 يوماً إلى 15 سوف تنتهي هنا القصة أو هناك ردود فعل غداً ستنشأ وتحصل تسويات عليها وكل هذا يترجم بأموال بالنهاية. أو قرار وضع سقف للراتب والعطاءات ألا تزيد عن رئيس الجمهورية، بوقت نعرف أن هناك مئات إذا ليس آلاف - لا نعرف - في الدولة عندهم معاشات أعلى، كيف ستطبّق هذه، ومواقع قوى وعصبيات وكل شخص عنده ربعه. إذا لم ينشأ تيار ديمقراطي خارِق للطوائف يجسّد فكرة إصلاح الدولة بشكل عصري ووفقاً لأجندة متّفق عليها، أنا أرى أن احتمالات الارتدادات السلبية تبقى قائمة.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>بالحديث عن مؤتمر سيدر ونتائجه، يعوّل عليه بعض اللبنانيين لتحريك عَجَلة الاقتصاد أو لتحريك النمو قليلاً، بحسب اطّلاعك على ما تضمّنه هذا المؤتمر، ما هي أبرز القطاعات التي يمكن فعلاً أن تتأثّر إيجاباً بنتائج سيدر بالقروض الموعودة وهل هذه القطاعات فعلاً ما ينعش الاقتصاد؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> هل هي؟</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>هل هذه القطاعات التي فعلاً هي تحرك النمو الاقتصادي وتنعش الاقتصاد، بمعنى تولّد فُرَص عمل، تجذب الاستثمارات إلى آخره؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> الآن أمام هذا النادي المغلق الذي يحكم البلد لم يكن أمامهم خيار إلا أن يستمروا بسياسة الاقتراض، ولا تنسي، نحن هذا النمط الرَيعي، الاقتصاد الرَيعي، الذي كنا قبل سنوات عندما نستخدم هذا التعبير يُكفرّوننا، الآن رئيس الجمهورية يستعملها، وزير المال يستعملها، كل أطراف السلطة السياسية يتحدّثون عن اقتصاد رَيعي بما فيها الرئيس سعد الحريري، هذا تقدّم.</p>
<p>ماذا يعني النظام الرَيعي؟ نحن نستهلك أكثر مما نُنتج، الإحصاءات الوطنية الصادرة عن الإحصاء المركزي في سنة 2017، أظهرت أن استهلاك المجتمع اللبناني، يعني استهلاك الحكومة والخاص، يزيد عن قيمة الناتج، وهذا شيء نادر في العالم. نحن نستورد أكثر بكثير مما نصدّر، آخر سنتين صادراتنا هي 12%، 15%، تغطي المستوردات، كنا نغطي 50% قبل الحرب. ثالثاً، ندفع أولادنا دفعاً نحو الهجرة لأن البلد ينزل على سوق العمل فيه سنوياً 55 ألف شخص منهم 35، 40 ألف خرّيج جامعي، الاقتصاد لا يخلق إلا ثلث أو نصف هذا العدد، أن نستهلك ولا ننتج، نستورد ولا نصدّر، ونعلّم أولادنا ونهجّرهم، لنستطيع أن نستمر مضطرين أن نلجأ للاقتراض. والاقتراض سارَ، كنا بمليارات قليلة أصبحنا بـ 85 ملياراً والحبل على الجرار، إذا نريد أن نتكلّم فعلياً هو رقم أعلى بكثير من 85 ملياراً.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>مع احتساب الفوائد وكل ما يترتّب عليه؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> لا، الدَين العام هو كل مؤسّسات الدولة، ليست فقط هذه الدولة التي تنفّذ الموازنة، بل تدخلي على المؤسّسات والمصالح المستقلة والبلديات وخصوصاً على وضعية مصرف لبنان، أين ميزانيته؟ أين حساب الربح والخسارة؟ يجب أن تأخذي كل هذه المؤسّسات العامة والمصالح المستقلة والبلديات ومصرف لبنان وتراقبي أرصدة حساباتهم النهائية، بالتشغيل، الخسارة والربح، إذا تبيّن أن هناك ثقباً، هذا الثقب يجب أن تزيديه على الدَين العام، هذا موضوع آخر يحتاج لحلقة منفردة.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>ربما يحتاج إلى حلقة أخرى. إسمح لنا أن نتوقّف الآن مع فاصل قصير، استراحة قصيرة ومن بعد هذا الفاصل نناقش أكثر نتائج مؤتمر سيدر، تداعياته على الاقتصاد اللبناني، ونتحدّث عن السُبل المُتاحة لمعالجة هذه الأزمة أو منع حدوثها بأقل أضرار ممكنة.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> أنا لم أجب بعد على موضوع سيدر.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>سنتحدّث عنه بالتفصيل بعد الفاصل. إذاً مشاهدينا فاصل قصير ونعود.</p>
