نهى - منتهى - ناهي - ناهية
متشابهان في الشكل لكنهما يختلفان في المعنى.. ما الفرق بين نهى ومنتهى؟
الشَيبُ نَبّهَ ذا النُهى فتَنبّها
ونَهى الجَهولَ فما استفاقَ ولا انْتَهى
فَإلى مَتى ألْهو وأفرحُ بِالمُنى
والشَيخُ أقبَحُ ما يكونُ إذا لَها
ما حُسْنُهُ إلا التُقى لا أن يُرَى
صَبّاً بِألحاظِ الجآذِرِ والمَها
هذه الأبيات للشاعر الاندلُسي أبي إسحق الألبيري(ت 1067) وكان أكثر شِعره في الحِكم والمواعظ. والحكمة في هذه الأبيات أن الشيب يَنهى ذا النُهى، أي الرجلَ العاقل، عن اللهو والولع بالنساء الجميلات اللواتي كنى عنهنّ بالجآذر، أي الظِباء، والمَها، أي البقرة الوحشية التي تُشبّه بها المرأة في حُسن العينين.
أما الشيخ الجاهل غير العاقل فلا يتعظ بالشيب ويبقى على طيش الشباب. هذا من حيث الموعظة. أما بيت القصيد الذي يعنينا هنا فهو أن معنى النُهى هو العقل ومنه اشتق اسم العلم المؤنث نُهى.
والنُهى جَمعٌ مُفردُه نُهْيَة ومعناها العقل، ولكن غلب استعمال النُهى بمعنى العقل على النُهية.
وسُمّيَ العقلُ نُهى لأنه يَنهَى عن كل ما هو قبيح وكل ما يُنافي العقل؛ يَنهى عن الجهل ويدعو إلى الحكمة، كما في قول أحد بني أُمَيّة، أبي عُدَي عبد الله بن عُمير، مشيراً إلى ما وقع من خلاف وتفرُّق بينهم مما يهدّد مُلكَهم:
لَهفي على حربِ العشيرةِ بَينَها
هَلّا نَهى جُهّالَها حُكَماؤها
هَلّا نُهَىً تَنْهى الغَـوِيَّ عنِ التي
يُخشَى على سُلطانِها غَوْغاؤها
شَرَكوا العِدى في أمرِهِمْ فتَفاقَمتْ
مِنها الفُتونُ ومُزّقتْ أهواؤها
والنُهى من النَهْي وهو المنع. وقد نَهاه عن كذا، يَنهاه،نَهياً، إذا منعه عنه بالقول أو الفعل. ونهى الله عن الأمر: حرّمه.
وإذا كان بعض الشعراء ينهون مَن بان الشيبُ في مفرقه عن الصَبابة والهوى، فإن الشاعر إيليا أبو ماضي (1889 - 1957) يخالفهم الرأي من واقع تجربته الخاصة فيقول:
كانَ يَنهى عنِ الهوَى نَفسَهُ الظَمأى
فَأمسَى يَلومُ مَن يَنهاها
لَمَسَ الحُبُّ قَلبَهُ فَهْوَ نارٌ
تَتَلَظّى ويَستَلِذُّ لَظاها
كُلُّ نَفسٍ لم يُشرِقِ الحُبُّ فيها
هِيَ نَفسٌ لم تَدرِ ما معناها
والناهي هو مَن يَنهى عن الشيء بقول أو فِعل، ومنه أُخِذ اسم العلم المذكّر ناهي. وهو اسم الفاعل من نهَى. وقد نهاه عن الشيء، فهو ناهٍ، والآخر مَنْهِيٌّ، والشيءُ مَنْهِيٌّ عنه.
وناهِيَة اسم علم، مؤنث ناهي. يقال: فُلان ما تنهاه عنّا نهاية، أي ما تكفّه كافّة، أو ما يَمنعه مانع. وفُلان ما له ناهِيَة، أي ما له عقل يَنهاه عن القبيح، أو عن كذا من الأمر. قال عمر بن أبي ربيعة (644 - 712):
قد قلتُ إذ لم تكنْ لِلقلبِ ناهِيَةٌ
عنها تُسَلّي ولا لِلقلبِ مُزدَجَرُ
يا لَيتَني مُتُّ إذ لم ألْقَ مِن كَلَفي
مُفَرِّحاً وشَآني نَحوَها النَظرُ
والأصل في معنى النُهى والنَهي ومشتقاته هو الغاية. ومنه قولهم: أنهيتُ إليه الخبرَ،أي بَلّغته إيّاه. وانتهى إليّ الخبرُ، وتناهى، أي بَلَغني. وتَناهى القومُ: نَهى بعضُهم بعضاً. ونهيتُه عن الأمر فانتهى. فتلك غاية ما كان من ذلك الأمر وآخره.
وقولهم: "هذا رجلٌ ناهيك من رجل" أي أنه بِجِدّه وغنائه ينهاك عن تَطَلُّب غيره.
ومُنتهى اسم علم مؤنث. ومُنتهى كل شيءِ غايتُه وآخرُه، وأقصى ما يُمكن أن يبلغه. من ذلك: مُنتهى الشوق، ومُنتهى الحُبّ، ومُنتهى المُنى، كما في قول جبران خليل جبران (1883 - 1931):
فَيا مُنتهى حُبّي إلى مُنتهى المُنى
ونِعمةَ فِكري فَوقَ شَقوةِ إحساسي
دَعوتُكَ أستشفي إليك فَوافِني
على غيرِ عِلمٍ منكَ إنّكَ لي آسي