روسيا في مواجهة الدرع الصاروخي الأميركي.. ملامح حقبة مضت
ملامح الحرب الباردة تعود إلى ذاكرة من عايش أجواءها التي شحنت العالم لعشرات السنوات بهواجس كادت تصل إلى شفير الحرب النووية المدمرة.. سباق التسلح كان أبرز تلك الملامح.. هل إنتهى السباق؟ ولماذا تصر الولايات المتحدة الأميركية على نشر منظومة دفاعها الصاروخي؟
يعود تاريخ البدء بإعداد أنظمة دفاع صاروخي أميركي إلى حقبة الحرب الباردة وتحديداً إلى ستينيات القرن الماضي، يوم كان سباق التسلح بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية يشكل أبرز ملامح المواجهة بينهما، وهي المواجهة التي وصلت إلى احتمالات كارثية كاندلاع حرب نووية بين قطبي العالم في تلك المرحلة. وقد سعى كل منها خلال تلك الحقبة إلى تطوير ترسانته من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية.
وهناك نوعان من الدفاعات الصاروخية الأميركية، النوع الأول يهدف إلى حماية القواعد والمواقع القريبة من مسرح العمليات وهي مواقع صغيرة نسبياً، وبالتالي فهو معد لمواجهة صواريخ محدودة المدى، ويسمى "نظام الدفاع الصاروخي لمسرح العمليات".
والنوع الثاني مخصص لمواجهة الصواريخ البالستية بعيدة المدى وتلك العابرة للقارات، ويراد من خلاله حماية مساحات جغرافية واسعة كالدول والأقاليم، وهو يسمى "نظام الدفاع الصاروخي القومي".
يحتوي المشروع على بطاريات صواريخ إعتراضية تقليدية تستخدمها وكالة الدفاع الصاروخي (NDA) في فورت جيللي– ألاسكا، وفي قاعدة فاندنبرغ الجوية في كاليفورنيا. إضافة إلى رادارٍ قوي في منطقة الأناضول التركية، ومحطة رادار للرصد التقني المركزي في التشيك، بينما تقام منصات باتريوت المضادة لصواريخ PAC-3 في بولندا، فضلاً عن صواريخ "أس أم-3" تم نشرها على فرقاطات "إيجيس" منتشرة في البحر المتوسط، و صواريخ إعتراضية في رومانيا. كما تحتوي قاعدة "رامشتين" العسكرية في ألمانيا على مركز تحكم بالمنظومة. وتبدي الولايات المتحدة الأميركية رغبة توسيع نشر بطاريات الرادار في القوقاز.
وتثير المنظومة الصاروخية هذه مخاوف جمة لدى موسكو التي تستشعر فيها خطراً على الأمن القومي الروسي، خاصةً أن مساحة انتشار أجزاء المنظومة واقترانها بمحاولة توسيع حلف شمال الأطلسي –الناتو- تبدو كأنها تريد تطويق روسيا والإقتراب من حدودها قدر الإمكان، بالرغم من إصرار الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين على أن روسيا غير مستهدفة بهذه الخطوات التي تسعى إلى تعزيز الاستراتيجيات الامنية الغربية في مواجهة "الدول المارقة"، والتي يتم تصنيفها عادةً على أساس قياس مدى توافق سياساتها مع سياسة الولايات المتحدة. وقد أتى إعلان رؤساء الدول والحكومات الـ28 الأعضاء في الناتو رسمياً إكتمال المرحلة الأولى من عملية نشر الصواريخ، ليزيد من تأزم الخلاف حول هذا الملف، بعد أن كشفوا عن مخططات لاستكمال ثلاث مراحل أخرى مقررة حتى العام 2020 حيث يتم إكمال عمل الدرع الصاروخية.
وبالرغم من معاهدة الحد من الأسلحة البالستية (ABM) الموقعة بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في 28 أيار-مايو عام 1972، إستمرت كل من روسيا (وريثة الإتحاد السوفياتي) والولايات المتحدة بتطوير أنواع من الصواريخ البالستية. وكان نص المعاهدة قد تعمد ترك الأجواء مفتوحة أمام الصواريخ البالستية كوسيلة ردع لتقليص إحتمالات الحرب، وقد حظرت من هذا المنطلق إقامة هذه الشبكات الدفاعية. وبالتالي فإن الإستمرار بنشر منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية يشكل خرقاً واضحاً لبنود المعاهدة. ويظهر الإندفاع الأميركي بهذا الإتجاه رغبة لدى واشنطن بحيازة قدر ونوع من القوة المطلقة التي لا نزاع فيها.
