ورشة كعك العيد.. غزة تجترح الفرح رغم قسوة العدوان
المشروع يعتبر مساهمة في تشغيل ربات البيوت ومساعدتهن على توفير مصدر رزق لعائلاتهن، ولو لبضعة أيام وسط انتشار البطالة والفقر المدقع،كما يعد فسحة أمل وتحدٍ في ظل الظروف.
-
نساء فلسطينيات متطوّعات في مبادرة خيرية لإعداد الكعك التقليدي في رفح (أ ف ب)
تعدّ ورشة إعداد الكعك أحد المظاهر المحدودة لاستعداد النازحين في غزة لاستقبال العيد، وذلك في ظل حالة الحرب والنزوح التي يعانيها أبناء القطاع منذ 7 أكتوبر الماضي، بينما تغيب الاحتفالات التقليدية التي اعتادها الفلسطينيون في مثل هذه الأوقات، بعدما أجبرهم "الجيش" الإسرائيلي على الرحيل عن منازلهم وأماكن سكنهم التي تعرّضت لتدمير هائل.
وقال صالح الأسطل رئيس جمعية "الفجر الشبابي" المشرفة على مشروع ورشة الكعك، إن 15 امرأة مع مشرفتين يشاركن في مشروع تصنيع الكعك الذي تستضيفه استراحة بحرية بمواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، ويعملن منذ عدة أيام على إنتاج كميات كبيرة توزّع بانتظام على آلاف العائلات في مناطق النزوح برفح ومواصي خان يونس ودير البلح.
وأوضح رئيس الجمعية العاملة في إغاثة النازحين أن فكرة المشروع جاءت بعد مطالبات متكررة بضرورة توزيع الكعك قبل العيد لارتفاع أسعار مكوّناته وعدم قدرة العائلات على توفير مستلزمات خبزه.
تأمين مصدر رزق
وذكر الأسطل أن "البعض أبدى استغراباً لفكرة توزيع الحلوى في ظل الأوضاع المأسَوية التي تعيشها العائلات الفلسطينية على صعيد النزوح وفقدان أحبتها وتدمير منازلها وممتلكاتها"، لكنه يعتقد أنه مع امتداد الحرب لفترة طويلة "لا يمكن الاستمرار في الاستسلام للحزن والأسى، ما يستدعي العودة إلى مظاهر الحياة العادية كشكلٍ من أشكال تحدّي الواقع".
وها هنّ نساء غزه الصامدات الثابتات في ارضهم ولادات الرجال يصنعن الكعك احتفالاً وابتهاجاً بقدوم العيد لا يضرهم من خذلهم ولا ما تدمّر في غزه ولا من استشهد يعلمون ان اقربائهم احياء عن ربهم يرزقون وهم يعيشون حلو الحياة ومرها بعزة وكرامه وشرف واستبشاراً بفتح من الله ونصرٌ قريب ان شاء… pic.twitter.com/0zgBwe99Le
— Rula Alqawasmi (@Alqawasmi_Rula) April 8, 2024
وأشار إلى مساهمة المشروع في تشغيل ربات البيوت ومساعدتهن على توفير مصدر رزق لعائلاتهن، ولو لبضعة أيام وسط انتشار البطالة والفقر المدقع، موضحاً أن الجمعية التي يرأسها، تحاول التنويع في أنشطة العمل الإغاثي وهي بصدد تنفيذ مشاريع مماثلة خلال فترة العيد، وتعتزم بعد انتهائها التركيز على إدخال الفرحة على العائلات النازحة بوسائل مختلفة.
"صناعة الأمل"
وتمزج النازحة الفلسطينية مجدية ضاهر، الدقيق والسميد وبعض المطيبات والبهارات قبل أن تضيف السمن النباتي ومكونات أخرى لتنهمك في إعداد عجينة الكعك، تعاونها في المهمة أخريات على أمل نشر البهجة بمناسبة قرب حلول عيد الفطر في تحدٍ لظروف الحرب والنزوح.
وتتجه مجدية، التي نزحت من وسط خان يونس إلى المواصي جنوب قطاع غزة منذ مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، إلى طاولتين رئيسيتين تلتف حولهما أكثر من امرأة تتوزّع مهامهن بين تقطيع العجين إلى كرات صغيرة ووضع معجون التمر داخلها، ثم لفها على شكل حلقات، ووضعها في أوان لخبزها.
