موسى وهبي.. بغيابه نحاور ابنته ليلى

موسى وهبي: الفلسفة تبدأ كما بدأت مع أفلاطون، بالحوار، والحوار يعني، التخلّي عن العُنف.

  • موسى وهبي.. بغيابه نحاور ابنته ليلى
    موسى وهبي: لستُ فيلسوفاً، بل ممهّداً للقول الفلسفي

موسى وهبي: "لستُ فيلسوفاً، بل ممهّداً للقول الفلسفي"

 

تعالوا نجول في عالم فلسفي، بحوار عن الفيلسوف موسى وهبي الذي انتهت مهمّته على هذه الأرض منذ أيّام، ومشى.. ونتحاور مع ابنته ليلى وهبي.

 

من أقواله: لا أوافق فلاسفة كِبار، ك هايدغر، الذي يستعمل مُصطلح "الفلسفة الغربيّة" وبرتراند راسل الذي لديه كتاب اسمه "تاريخ الفلسفة الغربيّة"بالنّسبة إليّ، الفلسفة هي فلسفة ونقطة على السّطر.   

 

موسى وهبي فيلسوف وأستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة، ترجم الكثير من الكُتب، خاصّة عن اللّغة الألمانيّة، وكان لديه كتاباته الخاصّة، أضاف إلى اللغة العربيّة الكثير من المُفردات الجديدة، المأخوذة عن الفلسفة الغربيّة المُعاصِرة، والتي لم يجد لها مُرادفاً بالعربيّة.

 

لم نجد أفضل من ابنته ليلى لنحاورها، ونعيش بمناخها الفلسفي التي عاشت فيه هي وشقيقها وطبعاً والدتهما، مع والدهما في بيت فلسفي. ليلى، الباحثة في عِلم الأعصاب، في جامعة بركلي، كاليفورنيا؛ تقول، ردّاً على استفسارنا عن تخصّصها: بالأساس تخصّصي هو هندسة الكومبيوتر وأخي أيضاً، لكني أركّز الآن على عِلم الأعصاب. على سبيل المثال، نأخذ جملة ولا نفسّرها من النّاحية البسيكولوجيّة أو النّفسيّة، بل نفسّرها كما هي. كل شيء تفكّري به وتشعري به يمرّ من خلال الدّماغ، الخلايا على علاقة ببعضها، نحن نجرّب أن نفسّر، أو نجد وظيفة كل نقطة وكل منطقة في الدّماغ. أصبحنا نعرف بعض الأمور، لكن هذا ليس كل شيء. مثلاً، ربّما سنعرف في ما بعد تحديد، موضِع كل مرض بشكل دقيق جدّاً.. ممكن أن تكون المعرفة طبيّة، ولكن هدفنا نحن، المعرفة؛ أن نتعرّف على الدّماغ ووظائفه المختلفة وكيف يشتغل، فحين يكون هناك مَن يحاول تصنيع الروبوت، ويجعله يُفكّر، علينا نحن أن نعرف كيف يفكّر الإنسان نفسه. ما هو الذّكاء .وكيف نستوعب وعي الإنسان. ما هو التّفكير؟ آخر شيء تكلّمنا عنه.

 

نسأل ليلى، أين تلتقي مع والدها؟ تُجيب ونظراتها التي تُشبه نظراته، كأنها تبحث عن أمكنة اللقاء: نحن تكلّمنا بالموضوع، أنا كوني أشتغل على اللّغة، أحاول معرفة ما هو التفكير، وهل المعنى هو اللغة بحد ذاتها؟ أو هناك منطقة للتفكير ومنطقة للغة؟ هذا آخر شيء تكلّمنا عنه والدي وأنا. كانت وجهة نظره أن لا فرق بين الإثنين. أنا لا زالت لا أعرف، وكيف أختبرها وأفْصل بين الإثنين. ما هو التفكير وما هي اللغة، وهل بإمكانكِ أن تفكّري بعيداً عن اللغة؟ لا زال الجواب غير موجود.

 

تُتابع ليلى: لا أتصوّر إن كان هناك من اختلاف بيننا أنا ووالدي. هناك تناغُم أكيد أو، هل هو مجرّد أنني مُتأثّرة به؟ بالإجمال كنا نتّفق بأمور كثيرة.

 

تقول ليلى: حين كنّا نتحاور، كان والدي موسى وهبي يُذكّرني أحياناً، بأنّني أتكلّم بطريقة علميّة وليست فلسفيّة. يوافقني على بعض الأمور، لكن يُنبّهني بأن ما أفكّر به ليس هو كل شيء، العِلم موجود ربّما بمكان مُعيّن، ولكن ما كان يتكلّم عنه موجود بمكان آخر. في الوجهة الفلسفيّة.

 

وتتابع ليلى: الفرق بيننا أننا لا نتحاور على الموجة نفسها، أنا أحاوره بالطّريقة العلميّة، التي تتعامل مع الملموس، وهذا يأتي مُعارِضاً للفيلسوف الذي لا يهمّه،  وحسب قوله "ما تَدُلّي عليه، بل طريقة الدَّل، أو الإشارة نفسها، الإصبع الذي تدلّين به. هذا يأتي ضدّ الطّريقة العلميّة..

