لماذا يسخر عادل إمام من المثقفين؟
من "الحلمنتيشي"إلى "الحلزونة" و"أبيع نفسي" ... لماذا سخر عادل إمام من المثقفين؟
على مدار سنوات طويلة، تباينت مواقف المُثقّفين والأدباء من أعمال الفنان المصري عادل إمام. إذ يرى بعضهم أن أعماله في معظمها سطحية لا تحمل بصمة خطاب ثقافي أو جمالي يتّسم بالعُمق، فيما يعتبر غيرهم أن هناك من أعماله ما يُعدّ محطة فنية هامّة في السينما المصرية والعربية.
تناولت أفلام عادل إمام شخصيات مُتنوِّعة منها الشاعِر والمُثقَّف والفنان التشكيلي بشكلٍ هَزْلي، كما في العديد من أعماله مثل (مرجان أحمد مرجان) و(الأفوكاتو) و(يا رب ولد)، وغيرها. فهل يعود الأمر إلى المؤلِّف أمْ للبطل؟
يشير شوكت المصري، أستاذ النقد الأدبي الحديث في أكاديمية الفنون بالقاهرة في حديثه للميادين الثقافية إلى إن أمر رَسْم الشخصيات "مهمة المؤلّف ابتداء، وإن كان للنجم النصيب من اختيار الخطوط العريضة للفيلم، لكن تبقى المسؤولية مسؤولية مَن كتبوا لعادل إمام، سواء وحيد حامد أو يوسف معاطي أو غيرهما"، مُضيفاً إن "السُخرية فعل صحّي، حتى وإن كان من المُثقَّف، فالمطلوب من السينما تقديم صورة واقعية، وليس صورة مثالية مُصطَنعة، وهذا ينطبق على أيّ نموذجٍ إنساني، لا على المُثقَّف أو الشاعر أو الفنان التشكيلي فحسب، فالسينما فن (كاشِف) بطبيعته ومهمّته الرَصْد والعَرْض بشكلٍ فني يخدم العمل الفني أولاً".
أما الناقِدة السينمائية ماجدة خير الله فترى أن السُخرية من شخصية الشاعر صاحب قصيدة "الحلزونة" في فيلم "مرجان أحمد مرجان"، على سبيل المثال، "ليست سُخرية من الشاعر مدَّعي الثقافة الذي يكتب شعراً رديئاً وغامِضاً في الوقت ذاته، بقدر ما هي سُخرية من فساد رجل الأعمال نفسه الذي لا يريد أن يشتري كل شيء بالمال، ولا يستطيع أن يفرّق بين الجيّد الرديء في الشعر، حيث يستغلّه مرجان الفاسِد الذي يريد أن يثبت نفسه معنوياً أمام أبنائه، إذ نجده في أحد مشاهد الفيلم يقرأ إحدى القصائد التي اشتراها (الحلزونة ياما الحلزونة خبيني يامّا يا حلزونة/ الحلزونة انتحرت/ كانت تعبانة تعبانة تعبانة/ والحلزون خطبته عربية في ميدان التحرير) .... إلى آخر القصيدة الهزلية".
وأضافت خير الله مؤلِّفة مسلسل (وجه القمر) للميادين الثقافية أن تناول شخصية الشاعر بشكلٍ هزلي "لا يكون الغرض منه الانتقاص بأية حال من الأحوال من هذا النموذج الإنساني، لأن فكرة (السُخرية) في أفلام عادل إمام، لا فرق فيها بين شاعر أو مُعلِّم أو وزير أو محامٍ أو أي نموذج آخر".
يمكن القول إن أفلام عادل إمام ما هي إلا مرآة مجتمع كامل، لكن الأزمة الحقيقية هي نُدرة الأعمال الفنية التي تقدِّم حياة الشعراء والمُثقَّفين أصحاب النماذج المُميَّزة، والتي يمكن من خلالها أن تغيِّر صورة المُثقَّف في الشارع، وبالتالي صورته في الأفلام السينمائية. ولذلك فنحن "نحتاج إلى مسلسلات مثل (الأيام) الذي تناول سيرة طه حسين، ومسلسل (في حضرة الغياب) عن حياة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كما تقترح ماجدة.
تميَّزت علاقة عادل إمام بالمُثقَّفين دوماً بالشدِّ والجَذْب، خصوصاً وأن أفلام النجم المصري تحتوي على مواقف ساخِرة من المُثقَّف وكذلك مُدَّعي الثقافة في صوَرٍ مُتعدِّدة، من الشاعر الحداثي الذي يقول كلاماً ربما لا يفهمه أحد سواه، إلى المُثقَّف الذي يُعبِّر عن وجهة نظره بعباراتٍ مُقعَّرة.
