أنا وبائِعة الورد

هل أخافته بسبب سُمرتها؟ أم بسبب بساطة ثيابها؟ أم بسبب حذائها البلاستيكي القديم؟

  • أنا وبائِعة الورد
    أنا وبائِعة الورد (صورة عن الانترنت)

..وأنا بساحة الأَغُورا في مدينة مكناس أتأمّل في اللاَّعالم، واضِعاً نظارتي عَسَاي أغُضُّ الطَّرْف عما لا يُعجِب.. في بحبوحة الساحة أنظر إلى عَظَمَة الله في الكون وجَمال إبداعه. تارة أتخيَّل نفسي شاعراً برفقة المُتنبّي أتنبَّأُ للمستقبل، وطوراً أَجِدُني بجانب الغزالي أُغازِل أمّهات الكُتب، أو فيلسوفاً أُحاجِجُ ديكارت في مدينة أفلاطون الفاضِلة، ثم رسَّاماً أحتسي قهوة برازيلية مع ليوناردو دافنتشي مُستمتعاً بابتسامات الموناليزاً، أو طالباً باحثاً مغضوباً عليه ينتظر لحظة الإعدام حين يؤمَر بالتمنّي. فيتمنّى إرجاعَ الحق لتلك الفتاة السمراء ذات العشر سنين، التي مرّت من جانبي تحمل وروداً في يديها الصغيرتين؛ تبحث عن حبيبين عَلَّها تَقْتاتُ من حبهما بعض الدُريهمات.

كانت تُطلِق بصرها في كل جانب، حتى إذا لمحت ضالّتها هَرْوَلت إليها، تعبت المسكينة جَرَّاء غُدوها ورواحها بين الأخدان والأزواج حتى احمرّ الورد خجلاً من دون جدوى.

لا أعلم لماذا تجاوزتني المسكينة وحبيبتي نلامس بعضنا البعض، نَسْبَح في أحاسيسنا، وأمطارُ القُبَلِ تتهاطل من شِفاهِنا، وَدَوِيُّ رعدِ الكلمات الجميلة تُصْدِرُه ألسنتنا؛ في جَوٍّ رومانسي قد يُعيدُ للورد تَوَرُّدَه لو توقفَتْ عندنا.

لَم تُلْقِ لي بالاً واتجهتْ بخطواتٍ مُتسارِعةٍ نحو حبيبين آخرين، ناولَتْهُما وردة ممزوجة بابتسامةٍ ترتدي دموعاً سَقَتْ بها تلك الوردة؛ فما كان من الشاب إلا أن ناولها هو الآخر باقةً من السبّ والشتم في مزهريّة سقاها بالعَبوس القَمْطَرير، وقهقهةً مُعطّرة بعطر (خْلَعْتِيني) أي: أخَـفْـتِـني.

(خَلْعاتو!). هل أخافته بسبب سُمرتها؟ أم بسبب بساطة ثيابها؟ أم بسبب حذائها البلاستيكي القديم؟

أسئلة ما كانت ستطرحها صُوَيْحِبَتنا الصغيرة البريئة وتَقُضّ مضجعها لو لم تتجاوزني وحبيبتي الورقة، تاركةً قلمي يبكي ويذرف حِبراً عَلَيّ وعليها.