معاهدات "ستارت".. نوقّع ثم نتابع
وقعت إتفاقية "ستارت1" (وتسميتها الرسمية "التدابير المستقبلية للتقليص والحد من الأسلحة الإستراتيجية الهجومية") بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي في 31 تموز-يوليو 1991، ودخلت حيز التنفيذ بعد ثلاثة أعوام.
أما إتفاقية "ستارت2" فقد تم توقيعها بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي ديمتري ميدفيديف في 8 نيسان-أبريل 2010 في العاصمة التشيكية براغ، ويهدف نص المعاهدة إلى تثبيت الحد الأقصى من الأسلحة الإستراتيجية الهجومية لدى كلٍ من روسيا والولايات المتحدة عند 1550 شحنةٍ نوويةٍ لكل دولة، و700 صاروخٍ باليستي عابر للقارات، و800 منصة صواريخ باليستية عابرة للقارات، ومنصوبة في الغواصات الذرية والقاذفات الثقيلة. وتنص المادة الرابعة من المعاهدة على أن المنصات المنتشرة لإطلاق الصواريخ العابرة للقارات يجب أن تتمركز في قواعد الصواريخ العابرة للقارات حصراً. والصواريخ العابرة للقارات هي تلك التي يتجاوز مداها 5500 كيلو متراً.
الذرائع الأميركية "نكات" لا تضحك بوتين
تقول الولايات المتحدة أن منظومة الدفاع الصاروخي التي تنشرها في أوروبا موجهة حصراً ضد الدول المارقة التي تشكل صواريخها خطراً على أمن ومصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها، وتتقدم تلك الدول بحسب التصنيف الأميركي إيران وكوريا الشمالية. فيما تحاول واشنطن بشكلٍ دائمٍ تطمين موسكو إلى أنها لا غير مستهدفة بتلك المنظومة.
وفي الوقت نفسه فإن الأسلحة الصاروخية التي تمتلكها إيران لا تشكل حتى الآن تهديداً لأمن التراب الأميركي، وأبعد مدى متوقع للصواريخ الإيرانية لا يتجاوز دول شرق أوروبا، وهذه الصواريخ (حتى إن تم تطوير مداها إلى مسافات أبعد) لا تشكل خطراً على أميركا ما دامت طهران لا تمتلك سلاحاً نووياً. ذلك أن كمية المواد المتفجرة التي يمكن لهذه الصواريخ حملها لمسافة طويلة لا تكفي لإحداث دمارٍ كبير، وبالتالي فإن قيمتها الإستراتيجية لن تكون مرتفعة، وبالتالي فإن التذرع بالخطر الإيراني لا يبدو متماسكاً.
أما بالنسبة لبيونغ يانغ فهي تمتلك صواريخ قادرة على الوصول إلى الساحل الأميركي، لكن احتمال استخدام هذه الصواريخ يبدو معدوماً أمام ما يترتب على ذلك. من هذا المنطلق فإن مواصلة مشروع الدرع الأميركي يشير إلى أن الولايات المتحدة تتعامل مع روسيا والصين على أساس أنهما عدوتين بالمعنى الأمني.
وتدفع الولايات المتحدة في سبيل تبرير مشروعها لموسكو وبكين بحجةٍ تقوم على أن نشر الدرع الصاروخي في شرق أوروبا بتفصيلاته المعلنة، لا يحدث تغييراً جذرياً في الوضع القائم للأمن والتوازن الدوليين. في حين أنه من الممكن إعتبار هذه الذريعة بمثابة إنكار لأهمية المشروع بأكمله، والذي يجري تسويقه عند المواطن الأميركي على أنه قادر على إحداث تغيير جذري في مسألة التهديدات التي تطال أمنه، علماً أن التكلفة المالية لهذا المشروع مرتفعة جداً، وتتفاوت حولها التقديرات.
روسيا والصين: الحرب الباردة ولّت.. وكذلك الأحادية
لم تظهر روسيا أية إشارة على أنها تصدق الرواية الأميركية حول مشروع الدرع الصاروخي، وأعرب قادتها مراراً عن مللهم من تكرار الذرائع الأميركية والأوروبية حوله. وتمضي روسيا في طريق مواجهة محاولة تطويقها، باعتماد عدة مسارات تعبر عن خياراتها وهي:
- الديبلوماسية المباشرة تجاه الولايات المتحدة الحوار معها.
