من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟

ينصبّ الاهتمام عادة على موجات الموضة الخاصة بالنساء، لكن ماذا عن زيّ الرجال؟ كيف تكوّن وتطور؟ وما هي وظيفة كل لباس؟

  • من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟
    من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة الرياضية.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟

اهتمت بعض الكتب بارتباط موجات الموضة الخاصة بملابس النساء بسياقات دينية واجتماعية، حيث تشارك كل  من قوانين المجتمع والدين المرأة في اختيار ملابسها. إذ ينصّب الاهتمام دوماً على استقراء فلسفة الملبس الخاصة بالنساء كفكرة مناقضة للتعرّي، من خلال تقديم أكثر من وجهة نظر، وكأن ملابس الرجال لا ترتبط كنظيرتها عن النساء بالسياقات الاجتماعية والأخلاقية والوظيفية نفسها، وتحكم تطوّرها.  

تقول الباحثة الهولندية مينيكه شيبر صاحبة كتاب "المكشوف والمحجوب"، إن زيّ الرجال في العديد من الثقافات، لم يكن مجرّد قطعة من القماش، فهؤلاء الممتلكون للسلطة يستغلون الملبس ليؤكدوا أو يناقشوا أو يبدّلوا علاقات السلطة الموجودة. وهو ما فعله مثلاً جان بيدل بوكاسا، رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، عام 1976 عندما جعل نفسه متبعاً مثال بطله نابليون- يتوَّج امبراطوراً في احتفال باذخ تكلّف 20 مليون دولار، إذ تكلَّف تاجه وحده - المرصّع بالماس- 5 ملايين دولار. 

وفي العام 1979 أمر هذا الامبراطور بالقبض على المئات من تلاميذ المدارس لأنهم رفضوا ارتداء الأزياء المدرسية الموحّدة التي حدّدها هو شخصياً، وكانت عبارة عن أزياء صنعت في مصنع تمتلكه إحدى زوجاته. هكذا أمر بوكاسا بإجراءات انتقامية ذبح فيها حرسه 100 تلميذ. 

أما في الصين، وفي خطوة من الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ للقضاء على كل ما يمتّ للتقاليد الرأسمالية، منع الرجال مع وضع ربطات العنق وإرسال الشعور التي ربما تكشف عن "ميول برجوازية".

  • من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟
    اقترح ماو نوعين من الملابس

واقترح ماو في هذه الفترة نوعين من الملابس: الأفرولات للعمال والزيّ العسكري للجيش، فحين أعلن الزعيم الصيني تأسيس "جمهورية الصين الشعبية"، كان الصينيون أشبه ببحر من الأزرق الداكن والرمادي والأسود، وبرزت في تلك الفترة بدلة زونجشان (سميت باسم أحد الزعماء الشيوعيين) كمقاومة لتلك الغربية. 

إذاً لم تكن وظيفة الزيّ عند الرجال تغطية الجسد فحسب، بل تطوّر تدريجاً وزيّن بمواد مختلفة ليظهر أكثر جاذبية أو أكثر قوّة، أو ليموّه العيوب، أو يحمي من البرد والحر والأذى، أو لمُداراة الخجل.

وعليه، أصبح ظهورنا في المجال العام بطاقة شخصية يقرأها الآخرون من النظرة الأولى باعتبارها نصاً عن النوع والدين والعرق والخلق. فقد توحي قبعة قبان مدببة بالاحترام، وقد تُرى رأس عارية لامرأة كإمارة على عدم الاحتشام وقلّة الطاعة.   

  • من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟
    غلاف كتاب (مملكة الموضة.. زوال متجدد)

وتشير الباحثة الهولندية في الكتاب الذي صدر في نسخته العربية بترجمة عبد الرحيم يوسف، إلى أن ملابس الرجال مرت بمراحل عديدة ساهم المجتمع في صنعها، كما هي الحال في ملابس النساء تماماً. 

ففي اليونان لم يكن عري الذكور مشكلة، بل كان مطلوباً في مواقف جديدة، أهمها الجيمنازيوم، وهي الكلمة المشتقّة من "gymnos" أي العاري. لكن انكشاف أجزاء من العورة كانت تقابل بالازدراء إذ كان يجب تغطيتها، وهذا ما كان يضطر إليه الرياضيون الذين لا يريدون المخاطرة باستخدام طوق جلدي رفيع.

هذا الأمر نجده أيضاً في الثقافة الهندية، أما في اليابان فكانوا يلفّون الخيوط حول أفخاذهم، وإن كانت النساء حولهن، إضافة إلى تغطية القضيب. الغريب أن هذا كله كان يعتبر تصرّفاً إنسانياً متطوّراً بعض الشيء عما كانت تفعله قبائل (الباكيري) وسط البرازيل في القرن الـ18، فلم يكن لديهم أعضاء سرّية في أجسادهم، وكان بإمكان الرجل أن يمسك بعضوه إذا أراد أن يشرح لغريب أن هذا الولد هو إبنه.

