القراءة بين الكمّ والكَيْف

كيف يجب أن نقرأ؟ هل هي مسألة كمّ أو كيف؟

  • القراءة بين الكمّ والكَيْف
    القراءة بين الكمّ والكَيْف

كما الجسم لا يمكننا إنكار حاجة العقل إلى التغذية. والسبيل إلى تحقيق ذلك هو القراءة. لكن، هل يعتبر فعل القراءة إلزامياً؟ وما الغاية الحقيقية منه؟ هل القراءة المُنتجة تسبّب الشعور بالجوع المَعرفي الدائم؟ هل نحقّق الإكتفاء المَعرفي من خلال القراءة فقط؟ وكيف يجب أن نقرأ؟ هل هي مسألة كمّ أو كيف؟ أو الإثنان معاً؟ هذه الأسئلة يطرحها كل مَن يحمل همّ القراءة.

على اختلاف تجاربنا الحياتية التي تُسهِم في بناء المَعرفة الإنسانية، نحن في حاجةٍ إلى القراءة، بغضّ النظر عن الدافِع الفردي. 

صحيح أن الكتاب يقينا من شرّ الثرثرة الجوفاء وفَجَاحة التكفير أحياناً (بحسب الكاتب أو المؤلّف أيضاً)، نضع أنفسنا في قوالب عدّة نعيش فيها مع شخصياتٍ ونسافر في أزمنة ونُحاكي الواقع والخيال تجلّياته وتمثّلاته.

بناء على تجربتي الشخصية، يختلف كل شخص ومدى طاقته الإستيعابية في القراءة، ولا يحق لنا أن نقارِن أنفسنا بآخرين. كما أن شهيّة القراءة لا تُتاح لنا دائماً، والمسؤول الأول عن ذلك هو أنت، نفسك .

وبمُجرّد إدراك الشخص قيمة نفسه، ربما سيستغلّ لحظات السعادة التي يحقّقها ضمنياً بالقراءة، وبالتالي سيتوقّف عن طرح أسئلة لا طائل منها وهي أسئلة الكمّ والكَيْف، لأن القراءة تحقيق لمتعةٍ شخصيةٍ ليس فيها من الإرغام نصيب .

وهذه المتعة تتعدّد السُبُل إليها. فهناك مَن يقرأ من دون استراحة لساعاتٍ طوال، وهناك مَن يعيش نشوته من خلال كل ما يتعلّق بالكتب: حروفها، أسطرها، جملها، فضلاً عمّن يقرأ أكثر من كتابٍ في الوقت نفسه، ومَن يأخد صوَراً معها، ومَن يحب رائحتها وشكلها مُرتّبة أو مُبَعْثرة، ومَن يكدّسها من دون قراءتها. 

هناك مَن يضع شرط القراءة ضمن مواصفات شريك حياته، إضافة إلى مَن يقرأ من دون تدبّر ولا تفكّر، ومَن يفعل ذلك لينال لقب قارىء. 

ولأن أية قراءة لا تستقيم من دون تفكّر وتأمّل وبحث في خبايا كل دلالة في أيّ عمل فكري أو أدبي، هل يحق لنا القبول بكل ما يقدَّم لنا؟ ليس من المفيد القبول بكل ما يُقدَّم لنا من دون تمحيصه ونقده وفَهْمِه وجَرْد تيماته، والرسائل التي يريد كاتب أيّ عمل أدبي أو فلسفي أو ديني تمريرها.

في المُحصّلة، فإن كل مَن يستطيع إلى القراءة سبيلاً، فليقرأ، إستجابة منه لهذه المتعة الوجدانية، وبعد ذلك لا يهمّ الكمّ بقدر ما يهمّ الكَيْف وإن كان بإمكاننا المُزاوَجة بينهما فذلك أفضل .