إنطباعية محدثة في معرض أسامة بعلبكي

الضجر والحزن لا تحتاج للكثير لتتبعها في أعمال معرض أسامة بعلبكي.

مشهد عام للمعرض

قدّم الفنان اللبناني أسامة بعلبكي مجموعة من أعماله التشكيلية، بعضها يُعرَض للمرة الأولى، في مروحة واسعة من المشاهد الطبيعية والواقعية في معرض في صالة صالح بركات البيروتية تحت عنوان "Against the Grain".

لوحاته مواقع وحالات ملتقطة في تجوال تائه لا يُحدّده اتجاه. على تنوِّعها، توحي ببرودة عاطفية، لم يكن ينقصها إلا طغيان الأزرق ليفاقمها برودة، تُلهم المُشاهد بالكثير من الضجر.

يبدو أنه ضجر الفنان الناجح في تعبيره عن ذاته، وأحاسيسه، المُتمثل في التقاطه لأي مشهد مهما كان نوعه، فيقوم بتحويله لوحة، يجتهد في إخراجها بأساليب فنية مختلفة، لكنه يشي بإشباع الذاكرة بالانطباعية الظاهرة في لوحاته، ومناخها العام، مُعتمداً تحديثات شكلية خاصة.  

تختلط على المشاهد هوية اللوحة، توحي بمشاهد كأنها مُستعارَة من المدن والأرياف الأوروبية التي تشاهد في انطباعيات أواخر القرن التاسع عشر، في مناخات فنية تذكر بنزعات الرومنطيقيين في الفن والشعر والأدب، حيث يميل الفنانون إلى الكآبة والحزن في تعابيرهم، وإلى التفلّت من صرامة القوانين، فيتناولون الموضوعات بحرية كاملة وانفلات من القيود.

الفارق في الأشكال هو هوية المشهد في لوحات بعلبكي، ويمكن القول إن بعلبكي قَونن المشهد اللبناني بالأوروبية الانطباعية في عددٍ لا بأس به من الأعمال.

وما يبعث على التشكّك بخلفيات بعلبكي الانطباعية استحضاره للمدرسة الانطباعية في الفن برسم بعض من رموزها، مثل مانيه وفان غوغ، كما رسم أدباء مثل بودلير وماياكوفسكي، ما يبعث على التساؤل عمّا يُفعم ذاكرته بأجواء العصور الأوروبية ما قبل الحداثة، وما تلقيه على مخيّلته من ضغط، وتأثير، رغم أن العديد من المشاهد هي من الحياة اليومية اللبنانية المُعاصرة، وأن من اللوحات ما يحمل طابعاً حديثاً، ومنها الخفيف العائد لما بعد الحداثة.

الضجر والحزن لا تحتاج للكثير لتتبعها في أعمال معرضه، فهي في المتناول منذ البداية في العناوين: “مقبرة السيارات"، لوحة داكِنة عن سيارات مُدمّرة، لا عجب أن تكون من مخلّفات الحروب، وبقاياها. و"نحو الهاوية" لوحة بالأسود والأبيض لبوسطة مُدمّرة مُتهالِكة، و"قفزة الموت" بالأسود والأبيض لكلب تكاد تدهسه سيارة، في طريق جبلية لبنانية، مشهد كثير التردّد في أي مكان.

في لوحة من اللوحات جبال ثلج لبنانية تظهر من مواقع مُطلّة على بيروت، وفي أخرى الروشة، فالبحر بأمواجٍ خافِقة، ورافِعات السماء (Sky Crane)، وزرقة قاتِمة، وسماء مكفهرّة، وغيوم مُتضارِبة، بمناخٍ فني عابِق، يبعث على الشؤم، كل منها بلوحة خاصة، وبمزاجية فردية متنوّعة المشارب، غير منضبطة في وجهة مُحدَّدة، ومُتعدّدة الأفكار والرؤى.

لوحة "The Witnessing Images" صالة منزل بيروتي مُفعَمة باللوحات الفنية، لا تبتعد مناخاته عن التضجّر الطاغي في المشاهد خارج المنزل حيث جسد مستلقٍ مخفي الرأس خلف باب "شوفينييرة" التجميل. مزيج مُتحرّر من الضوابط ينحو نحو فن ما بعد الحداثة.

"مشهد من العديّسة" قد يكون الوحيد المؤمل بفرح نسبي، يُعبِّر عن حب الفنان لمنشأه، والتزامه حقيقة انتمائه، فالمشهد انطباعي، بألوان مُشرقة مع سماء بيضاء الغيوم، مُتشتّتة، تُنبيء بانفراجٍ في السماء، مع أملٍ بشروقٍ قريب.

بعلبكي فنان لبناني مواليد بلدة العديّسة الجنوبية، تخرَّج من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية سنة 2002، وشارك في العديد من المعارض الجمعية في لبنان، والخارج، كأبو ظبي، ودبي، ولندن، وميامي، وميونيخ، ونيويورك، وواشنطن. محطات بات من الضروري عبورها في مفاهيم الفن المُعاصر لكي يحوز الفنان على جواز مرور إلى عالم الفن من زاويته الاستهلاكية.

على المستوى الفردي، أقام بعلبكي معرضاً بالأسود والأبيض سنة 2004 في دار الندوة في بيروت، ومعرض "مشاهد من العزلة" سنة 2007 في غاليري "سافانا"، و"طقوس العزلة" سنة 2011، و"دعاءات النور" سنة 2017 في غاليري أجيال، توأم غاليري صالح بركات المُستضيف لمعرض بعلبكي الحالي. يتواصل تضجّر بعلبكي، وملله، في مراحل مختلفة من أعماله، لاجئا للفن للاختباء خلف خطوط، وألوان تحجب الإيغال في الكآبة، فيُقيم لها معرضاً خاصاً عنونه "ظلال الكآبة" سنة 2014 في غاليري تانيت البيروتي، بالتعاون مع "أجيال".

حاز على الميدالية الفضية للوحته "لعبة الفرانكوفونية" سنة 2009. أعمال بعلبكي لا تلتزم فكرة ولا منهجاً محدّداً. تتنوّع مشاربه بمزاجية مُتحرّرة من الضوابط، مُتنقّلة بين مختلف عصور الفن، وأشكاله، مفتوحة الخيارات بكل اتجاه. استمر المعرض بين منتصف تموز، وأواخر آب 2018.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]

اخترنا لك