الشاعر الفلسطيني محمود مفلح للميادين نت: قدري أن أكون شاعراً

ولِد عام 1943 في بلدة سمخ على ضفاف طبرية في فلسطين، ثم هاجر هو وأسرته إلى سوريا بعد وقوع النكبة. قصائده قُرّرت في المناهج التعليمية في فلسطين ومصر والجزائر والسعودية والإمارات العربية المتحدة. كُتب في شعره رسائل أكاديمية عدّة ولايزال يُدرّس في الكثير من الجامعات العربية وتناوله عدد لا يستهان به من النقاد. الشاعر الفلسطيني محمود حسين مفلح حلّ ضيفاً على الصفحة الثقافية في الميادين نت، وهنا نصّ الحوار الذي أجراه معه أوس أبوعطا.

الشاعر الفلسطيني محمود مفلح

سؤالنا الأول لك يتعلّق بتجربتك الشعرية المتجذرة. هلاّ حدّثتنا عن البدايات. كيف ولجتَ هذا الطريق وما هي وسائلك الأولى آنذاك؟ لا سيما أنّ جِيلَكم من الشعراء القدامى لم يكن في متناول يده ما هو متوافر الآن من وسائل وتقنيات. وأيّهما أكثر لِذّةً برأيك شِعر القرطاس والقلم أم وسائل الكتابة الحديثة؟

يبدو أن قدري أن أكون شاعراً وأنا من عائلة تسري في دمائها جرثومة الشعر إن صحّ التعبير. فأخي الأكبر أحمد مفلح كان شاعراً، وله الكثير من الدواوين ووالدي كان يحب الشعر ويتغنّى به، وكذلك جدّي كان شاعراً شعبياً. لكن الموهبة وحدها لا تكفي لإنجاز شعر لافت. لا بدّ من تنمية هذه الموهبة ورعايتها ومتابعتها. وهذا ما حرصت عليه منذ كتابة قصائدي البواكير وأنا في الخامسة عشرةَ من عمري.

أحمد الله أنه لم تكن هذه التقنيات الحديثة في زماننا لأنها تغري بالاسترخاء وتدعو إلى الكسل وتوهمك بأنك شاعر مهم وأنت مازلت في بداية الطريق من كثرة المصفّقين والمُعجبين والمطبّلين، ولهذا كنا نقرأ كثيراً ولا نثق بما نكتب بسهولة، وكان للشعر آنذاك دورٌ هام وللشاعر الحقيقي وزن وحضور.

أما بالنسبة للشق الآخر للسؤال، طبعاً شعر القرطاس أفضل لأنه أكثر التصاقاً بنفسك وتجربتك، ولأن القرطاس أكثر طواعية (تمزّق متى شئت .... وتشطب كما تريد ) وأنا من الذين يشطبون كثيراً، ويبدّلون ويغيّرون كثيراَ في ما يكتبون. لا أثق بالنسخة الأولى لقصيدتي ولا أطمئن إليها ولهذا أجري عليها كثيراً من التبديلات والتحويرات حتى أرضى عنها.

صدر لك مجلدان كبيران. الطبعة الأولى في غزّة والثانية في القاهرة. أي الدواوين أحب إليك وأقربها لنفسك وهل هناك قصائد وددت لو أنك لم تكتبها؟

سؤالك تصعب الإجابة عنه، أي الدواوين أحب إليك؟ كلها محسوبة من أبنائي ولا أستطيع أن أتبرّأ من أيٍّ منها. فلكل ديوان مرحلته وطقسه وظروفه وقناعاته. كنت عندما أطبع هذا الديوان أو ذاك راضياً ومقتنعاً لأنه كان إبن ظرفٍ خاص وتجربة محكومة بعواملها، ولكن بعد مرور كل هذه السنوات وبعد نضج تجربتي الشعرية واتّساع مراميها وتطوّر أدواتها وهدوء الانفعال العاطفي الذي كان يصبغ قصائدي السابقة، أشعر الآن وأنا أراجع كل ما كتبت منذ أكثر من 45 عاماً أنني غير راضٍ عن الكثير من القصائد. وقد كتبت مقالاً بهذا الشأن قلت فيه إنني غير راضٍ عن بعض ما نشرت وقد تعجّلت في نشرها، رغم أنها لقيت إقبالاً واقتناعاً لدى كثير من القرّاء الذين يتابعونني منذ بداياتي.

أما أحبّ المجموعات الشعرية إلى نفسي فهي "ابتسمي ليخضرّ الكلام" التي صدرت في مصر عام 2015، لأنها تمثّل تجربتي الحقيقية وتعكس تطوّرها على الصعيدين الفكري والأسلوبي بشكل واضح. وأكثر القصائد التي كتبتها وأنا في حال فورة عاطفية واندفاع شبابي نحو قضايانا الوطنية والاجتماعية لست راضياً عنه لأن أدواتها غير ناضجة والرؤية الفنية فيها غير مكتملة ولا مقنعة. 

لعل من أجمل قصائدك قصيدة الرثاء التي كتبتَها إثر رحيل زوجتك. كأنك كتبتها بالدمع وليس بالحبر؟

سئل أحدهم لماذا شعر الرثاء من أجمل أشعاركم قال لأننا نقوله و أكبادنا تحترق. قصائدي في رثاء زوجتي الراحلة أم حسان رحمها الله لا تخرج عن هذه المقولة، كتبت قصائدي فيها وكبدي تحترق فعلاً. كيف لا وهي رفيقة عمري ل 45 عاماً تقريباً وأمّ أولادي وأيقونة شعري.

