ليكن ذكرُكَ يا حبّ مؤبّدا

"سيأتي الحبّ يوماً. يطرق الأبواب ويدخل. فكيف إذا شرّعت له النوافذ والأبواب؟ سيأتي، أليس كذلك؟ سيتأنى حتى يدرك الحبّ الفؤاد. إلى أن تحلّ بي مثل رعشة فليكن ذِكرُكَ يا حبّ مؤبدّا".

انتظارك للحبّ حبّ في تمامه. بدر مكتمل
عيناك اللتان تطرفين جفونهما، لا يغشاهما النوم. 

"يا حبّ"، تحدّثينه هامسة. تخافين رفع عقيرتك. لا يُصرخ بالحب إلا حين يسيل من شغاف القلب. تطبقين جفونك. ليس النوم هو الذي تستدعين، بل نسمة من هواء رطب تعبيّنها فيما أنت تفرجين بطيئاً أصابع راحتك للحبّ.

"تعال. تعال واستقرّ هنا، لأنظر إليك وأشمّ ريحك. إذا كنت زلقاً لا تُمسك، فجُد عليّ من رائحتك ما أدّخره لعلّي أنام. لن تأتي؟ إني أراك بُعدَ ابتسامتين، فادنُ". 

الفرح عابر. الحزن مقيم. مرّ الأيام مداول بين الناس. الحبّ سكرّ. تتمنين لو يلامسه بنانك حتى تمرغين لسانك. تنهضين مسربلة بلباس نوم ثقيل. تتعثرين به وتسقطين. تضعين يدك على رأسك، ثم تضحكين لسقوطك. المرآة أمامك. تقتربين. تحدّقين إلى طلعتك ملياً.

"أنا مُتعبة! أشعر أني سأبكي". ترفعين ضفيرتك التي تهفو على وجنتك. "أريد أن أبكي. لماذا عليّ البكاء؟ وجهي تعِب؟ لا أدري لكن يجب أن أبكي، أريد البكاء"، تقولين بأنفاس مضطربة.  

ليس تعبكِ الذي يدفع السيل المكبوت ليخرج من عينيك، على حين غرّة، ساخناً ومالحاً. جوعك العظيم لذاك القريب والبعيد يبكيك. تبكين للحبّ الذي لم يقترب منك شاهراً شعلته. لم يأت بعد ليسمعك تحدّثين طيفه "أنا مدنقّة. متى تدركني لتلهب روحي الباردة. ظمآنة للدفء".

انتظارك للحبّ حبّ. خيالك البكر إذ يغدو رحباً، يلبس الحبّ ما يشاء من بُردٍ. قد يكون الحبّ جواداً مثل ملك. قد يكون الحبّ ناقماً مثل عبد. من يحظين بالحب في مُلكه قلةّ. انتظارك للحبّ حبّ في تمامه. بدر مكتمل. 

"كلما وقعت على حبيبين، أصير ثالثتهما. أشعر بطيف الحبّ بجانبي. حين يخيّل لي أنه أخذ يبتعد، أبتسم له في سرّي ثم أفسح له مكاناً".

كلما غابت شمس، وكلما طلع قمر، يشيّد أبكار القلوب للحبّ عرشه وينتظرون. مع تفتح عيونهم وقبل غيابها، داخل كرسي يتجاور وكرسي فارغ في مسرح أو سينما، في ليل طويل، أو في مقهى حيث تجلسين طالبة فنجانين من القهوة، تحتسين واحداً وتتركين الآخر بارداً لوحدتك. 

مثلك الكثيرات يا سماوية القلب. لا زلن ينتظرن الحبّ حتى مسّد الشيب ضفائرهن. مثل نجوم لا تحصى أولئك اللواتي لم يقربن طوبى الحب. من مثلك يا سماوية القلب، يعببن الهواء ويدخرنه أنفاساً عميقة لأول لقاء. ينتظرن مثلك أن يتحسّسن براحاتهن المرتجفة نبض قلوبهن الخافقة بعد رنين هاتف أو رسالة. 

مثلك الكثيرات يا متعبة الانتظار. لا زالت قلوبهن مشرّعة النوافذ كأنها تفتح أول مرة. يشهقن كما لو أنهن يتنسّمن أريج الزمن المحلوم. من مثلك ملح موائد العشاق والمتحابين. تبذلن كينبوع. أيديكن سهول نهفو إليها من صوامعنا. طوبى لكنّ أيتها المنتظرات. طوبى لكنّ.

"سيأتي الحبّ يوماً. يطرق الأبواب ويدخل. فكيف إذا شرّعت له النوافذ والأبواب؟ سيأتي، أليس كذلك؟ سأتأنى حتى تدرك الفؤاد. إلى أن تحلّ بي مثل رعشة فليكن ذِكرُكَ يا حبّ مؤبدّا".