الشرع إلى الكلام المباح: الحلّ بتسوية تاريخية

نائب الرئيس السوري فاروق الشرع يخرج عن صمت لازمه منذ شهر تموز/يوليو 2011 متحدّثاً في لقاء هام مع الزميل إبراهيم الأمين، على متن صفحات جريدة "الأخبار" اللبنانية عن الأزمة السورية وتشعّباتها الإقليمية والدولية وتداعياتها ... وتصوّره للحلّ.

الشرع: الحلّ الأمني وهم

يتحدّث الشرع عن حراكين معارضين ففي بداية الأحداث كانت السلطة تتوّسل رؤية مسلّح واحد أو قناص على أسطح إحدى البنايات، الآن السلطة وبكلّ أذرعتها تشكو ــــ حتى إلى مجلس الأمن الدولي ــــ كثرة المجموعات المسلحة التي يصعب إحصاؤها ورصد انتشارها. هناك بلدات وأطراف مدن تم «تنظيفها» مما أدى إلى تهجير سكانها، ثم عاد المسلّحون مرات عدة إليها، في حين لم يتمكن سكانها من العودة. «هل يحق لأي كان أن يدخل الوطن في عنق زجاجة لا يخرج منها إلا بكسره؟» يتساءل الشرع بمرارة، خصوصاً عندما يشاهد صوراً لجثث مواطنين أبرياء، والتشوهات التي يحدثها القصف والتفجيرات والسيارات المفخخة التي تستهدف البشر والبنى التحتية والمؤسسات العامة والخاصة والكوادر العلمية في البلد. ويقول: «إن مرتكبي هذه الجرائم ومن يقف خلفهم مدانون وهم فقدوا كل حسّ وطني وأخلاقي وانساني».يعود الشرع الى المشهد العام ليقول «إن تراجع أعداد المتظاهرين السلميين أدّى بشكل أو آخر إلى ارتفاع أعداد المسلحين. صحيح أن توفير الأمن للمواطنين واجب على الدولة، لكنه يختلف عن إنتهاج الحل الأمني للأزمة. ولا يجوز الخلط بين الأمرين. كل ذلك، كان يوجب النقاش حول الآليات، وسعينا لأجل أن يكون الحل سورياً ـ سورياً. والحوار الذي تبنيناه في تموز 2011، كان هدفه حلّ الأزمة سياسياً في بداياتها بأيدٍ سورية. لكن الأمور لم تسر في هذا الاتجاه، ثم جرى تعريب الأزمة وتعليق عضوية سورية، الدولة المؤسسة في الجامعة العربية، من دون أي مبرر أو سبب مقنع للمواطنين السوريين. حصل الكثير من الأخطاء التي لا يمكن نسيانها أو القفز فوقها من قبل الجامعة العربية والدولة معاً».لكن أين مسؤولية الدولة في تحرّي أسباب وصول الأزمة إلى ما وصلت إليه، خصوصاً لناحية عسكرة الحراك؟ ألم تُشكّل لجان تحقيق لتحديد هذه الأسباب؟ يجيب: «لم تشكّل لجان تحقيق ذات مصداقية منذ بداية الأحداث، وإذا شكل بعض منها فإن نتائج التحقيق لم تنشر في وسائل الإعلام، الأمر الذي مهّد لنشر شائعات أفقدت النظام مصداقيته وهيبته أمام المتضررين في الداخل والمراقبين في الخارج».

