مارون الناشف.. نموذج مبتكر للصراع من أجل البقاء
مارون الناشف، عازف العود الذي لطالما أحبته الناس واستمتعت بأغانيه وعزفه، يعمل من البقاء
لا ينفك مارون الناشف يقدم نموذجاً خاصاً في مفهوم "الصراع من أجل البقاء" بصيغة تحفظ الإنسان، وتصون كرامته. يطلق العنان لعزفه على عود زوده بمكبر للصوت، فتتردد أصداؤه إلى مسافة بعيدة على الكورنيش، حيث يتخذ محطة لتسويق "إنتاجه" وبيع بضاعته: العزف والغناء، فيهرع رواد الكورنيش نحوه، يستمعون لأغنيات يجيدها منذ صغره، وقد اختار منها ما يعرف أنه محبب على قلوب الناس: يا عوازل فلفلو لفريد الأطرش\وسمرا يا سمرا لكارم محمود\وغنيلي شوي شوي لأم كلثوم، وما شابه من طرب، دون أن يستثني فيروز وصباح ووديع الصافي، وأسماء أخرى كلها تحتل مكاناً على لائحته من الورق العتيق التي كتب عليها أسماء الأغاني بخط يده، ربما يقدمها للزبائن لاختيار المناسب.
سحنة سمراء داكنة، وطربوش أحمر، وتحتهما ثياب مرتبة بنسبة مقبولة، مظهر يشي بأنه لم يكن إبن فقر، لكن الحياة دعكته، وأضعفت قدرته لبلوغ حياة أرقى وأكثر هناء. كما تؤكد لوحة مخططة بخط عربي متناسق حالته الإجتماعية، موحية أن حياة الرجل انحدرت على الصعيد الاجتماعي. لكنه آثر العمل عازفاً، فالعمل بنظره "يحفظ الكرامة، ومهما كان نوعه، فهو لا "يبهدل" صاحبه طالما يؤتي ثماره بعرق الجبين".
اللوحة التي تشكل حملته الإعلانية، تقول: “بدي غني حتى عيش\وظيفي بإيدي ما فيش\ميلو اسمعو غنيي\بغني بشوية بخشيش". ويختمها في الأسفل بعبارة توضح استعداده لتغطية الأعراس والمناسبات.
منذ عشر سنوات، يدأب الناشف على عزفه جوالاً، ولا يقتصر عليه، لأنه لا يسد حاجته الحياتية، فهو يقود سيارة أجرة نهاراً، ومستعد لتقديم أي خدمة باستطاعته، على أن لا يضطر للجوء إلى الإستعطاء.
ويروي الناشف قصته التي بدأت بحرق حانوته الذي "أمّنت نفقات حياتي عبره في بلدتي مغدوشة، وقد أصيب المحل في أحداث ١٩٨٦، وهجرته وصرت أبيع ما يتيسر لي من خضار، ومرايا، ودخان، وأوراق يانصيب”.
كان يجول في أي مكان، حاملاً أوراق اليانصيب، معلقاً على صدره لافتة تغري الزبائن: “مقابل شراء ورقة يانصيب أقدم لك أغنية على العود مجاناً"، وكان يسير في الأحياء والشوارع معتمراً طربوشاً أبيض وعليه عبارة مشوقة أخرى: "أبو ريتا يرحب بكم".
أما ريتا وهي ابنته الكبرى، أسماه العامة على إسمها "أبو ريتا" لأنه ليس لديه صبي يكنى به، لكن ذلك لا يروق لكثيرين في أن يكنى الرجل باسم ابنته، لذلك تعاطى مع الموضوع بنوع من الخجل والتردد، لكنه لا يلبث أن يروي أنه وضع قرصاً مدمجا تكريماً لزوجته الراحلة، كتب عليه: “كان معكم الفنان مارون الناشف- أبو ريتا".
يواصل الناشف عزفه على العود منذ ٥٥ سنة، كما يقول، ويتابع: "لم يكن والدي يسمح لي بالمس بعوده، لكنني كنت أنتظر خروجه من البيت، وأقف على كرسي لآتي بالعود، وكانت والدتي تنهرني كي لا يغضب والدي، فكنت أقول لها وأنا صغير "نوسة نوسة"، أي (قليلاً قليلاً) تعلمت العزف بنفسي. أحببت العود، وظللت أمارس العزف كلما أتيح لي ذلك".
العود هو المصدر الأساسي لحياة مارون اليوم، فعلاوة على عمله على الرصيف، يقدم حفلات في الأعراس، وكذلك في المدارس.
يحضر الناشف إلى الرصيف بصورة متقطعة، دون تبرير، لكن رواية منه تكشف أن قوى الأمن الداخلي اعترضت على عمله لأنه يسبب التجمعات، فيضطر للتغيب كي لا يلفت الإنتباه، فمرتين أو ثلاث اسبوعياً تسمح لرجال الدولة بغض الطرف ريثما استحصل على ترخيص من البلدية.
رواد الرصيف الدائمون يفتقدون حضور الناشف عندما لا يأتي إلى عمله، فهو يضيف أنسا خاصا لتهاديهم على الرصيف.