- الحوار مع الإتحاد الأوروبي وفق التعاون والتنافس.
- بناء جسور توافق استراتيجي مع الصين حول مجالات عديدة.
- التشدد مع الدول الميحطة لها في القوقاز والبلقان وكامل منطقة شرق أوروبا.
- إستكمال تعزيز القدرات العسكرية التقليدية وغير التقليدية.
على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة تبدو الطريق مسدودةً أمام التوصل إلى اتفاقٍ يرضي الطرفين، في ظل تمسك البلدين بمواقفها. فالولايات المتحدة لا تبدي استعداداً على الإطلاق لإيقاف مشروع الدرع الصاروخي، وروسيا تتمسك بأن استكماله سوف يجبرها على اتخاذ خطواتٍ مقابلة لضمان أمنها ومصالحها. وبالرغم من إنسداد الأفق الذي يبدو، إلا أن الطرفان يتركان المجال أمام استمرار المناقشات في المستقبل، فقد أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد لقائه الرئيس الروسي في 18 حزيران 2012 على هامش قمة مجموعة العشرين G20 التي عقدت في المكسيك، "أن النقاش طال مسائل تحمل صفة الإستراتيجية، بما فيها منظومة الدرع الصاروخي، وأنه تم الإتفاق على استمرار العمل لحلها".
وفي سياق الحوار مع أوروبا بهذا الشأن، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند في باريس في الأول من حزيران 2012: "يقولون لنا دائماً إن نشر منظومة الدرع الصاروخية لا يستهدف روسيا، إننا سمعنا هذه التصريحات مراراً، لكننا نريد أن نحصل على ضمانات عسكرية- تكنولوجية (بهذا الشأن) تنعكس في وثائق ملزمة قانونياً. في هذه الحال فقط، سنشعر بالأمان وسيكون بوسعنا إجراء حوار طبيعي كشركاء".
وفي اليوم التالي فقط، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قائلاً: "إن الولايات المتحدة وضعت خطتها ولا تريد أو لا تستطيع التراجع عنها قيد أنملة، وهذا لا يتطابق مع رؤيتنا للتعاون، ولا نزال نصر على أخذ مخاوفنا في عين الإعتبار. وإن لم يتم ذلك لن يكون هناك تعاون".
وتدرك أوروبا جيداً أن الروس يحتكرون تصدير المواد الخام من آسيا الوسطى، وأن معظم إحتياجاتهم من الغاز يحصلون عليها من روسيا، وعليه فإنهم بحاجة إلى علاقات جيدة مع موسكو.
لقد عبرت المقالة التي كتبها بوتين بعنوان "لولا روسيا لما كان المشروع الأوروبي الكبير" ونشرت في جريدة "لو موند" الفرنسية في 12 نيسان-أبريل 2007 عن النظرة الإستراتيجية لدى القيادة الروسية إلى موضوع العلاقة مع الإتحاد الأوروبي، وفيها إعتبر أن بوتين أن الإندماج الأوروبي عملية منطقية تشكل جزءاً لا يتجزأ من بروز نظام عالمي متعدد القطب. وأن تعزيز الروابط مع الإتحاد الأوروبي في مجالات عدة هو خيار أساسي بالنسبة لروسيا، دون ان تكون مستعدة في المستقبل القريب للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي أو الدخول في نوع من الشراكة معه. متبنياً الصيغة التي حددها رومانو برودي للعلاقات الروسية مع الإتحاد الأوروبي والتي تقوم على مبدأ: "كل شيء ما عدا المؤسسات".
وفي المجال الأمني حدد بوتين رؤية بلاده تجاه الدور الأوروبي قائلاً: "من غير المقبول أن تسيطر على السياسة الأوروبية ذهنية الكتل. وأن تظهر خطوط انقسام جديدة في قارتنا، وتتحقق مشاريع أحادية على حساب مصالح الجيران وأمنهم"، وأكد أن التحديات لا يمكن رفعها إلا على أساس التعاون والثقة، سواء تعلق الأمر بتسوية مشكلة الدفاع المضاد للصواريخ أو ملفات أخرى، معرباً عن جهوزية روسيا لمستقبلٍ مشترك مع أوروبا.
