الألعاب الإكترونية بين العنف والتسطيح

كيف تتحوَّل الألعاب الإلكترونية إلى سلاح صامت يفتك بالمجتمعات؟

  • لقطة من لعبة
    لقطة من لعبة "GTA 5"

عندما تقرأ في الأخبار أن سوق ألعاب الفيديو في العام 2020 وصل إلى 148 مليار يورو، والمبيعات حالياً تُحلّق مع صدور "بلاي ستيشين 5"، تُحيلك الذاكرة القريبة إلى تحذيرات المُنظمات الدولية والأممية والإنسانية من أن مستويات الفقر والجوع في العالم، ولا سيما في الدول الفقيرة، بلغت مستويات مُفزِعة تُهدّد بموت ملايين البشر والأطفال منهم على وجه التحديد.

في هذا العام الحالي الذي يُنازع فيه ملايين البشر للبقاء على قَيْد الحياة بفعل جائحة "كورونا" وتداعياتها الإقتصادية والمالية والغذائية، وبينما تتعالى الإستغاثات والنداءات لتوجيه الجهود والطاقات لمُساعدة مُتضرّري الجائحة من أُسَر تنهار ومجتمعات تئّن، يتدفّق الإنتاج والإنفاق بمليارات الدولارات، على ألعاب التسلية وصَرْف الوقت المجاني، لتكون المُحصّلة المزيد من المال في جيوب المُستثمرين وأصحاب الشركات.

"كورونا" سهَّل إجتياح الالكترونيات

لم تكن هذه التجارة لتنجح وتسيطر على عقول الناشئة وشرائح مُعيَّنة من الراشدين لو كانت الدفاعات الثقافية والإجتماعية في مستوى يمكّن من التصدّي لهذه الظاهرة الإجتماعية الخطيرة. ففي ظلّ تراجُع القراءة وإنحسار النشاطات الثقافية في المسارح ودور السينما وصالات الموسيقى، انتهزت شركات الفيديو الفرصة لجَذْب مزيد من المُهتمّين بالألعاب.

وهكذا كان وباء "كورونا" المنصَّة التي اعتمدت عليها الألعاب الإكترونية للتوسّع وغزو أسواق جديدة، وملأت الفراغ  المُتحصّل من إغلاق الأسواق والأعمال والمدارس وملاعب الرياضة.

مخاطر وتحريض على العُنف

للدلالة على مخاطر الألعاب الإلكترونية كثقافة عُنفٍ مُعمَّمة، يكفي استذكار ما حدث في الولايات المتحدة عام 2013 حيث وقعت جريمة مروِّعة في صالة سينما "أوروا" في ولاية كولورادو، ارتكبها شخص مُنحرِف مُدْمِن على هذا النوع من الألعاب وتحديداً لعبة  Grand Theft AutoV الحافلة بالمشاهد العنيفة. وعلى مثال هذه اللعبة تُنتج آلاف الألعاب بمضمونٍ حربي إجرامي يتجاوز الحدود والقوانين من دون رقابة أو معايير.

وترتدّ ألعاب فيديو زاخِرة بالعُنف على المُراهقين في المجتمعات العربية. وبينما بلغ حجم السوق ما يقرب من مليار دولار في السنة الجارية، سجّلت في السنوات الأخيرة حالات إنتحار في السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق ومصر، وتحدَّثت تقارير عن عُنفٍ أعمى يمارسه ضحايا الألعاب على نظرائهم والمُحيطين بهم، كما حدث في القاهرة حيث طبَّق لاعب "بلاي ستايشن" خطّة قتل على مُعلّمته.

إن ألعاب المُغامرات مثل "عقيدة القاتِل" (Assassin’s Creed) و"الأرانب البلهاء" (Les Lapins Crétins) و"أرقص فحسب" (Just Dance) و"صراع العروش" (Game of Thrones) وغيرها، الرائجة جداً لدى هواة ألعاب الفيديو سواء بواسطة أجهزة "بلاي ستيشن" أو غيرها من أجهزة "إكس بوكس"، استُحدِثت جميعها في فرنسا. واللافت أن ما يُصرَف على إستهلاك هذه الألعاب في فرنسا حوالى 4 مليارات يورو في وقت تكشف التقارير وجود 10 ملايين فرنسي على حد الفقر إضافة إلى ملايين لا يستطيعون تأمين مُستلزمات الحياة بشكلٍ كامل.

الخُلاصة المُقلقة لإنتعاش سوق الألعاب الإلكترونية تكمُن في غياب القوانين التي ترعى إنتاج هذه الوسائل التي تُحشَر زوراً في باب الترفيه، ويغيب عن منظّمات المجتمع المدني ومؤسَّسات التربية مراقبة المحتوى وتأثيره إلا في ما ندر.

وعلى غرار شركات إنتاج بيع السلاح، تتحوَّل الألعاب هذه إلى سلاحٍ صامتٍ يفتك بالمجتمعات، في مسارين: تحييد نظر الناشئة عن القضايا الأساسية وإلهائهم عن المُشاركة في هموم مجتمعاتهم، وتدمير الذائقة الثقافية للأجيال الشابة وحَرْف إنتباهها عن تحصيل ما ينفعها في الدراسة  والعمل والإجتماع.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.