<p><strong>المحور الثاني</strong></p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>أهلاً بكم من جديد مشاهدينا، وأهلاً بك دكتور كمال حمدان.</p>
<p> قبل الفاصل كنا قد تحدّثنا قليلاً عن سيدر، لذلك الآن سنتابع جزءاً من مقال ورد على موقع لبنان 24 عنوانه " هذا كله بفضل سيدر" كتبه أندريه قصاص، إذاً نتابع المقال ونناقش.</p>
<p><strong>- تقرير: لبنان 24: هذا كله بفضل "سيدر"! أندريه قصاص</strong></p>
<p>لولا "سيدر" لما كان كل ذلك، ولما كانت كل تلك الحماسة، التي يُبديها بعض السياسيين بفعل سحر ساحر، ولكانت موازنة الـ 2019 تشبه موازنة الـ 2018، وهي الموازنة الأولى التي شهدتها البلاد منذ سنوات طويلة، مع أنها أتت خالية من أية خطوات إصلاحية، سوى تعديل في دوامات الموظفين، الذي لم يؤدِ الغرض المقصود منه، وهو زيادة الإنتاجية، إذ بقي وضع الإدارة العامة على ما هو عليه، من فوضى وتسيّب.</p>
<p>أما اليوم فإننا أمام مشروع موازنة رشيقة، وفيها الكثير من الخطوات التقشّفية، التي لن يكون لها تأثير مباشر على وضعية المواطنين، بعدما أبعد عنهم كأس اقتطاع جزء من رواتبهم ومن نِسَب مستحقاتهم التقاعدية، وبالتالي لم يصر إلى اعتماد سياسة ضرائبية تطاول شرائح المجتمع، التي باتت تلامس خطوط الفقر المُدقع، وهذا ما حرص عليه جميع الأطراف السياسية، التي تعتمد في هيكليتها التنظيمية على القواعد الشعبية، ومنها تستمدّ قوتها واستمراريتها.</p>
<p>فلولا وعود " سيدر" لكانت الموازنة العامة أقرّت كما أقرّت سابقتها، ولكان العجز بقي على حاله، فبفضل "سيدر" أصبح الإصلاح مطلباً جماعياً، وفي الخلاصة يبقى السؤال: إذا جرى التوافق السياسي على الموازنة الرشيقة فهل تستطيع لجنة المال والموازنة إنهاءها وتحويلها إلى اللجان المشتركة ومن ثم إلى الهيئة العامة لإقرارها بقانون لا تسري مفاعيله قبل نشره في الجريدة الرسمية قبل نفاذ صبر المجتمع الدولي وقبل أن يصبح حبر "سيدر" من دون لون؟</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>المجتمع الدولي قبل أن ينفد صبره طلب بين مزدوجين "إصلاحات اقتصادية" من لبنان كشرط للحصول على الأموال، ولكن هل ترتيب الأولويات المنصوص عليها كإصلاح بصفتها إصلاحاً، هي فعلاً ما يحتاجه لبنان للنهوض باقتصاده أم رتّبت وفق ما يخدم أجندات معينة أخرى؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> يطول الحديث على سيدر، لكن كانت الدولة وصلت إلى حافّة السقوط، وتحتاج إلى ..</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>أوكسجين لتتنفس.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> حبال تتمسّك بها، حبال هواء، نفضوا الغبار عن كل ما هو موجود من مشاريع بخزائن مجلس الإنماء والإعمار والوزارات، رتّبوها، صنّفوها، ضبطوها، 60% من 280 مشروعاً لها علاقة بشيء له بُعد وطني، يعني شبكات وطنية بالمناطق كلها، وهناك الثلث تقريباً 40% هو "حكّيلي لحكّلك"، هذه للشمال، هذه للجنوب، لا الجبل.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>تبادل خدمات تقصد؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> يعني مشاريع لها علاقة بمناطق وبالتالي هنا يجب أن تراعي الأوزان والأحجام، في بعض الأوقات، الأوزان والأحجام داخل الطائفة نفسها، وهذا يُريكِ كيف تُسيّس الأوضاع العامة في ظل نظام طائفي.</p>
