وظيفة المنطقة العازلة في الشمال اللبناني مؤمنة رغم الجدل حولها

تداولت الأوساط المحلية والاقليمية والدولية في شأن إقامة منطقة عازلة شمال لبنان تتيح لقوى المعارضة السورية التحرك بسهولة. وطالب السيناتور الأميركي جون ماكين في زيارته الأخيرة إلى لبنان بضرورة إقامة منطقة عازلة في شمال لبنان تريح المعارضة السورية، وفسر المراقبون الأحداث التي اندلعت في طرابلس بين أواخر أيار وأوائل حزيران بأنها محاولات لإقامة هذه المنطقة وذلك بإبعاد الجيش اللبناني عن الساحة، أو شل دوره في ضبط الأمن. وقد تجلى الكثير من ذلك في حادثة مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد، وأحد مرافقيه في حادثة الكويخات حيث اندفعت جماهير غاضبة إلى الطرقات وأقفلتها لمدة يومين وسط تعبئة كبيرة كان من ضمنها سحب الجيش اللبناني من المنطقة.

تكررت الدعوات لمنع الجيش من أخذ دوره، وتفاقم الموقف إثر إطلاق ثلاثة ضباط أوقفوا بسبب حادثة عبد الواحد، وعاد أنصار المعارضة السورية لقطع الطرق. تراجع الجيش، إن بقرار ذاتي "لأننا لا نريد إرهاق قطرة دماء من أبنائنا في عكار"، بحسب موقف رسمي من قيادته، من جهة، أوتحت استمرار الضغوط والتهديد بقفل الطرق، من جهة ثانية.

أزاء تراجع الجيش عن لعب دور معيق لحركة المعارضة السورية في الشمال، تصاعد التوتر على الحدود اللبنانية-السورية، ونالت العديد من القرى نصيبا من النيران والقذائف السورية، ودفعت عددا من الأرواح من أبنائها، وقيل أن القصف سببه اشتباكات بين مسلحين على الحدود لجهة لبنان والجيش السوري، وطالبت السلطات السورية السلطات اللبنانية ضبط الحدود إذا شاءت أن لا يتطور الموقف لما هو أسوأ، وجرى تلميح بدخول الجيش السوري إلى لبنان لحماية حدوده، فتصاعدت الدعوات لنشر الجيش على الحدود حتى من القوى التي دعت قبلا لانسحابه.

نتيجة لذلك، اتخذت السلطات اللبنانية قرارا بإعادة نشر الجيش على الحدود، وشرعت بذلك.

فهل انتشر الجيش بفعالية حتى يمنع المسلحين المعارضين للنظام السوري من استخدام الحدود اللبنانية منطلقا لعملياتهم ضد النظام؟

وهل أن انتشار الجيش يمنع إقامة منطقة عازلة؟ والسؤال الأكثر خطورة: هل يعتبر أن المنطقة أصبحت عازلة بنتيجة التطورات التي جرت حتى تاريخه؟

يهزأ كثيرون من القول بقيام المنطقة العازلة بحجة عدم وجود إعلان عن ذلك، ولا قيامها بما يشبه الكيان الحدودي-السلطوي الأشبه بالشريط الحدودي في الجنوب اللبناني أبان سنوات الأحداث الطويلة. ويصرح النائب خالد ضاهر -مناصر للمعارضة السورية- ل"الميادين نت" أن "ليس هناك لدى أحد نية لإقامة هكذا حالة على الحدود. وليس ما يمنع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية من القيام بواجباتها بضبط الحدود".

وطالب النائب معين المرعبي المؤيد للمعارضة السورية "بانتشار الجيش عند الحدود لحماية الناس لأن العكس سيؤدي الى فتنة"، وأكد في حديث إلى "إذاعة الفجر" مطالبته لقيادة الجيش بالقيام بواجباتها وحماية الأرض اللبنانية والكرامة والسيادة".

من جهته، شكا النائب السابق وجيه البعريني المؤيد للدولة السورية، في تصريح ل"الميادين نت" من حركة المسلحين الذين يتحركون للتسلل إلى سوريا أو يطلقون النار ويكون الرد عليهم من الجهة السورية وبسبب ذلك تحدث حالات الخوف والإرباك للمواطنين، وطالب الدولة بتأمين غطاءً سياسي للجيش ولقوى الأمن الداخلي كي يعملوا على ضبط الحدود من أجل منع حركة السلاح والمسلحين التي تسبب بالرد من الجيش السوري”.

وفي خطاب على مأدبة رمضانية لوزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، اعتبر أن "مبدأ النأي بالنفس يجب أن يكون ألف باء السياسة اللبنانية في هذه المرحلة، وبهذا المعنى رفض اللبنانيون كل حديث عن مناطق وممرات عازلة وآمنة".