-
نساء فلسطينيات متطوعات في مبادرة خيرية لإعداد الكعك التقليدي في رفح (أ ف ب)
وتشارك مجدية (54 عاماً) الأم لـ 12 ابناً وابنة، في مشروع تشرف عليه مؤسسة أهلية لتصنيع الكعك وتوزيعه على الأسر النازحة بمناسبة عيد الفطر الذي يحل الأربعاء.
وتعتبر مجدية، التي تملك خبرة في التصنيع الغذائي حصلت عليها من خلال مشروع بمنزلها قبل الحرب، أنها تشارك في صناعة الأمل للعائلات النازحة عبر إعداد الكعك قبل العيد، لإدراكها أن مجرد التفكير بهذه الطريقة يوفر متنفساً بعيداً عن جحيم الحرب والنزوح عبر إحياء الطقوس النابضة بالحياة في خضم مشاعر اليأس والإحباط والإحساس بأن الموت قريب، على حد قولها.
ورغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها مجدية من جراء نزوحها في خيمة مع عائلتها وأحفادها، فإنها تبدي سعادة كبيرة، وهي تتابع عملها عن كثب، وتشرف على العاملات اللاتي يشاركنها المشاعر المتضاربة نفسها بين السعادة والحزن واليأس والأمل.
مشاركة وخروج من الحالة النفسية
تتحدث مجدية عن دهشتها حين تم التواصل معها للإشراف على ورشة تصنيع الكعك كون ذلك يتناقض مع واقع الدماء والقصف والموت الذي يحيط بالفلسطينيين من كل جانب، لكنها وجدت أن تفكير المؤسسات الإغاثية خارج نطاق المشاريع التقليدية والحرص على إحياء بعض الطقوس المميزة لعيد الفطر، وسيلة ناجعة يمكن أن تساهم في إخراجهم من الحالة النفسية السيئة التي يمرون بها ولو لوقت قليل.
على مقربة، تجتهد سماح (30 عاماً) في خبز الكعك، بينما تنشغل أخريات بتعبئته في علب بلاستيكية متوسطة الحجم لتجهيزه للتوزيع في وقت لاحق.
سماح النازحة من بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى المواصي مع طفليها اللذين لا يتجاوز عمر أكبرهما 6 سنوات، ويصغره الثاني بـ3 أعوام، لا تعبأ كثيراً بلهب الفرن الذي يزيد حرارة وجهها ويديها والمكان بأكمله في نهار رمضاني، فهي تعتبر نفسها في مهمة إنسانية، لكسر حدة الحرب والحزن وإدخال الفرح إلى نفوس النازحين المعذّبين، وفق تعبيرها.
مجموعة من #النساء يصنعن الكعك تحضيراً لعيد الفطر داخل خيمة في #دير_البلح وسط قطاع غزة.#Gaza #فلسطين #هلال_شوال #Ramadan #عيد_الفطر #باسكال_سليمان #NiagaraFalls #คัลแลนพี่จอง #хтивийпонеділок pic.twitter.com/KyyqxrUM04
— Aamina3398 (@AAmin3398) April 9, 2024
وإلى جانب حرص سماح على الحضور مبكراً والاستمرار بعملها طوال النهار لتساهم بخبز أكبر كمية ممكنة من الكعك، حتى تحصل عليه عائلات أكثر، فإنها تعبّر عن ارتياحها لإمكانية الاستفادة المادية من أجر يومي تتقاضاه مقابل عملها يساعدها على تلبية احتياجات طفليها.
وتعلم الأم الشابة جيداً بأوجاع غيرها من النازحين الذين يعيشون في خيام وأماكن تفتقر لمقومات الحياة الآدمية ما يجعلها تدرك القيمة المعنوية الكبيرة لتقديم علبة من الكعك لأسرة نازحة قبيل العيد.
وقالت سماح: "نحن بأمس الحاجة لأي نشاط يعيد للنازحين أملهم بإمكانية العودة إلى الحياة، ولو بشكل مؤقت وعبر هدية رمزية كالكعك (...) لذلك الكل مدعو للمساهمة بكسر جمود الفترة الحالية قبيل وخلال عيد الفطر عبر فعاليات ترفيهية ورياضية وتوزيع الهدايا ونحوها".
وتخلو غزة، المنهك أهلها بعد 6 أشهر من الحرب التي تشنها "إسرائيل"، من أي مظاهر للاحتفال أو ربما السعادة، بعد أن استُشهد أكثر من 33 ألفاً من أبنائها، وأصيب ما يزيد على 75 ألفاً في 182 يوماً من القتال.