أسعد بلد في العالم.. هل هو كما نظن!؟
لا ينبغي لزائر فنلندا أن يتوقّع الترحيب بضحكات أو عبارات يملؤها المرح عند وصوله إلى مطار هلسنكي، أو حال نزوله من إحدى عبّارات البلطيق في ميناء العاصمة، إذ إنها دولة واقعية وعملية ولا تحبّ التعقيد".
-
أسعد بلد في العالم.. هل هو كما نظن!؟
أورد تقرير السعادة العالمي لعام 2025، الصادر الشهر الماضي، أنّ فنلندا هي أسعد دولة في العالم، تليها الدنمارك وأيسلندا والسويد بفارقٍ ضئيل.
ويميل الفنلنديون إلى التفاعل مع لقب "الأسعد في العالم"، الذي منحهم إياه تقرير السعادة العالمي الصادر من الأمم المتحدة في آذار/مارس 2025، للعام الثامن على التوالي، بنوع من الفتور المصحوب بالدهشة.
وعلى الرغم من ذلك، تحتفل شركات السياحة الفنلندية بتنامي اهتمام الزائرين، الذين باتوا يربطون بين فنلندا ومفهوم السعادة، أملاً في خوض تجربة تلك "السعادة الفنلندية" بأنفسهم.
وعلاوة على ذلك، تشير bbc إلى أنه "لا ينبغي للزائر أن يتوقّع الترحيب بضحكات أو عبارات يملؤها المرح عند وصوله إلى مطار هلسنكي، أو حال نزوله من إحدى عبّارات البلطيق في ميناء العاصمة، إذ إنّ فنلندا دولة واقعية وعملية ولا تحبّ التعقيد".
النظام السياسي المعولم
لم يكن هذا الخبر مفاجئاً. فالتقرير، الذي يصدره سنوياً منذ عام 2012 ائتلاف من جهات تشمل جائزة "غالوب"، غالباً ما يضع هذه الدول الاسكندنافية الأربع - وجميعها ديمقراطيات مستقرة ذات مواطنين مزدهرين وأصحاء - في صدارة القائمة أو قريبة منها. وفي أسفل القائمة (من بين 147 دولة شملها التقييم) جاءت أفغانستان، ثم سيراليون ولبنان وملاوي.
تعزّز هذه التصنيفات فرضية رئيسية في نظامنا السياسي والاقتصادي المعولم: الدول الفقيرة تعيسة لأنها فقيرة، والثروة شرط أساسي لازدهار الفرد والمجتمع.
يشجّع صندوق النقد الدولي التجارة والنمو الاقتصادي على أساس أن السعادة تزداد مع الرخاء المادي. ويتحدّث مفكّرون سياسيون مثل فرانسيس فوكوياما وستيفن بينكر عن رغبتهم في مساعدة الدول الفقيرة والمضطربة لـ "الوصول إلى الدنمارك".
أسباب للشكّ!
لكنّ هناك أسباباً للشكّ في أنّ تصنيفات تقرير السعادة العالمي - ونموذج التنمية الدولية الذي غالباً ما تُتخذ لتبريره - لا تُجسّد مفهوم الرفاهية بكامله.
يُطرح على المشاركين سؤال واحد: "تخيّل سلّماً من 11 درجة، أعلاها وأسفلها تُمثّلان أفضل وأسوأ حياة ممكنة، ووضع حياتهم على إحدى هذه الدرجات".
My Miserable Week in the ‘Happiest Country on Earth’ https://t.co/veJSco0PGR pic.twitter.com/cqjYaSdTOv
— Jeffrey A Tucker (@jeffreyatucker) May 2, 2025
قد يكون هذا المقياس، المعروف باسم تقييم الحياة، معلومة مفيدة، لكن السعادة، بلا شك، ظاهرة أكثر تعقيداً. قد تكون مريضاً لكنك لا تزال تشعر بأن الحياة ذات معنى، أو قد تكون غير مستقر مالياً لكنك لا تزال تتمتع بعلاقات وثيقة مع أفراد عائلتك وأصدقائك.
هناك أيضاً أدلة على أنه عندما يُقدّم الناس تقييمهم لحياتهم، فإن صياغة السؤال قد تدفعهم إلى التركيز على الثروة والمكانة الاجتماعية على حساب جوانب أخرى من الرفاهية.
وهذا يُنذر بتفاقم الوضع: فإذا كان تقييم الحياة، في الواقع، طريقة أخرى لقياس الرخاء الاقتصادي، فليس من المُستغرب ولا الملفت أن ترتبط تصنيفات تقرير السعادة العالمي ارتباطاً وثيقاً بالناتج المحلي الإجمالي.
عشرات الأوراق الأكاديمية
وتنشر مجموعة كبيرة من الأبحاث - عشرات الأوراق الأكاديمية، بما في ذلك لمحة عامة رفيعة المستوى عن النتائج في مجلة Nature Mental Health - استناداً إلى السنة الأولى من بيانات دراستنا "الازدهار العالمي"، وهو مشروع مدته 5 سنوات يطرح أكثر من 100 سؤال على أكثر من 200,000 شخص في 22 دولة في ست قارات.
بدمج إجابات عن أسئلة حول عدة مجالات للرفاهية - الصحة، والسعادة، والمعنى، والشخصية، والعلاقات الاجتماعية، والرخاء المادي - حسبنا درجة ازدهار مركّبة لكل دولة.
Finland has been named the world’s happiest country, while Britain is the 2nd unhappiest. Let’s look at the differences.
— BladeoftheSun (@BladeoftheS) March 20, 2024
Excellent Healthcare, low privatisation, low sewage dumping, rising life expectancy, profit free education, good wages and pensions..
It all makes sense. pic.twitter.com/XMpLg7kQnb
تغيّر صورة الواقع
وبحسب، تقرير "السعادة العالمي"، "تُقدّم نتائجنا صورة مختلفة للرفاهية العالمية. وكما هو متوقّع، حقّقت السويد، على سبيل المثال، درجات عالية في تقييم الحياة، ولكن عندما توسّعنا في نطاق التباين، تغيّرت الصورة: احتلت السويد المرتبة الـ13 فقط من حيث أعلى درجة ازدهار مركّبة، متعادلة تقريباً مع الولايات المتحدة، وأقل بكثير من إندونيسيا والفلبين وحتى نيجيريا، التي بلغ نصيب الفرد من ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2023 أقل بقليل من 2% من نظيره في أميركا".
The difference between the happiest country and one of the least happy countries in the world.
— Dutchy Patrick (@DutchyPatrick) March 31, 2025
And I don't think I need to tell you which one is America…. pic.twitter.com/gzJYyFm5BM
في العيّنة الكاملة المكوّنة من 22 دولة، انخفض إجمالي الازدهار الوطني المركّب بشكلٍ طفيف مع ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي..
وأفادت معظم الدول المتقدّمة التي شملتها الدراسة بانخفاض المعنى، وتراجع العلاقات والمجتمعات المُرضية، وتراجع المشاعر الإيجابية مقارنةً بنظيراتها الأفقر.
اقرأ أيضاً: من هو "أسعد بلد في العالم"؟!
قد لا تكون معظم الدول التي أفادت بارتفاع مستوى الازدهار المركّب العامّ غنية اقتصادياً، لكنها غالباً ما كانت غنية بالصداقات والزواج والمشاركة المجتمعيّة - وخاصةً المشاركة في المجتمعات الدينية.