"الزمبو" الميناوي يجمع تراثاً يسبق أعياد الربيع
الميناويين، يتميّزون باحتفالية خاصة توديعاً لزمن ما قبل الصوم، جمعوا فيه تراث عدد من شعوب العالم، منها البرازيل، والأميركان الأصليون، والأفارقة، ودمجوها مع تقليدهم الخاص وأطلقوا عليه عبارة احتفالية هي "الزمبو".
-
بألوان الكرنفال البرازيلي: "الزمبو" الميناوي: يجمع تراثاً يسبق أعياد الربيع
نفّذ "الميناويون" أي أهل مدينة الميناء في طرابلس اللبنانية أمس الأحد مناسبتهم السنوية الخاصة، والحصريّة، المعروفة باسم "الزمبو"، إيذاناً بدخولهم موسم الصوم الكبير الذي يسبق عيد الفصح بـ 50 يوماً، والذي يبدأ منتصف ليل الأحد- الاثنين.
الصوم المسيحي الشرقي الذي يعتمده الروم الأرثوذكس، والمسيحيون الشرقيون الآخرون، يقتضي الانقطاع عن الطعام من منتصف الليل، وحتى منتصف النهار، ويقتصر تناول الناس فيه على المأكولات النباتية، ممتنعين عن كافة المشتقات الحيوانية، من حيث المبدأ، ومع مرور الوقت، ونظراً لقساوة الصوم، وطول مدته، جرت تعديلات طفيفة على الأطعمة المسموح بها.
قبل البدء بالصوم لدى مختلف الطوائف والأديان، يقوم الناس بما يشبه وداع الأيام العادية، فيقوم بعض المسلمين بما يعرف ب"السيران"، فيتوجهون إلى الحقول، ويقضون يوماً من الترفيه والمتعة قبل الانخراط بالقواعد الرمضانية.
ويدخل المسيحيون بما يُعرف بـ"المرفع"، أسبوع يسبق الصوم، يصنعون فيه الكعك المعروف بـ"المرقّد" لأنه مجبول بالسّمنة الحيوانية، والمعمول، وهي أقراص حلوى محشوّة بالجوز واللوز والفستق الحلبي، ومغمورة بالسكر المطحون، ويمضون أسبوع "المرفع" بالماكولات الدسمة، من لحوم وحلويات، قبل بدء الصوم.
لكنّ الميناويين، يتميّزون باحتفالية خاصة توديعاً لزمن ما قبل الصوم، جمعوا فيه تراث عدد من شعوب العالم، منها البرازيل، والأميركان الأصليون، والأفارقة، ودمجوها مع تقليدهم الخاص وأطلقوا عليه عبارة احتفالية هي "الزمبو"، لا معنى لغوياً لها.
جاء المغتربون الميناويون أوائل القرن العشرين بتراث الشعوب، حيث هاجروا، فمنهم من جاء بالكرنفال البرازيلي الذي يعتمده البرازيليون أسبوعاً شبيهاً بـ"المرفع" الشرقي. هو أسبوع انفلات من القيود، وممارسة الفرح، والمأكولات والرقص، قبل بدء الصوم.
-
من احتفال العام الماضي (الشرق الأوسط)
الفارق بين الكرنفال البرازيلي، والمرفع الشرقي أن البرازيليين يتبعون التقويم الكاثوليكي، فيعتمدون احتساب الفصح على طريقة التقويم الغربي، ويفترض أن يكونوا قد أقاموه منذ خمسة أسابيع، قبل بدء صومهم، ذلك أن الفارق بين الفصحين الشرقي والغربي هو 5 أسابيع لهذا العام، ويعود ذلك لطريقة احتساب الفصح الُمعقّدة.
مع العلم أن احتساب الفصح يختلف بين سنة وأخرى، فيقترب الفصحان، الشرقي والغربي أحياناً، ويندمجان في التاريخ عينه، وأحياناً ينفصلان لأسبوع أو اثنين أو ثلاثة، بناء على اكتمال البدر الذي ترتكز عليه عملية الاحتساب.
احتفالية "الزمبو"
تبدأ احتفالية "الزمبو" الميناوية عند الصباح الباكر، ويشارك فيها مختلف أطياف المدينة نظراً لما تحدثه من بهجة وفرح، ويشرعون بطلاء أجسادهم ووجوههم بمختلف الألوان، فالألوان الزاهية مستمدة من الكرنفال البرازيلي، والثياب المزركشة المصنوعة من قصاصات قماش وكرتون وورق مستمدة من التراثين الأميركي- الأصلي، والأفريقي، وكذلك السيوف والرماح، والأهازيج، والرقصات التي تؤدى.
عند التاسعة صباحاً، تكون الجموع قد أنهت تحضيراتها اللوجستية، فينطلقون من أحد الأحياء القديمة ذات الممرات الضيقة، يجوبون الشوارع الداخلية، وينضم إليهم راغبون جدد، بينما يقف من لم يشارك على الشرفات والسطوح يتفرج على المناسبة التي لن تتكرر إلا بعد عام تقريباً.
أغانٍِ ممزوجة، ورقصات، وألوان زاهية على أجساد سوداء، وحركات سيوف ورماح، تستمر لساعات، يتجه المحتفون بها بنهايتها نحو البحر، صديق الميناويين وشريكهم في حياتهم اليومية الدائمة، فيغطسون فيه لإزالة الأدهان والأصباغ عن اجسادهم، ليتلوّن البحر بها حتى اليوم التالي حيث يكزنون قد بدأوا بالصوم.
اختبر الميناويون تراث شعوب العالم المختلفة إن بمعايشتها في مهاجرهم، أم بثقافتهم الغنية التي يُعرفون بها، أم عبر السينما التي عكست هذه التقاليد، وحضروها في دور السينما المنتشرة في أحيائهم، فاستمدوا منها الأشكال الخارجية، والرقصات، والأغاني، وظلّوا يمارسون "الزمبو" سنوياً دون انقطاع، حتى في أحلك الظروف.
يذكر أن "الزمبو" مناسبة شعبية لا تمت للتقليد الديني بأية صلة، لكنها تتصل بالمناسبات الدينية، وتقتصر على مدينة الميناء، دون سواها من أي موقع آخر.