ويقر نائب الرئيس السوري بعمق الأزمة. "كل يوم يمرّ يبتعد الحل عسكرياً وسياسياً. نحن يجب أن نكون في موقع الدفاع عن وجود سورية، ولسنا في معركة وجود فرد أو نظام". وهو يعتقد بأن مشاكل سورية "تعدّدت وتعقّدت إلى حدً لم يعد فيه ممكناً فصل الأعمال العسكرية الجارية عن حياة المواطنين العادية".هل نحن في سياق حلً ؟ في رأي الشرع "هناك مسائل كثيرة يمكن العمل عليها من أجل إيجاد حلّ. لا أحد واهم بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، لأننا مقتنعون بأن لا عودة لعقارب الساعة إلى الوراء. الأخضر الابراهيمي يكرّر في تصريحاته أن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، وأنا لا أستطيع ان أنفي ذلك لأنني، ومنذ سنة وأكثر، أرى أنّ الخط البياني للأحداث يأخذك إلى مكان غير مريح تسير فيه الأمور فعلاً من سيئ إلى أسوأ. لكن المشكلة أن السيد الابراهيمي يتحرك ببطء وروية في حين تتحرك الأمور على الأرض بتسارع وعنف".يضيف: "من موقعي لا أعرف تماماً الى أين سيفضي الخيار الراهن بنا. ليس لدي جواب شافٍ. وربما لا أحد من المسؤولين يعرف الى أين وصلنا في الحل. وقد تستغرب إذا قلت لك ان رئيس الجمهورية شخصياً قد لا يعطيك الجواب الشافي مع أنه يملك في يديه كل مقاليد الأمور في البلد. ما يجري في سورية معقّد ومرّكب ومتداخل. إذا حاولت تفكيكه قد يزداد تعقيداً وقد تزداد القطب المخفية فيه بدلاً من أن تهديك إلى الحل. من أتيحت له فرصة لقاء السيد الرئيس سيسمع منه أن هذا صراع طويل، والمؤامرة كبيرة وأطرافها عديدون (إرهابيون، رعاع، مهربون). وهو لا يخفي رغبته بحسم الأمور عسكرياً حتى تحقيق النصر النهائي، وعندها يصبح الحوار السياسي ممكناً على أرض الواقع. وكثيرون في الحزب والجبهة والقوات المسلحة يعتقدون منذ بداية الأزمة وحتى الآن أن لا بديل عن الحل السياسي، ولا عودة إلى الوراء".يرى الشرع ان "الحلّ لا يكون واقعياً إلا إذا بدأ من أعلى المستويات. فرئيس الجمهورية هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وهو الذي يعيّن رئيس مجلس الوزراء، ويقود الحزب الحاكم، ويختار رئيس مجلس الشعب. ولكن، وفي الوقت نفسه، هناك مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية مسؤولة مباشرة عن إدارة شؤون الدولة، وهذه المؤسسات لديها رؤساء ومديرون عامون ومجالس إدارة يعملون، أو يزعم بعضهم أنه يعمل، وفق التوجيه، وأحياناً يحسمون قرارهم عندما يشيرون بأصابعهم إلى الصورة المعلقة فوق مكاتبهم مما يعني أن التوجيه لا نقاش فيه".ويضيف بلغة الواثق: "لا الائتلاف الوطني، ولا مجلس اسطنبول، ولا هيئة التنسيق كمعارضة داخلية متعددة الأقطاب، ولا أية مجموعات معارضة سلمية أو مسلحة بارتباطاتها الخارجية المعروفة تستطيع أن تدّعي أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري. كذلك فإن الحكم القائم بجيشه العقائدي وأحزابه الجبهوية وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي بخبرته الطويلة وبيروقراطيته المتجذرة لا يستطيع لوحده بعد سنتين من عمر الأزمة إحداث التغيير والتطور من دون شركاء جدد يساهمون في الحفاظ على نسيج الوطن ووحدة أراضيه وسيادته الإقليمية. إن فقدان الثقة بين هذين الطرفين، وبالتالي استحالة جمعهما في حوار مباشر، سيفضي إلى تدمير وتفكيك مستمرين لا يستفيد منهما في هذه المرحلة إلا الاحتلال الإسرائيلي".ويرى الشرع "أن البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد تتغير يوماً بعد يوم وأمام أعيننا. وما يحصل في سورية يتماهى في مستوى أكثر تعقيداً مع ما حصل في مطلع تسعينيات القرن الماضي في بلدان أوروبا الشرقية. ولا بد من أن نأخذ في الإعتبار أيضاً أن تلك البلدان لم تدخل عند تغيير بنية أنظمتها في نزاعات أهلية أو حروب مدمرة، مع أنها دخلت في أزمات اقتصادية خانقة".

وعن كيفية تصوّره للحل يقول :"كل منطق يقوم على مبدأ رفض الحوار إنما يعكس رغبة في عدم التوصل إلى حلّ بيد السوريين أنفسهم. وبالتالي فإن أي تسوية، سواء إنطلقت من إتصالات أو إتفاقات بين عواصم عربية وإقليمية دولية، لا يمكن لها العيش من دون أساسها السوري المتين. الحلّ يجب أن يكون سورياً ولكن من خلال تسوية تاريخية تشمل الدول الإقليمية الأساسية ودول أعضاء مجلس الأمن. هذه التسوية لا بد أن تتضمن أولاً وقف العنف ووقف إطلاق النار بشكل متزامن وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة. وهذا ما يجب أن يترافق مع معالجة الملفات العالقة المتصلة بحياة الناس ومطالبهم المحقة".يضيف الشرع: "المشكلة تكبر وتتعمق عندما يعتقد البعض أن الحسم أو الكسر ممكن. ليس صحيحاً على الإطلاق أن بإمكان كل هذه المعارضات أن تحسم المعركة على أساس إسقاط النظام إلا إذا كان هدفها إدخال البلاد في فوضى ودوامة عنف لا نهاية لها. ولا أرى أن ما تقوم به قوات الأمن ووحدات الجيش سيحقق حسماً، سيما أننا ندرك، من دون أية أوهام، خطورة العمل الجاري الذي يستهدف تدمير سورية: تاريخاً وحضارة وشعباً. إن اتصالات الابراهيمي وجولاته، كما مبادرة جنيف، يمكن إعتبارها أساساً صالحاً لهذه التسوية. ولا نبالغ إذا قلنا ان إنجاز التسوية التاريخية للأزمة السورية قد يمهّد الطريق لتحقيق مناخ دولي يعالج قضايا هامة أخرى بالطرق السياسية وليس بالمواجهة العسكرية".ولكن هل نضجت التسوية التاريخية؟ يأمل فاروق الشرع ذلك، لكنه يستدرك: "إذا تصوّر أو أصر كل طرف معني بهذه التسوية أنه سيحصل على كل ما يتوقعه ويطمح إليه، فإن التطلعات الوطنية المشروعة للشعب السوري ستكون عرضة للضياع، ومصير المنطقة سيدخل في نفق مجهول".

اخترنا لك