ومنعا لأي التباس أو نقل لتصريحات ومواقف من هنا وهناك، جالت "الميادين نت" في المنطقة الحدودية لأن "الواقع كما هو" يعتبر خير ناطق بالحقيقة.

يشكل النهر الكبير الحدود السورية-اللبنانية التي يفترض أن يكون الجيش اللبناني قد انتشر على الجانب اللبناني منها. تبدأ الجولة من بلدة الكويخات التي وقعت حادثة عبد الواحد فيها، ونعرج على شربيلا القريبة من الحدود وليست حدودية، وفيها مركز عسكري للجيش جديد التموضع. نخرج من شربيلا مجددا، ونتجه نحو الطريق العام الموازي للحدود، حيث نعبر الدوسة والكواشرة اللتين تعرضتا لقذائف سورية المصدر. ونتابع باتجاه البيرة، وقبل بلوغها نعتمد طريق منجز الأقرب إلى الحدود، وفيها مركز للجيش يبعد نحو عشرة كيلومترات عن مركز شربيلا، ولا يتواصل معه. ونتابع باتجاه الشرق وصولا إلى مفترق العوينات، وفيها مركز آخر للجيش يبعد عن منجز نحو سبعة كيلومترات. نعود إلى منجز، ونعتمد الطريق الحدودي المؤدي إلى الدبابية والنورا، وفي الدبابية مركز عسكري يبعد عن منجز نحو سبعة كيلومترات أيضا. وفيما عدا ذلك لا يتواجد الجيش اللبناني في أي نقطة، ويقول السكان أن الجيش تمركز مؤخرا في النقاط المذكورة التي تشكل امتدادا حدوديا يبلغ العشرين كيلومتر تقريبا أو يزيد.بين مراكز الجيش، ثمة مسافات مترامية فارغة من أي رقابة، طرق واسعة، سهول ووهاد، تشكل معابر سهلة لمن يشاء الاقتراب من الحدود السورية. تغيب الرقابة، وتسهل الحركة في ظل الانتشار الخجول للجيش، ويفيد العديد من السكان في الدوسة والكواشرة ومنجز والعوينات أن المسلحين الذين لا يلبسون اللباس العسكري، يتواجدون بكثرة في المنطقة، ويتحركون كيفما أرادوا ليلا، دون أي مانع حيث تغيب الحواجز والدوريات لأي قوى أمنية.

وفي المنطقة تخف الحركة نهارا، لكن القلة المتحركة من المواطنين غالبيتهم سورية اللهجة، فمن على دراجة نارية في بلدة النورة، نوقف شابا ملتحيا، نسأله عن الطريق، فيرد بلهجة سورية جادة.

وفي الكواشرة، نسأل حلاقا عن المكان الذي وقعت فيه إحدى القذائف، فيرد بلهجة سورية معرفا نفسه بأن سوري ويأتي إلى البلدة للعمل نهارا.

أحد أبناء الدوسة الذي يملك محطة وقود قال أن "العديد من العناصر تنتشر ليلا بين القرى وتتصرف وفق هواها، ولا أحد يمنعها، مردفا أنه يأمل أن يتمكن الجيش من ضبطها بعد العودة لتمركزه في المنطقة.

وذكر أن العناصر التي تشكل قوى مسلحة ليلا تختلط مع السكان اللبنانيين حيث يؤوون، ولا يعرف إن كان التشكل السكاني الجديد-اللبناني-السوري- مشاركا في الاشتباكات المسلحة أم السوريون لوحدهم.

ورغم اتخاذ الجيش للعديد من المراكز في نقاط مختلفة، فإن التمركز لا يعتبر انتشارا، حيث تبقى مسافات واسعة بكافة الاتجاهات تشكل متسعا لمن يشاء التحرك، أن يتحرك بسهولة، وليس بالبنادق فقط، بل بالمدفعية.

لم يعلن أحد رسميا تشكل المنطقة العازلة في عكار أو طرابلس، ولم يحدد أحد حدودها، ولم يقم أحد أي قاعدة أو مركز تفتيش ظاهر للعيان يقال معه أنه من هنا تبدأ المنطقة العازلة وهنا تنتهي، لكن وظيفة المنطقة العازلة في عكار وطرابلس قائمة حيث تتاح الحركة بسهولة ودون رقابة أو موانع، ولا يعيق تواجد الجيش في عكار وطرابلس أي تحرك للمعارضة السورية، ولا لأي عناصر أخرى.

بهذا المعنى، تعتبر عكار وطرابلس منطقة عازلة وقد لا يكون هناك ضرورة حالية أو مستقبلية للإعلان الرسمي عنها، ويكفي أن تؤدي الوظيفة المرجوة منها على ما طالب به ماكين وآخرون.