لم أفكر بالجانب البلاغي كثيراً وأنا أكتب قصائد الرثاء فيها. كنت منطلقاً على مزاجي متدفّقاً مع عاطفتي، تاركاً لقلمي العنان ليخطّ مايشاء من دون تكلّف ولا افتعال عن تجربة الفقد هذه التي أعتبرها من أقسى الصدمات النفسية التي تعرّضت لها في حياتي.

رغم تقدّمك في السن ما يزال شلال الشعر متدفّقاً لديك، بعكس بعض الشعراء الذين انتابهم الملل وخُطِفوا من دروب الشعر . كيف تتصور نهاية مشوارك الشعري؟ هل سنقرأ في يومٍ ما القصيدة الأخيرة لمحمود مفلح؟

هناك معلومة قد لا يعرفها الكثير وهي أنني توقّفت عن كتابة الشعر 12 عاماً من 8/8/1994 وحتى 8/8/ 2006 مضطراً ومختاراً في الوقت نفسه، وهذا ما يدفعني إلى استدراك ما فات وترميم ما تصدّع من تجربتي الإبداعية بالتجريب المستمر والاطّلاع الدائم وتجديد أدواتي الفنية حتى لا أُستنقع كما يقول بعض الأدباء.

أخطر ما يصيب الشاعر هو أن ينتج ذاته ويكرر صوته القديم ويظلُّ – محلّك سرّ- وهذه القضية هي همي الشّاغل ومحور تفكيري الشّعري غالباً. أما متى أكتب قصيدتي الأخيرة بالتأكيد مع النفس الأخير في حياتي، لأني لا أكتب الشعر ترفاً وإنما أكتبه رسالة ومسؤولية وطموح، ولهذا لا أستطيع الانفلات من قبضة الشعر حتى تتيبّس أصابعي على القلم ويتوقّف كما قلت مع نَفَسي الأخير وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى.

في أشعارك مساحة كبيرة تم تخصيصها للحنين إلى الماضي برفاقه وأشعاره وصباه و كل شيء فيه. ما الذي يؤجّج هذه المشاعر في نفسك؟  هل تعتقد أن الشعراء الشباب اليوم على مقدرة عالية في استحداث شيء جديد في الشعر العربي؟ 

صحيحٌ أن شعري مصبوغ بالحنين وسبب ذلك الظروف التي قاسيتها من رحيلٍ إلى رحيل، وفي كلّ رحيل أترك ذكرياتٍ غاليةٍ على نفسي، من أماكن وأشخاص ومواقف، والإنسان ابن بيئته لا يستطيع أن يقفز فوق ما تقرّره هذه البيئة.

بلى أنا معجب بالشعراء الشباب وهم يحقّقون اختراقات في الشعر العربي عجزنا نحن عنها في مجال الصورة والتكتيك والموضوعات وكيفية تناولها والبُعد عن الضجيج وتوليد موضوعات جديدة كنا نجهلها، وإن كانت القضايا الوطنية أكثر خفوتاً في أشعارهم وهذا ما يأخذه عليهم بعض النّقاد أحياناً، وإن كان عدد هؤلاء الشعراء الشباب المجيدون قليلون ولكنهم واثقون من أنفسهم ومنطلقون إلى غاياتهم الكبرى بقوة مستفيدين من كل معطيات العصر وحدائق الشعر العربي والعالمي.

 

ما هي رؤيتك لقصيدة النثر؟ هل سيولد بمنظورك لون شعري آخر يثور على قصيدة النثر كما هي ثارت سابقاً على أخواتها؟

أقول إن الشعرُ هو الشعر، عمودياً أو شعر تفعيلة أو ما يسمّى قصيدة النثر التي أفضّل أن أسميها النثيرة وقد سبقني إلى هذه التسمية آخرون.

قصيدة النثر هي ابن شرعي للشعر الأوروبي أكثر منها انتماءً إلى تراثنا العربي، كتبها الماغوط بجدارة واقتدار ووعي وكل تلاميذه فشلوا في كتابتها على النحو اللائق إلا القليل القليل الذين أثبتوا جدارتهم في كتابة قصيدة النثر.

وهناك مجلات متخصّصة لا تنشر إلا قصيدة النثر ونقاد كبار لا يتعرّضون إلا لقصيدة النثر في أبحاثهم ودراساتهم، وما يدريك أن هذا النوع من الشعر سينجب نوعاً آخر أكثر حداثة مادامت الحياة لا تتوقّف ومادام التجريب مشروعاً.

نعم أتوقّع ولادة لون شعري جديد غير قصيدة النثر وعندما نرى هذا المولود الجديد لا بد من أن نختار له إسماً مناسباً.

أعمال الشاعر مفلح

دواوينه الشعرية: مذكرات شهيد فلسطيني 1976 - المرايا 1979 - الراية 1983 - حكاية الشال الفلسطيني 1984 - شموخا أيتها المآذن 1986 - إنها الصحوة 1988 - للكلمات فضاء آخر 1988 - نقوش إسلامية على الحجر الفلسطيني 1991 - غرد ياشبل الإسلام (شعر للأطفال) 1991.

مجموعاته القصصية: المرفأ 1977 - القارب 1985 - إنهم لا يطرقون الأبواب 1986.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]