تفجير لبنان وفساد تركيا ثمن صراع المحاور؟
يسهب الزميل سامي كليب بتوصيف الوضعين اللبناني والتركي، راسماً الرابط بين تركيا ولبنان في صراع المحاور، ويخلص إلى أن الصراع الإقليمي لا يزال في أوجه معتبراً أن مشكلة اردوغان وسليمان انهما ليسا محايدين في هذا الصراع.
سامي كليب- صحيفة "الأخبار" اللبنانية: لو اندلعت في لبنان فضيحة فساد، كالحاصلة حالياً في تركيا، لكانت قد انتهت بانتصار الفاسدين. لحسن حظ الطبقة الفاسدة في لبنان، ولسوء حظ المواطن الفقير، إن الفاسد هنا يُكرَّم والفقير يُجرَّم.
لنترك الفقراء لفقرهم، ولنرَ ما هو الرابط بين تركيا ولبنان في صراع المحاور.
عام 2014 قد يكون الأخطر والأسوأ في لبنان منذ بداية القرن الحالي. معلومات أمنية وسياسية عن احتمال حصول اغتيالات وتفجيرات واشتباكات وتوريط للجيش ومحاولة لتوريط حزب الله أيضاً. تتزامن المخاطر الأمنية مع شبه يأس من مخرج حكومي توافقي، وازدياد التوقعات بفراغ رئاسي.
عام 2014 قد يكون الأخطر والأسوأ في تاريخ رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان على رأس حزبه الاسلامي «العدالة والتنمية» قبل الانتخابات المحلية في 30 آذار/ مارس المقبل. الأمر ليس مجرد عثور على علب أحذية مليئة بالنقود. في القضية اشتباك إسلامي ــــ إسلامي، وآخر اقليمي، وثالث دولي.
لنطرح سؤالين:
ــــ هل لما يحدث في لبنان علاقة باتهام رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالدخول في الحلف السعودي ضد "حزب الله" وايران؟
ــــ هل للزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني لتركيا في الشهر المقبل علاقة بسقوط حكومة أردوغان في فخ الفساد؟
لم يقل الرئيس سليمان حتى اليوم، علانية، أنه راغب بالتجديد أو التمديد. يؤكد دائماً احترام المهل الدستورية. قال إنه ذهب الى السعودية ليس لتحدي عدويها، حزب الله وايران، بل لحماية لبنان واللبنانيين هنا وفي الخليج. قال، أيضاً، انه دأب على دعم المقاومة، لكنه لا يريد "حزب الله" في سورية. قال، أخيراً، انه يدعم الاتفاق الإيراني ــــ الغربي لأنه يغلّب منطق الحوار والحل السياسي.
كلما قال هذا، يزداد خصومه في لبنان والخارج توّجساً. يقولون التالي: إن سليمان انتقد بشدة هجوم "حزب الله" على السعودية. لم ينتقد، في المقابل، من هاجم وشتم ايران. لم يتجاوب مع مطالب سورية وحلفائها في ضبط الحدود. انتقد مباشرة الرئيس السوري بشار الأسد.
في دمشق يقال أن ثمة تقارير وصلت تفيد بأن الرئيس كان في لقاءاته مع الغربيين، العام المنصرم، شبه مقتنع بسقوط قريب للأسد وربما مرحباً. وصل الأمر الآن إلى مرحلة التحدي الخطير في مسألة تشكيل الحكومة. الصدام ممكن.
في أوج هذه المعمعة يتصل الرئيس روحاني بسليمان مهنئاً. في أوج هذه المعمعة، تتمايز ايران عن "حزب الله" .تمتنع عن توجيه أي اتهام علني للسعودية لا في تفجير السفارة في بيروت ولا في غيرها. على العكس تماماً، تنشد التقارب. تريد احتواء التفاصيل الصغيرة لتعزيز تفاهماتها الكبيرة.
في أوج هذه المعمعة، يذهب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم الأحد الى السعودية. ستكون رئاسة الجمهورية اللبنانية قضية أساسية. التحالف السعودي ــــ الفرنسي في هذه القضية مفصليّ. قد يشتد التحدي إذن ويكبر الاشتباك. تحذير الشيخ نعيم قاسم واضح.
