انعقاد منظمة عدم الانحياز: تحديات إيرانية وسورية وفلسطينية.. وتعزيز تعدد القطبية العالمية
تنعقد "قمة دول عدم الانحياز" في العاصمة الإيرانية طهران، في ظل تحديات تتركز على ثلاثة محاور أساسية، الملف النووي، وقضيتي فلسطين وسورية، وهي تضع الدول الـ ١٢٠ المشاركة أمام استحقاقات مصيرية.
الدور والأبعاد
للقمة أهمية وأبعاد خاصة في اللحظة التاريخية التي يمر بها العالم. إيران تحاصر بسبب برنامجها النووي، وتشهد سورية تطورات دراماتيكية، ويراوح الوضع الفلسطيني. ويتغير العالم باتجاه تكون تعدد قطبي مع تصاعد حلف البريكس، وتمدد أبعاده من الإقتصادي إلى الإستراتيجي.
تعود القمة للعب دور عالمي على يد قوة صاعدة هي إيران، فتتزخم بالزخم الإيراني، وتجد القمة أهميتها في هذا التموضع بالتحديد، بحسب منسق "شبكة الأمان للأبحاث الاستراتيجية" أنيس النقاش الذي قال إن "أهمية القمة في هذه اللحظة هي أنها تنعقد في طهران، المتمتعة بسياسة دولية تقوم على مبدأ العدل في العالم، وبالتالي فهي تبحث دائما عن توازن في مواجهة السياسات العالمية، ولذلك نرى أنها كانت مصارعة بقوة للولايات المتحدة بصفتها راعية اللاعدل في العالم”.
الكاتب الصحفي اللبناني كمال ذبيان يلاحظ نجاحا إيرانيا حيث "استقطبت إيران حوالي ١٢٠ دولة، مؤسسة لحركة جديدة لدول عدم الانحياز، في الوقت الذي تعيش إيران فيه اليوم مرحلة صراع مع الغرب ما أتاح لها دورا في جمع أكبر عدد ممكن من هذه الدول”.
أما الباحث الاستراتيجي اللبناني الدكتور كميل حبيب فيرى أن "انعقاد القمة في طهران يشكل دفعاً للسياسة الإيرانية في مواجهة أعدائها، فطهران سوف تستثمر القمة لإظهار تأييد الدول المجتمعة لبرنامجها النووي، واعترافها بدور إيران في لعب دور ما في الشرق الاوسط، مما يعني تعزيز إستقلالية قرارها السياسي وانعتاقها من النير الاميركي”.
تحديات القمة
تواجه القمة تحديات تتركز على ثلاثة محاور أساسية هي الملف النووي، وقضية فلسطين والأزمة في سورية، وهي تضع الدول الـ١٢٠ المشاركة أمام إستحقاقات مصيرية.
النقّاش يعتقد أن "الملف النووي الإيراني يشكل جزءاً هاما من الصراع العالمي، واتخاذ قرار عن قمة عدم الانحياز، أي ١٢٠ دولة تؤيدها في الموضوع النووي، سيعطي إيران شرعية تستطيع أن تستند عليها لتقف في وجه مجموعة الـ ٥+١."
كما رأى أن "مسألة فلسطين ستأخذ حيزا في هذا البيان، وأن "اتخاذ قرار باتجاه حل سياسي لسورية يعني إفشال كل المخططات التي كانت تريد لسورية أن تتشظى”.
وقال: "عندما تأخذ دول عدم الإنحياز قرارا بدعم المبادرة الإيرانية للتسوية، التي ستصبح مبادرة دول عدم الإنحياز بمبادرة إيرانية، سيكون لها وزن أكبر. وبالتالي فإن مدخل الحل السوري سيجعل لدول عدم الانحياز لأول مرة بعد ٣٠ سنة، دوراً في حل مشكلة دولية إقليمية أساسية في المنطقة."
