إطلالة على الدراما الإذاعية المصرية
"هنا القاهرة" التي قالها المذيع أحمد سالم (أول مذيع مصري) كانت من أولى الكلمات التي انطلقت عبر الإذاعة المصرية عام 1934.
بدأ البثّ الإذاعي في مصر في عشرينات القرن العشرين وكانت عبارة عن إذاعات أهلية، وبدأ بثّ الإذاعة الحكومية المصرية في 31 أيار/مايو 1934 بالاتفاق مع شركة ماركوني البريطانية، وكانت عبارة "هنا القاهرة"، الجملة الشهيرة التي قالها المذيع أحمد سالم (أول مذيع مصري) كانت من أولى الكلمات التي انطلقت عبر الإذاعة المصرية في افتتاحها عام 1934.
بدأت الدراما الإذاعية في مصر بداية مسرحية خالصة حيث شهدت دار الإذاعة في القاهرة حضور فرق مسرحية كاملة لتقديم العرض المسرحي على الهواء مباشرة. أدرك القائمون على أمر الإذاعة أن ميكروفون الإذاعة يختلف بصورة جوهرية عن خشبة المسرح، ومن ثم يجب أن تكون له أدواته الفنية الخاصة به.
فالممثل المسرحي يميل إلى الأداء المفخم والصوت الجهوري إضافة إلى عنصر الروائية التي توفّره خشبة المسرح وهو ما لا يتحقّق في الإذاعة. عندها بدأت مرحلة التجريب الدرامي في الإذاعة المصرية، حيث يصف كل ما يجب أن يراه من تفاصيل المشهد المسرحي (الديكور- الملابس وحركة الممثلين- إلخ) فنشأت فكرة تكوين فرقة تمثيل خاصة بالإذاعة (هواة التمثيل بالإذاعة) وذلك على يد محمّد عزيز رفعت الذي كان ملتحقاً حديثاً بالإذاعة المصرية كرئيس لقسم الأحاديث والمسرحيات.
كان رفعت لُغوياً ومُترجماً متميّزاً له علاقات طيّبة بغيره من المُترجمين ومن بينهم محمّد حمدي ناظر مدرسة التجارة العُليا (كلية التجارة) الذي أطلعه على ترجمة مسرحية يوليوس قيصر لوليام شكسبير، فنالت الترجمة إعجابه وسارع بإخراجها مُعتمداً على أصوات المذيعين الذين قاموا بأصوات الشخصيات ما شجّع الإذاعة على توسيع دائرة التجريب.
هكذا انضمّت إلى المسيرة شخصيات فنية متميّزة مثل أحمد كامل مرسي الناقد المسرحي والمخرج السينمائي صاحب قاموس (المُصطلحات السينمائية)، وسامي داود. كما استعانت فرقة هواة التمثيل بالإذاعة بعدد من خرّيجى قسم الأدب الإنكليزي في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) بهدف ترجمة المسرحيات العالمية والمشاركة في التمثيل أيضاً، ومن هؤلاء أمينة السعيد ومصطفى طه وسلامة حماد ورشاد رشدي وحسن المنفلوطي ووجيه قطب وإبراهيم خليفة وتماضر توفيق، الأمر الذي أسهم في الإسراع بوتيرة العمل وتقديم عدد من روائع الدراما المسرحية.
واتّسمت المرحلة الأولى من تاريخ الدراما الإذاعية بالإعتماد على الأعمال المُترجمة وحدها وتشخيص المقوّمات الفنية للعمل من خلال الراوية الذي يصف سمات شخصيات العمل ويختصر الأزمنة ويلخّص بعض الأحداث ويعلّق على بعضها، ما أدّى ذلك إلى الدخول في مرحلة أخرى تسعى إلى التأليف الإذاعي الخالص واستبعاد دور الرواية واستخدام المؤثّرات الصوتية وبعض فنيات الإخراج.
ثم بدت حاجة الجمهور المصري إلى تلقّي أعمال درامية تعبّر عنه، وهذا ما لم يغب عن إدارة الإذاعة المصرية فعملت على استقدام كتّاب المسرح والسينما وتدريبهم على الكتابة بالإذاعة. وكان من أبرز الكتّاب يوسف جوهر والسيّد بدير وأنور وجدي ثم لحق بهم عثمان أباظة وفتحي أبو الفضل وغيرهما.
نجحت فرقة هواة التمثيل في الإذاعة وأصبحت الدراما الإذاعية ملمحاً رئيسياً على خريطة البرامج ولما كان رئيس الفرقة محمّد عزيز رفعت هو المخرج الوحيد لكل الأعمال الدرامية، بات من الضرورة الإستعانة بعناصر بشرية جديدة تمتلك الموهبة الفنية والتدريب المُلائم والقدرة على تطوير الإخراج الإذاعي.
من هنا تبدّت موهبة السيّد بدير بحسّه الساخِر ومسيرته الفنيه وقدرته الفائقة على استخدام المؤثّرات الفنية في توقيتاتها السليمة، بالإضافة إلى موهبته في التأليف والتمثيل فعُيّن مخرجاً بالإذاعة.
كانت الدراما الإذاعية في بداية عهدها تقدّم على الهواء مباشرةً ولم تكن الإمكانات الفنية وقتها تسمح بتسجيل هذه الروائع ما أدّى إلى ضياعها، ثم صعوبة تنفيذ الدراما الإذاعية، حيث يمكن للعمل أن يفسد نتيجة خطأ بسيط وإبعاد المستمع عن حال المسرح الذهني.
توفّى السيد بدير في العام 1986 بعد أن قدّم للإذاعة مسلسلات الأبالسة (والقيثارة الحزينة التي شارك في التمثيل بحلقاته الشاعر الكبير نزار قباني) وزواج بالإكراه وأوبريت العشرة الطيبة وعدد كبير من كنوز التراث الإذاعي.
أسهمت الدراما الإذاعية في تنشيط حركة المسرح المصري وأيضاً إلى مشاهدة المسرحيات التي نقلت إليهم عبر الأثير فازداد الإقبال على مسرحيات أحمد شوقي جنباً إلى جنب مع كشكش بيه لنجيب الريحاني.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]