لعب خلف الأسوار

بعد تجربة وجودية صعبة، قد يلجأ اللاوعي إلى الإنكار والتلاعُب، في محاولة لتفادي الشعور بالقلق أو التوتّر الناتِج من الشكوك والأفكار اللا تقليدية، وهو ما أسماه فرويد "الدفاعات النفسية". هذه القصيدة عبورٌ إلى ما وراء خطوط تلك الدفاعات، ولعبٌ خلف أسوار الذات.

لعب خلف الأسوار - علي الرفاعي - لبنان

سماءٌ عَلاهَا الغبارُ
وأرضٌ... وَثَنْ
وأضغاثُ حلمٍ كئيبٍ
غريبٍ
يُسمّى "الوطن"
نُلَملِم ما قد تشظّى من الرّوحِ
خيطاً ... فخيطاً
لننسج جسْماً ... كفنْ
ونعدو على سلّم الرّيحِ
كلُّ الجّهات سحابٌ، ومُدمى
وكلُّ الحنايا دُجَنْ
ونعجبُ كيف العصافيرُ تترك هذي البلادَ
وتهجرُ هذا الزمنْ

يراودني الصّمتُ
أنأى بصوتيَ عن كلّ هذا الصداعْ
فهذي البلادُ انكسار السماءِ
وهذا الزمانُ امتداد الضياعْ

يراودني الظلّ
أنأى بنفسي عنّي
وهل كنتُ يوماً أسيرَ المرايا
ليجتاح وجهي القناعْ ؟!

يراودني الشكُّ
أينك يا ربّ من كل هذا الجنونْ ؟!
أتتركني في الطريق وحيداً 
أسيرُ إلى هوّةٍ في الظنونْ

إلهي
يراودني الشكُّ في كل شيء
وخوفٌ كبير يهزُّ كيانيَ
ما أعظمهْ
أحاولُ أن أزرع الشكَّ ورداً
ولكنَّ قلبي تقمّص
مقبرةً مظلمهْ

يراودني الخوفُ من كل شيء
من الشمس تتلو بيانَ العبور لفجرٍ جديدْ
من النار في الموقد الشتويِّ
و"هل من مزيدْ"
من الماءِ
رائحةِ الخبزِ
قهوةِ أمي
تطيّب بالهال هذا الزمان العنيدْ

يراودني الخوف من كل شيءٍ
وبتُّ أخاف الزهورَ
العطورَ
النذورَ
الصلاةْ
وتكبيرةً فوق رأس الولادةِ
تلقينيَ الدرس عند الوفاةْ

يراودني الخوفُ
مولايَ رفقا
لقد ضاق صدريَ
أحتاجُ أفْقا

يقول شيوخ القبيلة إنّك جبّار هذي السماوات والأرضِ
أدري... 
ولكنّ شيئاً تجلّى لقلبيَ
أنّك أرأفُ من حضن أمٍّ وأنقى
يقولون أوقدتَ ناراً لجلهي
وأوقدت كيما ألاقيك شوقا

يصوّرك البعضُ وجهاً غضوباً
وما أنت ذاك الذي صوّروكْ 
يبيحون باسمك كلّ الخطايا
تعاليت عن كل ما لوّثوكْ
يبيعون باسمك أرضاً
وعرضاً
ويُعلونَ باسمكَ من قيدوكْ
لقد ضلّ سعيٌ لقوم أرادوا
بدربِ نقيضك أن يدركوكْ
أرى ضيّعوا الدربَ ربي إليكَ
فلم يفهموكَ

ولن يدركوكْ..

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]

اخترنا لك