بلقاسم للميادين نت: أبطال قصصي هامشيون لكنهم يتوقون للانعتاق من بؤسهم
أحمد بلقاسم قاصٌ من مدينة البرتقال بَرْكان شرق المغرب، في غاية الهدوء، كثير التأمّل ومقتصد في الكلام كأنه يحتفظ لنفسه بما سيدبّجه في قصصه. أصدر ثلاث مجموعات قصصية هي: "الشيخ قارون" و"لعنة باخوص" و"رأس تحتاج إلى ترتيق". الميادين نت إلتقى به وكان لميلود لقاح هذا الحوار معه.
ما الذي جعلك تميل إلى القصة القصيرة من دون غيرها من الأجناس الأدبية؟
في الحقيقة، أول ما بدأت أكتبه هو الشعر، أو الخاطِرة، ولقد استهوتني هذه الكتابة لدرجة أنني شاركت بمحاولتين شعريّتين، في مُستهل الثمانينات في البرنامج الإذاعي الأدبي الشهير، مع ناشئة الأدب الذي كان يقدّمه، المرحوم وجيه فهمي صلاح، عبر أثير الإذاعة الوطنية، لا تتصوّر كيف كان قلبي ينطّ فرحاً، عندما استمعت لوجيه، وهو يرحّب بمشاركتي، ويعلّق عليها ثم يقرأها كاملة من دون نقصان، كنت أحب الشعر- وما زلت - لأنني كنت أظن أنه أرقى مكانة من السرد، وغيره من الفنون الأدبية، فكلمة شاعر كانت تجعلني أتصوّر صاحب هذا اللقب، بمثابة نبيّ، أو إنسان خارِق للعادة، بينما كنت أرى الكاتِب، قاصّاً كان، أو روائياً، شخصاً عادياً، يمكن أن يصبح أي كان كاتباً، يكفي أن يرصّ الكلمات إلى جانب بعضها البعض، ويملأ الصفحة، تلو الصفحة، فيحقّق مُبتغاه.
عكس الشعر فمراسه صعب وهو فضلاً عن ذلك موهبة ربّانية يوتيها الله لمن يشاء من عباده. لكن مع مرور الوقت، وجدت القصيدة لا تفي بالغرض الذي أروم تبليغه، للطرف الآخر، فحرَّكت شراعي نحو القصة القصيرة، لا سيما بعد قراءتي لكتّاب مرموقين في عالم القصة القصيرة والرواية، لأن رقعة القصة القصيرة تتيح حيّزاً مهماً للكاتب كي يناورَ بعيداً وبشيء من الحرية في سماء الخيال وأرض الواقع، بينما القصيدة يوحي بيتها اللطيف بأن يكون زائرُه مهذباً إلى أبعد الحدود، ولَبِقاً في شطحاته ويتقنُ فن التكثيف، والاختزال، لذا فالمناورة في مساحة ضيّقة كهذه تكون غير محمودة العواقب.
أصدرت مجموعتين قصصيّتين على نفقتك الخاصة، ما الداعي إلى الإصرار على النشر الذاتي، رغم ما يحيط به من مُثبطات؟
أجل أصدرت مجموعة لعنة باخوس سنة 2010 ومجموعة الشيخ قارون سنة 2012، بمبادرة شخصية بالرغم من وجود بعض المُثبطات وعلى رأسها قلّة القراء وانعدام الاهتمام بالشأن الثقافي، لا سيما في مجال الإبداع الأدبي شعراً قصة ومسرحاً من قبل الجهات ذات الصلة بالثقافة كمندوبية وزارة الثقافة والمؤسّسات التعليمية والجماعات المحلية.
معظم المُبدعين تراهم يدّخرون بعضاً من مالهم لمواجهة دور الطبع بصدورٍ عارية، شعارهم الإبداع فوق كل اعتبار غير مُبالين بالمثبطات السالفة الذكر.