يلتقي ذبيان مع رؤية منسق "شبكة الأمان للأبحاث الاستراتيجية" في أن "هذه القمة أعطت إيران وزنا إقليميا وحضورا دوليين، وستستفيد إيران بأن تطل على كل مراكز القرار في العالم لتقول ما يعنيها بشأن البرنامج النووي"، مضيفا أنه "سيكون للقمة تأثير على سورية حيث استطاعت القمة أن تعطي للصراع في هذا البلد بعداً أكثر من إصلاحي محلي، فبيان القمة يتحدث عن حل يقوم على حوار سوري- أميركي، ملقيا باللوم على أميركا في تحريك الوضع في الداخل السوري، تضاف إلى ذلك المبادرة المصرية وتركز على أن الحل هو حل إقليمي تنتجه المنطقة".
وفي حال خرجت القمة بمبادرات لحل بعض المشاكل الإقليمية، فستحتل إيران موقعا دوليا، بحسب حبيب الذي أضاف: "إن تم ذلك، فعلى الدول الغربية أن تعترف بإيران كطرف إقليمي له وزنه الذي لا يمكن تجاهله. وعليه، قد توفر القمة فسحة لحوار بنّاء بين إيران وسورية من جهة، والدول المساندة لمعارضي النظام السوري من جهة أخرى. وهذا منطق يبدو مقبولاً الآن، لأن العالم أدرك أن الحل في سورية يجب أن يكون سياسياً."
تأسست حركة عدم الإنحياز بعيد الحرب الحرب العالمية الثانية، عندما تقسّم العالم بين العملاق الأميركي والسوفييتي ووسط مخاوف من حرب نووية شاملة. الحركة هي تجسد لروية الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر والريس الهندي الهندي جواهرلال نهرو ورئيس الوزراء اليوغوسلافي جوزف بروز تيتو، وقد عقد المؤتمر الأول للحركة في بلغراد عام 1961 بمشاركة 25 دولة من أصل 29 هي مجموع الدول التي حضرت مؤتمر باندونغ 1955 أول تجمع منظم لدول الحركة.
نظام متعدد الأقطاب
تكرس قمة عدم الانحياز قيام نظام عالمي جديد، بدأت ملامحه تتبلور مع تصاعد دور دول حلف البريكس، وتأتي قمة طهران لتعيد الروح لمجموعة دولية كبيرة يمكنها أن تأخذ حصة في تشكل صيغة جديدة للعالم.
النقاش يعتقد أن "العالم اليوم في مرحلة تغير موازين القوى الدولية، فهل سيكون هناك تعدد قطبيات في العالم؟ تجاذبات المستقبل يرجح أن تكون شديدة، لذلك من يدعي أن دول عدم الإنحياز قد حددت نفسها من الآن فهذا إدعاء كبير، ولكن أن تكون قد أخذت شكلا جديدا، فهذا صحيح”.
أما ذبيان فيقول "إننا نعيش ولادة عالم متعدد الأقطاب مع تصاعد دول البريكس، وعودة روسيا للعب دورها مع ما تتخذه من مواقف للمحافظة على وضع سورية في المنطقة، ويمكن لمؤتمر طهران أن يعزز التعددية، ويعيد لدول عدم الإنحياز دوراً هاماً”.
ويجزم حبيب أن "القمة تنعقد في لحظة إعادة تشكيل النظام العالمي، بحيث يشهد العالم نوعاً من التوازن بين واشنطن من جهة وبكين وموسكو من جهة أخرى. فاستعمال الفيتو المزدوج من الصين وروسيا في مجلس الأمن ضد المشروع الاميركي فيما يخص سورية لهو دليل ساطع على أن النظام العالمي لم يعد أميركياً".
وتتمثل الأهداف الرئيسية لدول حركة عدم الانحياز، بتأييد حق تقرير المصير، والإستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية للدول، ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الإنتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، والإبتعاد عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، والكفاح ضد الإستعمار بكافة أشكاله وصوره، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعايش بين جميع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وتدعيم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الإقتصادية والإجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الإقتصادي العالمي، فضلاً عن التعاون الدولي على قدم المساواة.