  • من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟
    عبد الرحيم يوسف

وهو ما يؤكّده جيل ليبتوفسكي في كتاب "مملكة الموضة.. زوال متجدّد"، مشيراً إلى أن التجديد الحقيقي يكمُن في التطوّر الرائع  لما نطلق عليه "اللبس الرياضي". فقد دخل الزيّ الذكوري مع ملابس الترفيه الجماهيرية إلى دائرة الموضة الحقيقية بتغيّراته الدائمة، ولزومية الأصالة واللعب، بعد الجدية الأرستقراطية والألوان الغامِقة والطبيعية. حيث أخذت الموضة الذكورية تتّخذ توجّهاً جديداً بإدماجها للفانتازيا في مجلاّتها كمعيار أساسي، فسيطرت الألوان الساخِنة والمرحة على جميع أنواع الملابس الذكورية: الملابس الداخلية، القمصان، البلوزات، وأزياء التنس، وأصبحت الألوان جزءاً أساسياً من كل تركيبات لباس الذكور. 

وكانت تطبع على التيشرت، والسويتشرت نقوش وجرافيك غريبة ومضحكة، فلم يعد الأسلوب الطفولي والمسلّي والأقل جدية ممنوعاً على الرجال، لأن "الحياة قصيرة جداً كي نرتدي ملابس جديدة".  

  • من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟
    كتاب المكشوف والمحجوب

أي أن الزيّ الرجالي جمع بين موضة الملابس الرياضية و"اللاموضة" للزيّ الكلاسيكي. الفانتازيا للمرح، والجدّة والنزعة المحافظة ذات ربطة العنق الطويلة للعمل. هذا الفرق الكبير بين النموذجين لا نجد مثله عند النساء، حيث الفانتازيا تكتسب مشروعية اجتماعية أكثر بكثير. ويظهر هذا بوضوح في الموضة النسائية حيث الاختلاف الجلّي بين ملابس المرح وملابس العمل، بين زيّ النهار "العملي" وبين زينة الليل الأكثر تعقيداً. 

ذلك أن حبّ قميص كرة القدم مثلاً، أو حبّ (الفانيل، القميص الداخلي) كما أوردها خوان بيورو في كتابه "جنون المستديرة" (ترجمة محمّد عثمان خليفة)، هو علامة هوية ورمز انتماء لفريق من دون آخر. فاللاعبون القدامى كانوا يصطحبون قمصانهم الرياضية إلى بيوتهم ليغسلوها بأنفسهم، إذ تمتعت بقيمة معنوية كبيرة، لدرجة أنه كان جزءاً من (إتيكيت) اللعبة أن يحصل اللاعب الذي يشدّ خصمه من فانيلته على إنذار.

ويشير بيورو أيضاً إلى أن فريق برشلونة الإسباني مثلاً، اعترض على وضع أية إعلانات على قميص الفريق لسنوات طويلة، وعندما وافق وضع إعلاناً لليونيسيف قبل أن يضع إعلاناً لممّول تجاري (مؤسّسة قطر). وكذلك بالنسبة لنادي شيلكه الألماني الذي ما زال حتى الآن يحرص على تقليد ثابت وهو أن يرتدي اللاعب الجديد قميص الفريق بجوار أحد المناجم، ليتذكّر دائماً انه يلعب لفريق مدينة عمالية، وأن عليه الانتماء لشكل حياة جمهوره.   

يختلف الأمر في سياق الحياة العملية، كما تقول مصمّمة الأزياء المصرية مرمر حليم. فطبيعة الحياة تغيّرت، وأيضاً نوافذ الدعاية من التلفاز إلى مواقع التواصل الاجتماعي. 

  • من ملابس بأمر الحكومة إلى الأناقة.. ماذا تعرفون عن أزياء الرجال؟
    دينا مندور

وتضيف حليم للميادين الثقافية إن "خطوط الموضة النسائية ذاتها تطوّرت، وبالطبع نزعت إلى طابع ذكوري بعض الشيء، فصار المطلوب أن يكون الفستان أو القميص خفيفاً وعملياً، وصارت البدلة هي الأنسب، فالمرأة اليوم تذهب إلى مواعيد العمل أكثر مما تذهب إلى المناسبات اللطيفة وحفلات الزفاف". 

رغم وجود مصمّمين ومبدعين ينجزون الآن ملابس جاهزة يقوم النساء والرجال بعرضها، وينحسب الأمر نفسه على منتجات التجميل الذكورية. لكن هذا لا يعني أن الموضة قد كفّت عن الاختيارية في المعسكر النسائي، فقد تابع مصمّمو الأزياء الراقية تشكيلاتهم الذكورية، إلا أن النسائية منها هي التي صنعت شهرة بيوت الأزياء والمصمّمين، وهي التي كانت تنال التعليقات والمقالات الصحفية التي تنشر في المجلات المتخصّصة، وفقاً لـ "مملكة الموضة" الذي صدر مؤخراً بترجمة دينا مندور.