اللغةُ أولُ ما يسترعي انتباه من يقرأ قصصك؛ فهي مُنتقاة بعناية، وسليمة سلامة تدلّ على أن القاصَّ عارِف بخبايا اللغة التي يُبدع بها. ما قصّتك مع هذه اللغة الأنيقة الشيّقة؟
اللغة هي عجينة المُبدِع، فبها يصنع ما يشاء، ومن خلالها يوصل إبداعه إلى المُتلقّي، ومَن لا يمتلك هذه العجينة عجينة اللغة، لن يخبـز لنا خبزاً أو كعكاً، شريطة أن تكون لديه قدرة فائِقة على تطويعها وتشكيلها، وإلا كان مصيره العجز عن توصيل خبزه أو كعكه إلى الفرن؛ أي البوح عمَّا يريد تبليغه للآخر الذي هو طبعاً القارِئ. هكذا يجوز الحُكم بأن حُسن تطويع اللغة هو سبب نجاح أيّ عمل أدبي أو العكس، كيفما كان هذا المُنجَز الأدبي قصة، رواية، شعراً ...وبالنسبة إلى القصَّة القصيرة فهي تشترط أنَّ تكون لغتها موجَزة ومُكثّفة، بما أنها تتطرّق إلى حدثٍ فردي وفريد والنبش داخل هذا الحدث.
مَن يقرأ قصصك يُدرك سريعاً أنك إبن بارّ لكبار المُبدعين في مجال السرد (نجيب محفوظ – يوسف إدريس - يحيى حقّي – يوسف الشاروني- إحسان عبد القدّوس.... ومَن جاء بعدهم مثل جمال الغيطاني – صنع الله إبراهيم –إبراهيم أصلان - يحيى الطاهر عبد الله....) هل اخترت "آباءك"؟ مَن كان أكثرهم تأثيراً في إبداعك؟
طبعاً؛ القراءة للكبار هي زاد المُبدع في رحلته الإبداعية وإلا لما برح مكانه قيد أنملة، لقد قرأت للأسماء التي ذكرت ما استطاع إليها جيبي سبيلا في سن المراهقة. ومازلت أعتبر نفسي تلميذاً وفيّاً لهم.
في أغلب قصصك تمزج بين البؤس والمرَح في التطرّق إلى تفاصيل حياة شخصيّاتك البسيطة والمُهمّشة؛ إنك تتحدّث عن المأساة بروحٍ فيها كثير من الملهاة. كيف استطعت أن توفّق بين المُتناقضين؟
كما يُقال الإنسان إبن بيئته ولأنني أنتمي إلى مدينة من مدن الهوامش، فطبيعي أن يكون أبطال قصصي من نفس البيئة، أما في ما يتعلّق بالمزج بين البؤس والمرح وأنا أكتب فهذا ربما راجع إلى طبيعة الشخوص بما أنهم هامشيون فالبؤس يكون أصلاً فيهم، ولكنهم يتوقون إلى الانعتاق من قبضته فإنهم يصيرون حالمين والأحلام بطبيعة الحال ليست دائماً كوابيس.
أدرجت وزارة التربية الفلسطينية إحدى قصصك في كتاب السنة الخامسة إبتدائي. كيف تقيّم هذا الحدث؟
إدراج وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لأحد نصوصي في أحد مُقرّراتها المدرسية – الصف الخامس إبتدائي- كان له تأثير جميل على نفسي، كان بمثابة هدية نزلت من السماء على طفلٍ يتيمٍ في يومِ عيد. بالمناسبة أحيّي هذه الوزارة على هذا العمل، وأتمنّى للشعب الفلسطيني البطل النصر المُظفّر وأتمنّى لمقاومته الباسِلة الصامِدة التوفيق في مسعاها، حتى تحرير فلسطين من المحتلّين وتطهيرها من رَجْسِ الصهاينة ومَن والاهم من عربٍ ومن عجمٍ.
ما مشروعك الإبداعي مستقبلاً؟ هل ستجنح إلى كتابة القصة القصيرة جداً، أو ستخوض غِمار السّرد الروائي؟
بهذا الخصوص أجيبك بما أجاب زكريا تامر محاوره :"القصة القصيرة هي بحق الغرفة الأنيقة التي تحتاج إلى ذوقٍ رفيعٍ وحساسية مُرهَفة لتأثيثها بعناية فائقة، وهي شكل من أشكال التعبير الأدبي القادِر على التطوّر والتجديد".
وعليه فأنا بدوري أرى أن القصة القصيرة هي الغرفة الأنسب والمكان المُلائم الذي يتحمّل ما أقوم به من حماقات. أمّا في ما يخصّ القصة القصيرة جداً فلي فيها عدّة نصوص، أما إذا كان سؤالك عن القصة القصيرة جداً التي تتم في سطرٍ وما يُصطلح عليها بالومضة، فأنا أعترف بعدم أهليّتي لهذا النوع من الكتابة، وأما في ما يتعلّق بالرواية فأتمنّى أن تطاوعني أناملي على كتابتها يوماً ما.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]