<p>وضعوا هذه اللائحة ووزّعوها، هناك خمسة قطاعات أساسية على ما أذكر، الكهرباء، الطرقات، الطاقة، النفايات، الصرف الصحي وغيره، تلك أهم القطاعات، 11 ملياراً أول ثلاث سنوات لاحظوا عليها، فقط لأقول المفارقة للبنانيين، أصبح لنا 10 سنوات نتخاصم على قانون يتعلق بخطة الكهرباء، دفعنا في هذه العشر سنوات بشكل دعم لمؤسّسة كهرباء لبنان ما يوازي 15 ملياراً إلى 20 مليار دولار، هل يتصوّر عقل كم مفهوم الزمن غائب عند الطبقة السياسية!؟ كان يمكن ألا نكون بحاجة إلى هذا الاسترزاق عبر الاستدانة والاقتراض والخضوع للشروط لو أخذنا قراراً، قرار سياسي بالدرجة الأولى وبعيداً عن التحاصُص وعن الكيد وعن التفاهة وعن فقدان أيّ اعتبار لمفهوم الزمن ، لو بدأنا منذ العام 2010 بوضع خطة كهرباء موضع التنفيذ، كان الوفر يتحقّق، يتجاوز ما نشحذه الآن من مشروع سيدر، هذه ستبقى موجودة في رأس اللبنانيين.</p>
<p>الآن سيدر فيه كثير من الشروط كمبادئ عامة، هناك الحديث عن قوانين، وتحرير اقتصادي وخصخصة ولجان ناظِمة، هيئات ناظِمة، و "doing business"، يعني كيف تبسطي بيئة الأعمال، هناك كثير من الشروط، لكن المكان الوحيد الملموس والذي يمكن فيه أن يلحقوا الدولة أنهم أخذوا تعهّداً رسمياً من الدولة أنني أنا أريد أن أخفض بخمس سنوات 5% من عجزي كنسبة من الناتج. فرضاً إذا أنا في عام 2018 كدولة 10% من الناتج عجزي، أنا أقول للأسرة الدولية بعد خمس سنوات عجزي سيصبح 5% من الناتج بدلاً من 10%، لماذا؟ لأن كل سنة سأخفضه 1%. جاءت سنة 2018، هنا كانت الكارثة، الذي كان 10%، بدلاً من أن يصبح 9% حسب التعهّدات، أصبح 13 و 14%، هنا الطامّة الكبرى. الآن يحاولون بمشروع موازنة سنة 2019 يمحوا آثار هذا العدوان ويعيدوه إلى ما كان عشية سيدر ويكملون بالتدرّج بالخفض، نتكلّم عن النوايا، ماذا سيحصل على الأرض لا نعرف، غداً أسعار النفط ترتفع، غداً صِدام سياسي بالمنطقة يحصل، صِدام داخلي، عدوان إسرائيلي، لا نعرف - لكن نتكلّم عما هو مكتوب بالنصوص.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>من وجهة نظرك كخبير في الشأن الاقتصادي وملمّ به، ما السُبل علمياً، يعني لو عدّدتها لنا نقطة نقطة كأننا نرسم خارطة طريق، أولاً لخفض النفقات وثانياً لزيادة الإيرادات، ما هي الإمكانات المتاحة أمام الحكومة اللبنانية لكي تعالج مشكلتها بطريقة منهجية وعلمية من دون إنهاك الفئات الأقل قدرة على دفع الضرائب وإلى آخره، من دون إنهاك الفقراء، ما السُبل المُتاحة؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> أول مبدأ، أنه لا يمكنك أن تنفردي بإجراءات على جبهة النفقات أو على جبهة الإيرادات، يجب أن يكونوا متساويين، لماذا؟ لأنه لا يمكنك أن تطلبي لا من الفقير ولا الذي بالوسط ولا الذي فوق أنه أعطيني إيرادات أكثر ومن جهة أخرى المزاريب سارحة والرب راعيها بالإنفاق، إذاً يجب أن يكونوا متساويين.</p>