وفي سبيل تدعيم موقفها الرافض لهذا التوجه الأميركي نحو تهديد أمنها، سعت موسكو إلى خلق توافق استراتيجي مع بكين جعل الموقفين الروسي والصيني متناغمين إلى حدٍ بعيد تجاه موضوع نشر الدرع الصاروخي، هذا التناغم عبر عنه لافروف بقوله "إن موسكو وبكين لا تقبلان سياسية توسع الأحلاف العسكرية، ونشر منظومات مضادة للصواريخ على أساس تلك الأحلاف، ومحاولات ضمان أمن بعض الدول على حساب دول أخرى.
وعليه فإن روسيا والصين هما أول المتضررين من غياب التوازن الأمني الإستراتيجي، وطالماً أن الولايات المتحدة ماضية في هذا نصب أجزاء الدرع فإنها ستبقى على رأس مهددات الأمن القومي للدولتين.
أما بخصوص التعاطي مع دول الجوار التي تظهر قبولاً بالمساهمة بنشر أجزاء من الدرع الصاروخي، فإن خطاب الروس يبدو مباشراً وحاد اللهجة، فموسكو لم تتردد بتهديد بولندا بأن قبولها نشر أجزاء من منظومة الدرع يجعلها هدفاً للجيش الروسي بنسبة مئة في المئة. وقامت بتحذير جورجيا في أكثر من مناسبة، وصولاً إلى توجيه ضربة عسكرية قاسية لها على خلفية قيامها بإلغاء الوضع الخاص الذي كانت تتمتع به كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وموضوع جورجيا بالتحديد يمكن اعتباره رسالة موجهة إلى القوى الغربية التي وقفت خلف الخطوة التي قام بها الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بخصوص الإقليمين، وقد كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن الولايات المتحدة شجعت جورجيا على هذه الخطوة لإحداث أزمة عالمية يصل من خلالها ماكين إلى البيت الأبيض. خصوصاً أن حرب جورجيا بدأت في 7 آب-أغسطس عام 2007، أي قبل أشهر قليلة من الإنتخابات الأميركية.
وقبل يوم من بدء الضربة العسكرية لجورجيا صرح الرئيس الروسي يومها ديمتري ميدفيديف بأن خطط نشر الدرع الصاروخي الأميركي في شرق أوروبا تهدد أمن القارة. وأن من حق موسكو اللجوء إلى تدابير وإجراءات أحادية للدفاع عن أمنها واستقرارها في حال لم تجد تعاوناً من الشركاء. وحذر (ميدفيديف) الأوروبيين من أن نشر الصواريخ في شرق أوروبا سيشكل تهديداً لأمن القارة ويزيد من صعوبة الوضع المعقد أصلاً هناك.
وفي ظل هذا الإحساس الروسي بأنهم يستطيعون فعل أي شيء، خصوصاً في مجالهم الجيواستراتيجي، واستمرار نشر الدرع الصاروخي من قبل الولايات المتحدة، فإن المنطقة المحيطة بروسيا تبقى مرشحةً لتوترات أمنية في المستقبل.
وعلى صعيد الجهود العسكرية الروسية لإبقاء التوازن الاستراتيجي مع الغرب، فإن الروس يعلنون عن تطوير أنواع جديدة من الصواريخ ونشر صواريخ نووية تكتيكية لمواجهة الدرع الأميركي، وقد اختبرت روسيا بنجاح في الأسبوع الأخير من أيار-مايو 2012 ناجحة إطلاق صاروخٍ جديدٍ عابرٍ للقارات وقادر على اختراق الدرع الصاروخية الدفاعية الحديثة، وقد تم إطلاق الصاروخ من مطار "بليسيتسك" وأصاب هدفه في منطقة كورا لإجراء التجارب في شبه جزيرة كامشاتكا. وفي الأسبوع نفسه أطلقت موسكو العمل التجريبي لمحطة الإنذار المبكر الحديثة "فورونيج إم" في مقاطعة ايركوتسك الروسية بسيبيريا الشرقية. وتعتبر هذه المحطة فريدة من نوعها في العالم، وعنصراً مهماً من منظومة حماية روسيا من هجمات صاروخية وضمان أمنها الإستراتيجي. وهي المحطة الرابعة من هذا النوع في الأراضي الروسية. وتعتبر "فورونيج إم" محطة رادار من الجيل الجديد، حيث تتميز بمواصفات أعلى ودقة أكبر واستهلاك أقل للطاقة ومدى يصل إلى 6000 كيلومتر.
