قراءة لواقع المسرح العربي خلال العام 2015

حراك في مصر وسوريا، انتعاش في لبنان، وقلق في فلسطين. رغم الأوضاع العربية المضطربة تكيفت الخشبات بالقدر المتاح في كل قطر على حدة، وخاضت في عملية رصد لما يجري من باب النقد الذاتي الشفاف تحسباً لحساسية أجهزة الرقابة العربية حين يتعلق الأمر بانتقاد الأوضاع السائدة. يُحسب للفنانين القدرة على الانتظار ثم المبادرة مع قياس حجم الممكن من المواقف انطلاقاً من دقة الظروف و حجم التحديات، ما جعل الصورة العامة للمسرحيات جزءاً من المادة الوثائقية عن مجريات الأمور في قطاعات حياة أقطارنا المختلفة. جهاز الرصد في الميادين دخل على موجة المسرح في عدد من الدول العربية خلال العام 2015.

من مهرجان ربيع بيروت
في لبنان... أحصينا 46 مسرحية لبنانية على مدار العام. ولاحظنا أن نسبة الجيد منها عالية وتوقفنا بالمباركة عند ما قدّمه المخرج  إيفان كركلا ما بين وسط العاصمة: بيروت كانت وتكون، في استعراضات عالمية أقرب إلى ما يقدّم على خشبات برودواي- نيويورك، مع فريق فني وتقني من المستوى الخلاّق، ومحمية أرز تنورين: الغابة المسحورة.

كما جدد الكاتب والمخرج هشام جابر نجاح "هشك بشك"، جماهيرياً، من خلال تجديد عرض رديفتها اللبنانية بار فاروق ، بعد نجاحها المدوي في مهرجانات بيت الدين الدولية، كما عرف المخرج والممثل الشاب كارلوس شاهين إقبالاً على عمله: بستان الكرز ، لتشيخوف مع رندا أسمر، علي سعد، جويس أبو جودة، و كارول الحاج.

وسجّلت بيتي توتل حضوراً خاصاً لمسرحيتها "مسرح الجريمة"، حيث أدارت هشام خداج، جولرج دياب، وجيسي خليل.

ولمع في هذه الفترة نجم المنشد الشيخ أحمد حويلا والقصائد من نوع التصوف يؤديها بطريقة متميزة بمشاركة تخت موسيقي شرقي يقوده زياد سحاب.

ولمع أيضاً مسرح الرجل الواحد مع رفيق علي أحمد في "وحشة"، وزياد عيتاني في "بيروت فوق الشجرة"، حيث كان متفوقاً على الخشبة مع نص ليحيى جابر. وكذلك مسرح المرأة الواحدة، كما مع ندى أبو فرحات الرائعة في "أسرار الست بديعة"، نص وإخراج جيرار آفيديسيان. وعرف المسرح تجربة جديدة مع زينة دكاش التي أفسحت المجال أمام عدد من الخادمات والخدم الأجانب للفضفضة حول ما يواجهونه مع أرباب عملهم اللبنانيين من متاعب وإزعاجات في مسرحية بعنوان "شبيك لبيك".

ورغم ضخامة الإنتاج جاءت مسرحية "إلك يا بعلبك"، لنبيل الأظن متواضعة جداً، وأمتعنا العمل الأوبرالي "opera scenes"، الذي غنى فيه 6 من نجوم الأوبرا اللبنانيين والقيادة الموسيقية للمايسترو هاروت فازليان. كما نجحت لينا خوري في "لماذا"، مستعيدة نص عصام محفوظ السياسي في السبعينات. وتألق كريم دكروب مشهدياً مع نص متين في "يا قمر ضوّي عالناس". ولقي عمل كميل سلامة "إنجازات حياة" استقبالاً طيباً، ومعه جيزيل بويز، فؤاد يمين، ولارين خوري. والمفاجآة كانت مع " بنت الجبل" لروميو لحود والتي نفرد لها مساحة نقدية مستقلة نظراً لأهميتها .

المسرح في سوريا لايزال حياً رغم الحرب

يندهش الراصد الفني للنشاطات المسرحية في سوريا بأن دمشق كما مناطق أخرى من القطر السوري تشهد عروضاً عديدة ويومية رغم الظروف الخاصة والتطورات الميدانية السائدة منذ سنوات.

المسرح القومي عرف عدداً من العروض: "نبض" لمأمون الخطيب، "روميو و جولييت" لعروة العربي، "هوب هوب"لعجاج سليم، "دائرة الطباشير"لأيمن زيدان.