<p>على صعيد الإنفاق، لماذا لا نبدأ بالإيرادات، أنا أحب الأموال أولاً.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>لا مشكلة.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> لنبدأ بالإيرادات، قالوا لنا بمشروع الموازنة، هذا أهم بند يدخِل أموالاً، الكلام عن رفع الضريبة على الفوائد، من 7% إلى 10%، بربّكم لبنان بالمرتبة الثالثة في العالم بالنسبة لأوجه عدم العدالة وتركّز الثروة والدخل، أصبح هنالك نصف دزينة دراسات دولية، لم تجرها طوائف ولا كيدية، أناس من الخارج، عملوا على المعطيات الأولية الموجودة في وزارة المال وفي غيرها، مع سماح من وزارة المال، كل هذه الدراسات تؤكّد أن لبنان بلد مستقطب فيه الثروات والدخل بشكل غير مسبوق، 1% ربع الدخل و40% من الثروة. إذا كان هذا كذلك، أنا يجب أن أزيد الفوائد ويجب أن تزاد الضريبة على الفوائد، لماذا يجب أن أزيدها على كل الناس بنفس المعدل؟ لماذا أفرض 7% على الذي عنده 50 مليوناً والذي عنده 50 ملياراً، 7% أرفعها إلى 10%، لا، فلنرى تجربة كل الدول التي سبقتنا، يبدأون بـ 3 أو 5% على المبالغ الصغيرة ويرفعون على المبالغ الكبيرة، وهناك منهم يصلون إلى 40% على أعلى شطر، حتى تطالي الثروة حيث مكانها، هذه الثروة التي تأتّت أتت من هذه السياسات الريعية التي استمرت 30 سنة، بالفوائد وبالعقارات وبالاستيراد، تكوّنت ثروات لمجموعات كبيرة، كيف ستطالينها، هذا لا يطالها، هذا يطال الذي في النصف والذي تحت، إذا الإجراء الأول والأهم فيه خلل. هذا كان يجب أن يكون تصاعدياً، هذا مثلاً مثال.</p>
<p>يتكلّمون عن توسيع قاعدة الجباية، سنذهب ونصلّي معهم، لأن هذه من 40 سنة في كل موازنة توسيع قاعدة الجباية، توسيع قاعدة الجباية مع سرّية مصرفية؟؟ توسيع قاعدة الجباية مع وجود نصف الاقتصاد بحال غير نظامي، يعني غير مُصرّح، لا للضمان ولا للمالية، إذاً هناك مشكلة في هذا المطلب.</p>
<p>هناك أمر آخر، وهذا كنا مُتأملين كثيراً أن يفعلوه، لكن قلت لا مسَّ بالمصارف كما الظاهر حتى الآن، كان هناك رأي أنهم يَدْعون المصارف، سمك القرش الكبير، خمسة، ستة، يجلسوهم على الطاولة، يقولون لهم ذاهبون نحن وإياكم إلى المهوار، استفدتم كثيراً وأعطيتم وقدّمتم خدمات كثيرة للبلد، وموّلتم العجز وموّلتم الاقتصاد، لكن الآن السَكْرة ذهبت، الآن ذاهبون جميعاً إلى المهوار.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>ماذا لو رفضت المصارف كما تفعل كل مرة؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> يعني أنا أريد منكم بضريبة استثنائية 40%، 50% من أرباحكم لثلاث سنوات أو خمس سنوات، وهذا لمصلحتكم لتستمروا في المدى المتوسّط. هذا نوع من الإجراءات، وهذا حصل في كل بلدان العالم، السلطة العامة تدعو القطاع المصرفي وتبحث معه عن حلول موجِعة له، لكن هذه نقطة ببحر ما جنيت بشكل تراكمي على مدى ثلاثين سنة. عندما يعلن مليارين، مليارين ونصف المليار أرباحاً، لا أحد يعلم إذا مليارين أو ثلاثة أو أربعة، هناك علاوات بعشرات الملايين، هناك مستويات أجور للـ 5% الذين فوق بـ 500 ألف دولار بالسنة و 400 ألف ومليون، كفى، ثلاثين سنة، كفى، الآن كلنا ذاهبون إلى المهوار، تفضلوا. سأسرع لأني خائف منك.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>لا أريد إخافتك ولكن أحاول كسب الوقت معك دكتور.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> إعادة التصاعدية إلى النظام الضريبي، نحن يوماً ما كنا وصلنا إلى 43% على الشطر، وثبّتوه في مشروع الموازنة على 17%، زادوه على الأفراد بشطر إضافي 25% بدلاً من 20% وعلى المهن الحرة، ولكن شركات الأموال ما زال 17%. والتصاعدية كما ذكرت على الفوائد، إعادة دراسة سياسة الإعفاءات كلها من جديد، هذه بعض الأفكار حول الإيرادات.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>حُكيَ مؤخّراً عن إعفاء نحو 14 شركة من ضرائب ربما تمثل أكثر من 100 مليون دولار، مجموع الضرائب، لست واثقة من الرقم ولكن...