هذا الرأي يتبنّاه شوكت المصري مؤكداً أن إمام لم يسخر من شخصية المُثقَّف في كل إشكالها، بل نراه ينتصر لها في فيلم مثل (الإرهابي)، ومنها شخصية المُفكِّر الذي يواجه الإرهاب (أدَّى الدور الفنان الراحل محمّد الدفراوي)، والذي ظهر في أحد المشاهد يُخبِر الإرهابي أنه يمتلك سلاحاً فتّاكاً قبل أن يُخبره أنه يمتلك قلماً.
وقد حفلت أفلام عادل إمام بالإشارة إلى الكتابة الشعرية في أشكالها المُتعدِّدة، مثل الشعر الشعبي على لسان شخصية (عنتر)، وهو الفلاح الساذِج الذي تعرَّض لعملية نصبٍ ليجد نفسه في أوروبا من دون عمل في فيلم "عنتر شايل سيفه"، إذ يرتجل شعراً يتَّسق مع تركيبة تلك الشخصية ثقافياً: (الأولة آه على طيارة دلوني وأنا غفلان، والتانية آه زيّ الحمار وخموني وأنا مش دريان.. الأولة حمار والتانية حمار والتالتة برضه حمار).
وكذلك شعر الفُصحى الساخِر وغير المُنضبِط "الحلمنتيشي"، والذي لا تفهم ألفاظه، فنجده في مسرحية "الواد سيّد الشغّال" يرتجل – أو هكذا يبدو - (إذن فأنتِ تشلشين بشاش الحب وتحلسي بكل ما كان الفؤاد كمنتسي)، وكذلك قد سبقه بسنواتٍ كثيرةٍ في فيلمه "الأفوكاتو" والذي لعب فيه دور المحامي الفاسِد لكنه صاحب فلسفة خاصة، إذ يقول خلال مُرافعته أمام المحكمة "وماذا أقول بعد كل ما قيل، وكما قال الشاعر: رب قول قيل في قول خير من قول يُقال أو لا يُقال".
أما عن تناول أفلام عادل إمام نموذج الفنان التشكيلي الذي يرسم أعمالاً غامِضة (كما في مشهد من فيلم عريس من جهة أمنية)، فيقول المصري إن هذا "انتقاد النموذج على وجه التحديد، من خلال قلب اللوحة ليبيّن أن طولها مثل عرضها، ولعلَّه كان موقفاً من وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسني الذي اشتهرت لوحاته بالغموض والاستغلاق على متلقّي الفن العادي".
ورغم تلك العلاقة القائمة على الأخذ والردّ، إلا أن المُثقَّفين قابلوا بعض مواقف عادل إمام بشيء كبيرٍ من التقدير، حين قدَّم مسرحيته السابقة "الواد سيّد الشغّال" في أسيوط في تسعينيات القرن الماضي، في عُقر دار "الجماعات الإرهابية" وقتها، باعتبارها مسؤولية أخلاقيّة ووطنية وإنسانية.
هذا ما يوضِحه شوكت المصري من أن العديد من أفلام إمام مثل (الحرّيف) و(حتى لا يطير الدخان) و(الإرهاب والكباب) و(كركون في الشارع) و(الإرهابي) و(الأفوكاتو) و(الغول)، وغيرها من الأعمال تحتوي اهتماماً بالتفاصيل بشكلٍ يُرضي أذواق الكثير من المُثقَّفين، من حيث زوايا التصوير، ولغة الحوار، ورسالة الفيلم، والاعتناء بصناعة صورة بصرية جذَّابة تعمل كموصلٍ جيدٍ لرسالة الفيلم، وربما لم يقتصر ذلك على المُثقَّفين والأدباء بل انسحب على جمهور السينما من المُحترفين الذين كوَّنوا خبرات كبيرة.
لا تنفرد أفلام عادل إمام بتقديم نماذج شخصياتها بطريقةٍ سلبيةٍ دائماً، إذ يمكن رَصْده ذلك في فيلم (الأرض) من خلال المُقارنة بين نموذج الشيخ المُتعلِّم المُثقَّف وأخيه الفلاح، وانتصار الفيلم للفلاح على حساب الشيخ في العديد من المشاهِد.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]