نوبل للآداب تبحث عن بوب ديلان وفلسطين تستحقّ منه اعتذاراً
نَسِيَ قيثارته بإحدى الطائرات، في إحدى رحلاته؛ وعثر عليها كابتن الطائرة واحتفظ بها. بعد خمسين عاماً، عُرضت في مزاد علني في نيويورك مقابل، 965ألف دولار؛ بالإضافة، إلى أن أسطواناته هي الأكثر مبيعاً في العالم، حيث باع مئة مليون أسطوانة في حياته.. بعد خمس وخمسون عاماً، ينال جائزة نوبل للآداب وقيمتها الماديّة 906 آلاف دولار أميركي؛ إذاً، هل بوب ديلان بحاجة، لهذه الجائزة، إن كان من النّاحية الماديّة أو المعنويّة؟
العضو في الأكاديميّة السويديّة، الكاتبة "بير وستبرغ" وصفته في إحدى مقابلاتها التلفزيونيّة، بأنه قليل التهذيب. السؤال المطروح الآن: لماذا "بوب ديلان" لم يُجِب على اتصالات أعضاء لجنة نوبل للآداب، وعند إعلان خبر نيله الجائزة، كان يحيي حفلة موسيقيّة في لاس فيغاس، ولم يصدر عنه أي تعليق أمام جمهوره، واللافت للانتباه، أنه أنهى حفلته بأغنية من الفولكلور الأميركي بعنوان "لماذا تريد أن تُغيّرني الآن؟" هل اختياره لهذه الأغنية، محض صدفة؟ بوب ديلان شاعر وموسيقي وكاتب كلمات أغنياته، إلى جانب ذلك فهو فنان تشكيلي وكاتب سيناريو وممثّل، اختارته لجنة نوبل للآداب، لتقدّم له الجائزة، عن شعره المُغنّى. هذا الفنّان الذي كان لديه الكثير من المواقف الإنسانيّة، لم يبقى بنقائه، حين دافع عن إسرائيل، واعتبر بأن الإسرائيليين هم أصحاب أرض فلسطين الأصليين، وقلب الحقائق، ليعود في الثمانينيات من القرن الماضي، وبعد مجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة (1982) (التي ارتكبتها إسرائيل وعملائها، عند اجتياحها لمدينة بيروت)، ليستنكر تلك المجزرة، لكنه لم يوضح إن كان قد غيّر موقفه السّابق. حتى لا نكون ممن يفرضوا رأيهم على الآخرين، سندخل في أجواء ديلان ونقدّم بعضاً من نصوصه، التي أحبّها وتأثّر بها كثيرون في العالم وفي بلادنا العربيّة أيضاً. نلفت الانتباه أن الترجمة غير حرفيّة: (هيروكين) العاصفة .. رجل ممسوك بيد حمقاء أراه محاصراً تماماً وليس بإمكاني نجدته.. ذلك يُشعرني بالخجل، من أن أعيش في أرض، العدالة فيها ما هي إلا لعبة مع القضايا الإنسانيّة ولكن.. ضدّ فلسطين؟! بوب ديلان، شاعر، حمّل نصّه قضايا إنسانيّة وسياسيّة واجتماعيّة، والتزم بالمطالبة بالحقوق المدنيّة للمواطنين السّود، في خلفيّة فلسفيّة عميقة متأمّلة للإنسان والحياة. لغّته، تعبيريّة، واقعيّة وصادمة. جملته، مباشرة وغير مواربة، هكذا تميّز. أثّر فن بوب ديلان في الموسيقى عموماً وفي الموسيقى الأميركيّة الشعبيّة المُعاصرة، ولا زال تأثيره معلّماً بأجيال تمتدّ إلى خمسة عقود، وخاصّة في الستينيّات من القرن العشرين، حيث كانت القضايا السياسيّة والاجتماعيّة محتدمة. هو من فناني عصر الهيبّيز، الحركة التي ظهرت في مرحلة ما بين الستينيّات والسبعينيّات، وكان أفرادها مناهضون للرأسماليّة وللثقافة الاستهلاكيّة. خلقت حركة الهيبّيز، ثورة ثقافيّة مميّزة؛ وإلى جانب بوب ديلان، كانت فرقة البيتلز وجون لينون، وغيرهم من روائيين وشعراء وموسيقيين يلتقون، في الدعوة إلى السلام، ودعم قضايا إنسانيّة مُحقّة، مثل رفض الحرب ضدّ فيتنام، ورفض الطبقيّة، والاقتراب من الطّبيعة، حيث يكون الإنسان حقيقي وغير متصنع؛ إلا أن هذه الإنسانيّة التي تمتّع بها ديلان وكما ذكرنا أعلاه، لم تكتمل حين وقف مع الكيان الإسرائيلي وتغاضى عن جرائمه. هل كونه يهوديّاً، جعله يصدّق بأنهم (شعب الله المختار)؟ من قصيدة أخرى لديلان: كم أذن على الإنسان أن يمتلك قبل أن يكون بمقدوره سماع بكاء الناس وكم من الضّحايا يجب أن تسقط، حتى يُعرف بأنه قد سقط الكثير من البشر وكم من السنين ستستمرّ البشريّة قبل أن يكون مسموحاً للبشر أن يكونوا أحراراً وكم من الوقت سيقدر الإنسان، أن يدير رأسه وكأنه لم يشاهد شيئاً الجواب، يا صديقي، صفير عاصفة في عرضنا لبعض المقتطفات من نصوص بوب ديلان، لا نقصد فيها الترويج له وهو ليس بحاجة لذلك، لكن من حقّ من لم يطّلع على أعماله أن تتاح له فرصة الاضطلاع عليها وتقييمها من وجهة نظره. انتقد ديلان سياسة بلاده وآداء رجل السّلطة، وأفهمه بأن لسياسته نهاية، كما تقول كلمات أغنيته "الأيّام تتبدّل"، ليأتي الحاكم المتمثّل بالرئيس الأميركي الحالي "أوباما" عام 2012، ويُقدّم له الجائزة الرئاسيّة للحريّة. الأيّام تتبدّل تعال يا سيناتور، رجل الكونغرس لو تعير النّداءات انتباهك لا تقف في الدّرب لا تُقفل الطريق، على من هو متألّم هناك عِراك في الخارج وهو محتدّ لاحقاً، سيرجّ حائطك مع الوقت، سيكونوا البديل
ضحايا إسرائيل ينتظرون اعتذاراً من ديلان.. هل اختياره مكافأة أم ورطة؟!
مقطع من أغنيته "أسياد الحرب" التي تتضمّن احتجاجاً وثورة: أسياد الحرب دعوني أطرح عليكم سؤالاً واحداً: هل أموالكم قادرةأن تشتري لكم الغفران، هل تعتقدون ذلك؟ أعتقد بأنكم ستكتشفون حين يداهمكم الموت أن كل المال الذي كدّستموه لن يشتري أو يُعيد لكم الروح إلى جانب قصائده التي كتبها في السياسة، فقد كتب أيضاً، نصوصاً عاطفيّة، يخاطب حبيبته ويصف جمالها، وينتهي بواقع مرير: نَفَسك عَطِر عيناكِ كجوهرتان في السماء.. لكن، لا تقدير أو حبّ.. إخلاصك، ولاؤكِ ليس لي بل للنجوم هناك.. كوب آخر من القهوة، كي أذهب بطريقي .. إلى عمق الواديكوب آخر من القهوة، وبوب ديلان أصبح في عمر ال75، ولا يزال مستمرّاً بعطائه، علّ الحقيقة تتّضح أمامه ولا يخلط بين الحقّ والباطل، فضحايا جرائم العدو الإسرائيلي من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، ينتظرون منه اعتذاراً، وإلا سنعتبر أن تسميته لنيل نوبل، ما هو إلا مكافأة له على تأييده لاحتلال العدو الإسرائيلي لفلسطين، وموافقتها على كل تلك الجرائم التي ارتكبتها؛ حينها، سيكون هو واحد من المصفّقين لأسياد الحرب الذين كتب وغنّى عنهم، وهذا ما أصبحت أو تكاد تتّسم به تلك الجائزة. فهل سيعتذر قبل "أن يقرع باب السّماء"؟ كما يُعبّر في مقطع من إحدى قصائده. "أشعر بأنّني أقرع باب السّماء"
من البديل، أدونيس العربي السّوري، أم شيطانيّة سلمان رشدي؟
في كل الأحوال كتّاب وشعراء عرب كثيرون كتبوا في المواضيع التي كتب عنها ديلان وبأسلوب أدبي جميل ومتميّز، وأغنت كتبهم مكتبتنا العربيّة، يستحقون عليها كل تقدير، وقد نالوه من قرّائهم، لكن أغلبهم لم ينل أيّة جائزة؛ منهم الشّاعر أحمد فؤاد نجم الذي غنّى قصائده الشّيخ إمام، ومحمود درويش، ومظفّر النوّاب وبيرم التونسي وغيرهم..