</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> هذه أخطر ما هو بالمشروع، لأنه جدّد المشروع مادة، هذا القانون الذي يصدر، يصدر لأنه سيدخل على النقاش.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>يتأرجح.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> جدّد الإعفاءات من الغرامات، كان بالماضي يضع لها سقفاَ، كانت عندما تتجاوز المليار لا يُعفى منها المواطن أو الشركة إلا بعد قرار من مجلس الوزراء، الآن مفتوحة، إعفاء، هذا سيعمل مشكلة في النقاشات القادمة.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>من دون أية ردّة فعل لا شعبية ولا حتى من المؤسّسات الرقابية.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> هذا قسم كبير منهم مصارف. قسم كبير منهم غرامات على المصارف.</p>
<p>الآن بباب النفقات، هناك شيء إيجابي وارد حول الشطور العليا من الأجراء والذين يعملون في الشأن العام، على الأقل على الورق، أنا لا أعرف كيف ستترجم غداً، فيه شيء من الإيجابية. أنا بتقديري، لماذا عندنا 50، 60 مؤسّسة عامة ومصلحة مستقلة، ما وظائفها تحديداً مع كل التغيّرات التي شهدتها البيئة المحيطة فينا ووظيفة لبنان بهذه البيئة بهذا الربع قرن، ألم يحن الأوان حتى نفكّر بشكل استراتيجي وعصري، ما هي هذه المؤسّسات؟ ماذا تفعل؟ ما الجدوى منها؟ كيف سنعيد هيكلتها؟ ندمجها، نلغي بعضها، نطوّر بعضها الآخر، نحدّد مواصفات نُظمها الإدارية حتى تصبح فعّالة ومُنتجة أكثر، هذا غائب. أنا التعليم الخاص المجاني خفّضوا 10% في المشروع، أنا كنت أتمنّى لو يخفضون 100%، يلغوه، أنا دولة أنفق على التعليم الرسمي مئات ملايين الدولارات، والتعليم الرسمي يتراجع التحاق الطلاب فيه.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>كل الخدمات العامة تتراجع، ليس فقط التعليم، الاستشفاء وغيره أيضاً يتراجع.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> انتبهي، أنا دولة، أمّ الصبي، أنا أصرف مئات الملايين على التعليم الرسمي، وفي الوقت ذاته فتحت المجال لدكاكين التعليم الخاص المجاني، وفي الوقت ذاته - هذه الأخطر - أعطي موظفي الدولة منح تعليم، 90% منهم موظفون يضعون أولادهم في المدرسة الخاصة. كيف سينمو ملف التعليم الرسمي؟ الذي كان يوماً ما أساس قيام واتساع وازدهار الطبقة الوسطى في لبنان، الطبقة الوسطى بقدراتها المهنية والعلمية ومواقعها في العمل أيام الحكم الشهابي، هذا التعليم الرسمي.</p>
<p>الآن نفتقد ذلك، أصبح التعليم الرسمي مرادفاً لتعليم الفقراء، للمعدمين، الذين ليست عندهم فرص أخرى. طالما أنت كدولة وهذه قصتك قصة التعليم الرسمي صارفة النظر عن الموضوع، مع أنك تصرفين، تصرفين لتلبّي رغبات الزعامات السياسية، أنه بكل قرية من قراهم فيها مدرسة ولو عدد الطلاب فيها أقل من عدد غرف المدرسة، وهذا حصل وشاهدناه في التعليم المهني والتعليم العام الرسمي، الزيادة المفرطة للتوظيف في المباني المدرسية، في حين أنت بآلياتك الأساسية عبر التعليم الخاص المجاني وخصوصاً عبر مِنَح التعليم للموظفين تتركين القصة سائبة بحيث لا أحد يعتبر بشكل جدّي أن التعليم الرسمي هو الملاذ، وهذه معركة كبيرة.</p>
