"التفجيرات الإرهابية" الرمضانية في جسم الثقافة العربية

أرادوا ضرب ثقافة المقاومة وإحداث ثغرة باتجاه الهبوط بمستوى الخنوع والرضوخ للمُستعمِر المُستبدّ.

  • "التفجيرات الإرهابية" الرمضانية في جسم الثقافة العربية
    "التفجيرات الإرهابية" الرمضانية في جسم الثقافة العربية

بداية، وبعيداً من الغضب والانفعال على المسلسلات المُتصَهينة (مع أنه حق لنا أن نغضب وننفعل)، فإن ثقافة المقاومة ليست حكراً على الفلسطينيين. كما أن ظهور مثل هذا النوع من العمالة الرخيصة والتطبيع ليسا أيضاً حكراً على دولة ما أو شعب من الشعوب. 

كلنا في الهمّ شرق وأينما تجد لها فرصة أو دعماً مادّياً فستظهر فقاعاتها وتثير سخط الناس أجمعين. 

الموضوع أبعد من أن يكون حرباً بين جهة عربية وأخرى. فدُعاة التطبيع والتزمير بمزمار الاحتلال والشيطان موجودون في كلّ مكان، وعلى قاعدة إخراج ما هو صادِم لثوابت الناس وما تعارفوا عليه وطنيّاً كان أو دينياً أو ثقافياً بشكل عام، وعلى طريق الشهرة المشؤومة فإنك ستجد مثل هذه التغريدات الشاذّة! 

فهناك مَن يبتغي الشهرة أو الكسب المالي مهما كان الهدف ومهما كان مَن سيدفع وما هي أجنداته وأهدافه، هو عبد لسيّده المُموّل وهو جاهز لتفصيل عقله ولسانه ليحقّق كل رغباته والوصول إلى تحقيق مَرْضاته.  

ولا يمكن مَن يقبل على نفسه أن يلعب مثل هذه الأدوار المُتصَهينة أن يكون فنّاناً أو أديباً بحقّ، لأن أول شرط أن يكون صادقاً مع أمّته وشعبه وأن ينسجم مع إنسانيّته. أمّا أن يحرف قلمه أو أداءه الفنيّ بما يحقّق غايات ألدّ أعداء الإنسانية بما ارتكبوا من جرائم وما زالوا مُصرّين على مواصلة هذه الجرائم التي لا لبس في عدوانيّتها وعظيم انتهاكاتها، وكذلك يسحق تحت قدمية مشاعر الغالبيّة العُظمى لشعبه لأننا مُتأكّدون من صدق مشاعر الشعوب العربية قاطبة اتجاه القدس وفلسطين، ولأن من المعروف أنّ التطبيع قد فشل فشلاً ذريعاً مع شعوب وقّعت حكوماتها على اتفاقيات سلام مع دولة الاحتلال (أقصد بمصر والأردن) فهل سترضى شعوب دول لم توقّع حكوماتها مثل هذه الاتفاقيات؟ لذلك فلا وزن لها ولا لأفعالها إلا في ميزان العمالة والجَوْسَسة الرخيصة، لأنها تنكّرت لمشاعرها الإنسانية الصرفة أولاً ثم لمشاعر شعوبها الثقافية والوطنية. 

ثقافة المقاومة أو الثقافة المقاوِمة هي في الأصل مقاومة لا ينفكّ إحداهما عن الآخر، ولأن غالبيّة شعوبنا العربية تم استعمارها أو إخضاعها لقوى الاستكبار العالمي فمن الطبيعي جداً أن تكون الثقافة مقاوِمة لهذا الظلم والطغيان، وإذا لم تقترن بروح الثورة وكان قلبها هو الدعوة للحريّة والتحرّر ومواجهة الظلم، فإنها ستكون حتماً ثقافة الخنوع والجُبن والاستسلام. لن تكون حينها ثقافة شعوبها ولا حتى ثقافة الإنسانية المُجرَّدة التي ترفض الاستبداد. إذ ليس كل مَن يمتلك قلما ًأو لساناً أو حركة خفيفة في دراما أو مسرح أو مَلَكَ شهرة شعبية من عملٍ فنيّ سابق، له الحق أن يشطح أينما يريد خاصة إذا قرّر أن يبيع نفسه للشيطان. 

شعوبنا لها تاريخ عريق في ثقافة المقاومة وثورة العقل والروح، لن ينال منها إلا الرفض واللعن وسيُقرّر نهايته الفنية أو الثقافية السوداء بيده.

هنا أساوي بين كلّ شعوبنا العربية ولا فرق في هذا بين خليجي ومصري ومغاربي وفلسطيني. كلّها تنهل من ذات الثقافة وكلّها تنبض بالقدس كما تنبض بمكّة والمدينة، ولأُدلّل على ذلك يكفي أن أضرب مثالاً وهو: كيف استقبلت شعوبنا مسلسل "التغريبة الفلسطينية"، حيث كان بمثابة إبداع أدبي فني مقاوِم وعارِض جيّد لنكبة فلسطين.