واستقبلت الخشبات الأخرى: "إكليل الدم" لزيناتي قدسية، "نديمة"لعلي صطوف، "الطوفان" لسهيل عقلة، "حدث في يوم المسرح" للمهند حيدر (عن نص لوليد إخلاصي)، "حلبي وبيدونة وأمبير" لصالح السليتي، "الجدار" لبشار الضلي، "مكان يلائم الوجع" نص وإخراج إسماعيل خلف، "يحيا السلام" لطلال لبابيدي ونص كمال بدر، "ماء البنفسج" لوسام عمران.

في سوريا مسرحيات عن الحرب وأشياء أخرى..

مصر.. ليلة من ألف ليلة

الممثل يحي الفخراني في مسرحية ليلة من ألف ليلة
سنوات الثورة التي عاشتها البلاد أوقفت جميع المشاريع الفنية خصوصاً السينمائية،مصر وعانى أهل هذا القطاع بطالة قاتلة. بدأوا منذ فترة وجيزة يخرجون من مناخ التعطيل وكانت أقوى الضربات المسرحية ما قدمه الفنان يحيى الفخراني على المسرح القومي بعد إعادة تأهيله "ليلة من ألف ليلة"، التي عرفت اندفاعة جماهيرية واسعة و ضخمة تجاوزت كل الإيرادات المسجلة سابقاً، فتم تمديد العروض أكثر من مرة، مما أثبت أن المسرحيات تحتاج إلى نجوم لإنعاشها.

ويقدم مؤمن حسين "أنا الرئيس" بإدارة المخرج محسن رزق، ويعرف أمد بدير النجاح مع "غيبوبة"، ويتابع أشرف عبد الباقي مع فرق شبابية للهواة تقديم أعمال مسرحية نوعية على مسرح مصر.

ويقدم أيضاً العمل التاريخي "سيد الموقف"، بينما تتحضر فرقة رضا الاستعراضية لمباشرة سلسلة عروض جديدة للفرقة .

الحركة المسرحية في فلسطين

الحركة المسرحية في الأراضي المحتلة تتعايش على الدوام مع مشكلتين، ضغط الاحتلال، والحاجة الدائمة إلى الدعم المادي للاستمرار، وأكبرقضية واجهت المسرحيين في العام 2015 هي ذهاب مسرح الحكواتي إلى الإقفال مع غياب أية مبادرة لإنقاذه ودفع ديونه المكدّسة والتي بلغت 150 ألف دولار.

هذه الصورة تتكرر مع أكثر من مسرح سواء في الضفة والقطاع، لكن هذا لم يمنع المسرحيين من مواجهة الأوضاع بالتحدي وقدّموا "العصافير" بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، ثم "أوبريت فلسطيني أنا" لفرقة الفولكلور الفلسطيني وإخراج يوسف الغروز.

أنا فلسطيني أنا ..

تونس.. "الضربة القاضية"

مشهد من مسرحية الضربة القاضية
النوع حاضر في النتاج التونسي أكثر من الكم خصوصاً وأن أصحاب الأعمال من الكبار المخضرمين الذين يعرفهم العرب جيداً بحكم مشاركاتهم في المهرجانات المسرحية العديدة وآخرها في الكويت.

ومن بين العروض التي قدمت "الضربة القاضية" لجميلة الشيحي ونعمان حمدة، "العنف" لجليلة بكار وفاضل الجعايبي، "تونس على الأريكة" لمحمد إسلام الغول، "برج الوصيف" للشاذلي العرفاوي، "التابعة" توفيق الجبالي، "ليس إلاّ" لانتصار العيساوي.

المسرح في الأردن و المغرب والجزائر..

عرفت عمّان نشاطاً مسرحياً جيداً. ومن أبرز ما عرفته الخشبات "هاش لاخ" لمحمد خير الرفاعي "أسطورة ليليت" لفراس الريموني، "الرخ" لمخلد الزيودي، "علاقات حرجة" لنبيل الخطيب، "العاديات" لخليل نصيرات، و"رؤية أخيرة" لسماح قسوس.

أما في المغرب فتتميز معظم العروض بالطابع التجاري الكوميدي الترفيهي، فيبدو هذا الفن عموماً بأنه استهلاكي ومن ملامحه هذه العناوين: "البلومبي" لميلود الحبشي، "الرابور" لمحمد بو صلاح، "الضحك حدو ساعة" لعبد الرحيم شرار ونادية الزاوي، "إمتا توصلوا" لحمزة الإدريسي.

الجديد المسرحي في الجزائر محدود رغم وجود العديد من الورش الفنية التي تخرّج عناصر متميزة، ومن بين العروض مسرحيتان للمخرج محمد شرشال: الهايشة وفن الكوميديا. وكرمت الجزائر الناقد المسرحي بن مراد كمال.

مشهد من مسرحية البلومبي في المغرب