 

 

 

موسى وهبي: يبدو أن ليس في اللّغات الحيّة، كالإنكليزيّة، والفرنسيّة والألمانيّة، والإسبانيّة أو الروسيّة، ومنذ فترة، ما يشي بالإبداع الفلسفي؛ لعلّ ذلك سِمَة العصر، لا أدري! إذا سمحتي للآخر أن يُفَكّر، فلا بدّ سيصل. 
نسأل ابنة الفيلسوف: إلى أي حدّ استفادت من البيئة التي عاشت فيها؟

 

تُجيب: بقدر ما كانت استفادتي كبيرة، ليس بمقدوري أن أعرف مدى حجمها، فأنا داخل المكان، لا أستطيع رؤية الأمور بوضوح. الشيء الجميل الذي كان عند والدي موسى وهبي، أنه لم يكن يفرض علينا الأمور، ولا يوجّهنا لِمَا علينا القيام به. مثلاً لا يطلب منا القراءة ولا يُخبرنا عن فوائدها، بل يجلس أمامنا ويقرأ. كان يتعاطى معنا ككائن وقليلاً ما منعنا عن شيء، وحين بلغنا الثامنة عشرة، قال لنا بأننا أصبحنا مسؤولين عن أنفسنا. أعطانا حريّة اختبار الحياة؛ وإذا سمحتي للآخر أن يُفكّر ويبحث، فلا بدّ سيصل ويعرف أن يكتشف.

 

تقول ليلى: كان والدي يعيش كفيلسوف. لا تهمّه التفاصيل، وربّما لا يكون ضليعاً بها، لكن يعيش الشيء بمعناه الحقيقي. كان شخصاً غير مهموم على الصّعيد الشّخصي، أعتقد بأنه كان سعيداً، أو لا أعرف إن كان كذلك، لكنه يهبّ لمن هو مهموم، ربّما استطاع تقديم أي شيء له. كان مُتصالحاً مع نفسه متأمّلاً كما على الفلاسفة أن يكونوا. حين أصيب بالمرض، كان متفائلاً. لكن حين بدأ يشعر بالألم الكبير، فَهِم الأمر ولم يحزن. كان يتعالج من أجلنا فقط.

 

موسى وهبي: اللّغات استُنْفِدَت من المعاني الممكنة، فلماذا لا نُجَرّب أن نستولد لغتنا التي لم تَستَنفِذ بعد، أفكاراً جديدة وطرائق جديدة في التّفكير؟

 

والدي كان مهضوماً، تُتابع ليلى كلامها عن والدها، لم يكن يتفاجأ ولم يكن ينفعل. وأنا حين سافرت إلى أميركا لم أتفاجأ بشيء، كنت جاهزة لرؤية الأمور كما هي. كان يقول لنا: لا أحب التباهي، وأخجل به، وكلّما لمحت بأن هناك ريشة طاووس ستنبت لديّ، أنتفها، لكن أي إنجاز كنّا نحقّقه أنا وشقيقي، كان يُفرِحه ويشعر حينها، بأنه يريد أن يفلش ريش الطّاووس على راحته. تشعري بمكنوناته من دون أن يظهرها. تبتسم ليلى متأمّلة وهي تقول: كان والدي خفيف الظّل كثيراً.

 

إن كنتِ تريدين تغيير العالم، فيمكنك أن تحدثي شيئاً ما هنا.. حين كنت أصغر وأفكّر بالسّفر، لم يقل لي بأنّه يُفضّل بقائي في الوطن، أو على الأقل أن أعود بعد دراستي، لكنّه قال لي: إن كنتِ تريدين تغيير العالم، فذاك المكان مُرَتّب بشكل كافٍ، أما هنا، فبإمكانك أن تحدثي شيئاً ما، كأن المكان بحاجة إليكِ أكثر. مُستطردة وهبي، تتابع: هو نفسه أكمل دراساته العليا في فرنسا (جامعة السّوربون) وقرّر العودة.

 

عن رأيه بالعالم وحاله اليوم، كان يقول: العالم يعاني من فراغ وجداني كبير، لذلك ترين كل تلك البشاعة. الناس ضائعون، هناك عمق ما، مفقود، إلى حدّ الآن الناس لم يجدوه. هناك نقص ما يعانون منه، هل هي الفلسفة؟ ربّما، لا أعرف..

 

نظرنا ليلى وأنا إلى بعض، وهززنا رأسنا حائرتين، وأخبرتها بعض ممن أعرفه عن والدها الصديق الذي يتخطّى الأعمار، بروحه وفكره..

 

لندع الأمور من دون وداع، لكن الأحبّة يشتاقون، ويحتاجون..

 

 

موسى وهبي: الفلسفة تبدأ كما بدأت مع أفلاطون، بالحوار، والحوار يعني، التخلّي عن العُنف. 

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]

 

موسى وهبي: لستُ فيلسوفاً، بل ممهّداً للقول الفلسفي