لماذا بقي الإنسان الوحش؟

التاريخ شهد على ملكات وشاعرات وحكيمات ومُتصوّفات، لكن أين هي المرأة من الفلسفة؟

  • لماذا بقي الإنسان الوحش؟
    هيباتيا

من مراحل الصيد الأولى إلى التطوّر المُدهِش في علوم التكنولوجيا.كل هذا لم يُغيّر من طبيعة وسلوك الإنسان وما يزالُ يحتفظ بوحشيّته التي نشهدها اليوم. 

ارتقى العقل بالإنسان إلى تعقّبِ حركات الكون والنجوم والشمس والأقمار، وأوصله إلى أعلى درجات العِلم، فكان الشاعِر والفنانُ والبحّارُ والربّان والطبيب والحكيم والقاضي والفليسوف والمُخترِع والمُثقّف. لكن مع ذلك ما زال السؤال الذي يُهدِّدُ وجودنا، لماذا بقي الإنسان الوحش؟  

الثقافة تعني الرقيّ والتحضّر وسموّ الإنسان فكيف لنا وصف وحشيّة الإنسان؟ من الصعب أن نجدَ تسمية لهذه الوحشيّة البشرية التي حدثتْ في سوريا والعراق.

الحيوان يقتل فريسته ليستمر في الحياة وليُقدِّمَ لصغاره ما يجعلهم على قَيْدِ الحياة. نعلم أن هذه هي غريزة البقاء، لكن السؤال المهم جداً والذي لا يوجد له جواب إلى اليوم، لماذا يقتل الإنسان؟

أول عملية قتل، حدثت في التاريخ كانت بقتل قابيلَ لهابيل. ذلك ما أوردته الكُتب السماوية، مع اختلاف الرواية حيث كل ديانةٍ تقصّ الرواية بطريقتها الخاصة سواء في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية! لكن بحسب العهد القديم، فقد أراد الله الذبيحة من دم لا من ثمار الأرض، لماذا التركيز على الذبيحة وليس على الثمار؟

الأرض تُعطي لكن يبدو للدم مذاق وطعم آخر كي يزيد من ألم العقوبة ويكرّسها على الأرض! لم يتوقّف القتل، ما يزال مُستمرّاً. هناك مَن يُشّرعه ويُؤكّده بنصوص دينية وسنّن وشرائع قديمة لم يطرأ عليها أيّ تغيير.

يتفنّن الإنسان "الوحش" بإيجاد طُرق مختلفة لممارسة عُنفه وعدوانه على الآخر، فمَن الذي يدفع ثمن هذه الثقافة العُنفية القاتِلة؟ التاريخ شهد على عمليات قتل فظيعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر مقتل الإمام الحسين بن علي. فهل كان الأخير يتساوى فكراً وعقلاً مع قاتِله؟

هل ننسى طريقة قتل عبد الله إبن المقفّع الذي تفّنن فيها قاتله حيث خاطبه إبن المقفّع الذي شهد جسدهُ يتقطّع وُيرمى في تنّور يغلي حيث قال:

إذا مات مثلي مات بموته خلق ٌكثير 

وأنت تموت ليس يدري بموتك كبير أو صغير.

النقطة الأكثر وضوحاً هي المرأة التي تشكّل خطراً كبيراً على البشرية، بحسب المفهوم "الديني" الذي يُفتي به جَهَلة وقطّاع طُرُق الدين. المرأة التي عانت من ثقافة العنف الموروث بطرائق مُرعبة!

إذ لا توجد امرأة فيلسوفة، عالِمة، ذات مركز ديني وروحي، تكون كُتبها مرجعاً تاريخياً كما هي كُتُب الفلاسفة والعباقرة كما هي الحال بالنسبة للرجال. التاريخ لم يشهد امراةً كإبن رشد أو الفارابي، هناك عوامل ساعدت في طَمْس هذه الأوراح المُبدِعة.

التاريخ شهد على ملكات وشاعرات وحكيمات ومُتصوّفات ولكن للحقيقة لم ينلن من الشهرة ما تستحق الواحدةُ منهن، أليست المرأة حاضرةً في الطب والعلوم والفيزياء ونالتْ "نوبل"؟ لكن أين هي من الفلسفة؟ هل لأن الفلسفة لها علاقة بالدين وفي البحث عن الوجود الكلّي والمُطلَق؟ ومن هنا تم إبعادها منذ بدء الخليقة، كونها كما توصَف بأنها "ناقِصة عقل ودين" فكيف لها أن تصبح صاحبة مذهب فلسفي؟

الفيلسوفة "هيباتيا" كانت تُعدّ أول عالِمة رياضات في العالم. هيباتيا تأثّرت بفكر أفلوطين. كانت أستاذة للفلسفة في زمانها. دَرستْ فلسفة أرسطو وأفلاطون.

يتحدّث أحد مؤرّخي الكنيسة ويُدعى "سقراط" وهو غير سقراط الفليسوف بأنه "عاشت في الإسكندرية امرأة ًبارِعة الذكاء في تحصيل كل العلوم ما جعلها تتفوّق على جميع فلاسفة عصرها حيث كانت تناقش وتُعارضُ وتحكم، وأثبتت في حضورها وفي زمنها عِلماً وحكمة. قُتلت "هيباتيا" الفيلسوفة والعالِمة بأبشعِ طريقة عرفها التاريخ البشري، ولكونها امرأة تفننّوا في قتلها كي لا تفكِّر مطلق أي امرأة، بأيّ مشروع فكري أو تنويري وتبقى كما هي التي خرجتْ من الضلع لُتكسر فيما إذا حاولت أن تفكّرَ بالكون وما به من مُتغيّرات. وإلى اليوم ما زالت المرأة تحتاج في بعض الدول إلى مُحرمٍ يرافقها في سيرها وترحالها، فيكف يحقّ لها أن تفكِّر؟

هيباتا، جُرَّت من شعرها ونُزِعَت ملابسها، ربطوها بحبلٍ وقاموا بجرِّها عارية في شوارع الإسكندرية، حتى سُلِخ جلدها وكما تقول الرواية كي يزيدوا من تعذيبها قاموا بسلخ جلدها بالأصداف ثم ألقوها في حفرة وأشعلوا في جثتها النيران.   

المُتتبّع لمُجريات التاريخ وأحداثه يرى أن ثقافة القتل لم تتغيّر وازدادت توحّشاً في زمننا الحاضر. ثقافة الإقصاء والقتل والنظر إلى المرأة على أنها "عورة" بحد ذاتها مازالت أشدّ قسوة من فنون القتل النفسي والروحي لها.

أليس سبي النساء في هذا الزمن وتوصيفن بهذه التسمية مستمَد من شعائر دينية، وما تعرّضت له النساء "الأزيديات" وغيرهن من نساء سوريا والعراق على يد تنظيم داعش يدلّ على أن العقل البشري "الديني" المُتزمّت لا يلحق بركَب الثقافة والوعي التي يجب أن تميِّز الإنسان؟

ما تعرّضت له النساء في الحرب مع داعش يدلّ يقيناً على أن هذه الثقافة هي ثقافة "عثمانية" بامتياز السلطان، حيث الحاكِم بأمر الله هو سلطان الكون ولو كان طفلاً وسفيهاً يجب على عُلماء الأمّة أن يُبايعوه وإلا حزت أعناقهم بالسيوف!

التحديات صعبة وعلى البشر أن يتحلّوا بثقافة الوعي والإدراك لمواجهة سفّاحي العصر من التكفيرين الذين يلغون المرأة والآخر!

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]

 

 

اخترنا لك