<p>هذا مثلاً، التعليم الخاص المجاني، مِنَح الموظفين، الصناديق، قطع، بتر، إعادة التفكير بكل جدوى تعدّد وتنوعّ جيش المؤسّسات العامة والمصالح المستقلة الذي قسم كبير منه فيه إشكال حول ملكيته، جاءنا شيء من الانتداب، وشيء يوم تأميم شركة IPC في السبعينات، وشيء لأن الفرنسيين خرجوا وتركوه، وما زالت هيئات "مجوقلة" فوق نظرياً للدولة ولكن لا أحد يعرف حساباتهم، لا أحد يطّلع على ميزانياتهم، الآن في المشروع الجديد ذكروا إدخالهم في إطار الموازنة، هل يعرف أحد نظم الأجور عندهم؟</p>
<p> أنا أعطيك أمثلة عن حالات بين 1996 و 2017، 21 سنة التي بقي فيها تصحيح الأجور معرقلاً، خلالها هذه المؤسّسات عندها استقلالية غير تابعة لمجلس الخدمة المدنية، عندها استقلالية تقرّر مستوى أجورها وتطوّرها السنوي والدرجات، يمكن بهذه الفترة أخذوا 7، 8 تصحيحات جزئية ذاتية وعندما أقرّت السلسلة ركضوا جميعاً مع كل الذي أخذوه انطلاقاً من استقلاليتهم الإدارية أن يعودوا عبر ضغطهم على زعمائهم، زعماء الطوائف، أنه يا أخي دبّرونا وإلى آخره.. من هنا تجدين رئيس مصلحة، يمكن أن تجديه فعلياً يصل راتبه إلى 15 ألف دولار، أو 20 ألف دولار.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>أمامنا دقيقة فقط، الإجراءات المُتّخذة حتى الساعة، في حال لم تقنع الدائنين في مؤتمر سيدر ولم يحصل لبنان على الأموال الموعودة، هل هذا يعني أن لبنان ذاهبٌ إلى انهيار اقتصادي لا محالة؟</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> بمعنى ما الانهيار هو حل، الانهيار قد يكون حلاً.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>كيف؟ هذا يخيف المواطن.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> أنا أستبعد مع البويا الموجودة بهوامش مشروع الموازنة، أستبعد أن يمارسوا قصاصاً كبيراً جداً على لبنان.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>سيقتنع الدائنون تقصد.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> سيعطوننا فترة سماح.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>ولو جزءاً من الأموال ربما.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> أنا أستبعد، لأن أيضاً الدائنين لا يدفعون كثيراً بالاتجاه الذي أتحدّث عنه وغيري كثر حول تصاعدية النظام الضريبي وتصاعدية الضريبة على الفوائد ووو... لكن عندما يرون هذه الإجراءات من هنا وهنا، إجراءات كلها تعطي نوعاً من الرسائل، أعتقد أنهم يمرّروها، يعطوهم 9 على 20، يمرّروها.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>لن ترسب الحكومة تقصد.</p>
<p><strong>كمال حمدان:</strong> حتى أعود وأنهي بكلمة الانهيار، هناك بعض الباحثين يرون بما أنه تقريباً يحصل نوع من قصة شبه محتومة مع استمرار " الدبيّكة" الذين وضعوا تقديرات لكلفة السلسلة تتفاوت من 1 إلى 10 من 3، 4 سنوات، وأقرّوا إيرادات تغطي - قيل آنذاك - السلسلة، وانظري أين وصلنا. هناك آراء خبراء وباحثين، أن الانهيار يمكن أن يساهم في تفكيك علاقة الارتباط الزبائني والتبعي بين "كرّاز الطائفة" وبين جمهوره، ويفتح الفضاء أمام إمكانية أن يستيقظ الناس على أنفسهم، أين مصالحي الحقيقية. هنا عبر طريق العلاقة التبعية بالكرّاز، أو تفضّلوا يا شباب فلنفكّر سوياً بالمدرسة وبالجامعة والتعليم وفرص العمل ومستوى الأجور والضمانات والشيخوخة.</p>
<p><strong>اليسار كرم: </strong>لإعادة بناء كل هذه المنظومة. الوقت انتهى بالكامل للأسف دكتور كمال، الغد لناظره قريب، شكراً لك على كل المعلومات القيّمة التي قدّمتها لنا دكتور كمال حمدان أنت المدير التنفيذي لمؤسّسة البحوث والاستشارات، شكراً مرة جديدة والشكر موصول لكم مشاهدينا على حُسن المتابعة، إلى اللقاء. </p>