رفض تطبيق قانون منع التدخين تمسك بثقافة اللاقانون
كشف صدور القانون ١٧٤ المختص بمنع التدخين وتنظيمه، الميل الغريب لدى اللبنانيين لرفض القوانين حتى ولو كانت ضرورية ولمصلحته بالبداهة. ومنذ سريان تطبيق القانون المذكور المفترض في الرابع من أيلول ٢٠١٢
أسباب كره القانون في لبنان
اتخذت المواقف من القانون ١٧٤ اتجاهات مختلفة منها المدافع عنه، ومنها المعترض عليه، رغم الاجماع العالمي والعلمي على المضار الكبيرة للتدخين.
ورغم أن أحدا لم يستطع الدفاع عن التدخين، أو التحدث عن وجود منافع له، غير أن الغريب أن أي سلطة في العالم لم تتخذ قرارا بمنعه مع العلم أنه يحملها أعباء التأمين الصحي وتغطية نفقات العلاجات الناجمة عن أمراضه.
أما ابرز الاعتراضات، وأغربها في آن، هي في محاولة منع تطبيقه بحجة عدم تطبيق القوانين الأخرى، منها، مثلا، عدم تطبيق القانون المتعلق باغتيال الرئيس الحريري، أو غياب قانون وضع السلاح في يد الدولة.
كأن اللبنانيين صاروا مصابين بهذيان النقاش، من جهة، والتفلت من الانضباط والقانون، من جهة ثانية. ولا بد أن لسنوات الأحداث الطويلة التأثير الكبير على الشخصية اللبنانية التي لم تعد تتلاءم مع القوانين، وانتظام الحياة العامة.
من هذا المنظار، يرى استاذ العلوم السياسية في جامعة البلمند الدكتور إيليا إيليا أن "اللبناني يرفض القانون في بلده، لكنه متى خرج إلى غير بلده التزم بالقانون الذي تفرضه أي دولة يحل هو ضيفا فيها”.
ورأى أن "المشكلة الأساسية هي في العقلية اللبنانية التي تستخف بالدولة، لأن اللبناني كان يعتبر الدولة للأتراك، والزعيم له، ولم يعتبر أن الدولة هي دولته، ولم يشعر أنه من نسيجها"، لاحظا أنها "عقلية تاريخية متوارثة، والأجيال الصاعدة لا ينفكون يشتمون الدولة، ويتساءلون أين هي”.
ويعتقد إيليا ان اللبناني يستطيع تجاوز القانون لتأكده بأنه يستطيع تلافي عواقبه بالوساطة مع الزعيم، لذلك نراه يلتزم بالقوانين الخارجية لأن هناك لا أحد يتواسط له”.
ويحمل المسؤولية المتعاقبة لكل المسؤولين الذين تعاقبوا على الدولة الذين تركوا للوساطات أن تأخذ مداها، ذاكرا أنه "لم يكن يمكن للأحداث أن تقع لو تم تطبيق القانون”، متسائلا: "من كان يستطيع منع شخص من حمل البندقية؟ بدأ الفلتان من هناك، ولم يعد أحد يستطيع وقف التداعيات”.
إلا أن أستاذ العلوم الفلسفية في الجامعتين اللبنانية واليسوعية روجيه نبعة فيعتقد وفقا لبحوث أجراها مع طلابه أن "اللبنانيين لم يتربوا على قانون مدني”. وقال: "اللبنانيون، مسيحيون ومسلمون، تربوا على القانون الديني، ويتم الأخذ به عبر الانجيل أو القرآن. أما القانون الوضعي فجديد على اللبنانيين، ونحن لم نترب عليه”.
أضاف: "نحن كبشر لا نسن القوانين. ربما نطبق القوانين بنسب معينة، وإذا أخذنا كل الفكر السياسي والقانوني الإسلامي والمسيحي، السؤال الكبير كيف نطبق بأفضل الطرق القانون -الديني طبعا- وليس كيف نسن القوانين الأفضل، والقانون البشري لا يطبقه اللبناني، فمن المستغرب بالنسبة له أن تسن القوانين على حساب القوانين الدينية”.
منع التدخين لبنانيا
وفي الوقائع، أن "مجلس النواب اللبناني أقر منذ نحو عام القانون ١٧٤ الذي يحد من التدخين، وينظم ترويج الدخان، بيعا وشراء وتوضيبا.
كثيرون اقتنعوا أن القانون لن يطبق على غرار مختلف القوانين الأخرى. المعترض هو المتضرر من عملية المنع لأسباب إما شخصية-مزاجية، او تنبع من مصلحة مثل أصحاب المطاعم والمنتجعات السياحية، فأثاروا ضجة على القانون، وضخموا الأضرار التي ستنجم عنه.
وتعمق السجال على الموضوع، وأصدرت "مجموعة البحث للحد من التدخين" في الجامعة الأميركية في بيروت دراسة تحدثت فيها عن منافع المنع، ليس على الصحة فحسب، بل اقتصاديا أيضا، داحضة فيها ما يروجه أصحاب المطاعم والمنتجعات من خسائر، لافتة إلى أن الدراسة التي تعتمد المطاعم عليها ليست دقيقة.
مواجهة
وقد عقدت المجموعة مؤتمرا صحفيا في الجامعة، خلصت فيه إلى ان "الأثر الإقتصادي السلبي الكارثي والأكبر يتأتى من جراء عدم تنفيذ القانون اذ اظهرت دراسة قامت بها المجموعة ان خسارة الدولة السنوية من جراء عدم تطبيق سياسات قوية للحد من التدخين تبلغ ما لا يقل عن 55 مليون دولار اميركي سنوياً بما فيها ارتفاع الفاتورة الصحية”.
ورأت ان "اي تعديل للقانون او استثناء فيه سيؤدي الى تطيير كل المفاعيل الإيجابية علماً ان بلدان العالم المتحضر التي تسمح بالاستثناء، ذاهبة باتجاه المنع الشامل للتدخين في اي مكان مغلق. وعليه فان مجموعة البحث للحد من التدخين ترفض رفضا قاطعا اي تعديل لهذا القانون لأن من شأنه إلحاق الضرر بالمصلحة العامة من الناحية الإقتصادية والصحة والبيئة والمجتمع”.
أما نقابة أصحاب المطاعم فعرضت الخسائر التي ستنجم عن المنع، ومنها إقفال ٤٠٪ من المطاعم والمنتجعات، وقد يبلغ العدد الألف مؤسسة وتشريد عشرة آلاف عامل.