لنقفل قليلاً صفحة لبنان ونفتح كتاب الفساد في تركيا. ثمة ثلاثة رجال لا بد من التوقف عندهم لنفهم بعض الخلفيات. فتح الله غولن الداعية الإسلامي المقيم في أميركا، ورجل الأعمال ذو الأصل الاذربيجاني رضى زراب، والسفير الأميركي في انقرة فرانسيس ريكارديوني.
غولن المتربع على شبكة إسلامية هائلة من المدارس والمصالح في تركيا وآسيا الوسطى وافريقيا، والمتغلغل بقوة في القضاء والشرطة، متهم بتفجير كل قصة الفساد ضد حليفه السابق اردوغان. غولن مؤيد للغرب والأطلسي والعلاقة الجيدة مع اسرائيل وكاره لإيران، وانتقد بشدة سابقاً إرسال سفن تركية إلى غزة. هو إذن ضد التقارب التركي ــــ الإيراني.
رضى زراب كان قد أسس عام 2011 شركة تجارية لاستيراد وتصدير الذهب والحجارة الثمينة. حققت الشركة، في عامها الأول، أرباحاً شكلت 46 في المئة من مجمل عمليات التصدير التركية. معظم هذه العمليات كانت مع ايران. سيقت اتهامات ضده بمساعدة طهران على تبييض أموال في ظل العقوبات. يقال إن معظم الإتهامات كان خلفها إسرائيليون وأميركيون وبعض الخليجيين. إيران إذن مقصودة.
حين تحدث اردوغان عن «مؤامرة» على حكومته وهدد بطرد سفراء من بلاده كان يعني خصوصاً السفير ريكارديوني. قيل ان السفير الأميركي أثار مع نظرائه الاوروبيين قضية مصرف «هالك بنكاسي» في عمليات بيع الذهب بطرق غير شرعية إلى إيران.
بمعنى آخر، تبين أن جهات قريبة من أميركا واسرائيل تقف خلف فضائح الفساد، ولعلها تريد القضاء على اردوغان. اللافت انه منذ اشهر عدة هناك فتور واضح بين اميركا وحليفها السابق اردوغان. في المقابل، ترتفع حرارة الإتصالات الأميركية مع المعارضة وتفتح واشنطن أبوابها لزعيم المعارضة. هل إنتهى الدور الأطلسي لأردوغان، أم أن اطرافاً تريد استمرار الضغط على إيران حتى في ظل التفاهم مع الغرب.
اللافت، أيضاً، أنه في أوج هذه الفضائح، تعلن اسرائيل قرب استئناف رحلاتها مع انقرة. كذلك تكشف صحيفة «هآرتس» أن اردوغان خفف شروط التعويضات على ضحايا سفينة مرمرة. هل وجد الرجل أن السبيل الوحيد للعودة الى البيت الابيض يمر عبر الباب الاسرائيلي؟
هذا ممكن. شعور اردوغان بالفخ وفشل سياسته الخارجية، وخصوصاً في سورية ومصر التي طردت سفيره، جعلت استراتيجية مهندس سياسته الخارجية أحمد داوود اوغلو المسماة «صفر مشاكل» مثاراً للنكات والسخرية.
في كل الأحوال باتت خشبة الخلاص لأردوغان، الآن، ايرانية. بها يحذّر الاميركيين والأطلسي، وعبرها يوجّه رسالة للسعودية قائدة مشروع إسقاط الإخوان في المنطقة.
يتبين من كل ما سبق أن الصراع الإقليمي لا يزال في أوجه. لا شك أنه في صراع كهذا، يمهد عدم الحياد لاختراقات كثيرة. مشكلة اردوغان وسليمان انهما ليسا محايدين في هذا الصراع. لا بد من ثمن ما إذا ما كان الإتفاق الأميركي ــــ الروسي من جهة، والإيراني ــــ الغربي من جهة ثانية، ماضيين فعلاً نحو صفقة واسعة. هنا لب المشكلة والحلول. كل ما يقال غير ذلك تفاصيل عابرة في عواصف المنطقة. هل يتفجر وضع لبنان ويترنح أردوغان؟ الإحتمالان واردان جداً... لكن لبنان معتاد تسويات ربع الساعة الأخير. لعل في الإتصال الايراني مع سليمان وزيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة لبعبدا رغبة واضحة في عدم إيصال الأمور إلى مرحلة التفجير.