وتعزيزاً بما خرج من "هاشتاغات" قويّة ووازِنة تؤكّد أن نبض قلوب الغالبيّة الساحِقة لشعوبنا العربية مع فلسطين والقدس، ولا يمكن بأية حالٍ من الأحوال أن تقرّ بأيّ حق للاحتلال على ذرّةٍ من تراب فلسطين.

وهنا لا بدّ بالسؤال مَن؟ ولماذا؟ تماماً كأيّ عمل تفجيري إرهابيّ مُتوحّش في مكانٍ آمنٍ يستهدف المدنيين الآمنين حيث نسأل السؤال البديهي: مَن يقف خَلْف هذا العمل؟ حيث نستنتج بكل دقّةٍ وموضوعيةٍ أن هذه الجهة مُعادية لهذا الشعب الذي تصنع فيه مثل هذا القتل الثقافي البشع، وأنّ طبيعة هذا الفعل تدلّ على طبيعة مَن قام به فهو دمويّ مجرم قاتِل يحمل أفكاراً مُتطرّفة مُنحرِفة ويحمل مشاعر قاسية لا تعرف الرحمة.

ولقد شهدنا مثل هذا من جماعات متوحّشّة تنتهج سفك الدماء البريئة نهجاً لها بغية الوصول إلى أهدافها. 

ولا يقلّ هذا العمل الصادِم بشاعة عن هذه الأعمال التفجيرية المُتوحّشة، إذ أنه بما لا شكّ فيه يحاول ضرب قِيَم وتصوّرات ثابتة وراجِحة في العقل الجَمْعي للأمّة، وهذا أيضاً يقودنا تماماً كجرائم العنف إلى أن نعرف مَن يقف خلفها، فهو كتلك، جهة مُعادية بل في موقع مُتقدّم من العداء يجعلها تفكّر إحداث مثل هذه التفجيرات الثقافية العنيفة في الثقافة العامة لشعوبنا.

صحيح أن هناك تصوّرات ومفاهيم تحتاج إلى نقدٍ وتقويمٍ وتجديدٍ ونعلم أنه ليس شرطاً للأديب أو المُفكّر أو الفنان أن ينسجم مع الموروث الثقافي، بل بالعكس عليه أن يكون ناقداً حيوياً لكن بالاتجاه الإيجابي التطويري لهذا الموروث، وهذا هو دور النخبة المُثقّفة أصلاً.

ولكن هنا أرادوا ضرب هذه الثقافة من جذورها وهَدْم الموروث الإيجابي فيها، وأرادوا إحداث ثغرة باتجاه الهبوط بمستوى الخنوع والرضوخ للمُستعمِر المُستبدّ، فالفكر التجديدي عادة ما يكون ثورياً مُتحرّراً من أغلال ثقافة تريد له الهبوط أو التخلّف أو الرضوخ لأفكار الهزيمة والاستسلام للواقع المهزوم.

والأمرّ أنهم يخرجون لنا بهذه الأعمال "الفنيّة" في الوقت الذي ما زال فيه العدوّ مُصرّاً منذ وجوده إلى اليوم على ذات الإجرام من عدوانٍ واستيطانٍ وقتلٍ واعتقالٍ وانتهاكٍ لكل المُقدّسات. لم يتوقّف ولم يعلن التوبة، بل ما زال يزداد إمعاناً وتقدّماً في كلّ أساليب البطش والعدوان. 

وكما كنا نستهجن إقدام جماعات التكفير والإجرام أحياناً على أعمالها في رمضان من دون أية مُراعاة لحُرْمة هذا الشهر الفضيل، يدهمنا هؤلاء بصنيعهم المُريع في هذ الشهر المبارك لتكون الصدمة أكبر وحال الرفض والاستهجان أعظم.

عودة على مَن يقف خلف هذه الأعمال وهم الآن يُهلّلون له ويستبشرون وهو هذا الاحتلال ومَن يدورون في فلكه، فقد كان أقصى ما يتمنّى أن يحظى بأيّ قبول في المنطقة، وأن يتحوّل من الاستعمار إلى قابليّة الاستعمار، هوالآن ينتشي ويشرب نخب هذا الإنجاز، لكنه في نفس الوقت لا يدرك حجم الغضب الذي ولّده هذا الفعل في صدور الغالبيّة الساحقة للشعوب العربية والإسلامية. 

هذه الشعوب حتماً ستتخذ قرارها بخصوص فنانين ومُثقّفين وفضائيات كشفوا عن وجههم الحقيقي المُتصَهين والخادم لأجندات لا علاقة لها بالثقافة العربية، التي في أصلها هي ثقافة مقاوِمة ومكافِحة لكل أشكال الظلم والاستبداد.