وفي السياق نفسه أعلن نيكولاي باتروشيف الأمين العام لمجلس الأمن القومي الروسي في الأول من يونيو-حزيران من العام الحالي، أن روسيا قادرة على اتخاذ إجراءات مناسبة رداً على منظومة الدرع الصاروخية التي تنشرها الولايات المتحدة وحلف الناتو في أوروبا. واعتبر أن خطوات القيادة الروسية في هذا المجال مناسبة، موضحاً أن من بين هذه الخطوات دخول محطة الرادار في مقاطعة كالينينغراد الخدمة القتالية، وتعزيز الدفاع عن المنشآت التابعة للقوات الإستراتيجية النووية، وتطوير وسائل حماية الصواريخ الروسية من الأنظمة المضادة للصواريخ، بالإضافة إلى توسيع قدرات القوات المسلحة الروسية على اختراق الدرع الصاروخي.
وفي نهاية الشهر نفسه أعلن ألكسندر غروشكو نائب وزير الخارجية الروسي في مؤتمر الأمن السنوي الذي عقدته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا، أن خطط إقامة الدرع الصاروخي في أوروبا، تؤدي إلى تحقيق "سيناريو تصادم"، مشدداً على أنه يجب تجنب تدمير الإستقرار الإستراتيجي. وتابع غروشكو قائلاً إن القضية حادة جداً، فإما توحيد الجهود على مستوى جديد نوعياً لحماية المنطقة المشتركة من خطر الهجمات الصاروخية وإما ترسيم "خطوط فاصلة جديدة" حتى في مجال المصالح المشتركة هذا.
خلاصة..
قد لا تؤدي مواصلة نشر الدرع الصاروخي في أوروبا إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الأطراف صاحبة المواقف المتناقضة منه، إلا أن حدوث توترات إقليمية في أوروبا يبقى غير مستبعدً، خصوصاً في ظل التصلب الذي يعتري الموقفين الروسي والأميركي.
إن الأخطار الناجمة عن هذا المشروع لن تصل بالضرورة إلى حدٍ شبيه بأزمة الصواريخ الكوبية خلال حقبة الحرب الباردة، ذلك أن مفهوم الحرب قد تغير. ولحقيقة أن القوى الكبرى باتت تنتهج أساليب أخرى لتحقيق مصالحها، فبعد نهاية الحرب الباردة والمخاطر التي حملتها (إندلاع حرب نووية كبرى) لا يبدو مرجحاً حدوث حرب بين قوتين كبيرتين، تحتويان على كميات ضخمة من الأسلحة القادرة على تدمير العالم بأسره.
وفي الوقت نفسه، فإن شكوكاً جدية تثار حول مدى فاعلية الدرع الصاروخي، فمن الناحية التقنية تبدو إمكانية التحايل على طريقة عمله متاحة، وذلك عبر تمويه البالونات التي تحمل الرأس الحربية الحقيقية، ما يجعل تحقيق إصابة مباشرة من الصاروخ الإعتراضي لهذه الرأس الحربية أمراً مستعصياً.
كما أن الدول التي تقرر ضرب إحدى المناطق التي يغطيها الدرع، قد تلجأ إلى الإعتماد على غزارة إطلاق الصواريخ بشكلٍ يفوق قدرة النظام الدفاعي على إعتراضها، أو أنها قد تبدأ هجومها باستهداف الرادارات لتعطيل رصد الصواريخ الهجومية قبل وصولها.
وبالتالي فإنه من المحتمل أن يكون لإنشاء الدرع أهدافاً أخرى، تتعلق بالإستغلال السياسي للدول الحليفة والمعادية، من خلال بيع الحلفاء أنماط أمن تشكل الولايات المتحدة ركيزتها، وإرعاب الدول المعادية من قدرات نظام الدفاع الصاروخي هذا على تدمير أسلحتهم، وشل قدراتهم الصاروخية، ما يمنعهم من القيام بأدوار تحالفية إلى جانب موسكو، وجذبهم إلى المعسكر الآخر. أما إذا كان لهذه المنظومة قدرات خارقة على منع أي هجوم صاروخي على الأراضي التي تغطيها، فإن احتمالات المواجهة بين موسكو والدول التي تحتضن أجزاء المنظومة ستكون مرتفعة من الآن فصاعداً.