قاسم - جاسم

أأغَرَّكِ يا أسماءُ ما ظَنَّ قاسِمُ؟
أقيمي وراءَ الخِدْرِ  فالمَرءُ واهِمُ
تَضيقينَ ذَرعاً بالحِجابِ وما بهِ
سِوى ما جَنَتْ تلكَ الرُؤى والمَزاعِمُ
سلامٌ على الأخلاقِ في الشرقِ كلّهِ
إذا ما استُبيحتْ في الخُدورِ الكرائمُ


قائل هذه الأبيات هو الشاعر المصري أحمد مُحَرَّم (1877 - 1945) من قصيدة يردّ فيها على المصلح الاجتماعي المصري قاسم أمين (1863 - 1908)، الذي عارض حجاب المرأة ودعا إلى السفور وتعليم النساء وخروجهن من   أسر البيت والسماح لهن بالعمل الخ...

ولذلك يدعو هذا الشاعر المحافظ المرأة التي يُكني عنها باسم أسماء، إلى الاحتفاظ بالحجاب وعدم الاستماع إلى ما دعا إليه قاسم أمين من تحرير المرأة من كثير من القيود، ومنها إلزامها بالحجاب وبقائها في البيت.


على أنّ ما يعنينا هنا هو اسم العلم قاسم. وهو اسم قديم يستمدّ مكانته عند المسلمين من كونه اسم أول أبناء النبي الذي تُوفّي صغيراً، وبه يُكنى النبي بأبي القاسم.

والقاسم أيضاً هو اسم أحد أبناء الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب، الذي استُشهد بين يديّ عمّه الإمام الحسين في موقعة كربلاء، وكان القاسم غُلاماً لم يتجاوز الحلم بعد، وله مكانة كبيرة في المراثي التي تقال في ذكرى عاشوراء.

واشتقاق اسم قاسم من القِسمة. وهو اسم الفاعل من قولهم: قسمَ الشيء يَقسِمُهُ قسْماً، إذا جَزّأه، فهو قاسمٌ، وبه يُسمّى المولود الذكر بقاسم.

والقسّام مُبالغة القاسم. وقاسَمَه الشيءَ، مُقاسمةً، إذا شاركه فيه مُناصفة. والمقاسمة تجوز في كل شيء، كأن أقاسمكَ الرأيَ في مسألة ما. وكما يطلب الشاعر أبو فِراس الحمداني (932 - 968) من الحمامة حين سمع هَديلها وهو في سجن الروم فقال:


أقولُ وقد ناحتْ بِقُربي حَمامةٌ
أيا جارتا هل باتَ حالُكِ حالي
أيا جارتا ما أنصفَ الدهرُ بَينَنا
تعالَيْ أقاسِمْكِ الهمومُ تعالي
أيضحكُ مأسورٌ وتبكي طليقةٌ
ويَسكتُ مَحزونٌ ويَندُبُ سالي؟

وكثيراً ما يقع الالتباسُ بين هذا الاسم قاسم واسم جاسم، فيظنّ البعض أنهما اسم واحد والاختلاف في اللهجة من حيث النطق بالقاف كالجيم فيقال جاسم. وليس هذا. فإن اسم جاسم مشتقٌ من الجسامة والجسم وهو كل شيء مُدرَك كجسم الإنسان مثلاً. وقد جَسُم الشيءُ أو الشخصُ، يَجسُمُ، جسامة. أي عَظُمَ، فهو جسيم، أي عظيم. والجاسم بمعنى الجسيم، فاعلٌ بمعنى فَعيل.

وجاسم اسم للرجل قديم. واسم موضع بالشام هو مسقط رأس الشاعر أبي تَمّام (788 - 841)، في حوران. وإليه يشير الشاعر عَديّ بن الرِقاع العاملي (ت714) في هذه الأبيات الغزلية:


لولا الحياءُ وأنّ رأسي قد عثا 
فيهِ المَشيبُ لَزُرتُ أُمَّ القاسِمِ
وكأنّها وسطَ النساءِ أعارَها
عَينَيهِ أحوَرُ من جَآذِرِ جاسمِ

ويبدو أن هذا المكان كان مشهوراً بجآذُرِه، أي ظبائه، لكثرة ما أشار إليها الشعراء. من هؤلاء الشريف الرضِيّ (970 - 1016) حيث يقول داعياً لِرُبى جاسِم أن يصيبها مطر غزير:

أيا ظَبيَةَ في رُبى جاسِمِ
سُقيتِ حَيا واكِفٍ ساجِمِ
طَلَعتِ لنا من خلالِ الهِضابِ 
فَبُحتِ بِسِرِّ امرئٍ كاتِمِ
وقد ضَمّنا مَوقِفٌ للوِداعِ
خلا لِلمُحِبّينٍ مِن زاحِمِ